أما بعد:
فهذه هي الحلقة الثامنة عشرة في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات، وهي الحلقة الخامسة في الحديث عن الصلاة عماد الدين التي إن أقامها المسلم فقد أقام الدين، وإن هدمها فقد هدم الدين.
فاللهم اجعلنا من المقيمين للصلاة ومن المحافظين عليها ومن الخاشعين فيها ومن الذين تقبلت منهم صلاتهم وعبادتهم يا أكرم الأكرمين.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا سالماً غانماً رددته.
اللهم اجعل جمعنا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل -يا ربنا- بيننا شقياً ولا محروماً.
اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واشرح صدر كل إنسان صدره ضيق يا أكرم الأكرمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إن دروس السيرة فيها عبر عظيمة وفوائد جمة كثيرة؛ لأن فيها الحديث عن أعظم إنسان وجد على ظهر البسيطة، وهو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد فيه المرء الأب الحنون، ويجد فيه الصديق المخلص، ويجد فيه قبل كل شيء وبعد كل شيء الأسوة والقدوة الحسنة: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] صلى الله عليه وسلم.
وهو أسوة في كل شيء في الحياة، فيجب أن نتأسى في كل خطوة من خطوات حياتنا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن المرء منا في كل عمل وفي كل قول وفي كل فعل وفي كل خطوة وفي كل جلسة وفي كل ذهاب ومجيء يسأل نفسه: لو كان الرسول مكاني فماذا كان سيصنع؟! وسوف تستقيم حياتك بهذا الشكل.
فلو أن أخاك دعاك إلى فرح، فإنك تقول له: يا فلان! هل هذا الفرح فيه أغان؟!
فيقول: وهل يتم فرح من دون أغان؟!
فتسأل نفسك مباشرة فتقول: لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم مكاني ودعي إلى هذا المكان فهل سيذهب أم لا؟
والإجابة واضحة، ولا تريد توضيحاً.
فلو أنك في كل حركة تسأل نفسك قائلاً: لو كان الرسول مكاني فماذا كان سيعمل، لاستقامت الأمور.
فلو أن زوجتك رفعت صوتها عليك بعد أن جئت إليها وأنت فرح ومعك بعض الأشياء الطيبة، فإنك تسأل نفسك هذا السؤال: لو كان الرسول مكاني فماذا كان سيعمل؟! والحال أنه لو كان مكانك لتبسم في وجهها.
ولو أن جارك آذاك، فإنك تسأل نفسك أيضاً قبل أن ترد، فتقول: لو كان الرسول مكاني فماذا كان سيعمل؟! هل سيجرجر جاره في القسم؟! وهل سيستعدي عليه الناس؟! والجواب: لا، بل سينصحه بالتي هي أحسن، فإن انتصح وإلا شكاه إلى الله رب العالمين.
هكذا كان الحبيب المصطفى أسوة، فما الذي يجعلنا لا صبر لنا؟ إننا لم نتأس برسول الله في أعماله، ولا أريدك أن تحب رسول الله حباً نظرياً، بل أريدك أن تحب سيدنا الحبيب حباً عملياً، فهل كان يسخر من أحد؟! وهل كان يتكبر على أحد من المسلمين؟! ومن أعلم من رسول الله؟! لا أحد في الخلق أعلم من رسول الله، فهل تكبر بعلمه على أحد؟!
لقد دخل عليه الأعرابي وقال له: (يا رسول الله! من ذا الذي يحاسبنا يوم القيامة؟ فقال له: الله. فقال له: إذاً -والله- لا أبالي)، فهل قال له: أنت مخطئ؟! لا، بل كان يتبسم، ودخل أعرابي عليه فأخذ يتكلم، فقال له عمر : اسكت يا أعرابي، فقال له: لماذا؟ قال له: إن الرسول غضبان؛ لأن اليهود نقضوا البيعة، ففي هذا الوقت لا يحب أن يتكلم. فقال: والذي بعثه بالحق نبياً لن أتركه حتى يضحك. فسيدنا عمر يحبس الأعرابي، والأعرابي عازم على أن يضحك النبي، فقال له أبو بكر : اتركه يا عمر .
