أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو الدرس السابع في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته وحياة صحابته.
وأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يثقل به موازيننا يوم القيامة، وألا يجعل للشيطان فيه حظاً أو نصيباً.
اللهم اطرد عن نفوسنا وعن بيوتنا وعن ذرياتنا وأزواجنا شياطين الإنس والجن.
اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، ولا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عيباً إلا سترته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا غانماً سالماً رددته.
اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، واجعلنا نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من عادى دينك ونبيك وقرآنك، إنك -يا مولانا- على ما تشاء قدير.
اللهم إنك تعلم أن في كل قلب واحد منا كرباً، فأذهب اللهم كروبنا، وفرج اللهم غمومنا، واطرد -اللهم-همومنا، وحقق لنا آمالنا، وأذهب آلامنا.
اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام، اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام، اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام.
اللهم ألهمنا رشدنا، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ووفقنا والمسلمين جميعاً إلى ما تحبه وترضاه.
وبعد:
فإن مجالس العلم هي المكان الذي تهطل فيه الرحمة على عباد الله، فاللهم اجعلنا من الذين تهطل عليهم رحمتك يا أكرم الأكرمين.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو صحابته إذا جلسوا حوله إلى أن يتجمعوا؛ لأن الرحمة عندما تنزل شبهها أهل العلم بأنها مثل الثوب الذي يغطي المجموعة، فكلما تقاربنا تقاربت قلوبنا، وهطلت علينا رحمة الله عز وجل,.
وفي إحدى الغزوات رأى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحطب تنورها، أي: ترمي في التنور الحطب الذي توقد فيه، فكلما هبت النار ابتعدت برضيعها، بحيث تكون هي أقرب إلى النار من ابنها، فلما مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله! أليس الله عز وجل أرحم بنا مني بابني هذا؟! فانظر إلى الصحابيات المسلمات الأول اللواتي ندعو الله عز وجل أن يلحقنا بهن وبأزواجهن في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وهذا الأمل الوحيد الذي يحيا عليه المسلم وبه.
فالفوز كل الفوز ليس في أنك تأخذ شهادة استثمار، ولا في أن ابنك يدخل الطب أو الهندسة، بل الفوز كل الفوز أن تزحزح قدماك عن النار وتطأ قدماك الجنة.
قيل لـعثمان : ما هي أسعد اللحظات يا عثمان بن عفان ؟ فقال: أن تجد نفسك في جنة الرضوان. وهل هناك سعادة أفضل من هذه السعادة؟!
ولذلك جاء في الحديث الشريف: (يؤتي بأبأس أهل الأرض فيغمس في الجنة غمسة، يقال له: هل رأيت شدة قط؟! هل مر بك بؤس قط؟! فيقول: لا والله ما رأيت شدة قط، ولا مر بي بؤس قط).
فأبأس أهل الأرض الذي لم ير يوم هناء من زوجة ولا من أخ ولا من جار ولا من مدير في العمل ولا من حاكم ولا من محكوم، بل رأى الذل كله، ورأى الفقر بعينه، ورأى أياماً ضنكا، ولكنه صبر لما ابتلاه الله عز وجل، فيغمس في الجنة غمسة فيخرج كالبدر ليلة التمام، فيقال له: عبدي! هل رأيت بؤساً من قبل قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك إني في النعيم منذ أن خلقتني. فنسي كل الهموم والبلاء الذي من جهة أقاربه وإخوانه الذين أتعبوه في المحاكم من أجل فدان من الأرض، وكل الذل الذي رآه في الدنيا.
ويؤتى بأنعم أهل الأرض ممن رأى النعيم كله ورأى العز كله ورأى الخير كله، وكان الناس يرفعون له التعظيم، وتفتح له الأبواب، ولكنه لم يتق الله، فلم يستخدم نعم الله في شكر الله عز وجل، بل استخدمها في معصية الله، فيغمس في النار غمسة فيخرج كالفحمة المتوقدة، فيقال له: عبدي! هل رأيت نعيماً من قبل قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك إني في الشقاء منذ أن خلقتني.
فاللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا رب.
ولذلك لم يغفل الصحابة رضوان الله عليهم عن الخوف من الله وعن ذكر الله، فقد جاء رسول سعد بن أبي وقاص لينبئ عمر بن الخطاب بفوز ونصر المسلمين في القادسية، فلما وصل رسول سعد إلى المدينة في نصف الليل قال: هل يعقل أن أطرق على أمير المؤمنين الباب الآن؟! إنه لم يبق إلا ساعة أو ساعتان وسيخرج ليصلي بالمسلمين صلاة الصبح، فدخل ليزور قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فدخل الروضة الشريفة فوجد في قبلة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ساجداً يبكي بكاء مراً وقد علا نحيبه وهو يقول: يا رب! لائذ ببابك، عائذ بجنابك، لا تطردني من رحابك.
فقال الرجل في نفسه: هذا رجل أسرف على نفسه، فسأنتظر حتى ينتهي من الصلاة من أجل أن أحدثه بأحاديث الرحمة حتى لا يقنط من رحمة الله، ومن أجل أن يستشعر فضل الله سبحانه وتعالى، فلما سلم رأى أمير المؤمنين عمر ، فقال له: يا أمير المؤمنين! أبيت أن أطرق بابك في نصف الليل وأنت هاهنا في المسجد؟! فقال: يا أخا الإسلام! إن نمت النهار كله أضعت رعيتي، وإن نمت الليل كله أضعت نفسي.
ولذلك عندما دخل أبو حازم على أبي جعفر المنصور قال له: يا أبا حازم! عظنا، فقال: يا أمير المؤمنين! صل إلى كل ذي حق حقه، فقال: وإن كنت لا أستطيع؟ قال: دعها لمن يستطيع، ولا تتحمل تبعات الناس يوم القيامة، إن الأمير العادل ليؤتى به يوم القيامة ينتفض على الجسر انتفاضة يطير منها كل عضو من أعضائه لا يعيدها إليه إلا عدله.
يعني: أن الأمير العادل سينفك جسمه، وسيطير كل عضو إلى مكان، ولا يعيد هذه الأعضاء ولا يجمعها إلا العدل، فيجب عليك أن تكون عادلاً، وإن كان الخصم بغيضاً إليك، قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]، فلا تدفعني كراهيتي لإنسان إلى ألا أقول الحق، ومن صفات المنافق أنه: (إذا خاصم فجر).
ولكن ليعلم أن (لا إله إلا الله) لها حقوق، فأنا إذا شهدت الشهادتين وصليت كما ينبغي وزكيت وصمت رمضان وحججت البيت إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، فهل يعني ذلك أنني انتهيت من تطبيق الإسلام؟! لا، إن هذه هي أركان الإسلام، وليست الإسلام كله، مثلما يصف سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم صحابته: (أنا مدينة العلم و
وإن من عظمة (لا إله إلا الله) أنه يؤتى بعبد يوم القيامة وزنت أعماله فخفت موازينه والعياذ بالله، فأيقن بالهلكة، فجاءت الملائكة ببطاقة فيها: (لا إله إلا الله)، فألقوها في ميزان حسناته، فطاشت سجلات سيئاته، فقال جبريل: لقد سعد فلان ابن فلان سعادة لن يشقى بعدها أبداً، فاستبشر العبد خيراً قال: ما في هذه البطاقة؟ فوجد فيها مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا يثقل مع اسم الله شيء، فلو وضعت (لا إله إلا الله) في كفة والسماوات والأرض وما فيهن في كفة لرجحت كفة (لا إله إلا الله).
فاللهم اجعلنا من أهل (لا إله إلا الله) واحشرنا في زمرة أهل (لا إله إلا الله) آمنين مطمئنين يا رب العالمين.
فالله عز وجل جعل كلمة التوحيد كلمة تقال باللسان، ولكن يجب أن نطبقها بالجنان، فأركان الإيمان ثلاثة: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان.
فتقول أنا مؤمن، وتصدق هذا الكلام بالقلب، وعملك يصدق هذا كله.
فلو أن شخصاً يقول: أنا مسلم وهو يلعب طاولة ويشرب البيرة ويدخن السيجارة ويقطع الرحم، ويظلم امرأته، ويختلس ويرتشي، فهل صدق بالجنان وعمل بالأركان؟! إن إسلامه لا ينفع، وإنما نريد إسلاماً كاملاً.
والقول باللسان يعقبه تصديق قلبي، ومعنى ذلك أني أقول: (لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله، فلا أتوكل إلا على الله، ولا أخاف إلا من الله.
فانظر إلى إذعان الصحابة، فبمجرد أن قال: بايعوني، مد كل يده، لو قلت الآن من سيبايعني؟ لقلتم: على ماذا وكم ستعطينا، ومتى وأين وهل ستعطينا شقة أم لا.. وهكذا، أما الصحابة فقال لهم: تبايعونني؟ فمدوا أيديهم، فقال لهم: لماذا لا تسألوني؟ (فقالوا: يا رسول الله! نبايعك على ما تقول، فبايعهم على عدم الشرك بالله، وعدم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وعدم ارتكاب الفواحش..) إلى أن قال: (وألا يسأل أحد منكم شيئاً إلا الله)، يعني: لا أحد منكم يسأل شيئاً من أحد إلا من الله، يقول الراوي: فكان الواحد منا يقع منه خطام ناقته فينزل ويأخذه قبل أن يناوله أحد. من أجل أن يطبق كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء الصحابة على العين وعلى الرأس، ولكن تعال إلى التابعي الذي سمع هذا الحديث، وهو سعيد بن جبير رضي الله عنه، فقد قال: وأنا أعاهد الرسول على ما عاهده عليه السبعة.
أي: سأعاهده على ألا أسأل أحداً غير الله شيئاً، فأراد الذهاب إلى الحج، فقالت له زوجته: لتبق معنا فإن ابنتنا مريضة، فقال: إني عقدت النية وإن ماتت فبقضاء الله عز وجل، وكانت زوجته صالحة، فلم تذهب إلى أخيها وابن عمها وخالها ولم تجمع الجيران لتشكوه.
فخرج، فتخلف عن القافلة، فوقع في بئر ليس فيه ماء، فقال: أنادي لعل أحداً يسمع، قال: فتذكرت بيعتي لرسول الله فلم أناد.
قال: فسمعت لغطاً وأصواتاً، وكان الوقت ليلاً، وكان العربي عندما يجد حفرة يستطيع بصوته أن يعرف إن كان فيها ماء أم لا، وإذا بالصوت يقول: هذه حفرة وليست بئراً، فتعالوا لندفنها لكيلا يقع فيها أحد.
قال سعيد بن جبير -رضوان الله عليه-: فهممت أن أنادي، فتذكرت بيعتي لرسول الله فسكت. قال: فلما أيقنت الهلكة قلت: يا رب! لا أسأل إلا أنت، وعلمك بحالي يغني عن سؤالي. فرأيت نفسي على وجه الأرض.
فالسيدة خديجة لها وضع خاص في الإسلام، وإني لأعتب على الكتاب الذين يكتبون ويؤلفون، فالسيدة خديجة لم تأخذ حظها من الكتابة إلى اليوم؛ وهي العمود الأساسي الذي قامت عليه الدعوة في بدايتها، فهي التي وقفت بجوار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فضل الله سبحانه وتعالى أن قيض لرسوله صلى الله عليه وسلم من يناصره، ومن لا تقف الجبال الشم الرواسي أمام القلوب المؤمنة.
فالسيدة خديجة تقف أمام زوجها قائلة: إنك لتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، والله لن يخزيك الله أبداً. فقال لها: إنني أخاف أن يكون هذا الذي أتاني ليس بملك؟ فقالت له السيدة الحصيفة اللبيبة: إذا رأيته فأخبرني. فلما رآه قال لها: هذا هو بالباب، ثم قال له: ادخل يا جبريل. فدخل، فلما علمت أنه دخل البيت كشفت خمارها، فقال لها: لقد خرج جبريل. فقالت: هذا ملك وليس بجني.
ومات ابنها عبد الله فبكت، وكانت تود أن يعيش لها هذا الطفل، فلما بكت نزل جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أقرئ خديجة منا السلام، وإن الله يقول لها: كفى حزناً على عبد الله ؛ إن له مرضعاً في الجنة ترضعه، أتحبين أن ترينه يا خديجة ؟! فقالت: بل أصدق الله ورسوله.
إن هذا الكلام كلام كبير وليس كلاماً قصصاً تقال، فإنه يدل على قوة الإيمان بالغيب، وهذه مسألة عظيمة.
فسبحان الله العظيم، يأتي الرجل اليوم مرتين ليصلي في الجامع فيظن نفسه أبا بكر الصديق ، أما السلف فكانوا على العكس من ذلك، فهذا عطاء بن أبي رباح أحد كبار التابعين، يقول: إني أصلي الركعتين وبعد أن أسلم أشعر كأنني زان أو سارق رآه الناس وهو يزني أو يسرق حياء من الله عز وجل أنه لم يصلهما كما ينبغي! فيشعر أنه مقصر في حق الله.
يا مؤمن! إن الواحد من الشعب المصري يظن نفسه أبا بكر الصديق ، ألم يكن هناك رجل فاجر يقول: إنني أترسم خطا عمر بن الخطاب ؟ وكان يذبح المسلمين!
وعندما حج عطاء قيل له: أترى أن الله قبل الحجيج؟ فقال: لو وقف هؤلاء أمام باب بخيل وطلبوا منه دانقاً -نصف درهم- أيعطيهم؟ قالوا: نعم، لأن البخيل يستحيي من العدد الكثير.. قال: فالله أكرم من هذا البخيل، فنام عطاء بن أبي رباح بعد أن أفاض الحجيج من عرفات، فرأى في الرؤيا كأن ملكين قد هبطا من السماء فقال أحدهما للآخر: كم حج البيت هذا العام؟ قال: ستمائة ألف، قال الملك الآخر: وكم قبل الله منهم؟ قال: ما قبل إلا ستة، فقام سيدنا عطاء فزعاً من الرؤيا، فمكث طول يومه يبكي ويقول للناس في منى: أيها المسلمون استغفروا الله، ادعوا الله بضراعة، ولكن لا يريد أن يذكر لهم الرؤيا.
وفي اليوم الثاني أخذته سنة من النوم فرأى نفس الملكين، فقال أحدهما: كم حج البيت هذا العام؟ قال: ستمائة ألف، قال: وكم قبل الله منهم؟ قال له: ما قبل إلا ستة، قال له: ولكن هذا قليل، قال: لقد وهب مع كل واحد من الستة مائة ألف!
فتخيل الحبيب وهو يدفن بيده ستة من أولاده، فيا من حزن على ولد أو بنت من أولاده تذكر حال رسول الله، وإن من رحمة الله بك إذا مات لك ولد أو ماتت لك ابنة أن ابنك يأخذ بيدك إلى الجنة.
فإنه يوم القيامة تسمع جلبة، فيقول الله وهو العليم الخبير: يا جبريل! ما هذه الجبلة؟ فيقول: يا رب! هؤلاء أبناء المسلمين وبناتهم وقفوا على باب الجنة ورفضوا أن يدخلوها إلا بصحبة آبائهم وأمهاتهم، فيقول: يا جبريل! من صبر من الآباء والأمهات على موت ابنه فألحقهم بأبنائهم. وهذا (اسمه) الفرط، فالذي يموت له ولد أو بنت يستبشر خيراً.
وأحد الصالحين ماتت له بنت فبكاها بكاء مراً، كانت غالية عليه جداً، فظل يبكي.. ويبكي.. ويبكي، فرأى في المنام أن كل الأولاد يرتعون في الجنة ويشربون والبنت كادت تهلك من العطش ولا أحد يريد أن يسقيها، قال: يا بنيتي لم لا تشربين مع إخوانك وأخواتك؟ قالت: كيف أشرب ودموعك قد منعت عني شرب المياه؟ فانتبه إلى هذه المسألة.
وظل أبو العاص على كفره بعد البعثة، وأما زينب فقد أسلمت وآمنت برسالة أبيها، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ورزقت زينب بـأمامة وعلي، فلما كانت غزوة بدر اشترك أبو العاص بن الربيع مع قومه من مشركي مكة ضد الجيش المسلم ووقع في الأسر، فالرسول وزع الأسرى، فقال: يا فلان! خذ فلاناً وفلاناً وفلاناً، ويا فلان! خذ فلاناً وفلاناً وفلاناً، فوقع أبو العاص بن الربيع في سهم بلال مؤذن رسول الله، فبدأ الأغنياء من أهل الأسرى يأتون من أجل أن يدفعوا الفدية، وكان مقدارها أربعة آلاف، فيدفعون الفدية ويأخذون أسيرهم، فجاء عبد الله بن الربيع أخو أبي العاص زوج زينب من أجل أن يفتدي أخاه، وكانت السيدة زينب في مكة، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: زينب تفدي زوجها يا محمد، فقد بعثت بهذه الصرة فدية لزوجها. ففتح الرسول الصرة فبكى بكاء مراً؛ فقد كان فيها عقد للسيدة خديجة أعطته لابنتها زينب في ليلة عرسها، فبعثته السيدة زينب تستدر به عطف رسول الله، فعندما تذكر ابنته وتذكر زوجته السيدة خديجة قال: إن شئتم أن تردوا عليها أسيرها فردوه، فسيدنا بلال قال: والله لأردن أبا العاص لا بعقد ولا بمال، ولكن إرضاء لله ورسوله.
فعاد أبو العاص واطمأنت زينب عليه، فحين دخل بيته قال: يا زينب ! لقد حان الفراق، فلقد وعدت أباك بأن أردك إليه، فإن الإسلام فرق بيني وبينك، وكانت السيدة زينب مسلمة وهو مازال على شركه، فوجب التفريق عندئذ، فقال لها: إن أخي سيأخذك إلى منطقة كدى -وهي على بعد ثمانية كيلو من الحرم- وهناك سوف ينتظرك زيد بن حارثة وعلي بن أبي طالب ليصحباك إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الوقت كانت السيدة زينب حاملاً بالحمل الثالث، فخرج أخو أبي العاص بن الربيع من أجل أن يسلم السيدة زينب لـزيد وعلي خارج مكة، وإذا بالمشركين وراءه، فقالوا: إلى أين تذهب، قال: أذهب لأسلم زينب بنت محمد لتذهب إلى أبيها، وكان المشركون قد خرجوا من هزيمة بدر في تلك اللحظة، وكل واحد منهم قد قتل له قريب، فقام أحد أولئك المشركين وشد الهودج الذي ركبت عليه، فوقعت السيدة زينب على صخرة، فنظر عبد الله بن الربيع فوجد حولها بركة من الدماء، فإذا بها قد أجهضت ما في بطنها، فسل السيف وجهز كنانته بالنبال وقال: والله ما اقترب منها أو مني أحد إلا قتلته. وكان كافراً، ولكن أخاه وعد الرسول بأن يعيد إليه ابنته، ومسألة الوعد عند العربي مسألة تذهب فيها الرقاب فلا يخلف وعداً أبداً؛ وهذه من صفات المؤمنين، وهي من الصفات العربية الأصيلة.
لكن أنبه على مسألة في الوعد، وهو أنه ليس من الخلف أن تعد ثم تخلف لعدم القدرة على الوفاء، وإنما الخلف أن تعد وأنت تنوي أن تخلف الوعد، فانتبه لذلك.
فاقترب أبو سفيان من أخي أبي العاص وقال له: يا ابن الربيع ! ما أصبت؛ خرجت على القوم، وهم حديثو عهد بهزيمة، وتريد أن تأخذ بنت محمد وتهاجر بها؟! ارجع حتى تهدأ النفوس ثم اخرج بها.
فعاد بها فظلت مريضة أياماً من أثر الإجهاض، وبعد أن تماثلت للشفاء ودعها زوجها ووصلت إلى رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذت معها علياً وأمامة ، فـعلي بعدما هاجر مع أمه كان عمره سبع سنوات، فأدركته حمى فمات لحكمة يعلمها الله، ولم يبق للرسول من أحفاده إلا الحسن والحسين وزينب أولاد فاطمة فقط، وبقية أولاده من بناته ماتوا في حياته، ولم تبق من حفيداته إلا أمامة التي هي بنت زينب ، وقد تزوجها سيدنا علي بعد موت خالتها فاطمة .
فالسيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مكثت في بيت أبيها سنوات، إلى أن طرق الباب طارق بالليل وهي تتذكر الأيام الخوالي، فقد عاشت أياماً بمكة بجوار قبر أمها خديجة ، وإخوتها الثلاثة الذكور أموات في القبور، والأحياء من أهلها بعيدون عنها؛ لأن بيت النبوة أكثر البيوت ابتلاء، فأكثر الناس بلاء الأنبياء فالأولياء فالأمثل فالأمثل، فإذا كنت تمشي بما يرضي الله والمصائب تنزل عليك تترا فاحمد الله عز وجل، وقل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فطرق باب زينب طارق، وإذا به أبو العاص بن الربيع زوجها السابق، ولم تتزوج بعد، فجيء به قد أسر وهو في قافلة لقريش أغار عليها أسامة بن زيد ومجموعة من المسلمين بسبعمائة فارس، فأسروا المجموعة كلها، فهرب من الأسر وجاء إلى زينب يستجير بها، فسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يطرق أبواب نسائه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كل يوم يمر على بيوت نسائه بيتاً بيتاً ويقول:: (أيقظوا صواحب الحجرات، رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاءت الراجفة تتتبعها الرادفة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه).
ثم يذهب إلى بيت فاطمة يدق عليها الباب، يا فاطمة ، يا علي ! ألا تصليان، وكان سيدنا علي يقوم الليل ويأتي لينام قبل الفجر قليلاً فيأتي رسول الله ليوقظه: يا علي ! ثلاث مرات، وهو يقول له: يا رسول الله إن أرواحنا بيد الله إن شاء قبضها، وإن شاء أرسلها، ويقلب الرسول كفيه ويقول: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54].
فالسيدة زينب سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيقاظه لنسائه، وكانت في الحجرة التي بجانبه، فدخلت المسجد مسرعة، وقبل أن يقيم بلال صلاة الفجر قالت: أيها الناس! إني أجرت أبا العاص بن الربيع ، فأقام بلال فلما انتهى رسول الله من الصلاة قال: (أيها الناس! أسمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: يا
ثم قال سيدنا الحبيب: (أعيدوا إلى
فقال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهاجر إلى المدينة في السنة السابعة من الهجرة، فدخل على سيدنا الحبيب فأسلم وبايع وصار صحابياً، وبعد ذلك بأدب قال: يا رسول الله! أريد أن تعيد إلي زينب؟
فقال: (يا
والسيدة زينب هي التي كانت ترعى السيدة فاطمة؛ لأن فاطمة كانت صغرى البنات، فكانت فاطمة تعتبر زينب أمها الثانية، فكانت أول من حزن لزواج زينب ، فشعرت بأن أحداً أتى وأخذ منها أمها، فكانت تقول لأبيها وهي صغيرة: يا أبت! عندما أكبر لن أتزوج، فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: لم يا فاطمة ؟ فتقول: لأني لا أريد أن أفارقك يا أبي. فيقول لها: بل أنت معي في الدنيا والآخرة.
فقال: يا عماه! وهل يرفض لك طلب؟! فانتقلت السيدة رقية والسيدة أم كلثوم إلى بيت أبي لهب مع تحفظ السيدة خديجة على زواج رقية وأم كلثوم ؛ لأنها تعرف أم جميل ، فعاشت رقية وأم كلثوم في بيت أم جميل ، وكانت امرأة سليطة اللسان، وكانت من أعلى بيوتات قريش، فأخوها هو أبو سفيان .
فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وانتشرت دعوته في مكة قالت أم جميل لولديها: لن تساكناني تحت سقف واحد وبنات محمد معكما.
فطلق عتبة وعتيبة رقية وأم كلثوم ، وكان قصد أم جميل أن تشغل الرسول صلى الله عليه وسلم ببناته المطلقات عن أمر الدعوة، فهي تريد أن تزيد من مشاكله.
فعادت رقية وأم كلثوم ، وفرحت السيدة خديجة بطلاق ابنتيها، هذا الطلاق الذي يقال فيه: ألف مبروك؛ لأن هناك طلاقاً تهنئ فيه، مثل أن يأتي إليك شخص ويحكي لك مشكلة عويصة جداً، ثم تحل له المشكلة بالطلاق، وبعد أن يطلق يقول لك: بارك لي يا فلان على الطلاق، نسأل الله أن يصلح ذات بين المسلمين.
وانظر إلى هذا الحديث وما أحسنه: (ليس منا من أفسد امرأة على زوجها)، يعني: عندما تكون في الشغل وعينك زائغة وتعيد الكلام، فزميلتك الموظفة تعجب بك وبتصنعك لها فتكره زوجها، ثم تسعى إلى فراقه بالطلاق لتتزوج بزميلها.
وهذه المشكلة حلها بأن تجلس الموظفة في بيتها.
في زمان أمي وأمك وجدتي وجدتك كانت المرأة لا ترى إلا زوجها فحياتها كلها لزوجها، فالرجل ما كان يستريح إلا بجوار زوجته، والزوجة ما كانت تستريح إلا بوجود زوجها، لكن هذه الأيام تغيرت الأمور وانقلبت الموازين.
فانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كم عاش من المآسي، فالسيدة زينب تموت في حياته، والسيدة رقية في بداية البعثة تتركه وتذهب إلى الحبشة مع زوجها عثمان رضي الله تعالى عنهما.
وبعد ذلك عادت السيدة رقية من الحبشة إلى مكة، ثم هاجرت مع عثمان إلى المدينة، ثم في غزوة بدر اشتد الألم عليها، فاستأذن عثمان الرسول في تمريضها فأذن له، فعاد الرسول صلى الله عليه وسلم من الغزوة فوجد أن ابنته رقية قد فارقت الحياة إلى جوار ربها.
وأريدك أن تتخيل حياة سيدنا الحبيب، فالسيدة رقية عندما عادت من الحبشة قالت: أين أبي؟ فقيل لها: في المسجد عند الحجر الأسود، فقالت: أين أمي؟ فسكتت أختها أم كلثوم ، فأجهشت فاطمة بالبكاء وتركت الحجرة، فعلمت السيدة رقية أن أمها قد ماتت، وهي لم تكن موجودة في موت أمها، وعندما ماتت لم يشهد أبوها موتها ودفنها، فحزن عليها حزناً شديداً، وحزنت أختها أم كلثوم ، فجاء عثمان ليخطب أم كلثوم فزوجه الرسول بها، ولذلك سمي عثمان بـذي النورين ؛ لأنه تزوج اثنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم ماتت أم كلثوم عند عثمان ، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يطيب نفس عثمان لئلا يحزن في نفسه، فقال: (لو كانت عندنا ثالثة لما زوجناها إلا لـ
وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت أشار إليها فاقتربت، فسارها في أذنها فبكت، ثم سارها في أذنها فابتسمت، فبعدما انتقل إلى الرفيق الأعلى، سألتها عائشة عن ذلك فقالت: قال لي في أول مرة: إني لاحق بالرفيق الأعلى؛ لأن ملك الموت لا يستأذن على أحد، وإنما استأذن على حبيب الله، فقال: (يا ملك الموت! انتظر حتى ألقى أخي جبريل) فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! هذه آخر مرة أنزل فيها إلى الأرض، السلام يقرئك السلام ويبشرك خيراً بمكانتك من الله، فقال: (يا جبريل من لأمتي من بعدي؟ فقال الله: يا جبريل! نبئ حبيبي محمداً أننا لن نسوءه في أمته أبداً وسوف نرضيه. فقال: لا أرضى وأحد من أمتي يعذب في النار، فقال: يا جبريل! نبئ محمداً أن كل من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله لن يخلد في النار أبداً).
قالت السيدة فاطمة: وابتسمت عندما قال لي: وأنت أول أهلي لحوقاً بي. فبعد ستة أشهر تماماً لحقت السيدة فاطمة بأبيها صلى الله عليه وسلم.
ولذلك عندما تأيمت حفصة بعد أن مات زوجها جاء سيدنا عمر إلى أبي بكر فقال له: يا أبا بكر ! تأيمت حفصة ، أتريد أن تتزوجها؟ وانظر إلى الرجل الصالح كيف يخطب لابنته، ولكن سيدنا أبا بكر سكت فلم يتكلم، فعتب عليه عمر في نفسه، ثم جاء عثمان وقال له: يا عثمان ! تأيمت حفصة ، ألا تتزوجها؟! فقال: لا أتزوج اليوم.
فحزن عمر ، فاشتكى إلى الرسول من أجل ألا يبقى في قلبه شيء من جهة أبي بكر وعثمان ، فقال: يا رسول الله! تأيمت حفصة فعرضتها على أبي بكر فسكت، وعرضتها على عثمان فقال: لا أتزوج.
فقال له: (يتزوج
فلقي أبو بكر عمر في صلاة الفجر فقال له: أراك وجدت علي يا عمر ، فقال له: نعم. قال: لقد سمعت الرسول يذكرها، فرفضت أن أفشي سر رسول الله.
ثم جاء عمر أيضاً ليخطب فاطمة ، فقال له: إنها صغيرة السن، فجاء سيدنا علي فجلس أمام الرسول خجلاً، فعندما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك عرض عليه أن يزوجه بها، وهو الذي رباه، وكان دائماً يضع يده على رأسه ويقول: (اللهم إني أحب
الجواب: هي معان متقاربة للحرام، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم.
الجواب: نعم.
الجواب: يجب أن يغتسل.
الجواب: هي مسألة نية، فانو بها تحية المسجد.
الجواب: عليك أن تقرأ القرآن قبل أن تنام، وتقرأ المعوذتين ثلاثاً.
الجواب: هو حر في ماله، ولكن الجار عليه أن يحسن إلى الجار حتى وإن جار، والوزر عليه وليس عليك.
الجواب: هذا صواب.
الجواب: يجب عليك أن تبري أباك وأمك حتى وإن ظلماك، قال صلى الله عليه وسلم: (وإن ظلماه.. وإن ظلماه.. وإن ظلماه) ولو ضربك أبوك بالحذاء فإنك تعطينه الحذاء من أجل أن يكمل ما يريده من الضرب، وحسابه على الله.
الجواب: لا، بل يقال في السر.
الجواب: اصبري على زوجك وادعي له بالهداية.
الجواب: القرآن كله فيه راحة.
الجواب: لا يوجد شيء في الدين مثل هذا، ولا أعرف في كتب الفقه ذلك، وقد يكون شخص يحب امرأة ويكتم هذا الحب في قلبه فقط، أما أن يترجم هذا الحب إلى لقاء فهذا حرام.
الجواب: لهذه نية ولهذه نية.
الجواب: يفضل أن تكون قبل النوم.
الجواب: قل: يا رب، ولا تتوسل بذلك.
الجواب: حين تصلي ادع الله في السجود أن يجعلك من المحافظين على الصلاة.
الجواب: الرضا من الله عز وجل عن العبد مسألة لا يعلمها إلا الله عز وجل، فما عليك إلا أن تدعو الله في حالة اليسر وفي حالة العسر.
الجواب: لا تقول شيئاً.
الجواب: لا.
الجواب: حرام.
الجواب: يجوز.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر