www.islamweb.net/ar/

فكوا أسرانا للشيخ : أحمد القطان

  • التفريغ النصي الكامل
  • لقد حثنا الإسلام على المعاملة الحسنة مع الأسرى، وعدم تعذيبهم كما يحدث في بعض الدول، حيث أنهم يذيقون أسراهم أشد أنواع العذاب من الضرب وخلع الأظافر، وتعليقهم على رءوسهم مدة طويلة، وقد يبقى الأسير لديهم فترة زمنية طويلة دون أن يرى أشعة الشمس، بل إن بعض الأسرى لا يُعرف عنهم شيء، بل حتى هل هم أحياء أو أموات؟ ولا أحد من المسلمين يتفوه بكلمة أو يبذل جهداً في فكاكهم، والأعظم من ذلك أن هذا كله يحدث في الدول الإسلامية والعربية.

    الخلفاء الأولون والأسرى

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين، ومن دعا بدعائهم، وجاهد بجهادهم إلى يوم الدين.

    أما بعد عباد الله: إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] وهو الضمان للذرية: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9] التقوى والدعوة ضمان للأجيال.

    وأصلي وأسلم على قائدي وقدوتي وحبيبي وقرة عيني محمد بن عبد الله أرحم مخلوق بالأسرى، وأعظم مطالب بالمخطوفين المغدورين، وهو الذي اقتبس منه خلفاؤه قوانين الحروب، فهذا خليفته الصديق رضي الله عنه وهو يودع قادة الجيوش لفتح مصر والشام، ينادي: أيها الناس! اسمعوا الوصايا، ويوصي مَن؟ أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح ، وعمرو بن العاص داهية العرب، ومعاوية بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان ، عمالقة قادة، قمة في الأمانة والورع والعدل، يقول لهم: [لا تقتلوا امرأةً ولا طفلاً ولا شيخاً كبيراً، ولا تقطعوا شجرة، ولا تقتلوا دابة إلا لمأكلة، ولا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا، وسترون أقواماً قد فرغوا أنفسهم للعبادة فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له] هكذا يربيهم ويعلمهم.

    ونحن اليوم أيها الأحباب الكرام! نعيش مأساة الأسرى والمخطوفين في بلادنا في الكويت، ولا نقول: أسرى؛ لأن الأسير له قوانينه، فهو ذلك الجندي المقاتل الذي غلب خلال المعركة في قتال متكافئ بين جيشين في قضية واحدة، أما أبناؤنا ونساؤنا وأطفالنا، أما المصلون في المساجد الذين تخطفوا من بيوت الله فأولئك ليسوا بأسرى، إنما هم المخطوفون المغدورون المسلوبون، وحُكم ذلك أن تقوم الأمة كلها من مشرقها إلى مغربها تجاهد لتخليصهم، وقد حدث هذا في التاريخ، في عهد المعتصم اختطفت امرأة فصاحت: وامعتصماه! فتلقتها آذان المسلمين ونقلتها ألسنتهم حتى وصلت إلى المعتصم ، فصاح: لبيك وسعديك! وحرك الجيش وكان يومها عاصمته بـالشام قبل أن ينتقل إلى بغداد، فسير جيشاً من الشام إلى عمورية في فصل الشتاء، لم يرده الجليد، ولم يرده البعد، ولم ترده كثافة الجيوش، وكان أول من رمى بسهمه، وقال: ارموا على بركة الله، وخلص المخطوفة وأسرتها وأعادها وأحرق عمورية على من فيها، أما الآن وفي سجون العراق.

    رب وامعتصماه انطلقت     ملء أفواه الصبايا اليتم

    لامست أسماعهم لكنها     لم تلامس نخوة المعتصم

    وقبل ذلك في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي صادقه كل الناس في الأرض لعدله، حتى ملوك الكفر أرسلوا إليه يريدون التبادل الدبلوماسي وفتح سفارات له في ديارهم معترفين بصلاحه وعدله، فأرسل إلى ملك الروم سفيراً ودخل السفير المسلم أرض الروم، وإذا به يرى أعمى مربوطاً بحجر الرحى يطحن الحب والشعير مكبلاً بالحديد في يديه ورجليه وهو يتلو القرآن، فانحط السفير من فوق صهوة جواده واقترب منه؛ لأنه لا يصدق أن يكون هذا مسلماً! فدنا فإذا الذي يتلى هو القرآن قال: أمسلم أنت؟ قال: نعم. أسروني ثم خيروني بين أن أخرج عن ديني؛ -أخرج من الإسلام- ويعطوني حريتي ويزوجوني أجمل نسائهم، أو يسملون عيني بمسامير النار ويربطوني طوال عمري في الرحى أطحن لهم الحب وأنجو بديني، فآثرت ديني على دنياهم، فسملوا عيني وربطوني أطحن لهم الحب.

    فالتفت السفير إلى الوفد الرومي الذي يستقبله، وقال لهم: لا أخطو خطوة من موقعي هذا حتى يفك هذا الأسير، فانطلقوا إلى ملكهم وأخبروه، فقال: نعم. فكوه إنه من أتباع الملك الصالح والعبد الصالح عمر بن عبد العزيز ، ففكوا قيده وانطلقت به الركبان يوصلونه إلى أهله، ودخل السفير إلى أرض الروم، أين أصوات السفراء العرب والمسلمين بخصوص المخطوفين من بلادنا هنا؟ الصامتون الخرس، الشامتون، الفرحون، الراقصون على أشلائنا ودمائنا ولا يبالون، إنهم صور مجسمة من زعاماتهم وقياداتهم وأنظمتهم، ولو مثلوا الإسلام لهدى الله الأرض ومن عليها، كثيرٌ منهم يشرب الخمر أكثر من الكافرين ولا يبالي، أنرجو من هؤلاء أن تكون لهم تلك الوقفة الصادقة التي وقفها سفير عمر بن عبد العزيز ؟ هيهات! هيهات!

    ذكر الأسير مع اليتيم والمسكين في القرآن

    ثم أيها الأحباب الكرام: الله جل جلاله في كتابه الكريم يجعل قضية خطيرة من قضايا الآخرة معلقة في العطف على الأسير أو المخطوف: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الإنسان:8-12] أين الطالبون لجنان الرحمن؟

    أين الذين يريدون أن يأمنوا يوم الفزع الأكبر؟

    نسينا أسرانا، نسينا المخطوفين، بأبي تلك الطفلة التي تقبع الآن عند مستنقعات سجون الطاغية كيف تنام الليل؟ كيف تهنأ بطعام؟ كيف تتنظف؟ أين التي (تهدهدها) كل ليلة (وتناغيها) لتنام؟

    طفلة لها أكثر من عام، أم طهور فصلوها عن وليدها واختطفوها من بيتها وهي الآن تنتظر الفرج، شيخ كبير من رواد مساجد الله تعلم على الطهارة والركوع والسجود يصبحه الجلاوزة بالسب والشتم ويؤذونه! أنسيناهم يوم نمنا ملء أعيننا، وأكلنا ملء أفواهنا، وأمنا على بيوتنا وأولادنا؟!

    بردت في قلوبنا تلك المشاعر، إنهم يتآمرون علينا بقبضهم على المخطوفين، وما ندري عمق وأبعاد هذه المؤامرة، أيريدوننا أن نستسلم لأعدائنا استسلاماً كاملاً فلا يكون لنا قرار ولا رأي ولا حكم ولا دين ولا دعوة؟

    ما الذي يجعلهم يتباطئون ويتلكئون في إخراج أسرانا؟

    إنها المؤامرة علينا لا شك في ذلك.

    أحبتي في الله: الله جل جلاله أدخل امرأة النار في هرة، وأدخل امرأة يهودية بغياً الجنة في سقي كلب، أليس هناك من فيه رحمة تلك المرأة التي شكر الله لها وغفر لها وأدخلها الجنة بسقيا كلب عطشان؟

    يا أيتها الرايات الصفر! اخفقي فوق كل مكان ليصطك سمع الدنيا، يا أيتها الرايات الصفر ذلك اللون الباهت الذي يدل على المرض والقحط والجفاف اخفقي في كل مكان ليشهد الناس أجمعون خزي هذا الطاغية الذي اجتاح بلادنا وخزي أنفاس الذين أيدوه ووقفوا معه، اخفقي أيتها الرايات الصفر حتى يلوثك الدخان الأسود من سواد قلبه وسواد وجهه وزوايا سواد حزبه إلى أن يأذن الله بالفرج.

    الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع هذه الأحداث تعاملاً عجيباً، يأتيه لئام من قبيلة عرينة من اليمن ، ويستقبلهم أحسن استقبال في المدينة ، ويظهرون إسلامهم نفاقاً حتى إذا تمكنوا وتجسسوا وتحسسوا، انطلقوا بعد ذلك وهم مرضى من مرض قلوبهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (خذوهم إلى إبل الصدقة واسقوهم من ألبانها وأبوالها) ويعطفون عليهم يعالجونهم طبياً وصحياً ويسقونهم، فلما شفوا -انظروا إلى اللئام!- لما شفوا اختطفوا راعي الغنم وقتلوه بين الصخور وسرقوا إبل الصدقة، وهكذا اللئيم في كل زمان ومكان.

    إذا أنت أكرمت الكريم ملكته     وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

    ولكن شتان بين القائد الأول محمد صلى الله عليه وسلم وبين قيادات اليوم، حالاً لما بلغه الخبر، شكل فرقة مطاردة سريعة الخطا وجاءوا بهم تسعة مكبلين مربطين، أين وضعهم؟ لم يضعهم في سجون يأكلون العدس وينتظرون العفو في المناسبات السعيدة، وإنما وضعهم على حجارة المدينة السوداء التي اسمها الحرة، حتى يبين أن الجزاء من جنس العمل سواد القلوب فوق سواد الصخور، ثم أمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم أمر بتسميل عيونهم بالنار، ثم تركهم ينـزفون وهم ينادون اسقونا الماء فتركهم يموتون على الصخور السوداء، ونزل القرآن يقول: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [المائدة:33] وهكذا يلتقي عدل السماء بعدل الأرض! إن الذي تحدثوا عنه ونشاهده إنما هو آثار أفكار ونتائج مقدمات سكتنا عنها عبر سنين، الآن نبكي عليها، ولو أننا حاربنا تلك الأفكار ودفعنا بالصالحين إلى مقام المسئولية لما كان الذي كان، فحسبنا الله ونعم الوكيل!

    اللهم إنا نسألك أن تفك أسرانا، وأن تفرج عن المخطوفين من نسائنا وأولادنا ورجالنا، اللهم فرج عنهم وأنت خير الفاتحين، اللهم اجمع شتاتنا، وصل أرحامنا، واحقن دماءنا، وأظهر أمننا، وأمن خوفنا، واغن فقرنا، واهد قلوبنا، وثبت أقدامنا، وحقق لما يرضيك آمالنا برحمتك يا أرحم الراحمين!

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الدعاء للأسرى

    الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة.

    أيها الأحباب الكرام: إن دورنا في قضية المخطوفين والأسرى دور عظيم، فعلينا أن نصعد هذا الأمر إلى السماء قبل الأرض بالدعاء، وإن عندنا رصيداً من الدعاء عظيم، من أيام الاحتلال، فقيام الليل، وقنوت الحرمين، واستغاثة المستغيثين رصيدٌ عند الله محفوظ يحتاج إلى أن نرفع إليه جل جلاله الدعاء بعد التحرير، فإن الدعاء بعد التحرير لون، والدعاء خلال الاحتلال لون آخر، فالله سبحانه يختبرنا ويمتحننا لما عادت البلاد، وأمن الناس، وساروا إلى بيوتهم، برد الدعاء، وبرد الإيمان، وصارت الحياة روتينية، فلنعد إلى الله بذلك الحماس، فنرفع إليه أسماء المخطوفين كل ليلة، ندعوه في الجوف الأخير من الليل، نعود إلى صيام الخميس والإثنين، نعود إلى الصدقات مرة ثانية، نعود إلى التكافل مرة ثانية، نعود إلى الصلة وإلى الطاعة ونحارب المعاصي.

    أيها الأحباب الكرام: لا ملجأ من الله إلا إليه، فارج الهم وكاشف الغم.

    يا من يرى ما في الضمير ويسمع     أنت الرجاء لكل ما يتوقع

    يا من يرجى بالشدائد كـلها     يا من إليه المشتكى والمفزع

    فلنفزع إليه

    عسى من لطيف الصنع نظرة رحمة     إلى من جفاه الأهل والصحب والإلف

    عسى فرجٌ يأتي به الله عاجـلاً     يسر به الملهوف إن عمه اللهف

    عسى نفحةٌ قدسيةٌ صمديةٌ     بها تنقضي الحاجات والشمل يلتف

    وإني لمستغنٍ بفقري وفاقتي          إليه ومستقوٍ وإن كان بي ضعف

    استقووا بالله فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

    واجبنا تجاه الأسرى

    ثم أيها الأحباب الكرام: نحرص على الرأفة والرحمة بأسر الأسرى، فإن أسر الأسرى يعانون، وإني لأعلم بعض الأسر من يوم التحرير إلى الآن لم تدفع إليهم رواتبهم، والشرع الإسلامي يأمر الحاكم أن ينفق عليهم إن لم ينفق من مال الدولة فلينفق من مال الأسير، فماله وديعة عند الدولة ينفق على هذه الأسرة المسكينة، مدير بيت الزكاة يقول لي: إنني لأعجب أن بعض الأسر الكويتية تأتي وتأخذ مني المساعدات والمئونة والمعونة! من أين هؤلاء؟

    فقلنا له: هؤلاء أسر الأسرى، بعضهم لم يصرف له حتى الآن، لماذا؟

    قسموا الراتب ثلاثة أثلاث: أعطوا الأسرة ثلثاً، وادخروا للأسير ثلثين، أما يكفيهم أن قلوبهم مكسورة؟ والله في بعض بيان الأسرى جيرانهم يشاطرونهم اللحم والخبز والطعام والشراب! ما هذا؟ ما هذا الظلم؟ ما هذا النسيان؟

    لو سألنا الأسير هل ترضى أن يفعل بأهلك ما فعل بهم؟ لقال: أعطوهم ما أملك، هو مأسور في سجون الأعداء وأهله مأسورون للحاجة، مصيبة مركبة نحن شركاء فيها، من تكلم؟ من طالب بحقوقهم؟

    كذلك من دورنا هو: أن ننادي بأعلى صوتنا إلى جميع المؤسسات الدولية التي عن طريقها يفك الأسرى والمخطوفون، وأن نرسل إليهم وفوداً، وأن نضغط عليهم بالليل والنهار، وأن نغطي هذا إعلامياً بلا هوادة، وإن هذه الصحف التي تنشر بعض الإعلانات وتنشر بعض الخرافات كان أولى بها أن تتبنى هذه القضية بجد وبقوة، وأن تسلط عليها الأضواء أكثر مما هو عليه الآن حتى تصبح أنفاسنا أنفاس الأسرى، ومشاعرنا مشاعر الأسرى، عرقنا عرق الأسرى، أما أن نتعامل معهم وكأنهم نافلة من الأمر فهذا فيه إثم عظيم، وليتخيل كل أحد منا أن ابنه هو الأسير، أو ابنته، أو أمه، أو زوجته، أو أخته كيف يكون حاله؟ تخيل هذا يا أخي المسلم! إنها مصيبة عظيمة.

    ثم بعد ذلك نحمل مسئولية ما حدث من يسمى بالنخب للأحزاب، تلك القيادات والزعامات لجميع الأحزاب بلا استثناء، الأحزاب العلمانية، الأحزاب القومية، الأحزاب التقدمية، الاشتراكية، اليسارية، الأحزاب الإسلامية نحملهم مسئولية ما حدث، نعم. إنهم لم يطالبوا بالانسحاب حتى نتجنب ما حدث، ثم ظلوا ينفخون بالطاغوت حتى استمر في غيه، ثم بعد ذلك لما أسر شعب الكويت في الداخل وأهله في سجون العراق لم نسمع مطالبة واحدة منهم بفك أولئك الأسرى في الداخل والخارج.

    نعم. وبعد التحرير وإلى الآن لا نسمع من ينادي منهم حتى بفك أسرانا! سبحان الله! دول الغرب تعمل لجاناً وجمعيات للرفق بالحيوان، ونحن نرى بعض أصحاب اللحى والعمائم لا يعملون جمعية ولا لجنة من أجل رحمة الإنسان المظلوم الذي لا ذنب له! الذي عليهم نصرته ويربطهم به الدين والعقيدة والقرآن والإسلام، ما هذا؟!

    إنها والله انتكاسة لهذا ننادي من هذا المنبر منبر المرابطين وشيخ المرابطين، نسأل الله أن يحفظه في أسفاره، نناديهم بأعلى صوتنا أنتم يا من نفختم بهذا المجرم حتى حدث ما حدث، دمر العراق، دمرت قوته، دمر جيشه، دمرت الأمة كلها من مشرقها إلى مغربها، سلبت الأموال، هتكت الأعراض وإلى الآن تصرون، وإلى الآن لا تعترفون بجرائمكم؟! أين شعاراتكم التي كنتم ترفعونها؟ لقد كنتم تقولون: إنه لابد أن تحكم الأمة بالديمقراطية، وكنتم تقولون: إن الوحدة بهذا الأسلوب أسلوب الاحتلال والاجتياح خطأ، الوحدة عن طريق الانقلاب خطأ، الظلم وحكر حرية الإنسان خطأ، وإنما شعاركم العمل الشعبي من تحت إلى فوق تحت حرية الإنسان وكرامته، أين هذه الشعارات؟

    تساقطت لسواد القلوب وانتكاس النيات، ولو صدقوا مع الله لثبتهم الله على طريق الحق.

    نقول لهم: يا عناكب السوء! ويا صرخات الصرع في مجتمعكم المريض! يا أرباب الحسد الإبليسي! وا أسفاه! وا أسفاه على المنابر التي تعلونها بأنفاس معجونة بدماء الأبرياء! يا أيها العار المعلق بين الفضاء والأرض، شهده العالم كله البعيد والقريب! يا من تفتون بذبحنا وترقصون على أجسادنا وأشلائنا وتجعلون من ذابحي شعب بأكمله نكتة تتضاحكون عليه في ندواتكم ومحاضراتكم: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:74].

    أيها المجرمون! يا ويلكم من الله، يا أيها القابضون الرشاوي، المصدرون الفتاوي، الناشرون البلاوي! يا ويلكم من الله يوم الدين! لولا لطف الله بنا لكنتم قدراً لا نستطيع دفعه، نعم، هذا لطف الله الذي أنجانا من هذا المجرم.

    يا من نعق بكم غرابكم إلى أرض الخراب.

    إذا كان الغراب دليل قوم      سيهديهم إلى جيف الكلاب

    نقول لكم: ماذا ستقولون يوم القيامة إذا جاءت الأعراض المسلوبة، والأموال المنهوبة، والدماء المسكوبة؟

    ماذا ستقولون يوم القيامة عندما تأتي العيون التي قلعت فتبعثون عمياً؟ فيقول قائدكم: قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً [طـه:125] ستحشرون عمياً يوم القيامة بسبب العيون التي سملت، يوم أن تأتي الأثداء التي قطعت واختلط حليب أطفال الرضع بدماء الأبرياء، سيسقيكم الله من أمكم الهاوية، ستشربون من صديد جهنم، يوم أن تأتي الأجساد التي نشرت بالمناشير من أعلاها إلى أسفلها ومن يمينها إلى شمالها، ستفصل لكم ثياب في طولكم وعرضكم: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:19-22].

    نعم. ذوقوا عذاب الحريق في النار وبئس القرار، وهذا مصيركم في الدنيا والآخرة، تصرون على أخلاق اليهود، بل أنتم شر من اليهود: ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85].

    اللهم أرنا بهم وبكل شركاء الجريمة عجائب قدرتك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم سلط عليهم بأسك الشديد الذي لا يرد عن القوم الظالمين، اللهم ندفع بك في نحور أعدائنا ونعوذ بك من شرورهم، اللهم من أرادنا والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، اللهم من ضيع قضية فلسطين فضيعه في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك أن ترينا فيهم بأسك الشديد الذي لا يرد عن القوم الظالمين، اللهم اجمع شتاتنا، وصل أرحامنا، وألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وارزقنا صلاة في الأقصى الشريف غير خائفين يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تصون أعراضنا.

    اللهم أمن خوفنا، وأطفئ النيران في بلادنا، اللهم أطعم جوعنا، واسق ظمأنا، وتقبل شهداءنا، وفك أسرانا، واشف مريضنا، وارحم ميتنا برحمتك يا أرحم الراحمين!

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.