يعني أن الرسول رحب الصدر، فدخل على الحبيب فوجد العرق الهاشمي قد امتلأ، وبذلك يفرق الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم غاضب، وكان يغضب إذا انتهكت حرمة من حرمات الله، ولم يغضب لنفسه قط، فقال الأعرابي: يا رسول الله! سمعتك تقول: (إن
ولو كان غير النبي صلى الله عليه وسلم لقال له: أنت مضيع لوقتنا.
وسهيل بن عمرو كان يرفع صوته في صلح الحديبية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان الكاتب هو سيدنا علياً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب يا علي ! بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل:
أنا لا أعرف الرحمن ولا الرحيم، فقال له: اكتب: باسمك اللهم، فكتب (باسمك اللهم) فقال له: اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو . فقال له سهيل : لو أعلم أنك رسول الله ما قاتلتك.
يريد أن ينفي عن سيدنا الحبيب صفة الرسالة، ورسولنا قادر على دخول مكة، ولكن لم يأذن الله بعد، وليس لكل واحد منا أن يستعجل، فلا تستعجلن أبداً ما عند الله؛ فإن ما عند الله يطلب بطاعته ولا يطلب بمعصيته.
فقال له: اكتب يا علي : هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله، فسيدنا علي رفض أن يمسح (رسول الله) فقال له: أين هي يا علي ؟ فقال له: ها هي. فمحاها الرسول بيده.
فعلى المسلم أن يتأسى بسيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل قول وفي كل فعل وفي كل عمل وفي كل خطوة وفي كل مجلس.
إذاً: عندما تذهب إلى أي مكان قل لنفسك: لو كان الرسول هنا فهل سيرضى أن يجلس هنا؟! إن أخلاق الرسول ضاعت بيننا، فالواحد منا قد يقف يصلي ساعتين، ولكنه عند المشاكل يكون شخصاً آخر، فالناس قد تبكي بداخل الجامع، وبعد دقيقة يخرجون فيبكون من المشاكل من أجل أن واحداً ضرب آخر.
فكأننا في المسجد عصافير محبوسة في قفص، ترى الواحد منا جالساً يسمع خطبة الجمعة ويصلي وهو باك متضرع إلى الله قانت، وعند الخروج تجده يزاحم يريد أن يخرج.
فالمسلم عندما يرى الحبيب في كل عمل له، وفي كل خطوة له، وفي كل قول له يكفيه ذلك:
وقد روي أن رجلاً دخل على أبي بكر فشتمه من باب الغيظ، فسكت أبو بكر ، فأعاد مرة أخرى، فسكت أبو بكر ، فلما أعاد الثالثة قام أبو بكر يريد أن يرد، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم ليغادر المجلس، فقال: يا رسول الله! سكت في أول مرة وسكت في المرة الثانية، فلما أردت أن أرد في المرة الثالثة قمت من المجلس؟! فقال: يا أبا بكر ! أرسل الله ملكاً ليرد عليه، فلما أردت أن ترد فارق الملك المكان وحضر الشيطان، وأنا لا أجلس في مجلس فيه شيطان.
إذاً: فكل اثنين يتشاجران فالموجود بينهما هو الشيطان، فهو الذي يملي عليهما، فيقول: عيره بأمه عيره بأبيه، ولذلك كان من رحمة الله عز وجل بنا أنه لا يسمعنا عذاب أهل القبور، وإلا لعير بعضنا بعضاً بمن سبق إلى لقاء ربنا سبحانه وتعالى.
فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في كل شيء.
وكنا قد تحدثنا عن التيمم، وتحدثنا عن الاغتسال، وتحدثنا عن هيئة وكيفية الصلاة.
وهنا سنتحدث -إن شاء الله- عن سنن الصلاة ومبطلات الصلاة ومكروهات الصلاة.
فما هي السنة؟
السنة إما قول أو فعل لرسول الله، فإما أن يقول كذا، وإما أن يفعل كذا، وإما أن يسكت عن شيء حدث أمامه، فإذا سكت فذلك دليل على إقراره لهذا الشيء، وهو لا يسكت على باطل أبداً، فقد أتى إليه بشير أبو النعمان يقول له: (يا رسول الله! إني نحلت ابني حائطاً) أي: بستاناً، فقال: (ألك ولد غيره؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: أنحلت كلاً منهم حائطاً، فقال له: لا يا رسول الله، فقال له: ألا ترضى أن يكونوا لك في البر سواء؟! لا تشهدني على جور، أشهد عليه غيري).
فالرسول لم يقره، بل قال له: إما أن تعطي كل واحد بستاناً، وإما ألا تفضل واحداً على واحد.
ومتى أفضل واحداً على واحد؟!
الجواب: ذلك يكون في أربعة إخوة مثلاً فثلاثة تزوجوا في البيت، والرابع ما زال يتعلم، أو جاء بعد دهر، فإخوانه قد تخرجوا وزوجهم أبوهم، وهو جاء على حين كبر، فهذا الولد مازالت أمامه مراحل تعليم حتى يصل إلى مستوى إخوته.
فهنا يحجز له أبوه ما يساوي ثمن تعليمه كإخوته، وثمن تزويجه كإخوته، فمثلما عمل مع إخوانه يعمل معه.
وكذلك إذا كان أحد أبنائك مريضاً له وضع خاص، فعنده مرض عضال، فتحجز له مبلغاً معيناً قبل أن تقسم التركة وأنت على قيد الحياة.
أما إذا كان لك ولدان: ولد بار جداً، وولد عاق، فإن بر أحدهما يجعلك تميل إليه، وتريد أن تعطيه أكثر، والولد الثاني عاق، فتريد أن تنقصه عن أخيه، وذلك غير صحيح، فالعاق عليه ذنب وذنوب وعقاب عند الله، فلا تعط البار أكثر من العاق، ولكن اقسم بينهما بالسوية كما أمر الله، وعقوقه يرجع عليه، فهو أخذ مالاً والله لن يبارك فيه، ويخرج له أولاداً عاقين له مثلما عق أباه.
ولذلك يقال: إن ملك الموت ينزل ليقبض روح عبد من عباد الله، فيقول الله: يا ملك الموت لا تفعل، فيقول: يا ربنا لقد حان أجله، فيقول الله له: يا ملك الموت هذا شأني في عبادي؛ لقد كان باراً بأبيه وأمه فأعطيناه كذا سنة علاوة رضا من رب الرضا. يعني: كافأناه على أن أرضى أباه وأمه.
إذاً: لا يوجد شيء يطيل العمر إلا بر الوالدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يرد الدعاء إلا القضاء، ولا يزيد في العمر إلا بر الوالدين) إذاً: عندما تكون باراً بوالديك يعطيك ربنا علاوة رضا من رب الرضا، لا يعرفها حتى ملك الموت، فهي سر يعلمه الله.
وعقوق الابن العاق لا يمنعه حقاً من حقوقه، لكن المسلم لابد أن يلاحظ أنه كما عق والديه، فإن أبناءه سوف يعقونه.
منذ شهرين حدث أمر في محافظة قنا، وهو أن رجلاً حمالاً يحمل فوقه أواني فخارية، ويخرج من البيت إلى السوق من أجل أن يبيعها، وكان له ابن يساعده، وبينما كان الأب يمشي وقد كبر في السن تعثر بطوبة فوقع على الأرض فتكسر الفخار كله، فطرح الابن ما كان على كتفه ونزل يضرب والده، ويقول له: ألا تنتبه، ألا تكون يقظاً! فاجتمع الناس عليهما وضربوا الولد حتى كادوا أن يفتكوا به، وهذه من شهامة الصعايدة، فقال لهم الأب: اتركوه، قالوا له: لماذا؟ قال: لقد ضربت أبي في هذا المكان! (الذنب لا يبلى، البر لا ينسى، الديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان) حديث الحبيب المصطفى.
غض بصرك عن محارم الناس تلق الناس غاضي أبصارهم عن محارمك.
أجل عينيك في محاسن السائرات يجل الناس أنظارهم في محاسن محارمك، وانتبه فإن النظرة جزء من مقدمات الزنا، (فالعين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها اللمس، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه).
عندما تنظر فإنك ستكون مديناً، وسداد الدين بنظر الناس في محارمك، يعني: أنت لو نظرت إلى خمسين امرأة فسينظر إلى محرمك خمسون رجلاً، فبالله عليك كم أخذت من الخمسين اللاتي نظرت إليهن، والخمسون رجلاً عندما نظروا إلى امرأتك أو ابنتك كم أبقوا لك؟
وأنا أعجب كل العجب من رجال يمشي أحدهم مع امرأته وهي كاشفة عن ساقيها وذراعيها ورقبتها وشعرها كله، ثم يقول: إن امرأتي هذه من عائلة محافظة! فكيف إذا كانت من عائلة غير محافظة؟ وهل يعقل أن يكون المسلم على هذا الحال لا غيرة عنده على العرض؟
يا مؤمن! إن ذكر الحمام لو جاء عند غير أليفه سيظل جناحه يضرب من الغيره، وهكذا غيره من الحيوانات، ويشذ عن كل الحيوانات في الغيرة حيوان واحد هو الخنزير، ويقال: إن الذي يأكل لحم خنزير يصاب بعدم الغيرة، ولعل الذين سافروا إلى فيينا أو جنيف أو الدول الإسكندنافية شاهدوا البلايا التي في الطرقات العامة فضلاً عن غيرها، وهناك لا تجد شخصاً يهتز لأي منظر، بل بالعكس؛ فإنك إن نظرت تعجب الناس منك، يقال لك: يا أستاذ! ماذا تنظر، انشغل بحالك، يعني هو سيسخر منك، أو يقول لك: هذه حرية شخصية.
والأسف الشديد أن الأمة أصيبت بما أصيب به أهل الكتاب: (لتحذن حذو أهل الكتاب حذو النعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
مثال ذلك: في أوروبا أخرج اليهود شيئاً اسمه مسابقة ملكة جمال العالم، وملكة جمال العنب، وملكة جمال البقر، وملكة جمال القطط، وأجمل جاموسة، وأجمل بقرة، وأجمل امرأة، وأجمل قطة، وأجمل كلب .. وهكذا، فنحن المصريين من سلالة فرعون الذي قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] وقال لقومه: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29]، وقال عن سيدنا موسى: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26]، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54].
فمن أجل أن نكون مسايرين للعصر، أعلنا سريعاً عن أحسن نجوم الجمال.
إننا متخلفون في الأكل وفي الشرب وفي التصنيع وفي الزراعة، لكن في ملكة جمال العالم -نحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه- لسنا متخلفين، بل صرنا من المتقدمين، وتجد المفتي عافاه الله تجرأ وأصدر فتوى بتحريم مسابقة ملكة جمال مصر، ولكن قامت بعض الصحف لتسخر من فتواه.
فمسابقة ملكة الجمال تتطلب لها مواصفات خاصة، وفي الشرع أن المرأة يحرم عليها أن تنظر إلى المرأة إلا إذا كانت من محارمها وكان النظر إلى دون ما بين السرة والركبة، وبعض العلماء قالوا من الصدر.
والمسلمة مع المسيحية أو اليهودية كأنها مع رجل أجنبي تماماً، أي أنه إذا دخلت على امرأتك المنقبة أو المحجبة امرأة مسيحية أو يهودية فلابد أن تتحجب، وقد يكون هذا الرأي غريباً على كثيرين، لكن هذا هو كلام الفقهاء الأربعة، ولذلك فإني أتعجب من السعوديات حين أصدر لهن المفتون فتوى أنه لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة، وبعد ذلك عندهم شغالات سرلنكيات، ومنهن بوذيات، والشغالة المسيحية أو اليهودية أو البوذية غير المسلمة تعيش في البيت باستمرار، ولا يعقل أن المرأة تمكث محجبة أو منقبة أربعاً وعشرين ساعة.
ومن أكبر الكبائر عند الله أن تنعت الزوجة لزوجها أختها أو صاحبتها كأنه يراها.
فسيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في الصلاة، فلا أحد يؤلف في الصلاة؛ لأن العبادات كلها مأخوذة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ورفع اليدين في مواضع أربعة في الصلاة: فأول رفع عند تكبيرة الإحرام، ثم عند الهوي إلى الركوع، ثم عند الرفع من الركوع.
وفي رأي للإمام أحمد زيادة الرفع عند القيام من التشهد الأول.
والمتفق عليه بين الفقهاء، هو السنة الوحيدة التي أجمع عليها خمسون صحابياً منهم العشرة المبشرون بالجنة هي الرفع في تكبيرة الإحرام.
فهذه سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد ذلك: دعاء الاستفتاح، فقد كان سيدنا الحبيب عندما يكبر يسكت قليلاً قبل أن يدخل في القراءة.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة، فكان في صلاة الصبح يصلي بالمسلمين بستين إلى مائة آية، وكان حين يكبر تكبيرة الإحرام يسرع بعض الصحابة فيتركون أعمالهم ويذهبون لقضاء الحاجة، ثم يتوضئون بجوار البقيع، ثم يذهبون إلى الصلاة فيدركون الركعة الأولى.
وبعض الناس يقول لك: يا أخي! من صلى بالناس فليخفف.
فنقول له: هذا هو التخفيف.
وقد قرأ في المغرب في الركعتين بسورة الأعراف، وقرأ بالمرسلات، وقرأ بـ (ق) وقرأ بالسجدة وهَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان:1].
ثم إن إطالة القراءة في الصلاة فيها فائدة أخرى، فأنا عندما أقرأ في المصحف يكتب لي الحرف بعشر حسنات، وفي الصلاة الحرف بمائة حسنة، ولذلك كان سيدنا عبد الله بن عمر يكمل المصحف تلاوة في الصلاة في قيام الليل فقط في كل أسبوع، ففي كل ليلة كان سيدنا ابن عمر يقوم الليل بقدر أربعة أجزاء ونصف.
إذاً: أول سنة رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، فتكبيرة الإحرام ركن، ورفع اليدين فيها سنة.
وقد ورد في دعاء الاستفتاح روايات كثيرة، وسنأخذ رواية واحدة من أجل أن نحفظها، وهي: سبحانك اللهم وبحمدك، وتعالى جدك، وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك.
ومعنى (وتعالى جدك): تعالت عظمتك، يعني: تعاليت -يا ربنا- في عظمتك.
والسنة التي بعد ذلك هي الاستعاذة، بقولك: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
وقد أجمع الفقهاء على الإسرار بها، فلا يسمع إلا نفسه، فأعلى درجات الإسرار أن تسمع نفسك فقط.
وقال أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما: يجهر بالبسملة، فعندما تجد إماماً يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) وإماماً آخر يقول: (الحمد لله رب العالمين)، فاعلم أنهما على صواب، ومذهبك أنت مذهب من يفتيك، فلو أن شخصاً قال: هل الرسول كان يقرأ البسملة أو لا؟ نقول له: إن الحديث الذي وصل إلى أبي حنيفة هو أن الرسول كان يجهر بالبسملة، والأحاديث التي وصلت إلى أحمد ومالك فيها أن الرسول كان يسر بالبسملة، أو أن الرسول أحياناً كان يجهر بها وأحياناً كان يسر بها، وكلاهما صواب.
كحال بعض الخطباء حين يصعدون إلى المنابر، فبعضهم يجلس، وبعضهم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، فهذا حدث من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا حدث منه.
ولذلك كان على الذي يتصدر للفتوى أن يدرس المذاهب، وقبل أن يدرس المذاهب يدرس أصول الفقه، والذي لا يدرس أصول الفقه لا يجوز أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، ولذلك وددت من الدولة إذا عينت مفتياً أن تختاره فقيهاً أصولياً يؤصل القواعد؛ لأن هذه مسألة مهمة.
ففي كتاب إعلام الموقعين للإمام ابن قيم الجوزية ذكر تسعاً وتسعين حالة لموضوع معين كموضوع الطلاق، وأذكر أن أستاذنا الذي علمنا أصول الفقه درسنا على مدى اثنين وعشرين شهراً ثلاث حالات من التسع والتسعين بالتفصيل، ثم قال: أكملوا أنتم، فالقضية عسيرة.
فأريد أن أقول: إن مسألة (حرام وحلال) ليست سهلة، وقد صارت كلمة الحرام عندنا أمراً ميسوراً، فتجد الولد يدفع أخاه في البيت ليلعب معه، فيقال له: يا ولد! حرام عليك، يا بنت! حرام عليك، فكلمة (حرام) أصبحت خفيفة على الناس من كثرة استخدامها، وكلمة الحرام لا تقال إلا بنص، وكلمة الحلال لا تقال إلا بنص.
فإذا كنت تصلي مأموماً في المغرب أو في العشاء أو في الصبح فقرأ الإمام ولم يسكت بعد الفاتحة لكي تقرأ أنت، وقد سمعت أنت حديثاً يقول: (لا صلاة إلا بأم الكتاب)، وهي الفاتحة، فإنك تفهم من الحديث أنه لا تصح الصلاة إلا إذا قرأت الفاتحة، ولذلك أفتى الإمام الشافعي بوجوب قراءة الفاتحة على الإمام والمأموم.
والإمام أبو حنيفة والإمام مالك قالا: إذا قرأ الإمام فليس عليك قراءة، وجاء الإمام أحمد فتوسط بين الطرفين، ويعجبني فيها رأي أحمد ، وودت ألو كان رأي أبي حنيفة كرأي أحمد ؛ لأن دراستي التفصيلية في مذهب الإمام أبي حنيفة ، وبفضل الله درست بقية المذاهب، ولكن شغلي كله مع أبي حنيفة وتلميذيه محمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف رضوان الله عليهم جميعاً، فوددت أن رأي أبي حنيفة مثل رأي أحمد في هذه المسألة.
وأنا لا يهمني ما قال جمهور الفقهاء، بل يهمني الرأي الذي استند فيه إلى الدليل.
فالإمام الشافعي أخذ بحديث: (لا صلاة إلا بأم الكتاب)، والذي روى هذا الحديث رواه إلى هذه اللفظة فقط، وعندما بحثنا في هذا الحديث وجدنا أن هذا الحديث فيه جزئية لم تصل إلى الإمام الشافعي ، وهي: (لا صلاة إلا بأم الكتاب، إلا أن تكون مأموماً فقراءة الإمام لك قراءة).
واستدل أبو حنيفة بأدلة عظيمة جداً:
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
فسيدنا الحبيب هو المحيط، والعلماء هم القنوات، وكل واحد يأخذ على قدر ما يعطيه الله عز وجل من فضله، فاللهم علمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا، وثقل بهذا العلم موازيننا جميعاً يوم القيامة، واجعله خالصاً لوجهك الكريم يا أكرم الأكرمين.
ومن جملة ما احتج به على الشافعي أنه قيل له: إذا دخلت إلى الصلاة لأصلي خلفك، فانتهيت أنت من قراءة السورة فركعت فكبرت أنا وركعت معك، فهل حسبت لي ركعة أم لم تحسب؟! فقال الشافعي : تحسب، فقيل له: ما قرأت الفاتحة، فتبسم الشافعي وقال: رضي الله عن أبي حنيفة ، الناس كلهم في الفقه عيال على أبي حنيفة .
واحتج عليه بقول الله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، والمستمع شريك للمتكلم، فعندما تفتح القرآن المرتل عندك في البيت لتسمع الشيخ الحصري رحمه الله وجزاه الله خيراً، فإنك في الثواب كالشيخ الحصري تماماً؛ لأن المستمع شريك للمتكلم.
وإن سمعت غيبة تأخذ نفس المصيبة، أو إن سمعت سباً ورضيت به، أو إن سمعت أغاني، فالمغنية تكسب أموالاً وأنت تخسر حسنات.
فكأن الذي استمع إلى الإمام وهو يقرأ قد قرأ.
واحتج عليه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى خلفه أناس حديثو عهد بالإسلام، فكان يقرأ سورة الحمد وهم يقرءون معه، فبعدما انتهى قال: (ما لي أنازع في الصلاة؟ إذا قرأت فاستمعوا، وإن سكت فاقرءوا)، فالإمام أبو حنيفة والإمام مالك قالا: إنه إذا كانت الصلاة جهرية فالمأموم يسمع، بل قال أبو حنيفة رضوان الله عليه: حتى في صلاة السر، فلو لم يقرأ المأموم أجزأته قراءة الإمام وصلاته صحيحة، وانظر إلى التيسير.
ومما احتج به صاحبا أبي حنيفة على الإمام الشافعي أنه إن مكثت أقرأ الفاتحة على مهل، وقرأها الإمام مسرعاً، ثم ركع وأنا مازلت في: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فإني أركع، ولا أكمل القراءة؛ لأنه لابد من أن أتابع الإمام، وأما مساواة الإمام فمكروهه وسبقه حرام، فلو أنك ركعت قبل الإمام فصلاتك باطلة، ولو رفعت قبل الإمام فصلاتك باطلة، والأفضل أن تتأخر عن الإمام قليلاً، ولكن لا تتأخر جداً.
وأما الإمام أحمد فقد أراحنا في هذه المسألة، وهذا رأي أفتي به إخواننا منذ عشرين سنة.
فهو يقول: في الجهرية لا تقرأ، وفي السرية تقرأ، وتكون بهذا قد أخذت بالأحوط، أو إذا رأيت إماماً يسكت ويطيل السكوت بعد الفاتحة، فاقرأ الفاتحة، ولكن الغالب أن الإمام لا يسكت المدة التي تستطيع أن تقرأ فيها الفاتحة بأحكام تلاوتها، فالأفضل أن تنصت.
فعندما نزل قول الله عز وجل: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، قال الرسول: (اجعلوها في ركوعكم)، يعني تقول: (سبحان ربي العظيم) ثلاث مرات، وسيدنا أنس رضي الله عنه لما رأى عمر بن عبد العزيز يصلي قال: والله ما رأيت أحداً يصلي كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الغلام.
فمكث الحاضرون ينظرون إلى عمر بن عبد العزيز كيف يصلي من أجل أن يتعلموا كيف كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الراوي: فعددنا له في ركوعه وفي سجوده عشر تسبيحات، وما بين كل تسبيحة وتسبيحة سكوت بقدر تسبيحة.
فهكذا كان الركوع المطمئن، وفي أقل ركوع نقول ثلاث تسبيحات: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، أي: أنزهك يا رب، فأصفك بكل كمال؛ فإن الكمال لله عز وجل.
فأنت لك في الرفع أن تقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وتستوي قائماً.
ولا داعي للتلخيص في الصلاة، ففي الصلاة لا تلخص، وإنما أريدك أن تصلي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي.
وكان يسجد على سبعة أعظم: وهي: الجبهة مع الأنف، واليدان، وهناك كثير من الناس يضعون الكفين والساعدين على الأرض، وهذا منهي عنه؛ لأنها هيئة الكلب، كما قال تعالى: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف:18].
ويجوز للمرأة أن تصنع هذا، من أجل ألا يظهر منها شيء، ولكن الرجل يجافي بين جنبيه، فيضع كفيه على الأرض ويجافي الذراعين، ويوسع ما بين جنبيه، فلا يلصق الساعدين إذا كان يصلي وحده، فإذا كان هناك زحام فلا يفعل ذلك.
ثم الركبتان، ثم الأصابع، فتكون الأصابع كلها باتجاه القبلة.
ولتكن الجبهة مع الأنف مقدمة قليلاً على اليدين.
وقد كان بإمكانه صلى الله عليه وسلم أن يقول: (اللهم صل على سيدنا محمد)، ولكن قال للصحابة: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، فهو في غير الصلاة سيدنا وتاج رءوسنا، وأما في الصلاة فلا سيد مع الله.
الجواب: لا، هذا حرام؛ لأن زوج أختها محرم مؤقت، سواء دخل بأختها أم لم يدخل.
الجواب: أجازه بعض الفقهاء ومنعه البعض الآخر.
الجواب: إن ترك لعذر فعليه فدية، وإن ترك لغير عذر فبعض العلماء يقولون: يعيد الحج من العام القادم، وهناك من يقول: إنه يفدي فدية، وحجه صحيح بإذن الله.
الجواب: اتركها لتموت.
الجواب: تزوج على أي مذهب، وإنما لا يعجبني قول المأذون: وعلى مذهب الإمام الأعظم فهل إذا لم تتزوج على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة لم يصح أن تتزوج على مذهب رسول الله؟!
الجواب: لابد من أن تغتسل قبل الخروج، فهذه ليس فيها رخصة.
الجواب: تحاول على قدر الاستطاعة أن تجمع هذه الصور.
الجواب: إذا تيقنت بعد الصلاة فمن باب الاحتياط أن تعيد صلاة العشاء، وإن لم تتيقن فصلاتك -إن شاء الله- صحيحة.
الجواب: لا يفعل، فلا يعقد عليها من دون علم أسرتها، وليبتعد عنها إلى أن ييسر الله ويعقد؛ لأن الخطيب أجنبي عن خطيبته، فلا ينظر شعرها، ولا يسلم عليها، ولا يخرج معها، ولا يخلو بها، ولا يذهب معها.
الجواب: هذا ليس بحديث.
الجواب: إن الرسول أوضح لنا أنه لا داعي من زواج الأقارب، وقد أقر العلم بأن زواج الأقارب يأتي بالصفات الوراثية التي ليست بجيدة، فيا ليت كل واحد يتزوج من غير أقاربه من أجل أن يبقى حبيباً لخالته وحبيباً لعمته.
الجواب: إذا كان هذا ديناً فأبو الزوج هو الذي يدفع الباقي، وإذا لم يكن ديناً فإنه يصير ميراثاً، والزوجة ترث الزوج.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر