توقفنا في الحلقة السابقة عند الحديث عن الحوض، فاللهم أوردنا حوض نبينا يا رب العالمين.
وربما حدث لبس لبعض المستمعين لهذه الحلقات، من قولنا: إن من الناس من يعبر الصراط وينجو من قناطره الصعبة، ثم بعد ذلك يمنع ويطرد من الحوض.
وتحدثنا في الحلقة السابقة عن أنواع ثمانية لا تشرب من حوض الكوثر ولا ترد عليه؛ بل تردهم الملائكة وتمنعهم من الشرب، فينهض الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لكي يشفع لهم عند مولاه عز وجل، لكن الله سبحانه وتعالى لا يقبل فيهم شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالمسألة صعبة وليست من السهولة بمكان.
وعرفنا أن من الناس من يأخذ كتابه بيمينه، وتثقل حسناته في الميزان، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! ثم بعد ذلك يعبر الصراط، فإذا به يمنع من الحوض، فكيف يكون ذلك؟
هناك رأي وجيه لبعض العلماء يقول: إن الحوض قبل الصراط.
ومعلوم أن كل الحديث عن الدار الآخرة، وكل الأحداث الخطيرة الرهيبة العظيمة الجليلة التي لا تخطر ببال بشر سوف تحدث لنا بعد أن نخرج من قبورنا عرايا كما ولدتنا أمهاتنا، فيؤمن الإنسان بذلك ولا يعمل فيه عقله، فليس فيها إعمال فكر ولا اجتهاد ولا قياس، ولكن نأخذ الأمر كما هو؛ لأن ترتيب حديث البخاري والترمذي فيما رواه أنس رضي الله عنه، ورواه أبو هريرة : أن أنساً كان يريد أن يطمئن هل سيقابل الحبيب المصطفى في الآخرة أم لا؟
فقال: (يا رسول الله! أين أجدك يوم القيامة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا
فلو أن مدرساً مشهوراً يعلمك فإنك تفخر به فتقول: أنا علمني المدرس فلان.
فـأنس عندما كان طفلاً عمره عشر سنين علمه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأي فخر هذا، وأي عظمة تلك؟!
فقال له سيدنا أنس : (فإن لم أجدك عند الميزان؟ قال: تجدني عند الصراط)، فأراد سيدنا أنس أن يطمئن أكثر؛ لأنه قلق (فقال: فإن لم أجدك عند الصراط؟ قال: تجدني عند الحوض، لا تخطئني هذه الأماكن الثلاثة).
فهذا هو الترتيب الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث للدار الآخرة: الميزان، الصراط، الحوض.
لكن اجتهاد بعض العلماء، وإذا سمحوا لنا أن نأخذ ترابهم على رءوسنا فيكون تواضعاً منهم كبيراً، كـابن القيم وتلاميذ أبي حنيفة ، لهم رأي أن الحوض قبل الصراط.
ولكننا نحن مع ترتيب الحديث؛ لأن الحديث يفيد هذا الترتيب: يا أنس ! تلقاني عند الميزان؛ لأنه عندما يخف الميزان، تتدخل شفاعة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
فإن لم تجدني عند الميزان تجدني عند الصراط، فالذي تزل قدمه أو تنزلق أو يقوم ويكبو تأتيه صلاته على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، فيتقدم الحبيب ويأخذ بيده ويمر به.
فإن لم تجدني عند الميزان، تجدني عند الحوض أسقي المؤمنين، اللهم اسقنا بيد نبينا شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
هذا اليوم العبوس يوم القيامة ينتهي بنهاية سيئة على الكافر والفاجر والظالم والمنحرف والزنديق والمرتد والمرابي، والذي لا يأتمر ولا ينتهي عندما أمر الله أو نهى عز وجل فيما أنزل في محكم كتابه وما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم.
وإني لا أعرض عرضاً أكاديمياً لمسألة النار والجنة، فليست المسألة عرضاً علمياً سوف نشرحه، ولكننا نريد أن نعرف أهل النار لكي نبتعد عنهم، ونعرف أهل الجنة فنعمل بعملهم.
دخل سيدنا الحسن البصري رحمه الله المسجد، والطلاب ينتظرون الدرس، فرأى أول صف يبكي بكاءً مراً، فقال لهم: ما يبكيكم؟ -وهذا هو جيل التابعين الذين كان أساتذتهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- قالوا: سبقنا الصحابة على خيل مضمرة، ونحن على حمر معقرة، أي: نركب حمراً هزيلة، ويقصدون أن أعمال الصحابة مثل فرس السباق من سرعته فسبقونا؛ لأننا نركب حمراً معقرة، يعني: فيها عقر، كالحمار الذي له ثلاث أرجل، أو كحمار رجله مكسورة، أو حمار لا يرى أمامه، أو حمار يضع أنفه في الأرض.
فلما وجد عندهم هذا الحنان والخوف والتواضع بشرهم وقال: ما دمتم على الطريق فسوف تصلون إن شاء الله.
أي: المهم أن تكونوا على الطريق، اللهم اجعلنا على الطريق يا رب العالمين!
وسنقوم بعمل مقدمة إن شاء الله هذا اليوم من الكتاب والسنة في نصوص تجمع ما بين الجنة والنار، ثم بعد ذلك نفرد حلقات منفصلة للنار وحلقات منفصلة للجنة.
وسنتكلم عن الخوف من النار في الدنيا، وذلك بعد المقدمة عن النار والجنة، ثم نتكلم عن النار في حلقات منفصلة عن الخوف منها في الدنيا، أي: كيف نخاف من النار خوفاً عملياً؛ لأن الناس تخاف من النار نظرياً لا عملياً، ولكننا نريد أن نخاف خوفاً عملياً من النار، فمثلاً الذي يمتحن امتحاناً يخاف خوفاً عملياً فلذلك تجده يجتهد في المذاكرة.
فنحن نريد أن نخاف من النار عملياً؛ لأن جميع الناس في الدول المتخلفة أو الدول المتقدمة ما بين حاكم ومحكوم لا يخافون من النار عملياً أبداً، وإلا فلو خفنا من النار مخافة عملية لما ظلم المسلم مسلماً، وما ظلم حاكم محكوماً أبداً؛ لأنه خاف خوفاً عملياً من النار، ونحن نريد أن نخاف خوفاً عملياً؛ لأن الصحابة سبقونا بخوفهم من الله عز وجل.
دخل رجل على سيدنا عمر فقال له:
يا عمر الخير جزيت الجنة، اكس بنياتي وأمهنه
أقسمت بالله لتفعلنه
فظن سيدنا عمر أن الرجل يمزح، فقال له: وإن لم أفعل؟
فقال له: إذاً فوالله لأذهبنه
فقال له سيدنا عمر : وإذا ذهبت؟
فقال له:
والله عني لتسألنه يوم تكون الأعطيات منه
إما إلى نار وإما جنه
فبكى عمر وانتحب حتى هدأه الصحابة فقال: أعطوه مائة دينار من مال الخطاب لحر ذلك اليوم لا لشعره.
أي: حتى لا يظن أننا أعطيناه للشعر الذي قاله.
ولما رأى نفسه وجهاً لوجه مع عجوز لديها يتامى وهي تغلي لهم ماءً في القدر، قال لها: ماذا تفعلين يا أمة الله؟! فتقول له: وما شأنك أنت؟ فيقول لها: أريد أن أسأل، فقالت له: لدي ستة يتامى، فقال لها: وما هذا الذي في القدر؟ فقالت: ماء أسكتهم به، والله بيننا وبين عمر.
وضعت ماء يغلي، وهم يسألونها: هل نضج الطعام؟ فتقول لهم: ليس بعد يا أولادي، حتى يناموا، فهي تسكتهم بهذا الماء، فخاف عمر خوفاً شديداً.
هذه الأيام لو جئت تقول لوزير: الله بيننا وبينك، سيهزأ بك ويقول: خذنا على جناحك، أو خذ لنا مكاناً بجانبك.
سبحان الله! نسأل الله السلامة، نسأل الله الهداية، اللهم اهد كل ظالم، وتب على كل عاص، واهد الضالين يا رب العالمين!
إن الذي ذاق حلاوة القرب من الله لا يفرط فيها أبداً، والذي يخاف من الله يجد حلاوة في العبادة جميلة، قال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16]، فالمؤمن يخاف أولاً، وبعد ذلك يطمع، كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9].
فلما قالت المرأة: الله بيننا وبين عمر ، قال عمر : وما يدري عمر بكم؟ فقالت له: عجباً لك، أيلي أمرنا ويتركنا! فعاد عمر وأخذ عبد الرحمن بن عوف ومعه الدقيق والسمن والعسل، ويقول لـعبد الرحمن : احمل علي، فيقول: أحمل عليك أم عنك يا أمير المؤمنين! فيقول له: ثكلتك أمك احمل علي، أتحمل وزري يوم القيامة؟ فيذهب سيدنا عمر بنفسه إلى المرأة والليلة شديدة البرد في صحراء، فيطبخ وينفخ والدخان يدخل في لحيته وعينيه، وبعد ما استوى الأكل قال للعجوز: أنا أغرف وأنت تنفخين الأكل لكي يبرد، وبعدما غرف لهم قال لها: تعالي غداً عند أمير المؤمنين وسوف أكلمه في أمرك، فترد عليه وتقول: والله إنك لأولى بالأمر من عمر . فذهب واختبأ وراء صخرة، وعبد الرحمن بن عوف يقول له: يا أمير المؤمنين! إنها ليلة شديدة البرد فقال: لن أدع مكاني حتى أراهم يضحكون كما رأيتهم يبكون.
إحساس بالمسئولية، لا تطبيل وتزمير!
فكلما تكبر مسئوليتك تكبر علتك وحسابك، يقول صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالحاكم العادل يوم القيامة على الصراط فينتفض الجسر به انتفاضة، ويطير كل عضو من أعضائه في مكان لا يعيدها إليه إلا عدله).
وذهبت المرأة العجوز في اليوم الثاني وهي لم تر أحداً في الليل، أو كانت تغض بصرها عن الذي جاء إليها في الليل، فدخلت على أمير المؤمنين عمر ، فقال لها: يا أمة الله! وصلتني شكايتك من الرجل الذي اشتكيت إليه ليلة البارحة وأعطاك الأكل، فبكم نشتري مظلمتك؟ فقالت له: بمائتي دينار، فقال لها: بل أربعمائة دينار - من ماله الخاص- سبحان الله!
فكتب في رسالة: هذا ما اصطلح عليه عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع أمة الله أم اليتامى واشترى منها مظلمتها بأربعمائة دينار، وشهد على هذا عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ، ووقعوا وقال: ضعوا هذه في كفني حتى إذا جئت يوم القيامة قلت: برئت ذمتي بهذه الرسالة.
قال نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما) أي: رآهما في النار يعذبان ولكنه لم يرهما في المجتمع الذي كان فيه.
قال صلى الله عليه وسلم: (رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس) هذا الصنف من أهل النار.
ولا بد أن نعرف أن الكتاب والسنة لم يتركا شيئاً نجتهد فيه، فالإسلام وضع إطاراً للحياة بين الحاكم والمحكوم، وبين الرئيس والمرءوس لكي يعيش الجميع في سلام.
فهذا الصنف من أهل النار هم جماعة يمسكون سياطاً -جمع سوط- والمصيبة أنه اشتراها من مالك أنت، فهو يأخذ مالك ويشتري به سياطاً ويضربك بها، آمنت بالله رب العالمين، لا إله إلا الله!
قال: (ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات شعورهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة، ولا يشممن ريحها، وإن ريحها ليشم من مسيرة كذا وكذا) فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ير في أيامه هذين النوعين: لا رجال الأمن المركزي، ولا النساء الموظفات اللاتي يمشين كل يوم عاريات في الطريق، ويقول الناس لك: هذه لابسة.
نسأل الله الهداية، ونسأل الله أن يعيد الغيرة إلى قلوب المسلمين، وأن يعيد الرحمة إلى قلوب المسلمين، وأن يعيد الود إلى المجتمع المسلم، وأن يعيد الأمن والأمان إلى البيوت المسلمة؛ إنك يا مولانا على ما تشاء قدير.
الموضوع الأول: الخوف من النار، وسوف نتكلم عليها.
الموضوع الثاني: طبقات النار ودركاتها -والعياذ بالله- ومن في الطبقة الأولى والثانية والثالثة حتى الدرك الأسفل والعياذ بالله، وسوف نوضح حتى ننتبه إذا لم نكن نعرف.
الموضوع الثالث: صفة قعر جهنم، شكله، ومن فيه، وشكل العذاب فيه.
الموضوع الرابع: أبوابها وسرادقاتها.
الموضوع الخامس: ظلمتها وسوادها.
الموضوع السادس: شدة حرها وزمهريرها.
الموضوع السابع: تغيظها وزفيرها.
الموضوع الثامن: دخانها وشررها ولهيبها، الشرارة الواحدة مثل الجبل.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أهل النار وجدوا ناراً من نار الدنيا، لاستراحوا فيها وناموا).
الموضوع التاسع: جبالها ووديانها.
الموضوع العاشر: سلاسلها وأغلالها.
الموضوع الحادي عشر: حجارتها.
الموضوع الثاني عشر: حياتها وعقاربها والعياذ بالله.
الموضوع الثالث عشر: طعام أهل النار وكسوتهم.
الموضوع الرابع عشر: قبح صور أهلها.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (لو خرج جهنمي على أهل الدنيا لمات أهل الدنيا جميعاً من نتن رائحته وقبح منظره).
الموضوع الخامس عشر: أنواع عذاب أهل النار، وهي تسعة وسبعون نوعاً من العذاب سوف نفصلها من القرآن ومن السنة، لأن الموضوع ليس فيه اجتهاد.
الموضوع السادس عشر: بكاء أهل النار، ويقول صلى الله عليه وسلم: (حين تنتهي دموع أهل النار يبكون بدل الدمع دماً حتى لو أجريت سفن في دموعهم لجرت).
الموضوع السابع عشر: من هم أكثر أهل النار.
الموضوع الثامن عشر: كيف يجوعون وكيف يعطشون.
ثم بعد ذلك الحديث عن جهنم بالذات، لأن فيها عصاة الموحدين.
كل هذه المواضيع سنتكلم عليها بالتفصيل إن شاء الله.
فالحديث عن النار حديث ثقيل جداً على القلب، لكن هذه حقائق العلم التي يجب أن يكون الإنسان أميناً في نقلها، عسى رب العباد سبحانه أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ولأن هذه الحلقة خاصة في مقدمة عن الجنة والنار، وسأذكر العناوين التي تخص الجنة، اللهم اجعلنا من أهلها يا رب:
1- هل الجنة موجودة الآن؟! سنرد على هذا الكلام بإذن الله.
2- أبواب الجنة وسعتها وأول من يدخلها، ودرجاتها.
3- مفاتيحها، لأن لكل باب مفتاحاً، فهناك مفاتيح لأبواب الجنة، وليست مفاتيح مثل التي نراها في الدنيا.
4- ثمن الجنة، كما أنك تأخذ قطعة أرض في الدنيا فتدفع ثمنها، فالجنة التي عرضها السموات والأرض لها ثمن.
5- أسماء الجنة ومعاني الأسماء.
6- عدد الجنات.
7- غرس الله عز وجل لبعض الجنات، في أنواع من الجنات سنراها، الملائكة غرست جميع الجنات ما عدا جنات معينة غرس الله غراسها بنفسه.
8- أول الأمم دخولاً إلى الجنة.
9- السابقون ووضعهم.
10- الفقراء وحالهم ووضعهم.
11- أخبار أهل الجنة.
12- النساء في الجنة أكثر من الرجال وفي النار أيضاً، وسوف نوضح ذلك.
13- الداخلون لها بغير حساب.
14- تربتها وطينتها وحصباؤها.
15- صفة أهل الجنة.
16- بساتينها وظلالها.
17- نعيمها وشرابها.
18- الحور العين.
19- زيارة بعضهم لبعض.
20- سوق الجنة.
21- رؤية وجه الله الكريم سبحانه.
هذه هي العناوين التي سنتكلم عليها بإذن الله، اللهم افتح علينا ويسر لنا يا رب العالمين.
وإن كنا من أهل الدنيا فإننا نبلغ الآخرة، وإن كنا من أهل الآخرة وأخذنا الله سبحانه وتعالى إليه فقد بلغنا على قدر ما استطعنا، فاللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين!
وسوف نقوم بعمل مقدمة عن الجنة والنار فنذكر أربعة أو خمسة نماذج من القرآن، وعشرة أو خمسة عشر من السنة المطهرة لكي نستطيع أن نتفهم موضوع الجنة وموضوع النار.
والسبب: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221].
فعندما نأتي للحديث عن زواج المسلم بغير المسلمة، يأتي شخص ويقول: يا شيخ! أنا متزوج امرأة إنجليزية؛ فتقول له: لماذا يا بني! هل أسلمت؟ فيقول: لا، لكن هي مسيحية، فتقول له: لا يجوز هذا الزواج، فيقول لك: كيف ذلك؟ فتقول له: لأنها كافرة؛ لأنها تقول: عيسى ربي، وتقول: عيسى ابن الله، وتقول: إن المسيح جالس على يمين الله.
سأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما: أأتزوج من نصرانية يا ابن عباس ؟! قال: لا، قال: عجباً! أتحرم ما أحل الله، فقد أحل الله لنا أن نتزوج من أهل الكتاب، قال: كفاها كفراً أن تقول: عيسى ربي أو عيسى ابن الله، ولا يوجد كفر أكثر من هذا، قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73]، فالله حكم عليهم بالكفر، ومعنى: أنها من أهل الكتاب، إذا أيقنت وآمنت أن عيسى بشر وأن مريم صديقة، ولدت المسيح عليه السلام بمعجزة إلهية، ومعجزة الله في آدم أكبر من معجزته في عيسى، فإذا كانت المعجزة في المسيح أنه خلق من غير أب، فآدم خلق من غير أب ولا أم، يقول تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران:59]، فالمعجزة في آدم أكبر؛ لأنه خلق بغير أب ولا أم.
فإذا أيقنت النصرانية أن عيسى عليه السلام بشر، وأن مريم صديقة وأنها بشر عادي ولدت المسيح عليه السلام بمعجزة، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي رسول، والقرآن من عند الله لا من عند محمد مثلما يقولون لهم في الكنيسة، وليس من الضروري أن تدخل في الإسلام، ويكفي أن تقتنع بهذا، فتكون من أهل الكتاب ويحل للمسلم أن يتزوجها.
وإذا تزوج المسلم من نصرانية ارتكب أخطاءً ثمانية، ولسنا هنا في مكان التفصيل، ولكن نتوقف قليلاً في آية سورة البقرة: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221].
من ضمن الثمانية الأخطاء التي ارتكبها:
أولاً: تزوج كافرة وهذا لا يحل.
ثانياً: إذا ماتت لا يرث منها؛ لأن أصحاب الملتين المختلفتين لا يتوارثان أبداً.
ثالثاً: تسبب في عنوسة البنت المسلمة.
رابعاً: فيه خطورة على أولاده قد يذهبون إلى الكنيسة؛ لأن ولاءها لعقيدتها، وكلنا نرى البلايا التي تحصل من أولادنا الذين يذهبون إلى الخارج ويتزوجون؛ فعدد البنات بدأ يكثر عن عدد الأولاد؛ وذلك لأننا صعبنا مسألة الزواج فتوقف طابور الزواج، وأصبح من المستحيل الآن على شاب دخله محدود يستطيع أن يتقدم للزواج، فنحن للأسف نصعب مسألة الحلال، فصار الحرام عند شبابنا ميسوراً، لكن في زمن الصحابة كان الحلال سهلاً، وكان الحرام صعباً، لكن الناس الآن صعبوا الحلال، فانقلب الأمر وصار الحرام ميسوراً والعياذ بالله رب العالمين.
إذاً: العلة في أن المسلم لا يتزوج بكافرة؛ لأن هذه تدعو إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه.
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (كل) هنا لفظ عام ولا يوجد استثناء، فكل نفس ذائقة الموت، فالذين يقولون: إن الخضر ما زال حياً يكذبون الآية.
فالله يقول لحبيبه صلى الله عليه وسلم: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34].
ويقول تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، فكلهم ماتوا.
ويقول تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]
فهذه نصوص قرآنية ولا اجتهاد مع النص، فيقولون: كلا، سيدنا الخضر ما زال حياً، وعندما يتكلمون عن الخضر تجد الدرويش جالساً بجانبك، ويقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فتقول له: على من تسلم؟ فيقول: لأننا ذكرنا سيرة الخضر.
قال تعالى: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فمن كان مجهداً في الدنيا لا يأخذ جزاءه في الدنيا؛ لأن الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء، وهي معبر وليست النهاية، ونحن في الدنيا مثل الضيوف نجلس فيها أياماً ونذهب، والضيف لا يشتري أرضاً ويبنيها، والناس كجهنم: هل من مزيد، قال تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]، وهكذا بطن ابن آدم، تقول له: هل شبعت؟ يقول لك: لا، بقي ثلاثة آلاف، أو ربع مليون، أو نصف مليون وهكذا؛ لأن الناس غاب عنهم الدين بالبحث عن لقمة العيش، فتجد أكثر الناس يقولون: أنا لست متفرغاً لك، ويقول أحدهم: هؤلاء أناس ليس عندهم عمل.
قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وليس الذي أخذ شهادة البكلريوس هو الذي فاز.
وأنت تقول للمرابي: خسر؛ لأنه أخذ ربا، ولكن الشيطان يزين له المسألة، فيقول له: أنا سأضع المال في الربا وإذا حصلت على خمسين ألفاً سوف أتبرع للجامع بعشرة آلاف جنيه.
والمال الحرام يا أخي إن أنفقته فهو زادك إلى جهنم، (وإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).
ومن هنا نعلم أن الفوز ليس في الدنيا.
يقول تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20]، ولو أننا نقرأ القرآن بتدبر لعرفنا الفوز الحقيقي، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، ولذلك عندما يثقل ميزان عبد ينادي الملك ويقول: لقد سعد فلان ابن فلان سعادة لن يشقى بعدها أبداً، اللهم اجعلنا من السعداء المرحومين يا رب العالمين!
فالفوز الحقيقي هو أنك تزحزح عن النار، مجرد زحزحة فقط.
يقول صلى الله عليه وسلم: (آخر رجل من أمتي يخرج من النار دعا الله عز وجل وقال: يا رب! أخرجني من النار، لقد طال عذابي فيها، قال: عبدي! أئن أخرجتك لن تطلب شيئاً آخر؟! قال: يا رب! لا أطلب شيئاً آخر، فيقول: أخرجوه، فينظر أمامه فلا يرى إلا النار، وعن يمينه لا يرى إلا النار، وعن شماله لا يرى إلا النار، فيقول: يا رب! اصرف وجهي عنها، فيقول عبدي! أما عاهدتني ألا تطلب شيئاً آخر؟ فيقول: يا رب! هذا آخر طلب لا تجعلني أشقى خلقك، فيقول: اصرفوا وجهه عن النار) فيخرج من جهنم والعياذ بالله وهو أسود كالفحم محروق.
فإذا به يرى على البعد شجرة تميل أغصانها يمنة ويسرة، فتكون الشجرة عندها نسمة هواء وتحتها ظل ظليل ونهر جار فبالله عليكم، هل يصبر أم يتكلم؟ إن هذا منظر يجعل الأخرس يتكلم، فأنت عندما تعود من عملك الساعة الثالثة ظهراً تتمنى أن يكون في البيت ماء بارد تسبح فيه، أو أن تسكب على نفسك دلو ماء بارد، وهذا الرجل خارج من جهنم، ومجرد أن رأى الشجرة والهواء والماء سال لعابه.
يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وجد ما لا صبر له عليه، فيقول: يا رب! انقلني تحت ظلها أستمتع بنسيمها وأشرب من مائها، فيقول: يا عبدي! ألم تعاهدني؟ فيقول: يا رب! لا تجعلني أشقى خلقك، أنت الرحمن الرحيم، فيقول: انقلوه، فيشم الهواء ويستريح قليلاً ويشرب قليلاً من النهر، وإذا بشجرة أجمل وبنسيم أكثر وبنهر أفضل على بعد) فالله سبحانه ينقله درجة درجة؛ لأنه لو انتقل مرة واحدة سيضيق.
ولا أطيل عليكم الحديث وهو حديث صحيح، فعندما ينقله النقلة الثالثة يكون قريباً من باب الجنة؛ وهكذا يدخله الجنة على مراحل؛ ولذلك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الله لم يكتب عليه الموت مرة أخرى لمات من شدة الفرح) (فعندما رأى باب الجنة، قال: يا رب! فيقول: عبدي!، فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى عبادك، فيقول: ماذا تريد؟ فيقول: على بابها) فتراه يطمع في كرم الله، والرحمن الرحيم يطمعه في كرمه ويأخذه إلى الجنة شيئاً فشيئاً. (فلما جلس باب الجنة رأى الجنة فيقول: يا رب!، فيقول: عبدي، فيقول: اجعلني على عتبة بابها من الداخل فلما نظر قال: أدخلوه، فاستغرب العبد، فيقول: كيف يا رب! وقد ملكها أصحابها؟!) فهو نظر ورأى كل واحد لديه مكان في الجنة، وليس له مكان، (فيقول: ادخل، إن لك عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتهزأ مني وأنت رب العالمين) فيا كريم، ويا حنان ويا منان! لا يوجد أحن من الله عز وجل، فهو أحن إلينا من آبائنا وأمهاتنا، ومن أقاربنا وأصدقائنا، ما طرق عبد بابه ليل نهار إلا واستجاب له، والله إذا طرقت باب الله في ليل أو نهار بإلحاح لأعطاك الله ما تريد، ولكن ادع الله بيقين، فالله لا توقفه عظم المسائل.
قال الله في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) وماذا تأخذ الإبرة من البحر؟!
إن الله لا ينقص ملكه مسألة السائلين ولا كثرة المسائل، وكل يخاطبه بلهجات مختلفة، والله هو السميع البصير.
قال تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، يعني: أن الناس كلهم يتكالبون عليها ويظنون أن الدنيا هي المآل.
فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا [الأعراف:44]، أي: الذي وعدنا به ربنا قوله: إن أطعتموني أدخلكم الجنة، فأطعناه فأدخلنا الجنة وأنعمنا فيها.
قالوا: فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا [الأعراف:44]، أي: هل وجدتم أن الله وعدكم أنكم لو انحرفتم وفجرتم وظلمتم وجدتم العذاب؟!
قَالُوا نَعَمْ [الأعراف:44]، وهذه أول مرة يقول المنحرف فيها: نعم، إذ لم يقل يوماً ما: نعم للدين، ولا لأهل الله، ولا للعلماء أبداً، ولكنه يقول: نعم لكل فوضى، نعم لكل انحراف، سبحان الله، لكن نعم لله، نعم لطاعة رسول الله، نعم للدين والاستقامة، فلا يعرفها أبداً.
فهذا النداء بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، فكيف يكلمونهم؟ إن أصحاب الجنة سيطلعون على أهل النار، وبينهما حجاب يمنع وصول النعيم لأهل الجحيم، ويمنع وصول العذاب لأهل النعيم.
فالجدار أو الحجاب أو الحاجز من ناحية فيه العذاب لأهل جهنم، ومن الناحية الأخرى الرحمة، حتى إن المسلم والمؤمن في الجنة يحب أن يرى صاحبه الذي كان في الدنيا.
وسنأتي إلى هذا كله.
قال تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ [الأعراف:44-45]، فهي ليست مسألة كفر وإنكار تام، لكن عندما تقول للمرء: لماذا لا تصلي؟ فيقول: يا أخي! المهم أني أعمل خيراً، ولا أظلم أحداً، ونيتي خالصة، وأنا أحسن من مائة واحد يصلي!
وتقول للتي لا تتحجب: لماذا لا تتحجبين؟ فتقول لك: مسألة الحجاب فيها أقوال.
والحجاب أمر، ولكن هي ليست مقتنعة به، فإن شاء الله ستقتنعين في النار، لو أتاها الموت اليوم وهي عريانة، فما الحل، وما العمل؟!
فالمسلم يجد إيقانه بالآخرة هو أن يعرف كيف يعمل لهذا اليوم، وكيف يستعد له، إن قوماً غرتهم الأماني يقولون: نحسن بالله الظن، والله لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل، ولكن للأسف كثير من الناس يأتي إلى الدرس ويتأثر به ويبكي ويولول وينهار، وعندما يخرج من الدرس، يضرب الابن ويضرب الزوجة، ويعق أباه، ويبخل على أهل بيته، والزوجة تخطئ على زوجها وتضيع ماله في غير ما يرضي الله عز وجل، وهكذا.
سبحان الله! لا يوجد رحمة، وطالما أننا لا يرحم بعضنا بعضاً، فلن تنزل الرحمة من السماء، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين!
قال تعالى: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأعراف:45].
الصد عن السبيل من أكبر المصائب، فترى الصاد عن سبيل الله يخرب المساجد ويقول: المسجد يسبب لنا إزعاجاً، فتقول له: لماذا؟ فيقول لك: لأن هناك أناساً كثيرين يأتون إليه.
فما رأيك؟ لا تريد أن يأتي أحد إلى المسجد، يشربون الخمر أفضل؟! سبحان الله!
قال تعالى: وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا [الأعراف:45].
هناك مسرح تجريبي افتتحوه الأسبوع الأول، وفي آخر المسرحية رمز للكعبة وامرأة ترقص حول الكعبة رقصاً شرقياً، وناس يلبسون اللباس الأبيض والأحزمة السوداء ويقولون: الله حي، الله حي.
لو ضرب هذا الإنسان وجيء بمن هو مسئول عن هذا فيقتل ويعدم في ميدان عام لكان هذا قليلاً؛ لأن هذا استهزاء بدين الله.
ولو شتمت موظفاً أثناء تأدية عمله سوف تتعرض للعقوبات، ولو هزأت بأحد من علية القوم فماذا سيكون مصيرك؟!
فما بالك وأنت تفتري وتسخر من دين الله عز وجل؟! نسأل الله السلامة، وننتظر مع ذلك أن ينزل الخير؟ كيف سينزل الخير؟!
قال تعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ [الأعراف:50]، هذا نداء آخر، وهذه النصوص تجمع بين الجنة والنار.
وكلمة (أصحاب) تشير إلى معنى كأن الذي سكن الجنة صاحب لها، والذي سكن النار صاحب لها.
قال تعالى: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الأعراف:50]، يسألونهم الماء، فيقول أحدهم: ألست تعرفني؟ فيقول له: نعم؛ أعرفك، فيقول له: أعطني قليلاً من الماء، فيقول: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50]، أي: حرم الماء ورزق الجنة على الكافر الذي دخل النار، والعياذ بالله رب العالمين.
قال تعالى: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا [الأعراف:51].
وعندما لا نطبق أوامر الدين فنحن نلهو ونلعب، ونخوض في دين الله بغير علم.
قال تعالى: وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [الأعراف:51]، أي: الدنيا ضيعتهم بالجاه والمنصب والمال، فكل واحد منشغل في الحياة، فإن قلت: يا بني! اقطع من وقتك شيئاً لله، اذهب إلى بيت الله واسمع درس علم، حتى المتدين عندما تكلمه يثور ويثور، ويقول: نحن وأنتم؟!
يا سبحان الله! هل قسمت الدين بيننا؟! ونحن نعبد رباً واحداً، ونقرأ كتاباً واحداً وهو القرآن، ونتبع رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم، وتأبى يا أخي! إلا اختلافاً، وتقول: لا بد من الخلاف، سبحان الله!
قال تعالى: فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:51].
فكما نسي الكافر الفاجر الظالم ذكر ربه وأوامره في الدنيا، فالله عز وجل ينساهم في الآخرة، والعياذ بالله رب العالمين.
اللهم اجعلنا من الفائزين يا رب العالمين!
وقال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الجنة وقال: يا جبريل! اطلع عليها اطلاعة، فرأى سيدنا جبريل الجنة وما فيها من نعيم فعاد منشرحاً فقال: وعزتك وجلالك ما سمع أحد عنها إلا ودخلها، ما أظن أن أحداً لن يدخلها) فهذا نعيم ما بعده نعيم، وكلٌ سيعمل حتى يرى ذلك.
قال صلى الله عليه وسلم: (فأحاطها الله بالمكاره) فمن المكارة أن تأتي الجامع في الحر، وتقوم لصلاة الفجر، وتقوم بالليل، وتصوم بالنهار، وتتحمل الظلم والأرق، وتتحمل زوجتك سليطة اللسان، والزوجة الطيبة تتحمل زوجها، وكذلك الصبر وعدم الشتيمة، ولا ترد على السيئ بالسيئ، فكل هذه مكاره يصعب جداً تحملها.
فقال: (اذهب فانظر إليها، فعاد جبريل فقال: ما أظن أحداً سوف يدخلها) لأن فيها مكاره كثيرة، فكيف ترجع الحقوق لأهلها، وكيف يعبد الله حق عبادته، وكيف يتقى الله حق تقاته، وكيف يكون الرجل مؤمناً صادقاً، وكيف لا يحمل في قلبه كبراً ولا حقداً على مسلم؟! فالمسألة صعبة.
قال: (ولما خلق الله النار، قال: يا جبريل! اطلع عليها اطلاعة، فعاد جبريل مرعوباً وقال: وعزتك وجلالتك ما سمع أحد عن عذابها إلا وعمل من أجل عدم دخولها) أي: ليس من الممكن أن يدخلها أحد.
قال صلى الله عليه وسلم: (فأحاطها الله بالشهوات) بنظرة، وكلمة، وأغنية، ورقصة، وهذه جلسة، وهذا مال جاء بطريقة غير مشروعة، وهذه ليست رشوة هذه إكرامية، وهذه تفتيح مخ، وهذه ترشيد حال، وهذه ليست خمراً بل تنظف الكلى، سبحان الله! وكلها شهوات.
قال صلى الله عليه وسلم: (فعاد سيدنا جبريل وقال: ما أظن أن أحداً سوف ينجو منها).
فحفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات.
والإدلاج: السفر ليلاً، فالعرب قديماً عندما كانوا يريدون السفر لا يسافرون في عز النهار؛ لأن الشمس حارة في الصحراء، فكان الرجل يسافر بعد غياب الشمس، فيقوم بالليل قبل الصباح ويسري ليلاً، فعندما يسمع الصوت يكون قد قطع مسافة، وناقته أو جمله أو دابته ارتاحت فأول ما يطلع الصبح والشمس تشرق، ينصب الخيمة ويرتاح، وهذا اسمه في اللغة العربية الإدلاج.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من خاف أدلج)، أي: اشتغل بالليل، ولم يكتب شكاوي، ولم يتسلط على الناس، ولم يسهر أمام التلفزيون، ويسمع المذياع الساعة الواحدة والنصف تقول: الآن تبدأ السهرة، يا سبحان الله! فمتى سننام إن شاء الله؟!
فالمصيبة أن الناس صيروا الليل نهاراً والنهار ليلاً، فبعض الناس لا يطيب لهم السمر إلا من بعد الساعة الثانية عشرة.
قال صلى الله عليه وسلم: (ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) يعني: أنك إذا أردت أن تشتري الجنة، فاتعب قليلاً.
فالنار تقول: سيدخلني الجبارون، قال تعالى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق:24].
والمتكبرون هم أصحاب الكبر من سلالة فرعون، فلا يزكي أحد نفسه، فربنا يعلم المحسن من المسيء، فأنت لا تقل عن نفسك أي شيء، نسأل الله أن يرفع الكبر عن قلوبنا.
والجبار: الذي يعطيه ماله أو جاهه سطوة يتجبر بها على الخلق، والكبر صفة من صفات الله عز وجل، بل لا يتصف بها أحد من خلقه إلا ويجندل في نار جهنم، والعياذ بالله رب العالمين.
وقالت الجنة: (أنا لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين) وليس معنى هذا: أن الإسلام مع الضعف والمسكنة، فأنت من الممكن أن تكون غنياً وذا جاه، ولكنك ضعيف في نفسك، وضعيف ذليل مع المسلم، وليس معنى الضعف هنا: الخضوع والتذلل، لكن الضعف هنا هو التواضع واللين والرضا بالقليل، والمسكين في نفسه، وليس المسكنة المتصنعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين).
فالمسكنة نوعان: مسكنة القلب لله، وهذا هو المقصود، ومسكنة المسكين الطبيعي الذي لا يجد ما يأكل.
ولكن إياك أن تكون مسكيناً ومتكبراً على الناس.
وهذا الحديث مهم، وأنا أريد أن تضعوا تحت كلمة (فيما يبدو للناس) سبعمائة خط.
فبعض الناس يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، فيكون أمام الناس على الصلاح والتقوى، ولكن لا تخفى على الله خافية، والأعمال بخواتيمها، فلو أنت تصلي، وأنت في التشهد الأخير وتقول: إنك حميد مجيـ.. ولم تكمل الكلمة فأحدثت، بحيث طلعت ريح، فالصلاة باطلة، لأن الأعمال بخواتيمها.
ولو صمت طوال اليوم وفي الساعة السابعة إلا دقيقتين أكلت، -هذا إن لم تكن ناسياً- ضاع يومك.
إذاً: الأعمال بخواتيمها.
وهذا سيدنا بلال رضي الله عنه كان حفظه محدوداً، وسيدنا معاذ بن جبل كان من علماء الصحابة، وهو الذي سيحمل راية العلماء يوم القيامة.
فقال بلال : (يا رسول الله! إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة
ذكر في زمن الصحابة أن عبد الله بن رواحة كان يمسك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدو للناقة ويقول لها:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
هل هذا غناء؟! ويقولون لك الآن: كان يغني.
فسبحان الله العظيم!
فالصحابي الجليل بلال رضي الله عنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: (لا أحسن دندنتك ولا دندنة
أي: يا رسول الله! أنت عندما تلبس تدعو دعاءً، وعندما تقف أمام المرآة تدعو دعاءً، وتسجد وتدعو دعاء، وتسلم على مسافر فيدعو دعاءً وأنت تدعو دعاءً، فأنا لا أحسن كل هذا الكلام.
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ماذا تقول يا
دخل النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم على السيدة جويرية بنت الحارث وهي جالسة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح ويجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، وبعد نصف ساعة يصلي الضحى، ويرى إن كان أحداً رأى رؤيا أو كذا، وبعد ذلك يدخل البيت، فوجد السيدة جويرية بنت الحارث عندها كوم نواة من بلح، وكانت تقول: سبحان الله، سبحان الله، وتنقل الكومة من ناحية إلى أخرى، وبعد ذلك تقول: الحمد لله، الحمد لله، وتنقل الكومة إلى الناحية الأخرى، وبعد ذلك تقول: الله أكبر، الله أكبر، وهكذا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماذا تصنعين يا أم المؤمنين! فقالت له: ما زلت بعدك يا رسول الله دائبة، فقال لها: لقد قلتُ كلمات تعدل ما قلتِ وأكثر: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته).
قال: (فردت الجنة: قد رضيت، قد أفلح المؤمنون، فيقول الله عز وجل: طوبى لك منزل الملوك) أي: أن الشخص المسكين الضعيف الذي لم ير شيئاً من الملك في الدنيا سيكون ملكاً في الجنة.
اللهم اجعلنا من أهلها يا رب العالمين!
قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]، فالعباد الصالحون هم الذين يرثون الأرض، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا فارق الخوف قلب العبد، قال الناس: بئس العبد فلان، إنا نبغضه) عندما تجد رجلاً يبغضه الناس فاعلم أنه لا يخاف الله، وبالعكس إذا وجدت إنساناً يحبه الناس فاعلم أنه يخاف الله عز وجل.
أي: أحبوا الشيء الذي رغبكم الله فيه، وهي الجنة بالعمل، فلو أن قطرة من الجنة نزلت إلى الدنيا بمرارتها ستكون الدنيا حلوة، ولو أن قطرة من النار -والعياذ بالله- تنزل إلى الدنيا تزيدها خبثاً علينا والعياذ بالله رب العالمين.
قال رسول الله صلى الله عليه: (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً بليل) أي: أتى في الليل وهو مسافر فأشعل النار. (وأقبلت إليه هذه الفراش) التي تجتمع حول النور. (والذباب الذي يغشى النار، فجعل يذبها) أي: فجعل يطردها. (ويغلبنه) أي: لا يردن إلا أن يقعن في النار كما قال صلى الله عليه وسلم: (إلا تقحماً في النار، وأنا آخذ بحجزكم أدعوكم إلى الجنة وتغلبوني إلا تقحماً في نار جهنم).
شبه نفسه برجل أوقد ناراً فاجتمع الفراش، وأراد أن يمنعهن من النار، ويحذرهن من النار.
وهكذا هو حالنا، عندما تحذر أحداً من النار، وتقول له: لا تظلم، لا تنم، لا تسرق، سبحان الله! بدون فائدة، فتراه يريد أن يتخطى حاجز رسول الله ويدخل النار والعياذ بالله، اللهم أبعدنا عنها يا رب العالمين!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم، فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها، وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره، وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات، فلا تلهينكم دنياكم عن أخراكم).
فقوله: (اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم) أي: اطلب الجنة بالقدر الذي تستطيعه، واعمل أي خير، وأحب المسلمين، وأحب الإسلام، وأحب رسول الإسلام، وأحب القرآن، وأحب مجالس العلم، فالمهم أن تعمل خيراً.
قال: (فإن الجنة لا ينام طالبها) وكيف ينام من يطلب الجنة؟ (والنار لا ينام هاربها) وليس من الممكن أن ينام؟! (وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكارة) أي: كل الصعوبات موجودة في طريق أهل الدين، فتجد قرارات وغير ذلك ضدهم، لكن المهرج كل شيء في صالحه.
والآخرة محفوفة بالمكاره، والدنيا كلها لذات وشهوات، قال: (فلا تلهينكم دنياكم عن أخراكم).
وقال ابن عباس : ينبغي لمن لم يحزن في الدنيا أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، فالذي كان حزيناً في الدنيا لا يحزنه الله في الآخرة.
وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف ألا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا: قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26]، فالإشفاق: هو المخافة من الله عز وجل.
عن عياض بن حمار المجاشعي عن سيدنا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط -أي: عادل- متصدق موفق) كمدير المدرسة، أو مدير المستشفى، أو رئيس مجلس إدارة، أو وزير، أو رئيس، أو رئيس وزراء، أو محافظ، أو رئيس مجلس مدينة، أو صاحب ورشة، أو صاحب عمل، أو مدير مكتب، فكل واحد من هؤلاء يسمى ذا سلطان، فما دام تحت يدك أناس يعملون فأنت ذو سلطان، فانتبه أن تظلم أحداً منهم.
كذلك امرأتك وأولادك أنت السلطان عليهم، فاتق الله في سلطانك، وفي الحديث: (دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبة، ودينار أعطيته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، قال: الدينار الذي أنفقته على أهلك أعظم أجراً).
والصنف الثاني من أهل الجنة: (ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم) أي: رجل رحيم بالناس رقيق القلب، قلبه حنون ليس جامداً، تجد بعض الناس يقول: أنا من يوم أن ولدت لم أبك قط، فنقول له: نسأل الله أن يرقق قلبك، وذهبت امرأة تشكو لـعائشة رضي الله عنها أنها لا تبكي، فقالت لها: اذكري الموت والآخرة يرق قلبك يا أمة الله!
والصنف الثالث من أهل الجنة: (وعفيف ضعيف متضعف ذو عيال) أي: رجل لا يجد ما يأكل، كأن يكون موظفاً متعففاً دخله محدود ولديه أولاد، ولا يمد يده للناس، فهذا من أهل الجنة إن شاء الله، اللهم اجعلنا من أهلها.
قال: (وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبع لا يبغون فيكم أهلاً ولا مالاً)، وهذا هو الإمعة، الذي يكون تبعاً، فأيام الملك يقول: يعيش الملك، وأيام الثورة يقول: تحيا الثورة، وأيام الاشتراكية يقول: هل يوجد أحسن من الاشتراكية؟! وعندما تكون رأسمالية يقول: هكذا أفضل فدع الناس يعيشون، وبعد ذلك يقولون: سوف نبيع القطاع العام، فيقول: هذا أفضل حل، أنا أؤيد هذا الموضوع، فلا تدري مع من يكون، فهذا هو الإمعة، لا يهمه شيء، مات الملك، يحيا الملك.
رأى أشعب جماعة من الشعراء أخذهم الحرس إلى دار أمير المؤمنين، فقال: من المؤكد أن هناك وليمة، ولكن هؤلاء الشعراء شتموا أمير المؤمنين في بعض قصائدهم، وذهبوا إلى أمير المؤمنين ليأخذوا جزاءهم، فلما حاكموا الشعراء وكل واحد منهم أخذ عقوبته، وصلوا إلى أشعب فقالوا له: وأنت ماذا قلت؟ فقال: أنا من الغاوين؟ فقيل: ماذا تقصد بالغاوين؟ فقال أشعب : أليس الله يقول: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224]، فأنا من الغاوين الذي يمشون وراء الشعراء.
فالإمعة: هو الذي ليس له مبدأ، تجده يقول: اتحاد القيم، الاتحاد الاشتراكي، منظمة الشباب، حزبي، فيا بني قل: أنا مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس فأحسنوا، وإن أساءوا فتجنبوا إساءتهم) هكذا أمرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني: (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه)، أي: الخائن للأمانة، حتى إنه لا يرجع إلى بيته إلا بشيء حرام.
النوع الثالث: (ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك في أهلك ومالك) المخادع كالموظف الذي يشتغل مع الموظفة، فتقول في نفسها: لو كان هذا زوجاً لي مؤدباً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من أفسد امرأة على زوجها).
فاتقوا الله يا موظفون ويا موظفات!
والذي يغضبون من كلامي، ويسبون في الهاتف، فهؤلاء من الذين يعرفون أنفسهم.
كمثل الرجل الذي قال: السارقون ليسوا أناساً جيدين، فرد عليه الرجل -ويبدو أنه كان سارقاً-: عيب عليك يا أستاذ! أن تقول هكذا.
النوع الرابع من أهل النار والعياذ بالله: البخيل، فالبخيل يعيش في الدنيا عيشة الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة بخيل).
فعندما يرى المال يقول له: كم تعبت بين أيد كثيرة، وتنقلت بين جيوب كثيرة، ادخل هنا فلن ترى النور مرة أخرى.
قال: (وذكر البخل والكذب) فالنوع الخامس: الكذاب؛ لأن المؤمن قد يكون جباناً، لكن لا يكون كذاباً، فاحذر الكذب.
قال: (والشنظير الفحاش) أي: بذيء اللسان، الذي يكون كل كلامه سيئاً بذيئاً.
فانتبه لهذا، واجعل لسانك يقطر شهداً لا يقطر مرارة.
نسأل الله سبحانه وتعالى في ختام هذه الجلسة أن يجعل هذه الجلسة في ميزان حسناتنا يوم القيامة.
اللهم ثقل بها موازيننا، واغفر لنا ذنوبنا، ويسر لنا أمورنا، اللهم فرج الكرب عن المكروبين، اللهم إنك تعلم أننا مقهورون فانصرنا، أذلاء فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، بكرمك وجودك يا عزيز يا غفار! ارحمنا فإنك بنا راحم، لا تعذبنا فأنت علينا قادر، اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر