أما بعد:
ها نحن في آخر أحداث السنة السابعة ومن آخر أحداثها: [سرية ابن أبي العوجاء ] وهي سرية بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين المجاورين لدعوتهم إلى الإسلام، فإن أبوا قاتلهم؛ عملاً بقول الله تعالى من سورة التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123] ينصرهم ويؤيدهم ويفتح عليهم.
وهذه الآية ثابتة راسخة لم تنسخ، ولا يتأتى أن نقول إنها نسخت أبداً؛ إذ سورة التوبة من آخر ما نزل وكلها أحداث جسام، وقد نفذ رسول الله هذا الأمر وقاتل من حوله -والدائرة تتسع- إلى أطراف الجزيرة حتى دخلت كلها في الإسلام، وقبضه الله إليه، ثم قام من بعده أصحابه بهذه الرسالة، فما هي إلا فترة لم تتجاوز الربع قرن حتى كان الإسلام في الأندلس ومن وراء نهر السند، عملاً بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة:123].
قال: [ولما رجع صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء -وذلك في شهر ذي الحجة-] تلك العمرة التي خرج فيها مع ألف وأربعمائة رجل ليعتمر، ومكة تحت سلطان قريش الكافرة، فلما انتهى به السير إلى مقربة من البلد الحرام، وعلمت قريش بخروجه صلى الله عليه وسلم ورجاله، جهزت جيشها وخرجت لاستقباله، لتمنعه من دخول مكة بدون رضاها، ثم تم صلح يسمى بصلح الحديبية ومن بنوده: أنه يأتي في العام المقبل يعتمر هو ورجاله، على أن تخلي لهم قريش مكة ثلاثة أيام، وتم هذا بالفعل، وأصبحت هذه العمرة تسمى بعمرة القضاء؛ إذ الأولى ما تمت وتحلل صلى الله عليه وسلم ورجاله بالذبح، وكل من أحرم بعمرة أو حج ولم يشترط، وحال بينه وبين الاعتمار أو الحج حائل -عجز- فإنه لا يتحلل إلا بذبح شاة، أو يشترك بسبع بعير أو بقرة، ومن عجز بالكلية صام عشرة أيام، وكانت هذه العمرة -عمرة القضية- في السنة السابعة.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب أنهم يغزون قريشاً ولا تغزوهم، فقال: ( الآن نغزوهم ولا يغزونا )؛ لأنهم حاصروا المدينة بجيوش جرارة من أسفل ومن فوق، ولكن الله ردهم خائبين بعد خمس وعشرين ليلة، فأرسل عليهم ريحاً اقتلعت الخيام ورمت بها في العراء، وأكفأت القدور، فعرفوا أنه لا محالة من الهرب، فأذن مؤذنهم -رضي الله عنه- أبو سفيان أن عودوا إلى دياركم، وبعد الكرب، والحزن، والألم، والجوع، والبرد الذي عانى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الآن نغزوهم ولا يغزونا ).
إذاً: [بعث سرية عليها ابن أبي العوجاء السلمي ] هذه السرية كانت في شهر ذي الحجة [في خمسين فارساً] على خيولهم [بعثهم إلى بني سليم، وكان لهم عين] أي: كان لبني سليم جاسوس بالمدينة، عرف أن السرية أُمرت بالخروج، فأرسل يُعلم إخوانه بذلك [فذهب إليهم فأخبرهم بقدوم السرية عليهم] يعني: انتبهوا يا بني قومي! سرية بكذا فارس قد أرسلت إليكم [لدعوتهم إلى الإسلام فتهيئوا للقتال، ودفع دعوة الإسلام، فلما انتهى إليهم رجال السرية] وهم خمسون فارساً [ودعوهم إلى الإسلام، رشقوهم بالنبل ولم يسمعوا قولهم] ما قبلوا الدعوة [وقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتم إليه، فرموهم ساعة، وجعلت الإمدادات تتلاحق] من المشركين [وتحدق بهم من كل جانب، وقاتل أفراد السرية قتالاً شديداً حتى قتل عامتهم، وأصيب أميرهم بجروح كثيرة إلا أنه تحامل حتى وصل المدينة مع من بقي معه من المسلمين] واستشهاد في سبيل الله خير من هذه الحياة الهابطة؛ لأنهم ذهبوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيّن عليهم قائداً وأميراً فقاتلوا حتى كتب الله لهم السعادة بالشهادة، فهنيئاً لهم.
[إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً هي:
أولاً: وجوب الدعوة إلى الله تعالى والتحمل والصبر في سبيلها] وجوب الدعوة إلى الله ليعبد وحده؛ فيسعد الناس بعبادته ويكملوا، وهذه هي أول النتائج: وجوب الدعوة إلى الله تعالى والتحمل والمرض والموت والصبر في سبيلها.
ولعل هناك من يقول: يا شيخ! لم لا يدعو المسلمون الآن إلى الله؟! ألأنهم لا يملكون الصواريخ والطائرات النفاثة والأجهزة العامة والخاصة، فهم عاجزون، لا يستطيعون أن يرسوا سفنهم الحربية على شاطئ من شواطئ البلاد الكافرة؟!
فأقول: إذاً: نبحث عن طريقة نستطيع بها أن نبلغ دعوة الله، ولعل هناك من يبلغ ما أقول، أو أنه ليس فينا من يبلغ؟! أو يقول: هذا الشيخ لا ندري كيف عقله؟! فأقول: والله الذي لا إله غيره ما زال هذا الوجوب قائماً إلى اليوم، ويجب على المسلمين أن يدعوا إلى الله، ليؤمن به ويُعبد، فيظفر الإنسان في الدنيا ويسعد في الآخرة، وإنما الذي أريد أن يبلغ العلماء والحكام هو:
أن الله -والحمد لله- فتح علينا العالم بأسره، فوالله ما نحن في حاجة إلى طائرات قتال، ولا إلى سفن حربية، أبداً.. فالعالم مفتوح بين أيدينا، من فتحه؟ الله بسننه وتدبيره في خلقه، فأمريكا الجبارة في شمالها وجنوبها المآذن ترفع الأذان، والجيوش الأمريكية لا يوجد جيش إلا وفيه مسلم يؤذن ويصلي.. وبريطانيا شبه إسلامية، وفرنسا فيها ثلاثة آلاف مسجد، وألمانيا ذات المخ العظيم فيها عشرات المساجد.. إذاً: لسنا في حاجة أبداً إلى أن نغزوا، فقد فتح الله الديار أمامنا.
الطريق -وبلغوا إن استطعتم- أنه يجب حتماً علينا معاشر المسلمين أن نكوّن لجنة عليا للدعوة الإسلامية، يشارك فيها كل إقليم من أقاليم المسلمين، وكل قطر من أقطارهم، وكل دولة من دولهم، صغيرة أو كبيرة، غنية أو فقيرة؛ حتى تكون الأمة كلها قد شاركت وأسهمت في ذلك الخير، هذه اللجنة وليكن مقرها المدينة النبوية -وهي مقر الخلافة الإسلامية- تبعث برجالها من أهل الخبرة إلى اليابان، وإلى الصين، وإلى شرق أوروبا، وإلى غربها، وإلى أمريكا وإلى كل مكان .. وتطلب منهم أن يقوّموا ويعرفوا الجماعات الإسلامية في تلك البلاد: أعدادها ومساجدها، ومدارسها، ومراكزها، ثم يأتون ويضعون خريطة أمام اللجنة العليا، يقولون: إن اليابان فيها كذا مسجداً، والصين فيها كذا، وكذا فيه كذا..
ومن ثم تقوم اللجنة التي يشارك فيها كل مؤمن بدرهم أو دينار سنوياً أو شهرياً، وتكون لها خزانة مالية لا نظير لها؛ إذ شارك فيها ألف مليون مسلم، وفي سرّية كاملة، ونحن الآن نتكلم بأعلى أصواتنا؛ لأننا لا نخاف أن يعلم العدو عنا شيئاً، لكن عندما تبتدئ اللجنة تعمل في الظلام؛ حتى لا ينزعج الشرق ولا الغرب، ولا يلوي أحد رأسه.
فإذا عرفت اللجنة العليا هذه الإحصائيات بدأت بإرسال علماء ربانيين إلى كل بلد من تلك البلاد حسب عدد مساجدها ومراكزها، وتقوم بتجهيز تلك المراكز وإعدادها، وتهيئتها للدعوة، وتبعث بالكتاب الموحِد الذي لا يفرق بين المسلمين، حتى تصبح تلك الجماعات على قلب رجل واحد، فلا مذهبية، ولا طائفية، ولا فرقة أبداً، ولكن قال الله وقال رسوله، واللجنة العليا هي التي تزود تلك الجماعات بالكتاب الرباني الجامع غير المفرق، الهادي غير الضال.. وتنفق الأموال على إنشاء المساجد وتوسعتها، وتأخذ في تهذيب تلك الجماعات، فتصبح الجماعة الإسلامية كأنها أنوار في الصدق، والولاء لله والرسول، والحب، والتعاون، والطهر، والصفاء، والأخلاق الفاضلة، والآداب السامية ..
والله لا يمضي ربع قرن إلا تضاعف عدد المسلمين؛ لأن الناس يدخلون في الإسلام إذا شاهدوا الإسلام الحقيقي كيف هو، ليس فيه أبداً خداع، ولا غش، ولا كذب، ولا فساد، ولا خبث، وينجذبون حسب سنة الله عز وجل، ولو يستمر هذا الوضع فيمكن بين وقت وآخر أن نسمع أن الدولة الفلانية أصبحت دولة إسلامية، وحكمها مسلم.. وهكذا.
هذا الواجب أوجبه الله تعالى بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة:123] ونحن نقاتلهم؛ ليفتحوا لنا الباب لندخل ونعلّم، لا لنقتلهم، ولا لنسلب أموالهم؛ إذ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلوا بحدود دولة يراسلون أهلها: هل تدخلون في الإسلام؟ فإن قالوا: نعم، هنئوهم ودخلوا وعلّموهم، وإن قالوا: لا، نبقى على ديننا، قالوا: أفسحوا لنا المجال نعلم إخوانكم، فإن قالوا: تفضلوا، دخلوا في ذمتنا ونعلمهم، ولا قتال إلا إذا رفضوا الإسلام وقبول الدعوة، والآن الدعوة ليست مرفوضة أبداً، بل مقبولة في كل جانب.
[ثانياً: خطر العيون والجواسيس أيام الحروب] أما إذا ليس ثمة حرب والبلاد في سلم فلا يضر وجودهم، لكن خطرهم إذا كانت الحرب معلنة، والقتال دائر [ووجوب الحذر منهم] كل مؤمن يفتح عينيه ويتفطن، فلولا العين التي رأت الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل ما كان ليتحمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الهزيمة.
[ثالثاً: بيان شجاعة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر أهل الإيمان وعظيم صبرهم وتحملهم].
من أهم الأحداث والوقائع عدا الغزوات والسرايا التي كانت في سنة سبع من الهجرة ما يلي:
تدبير من هذا؟ تدبير الله، ولا يقدر عليه إلا هو، وميمونة بنت الحارث هي خالة عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
ونذكر في هذه الحادثة شيئاً يذكرنا برحمة الرسول صلى الله عليه وسلم: فعندما وضع الطفل بين يديه وهو يلفظ أنفاسه دمعت عينه، وقال: ( العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب تبارك وتعالى )، وإبراهيم الآن عند جده إبراهيم عليه السلام، كما أن كل من مات من أطفال المسلمين عنده.
قال: [أحداث السنة الثامنة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
ودخلت السنة الثامنة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وكان أول أحداثها:
قال: [وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي الكلبي إلى بني الملوح، فلقيه في مسيره الحارث بن البرصاء الليثي ] والأبرص المصاب بالبرص [فأخذه أسيراً] أخذه القائد أسيراً [فقال: إنما جئت لأسلم] أراد أن يخرج من الأسر فقال: إنما جئت لأسلم [فقال له غالب : إن كنت صادقاً فلن يضرك رباط ليلة] يعني: إذا كنت صادقاً في أنك جئت لتسلم فلا تتألم، ولتبق مربوطاً عندنا ليلة [وإن كنت كاذباً استوثقنا منك. ووكل به بعض أصحابه] قال: راقبوه هو عندكم الليلة [وقال له] للوكيل [إن نازعك فخذ رأسه] أي: إذا أراد أن يقاتلك فاقتله [وأمره بالمقام إلى أن يعود، ثم ساروا] وتركوه [حتى أتوا بطن الكديد فنزلوا بعد العصر، وأرسلوا جندب بن مكيث الجهني ربيئة لهم] والربيئة: الطليعة من الجيش؛ يكشف لهم عن أحوال المشركين.
[قال: فقصدت تلاً هناك] التلّ: الجبل الصغير، وقصده ليكتشف ما هي المنطقة، وما فيها [يطلعني على الحاضر] في المنطقة [فانبطحت عليه] على ذلك التل [فرآني رجل منبطحاً، فأخذ قوسه وسهمين، فرماني بأحدهما فوضعه في جنبي، فنزعته ولم أتحرك] يعني: باق على الأرض [ثم رماني بالسهم الثاني فوضعه في رأس منكبي، فنزعته ولم أتحرك، فقال الرامي: أما والله لقد خالطه سهماي، ولو كان ربيئة لتحرك] يعني: لو كان بعثه قومه ليطلع علينا لكان قد تحرك.
قال: [فأمهلناهم حتى راحت مواشيهم واحتلبوا، فشننا عليهم الغارة، فقتلنا منهم واستقنا منهم النعم، ورجعنا سراعاً، وأتى صريخ القوم، فجاءنا ما لا قبل لنا به، حتى إذا لم يكن بيننا إلا بطن الوادي من قديد، بعث الله من حيث شاء سحاباً ما رأينا قبل ذلك مطراً مثله، فجاء الوادي بما لا يقدر أحد أن يجوزه، فلقد رأيتهم ينظرون إلينا ما يقدر أحد أن يتقدم.
وكان شعارنا في هذه السرية: أمت أمت، وكنا بضعة عشر رجلاً].
وهنا لطيفة وهي: أن هذا المشرك حلف بالله، فقال: والله لقد خالطه سهماي! وكثير من المسلمين اليوم لا يحلفون بالله، ما السبب؟ كانت العرب لها صلة بإسماعيل باني البيت مع إبراهيم عليهما السلام، فما زالوا يعرفون الله ويؤمنون به رباً وإلهاً، وإنما دخل عليهم الشرك بدعاته، ومنهم: عمرو بن لحي الذي أتى بالأصنام من الشام، فبقوا على ذلك يحلفون بالله عز وجل، أما اليوم فقد أفسد العدو على المسلمين قلوبهم، وجعلهم يعبدون الأولياء بدل الله عز وجل، فلهذا يذبحون الذبائح وينذرون النذور، ويحلفون بسيدي فلان وفلان، وقد قلت غير ما مرة حادثة لا تنسى وهي:
لما أصبح أهل بعض المناطق لا يثقون باليمين بالله، تجد أحدهم يسرق شاتك ويحلف بالله سبعين مرة أنه ما سرقها ولا يبالي! فماذا يصنع القاضي في المنطقة؟ أصبح القاضي يستحلفهم بالأولياء، لا يحلفهم بالله، فيأتي ويقول: قُل: وحق سيدي فلان سبع مرات ما أخذت كذا .. فيخاف ولا يفعل، أما إذا قال له: احلف بالله، فإنه يحلف سبعين مرة، ولا يبالي.
ومن العجائب: أن أحدهم لما خاصم أخاه، وانتصر عليه؛ لأنه حلف بالباطل وأعطاه القاضي حقه، قال له: امش واحلف عند السيد فلان، فمشى معه، فلما أدخل رأسه في كوة الضريح ليحلف أخرج أخوه عصا وضربه على رأسه، وتركه يتشحط في دمه وراح، فلما سألوه ما وقع: قال: ضربه سيدي فلان؛ لأنه حلف به كاذباً!!
أولاً: بيان إنفاذ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ربه عز وجل في إبلاغ دعوته بلا كلل ولا ملل ولا فتور] أي: تعب، أما قال له: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94] فنفذ الرسول الكريم أمر ربه في هذا.
[ثانياً: بيان الصبر والتحمل في ذات الله عز وجل وأنه شعار المؤمنين الصادقين] أما صبر أولئك الغزاة أصحاب السرايا، وتعرضوا للعذاب والموت والقتال؟!
[ثالثاً: مشروعية الغزو في سبيل الله ليُعبد الله وحده، فيكمل الناس ويسعدوا على عبادته تعالى] ولا ننسى عندما نسأل: لم خلقنا الله عز وجل، ولم خلق هذه الحياة لنا؟ فنقول في الجواب: خلق هذه الحياة لنا من أجلنا حتى نتمكن من أن نعبده، فنحقق الهدف الرئيسي وهو عبادة الله عز وجل، ولا ننسى قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] إذاً: ومع حكمة عبادة الله، هل الله في حاجة إليها، ليعظم سلطانه بها؟ لا؛ لقد كان الله ولم يكن شيء قبله.
إذاً: الحكمة من عبادة العباد لربهم أن يكملوا ويسعدوا عليها، وليس وراء هذا شيء، فقد خلقهم لعبادته وجعل تلك العبادة تثمر لهم زكاة نفوسهم وطهارة أرواحهم، فالذين عبدوه بتلك العبادة الشرعية السليمة الصحيحة زكت نفوسهم وطابت وطهرت، ومن مات منهم أخذت روحه وألقيت في عالم الشهادة في جنات عدن، ومن رفض العبادة خبثت نفسه، وتدست، وتلوثت، وما هو بأهل للسماء والملكوت الأعلى، إذاً يُذهب به إلى أسفل سافلين، إلى سجين، حيث تحبس هناك روحه، فإذا انتهت هذه الدورة من الحياة الأولى، خلق الله الأجسام من جديد ودخلت الأرواح في أجسادها المعدة لها، ثم يساقون إلى المحشر فيحشرون، ثم يجري الحساب الدقيق، ويتم بموجبه الجزاء: إما إلى دار النعيم، وإما إلى دار الجحيم.
[رابعاً: بيان إكرام الله تعالى لأوليائه بإنجائهم بالمطر والسيول وبما شاء من أسباب] كيف عرفنا هذا؟ ومن أين أخذناه؟ لما اجتمع المشركون على سرية غالب الكلبي، وجاءوا من كل حدب وصوب، وأوشكوا أن يصلوا إليهم، أرسل الله مطراً سال به الوادي بسرعة، فوقفوا دون ذلك، وما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً، وأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
سرية شجاع
وبعث صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى بني عامر في أربعة عشر رجلاً] فقط [فأصابوا نعماً] والنعم: الإبل والبقر والغنم [فكان سهم كل واحد منهم خمسة عشر بعيراً] والباقي للدولة، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41]، الخمس للرسول يوزعه على الفقراء والمساكين، والآخرون كل يأخذ نصيبه، فكان نصيب كل واحد من أولئك خمسة عشر بعيراً.
سرية عمرو بن كعب
وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن كعب الغفاري إلى ذات الأطلاع في خمسة عشر رجلاً، فوجد بها جمعاً كثيراً] من الناس [فدعاهم] عمرو [إلى الإسلام فأبوا أن يجيبوا، وقتلوا أصحاب عمرو ولم ينج إلا هو، وكانت ذات الأطلاع هذه من ناحية الشام -وهم من قضاعة- ورئيسهم يقال له سدوس ].
معاشر المستمعين أعيد القول: المسلمون مسئولون عن كفر الكافرين، وشرك المشركين، وظلم الظالمين، وفسق الفاسقين، فهم أولياء الله، وأولئك عبيده في حاجة إلى من يهديهم، وإلى من يربيهم، وإلى من يقودهم إلى شاطئ السلامة، وإلى حياة الطهر، والعدل، والرحمة، والإخاء، ومن يقوم بهذا سواهم: اليهود أو النصارى؟ المجوس أو الروس؟ الجواب: والله لا أحد إلا نحن المسلمون، فهيا بنا نفعل.
ولا أعجب أن نجد في يوم من الأيام دولة تعلن عن دخولها في الإسلام، وذلك إذا شاهدت تلك الرحمة والأنوار الإلهية في تلك الأمة، هذا هو الواجب، أما أن ننتظر حتى نوجد الخلافة الإسلامية فهذا الرأي باطل باطل باطل، من يوجدها؟ وكيف توجد؟ إلا إذا كان المهدي وقامت القيامة!
وهذه الكلمة لو بيننا كتاب في الجرائد عليهم أن يكتبوها -وإن كان البعض يضحك أو يسخر- حتى يُسمع ويُقرأ هذا الكلام: يجب أن توجد لجنة عليا يساهم فيها العالم الإسلامي، تدرس حال الجاليات الإسلامية في العالم كله، في أوروبا وأمريكا والشرق، وتعرف حاجات هذه الجاليات، وتمدها بالعالم الرباني، وبالكتاب الذي لا يفرّق، وترعاها وتهذبها، فما هي إلا سنيات والإسلام يزدهر في تلك البلاد، ونكون قد أدينا واجبك يا ربنا، واجب الدعوة إلى الله، وخلفناك يا رسول الله، وقمنا بما كنت تقوم به.
اللهم يا رب العالمين، ويا أرحم الراحمين وفق علماء المسلمين وحكامهم ليأخذوا بهذا الطريق يا رب العالمين، اللهم إن قلوبهم بيديك، وبين أصابعك يا رحمن، اللهم قلبها لتجتمع على ذكرك وطاعتك وعبادتك وحدك يا حي يا قيوم، وتخرج هذه اللجنة في العالم الجديد تدعو إلى الله، وتنشر راية لا إله إلا الله محمداً رسول الله. اللهم يسر هذا ووفقهم إليه.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر