أما بعد:
وفي رواية: (فأوحى الله إلى هذه -أي: القرية الفاسدة- أن تباعدي، وإلى هذه أن تقاربي، فقاسوه فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة، فقبضته ملائكة الرحمة)، وفي رواية أيضاً في الصحيح: (أنه لما أتاه الموت ناء بصدره -أي: مال بصدره- جهة القرية الصالحة)، مال مقدار الشبر.
هذه القصة عظيمة فيها من العظات والعبر ما نحتاج إلى أن نقف معها للتدبر والتأمل، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً)، والنفس الواحدة قتلها ذنب عظيم، قال عز وجل:
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا
[المائدة:32].
فهذا الذنب العظيم الذي هو قتل الناس جميعاً وقع هنا مضاعفاً تسعة وتسعين مرة نعوذ بالله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، أي: لا يزال في سعة ولا يزال الطريق واسعاً أمامه ما لم يصب دماً حراماً والعياذ بالله.
وجعل الله سبحانه وتعالى حقوق العباد لابد فيها من أن يقتص من أهلها أو ممن أتى عليها يوم القيامة، إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن هذا القاتل فيرضي القتيل من عنده حتى يعفو عنه في الآخرة، وربما عفا عنه أهل القتيل في الدنيا فتظل توبة القاتل معلقة بما شاء الله سبحانه وتعالى أن يفعله.
وحقوق العباد أعظم الحقوق؛ ولذلك فتوبة الظالم، وتوبة المغتصب، وتوبة آخذ المال بغير حق، وتوبة الضارب وسافك الدم كل هؤلاء لا تتم توبتهم إلا بمسامحة المظلوم؛ لأن حقوق العباد مبناها على المشاحة ولابد أن تؤدى الحقوق إلى أهلها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى إنه ليقاد للشاة القرناء من الشاة الجلحاء)، فإذا كان بين البهائم قصاص فلابد أن يكون هناك بين البشر كذلك إلا ما شاء الله أن يعفو المظلوم عن الظالم.
فهذه بغي من بغايا بني إسرائيل سقت كلباً فشكر الله لها فغفر لها، وهذا رجل نحى غصناً من شوك عن طريق المسلمين فدخل به الجنة، فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة.
ورحمة الله واسعة فتسعة وتسعين رحمة مدخرة ليوم القيامة، وأنزل عز وجل رحمة واحدة بها تتراحم الخلائق، وبها ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، فادخر سبحانه تسعة وتسعين رحمة إلى يوم القيامة، فأنت لا تدري ماذا يكون حال الناس! ولذا لا تحتقر أحداً وأنت تدعوه إلى التوبة، بل تدعوه وأنت محب مشفق ناصح أمين، ولا تنظر إليه بعين الاستعلاء؛ لأنك لا تدري بما يختم لك وبما يختم له، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يجب أن يتعلق برجائه قلبك، وهو سبحانه وتعالى الذي تجعله أملك، وهو سبحانه وتعالى الذي ترجوه ليوم فاقتك وحاجتك، فلا تعتمد على عملك بل عليك أن تتوكل على الله سبحانه وتعالى، فالله قذف في قلب هذا العبد البحث عن التوبة، وكان السؤال في موضعه فقد سأل عن أعلم أهل الأرض.
ولذلك أفتوه أن هذا الرجل هو أعلم أهل الأرض، وإذا كان الأمر في ذلك الزمان والناس قلة ففي زماننا أولى بألا ندري من هو أعلم أهل الأرض، فالله عز وجل أعلم بعباده، وهو سبحانه وتعالى مطلع على قلوبهم وعلومهم وأعمالهم.
فدله الناس على الراهب؛ لأنهم كما ذكرنا يخلطون بين العلم والعبادة ولا يميزون بين موضع كل منهما، وفضل العالم على العابد كفضل الرسول صلى الله عليه وسلم على أدنى أصحابه، وفضل العلم أفضل من فضل العبادة كما دلت عليه هذه القصة العظيمة، قال: (فدل على الرجل الراهب فأتاه فسأله فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة؟ فقال: لا)، فهذا الرجل قتال شديد الغضب، شديد البطش، والرجل الراهب يظن أن الجرأة والشجاعة في أن يواجه هذا الرجل بأنه ليست له توبة، وهذا من قلة علمه أو من جهله؛ لأنه أولاً أفتاه فتوى باطلة، وكم من عابد أو زاهد يظن بنفسه لكلام الناس عليه أنه من أهل العلم، وهذا خطر عظيم، فليس بمجرد أن يكون الإنسان زاهداً في الدنيا، أو متعبداً، أو حتى واعظاً ومذكراً، أو أن يكون خطيباً مفوهاً، أو أن يكون داعياً إلى طريق الحق أن ذلك يقتضي أن يكون عالماً يفتي الناس.
ولابد أن تكون منتبهاً فإياك أن تظن نفسك حين تعظ الناس وتذكرهم أنك بذلك بلغت منازل العلماء، أو أنك تتجرأ على الفتوى بمجرد ذلك، ولربما سألك الناس وأحرجوك في السؤال، فإياك أن تترك: لا أدري، وإياك أن تخجل منها، وإياك أن تستحي أن تقول: لا أدري، فأكابر العلماء كانوا إذا سئلوا عما لا يعلمون قال أحدهم: لا أدري، وكانوا يقولون: إن نصف العلم (لا أدري)، وكانوا يلقنون أبناءهم وتلامذتهم (لا أدري)، وجاء رجل إلى الإمام مالك فسأله عن مسائل فأجابه عن أربعة من نحو بضع وثلاثين مسألة والباقي قال: لا أدري، فقال: إذا كنت أنت لا تدري فماذا أقول للناس؟ قال: أبلغ من وراءك أني لا أدري، اذهب وانشر في المشارق والمغارب أن مالك بن أنس عالم دار الهجرة لا يدري، أيدخل الناس الجنة على أجسادنا التي تذهب إلى النار؟! فإياك أن تظن أنك إذا وعظت الناس أو ذكرتهم، أو أنك قرأت بعض المسائل أو حتى أتقنتها أنك صرت بذلك -كما يخدع الناس به الكثيرين- عالماً، فالعلم لابد أن يكون بالبينة من الكتاب والسنة في كل مسألة تتكلم فيها، وتعلم أنك قد أحطت بما ورد في هذا الباب من كتاب الله، وتعلم عامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومبينه، وناسخه ومنسوخه في هذا الباب الذي تتكلم فيه، وتفهم تفسير الآيات ومعانيها وما تكلم السلف فيها من الأحكام، ثم تعرف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأحاديث الثابتة الصحيحة، وتعرف ما تثبت به صحة الحديث، ووجوه الجمع بينها، وكذلك معرفة القواعد التي يستدل بها على خاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، وناسخها ومنسوخها كما في القرآن، ثم تعلم هل أجمع العلماء في هذه المسألة أم اختلفوا؟ وإذا كانوا قد اختلفوا فعلى أي شيء يكون الترجيح فيما بينهم؟ ولابد من معرفة طرق القياس الصحيح وما ينقض به وما يرد به عليه؛ حتى لا تقيس قياساً فاسداً وأنت تظنه قياساً صحيحاً، فهذا لابد منه للعالم فضلاً عن مصادر الاستدلال الأخرى التي قد تحوجه الفتوى إلى استعمالها.
وأما هذا الذي أفتاه فليس بعالم فعلاً، فسبحان الله مقلب القلوب وخالق الإرادات! وهو سبحانه وتعالى يوجه وجهة قلوب العباد إليه.
ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل هذه المرة على رجل عالم، فأتاه.
إذاً: ينبغي أن يتحرى الإنسان وأن يأتي العلماء ويجالسهم ويسألهم، كما قال تعالى:
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ
[النحل:43]، فقال له: إنه قتل مائة نفس، وكلها قتلها بالظلم، وحتى هذا الرجل الأخير وإن أفتى بالباطل فليس عقابه أن يقتل؛ لأنه أفتى فتوى باطلة، فلا يقتل، ومع أنه رجل راهب عابد لكن انظر إلى فضل العلم على العبادة، قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟! واستدل به العلماء على قبول توبة القاتل.
وذلك أن أمتنا أشرف عند الله عز وجل من أمة بني إسرائيل، فإذا كان ذنبهم عظيماً وعليهم الآصار والأغلال، ومن قتل مائة نفس لم يحل بينه وبين التوبة، فكذلك في أمتنا، ولذلك قلنا أن التأويل الصحيح لكلام ابن عباس على عدم قبول توبة القاتل: أن الله لم يجعل لقاتل المؤمن عمداً توبة مستدلاً بآية سورة النساء:
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
[النساء:93].
فهذا في التوبة التي تعفيه من جميع المسئوليات، بل يبقى حق القتيل وإذا شاء الله أن يرضيه يوم القيامة من عنده أرضاه.
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو خير خلق الله على الإطلاق، يأمره الله بأن يلزم أصحابه قال:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
[الكهف:28]، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أستاذ هؤلاء الصحابة فهو الذي علمهم، وهو الذي هداهم الله عز وجل به، وهو الذي أرشدهم إلى طريق الصواب ومع ذلك فهو يحتاج إلى أن يصبر نفسه معهم، ولا يعني ذلك أنه لا يلتزم بدونهم، ولكن رفقة الصالحين مطلوبة ولو كانوا دونك في المنزلة، فأنت تحتاج إلى أصحابك في الخير وإخوانك في الله ولو كنت أفضل منهم والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول في مرض موته آخر ما قاله عليه الصلاة والسلام: (اللهم! في الرفيق الأعلى).
ويقول الخليل عليه الصلاة والسلام كما حكى الله عنه بقوله:
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
[الشعراء:83]، ويقول يوسف عليه السلام كما قال الله:
تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
[يوسف:101]، وذلك أن صحبة الصالحين نعيم في الدنيا والآخرة، وصحبة الظالمين والفاسقين والكافرين عذاب في الدنيا والآخرة، فصحبة أهل الفساد عذاب للإنسان، ومجرد النظر في وجوه الظلمة أو سماع كلامهم، أو النظر في وجوه الفسقة والفجرة يصيب الإنسان بالهم والكرب، ويصيبه بالضيق ولا يدري من أين يأتيه الضيق، بل لولا الضرورة من صحبة هؤلاء لمحاولة أداء فرض الله سبحانه وتعالى بإصلاح وجه الأرض وملئه بالخير لما استطاع المؤمن أن ينظر في وجوه الظالمين، ولا أن ينظر في وجوه الفاسقين ولا أن يصحبهم فضلاً عن الكافرين، ولذلك بلاء أن يعيش الإنسان في وسط قوم كافرين.
وانظر إلى قول الله عز وجل عن بلقيس :
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ
[النمل:43]، ولذلك أقول لكثير من إخواننا الذين أملهم في الدنيا أن يسافروا إلى بلاد الكفار لكي ينالوا شيئاً من الدنيا إن ذلك لعذاب، فلا تظن أن هذه الدنيا التي تحصلها سوف تسعدك بل النظر في وجوه هؤلاء القوم خصوصاً الذين جمعوا بين الكفر والفاحشة -والعياذ بالله- وعدم عفة الفروج من أعظم أسباب البلاء، وأم جريج دعت على ابنها عندما لم يجبها ثلاث مرات عندما أتته وكان يصلي النافلة فقال: يا رب! أمي وصلاتي، فأكمل صلاته حتى ملت وانصرفت، فكرر ذلك ثلاث مرات، وكان الذي ينبغي عليه أن يخرج من صلاة النافلة لكي لا يؤذي أمه حيث لم يرد عليها.
والمقصود أنها دعت عليه فقالت: (اللهم! لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات)، وكانت رحيمة به فلم تقل حتى يواقع المومسات مثلاً ولا حتى يعاشرهن، وإنما ينظر في وجوههن فقط، وكان نظر جريج في وجوه المومسات كنظر مضطر مكروب يريد أن يتخلص من المصيبة التي أتته به هذه المومسة، وكانت امرأة بغي من بغايا بني إسرائيل سمعت الناس يذكرون عن عبادة جريج، فتعهدت بإغوائه، فعرضت نفسها عليه وتصنعت له فلم يلتفت إليها، فإذا كان لم يلتفت إلى أمه فهو لم يلتفت إلى البغي، فأتت راعي غنم فمكنته من نفسها فحملت منه زناً -والعياذ بالله- ثم وضعت مولودها وأتت به بني إسرائيل وقالت: هذا من جريج ، فأتوا صومعته يضربونه ويشتمونه وهدموا الصومعة التي كان يعبد الله عز وجل فيها، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه المرأة -وهم فرحون فقد كانوا يتمنون هذه الزلة له كما يتمنى أهل الفواحش دائماً للإخوة الزلات- فقالوا: زنيت بهذه المرأة، فقال: دعوني أصلي، وكان في كرب عظيم؛ فقد كانت المصيبة التي أصيب بها أنه متهم بالزنا وأن هذا الولد ابنه من الزنا، فصلى ثم طعن في بطن الصبي الرضيع وقال: يا غلام! من أبوك؟ فأنطق الله الصبي فقال: أبي الراعي فلان، فجعلوا يقبلون يديه ورجليه وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، فقال: أعيدوها من طين كما كانت.
فانظر إلى هذه الدعوة التي دعتها عليه أمه: أن ينظر في وجوه المومسات، فنظر إليها مضطر لكي يبرأ نفسه، فسبحان الله! وقعت الدعوة واستجيب النداء، وهذا عذاب على الإنسان فما بالكم بمن ينظر إلى وجوه المومسات مسروراً مبتهجاً ينتظر الصورة الآتية، وينتظر أن تزداد عرياً وفحشاً -والعياذ بالله- ويبحث في القنوات المختلفة والأطباق التي تأتي بهذه الصور من المشارق والمغارب، والمصيبة أن هذه الفواحش تؤتى علانية كما قال الله:
أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
[النمل:54]-والعياذ بالله-.
فهذا حال من ينظر إلى المومسات، بل إلى الوجه فقط مما يجوز كشفه عند كثير من أهل العلم، فما بال من ينظر إلى ما هو أسوأ من ذلك من أبدانهن، فما بال من ينظر إلى الفروج -والعياذ بالله- نظر تحريم، فما بال من يأتي الفواحش فهذه مصيبة، وكما قلنا: مجرد صحبة أهل الفساد، والنظر في وجوه أهل الظلم تقسي القلب، إلا أن يكون ذلك لغرض شرعي صحيح كالدعوة إلى الله، وهذا لن يكون بتلذذ مثلاً في النظر أو نحو ذلك، فلن يكون إلا لمصلحة شرعية ويكون لغرض الدين.
وأما صحبة أهل الخير فنعمة من الله سبحانه وتعالى، وإنما تستطيع أن تدرك أهمية هذه النعمة عندما تختلط بغيرهم وأنت قد ذقت معنى مخالطة الصالحين الذين يريدونك على طاعة الله، ولذلك تجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طعن رضي الله عنه كان أكبر شيء يهتم به هو الرفقة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في القبر، فهذا أهم شيء كان عنده، ويستأذن عائشة ويأمر بأن يستأذن بغير اسم أمير المؤمنين، وقال: قولوا: يستأذن عمر بن الخطاب ولا تقولوا أمير المؤمنين؛ فإني لست لهم اليوم بأمير، قولوا: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه لمجرد الرفقة في القبر؛ لكي يكون مع صاحبيه، ولذلك يقول علي إني كنت أظن أن يجعلك الله مع صاحبيك؛ لأني كثيراً ما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (جئت أنا و
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء النوم: (باسم الله وضعت جنبي، اللهم! اغفر لي ذنبي، واخسأ شيطاني، وثقل ميزاني، وفك رهاني، واجعلني في الندي الأعلى)، ومعنى (الندي الأعلى) أي: اجعل روحي مع النسم الطيب، فهذه لحظات النوم التي لا يحس فيها الإنسان، فالرسول صلى الله عليه وسلم يدرك ما لا ندركه، والروح في هذه اللحظات تكون في أحوال، ونحن -نسأل الله العفو والعافية- الواحد منا ينام ولا يعرف ماذا يحصل! لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (واجعلني في الندي الأعلى) فمجرد ساعات محدودة فقط يريد أن الروح تكون مع أرواح المؤمنين.
وكذلك في البرزخ، ففي الحديث الصحيح عن روح المؤمن (وتجعل روحه في النسم الطيب)؛ لأن صحبة الصالحين نعيم فعلاً، ولأن ذلك من آثار الحب في الله وأوثق عرى الإيمان، والبعد عن الظالمين من لوازم البغض في الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان الرجل فقيهاً حين قال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء.
وهكذا نوصي كل أخ أقبل إلى الله عز وجل بقلبه أن يبحث عن قوم يعبدون الله، ويخلصون في عبادتهم لله، ويتبعون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعبد الله معهم، فهو والله يحتاج إلى ذلك احتياجاً أكيداً، ولذلك عندما يستفتي البعض أن الآباء والأمهات أو الأهلين والأقارب يمنعون الأخ من الذهاب إلى مجتمع الإخوة الصالحين، فأنا لا أتردد في أنه لا يجوز أن يترك مجتمع الإخوة ولا يجوز أن يبتعد عن مسجدهم ومجتمعهم ولقاءاتهم؛ لأن ذلك من أسباب فتنته، وكم من شخص أعلمه كان ملتزماً في المسجد ثم بعد ذلك كان بداية الأمر أن يصلي في مسجد آخر غير مسجد الإخوة، ثم بعد ذلك يصلي بعض الصلوات في المسجد وبعض الصلوات في البيت؛ لأنه لم يجد من يسأل عنه، ولم يجد من يقول له: أين كنت؟ ولم يجد من يقول له تأخرت عن صلاة الفجر، ولا يجد من يقول له: تخلفت عن الدرس، ولم يجد من يقول له: هل قرأت القرآن أم لا؟ فلم يسأل عنه أحد، وكثير من الناس يظن أن المسجد إنما جعل لمجرد أن يصلى فيه ثم يغلق، وهكذا يريدونه أن يصلى فيه ثم يغلق، ثم بعد ذلك ترك الصلاة في المسجد، ثم جمع الصلاة بعضها مع بعض، وأعلم بعضهم وصل ربما -والعياذ بالله- إلى الردة، وإلى سب الدين، وشرب المخدرات بعد أن كان في يوم من الأيام ملتزماً غاية الالتزام، فلا أجد تردداً في أنه لا يجوز أن يترك مجتمع الملتزمين وعلاقته بالإخوة الصالحين الذين يعينونه على طاعة الله، ولذلك أجد أن من الخلل الكبير أن يؤمر الإنسان في بداية نشأته والتزامه فضلاً عن نهايتها أن يبتعد عن الملتزمين أو أن يكون منفرداً، أو أن يزهد في الاجتماع على الطاعة مع إخوانه، أو أن تكون له علاقة خاصة وحب في الله عز وجل مع إخوانه المطيعين لله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى:
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ
[آل عمران:43]، وشرف أن يكون الإنسان مع الراكعين، وأن يكون مع الصالحين وأن يكون مع المطيعين العابدين لله سبحانه وتعالى، ونحن نستشعر هذه الرابطة ونستشعر أهمية هذا الاجتماع على الطاعة حين نقول -ولو في صلاة منفردة-:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
[الفاتحة:5] بصيغة الجمع،
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ
[الفاتحة:6-7].
حتى ولو كان هذا الأمر عبر الأزمنة والأمكنة، بمعنى أن الإنسان يستحضر صحبة الصالحين ولو تباعد الزمان ولو تباعد المكان، وهذا الذي يذهب عنك شعور الغربة حين لا تجد على الخير أعواناً، فاستحضر أن هذا الطريق سلكه الأنبياء والمرسلون وأتباعهم الصالحون من قبل، وتقول: اللهم! اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وهناك جمع كثير قد سار قبلك فاصحبهم بصحبة سيرتهم، وإذا كانت قراءة سيرة الأنبياء في كتاب الله عز وجل تحيي القلوب فكذلك سير الصالحين أيضاً، سواء كانت في الكتاب أو في السنة أو في السيرة فإن ذلك كله يجعل القلب حياً فكيف بصحبتهم هم! ولو كان الصحابة فينا لوجدنا أهمية ذلك بالفعل وعرفنا كيف أن الأمم دخلت في الإسلام بصحبة الصحابة رضي الله عنهم، وثبتوا على الدين برؤية وجوههم رضي الله تعالى عنهم، لا أعني مجرد الرؤية ولكن وجوههم فعلاً تشع بالنور، فذات يوم يدخل أبو إدريس الخولاني مسجد دمشق فيقول: فوجدت فتى براق الثنايا يجتمع الناس حوله -وهذا الفتى هو معاذ رضي الله عنه وكان في سن صغير في سن الشباب- فيجتمع الناس حوله، فإذا تكلم سكتوا، وإذا قال: صبروا عن قوله كلهم، وأجمعوا على قوله، فقلت: من هذا؟ فقالوا: معاذ بن جبل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فهجرت ثاني يوم -هجر يعني: ذهب مبكراً إلى المسجد- فوجدته قد سبقني بالتهجير؛ لأن الصحابي الجليل لا يأتي آخر واحد بل هو أول واحد فقد سبقه بالتهجير -فجئت فقلت: إني أحبك، فقال: آلله؟ قال: آلله، قال: آلله؟ قال: آلله، استحلفه ثلاثاً، ثم قال له: أبشر فإني سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتجالسين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ)، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، فانظر فبمجرد النظر في وجهه أحبه، فالقلوب معلقة بما يجعل الله عز وجل فيها من حب الصالحين بأن يوضع له القبول، ولذلك نقول: إن صحبة الصالحين من أعظم وأهم أسباب صلاح الإنسان؛ لأن بها تتحصل أنواع من العبادات.
فإياك أن ترجع إلى الأرض التي عصيت الله عز وجل فيها، والأماكن التي كنت تعصي الله عز وجل فيها، والأصحاب الذين كنت تعصي الله عز وجل معهم، فإما أن يتوبوا فيمكنك أن ترجع إليهم لتأتي بهم، وإما أن تظل معهم على حالهم في خسران عظيم، فلابد أن ترجع بهم إلى طريق الالتزام وإن لم يرجعوا معك فدعهم واقطع علاقتك بهم، واجعل مكانهم أهل الخير والصلاح والتقوى.
فقال له العالم: (انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء).
فهي أرض سوء تلك التي فعل فيها المنكر وسكتوا عليه كل هذا الوقت حتى قتل من يظنونه أعلم أهل الأرض فيهم، وحتى لما قتل العابد الراهب ما حرك أحد ساكناً، فهي أرض سوء فعلاً -والعياذ بالله- فقد ارتكبوا فيها المنكر بلا داع إلى الخير، حتى لم يذكر الحديث أن أحداً دعاه إلى التوبة، بل الله قذف في قلبه حبها، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فانطلق)، والانطلاق يعني: الذهاب بسرعة، فهو رجل مستجيب فعلاً وكانت هذه النهاية.
قال صلى الله عليه وسلم: (وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط) يعني: من العبادة، فإنه لم يعمل شيئاً من العبادات؛ لأنه لم يصل إلى القرية الصالحة قال: (فأرسل الله إليهم ملكاً في صورة آدمي) وهذا فيه تشريف للإنسان؛ فقد علمه الله سبحانه وتعالى كما قال عز وجل:
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا
[البقرة:31] ، وفيه تشريف لصورة الآدمي، فهي صورة شرفها الله فلا تهنها أنت بإذلالها لعدوها اللدود وهو الشيطان، وذلك بأن تجعل هذه الصورة المكرمة تنطلق في وجوه المعاصي والفجور، وتذل لذلك العدو اللدود وتجعل هذا الوجه الذي جعل الله فيه المحاسن، وجعل فيه السمع والبصر، وجعل من ورائه العقل الذي يفكر، وجعل فيه اللسان الذي ينطق وسائر الحواس فلا تجعله يتمرغ في الوحل والذنوب بدلاً من أن يخر ساجداً لله عز وجل.
فالله كرمك بهذه الصورة فاعرف تكريم الله لك، فالملك الذي يحكم بين الملائكة يأتي في صورة آدمي وقال تعالى:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
[الإسراء:70]، وهذا تكريم للإنسان فهي صورة خلقها الله عز وجل بيده، وهذا يقتضي منك شكر نعمة الله عز وجل عليك بألا تعبّد هذه النفس لغير خالقها، وأن تصون هذا الوجه عن السجود والمسألة لغير خالقه.
وكان الإمام أحمد يقول: اللهم! كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك.
قال صلى الله عليه وسلم: (فجعلوه بينهم -أي: حكماً- فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهن كان أقرب فاجعلوه من أهلها).
والحقيقة أن الرجل كان أقرب إلى الأرض السيئة، والقرية الخبيثة، ولكن الله عز وجل لأجل صدق توبته وإقباله عليه حرك الأرضين، فغير سكون الأرض، فالأرض ساكنة لا تتحرك، والأماكن الأصل فيها الثبات، ولكن الله عز وجل غير وجه الأرض من أجل هذا الرجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقاربي، وكان الرجل باذلاً كل وسعه في الوصول إلى الأرض الطيبة، فناء بصدره -أي: مال بصدره-)، وميل الإنسان على جنبه من ظهره تجعل مقدار شبر، فهو عمل والله عز وجل عمل عملاً آخر بالإضافة إلى عمله فقربه سبحانه وتعالى إلى الأرض الطيبة؛ لأنه أراد التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فجعل هذه القرية الصالحة تتقرب، والقرية الفاسدة تتباعد، وقاسوا المسافة بينهما فوجدوه أقرب إلى الأرض التي أراد بشبر فقبضته ملائكة الرحمة.
نسأل الله عز وجل حسن الخاتمة، ونسأله أن يجعلنا من التائبين، وأن يجعلنا من المتطهرين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الجواب: لا شك أن الحكم الشرعي المجرد هو وجوب طمس التماثيل، سواء كانت تعبد أو لا تعبد، فإن علياً رضي الله عنه كما في الحديث الذي رواه مسلم قال لأمير سرية أرسله: (ألا أرسلك على ما أرسلني به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجد قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته)، وفي رواية: (ولا صورة إلا طمستها)، وهذا أيضاً لم يخصص منه بما يعبد أو لا يعبد، وقد امتنع جبريل عليه الصلاة والسلام من الدخول إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان في البيت تمثال وكان تحت السرير جرو للحسن أو الحسين، فقال: (إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب أو صورة فمر بالكلب فليخرج، ومر بالتمثال فليقطع رأسه يصير كهيئة الشجرة)، وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم ووجد عائشة قد سترت سهوة لها بقرام فيه تصاوير فقال: (يا
فهذا يدلنا على عدم جواز اتخاذ الصور ووجوب إزالتها سواء كانت تعبد أو لا تعبد، والنبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ووجد فيها حمامة من عيدان، ووجد فيها صورة إسماعيل وإبراهيم يستقسمان بالأزلام، وكانت صورتهم الحقيقية فعلاً؛ لأنه ذكر ذلك فقال: (قاتلهم الله، والله! لقد علموا ما استقسما بها قط)، وأمر بمحو الصور صلى الله عليه وسلم، مع أنها صور أنبياء وهذه كانت أشياء تاريخية عظيمة ولو كانت طبق الصورة طبق الوجه مثلاً لمحاها صلى الله عليه وسلم، وكسر صلى الله عليه وسلم حمامة العيدان بيده، (وعندما كان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت في فتح مكة كان يشير للأوثان وهي ثلاثمائة وستون صنماً حول الكعبة ويقرأ:
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا
[الإسراء:81]، والأصنام تتساقط على وجوهها).
وأرسل من يكسر في القبائل الأصنام، وقد كانت بعضها أصناماً تاريخية جداً وتراثاً إنسانياً قديماً لكنها تخلف وانحطاط، وتراث البهيمية بل أسوأ من البهيمية كما قال تعالى:
أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ
[الأعراف:179]، وكان التراث من عهد قوم نوح فهو أقدم من بوذا ومن غيره، فكان هناك ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر في قبائل العرب، وكان الذي أوحى بالتنقيب عنها الشيطان إلى عمرو بن لحي الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم يجر قصبه في النار، وذلك أنه هو الذي أوحى إليه الشيطان أن يحفر في مكان كذا وكذا ليجد تماثيل معدة، فأخرجها وأمر الناس بعبادتها وفرقها في قبائل العرب، وكسرت كل هذه الأصنام بمجيء الإسلام، ولم يبق منها بحمد الله تبارك وتعالى شيء.
ولذلك نجد بالفعل أن الأمم كلها تماثيل آلهتها في الجاهلية موجودة في الغالب، وأما أمة العرب فلا يعرف وجود تماثيل هذه الآلهة الجاهلية -والعياذ بالله- رغم أنها زالت عبادتها بحمد الله بمجيء الإسلام، والذين يقولون: كان هذا في أول الإسلام لخوف العبادة، نقول لهم: أتظنون أن التوحيد كان أقوى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو معكم؟! أنتم تظنون على كلامكم الفاسد هذا أن التوحيد الذي معكم أقوى من التوحيد أيام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وأي اعتقاد أسخف من هذا؟! وأي بناء باطل للفتاوى أسخف من هذا؟! وفي الحقيقة أنها الآن تعبد حتى تماثيل الفراعنة فهناك من يأتي من المشارق والمغارب، وهناك من يأتي من الغرب خصوصاً ويعبد آلهة الفراعنة في الهرم الأكبر، وتوفر لهم كل الوسائل المهيئة بذلك.
والمقصود أن الحكم الشرعي في كسر الأصنام معلوم ولا ينازع في ذلك عالم، ومسألة أنها تعبد أو لا تعبد وأنها تراث إنساني هذا كلام لا يصح أن يعتبر، وما ذكر من ذلك مما يصح اعتباره هو قضية أذية المسلمين وقضية المصلحة والمفسدة، وهذا جدير بالاعتبار وجدير بالنظر، ولذلك نقول: إن الحكم هكذا، وأما الفتوى زماناً ومكاناً متى يتم؟ وأين يتم تكسير هذه الأوثان؟ فعلى حسب المصالح والمفاسد، وينبغي أن تقدر من قبل علماء المسلمين في المحلة التي هم فيها، وإذا كان يتعرض المسلمون في غيرها لأذى فينبغي أن ينظر في هذا الأمر أيضاً، وأن يقدرها علماء المسلمين المعتبرين من أهل السنة والجماعة لا الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، ويقولون مثل هذه الخرافات والخزعبلات المذكورة، لذلك نقول: القضية قضية المصلحة والمفسدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضية والأصنام مبسوطة حول الكعبة، ولكن مصلحة الوفاء بالعهد كانت مرجحة على مصلحة كسر الأصنام، وكذلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمصلحة إقامة الحجة والبينة على قومه ترك الصنم الكبير مع أنه كسر الأصنام الأخرى، وهذا دليل على أن المصالح والمفاسد معتبرة في هذا الباب، والله أعلى وأعلم.
فلا شك أن حركة طالبان لها مواقف إيجابية كثيرة في إقامة كثير من الشعائر الدينية وإن كنا نحن لا نعلم حقيقة التفاصيل أكثر مما ينشر في الجرائد عنهم، وينبغي حتى يتم الحكم عليهم النظر في واقع الحال هناك أكثر، ونحن لا نحيط به علماً حالياً إلا ما يأتينا من أخبار، وبلا شك أن فيها الخير الكثير في إقامة الشريعة وإقامة الدين، والله أعلى وأعلم.
الجواب: قراءته جائزة، وأما لمس المصحف من غير وضوء فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر).
الجواب: هذا كلام فاسد، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يخير بين أمور مباحة في الشرع، وليست أقوال الأئمة الأربعة شرع، بل كل منهم يجتهد في الوصول إلى الشرع، وليس كل قول من أقوالهم يعد شرعاً فأنت تختار الأيسر منها، بل يجب عليك أن تسأل أهل الذكر إن كنت لا تعلم، فالله تعالى يقول:
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ
[النحل:43]، فإن كنت لا تدري الراجح من الأقوال فاسأل العالم الذي في زمنك أو في بلدك عن الراجح من هذه الأقوال وخذ بكلامه، وإذا اختلفوا عليك فخذ بالأعلم منهما في نفسك، وهذا هو الواجب عليك ولا يجوز لك غير ذلك.
ومسألة اختيار الأيسر هو في الحقيقة قول ضعيف جداً، فأضعف الأقوال في مسألة الأئمة الأربعة أيسرها، ومن عمل برخص العلماء اجتمع فيه الشر كله، ولذلك أقول: الملاهي الليلية جائزة على هذه الطريقة؛ لأن الحنفية يجيزون شرب المسكر من غير عصير العنب، ويقولون: الخمر هو عصير العنب فقط -يعني: النبيذ فقط- وأما الويسكي والبيرة وغيرها فليست حراماً؛ لأن هذه عصير تفاح وعصير بصل وعصير شعير، إذاً نأخذ بقول الحنفية في ذلك، وعلى مذهب سفيان الثوري أن النظر إلى عورات نساء أهل الذمة لا يحرم إلا خشية الفتنة، فرؤية مومسة أجنبية ترقص عريانة ليس فيه مشكلة على مذهب سفيان الثوري ، وعلى قول ابن حزم في المعازف وإباحتها نقول: أحضروا الفرق واعملوا موسيقة إلى الصبح فما أحد عنده مشكلة، إذاً: فالملاهي الليلية بهذه الطريقة ليست خطأ، والواحد منا لا يستبعد من الاتجاهات الإسلامية المنحرفة هذه أن تخرج بالطريقة هذه فتاوى اعتماداً على هذه الطريقة نعوذ بالله، وهم يقولون أكثر من هذا.
الجواب: صلاة التسبيح صححها بشواهدها الشيخ الألباني وجماعة من العلماء، ولذلك نقول: إن صلاة التسبيح مشروعة ولكن غيرها أفضل منها، فالصلاة التي فيها إطالة قراءة القرآن أفضل من صلاة التسبيح، والرسول عليه الصلاة والسلام علمها عمه العباس ، والعباس تأخر إسلامه فلم يأخذ كثيراً من القرآن، فالحافظ للقرآن يصلي الصلاة بالقرآن أفضل.
الجواب: جزاك الله خيراً على نصيحتهم، لكن لو لم يستجيبوا لك فابحث عن غيرهم ، فمن الصعب جداً أن يجلس الشخص في السكن مع هذه النوعية من الناس، فسماع قليل من الموسيقا على طوال الأيام يؤدي إلى قسوة القلب.
الجواب: لابد من تفضيل الأم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك).
الجواب: الراجح جوازه، والأفضل والأحوط عدم أخذ أجرة، لكن من جهة الجواز فالراجح جواز ذلك والله أعلى وأعلم، والإمام أحمد يقول: بغير اشتراط.
الجواب: هذه أوهام كبيرة جداً وحواجز وهمية، فالناس يظنون أن أي واحد يلتحي يدخل السجن، والأمر ليس كذلك، وعندما يكون هناك فعلاً أن كل واحد يلتحي يدخل السجن، نقول عندها: أنتم مجبورون على حلق اللحية، لكن هذا ليس حاصلاً، ولا أن كل واحد يلتزم يدخل السجن، والكلام هذا ليس حقيقياً، وهذا الكلام إنما هو من الشيطان كما قال الله تعالى:
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
[آل عمران:175]، فأنا متأكد أن هذه أوهام الشياطين، فالبعد عن الإخوة مهلكة، ولذلك فالشيطان يأتي بخطوات فيقول له: ابعد عنهم فقط وهكذا، والذئب إذا أراد أخذ شاة فما دامت محمية في القطيع فليس قادراً على أن يهجم على القطيع كله، لكن ينظر الشاة البعيدة عن القطيع فيأكلها، (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية والشيطان ذئب الإنسان).
الجواب: أركانها: الندم، والإقلاع عن الذنب، والعزم على ألا يعود، وإذا كان في حق آدمي: أن يرد الحقوق إلى أصحابها.
الجواب: أقول له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم في أشرف مواقف الحج وهو (بعد أن رمى الجمرة ووقف بعرفة هو وأصحابه ومعه
فنصيحتي الأكيدة أنه لا يشعر بالسهام القاتلة التي تصيب قلبه من خلال هذه النظرات، فليتب إلى الله عز وجل حتى يفيق قلبه من هذا السكر الذي هو فيه، فسكر الشهوة يعمي ويصم -والعياذ بالله- أشد من سكر الخمر، كما أن امرأة العزيز لم تشعر بما تصنع بيوسف حتى تمزق قميصه لأجل الشهوة المحرمة، فأنت لا تدري ما يصيب قلبك، وأنت مقتول بهذه النظرات، فتب إلى الله عز وجل واقطع علاقتك بهن، ونسأل الله لنا ولك العافية.
الجواب: لا يخلد في النار إلا إذا مات على الكفر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن قتل نفساً بقطع براجمة: (اللهم! وليديه فاغفر).
الجواب: نعم، وليكن سؤاله لتحقيق هذا الأمر المعين أمراً أخروياً، وسبيل المداومة على هذه الطاعات أن تجعل الآخرة أكبر الهم، ومبلغ العلم، وليس ذلك للدنيا.
البث المباشرمن الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر