أما بعد:
لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى [وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه] وسعد بن معاذ أحد رجالات الإيمان، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد الأنصار، الذي لما توفي اهتز لوفاته عرش الرحمن فرحاً بروحه إلى الملكوت الأعلى، رضي الله عنه وأرضاه، وجعلنا من محبيه المترضين عليه.
قال: [بعد أن حكم سعد بن معاذ في بني قريظة] وحكّم سعداً في بني قريظة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حكم -كما علمتم- بحكم الله فيهم من فوق سبع سماوات، ووافق حكم سعد حكم الله عز وجل، وهذا هو التوفيق؛ توفيق الله لأوليائه.
وبنو قريظة هم الطائفة الأخيرة من اليهود بالمدينة، وعرفنا سابقاً أن بني قينقاع أول طائفة من اليهود أجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم لغدرهم ونكثهم العهد، التحقوا بأذرعات من الشام، والطائفة الثانية وهم بنو النضير في شرق المدينة، نقضوا العهد وخانوا وتآمروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله، فأجلاهم الله، قال تعالى: وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ [الحشر:3]، وزعيمهم هو حيي بن أخطب الذي حزب الأحزاب وألبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوجد مثل حيي إلى يوم القيامة في اليهود، من أهل المكر، والرغبة في سفك الدماء وإزهاق الأرواح.
إذاً: بعد أن حكم سعد بن معاذ في بني قريظة [بحكمه الذي وافق حكم الله تعالى وحكم رسوله عادوا به إلى خيمة رفيدة بالمسجد النبوي تعالجه وتشرف عليه رفيدة ] وكان قد أصيب في طريقه إلى الخندق بسهم في أكحله، ورفيدة رضي الله عنها كانت قد أقامت مصحة في المسجد، أو خيمة تعالج فيها الجرحى والمرضى في سبيل الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم وضع عندها سعداً ليقرب من زيارته، فلما جاء دور بني قريظة، وارتضى يهود بني قريظة بحكم سعد ، جيء به على حمار، وحكم بأن تسبى ذراريهم ونساءهم ويقتل رجالهم وكانوا قرابة السبعمائة؛ لأنهم خانوا وغدروا وأعلنوا حرباً ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الاتفاقية الرسمية التي وقعت بينه وبينهم يوم هاجر إلى المدينة.
[ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة، حيث تم قتل رجالهم وقسمت أموالهم ونساؤهم وذراريهم، وفي ذات ليلة انفجر عرق سعد الذي كان قد رقأ حتى أقر الله تعالى عينيه بهلاك بني قريظة -كما سأل ربه ذلك-] فهو لما أصيب بالسهم في يده سأل الله تعالى أن لا يتوفاه حتى يريه ما تقر به عينه في بني قريظة، لتألمه وتحسره على نقضهم العهد، واستجاب الله له.
[فأتى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل] وجبريل هو رسول الله إلى أنبيائه ورسله، وهو الذي يمثل السفارة الحقة بين الملك جل جلاله وبين أنبيائه ورسله، واليهود يقولون في جبريل: عدو بني إسرائيل، وعدو اليهود؛ لأنه يأمر بالحرب والقتال [وقال له: يا محمد! من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام صلى الله عليه وسلم سريعاً يجر رداءه إلى سعد ] أي: كان عجلاً فما ضم رداءه إليه، فبمجرد أن سمع الرسول صلى الله عليه وسلم الخبر من جبريل -وجبريل لم يعلم من هو، فلم يعلمه الله- توقع النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون سعداً ؛ لأنه جريح في المستشفى [ولحق به أبو بكر وعمر ، فوجده قد مات شهيداً متأثراً بجرحه الذي أصيب به في الخندق يوم أتى الخندق وهو ينشد:
لبث قليلاً يدرك الهيجا جمـل لا بأس بالموت إذا حان الأجل] كان يقول هذا وهو في طريقه إلى الخندق ليساهم ويشارك في قتال الأحزاب. ومعناه: أنه لا بأس بالموت إذا كان لله وفي سبيل الله. أما من يموت ظالماً طاغياً فاجراً كافراً فاسقاً، فما بالموت أبداً من خير؛ لأنه ينتقل إلى عالم الشقاء أبدياً.
ونلاحظ هنا الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما، اللذين ما بلغ أحد من الصحابة مستواهما في الفضل والكمال، أما أبو بكر الصديق فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( لو وضع إيمان الأمة كلها في كفة وإيمان
ولكن هل بلغكم أن مِمن ينتسبون إلى الإسلام يتقربون إلى الشيطان بسبهما وبغضهما وتكفيرهما؟! وليست أحداثاً أو أياماً مضت بل هي عقيدة مستمرة إلى اليوم، لماذا؟! آلله أوحى إليهم أن أبغضوا فلاناً وفلاناً؟ هل أوصاهم الرسول بهذا؟! كيف يتم هذا؟! والله لقد تم وهم يتقربون -في زعمهم- إلى الله ببغض الشيخين وتكفيرهما. وأقول هذا الكلام علَّ من يحضر أن يبلغه.
ثانياً: كيف تعيش وتدعي الإسلام وتريد الجنة دار السلام، ومواكبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وتعلم يقيناً أن المسلمين من أهل السنة يكفرونك، ويعلنون أنك كافر وترضى بذلك، وتأكل وتشرب وتنكح ولا تبالي؟!
إذاً: لست بمؤمن بالله ولا بلقائه. يجب أن تصرخ، أو تقع على الأرض صريعاً، كيف أعيش على الكفر وأنا أريد الله والدار الآخرة؟ ولكن لا سؤال ولا علم ولا بصيرة!!
وبالمناسبة عثرت اليوم على موقف لـأبي بكر وعمر وهي: أنه لما ولي أبو بكر الخلافة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى عمر قاضياً في المدينة، فجلس سنة كاملة ما تقاضى إليه اثنان، طوال سنة كاملة ما شكى أحدٌ آخر، فقال عمر: يا أبا بكر ! ما قيمة وظيفتي هذه؟ لقد مضت سنة فما اختصم إلي اثنان! -وهذا لأنهم مؤمنون إخوة، يحب بعضهم بعضاً، وينصر بعضهم بعضاً، ويرحم بعضهم بعضاً- وترك القضاء رضي الله عنه.
وهنا في المملكة في بداية حكم عبد العزيز تغمده الله برحمته -والكبار موجودون يشهدون- كان الشيخ محمد بن الطوخي قد تولى القضاء في محكمة المدينة -وقد أدركنا المحكمة والشيخ محمد رحمة الله عليه- فكان يدخل المحكمة يجلس ويجلس، فلا يأتيه أحد، فيخرج عند الباب ويقول: هل من متقاضٍ؟ فلا يجد أحداً، فيمشي إلى المسجد أو إلى بيته.
وتفسير هذه الظاهرة أن هناك مؤمنين صادقين في إيمانهم، عرفوا أخوة الإيمان ونصرة المؤمنين وولاءهم، وكيف لمؤمن أن يسلب حق مؤمن؟! كيف لمؤمن أن ينال من عرض مؤمن؟! كيف لمؤمن أن يدعي أو يكذب على مؤمن؟! كيف يتم هذا؟! لا يتم إلا في ظل ضعيف الإيمان.
والآن اسألوا القضاة والمحاكم عما فيها، ومعنى هذا أننا بعدنا عن ساحة الرضا، وأفنية كمال الإيمان؛ وعلة ذلك جهلنا وإقبالنا على أوساخ الدنيا وقاذوراتها، وأنسانا ذلك ربنا والوقوف بين يديه، واللقاء الذي يقضي فيه بيننا، فلهذا ننهش ونأكل ونعض ونشتم كالحيوانات إلا من رحم الله عز وجل.
قال: [قالت عائشة رضي الله عنها] وهي أمنا، ونحن نفاخر بذلك ونعلي أصواتنا به، فالله تعالى يقول: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، فأزواج رسول الله أمهاتنا معشر المؤمنين!
تسأل أحدهم: أمؤمن أنت؟! فيقول: نعم، ثم يسب أم المؤمنين أو يفتري عليها!! كيف تسب أمك! وتفتري عليها! وتنسبها إلى الفجور والزنا! هل أنت عاقل؟! لقد غرروا بنا وخدعونا، ولكن لماذا نبقى مخدوعين، لماذا لا نذهب إلى الشرق والغرب والشمال والجنوب لنسأل علماء هذه الملة، ونعتقد الحق ونتخلى عن الباطل؟! حجتهم: قال لي شيخي كذا ..!! فأنا لا أتراجع!
ولو فرضنا أنه لم يبلغك طوال حياتك أن هناك مسلماً يقول ببطلان عقيدتك أو أنك كافر بهذا الاعتقاد فأنت معذور، فما بالك إذا قال (75%) من المسلمين بأن عقيدتك باطلة، وأنت من أهل النار، كيف ترضى وتسكت؟ يجب أنت تبكي، وتمشي على رجليك لتسأل أهل العلم، وتصحح عقيدتك وما أنت عليه.
إنها أمور محزنة، وهي متجلية في المسلمين عامة، بل أكثر من هذا، إنا لله وإنا إليه راجعون! إن عائشة رضي الله عنها مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها، مستنداً إلى صدرها، تقول رضي الله عنها: ( مات رسول الله بين سحري ونحري )، كيف بعد ذلك يسبها ذو دين أو عقل أو مروءة؟!
قالت: [سمعت بكاء أبي بكر وعمر على سعد ] سمعت بأذنيها بكاء أبي بكر أبيها، وعمر رضي الله تعالى عنهما على سعد بن معاذ [إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يبكي على أحد] وهذا كمال، ولما قُدم إليه صلى الله عليه وسلم إبراهيم ابنه ابن مارية القبطية -وهو يرضع لم يكمل العامين بعد- وهو يجهش بروحه، استلمه بيديه ثم ذرف الدمع وقال: ( العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا
[ولكن إذا اشتد وجده أخذ بلحيته صلى الله عليه وسلم] إذا اشتد وجده الباطني وألمه النفسي، أخذ بلحيته، وهذه علامة حزنه وألمه.
أين لحاكم أيها الفحول؟! يا من تحبون رسول الله! وبماذا ستمسكون إذا لم يكن لكم لحى؟! توبوا إلى الله؛ لتنتهي هذه الفتنة، ولدينا شاهد آخر، فموسى عليه السلام أخذ بلحية أخيه هارون، قال تعالى حاكياً عنهما: لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [طه:94]، وموسى عليه السلام كان قوياً، ويكفيه أنه لكم قطبياً لكمة فمات على الفور، فلما استخلف هارون في بني إسرائيل بعد نجاتهم من فرعون ذهب إلى الله ليأتيهم بالدستور الإسلامي الذي يحكمهم به، وذلك في جبل الطور حيث ناداه ربه وناجاه قبل أن يدخل الديار المصرية ويحارب فرعون والمشركين، فقال: يا هارون ابق أنت مع بني إسرائيل، وأنا سأذهب إلى ربي، لآتيكم بالدستور الذي أحكمكم به، فلما رجع وجدهم قد عكفوا على العجل ففعل بهارون ما فعل -عليهما السلام أجمعين-.
وجملة (الدستور) شاء الله أن نكررها مئات المرات أيام استقلالات العرب، وكان كل أقليم إذا استقل عن فرنسا أو بريطانيا لا يأتي إلى السلطان عبد العزيز ويقول: أعطنا الدستور الذي تحكم به هذه المملكة التي سادها الأمن والطهر لنحكم به بلادنا. أما سمعتم القاضي في بلاد عبد العزيز يقول: هل من متقاضٍ؟!. والله إنا كنا نبيت وأبوابنا مفتوحة، بل نزلنا في بيوت بلا أبواب، ووالله! إن دكاكين الذهب والجواهر ليس عليها إلا خرقة فوقها، أقول هذا وستسألون عنه يوم القيامة.
لقد استقلت الأقاليم الكبيرة كباكستان أو الصغيرة كالكويت -مثلاً-، وكانت كلها تحت سلطان الكفر تطبق فيها شرائعه، ولما استقلت وانفصلت عن سلطة الكفر كان من المفروض والواجب العيني أن يأتي زعماؤها إلى السلطان عبد العزيز يقولون: استقبل إقليمنا أو بلدنا فابعث لنا بقضاة يطبقون الشريعة بيننا. ولو فعلوا هذا إلى آخر قطر استقل، لكانت الخلافة الإسلامية قائمة.
كان يجب على كل إقليم عندما يستقل -والله العظيم- أن يأتي أهله إلى إمام الحرمين مطبق الشريعة، ويقولون: ابعث لنا القضاة؛ حتى نطبق حكم الله، وهم يشاهدون آثاره أمناً وطهراً وسلاماً، فلا طائفية ولا حزبية ولا ولا .. أمة تعيش وكأنها في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يفعلوا، وكان كل إقليم يستقل يأتي بقوانين بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا ويحكمها في الناس، أيجوز هذا؟!
موسى عليه السلام ما إن استقل ببني إسرائيل واجتاز البحر ونزل على ساحله، حتى ذهب إلى الله ليأتيهم بالحكم الذي يحكمهم به، وهذه الكلمة كررناها وهي مسجلة في ديوان الملائكة، ويوم القيامة نسأل عنها.
إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نجملها فيما يأتي]
أول ضربة ضربوا الصليبيين المسيحيين بالبلشفة والشيوعية، وأحلف لكم بالله على ذلك، لقد كان المسيحي لا يستطيع أن يفتح عينيه في وجه يهودي من بغضه له، لأنه يرى أنه قتل إلهه، كان يقول: هذا قاتل إلهي!. أيقتل إلهه ثم ينظر إليه؟! ووالله! لقد ثبت أن النصارى كانوا يجمعون اليهود ويقلونهم في الزيت.
إذاً: كيف استطاع اليهود أن يوجهوا أوروبا وأمريكا توجيههم الخاص؟ بالمكر والكيد والخديعة.
إن ثلاثة أرباع الصليبيين أصبحوا لا يؤمنون بالله ولا بعيسى، فهم بلاشفة أو علمانيون يقولون: لا إله والحياة مادة، ولما انسلخوا من المسيحية ذات الرحمة والطهر أكبّوا على الزنا والفجور والربا والخديعة والغش؛ إذ ليس هناك من يخافونه أو يرهبونه، فهبطت المسيحية هبوطاً عجيباً، وانتقل ذلك إلى العالم الإسلامي، ومن أهبطنا من علياء السماء إلى الأرض إلا هم ومن تعاون معهم!!
وبنو قينقاع كشفوا سوءة مؤمنة في سوقهم، عندما جاءت تشتري من يهودي قطعة من الفضة أو تصوغها وهي متلثمة متعممة متحجبة، فبينما هي جالسة عمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها، فصاحت ووقعت على الأرض، فقام مسلم إلى اليهودي فقتله، وشد اليهود على المسلم فقتلوه.
إذاً: نقضوا عهدهم، ومن رحمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قبل فيهم شفاعة ابن أبي وأجلاهم إلى ديار الشام.
أما بنو النضير وهم أعلم وأقوى وأقدر، فقد ذهب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يطالبهم بالمشاركة في دية قتيل؛ لأن الاتفاقية تنص على هذا، إن التزم الرسول بديات فإنهم يساهمون فيها، وإن التزموا هم بديات ساهم الرسول معهم، وهذا شأن التعاون، فلما مشى إليهم أجلسوه تحت ظل جدار وقالوا: مرحباً وأبشر، ثم جاء الشيطان فوسوس لأحدهم وقال: الفرصة سانحة، وهذا هو اليوم الذي يمكن أن نتخلص فيه من محمد. كيف؟! قال: نأتي برحى فنلقيها على رأسه من السطح، وبذلك ننتهي من هذه المشكلة.
وعزموا على ذلك، وجاءوا بالرحى، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور، فأخذ رداءه ومشى، ثم لحق به أصحابه، ووصل إلى المدينة فأعلن الحرب بينه وبينهم؛ لأنهم نقضوا عهدهم، وحاصرهم برجاله ثم استسلموا وانقادوا ورضوا بحكم الله: أن يخرجوا إلى ديارهم، إلى الشام، وأخذوا أموالهم أيضاً، ومروا بخيبر ديار اليهود فبقي هناك حيي بن أخطب ليمكر مرة أخرى، وهو الذي ألب الأحزاب من بني غطفان وقريش وما إلى ذلك وجاء بهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بنو قريظة الغادرون الخائنون لما جاءت الأحزاب سكتوا، وما استطاعوا أن يقولوا شيئاً، وإن كانوا يتمنون أن ينهزم الرسول ويموت، فجاء حيي كعب بن الأشرف وحرضه على نقض عهد رسول الله معهم، المهم نقضوا العهد وأعلنوا الحرب مع الأحزاب، فلما غدروا ونقضوا حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يوماً، ثم نزلوا على حكم سعد ونفذ الرسول حكم الله فيهم.
إذاً: هذه فائدة عظيمة وهي: بيان وبال عاقبة الغدر والخيانة وأنه عائد على صاحبه.
قال: [وفي القرآن الكريم يقول تعالى: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح:10]] فمن غدر وخان وحل العقد (فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) أي: عاقبة ذلك الغدر والخيانة تعود عليه [ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43]] وهذه سنة الله في الأرض، أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله الماكرين، أما الممكور بهم ينجيهم الله عز وجل، وتجلى هذه في بني غدر بني قريظة عليهم لعائن الله، فقتل رجالهم، وسبي نساؤهم وذراريهم، وأخذت أموالهم كما تقدم.
قال: [وفضل أبي لبابة في صدق لجئه إلى ربه تعالى] ما إن عرف أنه أخطأ، وزلت قدمه، حتى هرع تائباً خائفاً، وهو قطعاً -والله الذي لا إله غيره- لا يريد إلا نصرة الرسول والمؤمنين، ولكن فقط العاطفة، فقد عاش مع هذه القبيلة وتعامل معهم، وقضية الموت صعبة، وقد عرف أنهم إذا رضوا بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم يقتلون، فأشار بيده هكذا، وما نطق، ومع هذا حصل الذي حصل.
فيا عبد الله! ويا أمة الله! اصدق واصدقي، تنجو وتنجي.
[و الزبير بن باطا ] وهذا يهودي عجب أيضاً، وكان قد تفضل على رجل من رجال المدينة في الجاهلية وهو ثابت بن قيس فأعتقه، فلما وقع الزبير بن باطا في القتل مع إخوانه جاء ثابت بن قيس يطلب من رسول الله أن يهب له هذا الرجل حتى لا يموت، فقال: ( هو لك ) فقال الزبير : كيف أحيا ولا مال لي ولا ولد ولا كذا .. المهم وهب له الرسول ماله ووهب له أهله. وأخيراً قال: ما قيمة الحياة إذا مات حيي وذكر بعض عظماء رجالاتهم، وقال اقتلني يا ثابت ، فقلته.
فهذا الزبير بن باطا عجب كتلك اليهودية، وهبت له حياته وأولاده وماله، ثم أسف كيف يعيش وقد مات رجال من بني قريظة، ورأى أن الموت خير له من الحياة، فألحق بالهالكين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر