أما بعد:
فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة التاسعة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، ندعو الله في أولها أن يجعلها في ميزان حسناتنا يوم القيامة.
اللهم ثقل بهذه المجالس موازيننا يوم القيامة، وثبت على الصراط أقدامنا، وأنر طريقنا بها يوم القيامة.
اللهم ثبت بها أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام.
اللهم أعطنا بها كتبنا بأيماننا، ولا تعطنا كتبنا بشمائلنا أو من وراء ظهورنا، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً.
اللهم من أراد بالمسلمين كيداً فاجعل كيده في نحره.
اللهم من أراد بمسلم سوءاً فاجعل كيده في نحره، أوقع الكافرين في الكافرين، أوقع الظالمين في الظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين، اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن.
اللهم أبعد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، اللهم أبعد عن أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا وأزواجنا وذرياتنا وأهلينا شياطين الإنس والجن.
اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا برحمتك، واغفر لنا واسترنا.
اللهم يا من سترتنا في الدنيا لا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم القيامة.
اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، أبعدنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، أكرمنا ولا تهنا، اللهم أكرمنا ولا تهنا .. اللهم أكرمنا ولا تهنا، إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصلنا، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون.. ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون.
اللهم رقق قلوبنا بالإيمان، اللهم وأحسن خلاصنا، وفك أسرنا، وثبت يقيننا، وقو عقيدتنا، وانصر ديننا.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين.. اللهم انصر الإسلام والمسلمين.. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، حول حالنا إلى أحسن حال.. اللهم حول حالنا إلى أحسن حال.. اللهم حول حالنا إلى أحسن حال، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، لا تجعلها حفرة من حفر النار، ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً.
اللهم اجعل من أمامنا نوراً، ومن خلفنا نوراً، وعن أيماننا نوراً، وعن شمائلنا نوراً، ومن فوقنا نوراً، ومن تحتنا نوراً، واجعل لنا نوراً، واجعلنا نوراً.
اللهم أكرمنا بالقرآن، وأكرمنا برسول القرآن، اللهم أكرمنا به يا رب العالمين، فرح اللهم قلبه بنا يوم القيامة، اسقنا من حوضه الشريف شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.
اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم.. اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم.. اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم.
نسألك يا ربنا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم تقبل منا دعاءنا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة التاسعة التي تخص حلقة من أخطر حلقات الدار الآخرة، وهي تخص الحديث عن البعث والنشور والحشر إلى الله عز وجل.
فاللهم ابعثنا مسلمين مؤمنين موحدين، ابعثنا في زمرة الصالحين، في معية رسولك صلى الله عليه وسلم يا رب العالمين.
قضية البعث ككل حلقات الدار الآخرة قضية غيبية، ومعنى أنها قضية غيبية، أي: ليس للعقل فيها مكان أو اجتهاد أو رأي، فليس لشخص أن يقول في قضية غيبية: أنا يتصور لي كذا! أو أتخيل كذا! أو أظن كذا! ولكن قضية البعث ككل قضايا وأمور الدار الآخرة، قضية لا إعمال للعقل فيها، وأحزن كثيراً على الإخوة الذين يشغلون أنفسهم بأشياء خارج نطاق قدرتهم؛ فتعطلهم عن حضور مجالس ودروس الدار الآخرة.
ودروس الدار الآخرة هي عبارة عن دروس تقوي عقيدة المؤمن، وتفهمه وتعلمه كيف يكون لقاء الله عز وجل، فيكون مستعداً لهذا اللقاء.
اللهم اجعلنا من المستعدين للقائك يا رب، حتى نكون من السعداء، لذلك لا ينبغي أن تقول أيها المسلم على ابنك أو ابنتك الذي يمرح كثيراً في البيت: هذا ولد شقي؛ لأن الشقي: من حرم رحمة الله، ولكن قل: هذا ولد متعب، أو عصبي، أو مشاكس قليلاً، فلا داعي لكلمة شقي؛ لأنك حكمت على ابنك بالشقاء، ونسأل الله أن يبعدنا وإياكم عن أهل الشقاء؛ لأن الله يقول يوم القيامة عن الناس: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:105]، فاللهم اجعلنا من السعداء في الدارين يا رب؛ لأن كلمة (شقي) قد تؤمن الملائكة عليها، فتخسر الولد دنيا وآخرة، فلا داعي لكلمة (شقي)، كما وضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له اهتمام بمدلول الألفاظ: (جيء برجل مغيب العقل)، ونعرف أن مغيب العقل هو المجنون، فقالوا: هذا رجل مجنون يا رسول الله، فقال: (لا تقولوا: مجنون، قولوا: مصاب، إنما المجنون من حرم رحمة الله عز وجل).
إذاً: فالمجنون هو الذي ترك دروس العلم، وترك قراءة القرآن، هو الذي لا يصلي، ونحوه، فهذا هو المجنون الحقيقي، أما لو أصيب شخص في عقله فهو مصاب، نسأل الله أن يشفي كل مريض.
إذاً: فالقضية أن يتنبه المرء لمدلول الألفاظ، وموقف الشرع منها.
والسعيد له علامات ثلاث، سأذكر هذه العلامات الثلاث وكل منا سيعرف علته، وهل هذه العلامات موجودة فيه أو بعضها، وهي على النحو التالي:
أولها: من ترك الدنيا قبل أن تتركه.
أي: المسلم يترك الدنيا قبل أن تتركه بغير رضاه، يعني: يكون زاهداً فيها، ولا مانع من أن يأكل ويشرب ويتمتع قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32] أي: ليست هنالك مشكلة في هذا، ولكن المشكلة أن تستخدم ما آتاك الله في إغضابه عز وجل.
مثل أن تقول لابنك: لحم أكتافك من خيري، أو تقول لسكرتيرك وسواق سيارتك: أنت لحمك ولحم أولادك ولحم أكتافك من خيري، ثم أقول لك: اعمل الشيء الفلاني لا تعمله؟! ولله المثل الأعلى؛ فمن الذي خلقنا؟ ومن ذا الذي يرزقنا ويعطينا؟ إنما هو الله، فعند أن يأمرني بأمر أعصي أمر الله؟! يا من لا يستطيع أن ينظر إلى وجه أبيه، يا من يقول له: لا تسمع فيقول: بل أسمع، يا من يقول له أبوه: لا تذهب المكان الفلاني فهو سيئ فيقول: بل أذهب! يقول لك: اذهب فصل أو اذهب مجلس العلم فتقول: لا، لا.
إذاً: من علامة المسلم السعيد: تركه الدنيا قبل أن تتركه.
ثانيها: وبنى قبره قبل أن يسكنه.
ليس المعنى: بناه البناء الحسي، من بناء المباني! وإنما باستعداده للقاء الله، فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.
اللهم اجعلنا من المحبين للقائك يا رب العالمين.
كان أحمد بن خضرويه رحمه الله تعالى أحد تابعي التابعين، مات وعمره مائة وخمس سنوات، فعند الموت بكى، قالوا له: يا إمام! أنت عالم المسلمين وتبكي؟! قال: منذ خمسة وتسعين عاماً وأنا أدق بابه فهاهو الباب سوف يفتح، فلا أدري أأجد جنة أم ناراً، أي: منذ بلوغه عشر سنوات وهو يصلي ويصوم ويتقي الله ويتعلم العلم، وعندما كبر أصبح يعلم الناس، ومن ثم فهو يدق الباب ويخاف أن يفتح ويلقى ما لا يحمد عقباه.
اللهم إن فتحت لنا الباب فأدخلنا جنة الرضوان يا رب.
إذاً: فالسعيد من ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يسكنه.
ثالثها: وأرضى خالقه قبل أن يلقاه.
يا ترى هل توفرت فيك هذه الصفات؟ وهل مازالت الدنيا متمسكة بك وما زلت متمسكاً بها؟
دخل الحسن البصري على رجل مات له ابن فبكى، فقال له الحسن : عجباً لك يا رجل! أسرك وهو فتنة وبلية، وأحزنك وغمك وهو صلاة ورحمة؟
يعني: عندما كان موجوداً في الدنيا فهو كما قال الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، وقال تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14].
إذاً: فالزوجة قد تكون عدوة لك، فتجعلك تكتسب من حرام، أو من شبهة، والولد كذلك، إذاً: فأنت سعيد به في وقت كان بلية واختباراً وامتحاناً ومصيبة، وعندما مات إن قلت كما قال الله: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] فسيثني الله عز وجل عليك ويثيبك كما قال سبحانه: أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:157].
اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.
فالسعيد هو الذي توفرت فيه هذه الثلاث الصفات، وعندما تخرج من درس الدار الآخرة فكن كسيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقد كان كل ليلة قبل أن ينتهي مجلس الحكم الذي كان يعقده يحضر العلماء، وكل عالم من العلماء يمثل مرحلة من مراحل الدار الآخرة، يعني: كأن في الحلقات التي نتكلم فيها، عالم عند أمير المؤمنين يتكلم بحلقة، فيقول: هاهو ملك الموت أتى، وأنا أنظر إليه الآن يعمل كذا! ويعمل..! ويشرح، ويأتي الثاني الذي بعده، فيقول: هاهم أهلي أدخلوني القبر، ويحكي ما في القبر، ويأتي الثالث قائلاً: هاهو ربي بعثني من القبر، وها هو الحشر بدأ، أو حصل النشور، أو نصب الميزان، أو نشرت الكتب..، إلى آخره، سبحان الله.
فكان الذين يحضرون درس عمر بن عبد العزيز كل ليلة يقولون: فكنا ننتشر من عند أمير المؤمنين، كأنما بعثنا من قبورنا إلى الله رب العالمين، فعند أن يخرج الرجل منهم من عند الأمير ماذا يعمل؟ لا كحال كثير من الناس يسمع الكلام ثم يتلف عمله، فيفتح التلفزيون ويضيع كل ما حصله، بل امض إلى بيتك وقم بتنفيذ الكلام الذي سمعته، فتعود إلى بيتك وتراجع حساباتك، يا إلهي هذا الكلام خطير مرعب، فلا تكن مرعوباً راهباً وقت الدرس فقط، ثم كأن شيئاً لم يكن.
فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين.
اليوم -إن شاء الله- حديثنا عن قضية هامة، وهي قضية البعث، فقد مات الناس وأقبروا -أي: داخلوا القبور- وهي في ظاهرها أحجار وتراب، لكن في داخلها إما نعيم أو عذاب، ومن رحمة الله -كما أسلفنا- أنه لا يسمعنا صوت المعذبين في القبور، وعلى قدر فهمي الضعيف الضئيل، أنه ربما كان ذلك لحكمتين، والحكم كثيرة لكن أفهم منها علتين:
العلة الأولى: ألا يعير الناس بعضهم بعضاً بما يعذب به أهلوهم في القبور.
نفرض أن شخصاً رفعت أنا عليه قضية في المحكمة، ويعذب أبوه في قبره لأجل حرام كان ارتكبه، فأعيره بعذاب أبيه في القبر، وهذه ستكون مصيبة علي أولاً؛ لأن من عير أخاه بذنب صنعه لن يموت إلا وقد ارتكب هذا الذنب، ولذلك عندما تسمع عن شخص أنه يرتكب ذنباً معيناً فاسأل الله العفو والعافية، وقل: يا رب عافنا وإياه، وهكذا المؤمن.
إذاً: فهذه هي العلة الأولى. والله أعلم.
العلة الثانية: لو سمعنا عذاب أهل القبور لكانت عبادتنا لله رهبة لا رغبة.
يعني: أنا عند أن أسمع العذاب تكون عبادتي لله عبادة خوف، مع أن الله عز وجل يريد أن تكون عبادتنا له عبادة حب؛ لأنه هو الغفور الودود، ينادي بعدما تثور عليك الأرض قائلة: يا رب! هذا الرجل أكل من رزقك ولم يشكرك، والجبل يقول: يا رب! هذا يأكل من رزقك ولم يشكرك، اجعلني أضمه.. أضيعه.. أميل فوقه، والسماء تقول: دعني يا رب! أنزل عليه غضباً؛ لأنه لا يشكرك، والبحر يقول: دعني أغرقه، فماذا يقول الرحمن الرحيم الذي يريدنا أن نعبده على حب؟ أأنتم خلقتموه؟ يقولون: لا يا ربنا، ويقول: لو خلقتموه لرحمتموه، دعوني وعبادي، من تاب إلي منهم فأنا حبيبهم، ومن لم يتب فإني طبيبهم، وأنا لهم أرحم من الأم بأولادها.
سبحان الله، هل الرسول صلى الله عليه وسلم ضل؟ أم أنت لم تتنبه لمدلولات اللغة؟
الضلال في اللغة: شدة الحب، وهو درجة من درجات الحب الكبير؛ لأن الرسول كان بحاثة عن الحقيقة واليقين؛ بدليل أنه كان في كل شهر رمضان يختلي بنفسه قبل البعثة يبحث عن الله عز وجل؛ وكأنه يقول: الناس الذين يعبدون هذه الأصنام ليسوا على حق فدلني عليك يا رب السماء والأرض، دلني عليك يا من جعلت البحار زخارة بأمواجها، ونوارة بما فيها، يا من ترسل الرياح، يا من تصنع كذا وكذا، فقال له الله جل وعلا: وَوَجَدَكَ ضَالًّا [الضحى:7] أي: شديد الحب لمعرفتنا فهديناك إلينا، وليس معناه: أن الرسول ضال بمعنى منحرف أو مخطئ، حاشى رسول الله أن يضل بهذا المعنى.
احترام المخلوقات لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم أمر ظاهر، فهذه السيدة عائشة تقول: كنا نأتي بوحش بري في البيت عند رسول الله، ومعنى: وحش بري، أي: غير مستأنس، فيركض ويلعب في البيت، ويقطع السجاد، فقالت: أول ما يدخل النبي صلى الله عليه وسلم يسكن الوحش بجواره حتى يخرج، أي: لا يريد أن يعمل فوضى يقلق بها الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهذا وحش بري غير مدرب أو معلم، لكن ربنا يعلمه من أجل حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فالله من رحمته لا يسمعنا عذاب أهل القبور، ومن الذي يسمع عذاب أهل القبور؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المخلوقات تسمع عذاب أهل القبور، إلا الثقلين الإنس والجن) الذين هم مكلفون، لأنهم ما داموا مكلفين فلن يسمعوا عذاب أهل القبور من أجل أن تكون العبادة غيبية؛ لأن الله مدح المؤمنين في أول البقرة فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]، وصل الأمر بسيدنا علي أن قال: لو كشف عني الحجاب لما ازددت من الله قرباً، وهذا كلام مرتفع جداً، يعني: لو رفع الحجاب بين سيدنا علي وبين ربه، لما ازداد من الله قرباً؛ ليقينه في الله عز وجل، فلا يريد إثباتات ولا براهين، ولا أدلة، وأحسن من قال:
وفي كل شيء آية تدل على أنه الواحد
لذلك عمر بن عبد العزيز وهو في النزع، قالوا: قل: لا إله إلا الله، فتبسم ونظر إلى السماء، وقال: ومتى نسيت ربي حتى تذكروني به.
ذكرك في فمي جمالك في وجهي
حبك في قلبي فكيف تغيب؟
ولسان حاله: كيف أنت دائماً معي وأنا معك، هذه معية الله عز وجل التي بها كل خير.
وانظروا الفرق بين أبي بكر وبين أصحاب موسى عند أن قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61]، ولذلك حديث الدار الآخرة مهم للعقيدة، من أجل أن الذي يخاف من غير الله لا يخاف إلا منه سبحانه، فالطالب الذي دخل الامتحان أو الموظف الذي يخاف من مديره، أو الرجل الذي يخاف من أمن الدولة أن تعمل به كذا وكذا، فكل هؤلاء ينبغي عليهم ألا يخافوا إلا من الله وحده، فإن خفت من الله أخاف منك المخلوقات كلها، ولذلك لما قال لموسى أصحابه: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) لأن فرعون من ورائهم، قال لهم موسى: إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] وهل هذا من أدب النبوة؟ أي: أن يقدم معيته على لفظ الجلالة؟ ألم يكن الواجب أن يقول: إن ربي معي كما قال الرسول لـأبي بكر : (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فقدم لفظ الجلالة على لفظ المعية، أما سيدنا موسى فقدم لفظ المعية على لفظ الجلالة فلماذا؟
لأن الذي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر وإيمانه كامل، فأول ما قرأ: (إن الله) سكن قلب أبي بكر ؛ أما الذين مع سيدنا موسى فهم يهود مذعورون خائفون على أنفسهم، فيطمئنهم أولاً على أنفسهم، ثم بعد ذلك يأتي بلفظ الجلالة قائلاً: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي).
إذاً: فالفرق قائم بين المخاطبين، مثل الذي يجلس على جبل عرفات، وهو متعب يقول: يا إلهي، متى سيكتمل هذا النسك، ما هذا الحر؟ هذا غير معقول؟ لم أكن أتخيل أن الأمر هكذا، فهو ينتظر المغرب بفارغ الصبر، والثاني بجانبه مؤمن لا يريد المغرب أن يأتي، فلا يشعر بالحر، ويقول: يا ليت أن المغرب لا يأتي، فهذا اليوم قد لا يعوض مرة أخرى، فهذا لا يحس بالحر، والأول قد أتعبه الحر مع أن الجو واحد.
إذاً: فقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، هذا لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه، فاللهم اجعلنا معه في الجنة يا رب العالمين.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة بين الرجال، لا طويلاً جداً ولا قصيراً، يعني: كان متوسطاً في الطول، لا نحيف ولا سمين، بل كان ربعة بين الرجال، لكن كان إذا سار مع طويل خيل للرائي أن الرسول أطول، ولذلك قالوا: يا عباس قال: نعم، قالوا: أنت عم رسول الله وحبيبه، قال: نعم، قالوا: إذاً أنت الأكبر أو الرسول؟ والعباس هذا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وآل بيت النبوة ألهمهم ربنا الرشد في الكلام وقال فيهم: رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [هود:73]، فاللهم احشرنا في زمرتهم يا رب، فقال العباس : رسول الله أكبر مني، ولكني ولدت قبله.
أي: لا يصلح أن أكون أنا الأكبر وهو رسول الله، بالله عليك لو أن شخصاً سألك في هذا الزمان، أنت أكبر أم ابن أخيك؟ لقال لك غالباً: يا بني! ابن أخي من سن أولادي، لكن العباس تخرج الحكمة من لسانه، اللهم أنطقنا بالحكمة يا رب.
النفخة الأولى: قال الله فيها: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68] يعني: هناك استثناء، ومن الموجود في تلك اللحظة؟ الموجود الجنة، والنار، واللوح، والقلم، والعرش، والكرسي، وعجب الذنب، وما هو عجب الذنب؟ هو ما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم يفنى إلا عجب الذنب).
وعجب الذنب: هو آخر فقرة في العصعص، الذي في العمود الفقري، وهذا مشاهد عندما تنظر الهيكل العظمي، فآخر فقرة هذه لا تفنى، بل تبقى منها بعض من الذرات، وهي دليل على أن هذا هو الشخص الفلاني، أو أنها فلانة، وربما يكتشف في المستقبل طباً أن في هذا المكان سراً ما، ولو أن عندنا من الأساتذة الفضلاء والعلماء أصحاب الطب واستطاعوا أن يفحصوا في هذه الحالة فلا بد أن يجدوا فيه سراً، ولماذا هذا بالذات؟ لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب)؟ لأنه البقية الباقية التي ستبقى من جسد ابن آدم، ولن تنفى إلا أن يشاء الله.
إذاً: فعجب الذنب واحد من سبعة أشياء تظل باقية عند قيام الساعة، أو عند الصعقة في الصور.
وفي الحديث: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم قرنه وحنى جبهته، ينتظر الإذن من الله بالنفخ في البوق).
إذاً: فالرسول عند أن ينظر هذا أمامه كيف يأتي له نوم بعد ذلك؟
فأنت عند أن تتعلم العلم وتحضر حلقات الدار الآخرة تكون مستعداً للقاء الله، وعند أن يطرق عليك ملك الموت يومها فأنت مستعد للقائه سبحانه، اللهم اجعلنا من المستعدين للقائك يا رب العالمين.
وكقوله تعالى: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:16-118].
وقوله تعالى على لسان عيسى: (إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) فيه تقرير بأنه لا أحد يعلم الغيب إلا الله سبحانه، فلا تضرب الودع ونحوها؛ لأن عند المسلم يقيناً بالله عز وجل فيتقي ربه، ولا يصدق بأن إنساناً لا يستطيع أن يعرف ما وراء الطبيعة إلا بإيمانه بالله عز وجل وفتح الله عليه.
فيقول إسرافيل: يا رب! بقي على وجه الأرض جبريل وميكائيل وإسرافيل وعبدك الماثل أمامك ملك الموت، فيقول الله له: يا ملك الموت! اقبض روح ميكائيل، فيقبض روح ميكائيل، ويبقى إسرافيل وجبريل، فيقول له الله: اقبض روح إسرافيل، وفي رواية: اقبض روح جبريل، ثم بعد قبض روح ميكائيل وإسرافيل وجبريل، يقول له الله: يا ملك الموت من على وجه الأرض؟ وتخيل ملك الموت أمام الله، أمام من يملك قضية الموت والحياة، كما قال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2].
وقد رأى رسول الله جبريل على هيئته مرتين له ستمائة جناح قد سد الأفق بجناحيه، فقال يا جبريل! أريد أن أراك على حقيقتك، وكان يأتيه في صورة دحية الكلبي أحد الصحابة، وكانت صورته جميلة، هو من قبيلة كلب، فهذا هو الذي كان يأتي جبريل في صورته إلى رسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريد أن أراك على حقيقتك فقال له: (لا تستطيع، فقال الله: يا جبريل! لا ترد أمراً لحبيبي محمد، اخرج إلى البقيع يا رسول الله! فخرج، ورأى أجنحة جبريل وقد سدت مشرق الشمس ومغربها، رأسها في السماء ولم ير رجليه)، وكاد أن يغشى على الرسول من المفاجأة والهول، ما هذا الحجم وما أكبره؟ فلما عاد إلى حجمه، أي: لما عاد -يعني: إلى الحالة الطبيعية أو الشبه الذي كان يأتي به إلى الرسول - وقد قال جبريل: (أنا بالنسبة لإسرافيل وميكائيل كحلقة ملقاة في فلاة، ولو تراهما يا رسول الله! وقد تصاغرا خشية من الله عز وجل، حتى يصيرا كالعصفور الصغير).
إذاً: فالملائكة معصومون، لا يعملون الغلط، والله جعلهم نورانيين في خوف من الله عز وجل، ونحن الذين ركب فينا الخير والشر، وشرنا أكثر من خيرنا إذا انحرفنا لا نخاف؟ بل يجب أن نخاف الله سبحانه، قال الله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9] اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
فقال الله لملك الموت: يا ملك الموت مت، وفي رواية الترمذي قال: (لم يبق إلا حملة العرش)، أي: الحاملين للعرش فقال: يا ملك الموت أمت حملة العرش، ثم قال له الله: من بقي؟ فيقول: عبدك.. فقال له: مت، ثم يقول الله عز وجل: كنت أنا الله وأبقى أنا الله، أنا الله لا إله إلا أنا، أين الملوك؟ أين أهل الملك؟ أين أهل الجبروت؟ أين أهل القهر؟ لم يبق إلا أنا الواحد القهار.
أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة نبينا صلى الله عليه وسلم، فيقول جبريل والملائكة في لقائه: مرحباً يا خير خلق الله، وفي رواية ابن ماجه والإمام أحمد أن سبعين ألفاً من الملائكة تشرف بلقاء الحبيب وهو قائم من قبره، وهذا التشريف خاص بسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو خارج من القبر، فيقول: كيف حال أمتي يا جبريل؟
أول ما يفتح عينيه يسأل: كيف حال الأمة؟ ما أعظم حنانك وعطفك على الأمة يا رسول الله! كما قال الله عنه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، أفلا يستحق أن نصلي عليه ليل نهار؟ ألا يستحق أن نحبه حباً جماً؟ ألا يستحق أن نسير خلفه وفي طريقه، ألا أيستحق أن نطيعه فيما قال وأمر، قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
لذلك سيدنا أنس يبكي وهو يوضئ الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالماء ينزل من الإبريق من يد أنس رضي الله عنه وهو يبكي، وأنس خدم الرسول عشر سنوات، أمه أسلمته للحبيب وهو في العاشرة، فمكث يخدم المصطفى إلى عشرين سنة، وعنده من العمر خمس عشرة سنة وهو يبكي! لأنه تربى في بيت النبوة، فقال: يا رسول الله! تذكرت يوم تقوم الساعة، تكون أنت عند الله عز وجل في درجة عالية، وأنا لا أدري أين أكون؟
فهذا حال سيدنا أنس رضوان الله عليه، فلذا يكرمه الله عز وجل ومن على شاكلته ومن يسير في طريقه بما في قوله تعالى: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.
وهي كالتالي: أولها: (عندما نخرج من قبورنا، لا يسأل حميم حميماً) أي: لا أحد يسأل عن أحد، لو لقيت أباك أو ابنك بجانبك لفررت منه، وكذا امرأتك، فيفر الإنسان من كل من يعرف في هذا الموقف.
ثانيها: (عند تطاير الصحف) .
وثالثها: (عند نصب الموازين أيثقل أم يخف) اللهم اجعلنا من الذين تثقل موازينهم يا رب العالمين.
ورابعها: (عند الصراط، أيهتز به الجسر أم يثبت قدمه عليه).
اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
يقوم الناس من قبورهم على غير هدى، من لدن آدم إلى آخر إنسان على الأرض، الراعي الذي ستقوم عليه الساعة، هو آخر من سيموت، ثم تقوم الساعة عليه ويموت وهو وسط غنمه، من أبينا آدم إلى هذا الراعي يعني: إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل خارج من القبور من جميع أنحاء العالم يتجه إلى مكان واحد، لكن المؤمن الثابت الإيمان، التقي، النقي، الطاهر، الشريف على باب قبره ينتظره الملكان اللذان كانا أصحابه في الدنيا، أي: ملك الحسنات وملك السيئات، يثبتانه بالقول الثابت.
اللهم اجعلنا منهم يا رب، فالمؤمن الثابت، التقي، النقي ينتظره رقيب وعتيد يثبتانه: لا تخف، مثل أن تنزل أرضاً أو بلداً غريبة، فتلقى في المطار أناساً يتكلمون باليابانية وآخرون بالصينية، وأنت لا تعرف يابانية ولا صينية، ثم تجد صديقك، له عشرون سنة في هذه البلاد، فقال لك: أهلاً وسهلاً كيف حالك؟ وماذا تعمل؟
فكذلك الملكان يثبتانه في القبر، ويلقنان المؤمن الحجة، اللهم لقنا حجتنا يا رب العالمين.
أما أرض المحشر فهي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بيضاء نقية، كالفضة المذابة، ما ارتكبت عليها خطيئة ولا ذنب قط) ذلك لأن الله قال: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48].
قال أيضاً سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا [طه:105-107] أي: ليس فيها حفرة، ولا تل ولا هضبة؛ وإنما هي أرض مستوية، كل شيء ظاهر فيها، فلا أحد يختبئ في حفرة، أو وراء تل أو جبل أبداً، بل كلها أرض واضحة المعالم، إلى أن قال رب العباد سبحانه: وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [طه:108] وقال سبحانه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه:111].
هذا كلام لو أن العبد تدبره لانصدع قلبه خوفاً من الله سبحانه، ولهذا جاء القرآن وكذا سنة الحبيب لذلك، أي: لكي ترشدنا إلى الخير إن تأملناها، اللهم أرشدنا بكتابك وسنة حبيبك يا رب العالمين.
فيسير الناس على غير هدى إلى أن يجتمعوا جميعاً، فيا له من اجتماع مهول! نحن على ظهر الكرة الأرضية في هذا الوقت سنة واحد وتسعين خمسة مليار أو خمسة آلاف مليون، وهذا في حقبة من الزمن فقط، فانظر كم يكون من لدن أبينا آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كلهم يجتمعون في مكان واحد، الأمريكي والروسي والأفريقي والآسيوي وغيرهم، كلهم يكونون في مكان واحد.
ولترى هذه الصورة في يوم عرفة، وهم كلهم مجتمعون، فيا ترى كيف يكون حالنا في ذلك اليوم؟ ترى النساء عورات الرجال والعكس؛ لأنهم كلهم عراة.
انظر إلى أم المؤمنين على ماذا تخاف في ذلك اليوم؟ ليست مثل النساء اللاتي يمشين عاريات في الشوارع، قائلة لك: المهم الحجاب في القلب! فتقول أم المؤمنين: سبحان الله! ويرى الرجال عورات النساء؟ قال: (يا
إذاً: فهناك بعث وانتشار من القبور.
وسوف نحشر يوم القيامة أصنافاً ثلاثة: ركباناً، ومشاة، وعلى الوجوه، يعني: سنخرج من القبور ثلاثة أصناف: صنف كانت الدنيا بالنسبة لهم مطية ووسيلة، وليست غاية، واتقوا الله عز وجل، وعاشوا ينشرون الدعوة والعلم، رغم ما يؤذون به وما يدخل بيوتهم من النكد والشر، لكن نصروا دين الله عز وجل، فلذا الخيول والدواب ووسائل الانتقال المريحة تنتظرهم عند القبور، من أجل ألا يمشوا، اللهم احشرنا معهم يا رب، فيحشرون ركباناً، ويحشر مشاة من كان عملهم أقل، وهناك - والعياذ بالله - من يحشرون على وجوههم، قالوا: (كيف يمشون على وجوههم يا رسول الله؟ قال: الذي أمشاهم على أرجلهم سوف يمشيهم على وجوههم).
إذاً: يحشر الناس مشاة وركباناً، وعلى وجوههم، على قدر تعبك لله في الدنيا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] فإن كدحت لله في الدنيا وتعبت وعرقت من أجله، فستأتي يوم القيامة لا تعرق؛ لأنك أصابك العرق لله، وتعبت في سبيله، وجاهدت وحوربت، وضيقوا عليك الرزق، وراقبوك، وكرهت حياتك من أجله، وما زلت سائراً فيما يرضه، فلن تعرق وتتعب يوم القيامة.
والمرأة المنقبة والمخمرة التي تمشي في عز الحر مغطية نفسها بجلباب أو اثنين، من أجل ألا يرى أي شخص شيئاً من جسمها، ومن أجل ألا يعرف أحد هل هي سمينة أم نحيفة، وألا يعرف أحد شكل يدها أو جسمها أو رجلها وهي مع ذلك تتصبب عرقاً، فهذا العرق يمنع عنها عرق الآخرة، وتوضع لها كل قطرة من عرقها في ميزان حسناتها يوم القيامة، والتي تمشي عريانة والذباب محيط بها، وعيون الذئاب البشرية تنظر إليها، فهذه سوف تسبح في عرقها يوم القيامة، نسأل الله السلامة لنا ولكم ولنسائنا أجمعين، إن ربنا على ما يشاء قدير.
فالناس منهم من يمشي في عرقه إلى ركبتيه، ومنهم من يصل عرقه إلى حقويه -أي: نصف جسمه- ومنهم من يصل عرقه إلى صدره، ومنهم من يغطي العرق أذنيه.
من لم يتعب في الدنيا مثل تعب المؤمنين، بل كان مستريحاً محارباً لعلماء الدين فهذا يبلغ منه العرق على قدر عداوته وعمله.
يصل الناس إلى أرض المحشر، ونحن لسنا مثل أهل التوراة عندما يتكلمون عن ذلك قائلين: عند قبة الصخرة سوف يوضع عرش الرحمن، وتكون الموازين هناك والأرض، فنحن لا داعي لنا لمعرفة المكان، ولم يذكر في القرآن أو السنة ذلك، فلا يهمك المكان، وهذا حال التلميذ الغبي تماماً، فهو يهمه المكان الذي سيختبر فيه، وفي أي لجنة؟ وكم في جنة من طالب؟ وكم الأسئلة؟ وهذا ليس عليه، ونقول له: إنما عليك أن تذاكر وتمتحن حتى في المريخ.
وكذلك قضية أرض المحشر، في أي مكان هي؟ هذا ليس علينا، فلا تسأل عن أشياء لن تعود عليك بشيء مفيد.
وعندما يصل الناس إلى أرض المحشر جميعاً، تطول بهم الوقفة لأن اليوم في الآخرة بخمسين ألف سنة، فكم يمكث الناس يا ترى؟ يمكثون طويلاً، حتى إن الحبيب يذكر: أنه يتمنى كثير من الناس أن يذهب بهم إلى النار ولا تطول بهم الوقفة.
قالوا: إذاً حلت، أبو الأنبياء هذا الخليل، وله دلال على الله، وهو ذو المكانة من الله، فيقولون: يا خليل الرحمن! اشفع لنا عند ربك، وما هي الشفاعة هنا؟ هي بداية الحساب، يعني: كل هذا الرجاء من أجل أن يبتدئ الحساب، فلا تظن أن الشفاعة من أجل أن يدخل الناس الجنة! لا، بل من أجل أن يبدأ الحساب، فالمسألة خطيرة وصعبة، لذلك كان الرسول يقول دائماً: (لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً، ولضحكتم قليلاً، ولما هنأت لكم حياة، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيها جبهة ملك ساجد، يسبح بحمد الله، حتى إذا حشروا أمام ربهم يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك) .
إذاً: فالمسألة خطيرة، والملائكة الذين يشغلون أنفسهم بعبادة الله، يقولون: ربنا لم نعبدك حق عبادتك، وأنت عندما يكرمك الله تنظر إلى وجه ربك يوم القيامة، يجب أن تستقل العبادة التي أمرك بها.
يقول الخليل لهم: لقد كذبت، أنا لا أستطيع، لقد غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله قبل، ولن يغضب مثله بعد، أنا لست لها، اذهبوا إلى كليم الله موسى، قالوا: هو هذا الذي سيكلم ربنا، الإنسان دائماً يعيش على الرجاء، وهو في كل حلقة يرجو الحلقة التي تليها، فيقولون: يا موسى! ربنا اصطفاك على الناس برسالته وبكتبه، اشفع لنا عند ربك، فيقول: لست لها، لقد دعوت على قومي: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:88].
كل نبي من الأنبياء يرى نفسه مذنباً، إذاً فنحن بالله عليك أين نذهب؟ يعني: الأنبياء يقولون: لا، إن ربنا غضب اليوم، لا أحد يستطيع أن يتكلم، إلى درجة أن الله عز وجل عند أن يجمعهم ويسألهم: مَاذَا أُجِبْتُمْ [المائدة:109] وهم يعرفون الإجابة لكن يقولون: لا عِلْمَ لَنَا [المائدة:109]، ولذلك قالوا: يا خليل الرحمن! لم لا تشفع لنا عند ربك يوم القيامة، -هؤلاء أتباعه- ألست خليل الرحمن؟ قال: خوفي من ربي أنساني خلتي معه، أي: الخوف أنساني أنني خليله، يا إلهي! انظروا خوفهم إلى أين أوصلهم؟
يقال: إن سيدنا أيوب كان يبكي خوفاً من الله حتى ينبت الزرع من كثرة دموعه، فكم كان مقدار دموعه؟
فيقول لهم إبراهيم: أنا لست لها، اذهبوا إلى روح الله عيسى، قالوا: إذاً هنا الحل، وقال مثلما قال إخوانه من قبل وأبوه آدم، أي: ربنا غضب اليوم غضباً لم يغضبه من قبل، ولن يغضب مثله بعد ... أنا لست لها، أين أنتم ممن قال أنا لها أنا لها! أين أنتم من أخي محمد؟ لماذا لا تأتون إليه مباشرة، كل واحد من الأنبياء يقول: لست لها.. لست لها.. لست لها، إلا محمداً عليه الصلاة والسلام.
فيقولون له: يا رسول الله! يا خاتم النبيين! يا خير خلق الله! يا من كذا وكذا! - طبعاً فيه من الصفات الكثيرة - اشفع لنا عند ربك، فتكون أول إجابة له أن يقول: (أنا لها .. أنا لها) صلى الله عليه وسلم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فأنهض فأسجد بين يدي ربي تحت العرش، ويفتح الله علي من محامده ما لم يفتح من قبل) ، يعني: يلهمه الله كلاماً لا يعرفه من قبل، فيظل يحمد الله ويثني على ربه بما هو أهله، ويبكي، لكن هل يبكي من أجل نفسه أو أهله؟ لا، من أجل فاطمة والحسن والحسين ؟ لا، وإنما يقول: (يا رب أمتي.. يا رب أمتي، يقول له: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع).
ارفع رأسك يا حبيبي! أما كفتك العبادة؟ أما كفاك القيام؟ أما كفاك الهجود؟ أما كفاك الصيام؟ أما كفاك الصلاة حتى تورمت منك الأقدام يا خير الأنام؟ ارفع رأسك فيقول: (يا رب أمتي.. يا رب أمتي) فيقول الله عز وجل: (رحمتي لن تضيع أمة هذا رسولها، وهذا ربها الرحمن الرحيم).
فاللهم شفع فينا نبينا، اللهم شفعه فينا.. اللهم شفعه فينا.. اللهم شفعه فينا يا رب العالمين.
وفي أرض المحشر التي هي بيضاء نقية كالفضة لا حفرة فيها ولا تل، يكون مع الإنس فيها هناك الجن، والشياطين، والحيوانات، قال تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [التكوير:5]، قالوا: ويحيط بهذا كله الملائكة، كما قال تعالى: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا [الفرقان:25]، فالملائكة تركت مدار العبادة الذي في السماوات والأرض، وأحاطت بأهل المحشر، فلا خلاص من أمر الله، ونكس الجميع رءوسهم خشية لله عز وجل، ثم نكست الوحوش رءوسها خشية من الله، وهي ما اقترفت ذنباً، ولن تحاسب بالحسنات والسيئات وهي في حالة من الخوف، إذاً: فنحن أولى أن نخاف ونرتعب، ونكون في الدنيا على وجل، وإن قوماً غرتهم الأماني، يقولون: نحسن بالله الظن، ووالله لقد كذبوا، ولو صدقوا لأحسنوا العمل.
القضية: أن الإيمان ليس بالتمني، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، إياك أن تقول: هذا شخص قلبه أبيض، أو: صحيح أنه لا يصلي، ولكن قلبه أبيض، وصحيح أنه لا يخرج الزكاة، لكن قلبه أبيض! بل قل: هذا قلبه أسود؛ لأنه لا يقيم شرع الله عز وجل، فحذار أن تضيع شرع الله، وتضيع سنن الحبيب المصطفى، وحذار أن تبتعد عن مجالس العلم، والله يأمر حبيبه قائلاً: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:28-29].
فاللهم اجعلنا من المؤمنين يا رب العالمين.
روي الإمام البخاري وكذا الإمام مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ربه عز وجل فيما يرويه عنه سبحانه وتعالى أنه يقول: (شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني؛ فأما شتمه إياي فيقول: إن لي ولداً).
وهؤلاء النصارى أصحاب العقيدة المنحرفة، ثم قال الله عز وجل: (وأما تكذيبه فقوله: لن يعيدني مرة أخرى) مع أن الله يقول: وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى [النجم:47].
قال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا [مريم:68] ، هذا كلام الله عز وجل، وكلام حبيبه صلى الله عليه وسلم.
ثم يجد رجلاً على هيئة نور، يقول له: اركبني، فيقول له: من أنت؟ فيقول له: أنا عملك الصالح، طالما ركبتك في الدنيا، فاليوم تركبني حتى آتي بك إلى الله عز وجل.
أما الثاني والعياذ بالله فعليه ظلام وكآبة، فيركب فوق ظهره، فيقول له: من أنت؟ فيقول له: أنا علمك السيئ، كما ركبتني في الدنيا فأنا أركبك اليوم، كما قال تعالى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرص نقي ليس فيها معلم لأحد) ومعنى: عفراء: أي بيضاء غير ناصعة البياض، يعني: بياض بزرقة قليلاً، وقال عليه الصلاة والسلام عنها: (أرض بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم، ولم يعمل عليها خطيئة).
يعني: والعياذ بالله أن هنالك أناساً سوف يخرجون من القبور يلقون ركائب يركبونها، وهناك أناس يلقون الأعمال الصالحة يركبونها، وهنالك أناس تمشي النار -والعياذ بالله- معهم؛ لأنهم كانوا في الدنيا كالنار على الناس في كلامهم وألفاظهم، ومعاملاتهم.
عندما يوضع العبد السيئ في القبر يخرج له تنين أو ثعبان أقرع له سبعون رأساً، وله أنياب قد جري السم في دمائه سنوات طويلة -والعياذ بالله- قال: سبحان الله هذا التنين كان حياً معه في الدنيا؛ لأنه في الدنيا كان عبارة عن حية تلدغ الناس، والحيات والعقارب التي تملأ القبر، وتحيط بالفاجر والفاسق هي عبارة عن أعماله السيئة؛ من الغيبة والنميمة، ولمز الناس، وهمز الأعراض، والخوض في الحرمات، وكتابة الشكاوى، وتعذيب الناس وسجنهم، وتضييع علماء الدين، وكل هذا يتمثل له يوم القيامة في هذه الصور من العذاب والعياذ بالله.
فاللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.
يعني: أنت عند أن تطعم لله، فالله سيطعمك يوم القيامة، وعند أن تسقي لله فالله عز وجل سيسقيك، وإن تكس لله فالله عز وجل سيكسوك، وإن تعمل أي شيء لله عز وجل فالله سيعطيك مثل ما صنعت، ولن تعمل شيئاً لله إلا وجدته، والناس يبعثون على ما ماتوا عليه.
شخص وافته المنية في حجة الوداع، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم: (غسلوه وكفنوه، لكن لا تغطوا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة محرماً ملبياً).
فمن مات وهو يقرأ القرآن يخرج من قبره وهو يمسك المصحف ويقرأ القرآن، والذي مات ويذكر الله يبعث يوم القيامة وهو يذكر الله، والذي مات وهو يلعب والعياذ بالله طاولة أو يشرب سجائر أو واقعاً في منكر أو مات وهو يغني أو يعمل أي منكر فسيبعث على ما مات عليه.
فاللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها يا رب العالمين.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وبعضهم عمي يترددون، وبعضهم صم بكم لا يعقلون، وبعضهم لا يمضغون -والعياذ بالله- ألسنتهم مدلاة على صدورهم، يسيل منها القيح، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع النار، إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن صورة وأطيب ريح، فيقول: هل تعرفني؟ يقول: لا، يقول: أنا عملك الصالح، طالما ركبتك في الدنيا فاركبني اليوم، ثم تلا: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم:85]) اللهم اجعلنا منهم يا رب.
قال أهل اللغة: الوفد: هم علية القوم، وعندما كان يقول العربي: وصل الوفد، فليس المراد أي أحد؛ لأن زعماء القبيلة هم الوفد، ثم قال تعالى: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم:86].
لا تساق إلا البهائم، ومعنى: ورداً، أي: عطاشا، تخيل شخصاً في جهنم وهو عطشان.
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (وإن الكافر ليستقبله عمله في أقبح صوره وأنتن ريح، فيقول: هل تعرفني؟ يقول: لا، يقول: أنا عملك السيئ، طالما ركبتني في الدنيا وأنا اليوم أركبك، وتلا قول الله عز وجل: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]). والعياذ بالله رب العالمين.
وهنا نتوقف، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر