وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
وها نحن مع سورة الجاثية، وهي من آل حم المكيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [الجاثية:16-20].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [الجاثية:16] من المخبر بهذا الخبر؟ هذا هو الله جل جلاله وعظم سلطانه منزل القرآن وباعث النبي الحبيب نبياً ورسولاً للأميين.
يخبر تعالى بهذا الخبر ليتعظ مشركو مكة وكفارها، ليعلموا أن الله بعث قبل نبيه رسلاً، ونبأ أنبياء وأنزل كتباً وأكرم الذين قاموا بالكتاب وأدوا ما وجب عليهم وأسعدهم في الدنيا والآخرة، موعظة لعلهم يتعظون، فقص هذه القصص عليهم؛ إذ السورة مكية والآيات نزلت بمكة، فأخبر تعالى بهذا الخبر العظيم.
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [الجاثية:16] من هم بنو إسرائيل؟ هم أولاد يعقوب الذي يلقب بإسرائيل -ومعناه: عبد الله- ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، يعقوب هو إسرائيل، وأبوه إسحاق وأبو إسحاق إبراهيم، ويعقوب هو أبو يوسف والأنبياء من بعده.
فبنو إسرائيل آتاهم الله تعالى الكتاب، والمراد به التوراة الحاوية للشريعة بما فيها من أحكام وشرائع وقوانين.
وَالْحُكْمَ [الجاثية:16] أي: وأحكام الشرع، بيان الحلال والحرام والواجب والمكروه، وما هي الحقوق التي تؤدى لله وتؤدى لعباده.
وَالنُّبُوَّةَ [الجاثية:16] إذ عامة الأنبياء كانوا من أولاد إسرائيل، كموسى، هارون، داود، سليمان.. إلى عيسى عليه السلام كلهم من بني إسرائيل.
فهذه منة الله وهذا فضله وعطاؤه على بني إسرائيل: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ [الجاثية:16] العظيم التوراة، وَالْحُكْمَ [الجاثية:16] أي: الشريعة، وَالنُّبُوَّةَ [الجاثية:16] أي: النبوات، وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [الجاثية:16] ومن بين ذلك المن والسلوى أيام كانوا تائهين في صحراء ما بين مصر وفلسطين، والمن شيء ينزل من السماء يؤخذ ويؤكل، والسلوى طائر عجيب كالحمام يأكلونه، وغير ذلك من أنواع الأطعمة والأشربة، وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [الجاثية:16] أي: عالمي زمانهم، الذين كانوا حولهم في الشرق والغرب في الجنوب والشمال من الأمم كانوا هم أفضلهم، كانوا هم أفضل تلك الأمم؛ لأن منهم الأنبياء ومن بينهم الرسل، ويعبدون الله ويطبقون شرع الله عز وجل، فكانوا مفضلين، والذي فضلهم هو الله عز وجل، وهذا خبره: وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [الجاثية:16] لا العالمين مطلقاً، لا بد أن تقول: عالمي زمانهم الذين كانوا فيه، أيام كانوا مع داود وسليمان وفلان وفلان، لا بعد أن هبطوا.
الحسد له دخل في هذا الباب، والثاني رغبتهم في أن يحكموا العالم ويسودوه، ما يريدون أن يدخلوا في الإسلام فيذوبوا بين المسلمين، فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [الجاثية:17] والبغي هو الظلم والحسد والعياذ بالله تعالى.
ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الجاثية:17] فيعذب الكفرة والمجرمين والظالمين، ويرحم المؤمنين والمستقيمين والصالحين؛ إذ فيهم من آمن وسلم وسعد من الناس، ومنهم من بقي على كفره وشركه وظلمه كما هم الآن.
إِنَّ رَبَّكَ [الجاثية:18] يا رسولنا يَقْضِي [الجاثية:18] يحكم بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الجاثية:18] في ساحة فصل القضاء، فيدخل أهل الإيمان وصالح الأعمال الجنة، ويدخل أهل الشرك والظلم والكفر والعياذ بالله، هذا حكم الله عز وجل يوم القيامة.
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ [الجاثية:18] يا رسولنا صلى الله عليه وسلم عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ [الجاثية:18] أي: من أمرنا ألا وهو الدين الإسلامي، فاتبع هذه الملة، فاتبع هذه الشريعة، وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] إذ كان المشركون في مكة يعرضون عليه عروضاً: قل معنا كذا نقل معك كذا، اتبعنا في كذا نتبعك في كذا، كانوا يعرضون عليه، واليهود كذلك عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً، فالله قال له: فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18].
فَاتَّبِعْهَا [الجاثية:18] هي وحدها، وهي الشريعة الإسلامية، وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ [الجاثية:18] وأطماع الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] إذ لا علم لهم ولكن يقولون بالهوى وما تهواه النفوس وتشتهيه بلا علم، كيف تتبعهم وتمشي معهم؟ أو توافقهم على أدنى شيء، فلا موافقة أبداً بينك وبينهم؛ لأنهم أولاً لا يعلمون، ثم إن الشهوات والأهواء هي التي تقودهم.
وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] والتعليل: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الجاثية:19] لو اجتمعوا كلهم على أن يدفعوا عنك عذاب الله فوالله! ما يستطيعون ولا يقدرون، إذاً: فخف الله واتقه، والزم شريعته ولا تبال بهؤلاء أصحاب الأهواء والضلال والجهل، إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً إذا أراده بك، إذاً: فالزم طريقة الله واثبت عليها، ولا تلتفت إلى ما يقولون ولا تستجب لهم أبداً.
وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الجاثية:19] فلا تنخدع بهم ولا تغتر بهم ولا تستجب لهم أبداً مهما كانت حالهم، وأنت وليك الله: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19]، إذاً: الظالمون وإن كثروا وإن ملئوا الأرض وهم متعاونون على القبح والشر والفساد، فالله عز وجل من والاه فإنه سينصره عليهم، والله! لا يسلطهم عليه أبداً، بل ينصره عليهم وإن كانوا ملايين، وفعل ذلك، أما نصر رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على العالم بأسره؟
هكذا يقول تعالى وقوله الحق: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الجاثية:19] دائماً وأبداً متعاونون على الشر والفساد؛ لأنهم ظلمة، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19] فأنت يا عبد الله لا توال الظالمين الذين بعضهم أولياء بعض، وعليك بولاية الله عز وجل فهو ولي المتقين.
أولاً: نعلم ما هي محاب الله في الاعتقادات، في الأقوال، في الأفعال، في الصفات، في الذوات، لا بد من العلم، فإذا عرفنا ما يحب الله أحببناه وأطعناه وفعلنا، ونتعلم ما يكره الله من الاعتقادات الفاسدة، والأقوال الباطلة، والأعمال السيئة ونتركها خوفاً من الله، وبذلك تتم ولاية الله، وقد بين تعالى هذا في سورة يونس إذ قال وقوله الحق: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] أبداً، والله! لا في الدنيا ولا في الآخرة، من ثبتت ولايته لله لا يخاف في الدنيا ولا يحزن، ولا في البرزخ ولا يوم القيامة، هذا خبر الله وهو صادق، ولي الله ما يخاف ولا يحزن أبداً، ومن هم يا رب أولياؤك؟
أجاب تعالى بنفسه قائلاً: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] الذين آمنوا الإيمان الذي أمر الله به وبينه رسوله بأركانه الستة، هذا الإيمان وهو التصديق الجازم معه اليقين الثابت، ثم بعد ذلك يعيش طول حياته يتقي الله عز وجل بأن يفعل ما أمره بفعله وأن يترك ما نهاه عن فعله، يقول ما أمره بقوله ويترك ما نهاه عن قوله، وهكذا، هؤلاء هم أولياء الله، اللهم اجعلنا منهم.. اللهم اجعلنا منهم.
هكذا يقول تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19] فالكفار والظلمة بعضهم أولياء بعض، والمؤمنون من وليهم؟ الله عز وجل.
إذاً: ولاية الله تعدل ولاية أمريكا والصين واليابان والدنيا كلها، لو والى المسلمون ربهم موالاة حقة فآمنوا واتقوا ؛ فوالله! عز وجل لينصرنهم على العالم بأسره، ولا يبالون بأمريكا ولا باليابان ولا بالصين، ولا بالغرب ولا الشرق، من كان الله وليه أولاً: وَاللَّهُ وَلِيُّ [الجاثية:19] من؟ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19] لا ولي بني فلان ولا فلان، كل متق هو لله ولي.
أقول: كيف نتقي الله؟
الجواب: أولاً: أن نعرف ما يحب الله، وكيف نعرف ذلك؟ نسأل أهل العلم، نقرأ كتاب الله تعالى، نقرأ سنة رسوله حتى نعرف محاب الله من الاعتقاد والقول والعمل والصفة والذات، ذوات يحبها الله فنحبها، ذوات يكرهها الله فنكرهها، والصفات كذلك.
ونعلم أيضاً ما يكره الله من الاعتقاد والقول والعمل والصفة والذات، ونتجنب ذلك، وبذلك تتحقق ولاية الله، أما مع الجهل والخلط والخبط فستفعل ما يكره الله وتترك ما يحب الله، فوالله! لا ولاية تصح بغير ذلك أبداً.
وبشرى ثانية لكن عند سكرات الموت، ما إن تمتد على سرير الموت إلا وموكب من الملائكة كالأقمار في أنوارهم يأتون إليك ويسلمون عليك ليأخذوا روحك ويبشروك ببشرى من الله عز وجل؛ إذ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] أي: آمنوا واستقاموا، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] ما لهم؟ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] أفواجاً ومواكب، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] ماذا يقولون لهم؟ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32] ضيافة من الله، فقولوا: اللهم اجعلنا منهم، فهيا نعمل على أن نكون منهم، وماذا نعمل؟
الجواب: نعرف ما يحب الله ونفعله، نعرف ما يكره الله ونتركه، نجاهد شهواتنا وأهواءنا، نجاهد الشياطين التي حولنا؛ حتى نتمكن من تحقيق هذه الولاية.
يوم يكون في إيمانه موقناً، لا شك فيه ولا ارتياب، ليس مجرد إيمان، هذا خبر عظيم، فالقرآن الكريم بصائر وهدى ورحمة، لكن لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [الجاثية:20] إيمانهم استوى وعلا فأصبح يقيناً فوق درجة الإيمان، هؤلاء هم أصحاب البصائر، يعرفون الخير والشر والحق والباطل معرفة كاملة، لهذه البصائر التي أخذوها من القرآن الكريم. فاللهم اجعلنا منهم.. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: بيان أن كفر أهل الكتاب كان حسداً للنبي صلى الله عليه وسلم وقومه من العرب ].
من هداية هذه الآيات التي تدارسناها: أن كفر اليهود بالإسلام هو حسدهم للعرب، لم يكون منهم نبي ورسول؟ هذه واحدة، والثانية ما ننساها؛ لأنهم يعملون على أن يسودوا العالم وعلى أن تعود دولة سليمان التي حكمت العالم لهم، وبذلك هم يحاربون الدنيا كلها من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وآية ذلك أنهم أسسوا دولة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي، فهل كانوا سحرة؟ كيف وصلوا إلى هذا؟
فلهذا يعرفون أن محمداً رسول الله، وأن الإسلام دين الله، وأن سعادة الآخرة متوقفة على الإسلام، ومع هذا آثروا الدنيا على الآخرة إلى الآن.
[ ثانياً: بيان إفضال الله تعالى على بني إسرائيل حيث أعطاهم الكتاب والحكم والنبوة ].
بيان إفضال الله وإنعامه وإحسانه على بني إسرائيل؛ لأنهم من إسرائيل؟ هذا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، هؤلاء أرباب التوحيد أولياء الله العابدون الذاكرون الشاكرون أفضل خلق الله في ذلك الزمان، فلهذا أكرمهم وأعطاهم وأحسن إليهم، وأيما مؤمنون أيما محسنون أيما صالحون ينزل عليهم رحماته ويعطيهم الكمالات في دنياهم وأخراهم، فضل الله موجود.
[ ثالثاً: تقرير البعث والجزاء والنبوة والتوحيد ].
من هداية هذه الآيات: تقرير عقيدة البعث والجزاء والحساب، والتوحيد كذلك، وهذه قاعدة عامة في السور المكية كلها، السور المكية مهمتها إيجاد عقيدة سليمة صحيحة تقوم على مبدأ التوحيد والنبوة المحمدية والبعث الآخر.
[ رابعاً: وجوب لزوم تطبيق الشريعة الإسلامية وعدم التنازل عن شيء منها ].
نقول: أين المسلمون؟ وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، وعدم التنازل عن شيء منها وإن قل، تطبق كما هي من الصلاة إلى الزكاة إلى الرباط إلى الجهاد إلى الأمر بالمعروف إلى النهي عن المنكر.. إلى كل العبادات كما هي، ولا نتنازل عن شيء منها أبداً، هذه هداية الآية، ماذا قال تعالى؟ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:18-19].
والآن نقول: ما المانع أن يجتمع حكام وعلماء مسلمين في الروضة الشريفة، فبالطائرات في يوم واحد يحضرون من كل الشرق والغرب، ويبايعون إماماً لهم، ويطالبون بدستور، ويصبح كل إقليم وكل دولة فيها وال عام، وإمامهم واحد، ويطبقون شرع الله، في أربعين يوماً فقط إذا بالدنيا كلها أنوار، فيمحى الخبث والشر والفساد، وتخضع الدنيا لهم، فما المانع؟
المانع فقط أننا لا نريد ألا نشرب الخمر، ولا نأكل الربا ولا نزني ولا نفجر، ولا نريد أن نصلي ونصوم، هذه هي الموانع النفسية الشيطانية الإبليسية.
[ خامساً: تقرير ولاية الله تعالى لأهل الإيمان به وتقواه بفعل محابه وترك مساخطه ].
من هداية هذه الآيات: تقرير ولاية الله لعباده المؤمنين الذين يحبون ما يحب الله ويكرهون ما يكره الله، ولاية الله دلت عليها آية وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19].
[ سادساً: بيان أن القرآن كتاب هداية وإصلاح، ولا يتم شيء من هداية الناس وإصلاحهم إلا عليه ].
إي والله، بيان أن القرآن كتاب هداية ورحمة وإصلاح، ووالله! لا تتم الهداية ولا الرحمة ولا الصلاح إلا عليه، فمهما بعد عنه الناس وأعرضوا لن يصلحوا، لن يكملوا، لن يسعدوا أبداً، وإن طبق في قرية من القرى في إقليم من الأقاليم، في دولة من الدول سعدوا وكملوا وطابوا وطهروا إذا طبقوا القرآن الكريم؛ لأن الله جعله هكذا كالماء يروي، والطعام يشبع، الحديد يقطع، النار تحرق، فالقرآن يهدي لا تتخلف هدايته، على شرط الإيمان به وتطبيقه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر