www.islamweb.net/ar/

وقفات مع لافتات أحمد مطر للشيخ : أحمد القطان

  • التفريغ النصي الكامل
  • تميّز شعر أحمد مطر بمصداقية غير معهودة، ومعانٍ غير محدودة، فجاءت لافتاته حاملة لهموم الناس، منتقدة للفساد، معرية للزيف، ناطقة باسم المواطن البسيط. وهذه المادة تسلط الضوء على مجموعة شعرية لأحمد مطر، بالشرح والتعليق، ترغيباً للناس باقتنائها.

    تميز أشعار أحمد مطر

    أحمده سبحانه وتعالى بما هو أهله، كما يحمده حملة عرشه والملائكة المقربون، وأصلي وأسلم على قائدي وحبيبي وقدوتي ومعلمي وقرة عيني أبي القاسم محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة، وتركها على المحجة البيضاء، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعلى أصحاب نبينا والتابعين، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

    اللهم إنا نسألك نور الوضوء، وحلاوة الإيمان، وبرد الرضا، وأنس الذكر، ونسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم لقياك، ونسألك لأمة محمد في مشارق الأرض ومغاربها قائداً ربانياً، يسمع كلام الله ويسمعها، وينقاد إلى الله ويقودها، يرفع راية الجهاد في سبيل الله، ونسألك اللهم العافية في الجسد، والإصلاح في الولد، والأمن في البلد، واجعل الدنيا بأيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، وارزقنا منها ما تقينا به فتنتها، واجعل حظنا الأوفر والأكبر يوم لقائك.

    اللهم نسألك بعزك وذلنا، وقوتك وضعفنا، وغناك عنا وفقرنا إليك إلا رحمتنا يا أرحم الراحمين، هذه نواصينا الخاطئة بين يديك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، عبيدك سوانا كثيرٌ وليس لنا سيدٌ سواك، نسألك مسألة المسكين، ونبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وندعوك دعاء الخائف الضرير، دعاء من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه.

    يا أرحم الراحمين: إن زرع الباطل قد نما، وبلغ حصاده، فقيض له يداً من الحق حاصدة، تستأصل جذوره، وتقتلع شروره، اللهم إنا نشكو إليك الأموال المنهوبة، والأعراض المسلوبة، والأوضاع المقلوبة، اللهم أنت ملاذنا ومعاذنا، ونصيرنا وظهيرنا، وحسبنا ومولانا، فنعم المولى ونعم النصير، لا تكلنا إلى أنفسنا فنهلك، ولا إلى الناس فنضيع، نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين أنت ربنا وأنت رب العالمين، نسألك الشهادة في سبيلك بعد طول عمرٍ وحسن عمل، مقبلين غير مدبرين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    أما بعد أيها الأحباب الكرام: ولد هذا اليوم ديوانٌ جديد في ليلة ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، محمد خاتم الرسل والأنبياء ولد فكان في ولادته أن انطفأت نار المجوس، وسقطت شرفات قصر قيصر، ميلاده تغيير هائلٌ في الأرض وفي السماء، عرف ذلك أحبار اليهود ورهبان النصارى، لما نظروا في النجوم وجدوا نجماً جديداً في كبد السماء فقالوا: هذا نجم أحمد، صلوات الله وسلامه عليه وعصمه الله وحفظه، وعصمه من يوم مولده إلى مماته، ما سجد لصنم، وما خضع لطاغوت، وما شرب خمراً، وما كذب قط، وما أكل حراماً قبل البعثة وبعد البعثة صلوات الله وسلامه عليه، فهو الصادق الأمين.

    ويقدر الله جل جلاله في هذا اليوم أن يولد ديوان من الشعر جديد مهمته مهمة محمد صلى الله عليه وسلم، مهمة محمد أن يجعل الحاكمية لله، وهذا الديوان الذي طالما سمعتم قصائده أرددها في دروسي وفي خطبي، وكثيرٌ من الناس يسأل أين مصدرها، ولد المصدر هذا اليوم فهو يباع في معرض الكتاب العربي اليوم، ويظل مفتوحاً سائر الأيام المقبلة، والكتاب بعنوان لافتات للشاعر أحمد مطر.

    هذا الكتاب لا يوجد مثله في الأدب والشعر في زماننا هذا؛ لأنه يستعرض صفحات من واقع الأمة العربية والإسلامية، فيتتبع ما فيها من بؤس وظلم، ومكر وغدر، فيرفع الستار عنها، إذا علم في مكانٍ ما أجهزة تخدير تجعل النور ظلاماً والظلام نوراً، والحق باطلاً، والباطل حقاً، والرذيلة فضيلة، والفضيلة رذيلة، سلط عليها الأضواء بقصيدة، فبانت الحقائق كما هي، واتضحت الألوان.

    وشعره يحمل طابع الشمولية، فهو لا يرتبط بأرض ولا بجنس ولا بلون ولا بإقليم، إنما يخاطب الإنسان على وجه الأرض، كل إنسان مظلوم مضطهد مسلوب، يوجه الخطاب إليه، وسأستعرض لكم بعض قصائده، وأبسط شرحها، ترغيباً لكم باقتناء هذا الكنز.

    مدخل الديوان

    الديوان جُعل له مدخل، فماذا يقول الشاعر في مدخل الديوان؟ الديوان فيه سبعون قصيدة فيقول:

    سبعون طعنة هنا

    فيعتبر كل قصيدة طعنة في جسمه تنزف.

    سبعون طعنة هنا

    موصولة النزف

    الدم ينسكب منها، وهذا الذي يجب أن يكون عليه كل مسلم، إذا سمعت أن أختك المسلمة في أفغانستان هتك عرضها لا بد أن تشعر أن هذا العرض هو عرضك، وإذا سمعت أن أختك في لبنان قد اعتقلت وأهينت وأذلت، لا بد أن تكون الطعنة في قلبك وجسدك موصولة النزف، هكذا يعلمنا ديننا؛ لأنه (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).

    سبعون طعنة هنا

    موصولة النزف

    تبدي ولا تخفي

    أي: توضح وتبين وتصرح وتكشف ولا تخفي؛ لأن زماننا هذا يجب أن يكون زمن الوضوح لا زمن الخفاء والإخفاء، الإمام أحمد بن حنبل لما ابتلي بمحنة القرآن وخلق القرآن، جاءه بعض العلماء من وعاظ السلاطين وقالوا له : أيها الإمام! قل كما قال غيرك، وتكلم بما أراد الخليفة، أظهر على لسانك البدعة، واترك قلبك مؤمناً بعقيدة أهل السنة والجماعة ، حالك حال الناس، حشرٌ مع الناس عيد كما يقول البعيد، فقال الإمام أحمد : لا. إذا كان العالم يتقي بالتقية والجاهل يجهل، فكيف يستبان الحق؟ إذا وافقت الطاغوت والجاهل يسمع مني فكيف سيظهر الحق؟ لن يظهر الحق، وأعلنها الإمام أحمد رحمة الله عليه وثبت، فجلد وصلب وخلعت كتفاه واعتقل، ومات كثيرٌ من تلاميذه وذبحوا بالسكاكين، فدعا رضي الله عنه على الطواغيت فقتل بدعائه ثلاثة، المأمون والمعتصم والواثق ، ثم هدى الله المتوكل فأفرج عنه، كما قتل أحمد المحلاوي أنور اليهود .

    سبعون طعنة هنا

    موصولة النزف

    تبدي ولا تخفي

    تغتال خوف الموت في الخوف

    كل الناس يخافون من الموت، ولكن الإنسان الشجاع لا يموت إلا مرة واحدة، أما الجبان يموت في اليوم مائة مرة، يموت إذا فوجئ بظله يتبعه، يموت إذا هدد بقطع الراتب، يموت إذا رافق إنساناً ملتحياً، يموت إذا عثر عليه وهو يصلي، يموت إذا حضر درساً مثل هذا، والشجاع لا يموت إلا مرة.

    أطلقها خالد بن الوليد رضي الله عنه حين قال: [قاتلت في سبيل الله مائة معركة، وليس في جسمي موضع شبرٍ إلا وفيه طعنة رمحٍ أو ضربة سيف، وهأنذا أموت كما يموت البعير، فلا قرت أعين الجبناء] لهذا يقول الشاعر: قصائدي هذه تغتال الخوف من الموت؛ لأني لو كنت أخاف من أن يقصر أجلي إنسان لما تكلمت بحرفٍ واحد، لكني أعتقد أن الآجال بيد خالق الآجال وهو الله، لهذا أغتال الخوف من الموت بالخوف، بالخوف من الله ومراقبة الله الذي لا إله إلا هو.

    سميتها قصائدي

    وسمها يا قارئي حتفي

    أنا أسميها قصائد، لكن أنت يا قارئ سمها حتفي -أي: موتي- لأني أتوقع الموت بعدها بأي لحظة.

    وسمني منتحراً بخنجر الحرف

    والحرف الذي لا يرضاه الظالمون يقتل صاحبه، سيد قطب رحمة الله عليه قتله الحرف، أرادوا منه توقيعاً يقول فيه: (أعترف بثورة يوليو) -ثلاث كلمات- قال: لا. إن السبابة التي تشهد أن لا إله إلا الله ترفض أن توقع وتكون رقعة في ثياب الظالمين، فقالوا: اشنقوه! كما قالوا لإبراهيم من قبل: حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ [الأنبياء:68] فقتل، ولكن من الميت هو أم قاتله؟ لا شك أنه قاتله، أما هو فذكره يمتد بين الأجيال وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154].

    لأنني في زمن الزيف

    والعيش بالمزمار والدف

    الزمن الذي أنا فيه أركانه قائمة على الزيف، على الغش، حتى في المساجد غش وقد يكون المسجد ينفقون عليه مليوناً ولكن الغش يظهر، الزيف أصبح الناس يتنفسونه، تقلب الهزائم إلى انتصارات، والصادقون المخلصون هم المتهمون، وأهل المجون والدعارة هم المقدمون، يستقبلون استقبالاً رسمياً، ويحتفى بهم، وكم من الشهادات يكتشف بين الحين والحين أنها مزيفة، فالزيف يمتد على جميع المستويات، حتى أصبح الزيف شطارة، يعني الذي يحتال على أخوه ويأخذ منه شيئاً هذا هو الذكي، واجلس في مجالس الناس واسمعهم يقولون: أنا غلبته، أنا كسرته، ويعتبر ذلك ذكاء وشطارة.

    لأنني في زمن الزيف

    والعيش بالمزمار والدف

    كن مخلصاً طوال عمرك، لن يلتفت إليك أحد، بل تجد المعوقات أمام تقدمك، ولا تصل إليك الدرجات، ولا تصل إليك الترقيات، بل تصبح كأنك زائدة دودية، كل شخص يفكر في إجراء عملية لك حتى يتخلصوا منك، هذا ليس هنا بل في العالم العربي والإسلامي كله، الصادق المخلص الأمين غير مرغوبٍ فيه.

    أما المنافق الدجال المرائي الذي يقبل الأيادي، ويركع للأسياد، ويلعق الأحذية، ويتساقط على الموائد، فهو مرغوب فيه.

    لهذا تجد حياة أصحاب المزامير والدفوف كحياة الملوك، أحسن البيوت عندهم، أفخم السيارات عندهم، أموالهم هائلة، دخل الفرد منهم مئات الأضعاف من دخل العالم الصادق المخلص الذي ينفع البلاد والعباد، بتوقيع واحد بإمكانه أن يربح خمسين ألف دينار، وبلقطة دعاية صابون يدخل خمسة أضعاف معاش إمام مسجد، أليس هذا هو زمن الزيف؟

    الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر بآخر الزمان فيقول: (يؤتمن الخائن ويخون الأمين، ويكذب الصادق ويصدق الكاذب، ويتكلم الرويبضة، قالوا: وما الرويبضة؟ قال: التافه يتكلم في أمر العامة) سبحان الله! تفصيل عجيب.

    كشفت صدري دفتراً

    وفوقه كتبت هذا الشعر بالسيف

    تصوير معبر لواقع الأمة

    ومع قصيدة أخرى يصور العالم العربي كله كأنه مقلب قمامة، سيارة البلدية عندما تحمل صندوق القمامة ثم ترميه وتسقط منه جثة، هذه الجثة ملامحها ملامح رجل عربي، لكن عن يمينها نسر يأكل منها، وعن شمالها دب يفترسها، والجثة معلقة عليها راية مكتوب عليها "هذه الجثة كانت في يوم من الأيام اسمها كرامة"، يقول: هذا هو وضع العالم العربي اليوم، أمريكا من جانب، ورمزها النسر، وروسيا ومعسكر الشرق من جانب، ورمزها الدب يتعاونون على جثمان العالم العربي المسكين، يقول:

    في مقلب القمامة

    رأيت جثة لها ملامح الأعراب

    تجمعت من حولها النسور والدباب

    وفوقها علامة

    تقول: هذي جيفة كانت تسمى سابقاً كرامة

    وكلنا في الذل مشترك، لا تظن نفسك أنك الآن عزيز، أنت عزيز بالدين والإيمان على مستوى المسجد، لكن على مستوى العالم ودول العالم لا يوجد أذل مني ومنك، عار إذا التقيت مع أمريكي أو أوربي تقول: أنا عربي، لأنك مهزوم مقهور؛ أنت عربي واليهود يدخلون مسجدك الأقصى ويبولون فيه، ويحرقونه، ويدخلون فيه الكلاب، ويدخلون فيه الراقصات والممثلات في جحيم من القبل؟! فأصبح عار لأحد أن يقول لأمريكي أو أوروبي: أنا عربي؛ لأن الذل أصبح مشتركاً من الحاكم إلى المحكوم، إلى أن يحرر المسجد الأقصى وفلسطين، عند ذلك تعود العزة والكرامة.

    حراسة الأنظمة للأفواه

    قصيدة ثالثة تتكلم عن شعار مرفوع ولا يزال مرفوعاً، وهي بدعة من بدع الزعماء، وهي بدعة حديثة، ما كنا نعرفها من قبل، البدعة تقول: " لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة " فهذه البدعة تنسف قيادة محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وتضعه على الهامش، ثم تنسف خلافة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الخلافات التي امتدت إلى ثلاثة عشر قرناً، ووصلت السياسة الإسلامية من المدينة المنورة إلى أرض روسيا ، وحدود السند ، وحدود فرنسا ، ثم يأتي مبتدع وبكل سهولة وبساطة فيقول "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة" الشاعر يقول في قصيدته :

    وضعوا فوق فمي كلب حراسة

    مطلع عجيب كأن الفم هذا خطير، الكلمة التي تخرج منه تؤثر، فلابد أن نضع عليه كلب حراسة، فالكلمة التي ليست سياسية يفوتها، أما الكلمة التي فيها سياسة يعض الشفتين حتى لا تخرج.

    وضعوا فوق فمي كلب حراسة

    وبنوا للكبرياء في دمي سوق نخاسة

    لما رأوا في دمي العز ماذا فعلوا؟ بنو سوقاً داخل الدم، السوق هذا اسمه سوق النخاسة، وسوق النخاسة هو السوق الذي يباع فيه العبيد، وأرادوا بيع عزي في هذا السوق لأكون ذليلاً مهاناً:

    وعلى صحوة عقلي

    أمروا التخدير أن يسكب كأسه

    عندما صحا عقلي، وعرفت النور والطريق، قالوا للتخدير العالمي: اسكب كأسك عليه حتى لا يفيق.

    ثم لما صحت: قد أغرقني فيض النجاسة

    صحت أنقذوني نجاسة التخدير أغرقتني

    قيل لي: لا تتدخل في السياسة

    يقول: كيف لا أتدخل؟

    تشبيه العالم العربي بالجواري التي تباع وتشترى

    تدرج الدبابة الكسلى على رأسي إلى باب الرئاسة

    كيف لا أتكلم والمجنزرة تسير على جمجمتي، قبل أن يصل الزعيم إلى القصر يكون داس على رأسي، ولا تريدون أن أتكلم.

    وبتوقيعي بأوطان الجواري

    يعقد البائع والشاري مواثيق النخاسة

    أتريدون مني أن أوقع بأوطان الجواري، وهذا تصوير عجيب أول مرة أسمعه، يشبه أوطان العالم العربي بالجواري التي تباع وتُشتَرى، صورة عجيبة، وهذا هو الواقع، الوطن الفلاني يباع إلى البيت الأبيض وبعد أربع خمس سنوات تسوء العلاقات على طول صفقة جديدة تباع إلى البيت الأحمر، وطبعاً إذا أصبح الوطن ذيلاً لأحد المعسكرات الشعوب كلها وراءه، فأصبحت الأوطان كالجواري، والذي يشتري الجارية ماذا يفعل بها؟ هل يضعها تحفة؟ لا. يستمتع بها غاية الاستمتاع.

    وبتوقيعي بأوطاني الجواري

    يعقد البائع والشاري مواثيق النخاسة

    وعلى أوتار جوعي يعزف الشبعان ألحان الحماسة

    أنا جوعان والشبعان يتغنى بألحان الحماسة

    قيل أن الشعب الإنجليزي جاع ولم يجد الخبز، فقاموا بمظاهرات عند قصر الملكة، وبنت الملكة في البلكونة تقول للكهرمانة -رئيسة الخدم-: ماذا يريد هؤلاء؟ قالت: إنهم لا يجدون الخبز، قالت: إذا لم يجدوا خبزاً فليأكلوا البسكويت.

    لأن هذا واقعها، هي تظن أن البسكوت المرمي الذي تدوسه داخل القصر متوفر في البيوت كلها.

    لهذا يقول الشاعر:

    وعلى أوتار جوعي يعزف الشبعان ألحان الحماسة

    لماذا نذهب بعيداً؟ إخواننا في السودان يموتون اليوم بالمئات مسلمين، عقيدتهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحتى هذه اللحظة لم يحدث تحرك على مستوى الدول والحكومات، كلها على مستوى اللجان الشعبية.

    إن لله غضبة؛ لأن الله يغضب لمحارمه إذا انتهكت، ولا يوجد أعظم حرمة عند الله من حرمة المسلم، والله إن حرمة المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبة المشرفة، والمسلمون يموتون كل يوم.

    لو وقعت دولة نصرانية كافرة من الدول المرموقة ويا ليت تتعرض فرنسا إلى أزمة مجاعة لوجدت العالم العربي يتفنن في إشباع الفرنسيين، تعقد ولائم عالمية فيها الطاووس المشوي؛ لأنه فرنسي، هذا هو الصاحب، لماذا ونحن نحكم أنفسنا بالقانون الفرنسي منذ عشرات السنين وألقينا كتاب الله خلف ظهورنا.

    منكر تقديس السياسيين

    بدمي ترسم لوحات شقائي

    فأنا الفن وأهل الفن ساسة

    فلماذا أنا عبدٌ والسياسيون أصحاب قداسة؟

    السياسيون أصحاب قداسة، مثل محطة البنزين ممنوع التدخين، السياسي هكذا معصوم.. لا يخطئ.. لا ينقد.. لا يوجه.. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هم هكذا وليذهب أحدكم ويقول لأحد الحكام: أنت أخطأت، اتق الله، يقول لك: أنا أتقي الله يا كلب! يا حقير! خذوه فغلوه وفي المشنقة اصلبوه.

    وفي بعض الدول العربية إذا خرج الشاب من المسجد والتقت عيونه بعيون شخص يدخل المسجد اعتقل الاثنان، يقولون: لماذا ينظر إليه؟ بينهما شيء.

    وشخص يخبرني منذ أربعة أيام يقول: في بعض الدول العربية بلغ الوضع أن كل بيت موجود فيه مباحث من أهل البيت، إما الولد أو الخادمة أو الزوجة أو الزوج أو النسيب، لا بد أن يكون أحدهم في المباحث، ويقول: إذا أحد أهل البيت قال: إن هذه التمرة لها طعمان يرفعون به تقريراً، يقولون: التمرة لها طعمان؟! ماذا تقصد؟ يعني: البلد فيه قيادتان؟ ويحاسبونه عليها.

    قيل لي: لا تتدخل في السياسة

    شيدوا المبنى وقالوا: أبعدوا عنه أساسه

    أيها السادة عفواً

    كيف لا يهتز جسمٌ عندما يفقد رأسه

    السياسة عندنا نحن هي الرأس، لا إله إلا الله، لا حاكم إلا الله، لا معبود بحقٍ إلا الله، لا عرش إلا عرش الله ولا كرسي إلا كرسي الله.

    حصار قارئ القرآن

    قصيدة أخرى يقول فيها:

    قرأت في القرآن

    تبت يدا أبي لهب

    ما فيها شيء، قرآن يقرؤه الإنسان ليتعبد، تبت يدا أبي لهب، يقول:

    فأعلنت وسائل الإذعان: إن السكوت من ذهب

    فلما قرأت هذه الآية أعلنت وسائل الإذعان والقهر كلها

    وقالت: يا ولد! إن السكوت من ذهب

    السكوت من ذهب، هذه حكمة ظهرت في عصر التخدير السياسي "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" هذه الحكمة ظهرت عندما كان هناك سلاطين يريدون إلهاء الشعوب حتى لا ينتبهوا إلى أخطائهم وسلبهم ونهبهم للثروات، وكل شخص أمامه ربابة ويحكي قصة أبي زيد الهلالي التي حدثت في عهد المماليك وفي العهد الفاطمي العبيدي، العهد العباسي المتخلف الثاني الذي جاء له ملوك التتار والمغول وأباده، في هذا العهد أصبح شعار الناس: "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" اسكت لا تتكلم.

    الإسلام لا يقول ذلك، ماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم؟ يقول (فليقل خيراً أو ليصمت) قدم قول الخير على الصمت، فأصبح الصمت متأخراً وقول الخير والحق والمعروف متقدماً لهذا يقول:

    فأعلنت وسائل الإذعان: إن السكوت من ذهب

    أي اسكت. لا تقل: تبت يدا أبي لهب ، من هو هذا أبو لهب ؟ أبو لهب معروف هو الذي حارب الرسول صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد العزى ، وهو طاغوت من طواغيت الجاهلية وفرعون الأمة، قال له: لا. أنت لا تقصد هذا، أنت تقصد الزعيم، يقول: وإذا أكملت السورة؟ قالوا: نفصلك من وظيفتك، قال: أنا راضٍ بالفقر، لكن القرآن سأقرؤه يقول:

    أحببت فقري لم أزل أتلوا: وتب

    ما أغنى عنه ماله وما كسب

    فصودرت حنجرتي بجرم قلة الأدب

    وصودر القرآن لأنه حرضني على الشغب

    صادروا حنجرتي: أي: شنقوني والقرآن اعتقل، كلام الله اعتقل، وأصبح القرآن في بعض الدول متهماً ويحاكم، كما أصبح ابن تيمية الذي هو ميت من سبعمائة عام تقريباً متهماً يحاكم في إحدى الزنازين في الدول العربية، قالوا: لأنه بفتوى ابن تيمية حدثت حادثة المنصة، ابن تيمية ماذا عليه؟ قال: لا. ابن تيمية أفتى من زمان وهم أخذوا الفتوى، فلهذا كتب ابن تيمية ممنوعة.

    وصودر القرآن لأنه حرضني على الشغب

    ومصادرة القرآن -أيها الأحباب- تتفاوت بين بلد وبلد، فبعض البلدان صودر فيها تماماً، لا تريده لا في المسجد ولا في الحكم ولا في الشارع ولا بين الناس، وأصبح يهرب كما تهرب المخدرات، أي نعم. في الدول الإسلامية القريبة من معسكر روسيا طاشقند وسمرقند وبلغاريا وهذه البلدان التي كانت في يوم من الأيام مسلمة، لو وجدوا نسخة واحدة من المصحف يحكم على صاحبها.

    ويذكر لي أحد الإخوة قال: في يوم من الأيام زرت إحدى الدول الشرقية -المعسكر الشرقي- الذي كان في يوم من الأيام مسلماً يقول: كنت جالساً في الحديقة على كرسي وفتحت الحقيبة، وبجواري امرأة عجوز عمرها سبعون سنة، يقول: فلما فتحت الحقيبة نظرت فيها فرأت المصحف، يقول: فصرخت، ثم أغلقت الحقيبة وقالت: أرجوك أن تتبعني إلى بيتي، يقول فلما تبعتها قالت لي: تسمح لي دقيقة واحدة أنظر إلى المصحف وأشمه، يقول: فلما أغلقت الباب فتحت الحقيبة وأخذت المصحف وقامت تشمه وتحبه، يقول: فقلت لها: أنت مسلمة؟ قالت: نعم. فقلت هذا هدية مني لك، يقول: فكاد قلبها يطير من الفرح.

    إذاً.. عندما يقول الشاعر:

    وصودر القرآن لأنه حرضني على الشغب

    هذه هي حقيقة واقعة، القرآن اليوم محبوس في المساجد، يطلق سراحه قليلاً في الحفلات، يصعد مقرئ ويقرأ الذي (اللزي) وهي (الذي) لكن لأن المسألة عنده وظيفة لا يفرق بين هذا الحرف وبين ذاك الحرف؛ لأنه يفكر باللحظة كم سيدفعون له، ثم يطوي المصحف ويقبض قيمة الآية وهو من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة؛ لأنه في مؤسسة ربوية، وقرأ آية الربا فلعنته، ولعنت المؤسسة الربوية ولعنت مقيمها، وكانت حجة على الجميع يوم القيامة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (ورب قارئٍ للقرآن والقرآن يلعنه).

    وصودر القرآن لأنه حرضني على الشغب

    نوم العرب في وقت اليقظة

    قصيدة أخرى، وأنتم تلاحظون أن قصائده لا تزيد على السطر أو السطرين، ولكن.. كم فيها من العمق؟

    كلنا ننام ونستيقظ على صوت الساعة، يضرب الجرس فنستيقظ، اسمع الشاعر ماذا يقول:

    صباح هذا اليوم

    أيقظني منبه الساعة

    وقال لي: يا بن العرب

    قد حان وقت النوم

    فأصبحت اليقظة في العالم العربي هي النوم العام، النوم عن الدين، النوم عن الجهاد، النوم عن الدفاع عن الأعراض، النوم عن الدفاع عن الحق، النوم عن الدفاع عن المقدسات، النوم عن أدنى الأمور في حياة الناس، الناس يستيقظون من منام الليل العزيز ليدخلوا في منام النهار الواسع الذليل، تصوير عجيب.

    صباح هذا اليوم

    أيقظني منبه الساعة

    وقال لي: يا بن العرب

    قد حان وقت النوم

    اللهم إنا نسألك لأمتنا يقظة تامة تنجيها من مصارع الغفلات، اللهم ردهم إلى الإسلام والقرآن رداً جميلاً، اللهم إنا نسألك نصراً مؤزراً، انصر جندك وأولياءك المجاهدين، يا رب العالمين!

    اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم من أراد بأمتنا سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادها فكده، واجعل تدبيره في تدميره، اجعلنا في ضمانك وأمانك وبرك وإحسانك، احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا، يا أرحم الراحمين! اشف مرضانا، وارحم موتانا، أمن روعاتنا، استر عوراتنا، واغفر زلاتنا، واقبل حسنتنا، يا أرحم الراحمين! نسألك اللهم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً.

    اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم لقائك.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.