اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الجاثية (2) للشيخ : أبوبكر الجزائري
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
وها نحن مع سورة الجاثية، وهي من آل حم المكيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [الجاثية:6-11].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6]، لقد تقدمت الآيات، وهي كلها تدل على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن البعث الآخر حق.
وهي براهين وأدلة لا يشك فيها ذو عقل أبداً أنها تدل دلالة عقلية منطقية على أنه لا إله إلا الله، وعلى أن البعث الآخر حق، وعلى أن من نزلت عليه هذه الآيات نبي الله ورسوله.
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6]، إذا لم يؤمنوا بمثل تلك الآيات والحجج والبراهين فبأي حديث يؤمنون؟ ما يؤمنون أبداً، وفي هذا تعزية للرسول صلى الله عليه وسلم وتسلية له.
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية:7] ما الأفّاك؟ ما الأثيم؟
الأفّاك: الكذاب، الذي يقول في الحق: باطل، وفي الصدق: كذب، وفي الخير: شر! يقلب القضية رأساً على عقب، فهذا هو الإفك.
والأثيم: المنغمس في الآثام من الشرك والكفر والذنوب والمعاصي، فيا ويله! فهذا الوادي المليء بالأوساخ، المليء بالقيوح والدماء والأبوال يشربونه ويعيشون عليه: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية:7]، فنبرأ إلى الله من أن نكون أفاكين أو نكون كذابين، فلا إفك ولا كذب، فمن ترك واجباً أثم، ومن فعل محرماً أثم، فالإثم نتيجة ترك واجب أو فعل محرم.
فالإثم هو أن يتعلق بالروح وبالنفس ظلام ونتن وعفونة، سبب ذلك تركه واجباً أوجبه الله أو فعله محرماً حرمه الله، فاللفظ إذاً عام، فكل معصية إثم، والمعصية إما بترك ما أمر الله به أو بفعل ما حرم الله ونهى عنه، وهذه تتناول أبا جهل عليه لعائن الله وأضرابه.
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ [الجاثية:7-8] تقرأ عليه لتبين له الطريق فيصر على الكفر والعناد -والعياذ بالله تعالى- وكأنه لم يسمع تلك الآيات.
إذاً: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ [الجاثية:7-8] يقرؤها قارئ ليعظه بها أو يذكره، ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا [الجاثية:8] مصراً على ذلك الباطل كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا [الجاثية:8].
هنا قال تعالى لرسوله: فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الجاثية:8] أيما مستكبر تتلى عليه آيات الله فيطغى ويزداد في كفره وعناده وجحوده فبشره بعذاب أليم، ألا وهو عذاب يوم القيامة، عذاب الجحيم، عذاب النار والعياذ بالله تعالى.
ولما بلغه أن الزبانية في جهنم تسعة عشر قال: أنا أكفيكموهم ما داموا تسعة عشر!
وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا [الجاثية:9] واستهزاء وسخرية والعياذ بالله.
قال تعالى: أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [الجاثية:9] أي: عذاب جهنم يهانون فيه ويذلون ويحقرون ويصبحون أخس المخلوقات؛ لأنهم متكبرون في الدنيا متجبرون، هذا أبو جهل وغيره من كل من يقف هذا الموقف الشائن القبيح.
وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [الجاثية:9] ألا وهو عذاب جهنم.
مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا [الجاثية:10] أموالهم.. أولادهم.. رجالهم.. عصبتهم.. كل ذلك -والله- لا يغني عنهم شيئاً أبداً، بل يسحبون على وجوههم في النار.
مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا [الجاثية:10] ما كسبوا في هذه الدنيا من مال وسلطة وقوة وقدرة أبداً، وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ [الجاثية:10] أيضاً، فالذين اتخذوهم آلهة وعبدوهم ووالوهم وقاتلوا من أجلهم وكفروا من أجلهم -وهم أصنامهم وأحجارهم- والله! لا تغني عنهم شيئاً.
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الجاثية:10] الله العظيم يصف هذا العذاب بالعظمة، فكيف يكون هذا؟ لا يقدر قدره ولا يعرف أبداً، فالله العظيم يصف هذا العذاب بالعظيم: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الجاثية:10] ألا وهو عذاب جهنم، عذاب النار والعياذ بالله تعالى الذي يخلدون فيه خلوداً أبدياً لا ينتهون منه ولا يخرجون أبداً.
هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ [الجاثية:11] القرآنية والمعجزات على يد رسوله صلى الله عليه وسلم لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [الجاثية:11] والرجز: الوسخ، عذاب وسخ والعياذ بالله تعالى، هذا وعيد لهم.
فاسمعوا عباد الله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ [الجاثية:11] ولم يؤمنوا بها ولا بمن نزلت عليه ولا بما تحويه من الهدى، كفروا بآيات ربهم القرآنية لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [الجاثية:11] عذاب أليم من رجز، والرجز: الأوساخ والعياذ بالله تعالى، شر العذاب عذاب الرجز.
والله تعالى نسأل أن يجعلنا من المؤمنين الصادقين الذين لا يأفكون ولا يكذبون، والذين لا يعصون الله ولا يخرجون عن طاعة رب العالمين، يعبدون ربهم وحده ولا يعبدون معه سواه، لا يأثمون بحال من الأحوال، ومن وقع في إثم تاب إلى الله واستغفره وعزم ألا يعود إليه ليمحو الله ذنبه ويطفئ ناره ويدخله في عباده المؤمنين الصالحين، اللهم اجعلنا منهم.
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: القرآن نور وأعظم نور، فمن لم يهتد عليه لا يرجى له الهداية أبداً ].
من هداية هذه الآيات: أن القرآن نور، فمن لم يهتد بالقرآن لن يهتدي أبداً، القرآن كتاب هداية ونور يضيء الطريق ويضيئها للسالكين؛ لأنه يبين التوحيد والعقيدة السليمة الصحيحة، والأحكام الشرعية والآداب والأخلاق، كله أنوار، فمن أعرض عن القرآن وتكبر عنه ولم يقرأه أو استهزأ به فهو من الهالكين والعياذ بالله تعالى.
[ ثانياً: الوعيد الشديد لأهل الإفك والآثام، والإفك: الكذب المقلوب ].
من هداية هذه الآيات: الوعيد الشديد لأهل الإفك والآثام، والإثم هو الذنب، ما يلحق بسبب المعصية، إما بترك واجب أو بفعل محرم، هذا هو الإثم، يخبث النفس البشرية ويعفنها، فتصبح ليست أهلاً لأن يرضى الله عنها أو يدخلها جنته، والإفك هو الكذب المقلوب، يسمي الحق باطلاً والصدق كذباً، يقلب القضية والعياذ بالله، ونبرأ إلى الله تعالى من الكذب، لنعيش ما نعيش لا نكذب ولا نقول إلا الحق والصدق.
[ ثالثاً: شر الناس من إذا سمع آيات الله استهزأ وسخر منها أو ممن يتلوها ] والعياذ بالله تعالى! نبرأ إلى الله من هذه الصورة، فشر خلق الله من يسمع آيات الله فيستهزئ بها أو يسخر أو يضحك ممن تلاها والعياذ بالله، فعل هذا المشركون في مكة، وقد يفعله المبطلون الآن ويسخرون من القرآن والمؤمنين والعياذ بالله، وخاصة العلمانيين والشيوعيين.
[ رابعاً: لم يغن عمن مات على الكفر شيء مما كسب في هذه الحياة الدنيا من مال وولد وجاه وسلطان ].
من هداية الآيات: أن من مات على الشرك، مات على الكفر، على الذنوب والفسق والآثام؛ لن يغني عنه شيء لو كانت له الدنيا كلها برجالها وأموالها ودولتها.
[ خامساً: لم يغن عن المشرك ما كان يعبد من دون الله أو مع الله من أصنام وأوثان وملائكة أو أنبياء أو أولياء ].
فمن مات على الشرك والكفر لن يغني عنه شيء أبداً، لو عبد الملائكة، لو عبد الأولياء؛ كل ذلك لن يفيده ولن ينجو من عذاب الله أبداً، ولن يغني عنه شيئاً، وإنما الغنى للذين يعبدون الله وحده ولا يعبدون معه غيره، أما عابد الأوثان والأصنام والملائكة والأنبياء والأولياء وما إلى ذلك فلن يغني ذلك عنه من الله شيئاً، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الجاثية:10] وصفه الله بأنه عظيم لا يطاق أبداً، ولكن الله عز وجل ما ظلمهم، بل ظلموا أنفسهم، نبرأ إلى الله من الشرك وأهله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الجاثية (2) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net