www.islamweb.net/ar/

المستقبل لهذا الدين للشيخ :

  • التفريغ النصي الكامل
  • يواجه المسلمون اليوم حرباً شعواء على دينهم في أطراف الأرض، وهذه هي سنة الله تعالى في هذا الوجود، إلا أنه تعالى قد جعل للمسلمين ما يخفف عنهم وطأة هذه البلوى، فهناك نصوص عظيمة تحمل البشارات إليهم بتحقيق موعود الله في التمكين لدينه، وهي كثيرة متنوعة، تجمع كلها على أن العاقبة للمتقين، وفي ثناياها شروط هذه العاقبة المباركة، وهي الإيمان والعمل الصالح وتحقيق الولاء والبراء، وبغير ذلك لن يجني أهل الإسلام ثمرة هذا النصر المرتقب العظيم.

    بشارة الله بنصر المؤمنين

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد:

    فامتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى الذي أمر به موسى صلى الله وعليه وآله وسلم حين كثر أذى فرعون وقومه لموسى ومن معه فقال عز وجل: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس:87] هذا الأمر من الله وهو قوله تعالى (وبشر المؤمنين) وبشر المؤمنين امتثالاً له نذكر ما وعد الله عز وجل به هذه الأمة من الرفعة والسناء والتمكين في هذه الأرض، وأن الله عز وجل سيورثها هذه الأرض بقدرته وهو العزيز الحكيم، وهو العزيز الرحيم، وهو القوي المتين، ولا حول ولا قوة إلا به، فهو العزيز المقتدر يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، بيده الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أمره سبحانه وتعالى في ملكه نافذ، لا يحتاج إلى تثنية وتكرار وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50] فهو أسرع مما يتصور الناس وإنه عز وجل قد وعد هذه الأمة وعوداً وبشرها ببشارات لم تكن لأمة قبلها، فرسولها هو البشير النذير محمد صلى الله عليه وسلم أرسله ربه َمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:46].

    فعندما تشتد الظلمات، وعندما تجتمع القوات، وعندما تحيط بالمسلمين الأحزاب والأجناس نستبشر بأمر الله سبحانه وتعالى ونستيقن بوعده، فإن ذلك من أعظم أسباب النصر والفرج والتمكين بإذن الله، قال عز وجل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، وأمر الله عز وجل بتبشير المؤمنين نابع من اليقين بوعده حتى تستيقن القلوب وتستبشر، إذ إن أشد ظلمات الليل ما يكون قبل الفجر، والله سبحانه وتعالى جعل المبشرات من كلامه سبحانه عز وجل وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87].

    وهو سبحانه جعل المبشرات كذلك بأن المستقبل لهذا الدين من كلام نبيه الكريم صلى الله وعليه وآله وسلم، وجعل الله سبحانه وتعالى أكثر هذه المبشرات عندما يزداد الظلم على أمة الإسلام، وعندما يطغى العدو الطغيان البالغ، كما قال سبحانه وتعالى: وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:127-129].

    فالله سبحانه وتعالى عندما جعل هذه البشارة من موسى عليه الصلاة والسلام لقومه في صيغة العموم لم يجعلها قاصرة على زمنه ومكانه وقومه، بل قال: إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [الأعراف:128].

    وهذا عموم لا يقبل التخصيص لزمن أو لأمة من الأمم، لا يمكن أن يكون خاصاً بوقت دون وقت، بل في كل اللحظات في كل العصور الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعبرة بمشيئته عز وجل وأمره النافذ.

    (والعاقبة للمتقين)، وهي إشارة من موسى صلى الله عليه وسلم بل وأمر لكي يحققوا التقوى، وأن يكثروا من القرب من الله عز وجل، وأن يتقوا مساخطه وما يغضبه، ومن أعظم ما يغضبه سبحانه وتعالى موالاة الكافرين، والدوران في فلكهم، والرضا بكفرهم، والخضوع لما يطلبونه من الباطل والعياذ بالله.

    محاولة الكفار القضاء على دين الإسلام

    قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:25-28].

    فهذا موجب لحبوط العمل، وهو طاعة الكافرين الذين يكرهون ما أنزل الله في بعض الأمر قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118].

    وصدق الله عز وجل، فقد بدت البغضاء من أفواه القوم للإسلام بدت في فلتات ألسنتهم، وهم يحاولون إزالتها بكل طريق، ولكن ما تخفي صدورهم أكبر، ولو حلفوا ألف يمين أنهم يحبون الإسلام، وأنهم لا يريدون به بأساً لكفانا ما في كتاب الله سبحانه وتعالى عما في قلوبهم، وهو عز وجل العليم الحكيم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، يعلم سبحانه وتعالى ما تكنه صدورهم وما يعلنون.

    فهو الذي أخبرنا عما في إرادتهم من إطفاء نور الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:30-33].

    فالله سبحانه وتعالى بين ما في قلوبهم من إرادة فاسدة نجسة خبيثة لإطفاء نور الله، ولكنه بين عجزهم التام عن ذلك؛ فإنه كما لا يمكن أن تطفئ الأفواه نور الشمس فأولى بها ألا تطفئ نور الله عز وجل، فهذا الدين يحتاجه الناس أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، بل أشد من الهواء والماء والنفس الذي يتنفسونه، فهم يحتاجون إلى الدين لحياة قلوبهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.

    وإن الشقاء الذي في العالم اليوم إنما حدث بسبب الفساد الذي ظهر في البر والبحر لما ظهر أهل الكفر والنفاق على المشارق والمغارب، فملئوا الدنيا فساداً وطاعة للشيطان تخالف ما جاءت به رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولو انتسب بعضهم إلى بعض الرسل، فهم في حقيقة الأمر مكذبون بهم، وهم أعداء لهم، إذ خالفوا ما جاءوا به من توحيد الله سبحانه وتعالى وتصديق كل رسول يأتي بعدهم خاصة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهم يكذبونه ويعادونه، ويعادون أولياءه.

    وقد جعل الله سبحانه وتعالى من المبشرات أنه أبى أن ينطفئ هذا النور، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32]، وهذا من أعظم البشارات، فالكافرون يكرهون ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وهذه صفة فعلية، حيث يأبى الله إلا أن يتم نوره، ومن يقف بإرادته أمام إرادة الله؟!

    والله سبحانه وتعالى نافذ أمره وحده لا شريك له، ولا قوة إلا به عز وجل، قال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [التوبة:33] أي: والدين الحق، لا هدى خلاف هذا الدين، ولا حق سواه، فالإسلام هو الحق، لا دين عند الله عز وجل غيره، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وقال عز وجل: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

    دين الله منصور لا محالة

    دين الله عز وجل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو المنصور، ولا يمكن أن يظهر في نهاية المطاف وفي عاقبة الأمر دين غيره، فالذي يظهر هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو منهج الجماعة، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأي بدعة أو انحراف أو تبديل للدين لن يكون له الظهور بإذن الله، وأي محاولة لتشويه صورة الإسلام، أو لإقناع المسلمين بترك بعض هذا الدين، أو أن يؤمنوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعض لكي يوافقوا أغراض الكفرة والمنافقين، ويتركوا التزامهم بما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ أي محاولة لذلك لن تفلح، قال تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد:1] فعملهم في ضلال، وهذه مبشرة من المبشرات، فلا بد من أن يخطئ الهدف ذلك الذي ضل وتصور تصوراً باطلاً مخالفاً للحقيقة ومخالفاً لما يوجبه الله عز وجل، فالله أضل أعمالهم، وجعل سعيهم في ضلال، وجعلهم يقصدون أهدافاً فلا تحقق، ويتصورون موازين معينة بالقوة والبقاء فلا تقوم هذه الموازين ولا تنطبق، وتتغير بقدرة الله سبحانه وتعالى.

    محاربة الكفار للمسلمين لانتسابهم للإسلام

    لقد جرب أعداء الإسلام مرات عديدة وحاولوا أن يمحوا اسم الإسلام بالكلية، وكم من مرات قتلوا فيها من المسلمين، الملايين لمجرد انتسابهم فقط إلى هذا الدين، وربما كان بعضهم لا يعلمون منه إلا كلمة (لا إله إلا الله)، ولقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (يأتي على الناس زمان لا يدرون ما صوم ولا صلاة ولا صدقة، ولكن أقوام يقولون: لا إله إلا الله، وجدنا آباءنا على هذه الكلمة فنحن نقولها).

    ولقد أخبرني بعض إخواننا الذين ذهبوا إلى كثير من الشعوب المسلمة التي رزحت تحت الاحتلال الشيوعي الكافر سنيناً طوالاً أنه سأل صبيان المسلمين الذين لا يعرفون إلا اسم الإسلام، ولا يعرفون إلا كلمة التوحيد، سألهم: من نبيكم؟ فقالوا: المسيح! فهم لا يعرفون نبيهم محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم!

    وأخبرني رجل ذهب إلى هناك أن امرأة عرفت أن اسمه محمد فقالت له: أأنت مسلم؟ فقال: نعم، وأنت مسلمة؟ فقالت: نعم. قال: كيف ذلك؟ قالت: آباؤنا وأجدادنا كانوا يقولون: (لا إله إلا الله)! لا يعرفون غير هذه الكلمة، ومع هذا قتل منهم الملايين! وتأمل بعض ما نقل من أخبار في غمرة أحداث المسلمين المؤلمة، فقد قتل الصينيون الشيوعيون كثيراً من المسلمين في التركستان الشرقية، ذلك الإقليم الرازح تحت الاحتلال منذ أكثر من مائة سنة، احتله الصينيون بالمذابح، وقتلوا إرضاءً لأسيادهم بعض هؤلاء المسلمين بعد أن سقوهم الخمر وأطعموهم الخنازير والعياذ بالله، وطافوا بهم في الطرقات من أجل إرضاء الغرب كما يزعمون.

    لقد أصبح المسلمون قرابين يضحى بها من أجل مجرد الاسم فقط، ومع ذلك وجدوا أن الإسلام لا يمكن أن يموت، بل ينبت من جديد من تحت تلك الأرض التي أحرقوها، وإذا به ضارب بجذوره في كل بقاع الأرض.

    ولذلك هم يحاولون محاولة أخرى لأن يتغير هذا الدين على ما يوافقون، فيقولون: دعوهم على اسمهم، فسوف يقاتلون بكل ما يملكون من قوة دفاعاً عن هذا الاسم، فلا تحاولوا إثارة ذلك، ولكن غيروا تصورهم عن هذا الدين حتى يوافق ما يريده الكفار! والله تعالى ما وعد بظهور اسم الإسلام فقط، بل وعد سبحانه بظهور الهدى ودين الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].

    أهمية العلم بالدين والعمل به في مواجهة الحرب على الإسلام

    ولذا يجب على المسلمين أن ينتهزوا الفرصة فيتعلموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء بها، فما هو الذي يمنع شباب المسلمين من أن يحفظوا القرآن كله؟! وما يمنعهم من أن يتعلموا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتعلموا التوحيد والفقه والتفسير؟! فهذه كلها علوم موفرة بحمد الله لمن كان عنده همة وعزيمة لحفظ هذا الدين وبقائه نقياً كما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك من أعظم ما يكون غصة في حلوق الأعداء لا يمكن أن تبتلع، وكالحجر الأصم الصلب الذي لا تمضغه الأضراس مهما أوتيت من قوة، بل هو الذي يكسر الأضراس التي تريد أن تمضغه، وهو الذي يرغمها على أن تلفظه.

    وأما انحراف الناس في فهم الدين فهو أيسر طريق إلى أن يمضغ الدين فيكون مثل اللبان الطري الذي يشكل على ما تريده الأضراس ثم يبتلع بعد ذلك، ويكون لقمة سائغة إذا لم يكن أهل الحق ثابتين عليه، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم القلوب في آخر الزمان فقال: (تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: أبيض مثل الصفاء) أي: مثل الصخر نقياً جداً، في صفاء ونقاء الزجاج وفي صلابة الصخر (لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، وأسود كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه) .

    فالهوى يحركه بحيث يرى الحق اليوم شيئاً ويراه غداً عكسه بالكلية، وهذه الظلمة في القلوب يجلبها الظلم، وكلما اشتد الظلم زادت الظلمة حتى يكون المرء أشد عمىً من الأعمى، قال تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، فيقول القول اليوم ويرجع عنه غداً، ويرى الأمر اليوم منكراً وغداً يصبح معروفاً، وبالأمس كان باطلاً فأصبح اليوم حقاً، وكان ظلماً وصار اليوم عدلاً، وهكذا دائماً يكون من كان في قلبه ظلمات الجهل والضلال والعياذ بالله، وهو قلب أسود مرباد قذر نجس فيه الإرادات الفاسدة، وهذه صفة اليهود والنصارى، فاليهود عندهم الإرادات الفاسدة، والنصارى عندهم الضلالات الفاسدة والعياذ بالله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون) .

    وكل منهم يجمع الغضب والضلال، ذلك أن اليهود علموا الحق وأعرضوا عنه، والنصارى لم يعلموا الحق أصلاً، فالذي قلبه أسود مرباد جمع الصفتين: أسود فهو بظلمات الضلال مرباد قذر، وذلك بفساد الإرادة، فعنده الغي والضلال المنزه عنه أهل الإيمان أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مدحه الله فقال: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]، فليس هناك ضلال ولا غي، وإنما هو اعتقاد صحيح وعلم ظاهر نافع حقيقي، وإرادة فيها الإخلاص لله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا) .

    فأمر بالمبادرة بالأعمال قبل فتن كقطع الليل المظلم يحتار فيها كثير من الناس، إلا من سبق بالعمل الصالح حتى يتضح له الحق، ويظهر له النور بإذن الله تبارك وتعالى من وسط ظلمات الجهل.

    مبشرات قرآنية بأن المستقبل لهذا الدين

    البشارة بنصر الله تعالى لرسله والذين آمنوا

    المبشرات تملأ كتاب الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] فليس هذا وعداً خاصاً بالرسل، فقد نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنتم -يا أهل الإسلام- موعودون بالنصر مثلما نصرت الرسل إذا حققتم الإيمان، والإيمان قول وعمل ونية واعتقاد وسلوك وخلق، تحقيق لما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتزام صادق، وهذا الذي يجب أن نقدمه للإسلام، فإذا كنا نعجز عن أن نقدم للإسلام أنفساً أو أموالاً فإننا لا نعجز عن أن نقدم قلوباً سليمة بتوفيق الله، فنحن نستطيع أن نقدم الشخصية المسلمة في كل واحد منا يحقق التزامه الصادق بالإسلام، ويكون داعياً إلى الله سبحانه وتعالى بسلوكه وعمله وقوله ودعوته، فيبلغ الحق للناس، وإذا رأوه ملتزماً التزاماً صحيحاً، فإن ذلك من أعظم ما يجذبهم إلى الدين.

    وإن الظلم والطغيان والعدوان مما يغير الله به القلوب تغييراً عجيباً إلى الالتزام بالدين خاصة إذا كان الظلم من أجل أنه مسلم، أو من أجل أن المسلمين أعلنوا كلمة الحق والتوحيد والدين ورايتهم الإسلامية وما نقم منهم غير ذلك، وما أخذ عليهم غير ذلك في الحقيقة، وإن زعم الظالمون بغير دليل ولا بينة أنهم نالوا منهم شيئاً، وليس عندهم أدنى دليل، والناس يقولون في العالم كله: إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إلا في موازين القوم المجرمين الظالمين، فإن عندهم أن المتهم يستحق الإحضار حياً أو ميتاً بدون أن يثبت أي دليل للإدانة، وإنا لنعجب من هذا الظلم الذي صارت قلوب الملايين تقبله وتقر بمشروعيته، وتسمي ذلك إقامة للعدالة، وبالغوا هم في ذلك فنسبوا لأنفسهم صفة الربوبية فقالوا: هذه هي العدالة المطلقة.. نعوذ بالله!

    فالظلم المطلق الأكبر يسمى العدالة المطلقة! عجباً للقوم! لكنها موازين الأرض الفانية، فالقوة عندهم هي الحق وهي العدل، والذل هو الذي يجعل الإنسان مقهوراًً مغلوباً، والمنتصر هو صاحب الحق مهما كان مبطلاً وظالماً وطاغياً، ولو كان مثل قاطع الطريق بل أسوأ فإنه صاحب الحق عند القوم، هذه موازينهم.

    أما أن يكون الحق بميزان شرع الله سبحانه وتعالى الذي لا حق سواه فهذا عندهم لا يصح، وكم من راض في المشارق والمغارب بالظلم والعدوان وهو جالس في بيته! وإن لم يشارك إلا بهمته فإنه محصور مع الظالمين وهو تابع لهم، والعياذ بالله.

    فما يفعله الظالمون والطغاة والكفار عند هؤلاء القوم هو من العدل والحق ومما ينبغي أن يعان عليه، نعوذ بالله من ذلك، فالإعانة على الظلم ظلم، وربما كان الإنسان معيناً للظالم بهمته دون أن يكون معيناً بماله أو نفسه، فإذا كان معيناً بماله ونفسه وأمره وقوله وفعله فهذا -والعياذ بالله- حكمه حكم الظالم ومصيره عند الله سبحانه وتعالى كمصيره، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:51-52].

    وهذه من البشارات، فإن (عسى) من الله واجبة.

    البشارة بغلبة حزب الله تعالى

    وعندما يخشى المنافقون أن تصيبهم دائرة لأجل ذلك يوالون اليهود والنصارى ويصرحون بذلك بألسنتهم، فعند ذلك يتحقق وعد الله إذا حققنا نحن الإيمان وكنا من حزب الله سبحانه وتعالى الذين قال الله تعالى عنهم: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ َ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56].

    فإذا حققنا ما أمر الله عز وجل به في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:54-56] فإذا حققنا ذلك سنكون حزب الله الغالب.

    وهذه بشارة مستقلة، فإن حزب الله هم الغالبون، كما قال عز وجل: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].

    البشارة بخسارة حزب الشيطان

    وقد بين سبحانه وتعالى في بشارة أخرى مستقلة أن حزب الشيطان هم الخاسرون، قال سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المجادلة:14-15].

    قال سبحانه وتعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:18-19].

    فالكفرة والمنافقون فريق واحد، والذين تولوا قوماً غضب الله عليهم هم المنافقون الذين تولوا اليهود، فـعبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين هو الذي والى اليهود ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فبشر الله عز وجل المؤمنين بأن حزب الشيطان خاسرون، وقال سبحانه وتعالى في ذلك أيضاً: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21]، أقسم الله لأغلبن أنا ورسلي، وذلك -كما ذكرنا- ليس للرسل فقط، بل غلبة الرسل إنما تكون كذلك بغلبة أتباعهم بأن ينتصر أتباعهم كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51]، وليس ذلك فقط في الآخرة، ولكن في الدنيا والآخرة وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21].

    البشارة بهزيمة اليهود والمنافقين

    والله سبحانه وتعالى بشر المؤمنين ببشارات متعددة، قال عز وجل: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ [الحشر:11-12].

    وهذه بشارة مستقلة، وهي قوله تعالى: ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ وتأمل (ثم) في هذا الموضع، فهي تقتضي نوعاً من التراخي، وذلك لنزول الابتلاء، وأن الله عز وجل يبتلي عباده، وقد أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم للابتلاء، كما في الحديث: (وإنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك) .

    فالله بعثه ليبتليه ويبتلي به، فجعله فرقاناً بين الحق والباطل، وبناءً على ذلك الابتلاء فالله عز وجل يفرق بين أهل الحق المتابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تكتب لهم الرحمة، والذين يكتب لهم الرضوان، كما قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:156-157].

    فالفلاح في اتباع النور الذي أنزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الكتاب والحكمة القرآن والسنة، ففي هذا يكون الفلاح، وفي غيره يكون الخسران، فالله جعل محمداً صلى الله عليه وسلم فرقاناً يفرق به بين الحق والباطل، فمن اتبعه كان محقاً ومن خالفه كان مبطلاً ذليلاً عند الله، ولا بد من أن يذل الله من عصاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم).

    البشارة بعزة المؤمنين وعذاب المنافقين وضلال سعي المجرمين

    قال الله عز وجل: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا * أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء:138-139].

    وكل هذه مبشرات؛ لأن الله له العزة، وقد جعلها لعباده المؤمنين، قال عز وجل: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8].

    ولذلك فإن الاعتزاز والتعزز إنما يكون بهذا الدين بطاعة الله عز وجل كما قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] فإن كنت تريد العزة فعليك بالكلم الطيب، وعليك بالعمل الصالح، وأما مكر السيئات فقد قال الله تعالى عن أهله: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر:10]، وكل هذه المبشرات قد تكررت عشرات المرات في كتاب الله عز وجل بأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله وأنه يبور ويبطل، ويضل سعي أهله ويبطل مكرهم وكيدهم، ويتحلل ويزول، ولا يتحقق غرضهم، كما قال عز وجل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ [القمر:47] فالله عز وجل جعلهم في ضلال فلا بد من أن يضلوا، ولا بد من أن يشقوا وأن يعذبوا، فقلوبهم فيها من أنواع السعير والنار ما يجعلهم يوم القيامة في النار.

    وقال سبحانه وتعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]، وقال سبحانه: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43].

    ولا بد من أن نوقن بذلك، قال تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينََ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:137-139].

    وهذه كلها مبشرات عظيمة إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ َ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:140-141]، فلا بد من أن يمحق الله الكافرين، وإنما يمحص المؤمنون مدة ثم تكون لهم العاقبة، وهكذا الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة، كما قال هرقل عندما سأل أبا سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله أعلى وأجل، وكلمة الله هي العليا.

    علو كلمة الله ورجوع الكافرين بالحسرة والبوار

    والله قد وعد بأن تكون كلمة الذين كفروا السفلى، قال تعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

    ومقتضى عزته وحكمته أن يسفل كلمة الكافرين، وأن يعلي كلمته عز وجل بفضله وبرحمته وبعدله عز وجل، ويمحق الكافرين ويذلهم لخلافهم رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالىسَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151].

    وقال سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال:36-40]، نعم المولى يتولى أمر المسلمين، فإذا قيل: من للمسلمين يتولى أمرهم وقد تخلى عنهم القريب والبعيد ولا يوجد من يحميهم ولا يوجد من يؤيدهم؟ قلنا: يتولاهم ربهم عز وجل نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ، وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11].

    وكم تبلغ الكرة الأرضية في هذا الكون الواسع؟! وكم حجمها في هذا الوجود؟! فأمر الله عز وجل فيها نافذ وهي كذرة، كما قال تعالى: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67] فالسموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن كخردلة في كف أحدكم، هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فالذين كفروا ينفقون أموالاً كثيرة، وما أنفقوا في أمر من الأمور مثلما أنفقوا في الحرب ضد الإسلام وأهله والإعداد للإسلام وأهله، ومع ذلك فإنهم سينفقونها ثم تكون عليهم حسرة؛ لأنهم يجدون غير ما يريدون، ويتحقق عكس مقصدهم، فهم يريدون إضلال الناس والله يهديهم وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا [الفرقان:31]، فهم يريدون إضلال الناس فيهديهم الله، ويريدون هزيمة الإسلام فينصره الله، ويريدون إذلال المسلمين فيعزهم الله، وكفى بربك عز وجل هادياً ونصيراً، ولذا يتحسرون، كما قال تعالى: فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ، وكل ذلك فيه بشارة، فإن حسرتهم هي في عدم تحقق مقاصدهم، ثم يغلبون في النهاية، وتأمل (ثم) هنا، فسوف يتحقق الأمر وإن طال المدى.

    الحكمة في ابتلاء المؤمنين

    وإن قتل من قتل من المسلمين فذلك لكي ينالوا المنازل العالية الرفيعة، ولينالوا الشهادة عند الله، فالله يريد أن يتخذ شهداء يضحون بأنفسهم في سبيل الله، وهو سبحانه وتعالى يريد تمحيص المؤمنين، ويريد إظهار النفاق، يريد أن ينجم ويظهر لكيلا يبقى عند الناس شبهة، ويظهر في الناس معسكر إيمان لا نفاق فيه، ومعسكر نفاق لا إيمان فيه، لكي يقدم من يقدم على نصرة الكفر وأهله على بينة، ولكي يحيا من حي بالإسلام على بينة، ويهلك من هلك عن بينة، فالله سبحانه وتعالى عليم حكيم له الحمد، وما يقدره من أمور تكرهها النفوس فإنه يجعل من ورائها خيراً كثيراً، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19].

    وقال سبحانه وتعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].

    إنَّ الله سبحانه جعل عاقبة الكفار أن يُغلبوا وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ فلماذا قدر الله ذلك؟ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا [الأنفال:37-38] أي: إلى الكفر والظلم والعدوان فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ [الأنفال:38].

    سنة الله في المتجبرين والمستضعفين

    لله سنن ماضية في عاقبة الظلم والطغيان والجبروت والعدوان، وإرادة الله سبحانه وتعالى كسر الجبارين وأن يمكن للمستضعفين ماضية، كما قال تعالى في شأن فرعون: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:4-6].

    وعندما ولى عمر رضي الله عنه عماراً على بعض البلاد ثم عزله سئل: لماذا فعل ذلك؟ فقال: أردت أن يتحقق قول الله: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ .

    فهذه الآية ليست خاصة ببني إسرائيل، بل إن إرادته تعالى في المن على المؤمنين المستضعفين ماضية، وهي ليست خاصة بزمن دون زمن، ولذلك قال سبحانه: وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ .

    ثم قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أي: حتى لا يبقى شرك يظهر وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ أي: يبقى دين الإسلام فقط هو الظاهر العالي، فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ومن كان عندهم استعداد لأن يهبطوا فليسوا ممن يحملون راية الإسلام، فالله سبحانه وتعالى جعل هذا الدين ظاهراً حتى في أشد فترات الانكسار، فعندما قال أبو سفيان : اعل هبل اعل هبل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبوه؟! فقالوا: وبم نجيبه؟! فقال: قولوا: الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم).

    أهمية الزاد الإيماني في زمن المواجهة

    قال الله سبحانه وتعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].

    وهذه آيات بينات من الله، والمسلمون يحتاجون إلى أن يسمعوها ويحفظوها ويوقنوا بما تضمنته، فالله تعالى يقول: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ولا بد من أن نزداد إيماناً ونزداد عملاً صالحاً، وليس ذلك في أرض يمكن أن تقع فيها مواجهة أو قتال، بل في كل أجزاء الأرض، فإن المواجهة -في الحقيقة- قائمة، فنحن نحتاج إلى أن نقرأ القرآن، وأن نصلي بالليل، وأن ندعو الله عز وجل بالأسحار، وبين الأذان والإقامة، ونزداد عملاً صالحاً ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وندعو إلى الله، ونبين الحق، ونتعلم العلم، ونعمل بما علمنا؛ لأن ذلك هو الذي يقربنا إلى الله، وكلما ازددنا إيماناً ازدادت دعواتنا أثراً، فيغير الله بها وجه الأرض، ويغير الله سبحانه وتعالى بها موازين القوى، وإن اليقين بلقاء الله والشوق إلى لقائه مما يغير الله به الموازين، قال تعالى: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249]، فاليقين بلقاء الله يجعل الموازين عند الناس تختلف، ويجعل شعورهم بقرب النصر أعظم، ولو كانت الفئة المسلمة قليلة؛ لأن ذلك لا يكون بعدد وعدة، وإنما بإذن الله سبحانه وتعالى.

    عجائب التمكين للإسلام

    وآيات الله في السابق واللاحق موجودة ظاهرة، فكم من قوى عاتية تحطمت على صخرة الإسلام! وكم حاول الصليبيون وكم حاول التتار هدم الإسلام! وما حققوا شيئاً إلا علواً مدة من الزمن، ثم بعد ذلك هزمهم الله سبحانه وتعالى، وقهرهم وأذلهم بفضله وعدله وحكمته سبحانه وتعالى، قال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كما استخلف بعض رسله ومكن لهم بالدعوة والبيان وبالوحي الذي أنزله عليهم فآمن به الناس، كما آمن ليونس مائة ألف أو يزيدون، قال تعالى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:147-148]، وإنك لتجد كفاراً في لحظات تحولوا إلى مناصرين للمؤمنين في مواقف كانوا يريدون عكسها، ولو تأملت ما جرى في أول الإسلام من تأييد الله عز وجل لمن أراد إكرامه بهذا الدين لوجدت عجباً، فهذا أبو جهل يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بـحمزة رضي الله عنه يتغير في تلك اللحظة، فقد كان على دين قومه، فسمع أن ابن أخيه قد شتم، فيأتي إلى أبي جهل ويقول: أتسبه وأنا على دينه؟! ويضربه على رأسه، وأسلم من ساعته.

    فانظر إلى هذا الموقف العجيب! لقد كان سب النبي صلى الله عليه وسلم الذي وقع من أبي جهل سبباً لإسلام حمزة أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعزه الله.

    وكان عمر منطلقاً بسيفه يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فيلقاه من يقول له: أختك وختنك قد صبأا، فينطلق وهو ممتلئ غيظاً إلى أخته وختنه زوج أخته لينظر ما عندهما، وكان عندهما من يقرئهما القرآن رضي الله تعالى عنهم، وإذا به في لحظات يجلس فيستمع ويتغير في نفس اللحظة، فانظر كيف يقلب الله القلوب، ويؤيد الله عز وجل الدين بمن شاء، وإذا بالإسلام يكتسب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في لحظات، مع أنه كان يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقصد بعد ذلك دار الأرقم ليعلن إسلامه هناك رضي الله تعالى عنه.

    وعندما كان أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه يسمع أن مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة رضي الله عنهما يقرئان الناس القرآن انطلق وقد أخذ رمحه يريد أن يفتك بهذين اللذين قد سفها أحلامهم وعابا آلهتهم وآباءهم، فيقول له مصعب رضي الله عنه: اجلس فاستمع، فإن رضيته فذاك، وإن لم ترضه كففنا عنك ما تكره، فغرز رمحه وجلس يستمع القرآن، وكان أسعد بن زرارة قد قال لـمصعب : أتاك سيد قومه، لو أسلم لأسلم من وراءه، فاصدق الله معه. فانظر إلى قوله (فاصدق الله معه) فعندما يكون الداعية صادقاً في دعوته مع الله عز وجل يعامل الله عز وجل في الدعوة، ويراقب الله سبحانه وتعالى في كلامه ولا يلتفت إلى الناس، يجعل الله التأثير في دعوته، فغير الله قلب أسيد بن حضير أحد أولياء الله الصالحين وأحد فضلاء الأنصار رضي الله تعالى عنه. فقال له مصعب هذه الكلمات، وقرأ عليه القرآن، فعرف الإسلام في وجهه قبل أن يسلم؛ لما فيه من البشر والسرور والانشراح، ذلك أن النور إذا دخل القلب انشرح ففاض على الوجه سعادة وسروراً وفرحاً بدلاً من الشقاء الذي كان عليه بالكفر.

    ويتحول أسيد بن حضير إلى الإسلام، والقوم ينتظرونه في النادي، فيرجع وهو يفكر ويحتال لكي يسلم سعد بن معاذ الذي كان عنده من الغضب كذلك على أسعد بن زرارة ابن خالته وعلى مصعب بن عمير أشد مما عند أسيد بن حضير ، فيرجع ويقول: إن أسعد بن زرارة هو ابن خالتك فاذهب أنت وقل لهما بأن ينصرفا أو يكفا عنك، فإنهما قالا: إن كرهت ما نقول كففنا عنك ما تكره، فذهب سعد بن معاذ ومعه حربته أيضاً، فقال له مصعب تلك الكلمات، وجلس واستمع القرآن فانشرح قلبه للإسلام في لحظات.

    فالله سبحانه وتعالى يمكن لدينه بمن شاء، ويستخلف الأمة الإسلامية كما استخلف من قبلها، وبتلك الدعوة دخل الإسلام بيوت المدينة كلها بفضل الله عز وجل، وفتحت المدينة بالقرآن، لقد أسلم سعد بن معاذ ورجع إلى قومه وقد عرفوا في وجهه تغيراً، فقالوا: والله لقد جاءكم بوجه غير الذي ذهب به، فقال لقومه: إن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تدخلوا في الإسلام، فأسلموا في ساعتهم.

    هكذا ينصر الله عز وجل الدين بقدرته سبحانه وتعالى، فلا تعجب ولا تستغرب من أن يتغير بقدرة الله عز وجل من في قلبه كراهية الدين إلى أن يكون ناصراً للدين، ويقذف الله في قلب من يحارب الإسلام -فضلاً عمن الخير في قلبه ضعيف- خيراً، ويجعل القوة التي كان يريد استخدامها ضد الحق في سبيله سبحانه وتعالى لنصرة الحق .

    وقد استخلف الله عز وجل رسلاً من رسله بالقتال، كما مكن لـيوشع بن نون بعد أن خرج ببني إسرائيل من التيه وأمر بالقتال فقاتل ونصره الله سبحانه وتعالى وفتح بيت المقدس على يديه، ومكن لداود كذلك، قال عز وجل: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:251]، ومكن لسليمان بتلك القوة الهائلة العظيمة حتى خضعت له بلقيس مستسلمة لأمر الله وأسلمت هي وقومها لله رب العالمين مع سليمان لما رأوا من عظيم القوة التي أعطاه الله عز وجل إياها.

    صور من التمكين لدين الله تعالى

    إن الله عز وجل يمكن لرسله بما شاء، وقد جمع الله لهذه الأمة أنواع التمكين كلها، فقد مكن لرسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا الدين في المدينة بالقرآن، وفي اليمن، وفي البحرين، وفي بقاع عديدة، ومكن الله بعد ذلك بأزمنة طويلة في أكبر بلاد الإسلام، فأندونيسيا ما دخلها الإسلام بالحرب والقتال، وإنما دخلها الإسلام بالسلوك الطيب والدعوة إلى الله عز وجل، وهناك تمكين بالسنان والقوة كما فتح الله مكة على نبيه صلى الله عليه وسلم، وفتح على أصحابه رضي الله عنهم مصر، والشام، وفلسطين، والعراق، وبلاد ما وراء النهر، والمشارق والمغارب، وبلاد إفريقيا كلها إلى الأندلس فتحت بفضل الله عز وجل، وغلب المسلمون أضعافهم المضاعفة من الكفار في مواقع شريفة عظيمة جعلها الله سبحانه وتعالى آيات ومكن لعباده المؤمنين بذلك، ودخل الإسلام هذه البلاد، وما استطاع الكفار أن يقتلعوه منها إلى يومنا هذا، ومهما فعلوا فلن يضيع الإسلام بفضل الله سبحانه وتعالى، فهذه أمة لا تموت ودين لا ينهزم: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة)، وقال: (حتى يقاتل آخرهم الدجال) .

    وقال: (لا تزال عصابة من أمتي تقاتل عن هذا الدين لا يضرهم من خالفهم وخذلهم)، وقال: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خالفهم وخذلهم) .

    وفي رواية: (ولو اجتمع عليهم من بأقطارها) ، فعندما تجتمع كل القوى على الإسلام وأهله فذلك لن يغير من الأمر الذي قضاه الله عز وجل في التمكين لدينه بما شاء.

    وقد مكن الله سبحانه وتعالى لرسله بآيات من عنده، كما أغرق فرعون بآية من عنده، ودمر قوم نوح بالطوفان، ودمر عاداً بالريح، ودمر ثمود بالصيحة، ودمر قوم لوط بأن جعل أرضهم عاليها سافلها، وجعل الله عز وجل تأييده لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنواع من القدرة والقوة عجيبة، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) .

    فيلقي الله في قلوب الأعداء الرعب بقدر عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151].

    والعاقبة للمتقين

    قال الله عز وجل: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3]، فمن شنأ النبي صلى الله عليه وسلم وأبغضه فلا بد من أن يقطع، ولا بد من أن ينقطع هو وأثره، ولا بد من أن يضمحل ويدمر، ذلك أن الله رفع ذكره صلى الله عليه وسلم، كما قال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:1-6].

    فلا بد من أن يأتي اليسر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).

    فلا بد من أن يأتي بعد العسر يسر، ولن يغلب عسر يسرين، وفضل الله عز وجل عظيم، والله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليملأ الأرض عدلاً بهذا الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر) .

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر اليهود والنصارى والمنافقين وسائر الكفرة والملحدين أصحاب الضلالة ودعاة السوء، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين.

    اللهم اكتب لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، اللهم انصرنا على القوم الكافرين، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، اللهم كف بأسهم عن المسلمين فأنت أشد بأساً وأشد تنكيلاً، اللهم لا تجعل لهم على أحد من المسلمين سبيلاً.

    اللهم انصر المسلمين في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين، اللهم احفظ دماء المسلمين وأعراضهم وبلادهم، اللهم اجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصرنا على من عادانا، ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين.