اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هذا الحبيب يا محب 8 للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد: فمع النتائج والعبر من المقطوعة التي درسناها في اليوم السابق لهذا اليوم، فهي تذكرنا بما سبق أن وقفنا عليه وعرفناه.
أولاً: إذا غاب نور العلم بموت العلماء نجمت البدع واستبدل الناس الهدى بالضلال. وهذه حقيقة!
ثانياً: ضعف الإنسان الفطري هو الذي يحمله على طلب ما يجلب له النفع، ويدفع عنه الضر، فإن اهتدى إلى الطريق الصحيح الذي يحصل به على ما يرغب، وينجو به مما يرهب فذاك، وإلا سلك مسالك الغواية والضلال من الظلم والشرك والابتداع. وهذه سنة ماضية في الخلق!
ثالثاً: مع طول العهد من فقد العدنانيين للعلم الصحيح بالله تعالى ودينه فقد بقيت لهم بقايا صالحة، وتذكرون أن العدنانيين عاشوا فترة من الزمان على نور من الله؛ إذ بعث الله فيهم عبده ورسوله إسماعيل، ولكن بمرور الأيام وتوالي القرون انتهى ذلك النور، وجاءت الجاهلية كما مرت وعرفناها.
إذاً: مع طول العهد من فقد العدنانيين للعلم الصحيح بالله تعالى ودينه فقد بقيت لهم بقايا صالحة، وذلك كالحج؛ إذ كانوا يحجون في الجاهلية، والعمرة: إذا كانوا يعتمرون أيضاً، وتعظيم البيت العتيق، واحترام الحرم، والأشهر الحرم، والتقرب إلى الله تعالى بالهدي وإطعام الحاج، وسقايته، ودفع الظلم عنه.
هذا كله كان في الجاهلية، وقد حفظ الله لهم هذه البقايا الصالحة فكانوا كما شهد بذلك القرآن.
هذه هي النتائج. وأما العبر فهي:
العبرة الأولى يا معاشر المستمعين والمستمعات! أن المسلمين فقدوا العلم الصحيح في ديارهم، من إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً، وابتدعوا بدعاً سيئة شبيهة ببدع أهل الجاهلية، فقد نذروا النذور لأصحاب الأضرحة والقباب، وساقوا لهم الشاة والعجل، وحلفوا بأسمائهم، وكسوا توابيتهم بأفخر أنواع الكسوة، ولعل بعض السامعين لم يسمع بهذا، ولكن إذا خرج من المملكة وسأل عن أضرحة الأولياء ووقف وشاهد وجد ما سمعه حقاً يقينياً؛ والعلة هي فقدان العلم.
فالعرب عندما مات إسماعيل وأولاده وأحفاده والعالمون منهم أصبحوا وثنيين ولا عجب! فالقرية أو الإقليم الذي يموت فيه العلماء ولا يبقى فيه من يعرّف الطريق إلى الله لابد وأن تحدث فيه البدع والضلالات قطعاً وبدون شك، فهذه سنة الله في الخلق.
ثانياً: بدعة خط الرمل. وليس عندنا من يضرب خط الرمل، ولكن هناك في الشام والمغرب وفرنسا من يضرب خط الرمل، أما في عدن فلهم صفوف، وذلك للاستدلال على المغيبات عند جهال المسلمين، وهذا كبدعة الاستقسام بالأزلام عند أهل الجاهلية المشركين، أما قال تعالى: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ [المائدة:3]! ذاك هو خط الرمل، تجد الرجل يريد أن يتزوج أو يسافر أو يبني أو يغرس فلا يدري الخير فيما عزم عليه فيأتي إلى صاحب الأزلام ليخبره، والأزلام عبارة عن عيدان منظمة في كيس يديرها ويستخرج منها عوداً، فإن وجد مكتوباً عليه رابح قال لك: امش، أو مكتوباً عليه: خاسر قال لك: اجلس.
لقد ماتت الجاهلية وجاء الإسلام، ثم عادت الجاهلية مرة أخرى فظهر بين المسلمين خط الرمل، تجدهم يخطون فيقولون لك: تزوج أو طلق.
ثالثاً: احتيال بعض المشايخ على تحليل بعض المحرمات؛ لمنافع خاصة لهم أو لغيرهم هو مسلك النسأة في تأخير الشهر الحرام لاستحلاله، وقد قال قائلهم في ذلك:
وكنا الناسئين على معدشهور الحل نجعلها حراماً
فإذا احتاجت القبيلة إلى غارة أو غزوة في الشهر حرام فإنهم يأتون إلى العالم الجاهل ويقولون له: أخر لنا هذا الشهر، فيؤخروه، وكذلك وجد في المسلمين من إندونيسيا إلى موريتانيا مشائخ باسم الدين يحللون الحرام ويحرمون الحلال بفتاويهم! وتعليل ذلك هو الجهل، ظلام الجاهلية سابقاً، ثم ظلام الجهل مؤخراً، ولا فرق.
وهكذا كل فتيا يراد بها استحلال ما حرم الله بالتأويلات البعيدة اتباع لأهل الجاهلية، واستنان بسنتهم والعياذ بالله تعالى.
وما أُذن للناس في الربا ودخول البنوك إلا بهذه الفتاوى، فعندما أفتى من أفتى لنفسه أو لغيره -بالتدريج- أصبح أمراً معتاداً، والسبب هو الجهل، ظلام الجاهلية لا أقل ولا أكثر. هذه هي سنة الله! فالماشي في الظلام لابد أن يتخبط، ولابد أن يتكسر ولابد أن يتحطم! لما أَبعدنا الكتاب والسنة جهلنا؛ لأن فيهما هداية الله ورسوله.
والآن إلى النصرانية واليهودية بعدما فرغنا من المشركين وجاهليتهم؛ لنتعرف كيف كان العالم قبل أن تطلع الشمس المحمدية؛ لنعرف قيمة الإسلام -وقد عرفناها-، فما إن جهلت هذه الأمة كتاب ربها وانتحت ناحية بعيدة عن سنة نبيها إلا وهي تتخبط، لقد هبطت من علياء السماء إلى الأرض وما قر لها قرارها! فمتى تستقيم إذاً؟ إذا استقامت على قال الله وقال رسوله، وأصبحت الكلمة واحدة والمذهب واحد والطريق واحد؛ حينئذٍ يرتفعون بسهولة، في أربعين يوماً يكونون سادة الدنيا.
وأقول: إن ظلام الجاهلية عتم من جديد -أو كاد- حتى في ديارنا هذه، ولو استعرضنا استقدام العمالة والخدم والنساء لكنا نشابه الأولين.
قال: [وأهل نجران يومئذ على دين العرب وهو الوثنية] عبادة الأصنام والأحجار [وكانت نخلة يعبدونها] والآن في بلاد العرب يعبدون نخلة وشجرة وزيتونة، بل حتى شجر النبق كان يعبد في المدينة قبل حوالي ثلاثين سنة أو أقل، وقد قيل لنا قديماً: توجد في المدينة شجرة تعبد! كيف يمكن هذا؟! ليس معقولاً! فقلنا: غداً بعد صلاة العصر نمشي لها، فمشينا فوجدنا منازل الفقراء المهاجرين من نيجيريا وغيرها من الشرق والغرب هناك، وإذا بشجرة بين تلك الخيام عليها ألف قطعة من قماش، وما إن قال الطلاب: الله أكبر! وأخذوا يضربونها حتى صرخ النساء وبكين وهربن. كان هذا وراء مسجد الإجابة بالمدينة، وكانت الشجرة مستورة مخبأة من قرون.
قال: [فجعلوا لها عيداً سنوياً] أي: كل سنة، وفي المغرب يسمونه الزردة (زردة سيدي فلان) يكون في العام مرة.
المهم الأولياء في بلاد العالم الإسلامي يقام لهم حفلة سنوية، تسمى مولداً، أو زردة، أو موسماً، وسبب هذا أن نور القرآن انتهى وحل الظلام، فلا تستبعدوا أن يكون لأهل نجران نخلة يعبدونها، وهي أحسن من الصنم على كل حال، على الأقل فيها الرطب.
قال: [يأتونها فيه] في ذلك اليوم، يوم العيد [فيعلقون عليها أجمل الثياب وأحسن حلي النساء] حتى الخلاخل والأسوار، ولا حرج! لأنهم خائفين من الفقر والمرض والبلاء، والله محجوب عنهم لا يعرفونه؛ إذاً يدفعون عن أنفسهم بما زينت لهم الشيطان. ألا إنه الجهل بالله وتعاليمه!
قال: [واشترى فيميون أحد أشراف نجران ] فيميون المسيحي الذي جاء من الشام مع زميل له -وهو ولي من أولياء الله الصالحين ظهرت الكرامات على يديه- اشتراه أحد أشراف نجران بعد أن وجده يباع في السوق [وكان فيميون إذا قام من الليل يتهجد أشرق له البيت نوراً] كان إذا قام يصلي في الليل صار البيت كأن فيه مصباح. أعجب هذا؟ لا أبداً، لقد كان هناك صحابيان جليلان -والله العظيم- في المدينة يسمران مع الرسول في قضايا الإسلام والمسلمين ويخرجان والنور معهما، فإذا افترقا ذهب النور مع كل منهما؛ لأنه كان الظلام وليس هناك كهرباء فإذا دخل وقت العشاء أعتم الظلام، فكانا إذا خرجا من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم يكون النور أمامهما، وعندما يصلان إلى مكان الافتراق هذا إلى العنبرية وذاك إلى طوبا يفترق النور بينهما.
إنها كرامة الله لأوليائه! وإلى الآن نحن لم نحقق هذه الولاية؛ لأننا لسنا صادقين في طلبها. وهناك خطوتين نصل بهما إلى ولاية الله فما هما؟ الإيمان والتقوى، فمن أراد أن يكون ولياً لله فليؤمن حق الإيمان، وليتقِ الله حق التقوى، خطوتان فقط: آمن واتقِ، ثم تتجلى لك الكرامات، والدليل على هذه الحقيقة قول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:62-64].
هذا كلام الله -القرآن العظيم- في سورة يونس عليه السلام، ومن البشرى في الحياة الدنيا الكرامات، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى فقال: ( رؤيا صالحة يراها أو ترى له ). فهيا نؤمن ونتقي.
كيف نؤمن ونتقي؟
يجب أن نجالس العلماء، ونزاحمهم بالركب طوال الزمن حتى نتعلم حقائق الإيمان وبراهينه، ونشاهد أنواره، فالتقوى لن تكون إلا بعد معرفة ما يُتقى الله فيه، فنعرف الواجبات والمحرمات والمحبوبات لله والمكروهات!
عدنا من حيث بدأنا: ألا إنه الجهل! لن نفلح على جهل أبداً، لا بد من العلم وإلا فلا كرامة، ستقولون: يا شيخ هذا العلم يريد أن نوقف مصانعنا ومتاجرنا ومزارعنا حتى نتعلمه وليس معقول هذا؟! أهذا هو جوابكم؟
الجواب: لا، لا .. زيدوا المصانع ووسعوا تجاراتكم وأعمالكم، ولكن فقط بوصفكم مؤمنين، تريدون السماء والملكوت الأعلى، وتحقيق ولاية الله في حيكم أو قريتكم التزموا بمبدأ: ألا يتأخر رجل ولا امرأة ولا ولد أبداً أن يحضر إلى بيت ربه من المغرب إلى العشاء طوال العام، وعلى مدى الحياة، فإذا كان أهل القرية أو الحي في بيت ربهم ساعة ونصف يتعلمون النور والهداية، لن يبقى من لا يعرف!
فاعملوا في دنياكم ما شئتم، لكن بين المغرب والعشاء اجلسوا -كجلوسنا هذا- كل ليلة لتتعلموا في ليلة آية وأخرى حديثاً، وإذا بالأنوار تتزايد، والمعرفة تنمو، والتقوى تتجلى، وإذا بأهل القرية كأنهم أسرة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ستقولون: لا نستطيع هذا! فأقول لكم: إذاً ابقوا على ما أنتم عليه!!
قال: [فعجب سيده] الذي اشتراه [من هذه الكرامة، فسأله عن دينه؟ فأخبره بأنه على دين المسيح، وأعلمه أن ما عليه أهل نجران هو الباطل، كما أعلمه أن الله تعالى هو الإله الحق، وأن هذه النخلة لا تنفع ولا تضر، وأنه لو دعا الله تعالى عليها لأسقطها، وفعلاً دعا الله تعالى فعصفت بها عاصفة فاقتلعتها من جذورها] هذه كرامة لولي الله فيميون ! ولذلك آمن الرجل الشريف -بعد مشاهدته الكرامة- بدين المسيح وتبعه آخرون، وكان هذا بداية دخول دين المسيح في نجران.
قال: [ولذلك آمن الرجل الشريف بدين المسيح وتبعه آخرون فكان هذا مبدأ دخول دين المسيح في نجران، ثم بمرور الزمان طرأ عليهم ما طرأ من البدع والتحريف للدين المسيحي، حتى أصبحت نصرانية ضالة كما هي في سائر البلاد] مات فيميون والعلماء وتحول الدين إلى خرافة ولا عجب! فالعلماء شموع إذا انطفأت وقع هذا.
ولما ملك ذو نواس الحميري ] أصبح ملك اليمن [وكان قد دان باليهودية، ووجد أهل نجران على المسيحية؛ فدعاهم إلى دينه، فأبوا عليه، فحفر لهم الأخاديد وأحرق عدداً كبيراً منهم بالنار ليرجعوا عن دينهم فلم يرجعوا، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة البروج، وحدث عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم] قال الله عز وجل: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:1-8] هذه الآيات في نصارى نجران، عندما أجبرهم هذا الملك اليهودي على التخلي عن المسيحية إلى اليهودية.
قال: [ثم إن رجلاً يقال له: دوس قد نجا من الحريق] لما أُحرق المؤمنين نجا دوس هذا من الحريق [وذهب إلى ملك الروم فاستعداه على ذي نواس الذي قتل النصارى من أهل دينه؛ فكتب له كتاباً إلى ملك الحبشة -حيث هو على دين النصارى- فأعطاه جيشاً قوامه سبعون ألفاً غزا به ذا نواس ، فهزموه ودخلوا البلاد، وحكموها بعد موت ذي نواس ، وكان على رأس الجيش الحبشي أرياط وأبرهة فتنازعا الملك وغلب أبرهة أرياط وقتله، وأصبح أبرهة الحاكم العام في البلاد، وملك الحبشة يدعمه ويشد من أزره. هذه قصة النصرانية في نجران من بلاد اليمن] وأبرهة هو الذي غزا الكعبة، ويعتبر عميلاً لملك الحبشة، سخره لهذا، ونحن هنا فقط نريد أن نعرف هل كانت نصرانية في بلاد العرب أم لا.
إلا أن اليهودية كانت بشمال الجزيرة بفدك وتيماء وخيبر والمدينة -التي كانت تسمى يثرب- وسبب دخول اليهود إلى الحجاز من أرض الجزيرة هو الضغط الذي أصابهم من ملوك الروم بعد بختنصر ؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى تطلعهم إلى النبي المبشر به في التوراة والإنجيل، وأنه يخرج من جبال فاران وأن مهاجره يثرب ذات النخيل والأرض السبخة، فنزلوا ديار الحجاز الشمالية؛ رجاء أن يُبعث نبي آخر الزمان فيؤمنوا به ويقاتلوا أعداءهم معه، ويستردوا مُلكهم المسلوب منهم من عدة قرون]. هذا هو سر وجود اليهود في الجزيرة!
قال: [مع العلم أن اليهود والنصارى قد فسد معتقدهم، وضاعت شريعتهم تحت تأثير التأويل للنصوص وتحريفها وتغييرها وتبديلها؛ لتوافق الأهواء والأطماع الخاصة والشهوات العارمة] كما هو في الإسلام [فما أصبحت اليهودية والنصرانية تزكي النفوس ولا تصلح القلوب ولا تهذب الأخلاق بعد فسادها، فحاجة أهل الملتين إلى الإسلام كحاجة غيرهم من المجوس والوثنيين، وقد كان اليهود يستفتحون على المشركين العرب يقولون لهم: إن نبياً قد أظل زمانه ويوم يظهر نؤمن به ونقاتلكم معه، ونزل بقولهم هذا القرآن العظيم في سورة البقرة بقوله تعالى: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89]].
وهذه نزلت فيهم.
أولاً: لم تكن النصرانية ولا اليهودية في بلاد العرب ذات شأن يذكر؛ إذ الوثنية هي الغالبة].
يعني النصارى ألف والمشركون مليون، فالوثنية هي الغالبة.
[ثانياً: الفترة -التي كانت النصرانية في نجران سليمة في معتقداتها وشرائعها- كانت قصيرة جداً، ولذا لم يُقدَر لها أن تنتشر في بلاد العرب]. كانت الفترة الزمنية -التي كانت فيها النصرانية مستقيمة- ضئيلة وقليلة، فلهذا ما انتشرت في بلاد العرب لا في الشمال ولا الشرق ولا الجنوب ولا الغرب، فما لبثت أن دخلها الفساد فلم تكن صالحة للهداية البشرية.
[ثالثاً: اليهودية ما دخلت بلاد العرب إلا بعد فسادها، فلذا لم ينتفع بها أهلها في دار هجرتهم فضلاً عن العرب الذين نزحوا إليهم وسكنوا ديارهم] فلو جاء اليهود بدين صحيح ودخلوا بلاد العرب به لانتفع العرب، ولكن جاءوا بدين خرافة وضلالة، فماذا ينفع؟!
[رابعاً: نظراً لفساد الديانتين السماوية اليهودية والنصرانية، وفساد المجوسية والوثنية بالأصالة؛ فإن حال الناس تتطلب ديناً سماوياً جديداً تكمل عليه الأرواح، وتزكو وتهذب به الأخلاق، وتتحقق به للناس السعادة والكمال في الدنيا والآخرة، وهو ما ستكشف عنه الأيام عما قريب إن شاء الله تعالى] إذ الآن قربنا من طلوع الشمس المحمدية.
الجواب: نعم. ولكنهم يعدون على رؤوس الأصابع.ئ فماذا يغنون؟!
قال: [إن الجواب عن هذا السؤال الملح هو -مع الأسف-: أنه لم يكن في بلاد العرب في هذه الظروف حنفاء يؤمنون بالله وحده ويعبدونه بما شرع مخلصين له في ذلك].
قال: [وقال محمد بن إسحاق : لقد حُدِّثت أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعمر بن الخطاب قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنستغفر لـزيد بن عمرو بن نفيل قال: ( نعم. فإنه يبعث أمة وحده )]. أي: استغفروا له؛ لأنه كان موحداً لا يؤمن بقبة ولا بجبل ولا كوكب ولا رجل، فلا يعرف إلا الله، من بقايا إبراهيم وإسماعيل.
قال: [وقد مات زيد قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومصداق هذا في حديث مسلم إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب ). فهذا الحديث دليل واضح على أنه ما بُعث النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل واحد على دين صحيح يَعبد به الله تعالى].
وأعود فأقول: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب )، أي: أفراد من النصارى واليهود، وهذا الحديث دليل واضح على أنه ما بُعث النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل واحد على دين صحيح يعبد به الله تعالى، أما زيد فقد كان موحداً فقط لا يعرف صلاة ولا صياماً.
قال: [أما اليهود والنصارى ففيهم بقايا يعبدون الله تعالى بدين صحيح من دين موسى وعيسى عليهما السلام، لكنهم قليل جداً لا يتم على أيديهم هداية الناس ولا إصلاحهم] كإقليم فيه عشرين ألفاً أو ثلاثين ليس فيه إلا واحد على دين صحيح، فهل يستطيع أن يفعل شيئاً؟ لا. لا يستجيبون، بل الآن في قرى المسلمين علماء ما استجيب لهم، ويضحك منهم. هؤلاء هم البشر!
[ومن شعر زيد بن عمرو بن نفيل المصرح بإيمانه وتوحيده قوله:
أرباً واحداً أم ألف ربأدين إذا تقسمت الأمور
عزلتُ اللات والعزى جميعاًكذلك يفعل الجدد الصبور] اعتزاله للأصنام ليس بهين.
[فلا العزى أدين ولا ابنتيهاولا صنمي بني عمرو أزور
ولا هبلاً أدين وكان ربـاًلنا في الدهر إذ حلمي يسير]
وهذا الشيخ الطيب العقبي رحمة الله عليه وألحقنا به صالحين، خريج المسجد النبوي، حامل راية التوحيد في الديار الجزائرية له قصيدة على هذا النغم، ستسمعونها يوماً إذا يسر الله، كيف أنه حارب الوثنية؛ وثنية القبور وعبادها.
أولاً: بيان أن الناس -عرباً وعجماً- قد ضلوا سواء السبيل، واستوجبوا مقت الله تعالى لهم، اللهم إلا أفراداً قلائل من أهل الكتابين اليهود والنصارى فإنهم بقوا يعبدون الله تعالى بما شرع على ألسنة رسله حتى بعث النبي الخاتم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وهم قليل.
ثانياً: بيان أن العرب لم يبق منهم رجل واحد على دين الله الذي أرسل الله به إبراهيم وإسماعيل -والأنبياء من قبل ومن بعد- يعبد الله تعالى بما شرع ويوحده في عبادته؛ لأن زيد بن عمرو بن نفيل -وإن كان موحداً- إلا أنه لم يكن له شرع يعبد الله تعالى به، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه قد مات قبل البعثة المحمدية] ومع هذا هنيئاً له فإنه يبعث أمة وحده.
[ثالثاً: حال الناس هذه -في ضلالهم وعدم هدايتهم- كانت مستوجبة للبعثة المحمدية متطلبة لها، بل كانت حاجتها الملحة التي لابد منها].
هذا وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هذا الحبيب يا محب 8 للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net