www.islamweb.net/ar/

ملخص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم [1؛2] للشيخ : أحمد القطان

  • التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل فرض عبادات كثيرة وأمرنا أن نقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم فيها، ومن هذه العبادات: الصلاة؛ لذلك ذكر الشيخ حفظه الله في هذه المادة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من تكبيرة الإحرام إلى السلام بصورة تيسر للناس الاقتداء به.

    استقبال القبلة في الفريضة والنافلة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    إخوتي وأخواتي المسلمين! هذه صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، أخذتها من كتاب المحدث في الديار الشامية محمد ناصر الدين الألباني متعنا الله ببقائه، وحرصت فيه على الاختصار.

    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة استقبل الكعبة في الفرض والنفل، وأمر صلى الله عليه وسلم بذلك فقال للمسيء صلاته وهو أعرابي صلى أمام النبي فلم يحسن الصلاة، فوجهه وعلمه كيف يصلي، قال له: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر).

    وكان عليه الصلاة والسلام يصلي النوافل على راحلته ويوتر عليها حيث توجهت به شرقاً وغرباً، وفي ذلك قوله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] وكان أحياناً إذا أراد أن يتطوع على ناقته استقبل بها القبلة فكبر ثم صلى حيث وجهه ركابه وسارت به ناقته، وكان يركع ويسجد على راحلته إيماءً برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع، وكان إذا أراد أن يصلي الفريضة نزل فاستقبل القبلة.

    وأما في صلاة الخوف الشديد فقد شرَّع لأمته أن يصلوا رجالاً -وهم يمشون على أقدامهم- أو ركباناً -على ظهور الدواب- مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا اختلطوا فإنما هو التكبير والإشارة بالرأس) إذا اختلطوا: أي إذا اختلط الجنود بالعدو في الجهاد.

    وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) قال جابر رضي الله عنه: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير أو سرية فأصابنا غيم؛ فتحرينا واختلفنا في القبلة فصلى كل رجل منا على حده فجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا، فلما أصبحنا نظرناه فإذا نحن صلينا إلى غير القبلة، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمر بالإعادة وقال: قد أجزأت صلاتكم).

    وكان عليه الصلاة والسلام يصلي نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه قبل أن تنزل عليه هذه الآية: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] فلما نزلت استقبل الكعبة، فبينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا واستدار إمامهم حتى استقبل بهم الكعبة.

    القيام في الفرض والتطوع

    وكان صلى الله عليه وسلم يقف فيها قائماً في الفرض والتطوع امتثالاً لقوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] وأما في السفر فكان يصلي على راحلته النافلة، وشرع لأمته أن يصلوا في الخوف الشديد على أقدامهم ، أو ركباناً كما تقدم، وذلك قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:238-239].

    الجلوس في الصلاة لعذر

    وصلى عليه الصلاة والسلام في مرض موته جالساً، وصلاها كذلك مرة أخرى قبل هذه حين اشتكى، وصلى الناس وراءه قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا، فلما انصرف قال: (إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا، إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين).

    وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: (كانت بي بواسير فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) وقال أيضاً: سألته عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال: (من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً -وفي رواية- مضطجعاً فله نصف أجر القاعد).

    والمراد به المريض فقد قال أنس رضي الله عنه: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس وهم يصلون قعوداً من مرض فقال: إن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) وعاد عليه الصلاة والسلام مريضاً فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ المصلي عوداً ليصلي عليه، فأخذه النبي فرمى به، وقال: (صل على الأرض إن استطعت، وإلا فأومئ إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك).

    وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في السفينة فقال: (صل فيها قائماً إلا أن تخاف الغرق).

    ولما أسنَّ أي: كبر سنه صلى الله عليه وسلم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه.

    وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ قائماً ركع قائماً، وإذا قرأ قاعداً ركع قاعداً، وكان أحياناً يصلي جالساً فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع وسجد، ثم يصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، وإنما صلى السبحة جالساً في آخر حياته لما أسن، وذلك قبل وفاته بعام، وكان يجلس متربعاً إذا صلى قاعداً.

    لبس الخفين في الصلاة

    وكان يقف حافياً أحياناً ومنتعلاً أحياناً، وأباح ذلك لأمته فقال: (إذا صلى أحدكم فليلبس نعليه أو ليخلعهما بين رجليه ولا يؤذ بهما غيره) وأكد عليه الصلاة والسلام عليهم الصلاة فيهما أحياناً -أي في النعلين- فقال: (صلوا في نعالكم خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم) وكان ربما نزعهما من قدميه وهو في الصلاة ثم استمر في صلاته كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه فوضعهما عن يساره؛ فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم، فلما قضى صلاته قال: ما بالكم ألقيتم نعالكم؟ فقالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً -أو قال- أذىً -وفي رواية- خبثاً فألقيتهما، فإذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما قذراً -أو قال- أذىً أو خبثاً فليمسحهما وليصل فيهما).

    نزع الخفين في الصلاة ومكان وضعهما

    الصلاة إلى السترة والدنو منها

    وكان عليه الصلاة والسلام يقف قريباً من السترة وهي: شيء يوضع أمام المصلي حتى لا يمر أحد أمامه فيقطع صلاته فكان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع، وبين موضع سجوده والجدار ممر شاة، وكان يقول: (لا تصل إلا إلى سترة، ولا تدع أحداً يمر بين يديك، فإن أبى فلتقاتله فإن معه القرين (أي: الشيطان)) ويقول: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته) وكان أحياناً يتحرى الصلاة عند الاسطوانة التي في مسجده -أي: العمود الذي في المسجد- وكان إذا صلى في فضاء ليس فيه شيء يستتر به -أي: في البر أو في الصحراء- غرز بين يديه حربة فصلى إليها والناس وراءه، وأحياناً كان يعرض راحلته فيصلي إليها.. وهذا خلاف الصلاة في أعطان الإبل ومرابضها فإنه نهى عنها.

    وأحياناً كان يأخذ الرحل -وهو: الذي يوضع على ظهر الناقة ليجلس عليه راكبها- كان يأخذ الرحل فيعدله فيصلي إلى آخرته -أي: يجعله سترة- وكان يقول: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك).

    وصلى مرة إلى شجرة، وكان أحياناً يصلي إلى السرير وعائشة رضي الله عنها مضطجعة عليه تحت قطيفتها، وكان لا يدع شيئاً يمر بين يديه وبين السترة، فقد كان يصلي إذ جاءت شاة تسعى بين يديه فساعاها حتى ألصق بطنه بالحائط، ومرت من ورائه عليه الصلاة والسلام، فلم يترك الشاة تمر بينه وبين السترة، بل دنا حتى التصق بالجدار ومرت الشاة خلفه.

    وصلى صلاة مكتوبة فمد يده -مد يده أمامه كأنه يمسك شيئاً- فلما صلى قائماً قال الصحابة: (يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال: لا. إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي، وايم الله لولا ما سبقني إليه أخي سليمان -أي: الملك سليمان- لارتبط -أي: لربطت هذا الشيطان- إلى سارية من سواري المسجد حتى يطوف به ولدان أهل المدينة ، فمن استطاع ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل).

    الأمر بمدافعة من أراد المرور بين يدي المصلي

    ما يقطع صلاة المرء

    النهي عن الصلاة إلى القبور

    وكان ينهى عن الصلاة تجاه القبر فيقول: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها).

    النية في الصلاة

    وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) لهذا لابد أن تنوي الصلاة في قلبك قبل أن تصلي.

    تكبيرة الإحرام في الصلاة ورفع اليدين

    ثم كان صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بقوله: (الله أكبر) وهذا التكبير يدخل الإنسان به في الصلاة فهو إحرام الصلاة، وأمر بذلك المسيء صلاته كما تقدم وقال له: (إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه، ثم يقول: الله أكبر) وكان يقول: (مفتاح الصلاة الطهور -أي الوضوء- وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) وكان يرفع صوته بالتكبير حتى يسمع من خلفه، وكان إذا مرض رفع أبو بكر صوته يبلغ الناس تكبير النبي صلى الله عليه وسلم.

    وكان يقول: (إذا قال الإمام: الله أكبر، فقولوا: الله أكبر) أي: لا تسبقوا الإمام بالتكبير وإنما قولوا بعده.

    وكان يرفع يديه تارة مع التكبير وتارة بعد التكبير، وتارة قبل التكبير، وكان يرفعها ممدودة الأصابع لا يفرج بين الأصابع ولا يضمها أيضاً، وكان يجعلهما حذو منكبيه أي حذو الكتفين، وربما كان يرفعهما حتى يحاذي بهما فروع أذنيه صلى الله عليه وسلم.

    ضم اليدين عند القيام في الصلاة

    وكان عليه الصلاة والسلام يضع يده اليمنى على اليسرى وكان يقول: (إنّا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) وهذا دليل على وضع اليمين على الشمال في الصلاة خلاف ما يفعله الرافضة.

    ومر برجل وهو يصلي وقد وضع يده اليسرى على اليمنى فانتزعهما النبي صلى الله عليه وسلم ووضع اليمنى على اليسرى، وكان يضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، وأمر بذلك أصحابه، وكان أحياناً يقبض باليمنى على اليسرى.

    وكان يضعهما على الصدر، وكان ينهى عن الاختصار في الصلاة، الاختصار: أن يضع الإنسان يديه في خاصرته عن اليمين وعن الشمال نهى عن ذلك.

    رمي البصر إلى موضع السجود حال الصلاة

    وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى طأطأ رأسه ورمى ببصره نحو الأرض، ولما دخل الكعبة ما خلَّف بصره موضع سجوده حتى خرج منها -أي: ما ترك بصره موضع سجوده حتى خرج من الكعبة- وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي) وكان ينهى عن رفع البصر إلى السماء أثناء الصلاة، ويؤكد في النهى حتى قال يوماً: (لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم) أي: لا ترجع أبصارهم وفي رواية: (أو لتخطفن أبصارهم) وفي حديث آخر: (فإذا صليتم فلا تلتفتوا؛ فإن الله ينصت وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت).

    النهي عن التلفت وعن الأشياء المشغلة في الصلاة

    وقال أيضاً عن التلفت: (اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (صل صلاة مودع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك) ويقول: (ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله).

    وقد صلى في خميصة، والخميصة: ثوب من صوف أو من خز معلم -أي: فيه خطوط وعلامات- صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة وهو يصلي فلما انصرف قال: (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته) أي: بدل ثوبه الذي أشغله في الصلاة بثوب واحد من الصحابة قديم، وأعطاه الثوب الجديد حرصاً على صلاته صلى الله عليه وسلم، قال: (فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي) وفي رواية: (فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني).

    وكان لـعائشة ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة -والسهوة: بيت صغير منحدر في الأرض قليلاً، شبيه بالمخدع والخزانة، أي: سرداب صغير المدخل مغطى بستارة فيها بعض التصاوير- فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه فقال لـعائشة : (أخرجيه فإنه لا تزال تصاويره تعرض علي في صلاتي) وكان يقول: (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) أي: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة ابدأ بالطعام حتى لا ينشغل قلبك وأنت تصلي، كذلك الذي يدافعه الأخبثان: الريح أو البول أو قضاء الحاجة فليذهب وليتخفف وليقض حاجته، ثم بعد ذلك يصلي مرتاحاً خاشعاً مخبتاً لله رب العالمين.

    أدعية الاستفتاح في الصلاة

    ثم كان يستفتح القراءة بأدعية، يستفتح القراءة في الركعة الأولى بأدعية كثيرة متنوعة يحمد الله تعالى فيها ويمجده ويثني عليه، وقد أمر بذلك المسيء صلاته فقال له: (لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يكبر ويحمد الله جل وعز ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن) وكان يقرأ تارة بهذا، وتارة بهذا، فكان يقول مستفتحاً في الصلاة من أدعية الاستفتاح قبل الفاتحة: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) وكان يقوله في الفرض أيضاً.

    والدعاء الثاني أيضاً يقول: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، إنا بك وإليك، لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك) وكان يقوله في الفرض والنفل أيضاً.

    الدعاء الثالث كان يقول: (أنت ربي وأنا عبدك، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك).

    وهناك دعاء استفتاح رابع يقول: (وأنا من المسلمين -ثم يزيد- اللهم اهدني لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأخلاق والأعمال لا يقي سيئها إلا أنت).

    وهناك دعاء خامس أيضاً يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحانك اللهم ..) أي: هذا الاستفتاح الذي ذكرته لكم.

    وهناك استفتاح سادس يقول: (لا إله إلا الله (ثلاثاً) الله أكبر كبيراً (ثلاثاً)) هذا في صلاة الليل.

    وهناك استفتاح سابع يقول بعد التكبيرة مباشرة: (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً) وقد استفتح بهذا الدعاء رجل من الصحابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (عجبت لها! فتحت لها أبواب الجنة).

    وهناك دعاء ثامن أيضاً يقول فيه: (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) وقد استفتح به رجل آخر فقال: (لقد رأيت اثنا عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها) وهذا ورد أيضاً بالرفع من بعد الركوع.

    وهناك دعاء تاسع، هذا في تهجد الليل يقول: (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن) معنى: أنت نور السماوات والأرض: أي منور السماوات والأرض، سبحانك لا إله إلا أنت، وبنورك يهتدي من فيهما من المخلوقات: (ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، أنت ربنا وإليك المصير، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، أنت إلهي لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك) وكان يقوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل.

    هناك أيضاً استفتاح عاشر يقول فيه: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).

    وكان له أيضاً دعاء آخر يدعو به في الاستفتاح: كان يكبر عشرا،ً ويحمد عشراً، ويسبح عشراً، ويهلل عشراً، ويستغفر عشراً، ويقول: (اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني (عشراً)) ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب (عشراً) -وأيضاً يستفتح- يقول: الله أكبر (ثلاثاً) ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة).

    الاستعاذة والبسملة وقراءة الفاتحة

    وكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم فيقول قبل أن يقرأ: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) وكان أحياناً يزيد فيه فيقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بهما) ثم يقرأ الفاتحة ويقطعها آية آية، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقف، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، ثم يقف، ثم يقول: الرحمن الرحيم، ثم يقف، ثم يقول: مالك يوم الدين... وهكذا إلى آخر السورة.

    كيفية قراءة النبي للفاتحة وأمره بها

    وكذلك كانت قراءته كلها، يقف على رءوس الآي ولا يصلها بما بعدها، وكان تارة يقرؤها: ملِك يوم الدين، وكان يعظم من شأن هذه السورة -أي: الفاتحة- وكان يقول: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً -وفي لفظ- لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب) وكان يقول: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج غير تمام) ويقول: (قال الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، يقول الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، يقول الله تعالى: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: فهذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، يقول الله: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل).

    وكان يقول عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله عز وجل في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن، وهي المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته) (أي الفاتحة).

    لزوم ذكر معين لمن عسر عليه قراءة الفاتحة

    وأمر صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته أن يقرأ بها في صلاته، وقال لمن لم يستطع حفظها: (قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي أن هذا الذي هو غير عربي لا يستطيع حفظ الفاتحة أو متخلف أو ذاكرته لا تسعفه أو أسلم حديثاً ولم يحفظ الفاتحة، يقول بدلها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقال للمسيء صلاته: (فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وكبره وهلله).

    قراءة الفاتحة وراء الإمام في الجهرية والسرية

    وكان قد أجاز للمؤتمين أن يقرءوا بها وراء الإمام في الصلاة الجهرية، حيث كان في صلاة الفجر فقرأ فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم يا رسول الله. قال: لا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ثم نهاهم عن القراءة كلها في الجهرية، وذلك حينما انصرف من صلاةٍ جهر فيها بالقراءة وفي رواية أنها صلاة الصبح فقال: (هل قرأ معي منكم أحد آنفاً؟ فقال رجل: نعم، أنا يا رسول الله. فقال: إني أقول ما لي أنازع) قال أبو هريرة : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة، حينما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرءوا في أنفسهم سراً فيما لا يجهر فيه الإمام.

    وجعل الإنصات لقراءة الإمام من تمام الائتمام به فقال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) كما جعل الاستماع له مغنياً عن القراءة وراءه فقال: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) هذا في الصلاة الجهرية.

    وأما في السرية فقد أقرهم على القراءة فيها وإنما أنكر التشويش عليه بها، وذلك حين صلى الظهر بأصحابه فقال: (أيكم قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] فقال رجل: أنا، ولم أرد بها إلا الخير. فقال: قد عرفت أن رجلاً خالجنيها) وفي حديث آخر: كانوا يقرءون خلف النبي صلى الله عليه وسلم فيجهرون به فقال: (خلَّطتم علي القرآن) وقال: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) وكان يقول: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: (الم) حرف، ولكن (ألف) حرف، و(لام) حرف، و(م) حرف) إذاً في الصلاة السرية نهاهم أن يرفعوا أصواتهم فيختلط القرآن على بعضهم البعض أو على الإمام، وإنما يقرءون ذلك في أنفسهم، ويحركون شفاههم، ويسمعون أنفسهم فقط.

    قول آمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة

    قراءة سورة بعد قراءة الفاتحة

    ثم كان صلى الله عليه وسلم يقرأ بعد الفاتحة سورة غيرها، وكان يطيلها أحياناً ويقصِّرها أحياناً لعارض سفر أو سعال أو مرض أو بكاء طفل، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (جوَّز ذات يوم في الفجر، وفي رواية أخرى: صلى الصبح فقرأ بأقصر سورتين في القرآن فقيل: يا رسول الله! لم جوزت؟ -أي: لما قصرت- قال: سمعت بكاء صبي فظننت أن أمه معنا تصلي فأردت أن أفرِّغ له أمه).

    وكان يقول: (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه) وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم.

    وكان يبتدئ من أول السورة ويكملها في أغلب أحواله ويقول: (أعطوا كل سورة حظها من الركوع والسجود -وفي لفظ- لكل سورة ركعة) وكان تارة يقسمها في ركعتين، وتارة يعيدها كلها في الركعة الثانية، وكان أحياناً يجمع في الركعة الواحدة بين سورتين أو أكثر.

    وقد كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة يبدأ بـقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، قال: (يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: إني أحبها يا رسول الله. فقال: حبك إياها أدخلك الجنة).

    الركوع في الصلاة

    وكان عليه الصلاة والسلام يضع كفيه على ركبتيه في الركوع، وكان يأمرهم بذلك وأمر به أيضاً المسيء لصلاته كما مر آنفاً.

    تمكين اليدين من الركبتين وتفريج الأصابع في الركوع

    وكان يمكِّن يديه من ركبتيه كأنه قابض عليهما، وكان يفرج بين أصابعه، وأمر به المسيء لصلاته فقال: (إذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك ثم فرج بين أصابعك، ثم امكث حتى يأخذ كل عضو مأخذه) أي: تطمئن.

    مجافاة المرفقين في الركوع

    وكان يجافي وينحي مرفقيه عن جنبيه، وكان إذا ركع بسط ظهره وسوَّاه حتى لو صب عليه الماء لاستقر، وقال للمسيء صلاته: (فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك، ومكن لركوعك) وكان لا يصب رأسه -أي: لا ينحدر برأسه إلى أسفل كثيراً- ولا يقنئ -أي: لا يرفع رأسه في الركوع إلى أعلى وإنما يكون رأسه مستوياً مع ظهره صلى الله عليه وسلم.

    الاطمئنان في الركوع وإتمامه

    وكان يطمئن في ركوعه وأمر به المسيء صلاته كما سلف، وكان يقول: (أتموا الركوع والسجود، فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم) ورأى رجلاً لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي -مثل الديك، يضع رأسه بسرعة ويرفع ولا يطمئن في السجود- فقال: (لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمد، ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم! مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده مثل الجائع الذي يأكل التمر والتمرتين لا يغنيان عنه شيئاً) وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (نهاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أنقر في صلاتي نقر الديك، وأن ألتفت التفات الثعلب، وأن أقعي إقعاء القرد).

    وكان يقول: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا: يا رسول الله! وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها وسجودها) وكان يصلي فلمح بمؤخرة عينه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فلما انصرف قال: (يا معشر المسلمين! إنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود) أي: لا يطمئن.

    وقال في حديث آخر: (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود) وقد لاحظت بعض النساء إذا رفعت من الركوع قبل أن تستقيم في الرفع وتقف معتدلة تخر ساجدة، وهذا متفشٍ في النساء كثيراً، والصلاة باطلة إذا لم يطمئن العبد فيها، وكذلك رأيت إخواني الأحناف وبالأخص الأفغان رأيتهم إذا رفعوا من الركوع لا يطمئنون في الاعتدال بعد الرفع، وإنما عندما يرفع رأسه من الركوع قليلاً يهوي ساجدً إلى الأرض، وهذا لا يجوز؛ فإن الاطمئنان ركن من أركان الصلاة.

    الأذكار الواردة في الركوع

    وكان يقول في هذا الركن أنواعاً من الأذكار، أي: إذا ركع ذكر أذكار الركوع في الصلاة يقول: سبحان ربي العظيم -ثلاث مرات- وكان أحياناً يكررها أكثر من ذلك، وبالغ مرة في تكرارها في صلاة الليل حتى كان ركوعه قريباً من قيامه.

    وكان يقرأ ثلاث سور من الطوال في القيام، في الركعة الأولى قرأ البقرة والنساء وآل عمران يتخللها دعاء واستغفار.

    وبعض الأذكار في الركوع يقول: (سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاثاً)) أو يقول: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) أو يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي) وكان يكثر منه في ركوعه وسجوده يتأول القرآن، فالقرآن قال له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:3] فكان يتأول القرآن فيقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي).

    ومن أدعية الركوع أيضاً وأذكاره يقول: (اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، أنت ربي، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي -وفي رواية- وعظامي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين) ويقول أيضاً: (اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين) ويقول أيضاً في الركوع: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) وهذا قاله في صلاة الليل.

    الوقت الوارد في الركوع

    وكان عليه الصلاة والسلام (يجعل ركوعه وقيامه بعد الركوع وسجوده وجلسته بين السجدتين قريباً من السواء) أحياناً يجعلها متقاربة في الوقت، وكان ينهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، وكان يقول: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي: أحرى وجدير وخليق أن يستجاب لكم.

    القيام من الركوع

    قول: سمع الله لمن حمده حال القيام

    ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع صلبه من الركوع قائلاً: (سمع الله لمن حمده) وأمر بذلك المسيء لصلاته فقال له: (لا تتم صلاةٌ لأحد من الناس حتى يكبر ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائماً) أنبه مرة ثانية الذين يستعجلون بعد الرفع من الركوع فيخرون للسجود يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يكبر ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حتى يستوي قائماً) أي: يكبر ويركع، ثم يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده ويستوي قائماً.

    قول: ربنا لك الحمد بعد القيام

    الأذكار الواردة في القيام

    وكان تارة يزيد على ذلك: (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) أو يقول: (ملء السماوات وملء الأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد) أو يقول: (أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) أي: لا ينفع رضا السلطان والحظ منك الحظ إذا أنت لم ترد له ذلك.

    ويقول أيضاً: (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وتارة يقول في الليل: (لربي الحمد، لربي الحمد، لربي الحمد) يكررها، حتى كان قيامه نحواً من ركوعه الذي كان قريباً من قيامه الأول، وكان يقرأ فيه سورة البقرة.

    وأيضاً يقول: (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ومبارك عليه، كما يحب ربنا ويرضى) وكان رجل يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال هذا الذكر بعدما رفع النبي من الركوع وقال: (سمع الله لمن حمده .. فسمع رجلاً خلفه فقال: من المتكلم آنفاً؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً) والرجل قال: (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى) لما قال ذلك تسابق أكثر من ثلاثين ملكاً ليرفعوها إلى الله رب العالمين.

    الوقت الوارد في القيام ووجوب الاطمئنان فيه

    وكان عليه الصلاة والسلام يجعل قيامه هذا قريباً من ركوعه كما تقدم، بل كان يقوم أحياناً حتى يقول القائل: قد نسي؛ من طول ما يقوم، وكان يأمر بالاطمئنان فيه فقال عليه الصلاة والسلام للذي أساء صلاته: (ارفع رأسك حتى تعتدل قائماً فيأخذ كل عظم مأخذه -وفي رواية- وإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك، حتى ترجع العظام إلى مفاصلها) وذكر له أنه لا تتم صلاة لأحد من الناس إذا لم يفعل ذلك.

    وكان يقول: (لا ينظر الله عز وجل إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه بين ركوعها وسجودها).

    السجود في الصلاة

    التكبير عند النزول إلى السجود والاطمئنان فيه

    ثم كان عليه الصلاة والسلام يكبر ويهوي ساجداً، وأمر بذلك المسيء لصلاته فقال له: (لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى .. إلخ).

    ثم يقول: (الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله).

    رفع اليدين عند السجود ووضعهما قبل الركبتين

    وكان إذا أراد أن يسجد كبر ويجافي بيديه عن جنبيه ثم يسجد، وكان أحياناً يرفع يديه إذا سجد، وكان يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه في سجوده وهو هاوٍ نازلٍ، وكان يأمر بذلك فيقول: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) وكان يقول: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه وإذا رفع فليرفعهما).

    الأمر بالسجود على سبعة أعضاء

    وكان يعتمد على كفيه ويبسطهما، ويضع أصابعهما ويوجههما قِبل القبلة، وكان يجعلهما حذو منكبيه أو أذنيه، وكان يمكِّن أنفه وجبهته من الأرض، وقال للمسيء لصلاته: (إذا سجدت فمكِّن لسجودك) وفي رواية (إذا أنت سجدت فأمكن وجهك ويديك حتى يطمئن كل عظم منك إلى موضعه).

    وكان يقول: (لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين) وكان أيضاً يمكن ركبتيه وأطراف قدميه ويستقبل بأطراف أصابعهما -أصابع القدمين- القبلة، ويرصُّ عقبيه، وينصب رجليه وأُمر بذلك صلى الله عليه وسلم.

    فهذه سبعة أعضاء كان عليه الصلاة والسلام يسجد عليها: الكفان، والركبتان، والقدمان، والجبهة، والأنف. وقد جعل صلى الله عليه وسلم العضوين الأخيرين كعضو واحد في السجود حيث قال: (أمرت أن أسجد -وفي رواية- أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده على أنفه والجبهة- واليدين -وفي لفظ- الكفين، والركبتين وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر) -أي: لا نلملم الثوب ونعدل الشعر أثناء ما نصلي، ولا نكثر الحركة في الصلاة- وكان يقول: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب -أعضاء-: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه).

    وقال في رجل صلى ورأسه معقوص من ورائه أي: أنه جاعل له ظفيرة، وعاقد الشعر فوق رأسه- فقال: (إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف) أي أن مثل هذا الذي يصلي بهذه الحالة كأنه يصلي وهو مكتوف وأمره بحلها.

    النهي عن افتراش الذراعين والأمر بمجافاتهما حال السجود

    وكان لا يفترش ذراعيه بل كان يرفعهما عن الأرض ويباعدهما عن جنبيه حتى يبدو بياض إبطيه من ورائه، وحتى لو أن بهيمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت، أي: لو أرادت قطة أن تمر من تحت يديه وهو ساجد لمرت من تحته عليه الصلاة والسلام.

    وكان يبالغ في ذلك حتى قال بعض الصحابة: (إن كنا لنأوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجافي بيديه عن جنبيه إذا سجد) نأوي: أي نحِن ونرثي ونرق للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لشدة ما نراه يجافي بين يديه إذا سجد صلى الله عليه وسلم.

    وكان يأمر بذلك فيقول: (إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك) ويقول: (اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب) وفي لفظ آخر يقول: (ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب) أي: لا تبسط ذراعك وأنت ساجد وإنما ارفع المرفق، وكان يقول: (لا تبسط ذراعيك بسط السبع، وادعم على راحتيك، وتجاف عن ضبعيك؛ فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك معك).

    الأذكار والأدعية الواردة في السجود

    وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بإتمام الركوع والسجود، ويضرب لمن لا يفعل ذلك مثل الجائع يأكل التمرة أو التمرتين لا تغنياه، وكان عليه الصلاة والسلام في سجوده له أذكار: يقول: (سبحان ربي الأعلى -ثلاث مرات أو يكررها أكثر من ذلك-) أو يكررها في صلاة الليل كثيراً بطول قراءة سورة البقرة والنساء وآل عمران، ويقول: (سبحان رب الأعلى وبحمده) ويقول: (سبوح قدوس ربك الملائكة والروح) ويقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) وكان يكثر منه في ركوعه وسجوده صلى الله عليه وسلم.

    ومن أذكار السجود يقول: (اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صوره، وشق سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين) ويقول: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، أوله وآخره، علانيته وسره، ثم يقول: سجد لك سوادي، وخيالي، وآمن بك فؤادي، وأبوء بنعمتك علي، هذه يدي وما جنيت على نفسي) أو يقول: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) ويقول أيضاً: (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت) أو يقول: (اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت) أو يقول: (اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، واجعل أمامي نوراً، واجعل خلفي نوراً، واجعل في نفسي نوراً، وأعظم لي نوراً) أو يقول: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).

    النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود

    وكان عليه الصلاة والسلام ينهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ويأمر بالاجتهاد والإكثار من الدعاء في هذا الركن كما مضى في الركوع وكان يقول: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء فيه).

    الوقت الوارد في السجود

    وكان عليه الصلاة والسلام يجعل سجوده قريباً من الركوع في الطول، وربما بالغ في الإطالة لأمر عارض كما قال بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وهم يصلون خلفه وهو ساجد يقولون كما في الحديث: عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته) أخرجه النسائي .

    الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصحابة في صلاة الظهر أو العصر وهو حامل حسناً أو حسيناً رضي الله عنهما، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه عن قدمه اليمنى ثم كبر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال الصحابي: فرفعت رأسي من بين الناس فإذا بالصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله.. إنك سجدت بين ظهراني صلاتك هذه السجدة فأطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني -ركب على ظهري- فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) أي: كرهت أن أستعجله بالنزول حتى يشبع من اللعب، وهذا الحديث يبين اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بخاصية اللعب للأطفال وذلك من رحمته صلى الله عليه وسلم.

    فضل كثرة السجود

    وكان يقول عن السجود: (ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة، قالوا: وكيف تعرفهم يا رسول الله! في كثرة الخلائق؟ قال: أرأيتم لو أن صبرة فيها خيل دهم بهم وفيها فرس أغر محجل) الصبرة: هو المكان الذي يجتمع فيه الدواب أو الخيل ويوضع لهم فيها الطعام (أما كنت تعرفه منها؟ قال: بلى. قال: فإن أمتي يومئذ غر من السجود) أي: كما يعرف صاحب الفرس المحجل فرسه من بين الخيول الدهم البهم كذلك أعرف أمتي بنور السجود في وجوهها، والوضوء في أقدامها وأرجلها، فهو يقول صلى الله عليه وسلم: (فإن أمتي يومئذ غر من السجود محجلون من الوضوء).

    ويقول: (إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من يعبد الله، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود) وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجون من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود.

    السجود على الأرض والثوب

    وكان عليه الصلاة والسلام يسجد على الأرض كثيراً، وكان أصحابه يصلون معه في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدهم أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه، وكان يقول: (وجعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجداً وطهوراً، فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره، وكان مَن قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم) أي: اليهود والنصارى ما كانوا يصلون على الأرض عموماً، وإنما لهم أماكن ولكن كرامة الله لأمة محمد جعل لها الأرض مسجداً وطهوراً.

    السجود في الطين والماء

    وكان عليه الصلاة والسلام ربما سجد في طين وماء، وقد وقع ذلك له في صبح ليلة إحدى وعشرين من رمضان حين أمطرت السماء، وسال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، فسجد صلى الله عليه وسلم في الماء والطين، قال أبو سعيد : (فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين).

    السجود على الخمرة والحصير

    وكان يسجد على الخُمرة، والخمرة: مقدار ما يضع الرجل على وجهه في سجوده من حصير أو نسيج خوص ونحوه من النبات، ولا يكون جاره إلا في هذا المقدار، أي: أنه يسجد صلى الله عليه وسلم ويضع الخُمرة يصلي عليها أو يصلي على الحصير أحياناً، وصلى عليه الصلاة والسلام مرة على الحصير وقد اسود من طول ما لبس، أي: أن الحصير من كثرة ما جلس عليه واستهلك قد اسود، وكان يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم من تواضعه.

    الرفع من السجود في الصلاة

    التكبير حال الرفع من السجود ورفع اليدين أحياناً

    وكان يرفع رأسه من السجود مكبراً وأمر بذلك المسيء لصلاته فقال: (لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً) وكان يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً.

    كيفية الجلوس بين السجدتين

    ثم يفرش رجله اليسرى فيقعد عليها مطمئناً وأمر بذلك المسيء لصلاته فقال له: (إذا سجدت فمكن لسجودك فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى).

    وكان ينصب رجله اليمنى، ويستقبل بأصابعه القبلة، وكان أحياناً يقعي فينتصب على عقبيه وصدور قدميه، وكان عليه الصلاة والسلام يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، وأمر بذلك المسيء لصلاته وقال له: (لا تتم صلاة أحد حتى يفعل ذلك) وكان يطيلها حتى تكون قريباً من سجدته، وأحياناً يمكث حتى يقول القائل: قد نسي؛ عليه الصلاة والسلام، لطول جلسته واعتداله بين السجدتين.

    الأدعية الواردة في الجلوس بين السجدتين

    وكان صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الجلسة: (اللهم -وفي لفظ رب- اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني) وتارة يقول: (رب اغفر لي) وكان يقولها في صلاة الليل.

    التكبير والنزول للسجدة الثانية

    ثم كان يكبر ويسجد السجدة الثانية، وأمر بذلك المسيء لصلاته فقال له بعد أن أمره بالاطمئنان بين السجدتين كما سبق: (ثم تقول: الله أكبر، ثم تسجد حتى تطمئن مفاصلك، ثم تفعل ذلك في صلاتك كلها).

    وكان عليه الصلاة والسلام يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً، وكان يصنع في هذه السجدة مثلما صنع في الأولى.

    ثم يرفع رأسه مكبراً وأمر بذلك المسيء لصلاته فقال له بعد أن أمره بالسجدة الثانية كما مر: (ثم ارفع رأسك فكبر وقال له: ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن أنقصت منه شيئاً أنقصت من الصلاة) وكان يرفع يديه أحياناً عليه الصلاة والسلام.

    جلسة الاستراحة في الصلاة

    ثم يستوي قاعداً على رجله اليسرى بعد السجدة الثانية معتدلاً حتى يرجع كل عضم إلى موضعه، وهذه الجلسة تسمى جلسة الاستراحة، ثم يقوم بعد ذلك وينهض معتمداً على الأرض إلى الركعة الثانية، وكان يعتمد على يديه إذا قام، إما أنه يعتمد على كفيه أو يقبض الكفين كالعاجن ويتكئ عليهما، ثم يقوم صلى الله عليه وسلم.

    وفي الركعة الثانية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يفتتح بالفاتحة ويبدأ عليه الصلاة والسلام يكملها ويقرأ سورة معها، ويصنع في الركعة الثانية ما صنعه في الركعة الأولى التي بيناها.

    التشهد في الصلاة

    كيفية جلوس التشهد الأوسط والأخير

    وكان عليه الصلاة والسلام بعد السجدتين من الركعة الثانية يجلس للتشهد الأول، وكان يجلس صلى الله عليه وسلم مفترشاً في التشهد الأول من صلاة الصبح، وبين السجدتين وكذلك يجلس في التشهد الأول من الثلاثية أو الرباعية كما يجلس بين السجدتين، وأمر بذلك المسيء لصلاته فقال له: (فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد) وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (ونهاني خليلي صلى الله عليه وسلم عن إقعاء كإقعاء كلب، وكان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليمنى على فخذه -وفي رواية- على ركبته اليمنى، ووضع كفه اليسرى على فخذه -وفي رواية- على ركبته اليسرى).

    ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً وهو جالس معتمداً على يده اليسرى في الصلاة فقال: (إنها صلاة اليهود) وفي لفظ: (لا تجلس هكذا إنما هذه جلسة الذين يعذبون) وفي حديث آخر: (هي قعدة المغضوب عليهم).

    رفع الإصبع وتحريكها في التشهد

    وكان يحرك إصبعه في التشهد، يبسط كفه اليسرى على ركبته اليسرى، ويقبض أصابع كفه اليمنى كلها ويشير بإصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة، ويرمي ببصره إليها -أي إلى إصبعه- وكان إذا أشار بإصبعه وضع إبهامه على إصبعه الوسطى، وتارة كان يحلِّق بهما حلقة أي يجمع بين الوسطى وبين الإبهام، وكان يحرِّك إصبعه ويدعو بها ويقول: (لهي أشد على الشيطان من الحديد) أي أن تحريك السبابة أشد على الشيطان من وقع الحديد، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بعضهم على بعض -أي: بالإشارة بالإصبع في الدعاء- وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك في التشهدين جميعاً.

    ورأى رجلاً يدعو بإصبعيه فقال: (أحِّد أحِّد، وأشار بالسبابة) أي أنه يحرك إصبعين مع بعضهما أو يحرك اليمين والشمال فقال: (أحِّد أحِّد) أي: وحد الله أو وحد الإصبع لتوحيد الله بهذه الإشارة، ولا تجعل إشارتين.

    صيغ التشهد في الصلاة

    وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ في كل ركعتين التحية، وكان أول ما يتكلم به عند القعدة: التحيات لله.

    وكان إذا نسيها في الركعتين الأوليين يسجد للسهو، أي: أنه إذا نسي التحيات لله الذي يعتبر التشهد الأول يسجد قبل أن يسلم سجوداً للسهو سجدتين.

    وكان يأمر به فيقول: (إذا قعدتم في ركعتين فقولوا: التحيات... إلخ وليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فليدع الله عز وجل به) وفي لفظ: (قولوا في كل جلسة: التحيات) وأمر به المسيء لصلاته أيضاً، وكان صلى الله عليه وسلم يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، ومن السنة إخفاؤها وعدم الجهر بها.

    تشهد ابن مسعود رضي الله عنه

    وكان عليه الصلاة والسلام يعلِّم أصحابه صيغاً من التشهد فتشهد ابن مسعود قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه -أي: كان يعلمه وهو جالس بين يديه كطالب علم يتعلم من النبي- قال: كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنه إذا قال ذلك -(أي: دعا) وصل إلى هنا بهذا الدعاء (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) قال النبي:- ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض) أي: عمه سلامه على الملائكة والجن والإنس.

    يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يقول: قلنا ذلك وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام على النبي) هذا كلام ابن مسعود رضي الله عنه، ولا بأس أن يقول العبد: السلام عليك أيها النبي، فهذا ليس فيه سؤال الميت أو نداؤه، وإنما هذا فيه دعاء، ويجوز الدعاء للميت، فأنت تدعو له تقول: السلام عليك أيها النبي، فهذا دعاء له وليس سؤالاً، فيجوز أن تقول: (السلام على النبي) كما كان يفعل ابن مسعود، وأن تلتزم بالنص والمتن الذي علمه رسول الله الصحابة فتقول: (السلام عليك أيها النبي) وليس في ذلك حرج بل هو دعاء للرسول صلى الله عليه وسلم.

    تشهد ابن عباس رضي الله عنه

    تشهد ابن عمر رضي الله عنه

    تشهد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه

    تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

    وتشهد عمر بن الخطاب ، كان رضي الله عنه يعلم الناس التشهد وهو على المنبر يقول: قولوا: [التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، الصلوات لله، السلام عليك ...] إلى آخر التشهد.

    صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

    أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان عليه الصلاة والسلام يصلي على نفسه في التشهد الأول وغيره، وشرع ذلك لأمته حيث أمرهم بالصلاة عليه بعد السلام عليه، وعلمهم أنواعاً من صيغ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: (اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد) وهذا كان يدعو به هو نفسه صلى الله عليه وسلم.

    أيضاً يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد).

    ويقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما بارك على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد).

    ويقول: (اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد).

    ويقول أيضاً: (اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد عبدك ورسولك وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم).

    ويقول أيضاً: (اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ويقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد) كلها تجزئ.

    القيام إلى الركعة الثالثة والرابعة والتكبير فيهما

    والقيام إلى الركعة الثالثة ثم الرابعة كان عليه الصلاة والسلام ينهض إلى الركعة الثالثة مكبراً وأمر به المسيء لصلاته قال: (ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة) وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من القعدة كبَّر ثم قام، وكان عليه الصلاة والسلام يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً، وكان إذا أراد القيام إلى الركعة الرابعة قال: الله أكبر، وأمر به المسيء لصلاته كما تقدم، وكان عليه الصلاة والسلام يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً، وكان يستوي قاعداً على رجله اليسرى معتدلاً حتى يرجع كل عضو إلى موضعه ثم يقوم معتمداً بيديه على الأرض، وهذه هي الجلسة التي تسمى جلسة الاستراحة.

    وكان يقرأ في كل من الركعتين الفاتحة وأمر بذلك المسيء لصلاته، وكان ربما أضاف إليهما في صلاة الظهر بضع آيات كما سبق بيانه.

    قنوت النوازل في الركعة الأخيرة من الصلاة وموضعه

    وكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت في الركعة الأخيرة بعد الركوع، إذا قال: سمع الله لمن حمده -في الركعة الأخيرة- اللهم ربنا لك الحمد، وكان يجهر بدعائه وقنوته صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه ويؤمن من خلفه، وكان يقنت في الصلوات الخمس كلها، لكنه كان لا يقنت فيها إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم فربما قال: (اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة ، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف -أي: اجعل عليهم القحط- اللهم العن لحيان ورعلٍ وذكوان وعصية عصت الله ورسوله) ثم كان يقول إذا فرغ من القنوت: الله أكبر فيسجد.

    وكان عليه الصلاة والسلام يقنت في ركعة الوتر أحياناً ويجعله قبل الركوع، وعلَّم الحسن بن علي أنه كان يقول إذا فرغ من قراءته في الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا ملجأ منك إلا إليك).

    والتشهد الأخير واجب! بعد أن يتم الركعة الرابعة يجلس للتشهد الأخير، إلا أنه كان يقعد فيه متوركاً لا مفترشاً -أي: على وركه الشمال- لا يفترش القدم الشمال، ويفضي بوركه اليسرى إلى الأرض، ويخرج قدميه من ناحية واحدة، ويجعل اليسرى تحت فخذه وساقه، وينصب اليمنى، وربما فرشها أحياناً، وكان يلقم كفه اليسرى ركبته يتحامل عليها أي: يتكئ عليها.

    مشروعية الدعاء بعد التشهد الأخير من الصلاة

    وشرع فيه الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما شرع ذلك في التشهد الأول وقد مضى هناك ذكر الصيغ، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته ولم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (عجل هذا) ثم دعاه فقال له أو لغيره: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه جل وعز، والثناء عليه، ثم يصلي -وفي رواية- ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء) وسمع رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: (ادع تجب، وسل تعطه) معنى هذا: أنك بعد التشهد لو دعيت بأي دعاء طيب مبارك فإن الله يستجيبه لك.

    وكان يقول: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليستعذ بالله من أربع: يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه بما بدا له).

    وكان عليه الصلاة والسلام يدعو به في التشهد، وكان يعلمه الصحابة رضي الله عنهم كما يعلمهم السورة من القرآن، وكان يدعو في صلاته بأدعية متنوعة تارة يدعو ويقول عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) وهو الدعاء الذي مر آنفاً، أو يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل، اللهم حاسبني حساباً يسيراً) أو يقول: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق -وفي رواية كلمة الحكم والعدل- في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع -في رواية: لا تنفد- وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النضر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين).

    وعلَّم أبا بكر أن يقول: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) وكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو بهذا الدعاء.

    وأيضاً علَّم عائشة : (اللهم إن أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك من الخير ما سألك به عبدك ورسولك محمد، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته لي رشداً) وهكذا كانت عائشة تدعو رضي الله عنها.

    وقال لرجل: (ما تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد، ثم أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال عليه الصلاة والسلام: حولها ندندن).

    وسمع رجلاً يقول في تشهده: (اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، لما سمعه قال: قد غفر له) وسمع آخر يقول في تشهده أيضاً: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان يا بديع السماوات والأرض! يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون بما دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الأعظم -وفي رواية- الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل أعطى) وكان يقول بين التشهد والتسليم: (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت).

    السلام وكيفيته عند الانتهاء من الصلاة

    ثم كان عليه الصلاة والسلام يسلم عن يمينه فيقول في نهاية الصلاة: (السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر) وكان أحياناً يزيد في التسليمة الأولى ويقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وكان إذا قال عن يمينه: (السلام عليكم ورحمة الله) اقتصر أحياناً على قوله عن يساره: (السلام عليكم) وأحياناً كان يسلم تسليمة واحدة: (السلام عليكم) تلقاء وجهه ولا يقول الثانية، ويميل إلى الشق الأيمن شيئاً قليلاً ويقول: (السلام عليكم) فقط ويكتفي بذلك وهي الواجبة وهي ركن من أركان الصلاة وهو آخر ركن من أركان الصلاة.

    وكانوا يشيرون بأيديهم إذا سلموا عن اليمين وعن الشمال، هكذا كان يفعل الصحابة فرآهم النبي يفعلون ذلك، إذا سلم أشار يميناً وإذا سلم شمالاً أشار شمالاً قال: (ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟! إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده) فلما صلوا معه أيضاً لم يفعلوا ذلك أي: تابوا من الإشارة، واكتفوا بالسلام.

    قال: (إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله) وهذه النية يغفلها كثير من المصلين، فأنت عندما تسلم وتلتفت انو بهذا الالتفات وهذا التسليم السلام على إخوانك المصلين في المسجد؛ حتى يكتب الله لك ذلك الأجر فلا تتحول العبادة إلى عادة.

    وكان عليه الصلاة والسلام يخبر عن وجوب السلام (وتحليلها -الصلاة- بالتسليم) وهذا آخر ركن من أركان الصلاة، وهذا ما يسره الله سبحانه وتعالى في تعليم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مع الاختصار الشديد، وأسأل الله سبحانه أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، ولا تحرمونا من دعائكم الصالح.

    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..