أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن سورتنا الليلة لسورة مباركة ميمونة، إنها سورة البلد، ومع هذه الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على دراستها وتفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.
قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا * أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد:1-20].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه سورة البلد ذات العشرين آية، وهي مكية. وقد عرفتم عن المكيات أنهن يعالجن العقيدة.
والسورة مفتتحة بقول الله: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1]، وهذه اللام مزيدة لتقوية الكلام. والأصل: أقسم بهذا البلد.
ومن المقسم؟ من الحالف؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه، هو الذي حلف.
بم حلف؟ حلف بمكة، بهذا البلد الأمين، مكة بلد الله، أم القرى.
وهذا دليل على شرف هذا البلد، وعلو مكانته، وسمو درجته، نسبه الله إليه، إنه بلد الله، وفيه بيت الله، وهو حرم الله، فلهذا الحلف به إعلام وإشعار بعلو منزلته.
إذاً: الذي يدخل منكم مكة ينبغي أن ينفعل انفعالاً خاصاً؛ حتى لا يكون كداخل القاهرة أو داخل باريس أو دمشق أو الرياض؛ ليعرف دخل بلد من؟ لا بد من وجود انفعال باطني وتغير نفسي للفرق بين من يدخل مدينة من مدن العالم وبين من يدخل مكة بلد الله عز وجل.
ومن لم يستطع أن يتقي الله فيها فليرحل، لا يدخلها، وائتسوا بـابن عمر رضي الله عنهما كان يضرب فسطاطين، خيمتين أخرى في الحل وأخرى في الحرم، إذا أراد أن يأكل ويشرب نزل في خيمة الحل، وإذا أراد أن يعبد الله نزل في خيمة الحرم، فهي بلد الله، أقسم الله بها: لا أُقْسِمُ [البلد:1] أي: أقسم بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1].
الجواب: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحال: أنك حل بهذا البلد، أقسم بمكة وأنت فيها، وحلال تقاتل وتقتل، وفي هذا إيذان، إشعار، إعلام، إخطار بأن الرسول سيدخل مكة غازياً، وسيفتحها الله عليه، وسيقاتل فيها ويقتل، وقد قتل ابن الأخطل وهو متعلق بأستار الكعبة، فلتذكر هذا قريش.
وهذا إعلام بأن الله ناصر رسوله، وأنه سيحل له البلد الحرام، وقد قاتل وأعلن: مكة حرام منذ أن خلق الله الكون، وستبقى حرمتها إلى يوم القيامة، ( وقد أحلها الله لي ساعة من نهار ثم عادت حرمتها إلى يوم الدين )، إذ دخل وعلى رأسه المغفر صلى الله عليه وسلم.
إذاً: هذا إعلام يحمل بشرى، أقسم الله بمكة والرسول حلال فيها، حل بمعنى حلال له يقاتل فيها ويقتل المشركين.
وقد عرفتم أن من فضل الله علينا أنه يحلف لنا، يحلف من أجلنا حتى نطمئن إلى صدق الخبر، وتطمئن النفس إليه، وننفعل به ونعمل بمقتضاه، أما هو فليس في حاجة إلى أن يحلف، ولكن نحن المحتاجون إلى اليمين لتسكن نفوسنا إلى ما نسمع لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ [البلد:1-3].
ثم من مشقة إلى مشقة يكابد الأكل، يكابد الشرب، كيف يحصل على الأكل والشرب، يكابد التغوط، التبرز، يكابد كذا.. الأمراض، الفتن، العلل.
إلى متى؟ إلى أن يستقر قراره، فإن دخل دار السلام فحينئذٍ قل له: نم فأنت في سلام، أو يلقى في أتون الجحيم ويخلد في العذاب أبداً.
وإن قلت: لم يفعل الله هذا؟ نقول: إياك أن تعترض على الله؛ فإنه عليم حكيم، كل أفعاله، كل أعماله قائمة على أساس الحكمة.
إذاً: آمنا بالله، وتهيأنا للأتعاب والمشاق، فلا راحة فيها، وما على ظهرها مستريح أبداً، فصل وأنت تضحك إذاً، صم وأنت تبتسم، وجاهد وأنت تضحك، ولا تفهم أن هناك راحة. إذاً: اعمل الليل والنهار، وطن نفسك على هذا تستريح.
أما إذا كنت تكرب، تتألم، حط، ارفع، خذ، كذا، دائماً في كرب فلن تنتهي مشاقك وتكاليفك، فمن الخير أن تسلم، فلهذا قال بعضهم: السعادة في الدنيا أن تعتقد ألا سعادة فيها. السعادة في السماء، في الملكوت الأعلى مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
أما كان رسول الله يجوع؟ أما كان يمرض؟ أما كان يصاب بالحمى ويوعك الوعك الشديد؟ أما انحشر في غار؟ أما جرح؟ أما كسر؟ أما؟ أما.. جحشته فرسه وطاح على ظهره؟
من الليلة تبيتون مستريحين، أنت تعمل وأنت تبتسم، لا كرب ولا حزن ولا ولا.. لا راحة فيها، قم صل طول الليل لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4].
هذا أنفق ماله ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كانوا ينفقون الأموال في استخدام المغنيات.. القينات، ويدعون الناس إلى الأغاني؛ حتى لا يحضروا الدرس المحمدي، ويعطون المال لمن يتبجح ويشتم ويسب ويهزأ.
المهم هذا المخلوق، هذا المعتوه تبجح، وقال: أنفقت مالاً لبداً في سبيل إنهاء الدعوة الإسلامية، ويوجد هذا النوع إلى الآن، ينفقون بالملايين حتى لا يرتفع للإسلام صوت ولا صياح.
إذاً: فالله تعالى يوبخه، يؤنبه، يسجل عليه جريمته: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا [البلد:5-6] والمال اللبد: الكثير الذي بعضه فوق بعض.
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا [البلد:8-9] تهرف به وتنطق وتتكلم؟ من جعل لك اللسان؟
وَشَفَتَيْنِ [البلد:9] لو ما جعل له الشفتين بقي فاه مفتوحاً وأسنانه مكشوفة، فكيف يكون حاله؟ يدخل الذباب في فمه.
وأيضاً: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] إن شئت قل: ما إن خرج من بطن أمه حتى عرف ثدي أمه؛ لأن النجد هو المرتفع من الأرض، والثديان مرتفعان.
من ألهمه أن يرضع اللبن فما إن يخرج من بطن أمه حتى يلتقم حلمة الثدي؟!
من هداه لهذا؟ الله. ولولا أن الله هداه لهذا والله ما تعرف على أمه وما علم أن لها ثدياً فيه لبناً وأنه غذاء لولدها، وكذا أمه لولا أن الله هداها ما تعرف أبداً ، يوجد ثدي وكذا ولكنها لا تدري لم، والله هو الهادي.
إذاً: الآية تتضمن معنيين صحيحين، هداه النجدين: أي: طريق الحق والباطل، الخير والشر.
وهداه أيضاً الثديين ليرضع ويتقوت. هذه منن الله تعالى على الإنسان الكافر والمؤمن على حد سواء.
لكن إذا استطاع أن يجتازها نعم يرفع رأسه.
فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ [البلد:11-12]، أتدرون ما العقبة؟ جهنم.
هل استطاع أن يخلص من عذاب الله؟!
إذا جاءته ضمانة أنه ناج من النار ولن يدخلها، وأنه من أهل الجنة فله أن يتبجح، لكن وما زال ما عرف بعد أناج هو أم خاسر فكيف يضحك أو يبتسم؟ كيف يلهو أو يلعب؟ كيف يتآمر على الحق وأهله؟
فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [البلد:11] فـ(لا) هنا بمعنى: هلا.
ثم بين وأعلن عن شأنها: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ [البلد:12] وبين الطرق إلى الخلاص منها؛ لأن الكتاب كتاب هداية وتربية إلهية.
أي: أتدرون بم تجتاز العقبة؟ وما هي الطاقة التي تستطيع أن تجتاز بها هذه العقبة وتنتهي إلى دار السلام، دار السعادة والاستقرار؟
يدعوه إلى أن يرجع إلى الصواب!
فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [البلد:13-14] هل أطعم الطعام في أيام المجاعة، في المخمصة والشدة، عندما يوجد الفقراء يموتون جوعاً، ويتهالكون عطشاً ومرضاً، هل أنفق مالاً عليهم؟ هذا إذا أنفق يرفع رأسه: نعم. فقد شق طريقه إلى الجنة بصالحاته وأعماله.
هذا هل أنفق ماله على هذا النوع من الناس؟ الجواب: ما فعل. إذاً: لم يتبجح ويقول: أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا [البلد:6]؟
إذاً: كيف يتبجح؟ بأي شيء؟ ماذا قدم لنفسه؟
وقوله: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البلد:17] أي: من المؤمنين، إذ الأعمال الصالحة، الصدقات، الإنفاق، العلاج، ما تفعله الجمعيات المسيحية كل ذلك باطل، فلا بد من الإيمان أولاً.
إذا كان المرء الآدمي غير مؤمن بالله ولقائه، بالله ورسوله، بالله ودينه وشرعه فالأعمال الصالحة التي يقوم بها كعتق الرقاب، كإطعام الطعام، كالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، كل ذلك لا يجديه نفعاً، فلا بد من شرط الإيمان.
إذاً: اعلموا أن الأعمال الصالحة قد يثاب فاعلها في الدنيا، ويبارك الله له في ماله أو في جهده وطاقته، وأما أن يثاب على ذلك بدخول الجنة فهيهات هيهات! إذ أعماله باطلة، والإيمان شرط في صحة الأعمال وقبولها.
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البلد:17] عتق الرقاب، إطعام الطعام، فعل كل الصالحات بدون الإيمان لا ينفع.
وفي الآيات الكريمة الكثير: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البينة:7]، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ [طه:112]، الشرط أنه مؤمن.
إذاً: قال تعالى: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [البلد:17] أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على البلاء.. على الشدائد.. على الفقر.. على المرض.. على الحرب.. على الجهاد.. على التكاليف، لا بد وأن يتواصى المؤمنون بالصبر وإلا انهاروا وانهزموا وسقطوا واحداً بعد واحد.
من شأن المؤمنين الفائزين: أنهم يعيشون على التواصي بالصبر، يرى أخاه مريضاً فيوصيه بالصبر! فقيراً فيوصيه بالصبر! جائعاً فيوصيه بالصبر! وهكذا.. حتى لا يخرج عن دائرة إيمانه بربه، فيبقى صابراً، قانتاً، مخبتاً، مطيعاً لله كيفما كانت الأحوال والظروف.
وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد:17] أي: بأن يوصي بعضهم بعضاً برحمة المؤمنين الفقراء والمساكين، المحاويج، اليتامى، أبناء السبيل، المساكين.. هذا شعارهم: التواصي بالحق للثبات عليه، والتواصي بالمرحمة من أجل الإنفاق في سبيل الله، فمجتمع لا يرحم بعضه بعضاً لا خير فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث يقول: ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )، ويقول: ( الراحمون يرحمهم الله ). ويقول: ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله )، كما في أحاديث صحاح كثيرة.
إذاً: التواصي بالرحمة الفقير يوصي الغني، والغني يوصي الغني، وهكذا حتى لا يهلك بينهم مؤمن لمرضه أو فقره أو عنائه وتعبه، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد:17].
أُوْلَئِكَ [البلد:18] الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد:18]، أي: أهلها.
ما المراد من الميمنة؟ اليمين. يقابل اليمين ماذا؟ الشمال.. اليسار.
وهنا أعيد إلى أذهان السامعين: أن من عجائب القرآن -وعجائبه لا تنقضي- قبل أن تعرف الدنيا اليمين واليسار، السياسي العقائدي المذهبي، جاء القرآن ببيان اليمين واليسار، ما كانوا يعرفون اليمين واليسار، فصنعه لهم خنزير الشيوعية وقدمه لهم فأصبحوا يمينيين ويساريين، قبل هذا الكفار كانوا يأكلون بشمائلهم وبيسارهم، والمؤمنون هم أصحاب اليمين، فسبق القرآن بهذه الحقيقة، وما زال إلى الآن أحزاب يسارية تسمعون بها، وما يستحون. المهم يقول: أنا حزب يسار، ما عرف، لو عرف الله وآمن ما يقول هذا الكلام، نحن يمينيون في كل شيء، حتى في رجلك إذا أردت أن تنتعل قدم اليمنى قبل اليسرى، إذا أردت أن تخلع نعلك اخلع اليمنى قبل اليسرى، إذا أردت أن تدخل المسجد قدم اليمنى، أردت أن تأكل، تشرب، تركب دائماً اليمين، وفي اليمن بركة وفي اليسار بركة -والعياذ بالله- شؤماً.
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد:18] من هم أصحاب الميمنة؟ سمعتم ما قال تعالى لهم: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:27-38].
قولوا: اللهم اجعلنا منهم.
والمقربون أفضل من أصحاب اليمين، المقربون أعظم شأناً، تقدم لنا أنهم يشربون الرحيق مختوماً خالصاً، وأصحاب اليمين يشربونه ممزوجاً.
إذاً: اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين في الدنيا والآخرة، فلا يراكم الله يساريين، ولا اشتراكيين، ولا شيوعيين، ولا علمانيين، ولكن مسلمين موقنين.
الكفر بالآيات يستلزم أن الكافر بها لا يقول بها لا في عبادة ولا في قانون ولا شرع ولا أدب ولا خلق، وهذا معنى الكفران الحقيقي.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ [البلد:19] لا سواهم أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ [البلد:19]، والمشأمة ضد الميمنة، المشأمة الشمال، الحزب اليساري انتصر، الحزب اليساري كذا.. وما يستحي يقول: أنا شيوعي، ويدخل المسجد يصلي!
مساكين ما عرفوا الطريق إلى الله! ما سألوا أهل العلم!
أصحاب الشؤم هم الشماليون، وأصحاب المشأمة هم اليساريون.
لا أدري في هذه الأيام هل بقي أحزاب يسارية في العرب؟! أظن أنها انتهت أو أن لها بقايا وذيولاً وستنقطع إن شاء الله، عجل الله بقطعها.
عليهم نار مغلقة الأبواب مؤصدة، لا كوة ولا نافذة ولا باب، حتى إذا سيقوا إلى النار يجدون الأبواب مغلقة، فإذا وصلوها حينئذٍ تفتح؛ لتبقى الحرارة دائماً في ازدياد، بعكس أهل الجنة يجدون الأبواب مفتحة، واقرءوا لذلك خاتمة سورة الزمر: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:71] ما كانت مفتوحة.
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:73] من قبل.
إذاً: كلمة النار يا معاشر المستمعين! نار، لو ما عندنا هذه النار التي نستعملها في حاجاتنا لكنا نندهش، ما النار هذه؟ ما عرفنا النار، فأبى الله إلا أن يخلقها فينا وبيننا، ويوجدها حتى في العشب والنبات والشجر.
من ينكر النار؟ موجودة.
هذا البلد يا عبد الله! لما تدخله ادخله متطامناً، متواضعاً، مخبتاً، ليناً، وإياك أن تفكر مجرد تفكير في السوء، واقرءوا: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25].
احترموه، وإذا كنت لا تستطيع أن تعبد الله فيه فارحل، والمدينة كمكة أيضاً، لا يصح هنا الأغاني واللهو والباطل أبداً، إذا كان إبراهيم قد حرم مكة، فرسول الله قد حرم المدينة وقال: ( يا رب! إن إبراهيم قد حرم مكة وأنا أحرم المدينة، ما بين لابتيها حرام )، فلهذا اسمعوا! لا تفتح استديو للتصوير، انتبه! لا تفتح معرضاً لأزياء النساء وتدخل أنت كالطامة والحية ويدخل عليك النساء ويكشفن وجوههن لك وعليك!
انتبه! لا تفتح صالون حلاقة وتحلق وجوه الرجال!
لا تفتح دكاناً تبيع الفيديو وأفلام الخلاعة والدعارة!
ويلك يا عبد الله! قد تحترق. لا تفتح زاوية لنشر التيجانية والعثمانية والرحمانية كما يبلغنا!
انتبه! يا ويلك إذا كنت لا تستطيع أن تتقي الله فارحل قبل أن تحترق.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( المدينة حرام من عائر إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ).
إذاً: نبهوا الذين ينفقون أموالهم لإثارة الفتن وإيجاد المصائب بين المسلمين، فهم ينفقون أموالهم وستكون حسرة عليهم، وإن اعتزوا بقواهم فسيكونون كـذي الأشدين أسيد بن كلدة أنفق الآلاف وتبجح، فأدبه الله بهذا التأديب: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ [البلد:7-9] كيف يتبجح ويقول: أنفقت مالي في إبطال دعوة الحق وإفساد الإسلام وأهله؟
وسورة البلد تبين لنا كيف نجتاز العقبة، كيف نجتاز النار وندخل الجنة، فإننا واردون لا محالة، قال تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71].
كيف تجتاز النار يا عبد الله؟ بين تعالى لك الطريق، إيمان وتواصي بالحق وتواصي بالمرحمة، إنفاق في سبيل الله، إعتاق الرقاب، إطعام الفقراء والمساكين. هذا الذي به تجتاز هذه العقبة وتنجو من عذاب الله، أما الأغاني والنوم والعبث واللهو والباطل فلن ينجيك من عذاب الله يا عبد الله.
فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد:13-18].
أما أهل الكفر والفسق والفجور والظلم فهم أصحاب المشأمة عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد:20]، والعياذ بالله تعالى.
هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم دائماً بما نقول ونسمع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر