سورة آل عمران معلم أساسي في تاريخ أمة الإسلام، ودرس للمؤمنين عبر العصور وفي كل الأزمنة والأمكنة، وبيان لسنة الله سبحانه وتعالى، وقراءة إسلامية للتاريخ، يحتاج إليها المؤمنون في كل زمن وفي كل حال من أحوالهم.
فالأحوال دائماً في تغير وتبدل، والله يداول أيام العسر واليسر، والكثرة والنصرة بين الناس، فهو سبحانه وتعالى قد جعل للأمم سنناً يسير عليها البشر في الأزمنة المختلفة، وإن كانت أعمار الأمم لا تقاس بالسنوات وإنما تقاس بعشراتها أو مئاتها، وتقاس بالقرون، وإن أمة لم يتجاوز سلطانها مائة أو مائتين من السنين ثم تتعرض للاضمحلال والزوال لهي أمة مهينة، ولننظر في تاريخ أمة الإسلام لننظر ولنعلم كيف استقر بفضل الله عز وجل سلطانها قروناً متعددة، وبما انتصرت؟ وفي كم انتصرت من الزمن؟ ولماذا ضعف سلطانها وتسلط عليها أعداؤها؟ وفي كم من الزمن وقع ذلك أيضاً؟ حتى لا يغرنا تقلب الذين كفروا في البلاد، وحتى لا تغرنا القوة الزائفة الزائلة التي يقدرها الله سبحانه وتعالى لأهل الكفر في أزمنة مختلفة ليبتلي بها عباده، بذلك ويختبر ما عندهم، وينظر ماذا يعملون، ولو تأمل متأمل في الأرض والسموات لأيقن وجزم وقطع لمجرد التأمل أن البشر وجودهم وقوتهم وملكهم وما بأيديهم لا يساوي شيئاً، فتأمل وجود البشر بالنسبة إلى الأزل وإلى الأمد، بل بالنسبة إلى ما مضى فقط من حياة البشر على ظهر الأرض وما بقي منها، وكم يعيش الإنسان بالنسبة إلى هذا الدهر الطويل، لتعرف قدر الإنسان في الزمان بأنه كالهباء فعلاً، أو كاللحظة العابرة، أو كالخاطر الذي يخطر على البال أو أقل من ذلك، فوجودنا أصغر بكثير مما يشعر به الكثيرون منا من أن حياتهم طويلة، وتأمل حجمنا في المكان، وانظر إلى مصير كل منا في الأرض، كم يشغل منها بالنسبة إلى مساحتها الكلية؟ وكم تشغل الأرض من هذا الكون الواسع الفسيح؟ وكم تشغل من المجموعة الشمسية مثلاً؟ وكم تشغل من المجرة؟ وكم تشغل المجرة من آلاف الملايين من المجرات مما لا طاقة للبشر ولا علم ولا سمع ولا بصر يصل إليه فضلاً عن أن يحيط به؟ وكل هذا في السماء الدنيا، وكلما ارتفعنا اتسع الأمر لتعلم صغر الإنسان.
ثم تأمل ما بأيدي الناس من القوة في دنياهم التي يعيشون بها على ظهر هذه الأرض، ثم قارن بينها وبين القوة التي أودعها الله عز وحل في شيء واحد فقط فضلاً عن أشياء متعددة، في البحر مثلاً، كم من الطاقة في هذه البحار التي لو أمرها الله عز وجل أن تغرق الناس لأغرقتهم؟ كم في الرياح من طاقة وقوة هائلة تدمر ما بأيدي البشر في لحظات معدودة؟ ففي أيام معدودة وليال يدمر الله عز وجل أمماً بأسرها، ويقع ذلك في كل زمان، وليس هذا فقط في زمن عاد، بل يتكرر أمام أعين البشر في زماننا في كل عام مرة أو مرتين، فتسمع عن إعصار، وتسمع عن غرق، وتسمع عن حرب، وتسمع عن دمار، وتسمع عن زلازل، فهناك قوة مودعة في الأرض، هذه الأرض التي لو أمرها الله أن تبتلع الكفرة والظلمة والمنافقين لابتلعتهم في لحظة، ولضيقت عليهم، وانشقت بهم، ولو أمر الله عز وجل ما في السموات من المذنبات أن تحصد الأرض وتصيب ما شاء الله عز وجل أن تصيب لكان شيئاً واحداً منها مدمراً لقارات بأكملها، فسبحان الله!
أبعد هذا يغتر المغتر ويظن أن الأمر بأيدي الناس؟! ما يملك البشر وما بأيديهم إنما هو أصغر من الهباء بالنسبة إلى ما أودع الله عز وجل في بعض مخلوقاته من القوة، فالقوة لله جميعاً، لذا تأكد وأيقن أن الأمور تجري بمقدار من عند الله سبحانه وتعالى، وهي أثر من آثار قدره الماضي سبحانه، وأثر من آثار السنة التي قد مضت فيمن قبلنا، وأثر من آثار قوة الله عز وجل وقدرته على خلقه حتى لا تغرنا البدايات، وحتى لا نيئس من النهايات، وحتى لا نزن الأمور بموازين ما بأيدي الناس، حتى كأن القوة الوحيدة هي ما بأيديهم، حتى كأن التخطيط والتدبير إنما هو الذي يصنعونه، والأمر ليس كذلك، فهناك تدبير آخر، وهناك سنن يقدرها الله سبحانه وتعالى، ويجعلها سبحانه وتعالى هداية لأهل الإيمان، وموعظة لهم، ويبين بها لسائر الناس ما يفعله عز وجل بأوليائه وأعدائه؛ ليظهر لكل أحد أن الأمور من عنده سبحانه وتعالى نازلة، فالله عز وجل يقلب الأمور، ويداول الأيام، ويغير الأحوال والموازين، فإذا لحظنا ذلك بقلوبنا، ووعته أفئدتنا، كان ذلك سبباً لسلوكيات وأفعال معينة من طاعة الله سبحانه وتعالى، ومن الصبر والثبات، والتخلص من أمراض عديدة تصيب الأمم في فترات الضعف والمحن، كالوهن، والحزن، والاستكانة للعدو ولباطلة، والمتابعة له على الباطل، فكل ذلك بسب عدم ملاحظة سنن الله سبحانه وتعالى أن الأمور من عنده عز وجل.
فهذا أمر، والأمر للوجوب، فهل انتبهنا إلى هذا الأمر ونظرنا في عاقبة المكذبين ونحن نسير في الأرض؟ حتماً ويقيناً أن أكثرنا لا ينظر، بل كل البشر إلا من رحم الله، فنستثني أقل القليل ممن ينظر في عواقب الأمور وفي نهايات المطاف، ويقرأ التاريخ قراءة إسلامية، وقد ذكر الله عز وجل الأمر بالنظر في سنن من قبلنا مرات عديدة في كتابه، فقال تعالى:
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ
[الأنفال:38].
وقال عز وجل:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
[الحج:46].
وآيات كثيرة متكررة بهذا المعنى تأمر بالسير في الأرض؛ لننظر، لا لمجرد الأكل والشرب، ولكسب المكاسب، ولكن لنقرأ التاريخ قراءة إسلامية.
إنما يهتدي البشر بنور الوحي المنزل من عند الله عز وجل، فقد تكلم أناس كثيرون في أن حقيقة الصراع الذي يجري بين البشر محوره المال، والسلطان التابع له، والقوة الاقتصادية عندهم هي المحرك الحقيقي لكل الصراعات، ولهذا تجد أحدهم يلقن لطوائف أو لملايين من البشر من الشعوب المختلفة، أن معظم الحروب التي قامت، هي من أجل المال والثروة والسلطان، وقد يتأكد ذلك في حس الكثيرين بأنواع الحروب القائمة المعاصرة على الثروات المختلفة، وصراع البشر من أجل المال، ونظروا بناء على ذلك أن الإنسان إنما قيمته ما معه من المال، وأصلوا أننا سوف نحارب، ونسالم، ونوالي، ونعادي، على حسب الأموال، فمن يعطينا أكثر نكون تبعاً له، نظرة تجد أمماً وشعوباً تصدقها، بل آلاف الملايين من البشر قد استوعبت هذه الفكرة واقتنعت بها، وعاشت من أجلها، ولو نظرت من حولك في الناس الذين يعيشون معك لوجدت من هذا النوع ملايين متعددة، لا تعيش إلا لأجل المال، وبعضهم يرضى بأقل القليل من لقمة العيش، لا يعرفون من الدنيا إلا الحصول عليها، ولو بأن يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل ليس بعرض ذا بال عند أهل الدنيا، بل بعرض رخيص لا يساوي شيئاً، يبيعون دينهم من أجله؛ لأنهم اقتنعوا بأن الإنسان إنما يساوي ما معه من المال.
والأمم المفتونة بالمال ليت فقط آحاد البشر، بل شعوب كاملة المال هو المحرك الأساسي لها، والصراع عندهم ليس صراعاً بين أولياء الرحمن وأوليا الشيطان، إذ لا يعرفون إلا أولياء الشيطان فقط، وإنما الصراع من أجل المال.
ومن النظرات التي تفرع منها وهي نظرة مادية محضة، النظرية الشيوعية، والاشتراكية التي مدراها على الصراع بين الطبقات من أجل المال، وأنه لابد أن تسود الطبقة العاملة، وأنشأها عمال في بداية الأمر، ثم انتقلت النظرية إلى بلاد فيها فلاحون، وقالوا: لابد أن تسود هذه الطبقة على غيرها، ومن هنا جعلوا في مجالسهم التشريعية نسباً معينة لهذه الطبقة؛ لتكون هي السائدة، ولتكون هي الغالبة، نظرية عاش البشر بها نحواً من ثمانين سنة أو ما زال بعض البشر يعيشون في ظلها إلى يومنا هذا، شقوا بها، وأشقوا غيرهم، ومات ملايين بل آلاف الملايين، وأجيال تلو أجيال عليها فشقيت بهذه النظريات، وأصلت الصراع بين طبقات المجتمع بدلاً من التعاون بين طبقاته، وزرع التواد والتحاب، فقراءة معينة للتاريخ أخرجت هذا الفكر الذي أخرجه ماركس ، ثم طبقه لينين ، وسار عليه بقية الأنعام، وما اختلفوا كثيراً عن أمثالهم ممن يعظم المال، بل القضية واحدة، فنظرية الرأس مالية التي عاش ويعيش الناس بها حقبة من الزمن، قد شقوا بها أنواع الشقاء، وهذه النظرية مدارها على الربا، الذي حذر الله عز وجل منه، فبها يزداد الغني غناً وسلطاناً، ويطحن الفقير طحناً، وأمم تحاول أن تستغل كل ثروات الآخرين، وتأكل ما بأيديهم وتعيشهم أذل حياة والعياذ بالله.
فطريقة تفكير وقراءة للتاريخ أنبتت هذه النظريات المنحرفة
وآخر يرى في التاريخ أن الصراع الحقيقي بين البشر والمحرك الأساسي له هو الشهوة الجنسية، فالبشر إنما يعيشون لأجل شهوة الرجل للمرأة والمرأة للرجل، ولذا يقدسون هذا الأمر، ومن علامات تقديس ذلك عندهم الكم الهائل من الشهوات المطروحة على البشر، وتعظيم من عنده هذه البضاعة من أهل الإعلام والفن والشهوات المحرمة كلها، وما يدور حول هذا المحور من أنواع التجارات والأعمال، وإنفاق الملايين على الأفلام والأغاني والملاهي التي تدور حول قضية واحدة هي قضية الجنس، وأعمار تنفق لأجل هذه القضية، وتجد هناك من يعيش جامعاً هذه الخزعبلات، ويفسر التاريخ على ذلك، وأسس نظريته على هذه الخزعبلات، وأقنع بها الكثيرين، ثم صارت هذه الأمور هي التي بها تدرك الشخصيات، ويقدم أناس ويؤخر غيرهم، ويملك أناس ويزال غيرهم، بتخطيطات كلها تدور حول هذه المسألة، وحول الشهوات المحرمة في ذلك، وأنواع أخرى كثيرة من النظريات التي مبناها على قراءة خاطئة للتاريخ، ومحاولة باطلة لتفسير السنن التي يقدرها الله عز وجل.
ومن هنا يفهم أهل الإسلام والإيمان الذين اتعظوا بمواعظ القرآن أنهم لا يصح لهم بحال من الأحوال أن يغفلوا عن هذه الحقيقة، أو يقبلوا خداع الشيطان وأولياءه من زخرف القول الغرور، الذي يوحيه بعض الشياطين من الإنس والجن إلى بعض؛ لصرف الناس عن حقيقة الصراع؛ ولكي يقعوا في دوامات الفتن، ويغفلوا عن مصدر القوة الحقيقية، ومصدر النصر الآتي بإذن الله لأهل الإيمان والإسلام.
فإذا فقدوا فهمهم وقراءتهم للتاريخ قراءة صحيحة وفق كتاب الله عز وجل فسوف يغرقون في فتن عجيبة، وإذا جعلنا محور الصراع الذي يقع في الأرض هو حول المال، أو الجنس، أو الأرض، أو حول علو قومية معينة فلنبشر بالدمار، فهناك خمسة وخمسون مليون إنسان قتلوا من أجل فكرة خطرت في بال واحد، هي أن الجنس الألماني هو الذي لابد أن يسود، فالحرب العالمية الثانية قامت من أجل ذلك، فوقع خمسة وخمسون مليون إنسان قلتى، والجرحى أضعاف ذلك، كل ذلك لأجل فكرة سيطرت على إنسان وأقنع بها ملاييناً فساروا في حروب مدمرة، فـهتلر هو الذي رأى أن الجنس الألماني يجب أن يسيطر، وأن الأمم الأخرى لابد أن تخضع، ومثلها وإن كانت أوسع قليلاً نظرية التفرقة العنصرية ووجوب علو الجنس الأبيض، وما زالت هذه قائمة في الحقيقة، حيث يرى الأوروبيون البيض وأمثالهم من الأمريكان أن الأمم الأخرى لابد أن تكون حقيرة وذليلة لهم، واليهود يفكرون بنفس الطريقة، حيث يقولون: إنهم سادة العالم، فلذا يريدون السيطرة على العالم من خلال كل الوسائل، فالمال يسخرونه، والجنس يسخرونه، والصراعات دائماً يسخرونها؛ لأجل سيطرتهم على العالم.
فهل نغفل نحن عن حقيقة أو مفتاح الصراع بين البشر؟ فإن الصراع الحقيقي يدور بين الإيمان والكفر، وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ومحور الصراع:
هو قضية التوحيد والشرك، وقضية الطاعة والمعصية، فنريد أن نطيع الله، وأن يطيعه البشر ويتبعوا رسله ويصدقوهم، ويلتزموا أوامرهم، ونريد أن يعبد الله وحده لا شريك له في الأرض كلها، ويريد أعداء الإسلام غير ذلك، فيريدون أن يعبد الشيطان، وأن يعبد المال، وأن تعبد الشهوات، وأن يعبد البشر، وأن تعبد الأحجار والأشجار وغير ذلك، والصراع يقع ويجري، وسنة الله عز وجل في هذا الصراع عبر التاريخ واحدة، وموازينه تسير في مراحل ثابتة، وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة في توقيت يعلمه الله سبحانه وتعالى، بناء على صفات وأحوال الأمم والأفراد المنتمية لهذه الأمم، ولذا كانت تلك المقدمة بالغة الأهمية، ونعني: الآيات التي وردت ذكرت صفات المؤمنين، من أول التحذير من الربا وعدم أكله، ثم ما تلا ذلك من الأمر بأوامر عظيمة الأهمية من تقوى الله عز وجل، والمسارعة والمنافسة في جناته التي عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين قال الله:
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
[آل عمران:134-135].
فأمر التكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولرسل الله جميعاً له عاقبة معينة، وانظر في تاريخ الأمم لتعرفها، فهذه آثار عاد في حضرموت في جنوب جزيرة العرب تنبئك عن أثر تكذيب عاد لنبيهم هود، وهذه ديار ثمود في شمال جزيرة العرب تنبئك عن أثر تكذيب ثمود لصالح، وهذه آثار قوم لوط في الأردن تنبئك عن الدمار الذي حل بهم لما كذبوا لوطاً، وهذه آثار الفراعنة تؤكد أنهم كانوا أمة قد ضربت بأوتادها في الأرض قوة وتمكناً، وسلطاناً، وعتواً، وملكاً ظاهراً تام السيطرة عليها وعلى من حولها من الأمم، ثم ترى كل ذلك قد زال، أمم سادت ثم بادت، وزلت وهانت، وأبيدت بالكلية بعد أن تسلط عليها أعداؤها مدة.
وتأمل تاريخ بني إسرائيل؛ لتعرف سنة الله فيهم وفي أمثالهم عندما يؤمنون ويكفرون، ولتعرف نهاية حلقتنا من الصراع، فإنها سنن ماضية لا تتغير ولا تتبدل، وإن كانت الموازين بأعين الناس الذين لا يبصرون إلا الأمور المادية التي بأيديهم، ولا يرفعون أبصارهم وأفئدتهم إلى ما هو أوسع من تحت أرجلهم من أرض وسماء، ولا ينظرون إلى ما قبلهم وبعدهم من الزمان، فهذه النظرة التي ينظرون بها تؤدي بهم إلى الجزم بأن الموازين في صالح أعداء الإسلام، وأن الأمر بأيدي الكفار، فلابد من السمع والطاعة لهم، الدوران في فلكهم، ونسأل الله العافية.
و هذا كله من أعظم الخطر علينا، فلابد أن نستوعب دروس التاريخ، ونعلم ما قال ربنا سبحانه وتعالى:
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ
[آل عمران:137]، فإما أن تسير بأقدامك لترى بعينك، وإما أن تكتفي بإخبار الله سبحانه وتعالى وسير السائرين الآخرين الذين نقلوا لك، وأنت لابد سائر، ولكن لابد أن تتأمل آثار من قبلك في سيرك، فما من موطن إلا وترى فيه قبور السابقين، وترى مصارع الناس، وترى آثار الأمم السابقة، إذ لا يوجد بلد خال من ذلك فضلاً عما يتناقله الناس، وقبل ذلك كله ما أخبر الله عز وجل به عن الأمم قبلنا، وحقيقة الصراع الذي دار بين الرسل وبين أعدائهم.
أي: تأمل؛ لتعرف مآل المكذبين، ففي زماننا تأمل في حال الذين يكذبون كتاب الله، والذين يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين يسعون في الأرض فساداً:
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ
[الأعراف:45]، فسوف ترى أمراً عظيم الأهمية.
فـهرقل رغم كفره كان يعرف من سنن الله عز وجل ما ذكره لـأبي سفيان حين سأله هل حاربتموه؟ قال: نعم، قال: فكيف الحرب بينه وبينكم؟ قال: سجال، يدال علينا مرة، وندال عليه مرة، قال بعد أن سأله أسئلة أخرى وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة، فسنة الله ماضية، وأهل الإيمان سائرون على نهج الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ولذلك السنن ماضية متكررة، ليس في وجود الأنبياء فقط، بل في كل صراع يوجد بين أهل الإيمان وأهل الكفر، بين ما جاءت به الرسل وأوليائهم من جانب، وبين التكذيب والمخالفة والإباء والرد والصد عن سبيل الله من أعداء رسله من جانب آخر، أتظنون أن أبا جهل وأبا لهب هما أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم فقط؟ أو أن فرعون هو عدو موسى فقط؟ ليسوا هم الأعداء فقط، بل كل من يعادي ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعادي ما جاء به موسى وعيسى، ويعادي ما جاء به إبراهيم، ونوح، وهود، وصالح من التوحيد، والإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالكتب، والرسل، والقدر، وكلما جاءت به الرسل من التزام شرع الله عز وجل، فهم أعداء محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أعداء موسى وعيسى وإبراهيم، وهم والله! كثيرون، بل هم أكثر أهل الأرض، بل هم أهل الأرض إلا من رحم الله، نسأل الله العافية.
فالعداوة والتكذيب لرسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين تكون بالإباء والرفض لما جاءوا به، وهو أمر لم يزل مستمراً قائماً إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها، وإلى أن يأذن سبحانه وتعالى بهلاك الكفر وأهله من الأرض كلها.
وتأمل أن البيان للناس والهداية والموعظة للمتقين؛ لتنظر كيف تنتفع بالقرآن، وكيف تجد طعمه، وكيف ترى نوره، فليس كل الناس يهتدي بهذا البيان، وقد بين الله بهذا الكتاب العظيم ما تقوم به الحجج، فمن قصر في طلب العلم منه فهو آثم، ومن أعرض عنه بالكلية فهو الكافر والعياذ بالله.
وإنما ينتفع به من اتقى الله، فإن كنت تريد أن تنتفع بالقرآن، وتهتدي به وتتعظ بمواعظه، فاعمل بما علمت منه، واعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وتجنب معاصي الله على نور من الله تخاف عقاب الله، وتستشعر وقوفك بين يديه، وحضورك يوم القيامة مسئولاً عن القليل والكثير، والنقير والقطمير، والكتاب الذي يعرض عليك
لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا
[الكهف:49]، فتخاف وتتقي، فأنت إن عصيت تسير في طريق شوك، وهذا الشوك الذي يؤلم أجرك هو معاصي الله، ومخالفة شرعه، رغم أن أكثر البشر يظنون أنهم يسعدون بهذه الشهوات، ونسال الله العافية.
فأنت كماش في طريق الشوك ينظر أين يضع قدمه، وكم من الأشواك في حياتنا، بل قل: ألغاماً تنفجر كل يوم، تصيب أحدنا فتدمر قلبه، وتدمر إيمانه وإسلامه، وتذهب بطاعته لله عز وجل، وأكثر الناس لا يشعرون، ويستمرون في مشيهم دون أن ينظروا إلى مواضع الأقدام، فتقوى الله العمل بطاعته، وعلى قدر ما علمت يفتح لقلبك هدايات، قال تعالى:
وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ
[آل عمران:138] فلا يهتدي ويتعظ إلا من اتقى الله قال تعالى:
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ
[البقرة:282]، فإذا أشكلت عليك الأمور، واضطربت الأحوال، فلا تدري ما تأتي وما تذر، فاعمل بما تيقنت أنه طاعة من صلاة وصيام، وقراءة قرآن، وغض بصر، وحفظ فرج، وترك ظلم، رباً وغيرها، واترك ما تشك فيه، فإذا عملت بهذا فسوف تهتدي، لكن المشكلة أننا قاعدون ولم نتغير كما ينبغي، ولا ينبغي أن ننظر إلى ما نقدر عليه ثم نتباكى على عجزنا.
أما إذا فقدنا التقوى، الشعور بأننا في طريق ذا شوك فلا ننظر إلى مواقع الأقدام، وكذا إذا فقدنا الشعور بأننا في أزمة تقتضي الجدية في كل أمر من الأمور، في طلب العلم، وإصلاح النفس، والعمل، والعبادة، والذكر، والدعوة إلى الله عز وجل بما شرع الله سبحانه وتعالى وبما نقدر عليه، فلن نغير من واقعنا، ولن نقدر على إصلاح شيء ذا بال منه، مع أن الذي نقدر عليه كثير، وما نراه اليوم من ضعف وقلة حيلة ليس لقوة الأعداء حنكتهم وإنما هو مقدر من عند الله عز وجل، وأيضاً هو بسبب التقصير الذي عند جملة الأمة، ولو وجد أفاضل البشر على الإطلاق في وسط جمع مقصر لضاع الفضل بين زخم التقصير كما سيأتي في هذه السورة، وكما قال الله عز وجل:
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ
[آل عمران:152].
فالعشرة المبشرون بالجنة كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جيش المسلمين في غزوة أحد، ومع ذلك وقعت الهزيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهل ندرك ما ينبغي علينا أن نعمله؟ فعلينا تقوى الله، ومعالجة أمراضنا، كمرض الوهن والحزن والاستكانة وغيرها. قال تعالى:
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ
[آل عمران:138]، أي: كلما اتقيت الله عز وجل فيما بينك وبينه، فراقبته وعاملته، وأخلصت له، وصدقته، واجتهدت في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، كلما كان النصر حليفك، وليس يصلح أن يكون هذا في آحاد الناس، بل لابد أن يكون سمة عامة للأمة والطائفة الملتزمة بالطاعة، التي تقول إنها على الحق، لا يضرها من خالفها وخذلها حتى تقوم الساعة، أو تريد أن تكون كذلك، أما إذا كانت السمة العامة لهؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالملتزمين أو بالمتقين للجهل مثلاً أمراض القلوب، أو ضعف الحب والود، أو أنواع من الصراعات على الدنيا والتنافس عليها، فحينئذ لا يكون لهؤلاء النصر والغلبة، وعلى ذلك وجب على الأمة تغيير نفسها؛ ليغير الله حالها، فإن الأمور سنن من عند الله، وليست مجرد أمور أرضية، ولقد قال عمر رضي الله عنه عندما أتوه بالبرذون ليركبه -وكان البرذون يتبختر به ويريدونه أن يركب عليه؛ ليليق بمقام أمير المؤمنين- فنزل منه عمر وقال: أركبتموني على شيطان، ما نزلت منه إلا أنكرت نفسي، قال: أتظنون الأمر من ههنا، أي: من الأرض؟ إنما الأمر من ههنا، أي: من السماء، وأشار إلى فوق، فلذلك لابد أن نعمل بما علمنا وبما نقدر عليه، فمن عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يعلم، ومن عمل بما قدر عليه رزقه الله القدرة على ما لا يقدر عليه، ووالله! إن القوة كامنة كمون النار في الزناد في هذه الأمة، وشرر يسير منها يرعب الأعداء، وهم يدركون ذلك جيداً، ويعرفون السنن، ولكن هل سنستخرج هذه القوه ببديل التقوى؟ وهل نحولها من هذا الخمول إلى الواقع بالعمل بطاعة الله سبحانه وتعالى؟ أم نظل مستكينين في أنفسنا؟
والوهن: هو حب الدنيا وكراهية الموت، والصراع على شهوات الدنيا، هذا المرض الذي يعرف الأعداء جيداً أثره فيسعون إلى نشره، وأكثر الناس يأكلون الطعم، ويتنافسون على الدنيا أحقر المنافسات، نسأل الله العافية.
والحزن أن يظل الإنسان يفكر فيما مضى، لا لينتقل منه إلى عمل في المستقبل، بل لمجرد الأسى والحزن، ويتذكر الآلام لا ليستفيد من التجربة؛ لينطلق إلى عمل جديد، ولكن لكي يتألم فقط، أو يندب حظه، وهذا دائماً يجر سلسلة أمراض منها:
العتاب على القدر ولومه، والشعور بالظلم، وأنه كان ينبغي أن يقع غير ما وقع، وعتاب الآخرين ولومهم وادعاء تقصيرهم في حقه، وهو المقصر، وأنواع من الأمراض التي تؤدي إلى أمراض أخرى، كمرض الحزن، والمقصود به المنهي عنه الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى اليأس من رحمة الله، وإلى الاستسلام، والاستكانة التامة للعدو الداخلي والخارجي، فييأس من الإصلاح الداخلي، وييأس أيضاً من إصلاح ما حوله، فيقبل الواقع، ويغرق في شهوات الأرض، نعوذ بالله من ذلك قال تعالى:
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
[آل عمران:139]، فدلهم على الاستعلاء بالإيمان رغم الضعف الظاهر، والهزيمة في أحد، وقتل منهم سبعون، وجرح من جرح، فقد جرح النبي عليه الصلاة والسلام، وكاد المشركون أن يقتلوه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والذين فقدوا من المجتمع المسلم في غزوة أحد وزنهم في ميزان البشر بأمم، فـحمزة أسد الله رسوله صلى الله عليه وسلم، ومصعب بن عمير الذي أدخل الله على يديه أهل المدينة في الإسلام وأمثالهم، فكم يساوي هؤلاء الشهداء الأفاضل الذين قتلوا؟ قد أخبرنا الله عز وجل بأن الواحد منهم بأمم لا بأمة وحدها، فالواحد منهم يغير مجرى التاريخ، ومع ذلك ينزل قوله الله تعالى:
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
[آل عمران:139]، فكل ما فقدناه بالنسبة إلى فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة ومصعب ومن معهما، رضي الله عنهم أجمعين هين وقليل، فينبغي علينا من باب أولى أن لا نهن أو نضعف، بل لابد أن يتم السير إلى الله عز وجل بكل قوة، وفي الطريق الصحيح، والطاعات كثيرة جداً، فلا تقتصر على صورة معينة، بل تستطيع أن تعبد الله عز وجل في كل حال وفي كل مكان، على العسر واليسر، والمنشط والمكره، وهناك أنواع عديدة من العبودية التي تؤديها في حالة الضعف والإحباط الذي يقع، والذي يملأ النفوس اليوم بسبب الأحداث الأليمة التي تمر بها الأمة في الداخل والخارج، وبسبب أنواع البلايا والمحن، وتسلط الأعداء بأنواعهم المختلفة.
إذاً: فلابد أن تكون لك قوة في طاعة الله، بما تقدر عليه وما تعلمه، حتى يفتح الله عز وجل عليك ما لا تعلمه، وما يغيب عنك، وما لا تقدر عليه، فلابد أن لا نهن أو نضعف في أداء أي عمل في طاعة الله عز وجل، ونعمل بما في أيدينا بكل قوة، ولا نحزن على شيء قد فاتنا، إذ لاشك أن المسلمين في أحد كانوا يريدون نصرة الإسلام، وعلو كلمة الحق، أو على الأقل طائفة عظيمة منهم فيها من هذه الإرادة ما لا يوجد في الأمة اليوم بأسرها، ففيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي وباقي المبشرين، ولا شك أنما فات بفعل الغزوة كان أمراً عظيماً، ومع ذلك فلا يجوز الحزن عليه، أفترى وسيلة من الوسائل التي عجز المسلمون عنها اليوم بالمقارنة إلى ما فات المسلمين في أحد يقتضي منك حزناً على ما فات؟ إن ما فات المسلمون في أحد بالنسبة إلى نصرة الإسلام في الأرض أعظم من كل الوسائل، فالقتال كان وسيلة لنصرة الإسلام، ومع ذلك فقد فاتهم ما فاتهم بسبب تصرف بعضهم، ونحن قد فاتتنا أشياء عجزنا عنها، نتمناها ونرجوها، ونحدث أنفسنا بها، ومع ذلك فليس ذلك الفوت مبرراً للحزن، أو للضعف، بل تعلم أنك كلما حققت معاني الإيمان كلما علوت به من الله تبارك وتعالى.
إذاً: فلابد أن نعلم جميعاً أنه كلما زاد رصيدنا من الإيمان، كلما رجحت كفتنا في الصراع مع الأعداء، وبالعكس من ذلك فإن حصل فينا داء الضعف، كحب الدنيا، وكراهية الموت، والحزن على ما فات حزناً يجذبنا إلى الأرض، ويدفعنا إلى اليأس، وإلى الإحباط، وإلى عدم التغيير المطلوب من الداخل أي: من النفوس حتى تصلح، وحتى يغير الله ما بنا من هذه الأمراض، فإنه كلما حصل ذلك كلما ضعف الإيمان، وكلما ضعف الإيمان كلما نزلنا إلى الأسوأ، فحال القلب بالنسبة لهذه الأمراض يشبه صاروخاً يريد أن يرتفع، ولكن فيه ضعف في قوته، وبه روابط تجذبه إلى الأرض، فإذا كانت قوته ضعيفة، والأربطة التي ربط بها إلى الأرض قوية فلن ينطلق، فلابد أن نتخلص من السببين:
الأول: روابط الأرض التي تجعل المسلم يخلد إلى الأرض ويتبع الشهوات، ويحب الدنيا حباً مذموماً، فعليه أن يتخلص منها ويعظم الرغبة في الآخرة.
والثاني: قوة دافعة للارتفاع، وهي في الحقيقة قوة الإيمان، والإيمان علم وعمل وتصديق بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يقيناً، وحب، وخوف، ورجاء، وتوكل، وعبادة، وصلاة، وصيام، وزكاة، وعبادات تؤدى لا كصورة، ولكن بالحقائق الباطنة، فلا تصم عن الطعام والشراب، ولم تصم ألسنتنا عن الغيبة والكذب، ولم تصم قلوبنا عن الحقد والحسد والضغينة والبغضاء، ولم تصم جوارحنا عن معاصي الله، فهذا الصيام أصبح صورة لا حقيقة له، ومعلوم: أنه لن يكون باطلاً فيؤمر صاحبه بالإعادة، إلا أنه لا يثقل الميزان، ومع ذلك لا يحكم على صاحبه بالكفر؛ لأن كل واحد عنده ذرة إيمان ينجو بها من الخلود في النار، لكن هذه الذرات لن ترجح الكفة في الصراع مع الأعداء، إذ لابد من أمر ثقيل كما قال تعالى:
وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
[آل عمران:139].
فعدم علونا يدل على أننا لسنا مؤمنين الإيمان الكامل، ولا أقصد بذلك الآحاد أيضاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، والعشرة المبشرين، والشهداء الذين قتلوا، وجماعات من الصحابة، قد شهد لهم ربهم فقال:
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ
[آل عمران:152]، فهناك أناس تريد الدنيا وليسوا منافقين، إذ أن المنافقين أمثال عبد الله بن أبي بن سلول رجعوا عن المعركة، والباقون هم أهل الإيمان، لكن إرادة الدنيا عندهم كانت مؤثرة على المجموع، فحصل لهم ما حصل.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الجواب: هناك أحاديث متعددة في فضيلة ليلة النصف من شعبان، وأن الله عز وجل يغفر لكل خلقه إلا مشرك أو مشاحن، أي: بينه وبين أخيه شحناء، فكل من بينه وبين أخيه شحناء فليسع إلى إزالتها حتى يغفر له إحيائها بهذا الأمر، ولكن لا يشرع الاجتماع على قيام الليل في تلك الليلة، ولم يصح شيء في دعاء مخصوص فيها يسمى دعاء ليلة النصف من شعبان، ولكن هي ليلة فاضلة؛ لأن الله عز وجل ينزل فيها إلى السماء الدنيا، وهذا حديث حسن أيضاً. وصيام يوم الخامس عشر من شعبان مشروع أيضاً؛ لأنه ضمن الأيام البيض، وإن كان لا يخصص وحده، بل ينبغي أن يصام معه الثالث عشر والرابع عشر، ويجوز صوم يوم الست إذا كان قد صام قبله يوم الجمعة، أو كان له سبب كما إذا كان من أيام البيض كما ذكرنا، والله أعلم.
وبعض الأفاضل يضعف الأحاديث، ولكن الظاهر أن لها أصلاً لا تقل عن رتبة الحسن، وقد حسنها الشيخ الألباني والإمام المنذري وغيرهما.
الجواب:، لابد من صيامها طالما أنها تستطيع وليست مريضة مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه، فيجب عليهما القضاء ولو في أيام الشتاء.
الجواب: إن كانوا هم الذين عرضوه نتيجة فسخ العقد أو إنهاء العقد فلا بأس بذلك، لكن لا توضع في بنك ربوي، بل يسعى إلى استغلالها في أي مشروع يكون أولى وأفضل، فإن أراد وضعها في بنك فلا يضعها إلا في بنك إسلامي ويتصدق بجزء من الربح.
الجواب: أخواتها لهن نصيب؛ لأن البنات الأربع يأخذن الثلثين، فإن كان منهن ذكراً فله الثلث الباقي؛ لقوله تعالى:
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ
[النساء:11] وإن لم يكن مع البنات إلا أخوات الميتة فهن أيضاً عصبة في الثلث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة).
الجواب: يخرجها في المكان الذي يفطر فيه، وإن أخرجها في بلده، أو وكل أحداً بإخراجها جاز ذلك.
الجواب: إذا كانت لا تعلم مع أنه كان يلزمها السؤال فنسأل الله عز وجل أن يغفر لها، وأن يتقبل منها، والعمرة صحيحة وإن كانت تأثم لسفرها بدون محرم إلا أن مسألة الرفقة الآمنة فيها اجتهاد سائغ، وإن كنا نرجح عدم جواز السفر إلا بمحرم.
الجواب: طالما أن نشاط الشركة نشاط مباح، فالأرباح -إن شاء الله- تكون مباحة.
الجواب: هذا نوع من الخداع، وهذه الأنظمة كلها أظن أنها أشياء وهمية مجردة، وأول خطأ في هذا الأمر أنه يجب على من اشترى الذهب أن يقبضه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يداً بيد) فشراء الذهب لابد أن يكون حاضراً بحاضر، فهذا الموضوع خداع، وهو عبارة عن وهم، وهي نفس طريقة البزناس، لكنها هذه المرة على ذهب وهمي، وحتى لو كان حقيقياً فلابد من التسلم والاستلام، فمن يدخل في هذا يدخل من أجل العمولة التي هي في الحقيقة مبنية على احتمال أنه سيخدع قدراً كبيراً من الناس الذين سيخدعون غيرهم، إلى أن تصل الشركة إلى مرحلة معينة، فهذه الشركات الوهمية غالب ظني أنها لو كانت صحيحة فهي لا تجوز؛ لعدم التقابض.
الجواب: أنا موقن أن هناك حياة في من أناديهم، وانظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا ثلاثمائة مع أبي عبيدة رضي الله عنه في سرية زادها جرام تمر، ومصير كل واحد منهم وهم يذهبون إلى قتال الأعداء تمرة كل يوم، وفات أحدهم ذات يوم تمرته فوقع الرجل لعجزه عن الحركة حتى شهد له أصحابه أنه لم يأكل تمرته فأعطاها له، ونفد التمر حتى أخرج الله لهم حوت العنبر، فهؤلاء كانت عندهم همة للإسلام.
وحديث صحيح يرويه ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى عيادة سعد بن عبادة ومعه خمسة عشر صحابياً تقريباً، وليس عليهم قمص، ولا عمائم، ولا أردية، ولا خفاف، ولا نعال، إلا الأزر، فهذا كان حال أهل الإسلام الأول، وهؤلاء هم الذين أدخلنا الله بهم في الإسلام، وهم الذين جاهدوا وتحملوا الصعاب حتى انتصر الإسلام، ورغيف العيش الذي تهمه وتقلله في نظرك يصبح بكثرة تذكر الآخرة، وبكثرة التذكر للقاء الله عز وجل، وبتعظيم ما عظمه الله عز وجل من معاني الإيمان نعمة عظيمة، وتشعر بأنك قد أخذت كثيراً جداً، وحينها اعلم أن الله عليك بفهم آية؛ لأنك أغنى من كل أصحاب الملايين؛ ولأنك تذوقت طعم آية أو حديث عرفته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ذقت حلاوة سجدة دعوت الله فيها صادقاً من قلبك.
روى سهل بن سعد قصة زواج الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابي الذي يريد أن يتزوجها وليس معه إلا إزار، فيقول سهل رضي الله عنه: ما له رداء، ويقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فالتمس شيئاً، فذهب يلتمس وأتى وقال: لم أجد شيئاً، فقال: اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد، فذهب يبحث ثم رجع ولم يجد خاتماً من حديد، قال: لكن يا رسول الله! هذا إزاري فلها نصفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تصنع بإزارك! إن لبسته لم يكن عليها منه شيء)، وتخيلوا أن الإنسان يتزوج ولا يجد شيئاً، إذ لو كان عنده نعل لأعطاه، ولو كان عنده رداء لأعطاه، فهو لا يجد في البيت شيئاً ولا حتى خاتماً من حديد، فهذه طبيعة الحياة التي عاشوها، فكانوا دعاة ومجاهدين لا يبالون بالدنيا، ولنقرأ كتاب فضل فقر الصالحين، ونتشبه بهم في الكماليات، ولسنا قادرين أن نستغني عنها، حتى أصبحت بالنسبة لنا ضروريات، وانظروا إلى من أراد أن يتزوج كيف يشترط عليه شروط، ويشترط عليهم شروطاً فوق طاقة الأب الذي سيزوج ابنته، وهذا مثال فقط حتى نرى ما نحن فيه من العبث.
البث المباشرمن الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر