قال الله عز وجل في قصة يوسف:
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ
[يوسف:24] أي: رأى علامة على لزوم ترك هذا الأمر، وقد قيلت أقوال كثيرة في بيان هذا البرهان، وكلها لا دليل عليها، والصحيح: أن نطلق البرهان كما أطلقه القرآن.
فقد قيل: رأى آيات من القرآن مكتوبة على الجدار، ولعلها معاني بعض آيات القرآن مما كان موجوداً في الكتب السابقة.
وقيل: إنه رأى يعقوب عاضاً على إصبعه.
وقيل إنه قرأ:
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى
[الإسراء:32].
والظاهر -والله أعلم- أنه رأى علامة بينة -يعني أراه الله عز وجل برهاناً ربه من عنده عز وجل، ولم يكن البرهان ظاهراً لمن عنده، وليس المراد بربه هنا العزيز ، بل الله سبحانه، أي: رأى دليلاً وعلامة من عند الله عز وجل.
وقوله تعالى:
فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ
[يوسف:31] أي: أعظمنه، وهبنه في قلوبهن، فله هالة عجيبة، وهكذا المؤمن الصادق عندما يراه الكفرة صامداً يكون له عندهم قدر من التعظيم.
وكما قال الله عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم:
فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ
[الأنعام:33] فقد كانوا يقولون عنه: أمين، فـأبو سفيان مع كل العداوة التي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، عندما سأله هرقل : هل جربتم عليه كذباً؟ قال: لا. يعني: أنهم يشعرون بعظم منزلته ومكانته.
فالنساء أكبرن يوسف وأعظمنه، فله هيبة وجلال، ولما رآه الملك قال:
إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ
ومعنى مكين: أي: ذو مكانة، وأمين أي: مستأمن.
وأيضاً: فإن عمته بنت نبي وأخت نبي وعمة نبي، فلا يمكن أن نتهمها بالكذب، فتقول: إن يوسف هو الذي سرق المنطقة؛ لكي تأخذه من أبيه، وقد كان في شريعتهم: أن من سرق شيئاً دفع إلى المسروق منه، فقالوا: كانت تريد أن تأخذ يوسف لتحتضنه، فحيلة منها أتت بمنطقة إسحاق التي عندها فلفتها على وسطه لكي تأخذه، ففتشوا من الذي أخذها فوجدوها على يوسف فأخذته إلى أن ماتت.
وهذه الأخبار الإسرائيلية هي أولى بالرد من القبول؛ لأن هذه تهمة لابنة نبي وأخت نبي وعمة نبي، فلا يجوز ذلك عليها، والصواب: أنهم كذبوا في اتهامه بالسرقة كما كذبوا من قبل في قولهم:
فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ
[يوسف:17-18]، وبسبب الحقد العظيم الذي في قلوبهم كذبوا عليه بعد سنين كثيرة، وما تخلصوا من الحقد إلا لما انكسروا، وأول كلمة ندم بدأت تظهر منهم هي قول كبيرهم:
وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ
[يوسف:80] وهذا هو أول شعور بالتفريط بعد سنين كثيرة، لكن إلى اللحظة الأخيرة كان لا يزال عندهم حقد على يوسف، وتشفوا بأخيهم الثاني، وحتى لو كان فعلاً قد حصل هذا من يوسف فما كان ينبغي لهم أن يظهروا هذا الأمر لعزيز مصر، وهو رجل غريب أجنبي، وكأنهم أرادوا بقولهم ذلك: أن السرقة عريقة فينا، وبعد هذا قالوا:
فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ
وهذا شيء عجيب جداً!!
فالحقد يعمل في الإنسان أشياء سيئة جداً، فكيف يقولون:
إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ
[يوسف:77]؟! هذا هو الحقد الدفين.
ومن أول الوقت الذي رآهم فيه كان يستطيع أن يأمر بسجنهم فيسجنوا، أو بضربهم فيضربوا، بل لو أمر بقتلهم لقتلوا، ومع ذلك لم يعمل شيئاً من هذا، وغاية ما كان منه أنه قال لهم:
هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ
[يوسف:89]، فكل ما عمل بهم أنه عاتبهم بهذه الكلمة فقط، فهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ فقال: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، نبي الله يوسف بن نبي الله يعقوب بن نبي الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم).
والله! إن هذا شرف عظيم، وهو أن يكون أكرم الناس نسباً عليه السلام، وأنه تربى في بيت النبوة، وكرم يوسف عليه الصلاة والسلام تجده من أول كلمة في القصة، وفي أدبه مع أبيه، فانظر وقارن بين أدب يوسف وإخوته؛ لأن بعض الناس يقولون: إن يعقوب عليه السلام فاضل بين أولاده، ولأجل ذلك وقع منهم ما وقع، وهذه كلمة خاطئة؛ فسيدنا يعقوب ما فاضل المفاضلة المذمومة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أولادكم) أي: في العطاء، فواجب الأب والأم عندما يعطيان الأولاد أن يعدلا في العطاء المادي، أما في الحب فهذا مبني على الصفات، فمن أدب يوسف أنه قال: يا أبت! فهذا أدب عظيم، فكلمة (أبت) فيها الأدب والاحترام والرقة، والكسرة التي في التاء في كلمة (أبت) فيها انكسار وخضوع، يقول الله جل وعلا:
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ
، فالمسألة فيها خضوع، و(يا أبت) تختلف عن (يا أبي) مع أن (أبي) كلمة جميلة، لكن أبت فيها رقة أكثر، فكان بين يوسف أبيه ود واحترام عظيم، وفي نفس الوقت إخوة يوسف يقولون عن أبيهم:
إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ
[يوسف:8] ففيها سوء أدبهم مع أبيهم، وهو نبي الله، وهم لا يُعذرون بالجهل، فاتهموا أباهم وهو نبي ابن نبي ابن نبي بأنه في ضلال مبين، وهم يعرفون ما يجوز إطلاقه على الأنبياء وما لا يجوز، وقالوا مرة أخرى:
تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ
[يوسف:95] ويحلفون جازمين بذلك، فانظر إلى هذه الكلمات الفظيعة والعياذ بالله!
فمقياس التفضيل هو: الصفات الطيبة، كالتعليم والكرم والإحسان، فسيدنا يوسف أي إنسان يراه يهابه ويقدره، فالملك لما كلمه
قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ
[يوسف:54] وهو في تلك الرفعة.
وصاحبه في السجن يقول:
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ
[يوسف:46]، وصاحباه في السجن بمجرد ما دخلا السجن قالا له:
إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
.
وإخوته وهم لا يعرفونه قالوا له:
فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
[يوسف:78]، فسيدنا يوسف كرمه بائن جداً، فهو كريم فعلاً، والكرم هذا قد ظهر منه ظهوراً بيناً، فصفات النجابة ظاهرة عليه؛ ولذلك أحبه يعقوب، عندما تقرأ القصة ستحب يوسف وتبغض إخوته قطعاً، فتخيل ما مدى حب أبيه له! فعندما استأذنوه أن يخرج معهم
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ
[يوسف:13]، فيشق عليه مفارقته مدة قصيرة من النهار، ولكن لحاجته إلى اللعب أذن لهم؛ لأنه محتاج أن يرتع ويلعب، ولكن كان حزيناً عليه في هذه المدة، ثم يأتيه الخبر أنه: أكله الذئب، يعني: لن تراه بعد الآن، فبقي عدة سنين وهو متألم لفقد يوسف عليه السلام، فحبه ما زال في قلبه.
وانظر خداع إخوة يوسف حين قالوا:
يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ
[يوسف:9]، والأمر بالعكس، فعندما يؤذوا يوسف لن يخلوا لهم وجه أبيهم، وإنما سيزداد حباً له وبغضاً لهم، وهكذا الشيطان يزين المنكر، ويصور للعاصي أنه سيحصل على أعظم المكاسب، ولكن الحقيقة على العكس، مثل إخوة يوسف، فلم يخل لهم وجه أبيهم، بل ظل يعقوب على حبه ليوسف رغم أنوفهم.
ثم شمَّ ريحة يوسف عليه السلام على مسافة مئات الكيلومترات؛ لأنهم خرجوا من مصر وهو في فلسطين، قال الله:
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ
[يوسف:94] فبمجرد خروج العير من مصر وانفصالها منها؛ شم رائحة يوسف، فجاءوا بقميصه وبخبر الفرج، فلما شم ريحة يوسف رد الله له بها بصره.
فحب يعقوب عليه السلام ليوسف كان له ما يبرره قطعاً بلا شك، فهو الذي نشأه ورباه وعلمه، وهو يعلم أن الله سيصطفيه، ويعلم أن الله سيجعله نبياً، فيعقوب عليه السلام وضع الأشياء في مواضعها، وأحب يوسف؛ لأنه ينبغي أن يحب، ولم يحب إخوته مثله؛ لكونهم ليس فيهم الصفات التي في يوسف عليه السلام، بل اجتمعت فيهم خصال المنافقين، كما في الحديث: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا اؤتمن خان) فاكتملت هذه الصفات فيهم، وهذه القصة من ضمن الأدلة على أن النفاق أكبر وأصغر؛ لأن هؤلاء اجتمعت فيهم هذه الصفات ولم يكفروا.
وعندما تقارن القرآن بكتب اليهود والنصارى تجد أن هناك بوناً شاسعاً، فنجد القرآن لا يهتم بتفاصيل؛ لأنها لا تهم المسلم، لكن بني إسرائيل دائماً يُسهبون في كل القصص، فهم أتوا بقولين في امرأة العزيز:
القول الأول: أن يوسف عليه السلام تزوجها فوجدها عذراء، فقالت: إن زوجي كان رجلاً لا يأتي النساء، وكنت امرأً جميلاً؛ فاعذرني، فولدت له إسرائيل بن يوسف ، قالوا: وهو والد يوشع بن نون.
القول الثاني: أنها وقفت على الطريق سائلة، فقال: الحمد لله الذي جعل الملوك عبيداً بمعصيته، وجعل العبيد ملوكاً بطاعته، والله عز وجل أعلم.
لكن القرآن أهمل مثل هذه الأقوال؛ لأنها لا تفيد، وبلا شك فإن الله عز وجل أعلم بالذي حصل لها، لكن الله سكت عن ذكرها حتى ننشغل بما هو أعظم وأهم.
وكذلك قضية الأسماء، فقالوا: امرأة العزيز اسمها زليخا ، ولم يرد ذكر هذا الاسم في القرآن.
ويطيل أهل الكتاب في ذكر قصة لحظة اجتماع يوسف بامرأة العزيز ويأتون بأشياء وادعاءات تسيء إلى يوسف عليه السلام، فهم مغرمون بتهمة الأنبياء؛ لكي يبرروا لأنفسهم الفظائع التي يعملونها؛ فإذا كان الأنبياء عندهم زناة وشراب خمرة، وفعلوا الأفاعيل، وقتلوا ظلماً وعدواناً؛ فلا مانع عندهم من ممارسة هذه الأشياء التي فعلها الأنبياء بزعمهم.
وعندهم أشياء منكرة، لكنك تجد القرآن لا يذكر الأحداث في اللحظات الحساسة، بل قال مثلاً:
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا
، فالحديث نفسه وقع في خاطره وزال بسرعة؛ ليثاب، ولكي يكون قدوة للشباب في كل وقت، فقد وجد في نفسه الرغبة ولكنه قاومها، وتركها لله لكي يبقى قدوة لغيره، ولكي لا يظن الناس أن الأنبياء لا يقع في قلوبهم ما يقع في قلوب الناس من الشهوات، فقد كان عنده ما عند الشباب، وكان غريباً ووحيداً، والفاحشة لا تسيء في حق الغريب، فهو ليس من أهل البلد؛ ولذلك تجد الذين يسافرون إلى الخارج يكون من السهل عليهم أن يقعوا في الفواحش؛ لأنهم غرباء، وخصوصاً أنه شاب وأعزب ورقيق، والتي تطلبه هي أولاً سيدته، وثانياً: هيأت الأمر له كما قال سبحانه:
وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ
[يوسف:23]، فكأنها تملكه نفسها، فتقول: تهيأت لك، أو تعال إلي، فلفظة (لك) هذه فيها تمليك، وهي سيدته، فهذا امتحان صعب بلا شك.
وسبب هذه العصمة هو الإخلاص، فداء العشق وداء الشهوة يعالج بشدة الإخلاص وإرادة وجه الله، فيطرد من القلب إرادة غيره، ففي قراءة قال الله عن يوسف:
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ
[يوسف:24]، وفي أخرى:
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ
[يوسف:24] وهذا يدلك على أنك بتوفيق الله سوف تعصم، وباللجوء إلى الله عز وجل يعصمك سبحانه، ويصرف عنك كيد الكائدين، وسيدنا يوسف عمل هذا فقال:
وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
[يوسف:33] أي أن: نفسه ستودي به لكن يا رب! أنت الذي تعصمني وأنت الذي تنجيني:
وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
، فاتهم نفسه، وشك فيها أيضاً، فافتقر إلى الله، ودعاه أن يصرف عنه إرادة نفسه أن تميل إليهن، وقال:
وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ
[يوسف:33] فربنا هو الذي يعلمه.
ولذلك نجد سيدنا يوسف في كل المواطن ينسب الفضل إلى الله، ولا ينسبه إلى نفسه أبداً، مثل قوله:
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
[يوسف:101] حتى الدين يفتقر في التوفيق فيه إلى الله عز وجل،
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
[يوسف:101].
ويقول الله على لسان يوسف:
يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا
[يوسف:100] فالرؤيا قد تحققت ولكن من أدب سيدنا يوسف أنه قال:
قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا
.
وكذلك من أدبه أنه لم يقل: وقد خرجت من السجن، وإنما قال:
وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ
[يوسف:100].
وكذلك لم يقل: وجئتم من البدو، وإنما قال:
وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
[يوسف:100].
وانظروا أدبه: حيث وعد إخوته ولم يخلف الوعد، وعدهم بقوله:
لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ
[يوسف:92] فلا لوم ولا عتاب، ولذلك لم يقل: من بعد أن نزغ الشيطان في قلوب إخوتي، ومن بعد أن عمل إخوتي ما عملوا، ومن بعد أن آذوني هذا الأذى، بل قال:
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
.
وكل هذه الأشياء من تعليم أبيه بعد تعليم الله عز وجل؛ لأن أباه هو الذي قال له:
إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ
[يوسف:5]، فنسب الفعل إلى الشيطان، وقال له:
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
[يوسف:6] وكل هذه الألفاظ التي نسب فيها يوسف الفضل إلى الله مليئة بالافتقار.
فهذه الدرجة الأولى من درجات افتقار يوسف إلى الله عز وجل.
والدرجة الثانية من درجات افتقاره: أنه عليه السلام في كل شيء قد نسب الفضل فيه إلى الله، ولم ينسب لنفسه فضلاً أبداً، وأبوه هو الذي علمه ذلك.
فهذه هي التربية الإيمانية العالية، والارتباط بالأسماء والصفات، وقد قال له أبوه في أول القصة:
إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
[يوسف:6] وقالها سيدنا يوسف في آخر القصة:
إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
[يوسف:100].
الجواب: يوسف عليه السلام أجمل إنسان، فقد أعطي نصف الحسن، فلو قسم الجمال بين الناس؛ لكان ليوسف النصف وبقية البشر لهم النصف، إلا سيدنا آدم، فهو أجمل؛ لأنه سواه الله بيده، فيوسف ورث جمال آدم.
الجواب: أخرهم إلى السحر، فقال لهم:
سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي
[يوسف:98]؛ لأن السحر وقت إجابة، فهو يريد وقت إجابة الاستغفار؛ رفقاً بهم وشفقة عليهم.
الجواب: إذا كان كذلك فأين السوء والفحشاء التي صرفها الله عنه، فربنا قال:
كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ
[يوسف:24]، وضربها شيء جيد، لكن من أدبه أنه لا يؤذي الرجل الذي أحسن إليه في امرأته بأن يضربها، فهذا الفعل ليس مناسباً، فكيف يضرب التي ربته، وهي زوجة الذي أحسن مثواه، والظلم ليس مناسباً بيوسف؛ لقوله تعالى:
إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
[يوسف:23] ومن أعظم أسباب البعد عن الزنا أن يعلم الإنسان أن الزنا ظلم لمجموعة من الناس، وإذا رضيت المرأة التي تزني بها فلا تستطيع أن تتخلص من حقوق الآخرين، وهم: أخوها وأبوها وزوجها وابنها، كل هؤلاء ماذا ستقول لهم؟ فإذا تخلصت من ذنب بينك وبين الله وبقية حقوق المخلوقين ماذا ستفعل فيها يوم القيامة؟ فلأجل هذا قال تعالى:
إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
[يوسف:23].
ولأجل هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمريد الزنا: (أترضاه لأمك؟! أترضاه لأختك؟! أترضاه لخالتك؟! قال: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يرتضونه)، فأنت ستؤذي أناساً بالفاحشة، فعندما تفكر في هذا سترتدع عنه؛ لأنك لن تستطيع أن تتخلص من الحقوق.
الجواب: قد قيل: إنها خالته، وأمه قد ماتت، لكن هذا الكلام خلاف ظاهر القرآن، فما الذي يجعلنا نقبل الإسرائيليات؟!
والقرآن يثبت أن أباه وأمه وإخوته سجدوا له.
الجواب: لا، كان يوسف وأخوه من أم، والعشرة الآخرون من أم ثانية.
الجواب: الأسباط هم: أنبياء بني إسرائيل الذين من نسل الأحد عشر.
فإسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وبنوه الإثنا عشر يوسف وإخوته، وذريتهم كان فيهم أنبياء عبر التاريخ، فأسباط بني إسرائيل هم الأنبياء، وليسوا الأحد عشر أبناء يعقوب عليه السلام.
البث المباشرمن الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر