عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وانظروا فعلاً وقولاً يُقربكم إلى الله جل وعلا ويباعدكم عن النار، فإن وجوهكم وأجسامكم على وهج النار لا تقوى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
[الأحزاب:70] وما أصعب القول السديد في هذا الزمان! وما أقل المنصفين في هذا الزمان! وما أقل الذين ينظرون إلى الأمور بمعايير الوسط، ويزنون الأمور بموازين العدل في هذا الزمان!
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
[الأحزاب:70]، وإذا قلنا قولاً سديداً، وإذا سلكنا فعلاً يبنى على قول سديد ماذا بعد ذلك؟
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
[الأحزاب:71] لأن من طلب الحق في سداد القول أصلح الله له العمل والنية والعاقبة والخاتمة.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
[الأحزاب:70-71] والقول السديد عبادة، وحسنة تكفر بها السيئات:
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
[الأحزاب:71].
إن المؤمنين الذين إذا نزلت بواقعهم نازلة نظروا قول الله جل وعلا، وفعلوا ما أمرهم الله به، واتبعوا ما شرع نبيهم صلى الله عليه وسلم، وحينئذ تتابع عليهم النعم، وتندفع عنهم النقم:
وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً
[النساء:66-68].
كل هذه البركات والخيرات والنعم حينما نسلك مسلكاً وسطاً شرعه الله يبنى على قول سديد، فعلنا فيها ما وعظنا به في كتاب الله وسنة نبيه، وليس لنا إذا ورد الأمر من الكتاب والسنة خيار:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
[الأحزاب:36].
معاشر المسلمين: إن الله جل وعلا شرع هذا الدين العظيم وأكمل النعمة:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً
[المائدة:3] إن الله أتم النعمة، وأكمل الدين، وما فرط في الكتاب من شيء، ومادام الأمر كذلك، فلن نجد شاذة ولا فاذة ولا شاردة ولا واردة تمر بالمسلمين إلا وسنجد في كتاب الله لها حكماً بأمر أو نهي أو ندب أو كراهة أو إباحة.
ويقول الله:
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
[النساء:59].
أيها الأحبة: أتظنون أن الله يُشرع في القرآن أموراً لا تقع؟
أتظنون أن الله يُشرع للأمة أموراً لا حاجة لها بها؟
أتظنون أن التشريع عبث وهوى؟
تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً؛ ولذلك لما ذكر السرقة وحكم السارق والسارقة، فإن هذا دليل على وجود وحدوث جريمة السرقة في المجتمع المسلم.
ولما ذكر الزنا وذكر أحكامه، دل ذلك على وجود هذه الفاحشة في المجتمع المسلم، وحينما تذكر الغيبة والنميمة والجساسة والتجسس والقول الفاحش، وكل صغير وكبير ما ذكر في القرآن إلا لأنه موجود في المجتمع.
إن من الناس من ينظر إلى المجتمع الإسلامي، أو يتصور مجتمع أهل السنة والجماعة، أو من يتصور أن المجاهدين في سبيل الله، أو من يتصور أن المؤمنين هم ثلة مثالية، لا يقع منهم خطأ، ولا تزل بهم قدم، ولا ينحرف منهم أحد، ولا يضل بهم هوى أو رأي في حالة من الحالات النادرة.
إن هذا ليس سمة عامة للمجتمع، لكن لا يعني حينما لا تكون السرقة والزنا والفحش والغيبة والنميمة والتجسس سمة عامة في المجتمع، لا يعني أن هذا لا يحدث ولا يقع في مجتمع المسلمين.
أيها الأحبة: من الناس من ينظر نظرة مثالية، ينظر أن المجتمع المسلم لا توجد فيه جريمة ولا فاحشة، ولو صح ذلك لرأيناه في أزهى وأجمل، وأسمى وأطيب وأكمل صور المجتمع المسلم في عهد النبوة والخلافة الراشدة.. ألم يُوجد في عهد النبوة من قتل فقُتل؟ ومن سرق فقطعت يده؟ ومن زنا فجلد أو رجم؟ ومن اعتدى فاقتص منه؟ نعم، هذا وجد في مجتمع النبوة، وهل يعني ذلك أن مجتمع الصحابة مجتمع اللصوص والقتلة والزناة.. مجتمع أهل الغيبة والنميمة.. مجتمع أهل التجسس؟ لا، ولكن ليبين لنا القرآن أن المجتمع لا يخلو من حوادث تظهر فيه، وتطرأ على مُضي استمراره.
هل نتعصب لأحدٍ؟ هل نسب ونشتم؟ هل نهذي بما لا ندري؟ هل نهرف بما لا نعرف؟ هل ننقل وبئس مطية الرجل زعموا؟ (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) قيل لنا، وحدثنا، وأُخبرنا، وسمعنا، وروي لنا، لا.
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
[الحجرات:9] فاء التعقيب المباشر:
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
[الحجرات:9] دورنا أن نتدخل لإصلاح ما شجر بين المؤمنين حتى ولو بلغ القتال.
قال تعالى:
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
[الحجرات:9] إذا ظهر من أحدهما بغي وإمعان في الضلالة، وإصرار على الغواية؛
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ
[الحجرات:9]، وقال جل وعلا:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
[الحجرات:10]، وقال تعالى:
فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ
[البقرة:178] فسماه أخاً له بعد أن ذكر من شأنه القتل وإراقة الدم، سماه أخاً له ولم ينفِ عنه أخوة الإيمان.
أيها الأحبة: من المؤمنين من تبلغ بهم العاطفة، ويطيش بهم الحماس، وتحلق بهم النقولات والآراء والسماع، فتجده حينما يسمع فتنة حلت بين المسلمين ممن عُرفوا جميعاً بالصدق مع الله، وكان بوسع أحدهم أن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، وكان بوسع أحدهم أن يرمي السلاح وينال أرقى المناصب، وكان بوسع أحدهم أن يكون عميلاً أو جاسوساً أو دخيلاً يقتات من قضايا المسلمين، كما اقتات كثير من الذين يعيشون على قضايا المسلمين، ويتمنون ألا تنتهي؛ لأنها أصبحت مصدر رزق، ومدّر دخل له ما دامت تلك القضية قائمة.
و فلسطين ليست بعيدة عما نتحدث عنه، فقد مضى زمن تولى القضية من لا يتمنى نهايتها، ومن لا يتمنى خلاصها؛ لأنه يقتات ويجمع ويأكل ويستجدي ويستعطي ويسأل من ورائها.
أيها الأحبة: يقول الله جل وعلا محذراً وناهياً المؤمنين ألا يقفوا ولا يتبعوا قولاً أو أمراً لم يتثبتوا منه:
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
[الإسراء:36] والعلم ما كان عن يقين، وما كان عن قطع وتحقيق، وليس العلم ما كان من حدثنا عمن نثق به أنه حصل كذا وكذا، ليس العلم إلا باليقين والقطع، نعم، نحن لا نقدح في الرواية ولا في الأسانيد والمتون، فقد بُنيت على التتابع، حدثنا فلان لكنه ثقة لا يجرح في عدالته، عن فلان ثبت صدوق لا يُتّهم، عن فلان تقي لا ينبس إلا بما أطبق وأجمع عليه قلبه وفؤاده من الصدق.
أما لو أردنا أن نطبق الأقاويل والروايات في هذا الزمان، ونضع رجالها ونقلتها تحت أدوات الجرح والتعديل لم يسلم إلا من رحم الله، وقليل بل أقل من القليل ما هم.
أقول: أيها الأحبة! حينما يحدث بين المسلمين فتنة، فمن واجبنا ألا نتعصب، بل نقف موقف عدل، لو سمعت طرفاً مباشراً أو رأساً من رءوس هذه القضية، أو ممن حدثت لهم فتنة، فأسمعك بكلامه فلا تقبل منه حتى تسمع كلام الآخر، نحن أمة عدل وشرع، وتحقيق للوسطية والعدالة والشهادة بين الأمم، فلا نتعصب لمجرد الهوى أو لمجرد الحب والميل، عصبيتنا للحق ونحن مع الحق، وبقاؤنا مع الحق، ووقوفنا مع الحق، حتى لو كان الحق في صف من كان بعيداً منا، وكانت الضلالة في صف من كان أقرب الناس إلينا.
إننا لا نتعصب للرجال، ولا نقيس الحق بالرجال، ولكن نقيس الرجال بالحق، والذين يتعصبون لرجل دون غيره، نقول لهم: ماذا تفعلون إذا مات الرجل؟ قال الله جل وعلا:
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
[آل عمران:144].
هذه مسألة مهمة فقهها من فقهها، وجهلها من جهلها، وليس بدعاً وليس عجيباً أن يحمل شيئاً من العلم من لا يفقه: (ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب مبلغ أوعى من سامع).
فلنتق الله في شأن أعراض المسلمين، ولنتقِ الله في شأن أحداث المسلمين.
أيها الأحبة: لو أردنا أن نطبق مقاييس الهوى والعصبية على أي قضية حصلت في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي، لو رجعنا إلى الوراء قليلاً لننظر إلى ما كان بين آبائنا وأجدادنا من ثارات وقتل وغير ذلك، هل سنرمي هذا بالكفر أم سنرمي هذا بالكفر؟ لا والله، فالقاتل والمقتول كل أفضى إلى ربه:
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
[البقرة:134].
ومنهج أهل السنة والجماعة أن نكف عما شجر بين المؤمنين، وألا نتعصب وأن نسأل الله أن يحقن دماءهم، وأن يرفع الفتنة عنهم.
منهج أهل السنة والجماعة ألا يكون الإنسان في الفتنة ساعياً، فإذا شجرت وظهرت فتنة بين المسلمين فالقاعد خير من القائم، والنائم خير من القاعد، فلا تكن في الفتنة ماشياً ولا ساعياً ولا قائماً ولا قاعداً، بل ابذل ما استطعت أن تجمع به شمل المسلمين، وأن ترفو به ما تَخَرَّق من أمرهم، وأن تَلُم به ما استطعت من شملهم وشتاتهم.
أيها الأحبة: منهج أهل السنة لا عصبية فيه ولا ميل ولا هوى، ومن تحقق هذا عرف أن واجبه أن يقول خيراً أو يصمت: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وقال تعالى:
َإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ
[النساء:83].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
أيها الأحبة في الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله في القول والكلام، اتقوا الله في الكتابة، والإشارة، اتقوا الله في المبنى والمعنى، والظاهر والمقصد، اتقوا الله في كل ما تفعلون وتذرون، اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة في الله! إن من البسطاء من إذا ظهرت فتنة وجدته يسعى فيها متحمساً متعصباً مائلاً، في جنفٍ وميل واضح عظيم، وهو لم يعرف بعد تفاصيل الأمر ولا القضية.
| لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهان |
بمجرد أن ترفع راية العصبية أو ترفع راية يميل إليها، تجده ينخرط في ظلها ولوائها، قائلاً أو فاعلاً أو متكلماً، وهو لا يعرف حقائق الأمر، نقول: يا مسكين دع الأمر لمن أدركه! يا مسكين أنت لم تعرف في هذا، لم تسمع بأذنك، ولم تعقل بفؤادك، ولم تر ببصرك، فعلام هذا التعصب وهذا الميل؟! دع الأمر لمن أصبح قريباً منه، ودع الأمر لمن تولاه، ودع الأمر لمن نظن بهم الخير والسداد والصدق والعدالة والثقة في مباشرته وإنزال هذه الواقعة في قوالب من كتاب الله وسنة نبيه، وحينئذٍ ستحكم هذه الآيات هذه القضية، فبمجرد أن تُخضع الواقعة في قوالب الآيات.. الآيات ستكيفها، والأحاديث ستبين حكمها، وحينئذٍ تكون قد نجوت.
ألم يكن بين علي رضي الله عنه وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وقيعة؟
ألم يكن بين علي ومعاوية وقيعة؟
ألم تحدث وقيعة بين أولئك الثلة الأوائل الذين لهم من المنـزلة والفضل والمكانة ما الله به عليم؟ أليس لنا في هذا عبرة وعظة؟ ومع ذلك فمعتقد أهل السنة أن نكف عما شجر بين المؤمنين، وأن نترضى عنهم أجمعين، وأن نترحم على أمهات المؤمنين، وعلى الصحابة أجمعين، وألا نتعصب لأحد، أو نميل لأحد، أو نقول: إن هذا فَعَلَ وبَغَىَ وظلم واعتدى، وهذا بريء مسكين، لا، بل نترضى على الجميع، وكما قال ابن المبارك رحمه الله: [تلك دماء سلم الله أيدينا منها، فلنسلم ألسنتنا من الكلام فيها].
معاشر المؤمنين: الأمر خطير جداً، والكلام عمل من الأعمال، مما يُوضع في الموازين، فمن تكلم بكلمة لا يرجو بها وجه الله فحري أن يلقاها في موازين سيئاته، من قال كلمة لم يعرف موردها ولا مصدرها لم يجدها في موازين حسناته، بل عليك أن تكف عما لا تعلم، وأن تجتهد في إصلاح ذات البين ما استطعت في كل ما شجر وحدث بين المؤمنين.
وقضايا المؤمنين كثيرة، وحينما ندعو الناس إلى تبني قضايا المسلمين، وكفالة أيتامهم، وتجهيز غزاتهم، وإطعام جائعهم، والترحم على ضعيفهم، وجبر كسيرهم بالصدقة والمعروف والإحسان، يظن البعض أن هذا يُسدى لأمة لا عاصي فيها، وهذا من الجهل العظيم، وهب أن أناساً شجر بينهم ما شجر، فما ذنب الضعفاء والأيتام؟ وماذا ذنب الأرامل واليتامى؟ ما ذنب الثكالى؟ ما ذنب الذين لا حول لهم ولا قوة في هذه الأمور؟
معاشر المؤمنين: إن كثيراً من قضايا المسلمين كسائر ما يحدث في أي مجتمع من المجتمعات، أصلها ربما كانت بين قبيلة واحدة، في ثأر أو بين عصبية لقبيلة على أخرى، فيفسرها البعض ويقول: إنها عداوة في الدين وعداوة العقيدة، وفيها ولاء وبراء، وفيها مشركون وموحدون، وفيها وثنيون ومؤمنون، هل يُعقل يوم أن نسمع بشجار حصل بين فخذين في قبيلة، أو بين قبيلتين في أرض واحدة، أن نقول: هذه قبيلة مؤمنة وهذه كافرة، هذه ملحدة وهذه موحدة، هذه مشركة وهذه مؤمنة.
ثأر بين قبيلتين، هل نفى اسم الإيمان؟ القتال التي شجر بينهم، الدماء الذي سالت بينهم هل تنفي عنهم اسم الإيمان؟
ينبغي أن نكون واقعيين ونزن الأمور بموازينها، فالتهور والتشنج في طرح الآراء ونقل المعلومات من غير تثبت لمصيبة من مصائب العالم الإسلامي في هذا الزمان.
فيا معاشر الأحبة! انتبهوا لما تسمعون وما ترون، فأعداؤنا لو وجدوا فئة مؤمنة مستقيمة؛ سعوا أن يُدخلوا من أذنابهم وعملائهم وطواغيتهم من يتسلل إلى هذه الفئة المؤمنة فيقسمها قسمين، ولذلك من نعم الله أن سلم المؤمنين في بعض الغزوات من خروج المنافقين، قال الله تعالى:
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ َ
[التوبة:47].
معاشر المؤمنين: إن من نعم الله أن ينتبه المؤمنون لمثل هذه القضايا، وهذا دين عظيم، فما تراه اليوم أرجعه إلى ما حصل في الصدر الأول أو في التاريخ، وقبله إلى كتاب الله وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، ستجد الحكم جلياً، كلما يطرأ عليك ليس بدعاً عن هذا الكتاب؛ لأن الله ما فرط في هذا القرآن من شيء، بل جعله تبياناً لكل شيء، فلا غرابة أن تجد أمة مؤمنة، طائفة مجاهدة، يتسلل فيها من العملاء والدخلاء والمنافقين من يقسمها، ثم يتسلط بعضهم بزيادة الشق والخرق في الرقعة الواحدة، حتى يُصبح المؤمنون على طرفين.
ثم يأتي من ينفخ في هؤلاء من الدخلاء والعملاء، ويأتي من ينفخ في هؤلاء من الدخلاء والعملاء وهؤلاء لا يريدون إلا وجه الله، لكن الذين ينفخون تحتهم، ويوقدون من خلال الرماد جذوة نار تشتعل هم الذين يريدون الفتنة.
هل يظن أحد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يريد الشر والوقيعة بأم المؤمنين والصحابة؟
أو يظن أحد أن أم المؤمنين كانت تريد الوقيعة والشر بـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه؟
هل كان يظن أحد أن من الصحابة من يُهدر دم صاحبه؟ لا والله، ولكن تسلل في صفوف الأمة من جعل يزين لهذا، وينقل عن هذا ويكذب عليه، وينقل عن هذا ويكذب عليه، ولهذا فإن النمام يُفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة.
الأمر خطير جداً فانتبهوا لموقفكم من الفتن، فكل فتنة حدثت بين المؤمنين، فقولوا: تلك فتنة سلم الله أيدينا منها، فنسلم ألسنتنا منها، واجتهد إن لم تستطع أن تسعى بالإصلاح وحقن الدماء، اجتهد أن تدعو للمؤمنين بظهر الغيب، فهذا أقل ما تقدمه وتبذله.
| لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعف الحال |
مادمت لا تستطيع أن تسعى في الإصلاح، وجبر الكسر، ولم الشعث، وجمع الشمل، فلا أقل من أن تدعو أن يجمع الله شأن المؤمنين.
اللهم اجمع شمل المؤمنين، اللهم أبعد عنهم المنافقين والمخذلين والمثبطين والمرجفين، اللهم ما علمت في صفوف المؤمنين منافقاً فاكشف صفحته، اللهم بين خزيه وعاره، وافضحه على رءوس الخلائق أجمعين.
اللهم ادفع عنا الوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكفنا شرارنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم اهد ولاة أمرنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم حبب الحق إلى قلوبهم، وقرب لهم من علمت فيه خيراً لهم ولأمتهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم ولأمتهم.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتنة بين المؤمنين أجمعين، وبين ولاة الأمر أجمعين، وبين المؤمنين وولاة أمرهم أجمعين.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا.
اللهم اجمعنا بهم في الجنة، اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم اقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واختم بالشهادة والسعادة آجالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا.
اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً، اقض عن المؤمنين الدين، اللهم اقض عنهم الدين، واشفِ مرضاهم، واهد ضالهم، وفك أسيرهم، واجبر كسيرهم، واجمع شملهم، وزوج أيمهم، وارزق ذرية من كان عقيماً منهم يا رب العالمين ويا أرحم الراحمين.
اللهم انصر المجاهدين، اللهم اجمع شمل قادتهم، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم اجمع شمل المجاهدين أجمعين، وأقم دولة السنة في أرضهم يا رب العالمين، اللهم عليك بالعلمانيين، اللهم اكشف عارهم، اللهم اكشف خزيهم، اللهم افضحهم بين الخلائق، اللهم أرنا فيهم سود الأيام وسود الصحائف، اللهم أرنا فيهم الخزي والعار، اللهم اكشف صفحتهم يا رب العالمين، اللهم ما علمت في هذه البلاد من علماني يريد إبعاد الدين عن الحياة، وفصل الدين عن الاقتصاد والإعلام والتعليم والسياسية، اللهم ما علمت في هذه البلاد من علماني يريد فصل الدين عن كل صغير وكبير من أمور الحياة، اللهم اقطع دابره، ولا تبقِ منهم أحداً، واجعلهم بددا، اللهم اكشفهم وافضحهم وبين للمؤمنين عوارهم، واكشف ستارهم يا رب العالمين.
اللهم اهد شبابنا، اللهم وفق الشباب الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، شباناً وشيباً، رجالاً ونساءً، اللهم من سعى وقام واحتسب في هذا الباب اللهم إنا نسألك أن تجعل له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمنا، ومن كل فتنة عصمة يا رب العالمين ويا أرحم الراحمين.
اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم اقض دينهم، اللهم زوج أيمهم، اللهم اقض حوائجهم، اللهم ثبتهم واعصمهم واحفظهم ووفقهم، اللهم افتح لهم أبواب الدنيا فيما يعينهم على طاعتك ومرضاتك، وفيما يغنيهم عن صغير وكبير، إلا لوجهك يا رب العالمين.
اللهم وفقنا لطلب العلم والعمل به، اللهم وفق شبابنا لطلب العلم والعمل به يا رب العالمين، اللهم احفظ علماءنا، اللهم احفظ سرجنا، اللهم احفظ قناديل الأمة وسرج الأمة، اللهم احفظهم، ومكن لهم ومكنهم، ولا تفتنهم ولا تفتن بهم، ولا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين.
اللهم ثبت الدعاة، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم لا تجعل عملهم هباءً منثوراً، اللهم لا تجعل عملهم كرماد اشتدت به الريح، اللهم لا تجعل عملهم كسراب بقيعة، يا رب العالمين يا أرحم الراحمين.
اللهم تقبل منا أعمالنا على ما كان منا، لك الفضل والحمد والعتبى حتى ترضى، لا إله إلا أنت، نبرأ من التوكل إلا عليك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذلة إلا بين يديك، ومن المسكنة إلا بباك، ومن الانكسار إلا بجنابك، يا رب العالمين يا أرحم الراحمين.
إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
البث المباشرمن الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر