إسلام ويب

سلسلة الدار الآخرة وصف الجنة أسماء الجنةللشيخ : عمر عبد الكافي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله سبحانه في الجنة نعيماً دائماً لا ينقطع، وللجنة أسماء متعددة ذكرت في كتاب الله سبحانه، فقد وصفت بالدوام والصدق والإمامة والأمن والسلام، ولا يفوز بدخولها إلا من راقب الله سبحانه في لفظاته ونظراته وخطواته وخطراته.

    1.   

    التعرف على أسماء الجنة وعلى صفاتها وصفات ساكنيها

    نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة السادسة والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الخامسة في الجنة، اللهم اجعل مآلنا الجنة يا رب العالمين!

    اجعل اللهم جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا! بفضلك ومنِّك وجودك وكرمك بيننا شقياً ولا محروماً.

    ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا همّاً إلا فرّجته، ولا غماً إلا أذهبته، ولا صدراً ضيّقاً إلا شرحته، ولا صدراً ضيّقاً إلا شرحته، ولا صدراً ضيّقاً إلا شرحته، ولا طالباً إلا نجّحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً.

    اللهم إنا نعوذ بك من دعاء لا يسمع، ومن عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تقنع، ومن بطن لا تشبع، نسألك من الخير كله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله ما علمنا منه وما لم نعلم، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، وارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تسلّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، وارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً.

    اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين، غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدّلين، اللهم فك كرب المكروبين، واقض دين المدينين، وتب على كل عاصٍ، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين.

    اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، اللهم اسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم شفّع فينا نبينا، اللهم شفّع فينا نبينا، اللهم شفّع فينا نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم اجعلنا من جيرانك في جنة الرضوان يا رب العالمين! واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

    اجعل هذه الجلسات في ميزان حسناتنا يوم القيامة، واجعل هذا العلم حجة لنا لا حجة علينا يوم القيامة، وثبت به على الصراط أقدامنا يوم تزل الأقدام، وأعطنا كتابنا بأيماننا ولا تعطه إيانا بشمائلنا أو من وراء ظهورنا، أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    تحدثنا في أربع حلقات سابقة عن الجنة، واليوم موعدنا مع الحلقة الخامسة في الجنة وهي تخص أسماء الجنة، وسوف نقوم في هذه الحلقة بمشيئة الرحمن بالزيارة لطائفة من أهل الجنة لنتعرف على صفاتهم وأخلاقهم وما الذي جعلهم يسكنون في هذا المكان، اللهم اجعلنا من سكانها يا رب العالمين!

    إن حلقات الدار الآخرة التي لا أتمنى أبداً أن تنتهي هي عبارة عن حلقات تشحذ عزيمة المسلم نحو ربه، وتقوم بتقريب الإنسان إلى مولاه، وتعمل على أن يحب الإنسان آخرته وأن يحب الموت ولا يفزع من حضوره؛ لأن الموت هو الذي يدخله على الله عز وجل، وعرفنا كيف أن الكليم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عندما جاءه ملك الموت قال: يا ملك الموت! دعني أكلم ربي، فقال: يا رب! هل رأيت حبيباً يسيء إلى حبيبه؟ فإذا بالله عز وجل يكلم كليمه قائلاً: وأنت يا موسى! هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه؟ فكل إنسان محب لله عز وجل يتمنى لقاء الله سبحانه، والمؤمن لا راحة له إلا بلقاء الله.

    ولأن الله بنا رحيم جعل لنا مواسم نلتقي به فيها، فجعل من العام الحج ورمضان والعمرة، وجعل من الأسبوع الجمعة، وجعل من اليوم الصلوات الخمس.

    قال الحسن البصري رحمه الله: هنيئاً لك أيها المسلم! إن أردت أن تكلم الله فأحرم بالصلاة، وإن أردت أن يكلمك الله فاقرأ القرآن، فالذي يريد أن يكلمه الله يقرأ في كتابه لأن كلام الله في كتاب الله، والذي يريد أن يكلم ربه يقف ليصلي بين يدي الله، ولو علم المصلي من يناجي ما انفتل من صلاته، وما قام عبد يصلي لله ركعتين إلا وتناثر البر من السماء إلى عنان رأسه، وناجاه وناداه مناد من قبل العلي الأعلى: يا ابن آدم! لو تعلم من تناجي ما انفتلت من صلاتك، لذلك كانت قرة عين الحبيب صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فالمسلم لا راحة له إلا أن يلقى الله، والمؤمن لا راحة له إلا في بيت الله أو في مكان يذكره بالله سبحانه، اللهم ذكّرنا بك دائماً يا رب العالمين! واجعلنا من الذاكرين والذاكرات، ولا تجعلنا من الغافلين أو الغافلات يا أكرم الأكرمين!

    نسأل ربنا سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ليس العلم كثرة الرواية وإنما العلم الخشية، فالعلم الذي يوصلك إلى الخشية لله سبحانه والانزواء إلى طريق الله، والانضمام إلى وفد الرحمن، والانضمام إلى عباد الله الأتقياء؛ هو العلم الذي يقربك من الله، أما العلم الذي يبعدك عن الله عز وجل فإنه يكون حجة عليك لا حجة لك، فهذه هي الخطورة؛ لأن الله عز وجل وصف اليهود وصفاً سيئاً فقال: كالحمار يحمل أسفاراً، فمنهم حامل لكتاب الله التوراة، ولكنه كالحمار الذي يحمل على ظهره كتباً لا يستفيد منها ولا تعود عليه بخير قال الشاعر:

    كالعير في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول

    فالإبل تحمل قرب الماء على ظهرها ولا تستطيع أن تشرب منها إلا بإذن صاحبها عندما يفتح لها فم القربة، فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين!

    غبطة المؤمن للصالحين وحسد المنافق للصالحين

    روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤتين برجال يوم القيامة ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء).

    قلنا: إن المؤمن يغبط، والمنافق يحسد، ومعنى يغبط: يفرح بالنعمة التي عندك، ويدعو الله لك بالزيادة والتثبيت، أما المنافق والعياذ بالله فإنه يتمنى زوال النعمة من يدك حتى وإن لم تؤل إليه، بمعنى: أنه يتمنى أن تؤخذ النعمة منك.

    ويقال: إن ملكاً من الملوك جاء باثنين من الحاشية وهو يعلم خبرهما - من معاملته لحاشيته يعرف أخلاقهم جميعاً - أحدهم حسود يحسد كل الناس، والثاني بخيل، وهذه من أسوء الصفات التي لا علاج لها نسأل الله السلامة؛ فقال لهما: ليتمن علي أحدكما أمنية، فمن بدأ أعطيت الثاني ضعف ما طلب الأول، طبعاً الحسود يخاف أن يطلب هو الأول فيأتي البخيل ويأخذ مثله مرتين وهو بطبيعته لا يريد أن يأخذ البخيل شيئاً، والبخيل بطبيعته والعياذ بالله رب العالمين لا يريد أن يأخذ غيره شيئاً؛ فقال: البخيل للحسود: قم أنت، وقال الحسود للبخيل: لا، اطلب أنت، حتى علا صوتهما فتشاجرا، فقال الملك غاضباً: إن لم يطلب أحدكما قطعت رقبة كل واحد منكما، ابدأ يا حسود!

    فقال الحسود: أتمنى أيها الملك! وأطلب أن تقلع لي إحدى عيني.

    لذلك فإنه لا يجتمع في قلب العبد إيمان وحسد.

    ذكر أن سهل بن حنيف رضي الله عنه وكان رجلاً أبيض الجلد فأراد أن يغتسل، فرأى عامر بن ربيعة رضي الله عنه جسمه فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة، فوقع سهل بن حنيف رضي الله عنه مكانه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلاً أصيب بعين، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل عما كان من شأن عامر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ إن العين حق، توضأ له) فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس، فالعائن يجعلونه يتوضأ بنية الشفاء لأخيه المسلم الذي عانه، وفي أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الناس مطيعين، فما كان من هذا العائن إلا أن توضأ لأخيه فقام من ساعته وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فالحسد موجود؛ وكانت هناك قبائل من العرب قبل الإسلام وبعده كان فيها الحاسدون، فقد كان يمر القطيع من الإبل أو القطيع من الغنم فيقول الرجل لجاريته: خذي هذا الإناء وائتيني بلحم هذا البعير! فما أن يصل البعير إلى بيت صاحبه حتى يكون لحمه في القدر.

    قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر) .

    والحاسد نوعان: حاسد يحسد وهو يعلم، وحاسد يحسد وهو لا يعلم.

    فإذا رأت عينك شيئاً يسرك وأنت قاصد؛ فكبّر وبرّك، بأن تقول: الله أكبر بارك الله لك في هذا، فإذا رأيت سيارة جميلة فقل: بارك الله فيها، أو رأيت بيتاً جميلاً فقل: بارك الله لك فيه، أو رأيت بدلة جميلة على أخيك المسلم أو غيرها فقل: بارك الله لك فيها.

    كان رجل من بني تميم عائناً، فقالوا له: إن هذه البقرة تحلب لبناً كثيراً! فقال: أروني هذه البقرة، فأروه بقرة أخرى تفنيداً له، فسقطت البقرتان في وقت واحد.

    إذاً: المسلم إذا أعجبه شيء، يقول: الله أكبر! بارك الله لك فيه، أو يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، والمشكلة تكمن في العائن الذي يعين وهو لا يعلم؛ فأنت عندما تثق أن هناك عائناً يدخل بيتك ينقلب البيت رأساً على عقب، فإن رأيت مثل هذا فاقرأ سورتي الفلق والناس، ولذلك قال بعض الفقهاء: إن ولي الأمر إذا علم أن أحداً يحسد الناس يحبسه في بيته وإن كان فقيراً، ويصرف له عطاءً من بيت المال، لكي لا ينتشر فساده في المجتمع.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليؤتين برجال يوم القيامة ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء) يعني: الأنبياء والشهداء يفرحون لهم ويغبطونهم لمنزلتهم العظيمة عند الله عز وجل، قال: (يكونون على منابر من نور) قال الصحابة: ومن هم يا رسول الله؟! قال: (هم الذين يحببون الله إلى الناس ويحببون الناس إلى الله) فالصحابة سألوا عن شق وتركوا الشق الثاني؛ لأنه فطري طبيعي، قالوا: فكيف يحببون الناس إلى الله يا رسول الله؟! أي: فكيف يجعلون الناس يحبون الله؟ قال: (يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فإذا أطاعوهم أحبهم الله سبحانه وتعالى) فأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحبهم الله سبحانه، قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] .

    اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!

    ولذلك قال الله عز وجل فيهم: لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57] لماذا؟ لأنه كان طاهراً في كلامه وثيابه ويده، فيده لا تختلس ولا ترتشي ولا تضرب إنساناً أو تؤذيه، وإنما جوارحه كلها في خدمة الله عز وجل.

    يحكى أن سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام قال: يا رب! إذا رأيتني أغادر مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر لي رجلي فإنها نعمة تنعم بها علي. يقول ذلك لأنه لا يريد أن ينخرط مع أهل السوء ولا يريد أن يدخل مع أهل المعاصي؛ اللهم اجمعنا مع أهل طاعتك يا رب العالمين!

    1.   

    أسماء الجنة

    الجنة لها درجات وأسماء كما أن للنار دركات، وكل دركة لها اسم: لظى والحطمة وسقر والهاوية والجحيم وجهنم والدرك الأسفل.

    فللجنة أسماء وأنواع، إذاً: تعالوا لنحيا مع أسماء الجنة قبل أن ندخل لزيارة الطائفة من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من طوائف الجنة يا رب العالمين!

    أول اسم للجنة هو الاسم العام: الجنة، فالطفل الذي في بطن أمه نسميه جنيناً؛ لأننا لا نراه بالعين المجردة، وإنما نتركه إلى أن يقضي الله فيه أمره، فالجنين: ما جن عن النظر، أي: ما اختفى عن النظر؛ لذلك يسمى البستان جنة؛ لأن الأشجار حول البستان لا تجعل الرائي ينظر ما في داخلها؛ ولذلك قال تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ [الكهف:32] فقوله: (جنتين) أي: بستانين، قال تعالى: جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا [الكهف:32] .

    مراقبة الألفاظ السيئة والحذر منها

    ثم قال: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39] وفي هذه الآية دليل على أن الإنسان عندما يتذكر نعمة الله يجب عليه أن يُحيل الحول والقوة والمشيئة إلى الله رب العالمين.

    عندما يقول المسلم: لا حول الله! هذا حرام، ولكن يقول: لا حول إلا بالله، أو: لا حول ولا قوة إلا بالله.. إذاً: عندما تقول: لا حول الله يا ربي! كأنك نفيت الحول عن الله والعياذ بالله، فالمسلم يحتاط في أمور أربعة: اللفظات والنظرات والخطوات والخطرات؛ لأنه مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] فقد يقول الإنسان كلاماً لو أعاده إلى العقيدة وإلى مكانة الكتاب والسنة لرأى أن هذا شرك وكفر بالله والعياذ بالله.

    فمثلاً هناك طابور واقف على باب سينما يقول: ما هذا؟ وأحدهم يقول: يا رجل! ليس رزق الأحمق على المجانين! مع أن رزق الأحمق والمجانين على الله؛ فهذه كلمة تجري على ألسنة العامة قد تصل بالإنسان إلى القدح في قدرة الله عز وجل، ولكن رزق الأحمق والمجانين على الله.

    فالعاقل لا يستطع أن يرزق العاقل مثله، ولا العاقل يرزق الجاهل وإنما يدفع الله الناس بعضهم ببعض، ولذلك فإن رزق الأحمق والمجنون والعاقل على الله سبحانه وتعالى، ولذلك فأنت ترى المسكين عنده عشرة أولاد مثلاً، والغني عنده آلاف وملايين وعنده ولد واحد، أو ليس لديه من الأولاد شيء؛ فهنا يخطئ المسلم عندما يقول: يعطي القرط للذي ليس لديه أذن! فيكون المعنى: أن الله عندما يعطي القرط للذي بلا أذن كأنه لا يرى، وكأن الله غير عادل في قسمته! فهذا كفر بالله عز وجل، فمن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه دامت حسرته، ومن قل كلامه كثرت حسناته، ومن كثرت حسناته استمرت فرحته، اللهم اجعلنا من الفرحين في الآخرة يا رب العالمين!

    إذاً: أول الأخطاء أخطاء اللفظات، إذا لا يجوز أن يقال: لا حول الله! ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله، كذلك قول: أنا معتمد على الله وعليك! ولكن قل: أنا معتمد على الله ثم عليك؛ والآخر يقول: ربنا لنا في السماء وأنت في الأرض! وهذا حرام لكن قل: الله لنا في السماوات وفي الأرض، وفي الليل والنهار، وفي المنشط والمكره وفي العسر واليسر، وإنما ساقك الله إليّ لتكون سبباً في إجراء هذا الأمر على يديك.

    ولا تقول: يا دكتور! لو لم تأتنا كان الولد سيموت، لأن هذا حرام، ولكن قل: فالله بعثك لنا كسبب ليجري الله الشفاء على يديك.

    وهناك من الناس من هم مفاتيح للخير مغاليق للشر، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وبعداً لعبد جُعل مغلاقاً للخير مفتاحاً للشر؛ اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر يا رب العالمين!

    قيل للحسن البصري : نحن نعد عليك الكلام؟ يعني: ليس كحالتنا.

    فقال: إني أعرض الكلمة على عقلي قبل أن أنطق بها، فإن رأيتها توضع لي في كتاب حسناتي قلتها، وإن رأيتها سوف توضع لي في كتاب سيئاتي فلا أقولها، فرأيت أن أغلب كلماتي سوف توضع في ميزان سيئاتي فأقللت من الكلام.

    ولو أن كل إنسان كان كـالحسن البصري يزن الكلمات لما سمعنا لعناً في الشوارع ولا سباً ولا قذفاً، وإنما نسمع ذكر الله، ومن يذكر بالله سبحانه وتعالى.

    فلسانك سيؤدي بك إلى الهلاك: (هل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم) فجرح اللسان أنكى من جرح السنان وأصعب من جرح السكين أو السيف؛ لأن جرح السكين يداوى بالمضادات الحيوية والعلاج، لكن جرح اللسان كما قال الشاعر:

    جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان

    رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ثوراً كبيراً يخرج من ثقب إبرة فقال: (ما هذا يا جبريل؟! قال: هذا الرجل من أمتك يقول الكلمة فلا تعود) وتجد شخصاً بعد ثلاثين سنة أو أربعين سنة يعاتب امرأته، يقول: لم أنس يوم قرأت عليك الفاتحة يا أم عباس! كان أبوك رحمه الله كذا وكذا وكذا، فالرجل قد مات، لكن الكلمة السيئة ترن في أذنه، ليس لأن حماه خبيث ولكن لأنه هو أخبث؛ لأنه لا يذكر عن حميه إلا السيئ من الكلام، ولذلك فإن سيدنا عمر قال: اللهم إني أعوذ بك من أربع: من زوجة تشيبني قبل المشيب، ومن ولد يكون علي سيداً، ومن مال أُحاسب عليه في قبري ويتمتع به ورثتي من بعدي، ومن جار المقامة -الدار- إن رأى سيئة أذاعها وإن رأى حسنة كتمها.

    وهناك أناس كثيرون بنفس هذه الصفات، عندما يرى منك حسنة يكتمها.

    وأنت إذا وضعت امرأتك على ميزان سترى حسناتها أكثر من سيئاتها، وهي كذلك عندما تضعك على الميزان ستجد أن حسناتك أكثر من سيئاتك، فيتعافى الناس ويصطلحون مع بعض ويتعودون على التعامل بالمعروف.

    يحكى أنه كان يقول المتخاصمان للإمام الشافعي : يا إمام! اقض بيننا فيقول: ما قضيتكما؟ فيقول أحدهما: لي عند هذا مبلغ ويقول لي: أنظرني، فكان الشافعي يقول: أأعاملكما بالعدل أم أقضي بينكما بالفضل؟ يقولان: ما معنى العدل وما معنى الفضل؟ فيقول: العدل: أن يأخذ صاحب الحق حقه، والفضل: أن يعفو صاحب الحق عن حقه، ومن عفا عن حقه عفا الله عنه يوم الكرب.

    ولذلك يروى أن رجلين وقفا بين يدي المولى عز وجل، وأحدهما عنده للآخر حق، فقال الله عز وجل لصاحب الحق: انظر خلفك، فيرى في الجنة قصوراً وقباباً من لؤلؤ وفضة وزبرجد وياقوت وما لا عين رأت، فيقول: يا رب! لأي نبي هذه، أم لأي صدّيق، أم لأي شهيد؟

    فيقول الله: للذي يعطي الثمن.

    قال: وما ثمنه؟

    قال: أن تعفو عن صاحبك.

    فيقول: يا رب! عفوت عنه.

    فيقول الله: خذ بيد أخيك وادخلا إلى الجنة. فالله هو العفو الغفور يعفو عن السيئات، وما عثرت بقدم ولا أصبت بشوكة إلا بذنب والله يعفو عن كثير، كان العربي إذا أصابه ألم يقول: حس حس، يعني آه آه، ولذلك يقول الله عن أهل الجنة: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا [الأنبياء:102] .

    فالنار تتغيظ كما قال الله: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [الملك:8] يعني: تكاد تتقطع، يقال: هذا فلان يمشي ويكاد يتقطع من كثرة غيظه.

    مراقبة الإنسان ربه في النظرات والخطوات

    عندما ينصحك أخوك المسلم في الله ويقول لك: يا فلان! اتق الله، يا فلان! اعمل كذا، يا فلان اعمل كذا، فلا تغضب، ورحم الله امرأ أهدى إلينا عيوبنا، وأخذ الحسن البصري في يوم من الأيام متاعه على جنبه ومشى فقالوا له: ما هذا؟ قال: أجلس مع أناس يعرفونني عيوبي!!

    فالمؤمن مرآة أخيه، يعني: يرى فيه عيوب نفسه، والنصيحة على الملأ فضيحة فانصح أخاك المسلم بالرفق، ونفرض جدلاً أن واحداً أصغر منك سناً يقول لك: يا ابني! فيقول: ما هذا الكلام الذي تقوله؟! أنا متعلم قبل أن تلدك أمك، قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة:206] .

    كذلك سيدنا عيسى عليه السلام وهو يمشي مع أحد الحواريين وكان يسمى عابد بني إسرائيل، مر عابد بني إسرائيل على فاجر بني إسرائيل فقال: يا روح الله! اسلك طريقاً غير هذا، أتطمع في إيمانه يا روح الله؟! ويشبه ذلك قول الناس في مكة، إذ كانوا يقولون: لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر ؛ وهذا من اليأس الذي وصلوا إليه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين: عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب) فكان الصحابة يقولون: لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر !

    فالمسلم لا ييأس أبداً، فاحذر أن تيأس من هداية زوجتك أو ابنك أو ابنتك، ولتحذر المرأة أن تيأس من هداية أختها أو أخيها أو ابنها أو زوجها! فما زال الأمل موجوداً.

    قال عيسى: ما دامت فينا الروح فلن نيأس من هدايته بإذن الله. ورب عبد أخذه شيء من الكبر، فقال عابد بني إسرائيل: يا روح الله! لو هدى الله هذا ودخل الجنة لرفضت أن أدخلها، فقال الله: يا عيسى! أحبطت عمل هذا وتبت على هذا، فجاء الفاجر ليقبل يد عيسى ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

    فاحذر أن تتألى على الله، فإذا كان أخوك قد ظلمك فلا تقل: هذا لن يدخل الجنة! هل أنت رضوان حتى قرأت الأسماء؟ بل إن رضوان إلى هذا الوقت لم يقرأ الأسماء، فلا يجوز لك أن توزع وتقول: إن هذا من أهل الجنة وهذا من أهل النار حتى ولو كان كافراً، لكن لا بأس بالتعميم: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89] ألا لعنة الله على الفسقة، ألا لعنة الله على الفجرة، تعمم ولا تخصص أحداً باللعنة إلا من لعنه الله ورسوله، ورغم ذلك لا تجعل في ذهنك أنك وصلت وغيرك لم يصل، ولا تقل: إنني ملتحٍ فسأدخل الجنة وحالق اللحية في الهلاك؛ لأنك بهذا تتألى على الله.

    ويحكى أن توأماً في بني إسرائيل أحدهما ظل يعبد الله سبعين سنة، والآخر ظل يعصي الله سبعين سنة، فقال الفاجر في نفسه: سبعين سنة وأنا أعصي الله؟! سأذهب إلى أخي العابد لأقعد معه وأطلب منه أن يسامحني ويدعو لي، وأدخل لأعبد الله معه في صومعته فيما بقي من عمري، لكن الشيطان لم يدعه، بل لم يزل به حتى قال له: اذهب وهزئ أخاك، فذهب ورأى أخاه ساجداً فوضع رجله بحذائه على رقبته، فقال العابد: ارفع رجلك والله لن يغفر الله لك، فقال الله: من هذا المتألي عليّ؟ يا ملائكتي! قبلت هذا وأحبطت عمل هذا، فمات الفاجر على الإيمان، ومات العابد على الكفر؛ نسأل الله حسن الخاتمة.

    فسوء الخاتمة وحسنها بيد الله، لكن يجب عليك أن تُحسن عملك؛ لأن الطاعات ستجتمع على قلبك فتكون نهايتك سعيدة إن شاء الله، والمعاصي قد تغلب على الإنسان.

    وإياك أن تنظر إلى أخيك المسلم بنظرة كبر أو حقد أو حسد، ولا تنظر له نظرة علوية أبداً، ومن نظر إلى أخيه نظرة رحبة نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه فلن يعذبه يوم القيامة.

    ومن ضمن العبادات النظر إلى الكعبة والنظر في المصحف وفي السماء والنظر في وجه العالم الصالح، والنظر إلى وجه الوالدين، كأن تقعد وتنظر إلى والدتك بحنان وحب وتقول: بارك الله فيكِ يا أمي! فإنَّ أبا هريرة كان قبل أن يخرج يقول: السلام عليكِ يا أُم أبي هريرة ! جزاكِ الله عني خيراً كما ربيتني صغيراً، وتقول له: وعليك السلام يا بني! وجزاك عني خيراً كما بررتني كبيراً، فالود موجود بين الأم والابن، ودعاء الأم على ابنها مقبول. نسأل الله أن يرقق قلوب الأبناء والبنات على آبائهم وأمهاتهم.

    وراقب الله في خطواتك، فقد ثبت في الكتاب أن الأرجل ستشهد يوم القيامة وتقول: أنا ذهبت وأتيت؛ لأنك بالقدمين تسعى إلى كل خير، كذلك راقب الله في الخطرات واجعل هواك تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    من أسماء الجنة الجنة

    فأول اسم من أسماء الجنة كلمة الجنة، والجنة: ما يستتر أهلها بداخلها كالبستان، وسمي الجن جناً لأننا لا نراهم، وقال الله تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ [الأنعام:76] فقوله: (جن عليه الليل) يعني: ستره الليل، وذاك إنسان مجنون، أي: مستور العقل، ولذلك جيء برجل وقيل: يا رسول الله! هذا مجنون فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا: مجنون، وقولوا: مصاب، إنما المجنون من سُتر عن رحمة الله عز وجل) فالمجنون: هو المنحرف.

    من أسماء الجنة دار السلام

    كذلك تسمى بدار السلام، قال تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25] وذلك لقوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا [الواقعة:25-26] وللمؤمن في الجنة أربعة أبواب: باب يدخل عليه زوجاته من الحور العين، وباب يدخل عليه منه الغلمان والخدم، قال تعالى: إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا [الإنسان:19] ، وباب تدخل عليه منه الملائكة، وباب يدخل هو منه على الله عز وجل، فالملائكة تنادي، كما قال تعالى: يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، والغلمان يسلمون، والحور العين يسلمن، وأصحابه الذين كانوا في الدنيا يدخلون معه ويسلمون، ثم ينادي منادٍ من قبل العلي الأعلى: والآن يسلم عليكم ربكم سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58] فهذا السلام من الله عز وجل لعباده، إذ يقول الله لهم: سلام عليكم يا عبادي! إني أحللتكم دار المقامة من فضلي، وإني قد رضيت عنكم فهل رضيتم عني؟ فيقولون: يا رب! وكيف لا نرضى وقد أحللتنا دار المقامة من فضلك لا يمسنا فيها نصب ولا لغوب؟!

    فيقول: يا عبادي! ولدي المزيد.

    فيقولون: يا مولانا! وهل هناك مزيد أكثر من هذا؟

    فيقول: سوف أبيح لكم وجهي فتنظرون إليه بكرة وعشياً.

    قال سبحانه: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا [الواقعة:25-26].

    وقال سبحانه: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10] .

    المؤمن في الجنة يكون جالساً على أريكة: بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن:54] أي: حشوها حرير، والبطانة غير الظهارة، هذا هو شكلها من الداخل، فكيف يكون شكل خارجها؟ إن الذي يدخل الجنة له فيها ما يشاء، فلو رأى مثلاً كبشاً أقرن في الجنة فقال: لو أن هذا الكبش ينزل فآكله مشوياً فهناك كلمة لو قالها لوجد الكبش مشوياً على طبق، هذه الكلمة هي: (سبحانك اللهم) وليس هذا فقط، بل إن أنهار الجنة ليس لها حواف ولا شاطئ.

    وإن أي ملك من ملوك الجنة يقال له: السلام عليك أيها الملك! طوبى لك منزل الملوك عند ملك الملوك سبحانه، فأنت أيها المسلم! إذا اجتنبت ما حرم الله عليك في الدنيا، فاجتنبت الأكل في أواني الفضة والذهب، فسيعوضك الله خيراً منها في الجنة، قال تعالى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [البقرة:25] ، ففي الجنة أنهار من خمر لا غول فيها ولا تأثيم، لا تغتال العقول ولا تجعلك تنام، وأنهار من عسل مصفى، فعسل الدنيا مختلط بشمع النحل، أما عسل الآخرة فهو مصفى، لأن الله لم يأت به من النحل، وإنما أتى به من عنده هو.

    وفي الجنة كذلك أنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من ماء غير آسن فهي مياه جارية من أنهار متفجرة وعيون متفجرة، فإن أردت مثلاً عصير الرمان، وتقول: أنا أريد عين رمان، فما عليك إلا أن تقول: سبحانك اللهم وتضع يدك على أرض الجنة فيفجر الله لك عين رمان، قال تعالى: يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [الإنسان:6] لماذا؟ الجواب: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الإنسان:7-9].

    فإن أردت عصير تفاح وجدته، وإن أردت لبن عصفور وجدته، يقول الله تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الزمر:34] .

    ومعنى كلمة سلام: هو سكون النفس والطمأنينة، والذي لا يجد سلاماً نفسياً لا يستطيع أن يعيش مع الناس في سلام، والسلام يأتي من السكينة، ولذلك قال الله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21] فإذا كنت تعيش في سلام وامرأتك تعيش في سلام؛ فالبيت كله سيعيش في سلام، وإن كان جيراني يعيشون في سلام، فإن كل الحي يعيش في سلام، إذاً: كل أهل المدينة يعيشون في سلام وكل العالم الإسلامي يعيش في سلام.

    فإن كان بيتي لا يعيش في سلام ولا جاري ولا جار جاري، فإن المدينة كلها لا تعيش في سلام، فتجد الأخ يؤذي أخاه ويفتري عليه؛ لأنهم لا يعيشون في سلام؛ ومن ليس عنده سلام نفسي لا يستطيع أن يعيش؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه؛ ولذلك فإن الجماعات التي تعيش في صراعات نفسية تفتقد السلام النفسي.

    يحكى أن واحداً من كبار التابعين ذهب يزور أخاً له، فلما جاء إلى بيته قال: أين فلان؟ فقيل له: في بستانه، فاتجه إلى البستان فرأى أخاه تحت شجرة عنب، فرحب به وأعطاه عنقوداً مغسولاً وجعله في طبق، فأكل الضيف الأولى قبل أن تستوي فلم يمتنع من أكله حياءً، واستمر على ذلك ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع كان صاحب العنب قد سمع درساً يقول: إذا كنت صائماً صيام تطوع وزارك أخوك المسلم وجعلت له أكلاً فكل معه؛ لكي تدخل عليه السرور، فإدخال السرور على المسلم فرض وصومك سنة، والفرض مقدم على السنة.

    فأراد صاحب العنب أن يطبق الدرس فأكل أول واحدة من قطف العنب ولم يستطع تحملها، فقال لضيفه: وأنت تأكل من هذا منذ أن جئتني؟ قال: نعم، قال: لماذا لم تخبرني؟ قال: خفت أن يدخل في نفسك شيء، وتظن أنك قد آذيتني وما آذيتني؛ لأني قد صبرت على ما ابتليت به.

    من أسماء الجنة دار الخلد

    من أسماء الجنة: دار الخلد؛ لأن الذي يدخلها لا يخرج منها ولا يموت، قال تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [هود:107].

    وكان العرب عندما يتحدثون عن ديمومة شيء يقولون: ما دامت السماوات والأرض؛ لأن العربي نشأ بين السماء والأرض، ونحن في المدينة وللأسف نرى العمارة العالية والسقف القريب، لكن العربي نشأ في الصحراء فوجد السماء فوق، فكان ذلك دليلاً على تعبيره أن الأمر دائم، فيقول: ما دامت السماوات والأرض، قال تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:107] فهذا دليل على الاستمرارية، فهي دار الخلد.

    وفي الحديث: (يا أهل الجنة! خلود بلا موت، يا أهل النار! خلود بلا موت) لكن خلود أهل النار - والعياذ بالله - خلود آخر قال تعالى: لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا [طه:74] أما أهل الجنة فهو خالد حي لا يموت.

    من أسماء الجنة دار المقامة

    دار المقامة اسم من أسماء الجنة، قال تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر:34-35].

    والمقام: هو النزل، والنزل عند العرب: ما يعد للضيف.

    إذاً: دار المقامة أقام فيها خير قيام.

    وسميت دار المقامة؛ لأنه يقيم فيها ولا يسافر ولا يهاجر ولا يتركها، اللهم اجعلنا من أهل دار المقامة يا رب العالمين!

    قال تعالى: الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ [فاطر:35] أي: لا يمسنا فيها تعب الدنيا من مواصلات وأولاد وزوجات وجيران وغير ذلك، وكل هذا لا يأتيك، ولن تشعر بتعب أبداً ولا بكسل، ولا خمول ولا اكتئاب ولا حزن، ولا مني ولا بصاق ولا مخاط ولا آلام؛ إنما هو نعيم دائم وصحة دائمة وشباب دائم ونضرة دائمة وسرور دائم وفرح دائم ورضاً دائم.

    من أسماء الجنة جنة المأوى وجنات عدن

    من أسماء الجنة: جنة المأوى، يقال: أوى الإنسان إلى المكان أي: انضم إليه.

    ومن أسمائها كذلك جنات عدن، يقال: عدن الإنسان في المكان يعني: أقام، وكان العربي يقول: عدنت الإبل في مكان كذا، يعني: وقفت في مكان كذا، فاللغة العربية عجيبة فالعربي يقول: صامت الشمس في كبد السماء، وصامت الإبل يعني: توقفت، وصام الإنسان أي: توقف عن الطعام والشراب والمعاشرة، ومثلها جنات عدن، يقال: عدن الإنسان من مقامه أي: أقام فيه ولم يسافر ولم يتركه، قال تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ [مريم:61] أي: في الدنيا، إذ الجنة في الدنيا بالنسبة لك غيب، ولذلك قال الله تعالى في أول البقرة: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] .

    قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: والله لو كُشف الحجاب بيني وبين الله لما ازددت من الله قرباً.

    يروى أن سيدنا سعداً رضي الله عنه مر على سيدنا عثمان بن عفان ، فقال له: السلام عليك يا عثمان ! لكن عثمان لم يرد، فعاد فقال: السلام عليك يا عثمان ! فلم يرد، وكرر سعد السلام مرة ثالثة فلم يرد عثمان ، فمشى سعد متضايقاً واشتكى إلى رسول الله ما حصل من عثمان ، قال: يا رسول الله! مررت بـعثمان فسلمت عليه ثلاث مرات فلم يرد السلام! فلما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان عن ذلك، قال: يا رسول الله! ما سلّم عليّ.

    قال سعد : يا رسول الله! سلّمت عليه ثلاثاً.

    قال عثمان : والله ما سمعت.

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا سعد ! أنت صادق ويا عثمان ! أنت صادق) فتعجب الصحابة رضوان الله عليهم، كيف يكون كلاهما على صواب والأمران متضاربان، وأحدهما يحلف بالله أنه سلّم والثاني يحلف بالله أنه لم يسمع؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن سعداً سلمَّ على عثمان ، لكن عثمان لم يسمع؛ لأنه كان منشغلاً مع الله سبحانه، إذ كان يسبح الله ويذكره ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    يُذكر أن علياً رضي الله عنهما كان ماشياً فرأى أبا بكر آتياً فلم يسلم عليه، فذهب أبو بكر يشكو علياً للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لِم لم تُسلّم على أبي بكر يا علي ؟ قال: رأيت الليلة كأني أسير أنا وأبو بكر وعلى يميني قصر في الجنة، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقيل: لمن يبدأ صاحبه بالسلام، فسكت كي يبدأ أبو بكر بالسلام فيكون القصر له.

    وهذا الحديث في متنه وسنده ضعف، لكن يقال في فضائل الأعمال.

    وقد كان علي رضي الله عنه يعمل بأجرة عند امرأة يهودية ينزح لها ماء من بئر ويسقي لها أرضها، فأعطته ستة دراهم، فمر مسكين على علي رضي الله عنه فقال: أعطني مما أعطاك الله فأدخل علي رضي الله عنه يده في جيبه وأعطاه الستة دراهم.

    من أسماء الجنة دار الحيوان والفردوس وجنات النعيم

    من أسماء الجنة دار الحيوان، والحيوان في اللغة: الحياة الدائمة، قال تعالى: وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت:64].

    ومن أسمائها أيضاً: الفردوس، وهو أعلى شيء في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى) ، فإن الله عظيم وإذا سألت العظيم فاسأل عظيماً، فالسائل عندما يدخل على أحد كبار الأغنياء يقول له: أعطني لله ألف جنيه! وعندما يدخل على موظف صغير يقول له: أعطني ربع جنيه؟! فكل كيلة ولها كيّال.

    يحكى أن أعرابياً دخل على كسرى فقال كسرى: يا أعرابي! تمنَّ علي؛ فقال الأعرابي: أطلب ألف دينار، قال: أعطوه! فقيل له في ذلك، فقال: وهل هناك عدد أكثر من الألف؟!

    ومن أسماء الجنة جنات النعيم، قال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الحج:56] والنعيم: ضد البؤس، كمن -والعياذ بالله- يقرأ الكف والخط، وقراءتهما حرام فإن الذي يقرأ الخط والكف ونحو ذلك ويعملها وهو معتقد بها فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله، والذي يقرأها ويعملها بنية التسلية لا يتقبل الله له عملاً أربعين يوماً.

    فقد يأتي شخص ويقرأ خطاً لشخص آخر ويقول: ستكون عليك سنتان بؤساً، وهذا حرام لا يجوز.

    من أسماء الجنة المقام الأمين

    من أسماء الجنة المقام الأمين، فأنت في الدنيا لن تكون آمناً، إما أن تكون خائفاً من غدٍ أو متضايقاً من أمس؛ لكن في الجنة تأمن من تقلبات الأيام إذ لا توجد أيام.

    يروى أن أعرابياً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! أفي الجنة ليل؟

    قال: (وما الذي هيّجك على هذا؟) ، قال: يقول الله تعالى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم:62] .

    فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (بل يرون نوراً يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو) فلا عشي ولا ظلمة في الجنة إنما هو نور دائم، وفي الجنة ملائكة يدخلون عليك مرات عديدة في اليوم، مع أنه لا يوجد أيام هناك، لكن يدخلون عليك في الأوقات التي كنت تصلي فيها الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويأتونك بالهدايا من رب الهدايا؛ فانظر إلى ما كنت تهديه أنت إليه وما سوف يهديه هو إليك! فالهدية التي كنت تهديها له في الدنيا إن كانت ركعتين قد شككت فيهما؛ فانظر إلى ما سيعطيك الله مقابلها من هدايا يوم القيامة، سيعطيك هدايا لا تنقطع، وأعظم هدية أن يرضى عنك رب البرية سبحانه.

    المقام الأمين معناه: المكان الأمين، يقول الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ [الدخان:51] وقال: يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ [الدخان:55] ، فجمع لهم بذلك أمن الطعام وأمن المكان، وأعظم آية نزلت على أهل مكة وعلى المسلمين قول تعالى في سورة قريش: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:4] فقد أمّن الناس على بطنها.

    يحكى أن أستاذاً فاضلاً كبر في السن وأصيب بالشلل، ولم يجد أحداً يأخذه إلى المسجد فكان كل يوم حتى في يوم الجمعة يريد أن يعمل خيراً، فجاء بقمح وأقفل الشرفة وأخذ يشاهد العصافير وهي تأكل، وذات مرة رأى العصافير لم تنزل فاستغرب، فاكتشف أن باب الشرفة مفتوح شيئاً ما، فالعصافير أحست أنه يعطيها الحب مصيدةً منه وفخاً، فلما لم تأمن على نفسها لم تأكل.

    فلا بد أن تساعد في أمن الناس في أكلها ومعيشتها وحياتها، فإنه من روّع المؤمنين روّعه الله يوم القيامة، ومن أمّن المؤمنين أمّنه الله يوم القيامة؛ وقد ثبت في الأثر أن الصحابة أرادوا أن يمزحوا مع واحد منهم في إحدى الغزوات، فأخذوا منه السيف وهو نائم، فلما استيقظ فجأة خاف وارتاع فقال صلى الله عليه وسلم (من روّع أخاه روّعه الله يوم القيامة) ولذلك أوجه نصيحة وأقول: يا سائق السيارة! أياً كنت لا ترعب الناس الذين يمشون، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في صفات عباد الرحمن: يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63].

    من أسماء الجنة مقعد الصدق

    من أسماء الجنة وهو آخرها مقعد الصدق ومقام الصدق، قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].

    فكل مقعد دائم يسمى بمقعد الصدق، وكل مقعد زائل يسمى بالمقعد الكاذب.

    ويحرم على المسلم أن يشرب عند أخيه شيئاً ويقول: دائماً أو سفرة دائمة؛ لأن السفرة لن تدوم ولن يدوم صاحبها، قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27]، فيفنى القصر ولو بعد حين، ويموت صاحبه ولو بعد حين.

    يروى أن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وقف أمام المرآة فأعجب بنفسه وقال: نعم الملك لو كان دائماً بجانبه قهرمانه، أي: مدير مكتبه.

    قال له: يا أمير المؤمنين! تقول: نعم الملك لو كان دائماً، ولو كان دائماً لما وصل إليك، ولو دام لمن قبلنا لم يصل إلينا، ولو دام لنا لم يصل لمن بعدنا. فالمقعد الصدق هو المقعد الدائم الذي لا يزول بإذن الله رب العالمين.

    وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765795732