إسلام ويب

من حكمة الله أنه لا يترك المؤمنين على ما هم عليه، بل يقدر شيئاً من المحن حتى يظهر فيها وليه، ويفتضح فيها عدوه، ويعرف بها المؤمن الصادق من المنافق الفاجر، كما امتحن الله الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهزيمة يوم أحد، فظهر إيمان المؤمنين وصبرهم وثباتهم وطاعتهم لله ورسوله، وظهرت حقيقة المنافقين ومخالفتهم للدين وخيانتهم لله ورسوله والمؤمنين.

تمييز الخبيث من الطيب يكون بالمحن والشدائد

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أما بعد:

فقال تعالى: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:176-180].

قال ابن كثير رحمه الله في قوله: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ أي لابد أن يقدر سبباً من المحنة يظهر فيه وليه ويفتضح فيه عدوه، يعرف به المؤمن الصادق والمنافق الفاجر، وذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين؛ فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم، وطاعتهم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهتك به ستر المنافقين؛ فظهرت مخالفتهم للدين، ونكولهم عن الجهاد، وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ

قال مجاهد : ميز بينهم يوم أحد. وقال قتادة : ميز بينهم بالجهاد والهجرة. وقال السدي : قالوا: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً فليخبرنا عمن يؤمن به منا، ومن يكفر، فأنزل الله تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ أي: حتى يخرج المؤمن من الكافر، يخرجهم أمام الناس، روى ذلك كله ابن جرير .

ثم قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وهذه أي: أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق، لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك.

ثم قال تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ كقوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26-27].

ثم قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أي: أطيعوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واتبعوه فيما شرع لكم، وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ].

هذه الآية الكريمة وردت في بيان حكمة الله عز وجل فيما قدر من المحنة على المؤمنين يوم أحد، وكذلك كل ما يقدره الله عز وجل من أسباب المحن التي تجري لأهل الإسلام تجري عليهم وهي في مصلحتهم، كما قال عز وجل: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] فكل هذه الأمور من البلاء والهزيمة والآلام للمسلمين فيها مصلحة، وكذلك النصر والتمكين والعز وقهر الأعداء فيها للمسلمين مصلحة.

وقد بين عز وجل حكمة تقديره البلاء عموماً في يوم أحد وما بعد ذلك وما قبله، فله سنته الماضية سبحانه وتعالى بأنه يقدر الأسباب التي يحصل بها التمييز الظاهر بين المؤمنين والمنافقين.

بيان خطر المنافقين

دعا الله عز وجل خلقه إلى الإيمان فاستجابت طوائف من الناس، منهم من أجاب صادقاً ومنهم من أجاب كاذباً، واختلط الفريقان، وأظهر كل أحد الإسلام، وهذا الاختلاط إذا لم يتميز فسيحصل منه ضرر عظيم؛ وذلك بأن يتصدر أمور الدين وإمامة الخلق من يدعوهم إلى النار ممن يتكلم بألسنتنا وقلبه قلب شيطان، فيحصل من ذلك ضرر عظيم كما حصل من المنافقين في غزوة تبوك، وكانوا نسبة ضئيلة جداً في المجتمع المسلم، فالذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك قال كعب بن مالك : كانوا بضعاً وثمانين رجلاً، وكان الجيش قوامه نحو الثلاثين ألفاً.

وهذه النسبة الضئيلة قال الله عز وجل عنها: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة:47] أي: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا اضطراباً وخللاً وفساداً.

ومعنى (ولأوضعوا) أي: لأسرعوا بالإفساد فيما بينكم.

وقوله: (يبغونكم الفتنة) أي: يبغون أن تقعوا في الفتن، فتن الشهوات والشبهات، يفسدون العقائد والتصورات وكذلك الأعمال والسلوكيات.

وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي: فيكم من لا يعرفهم؛ فيقبل كلامهم ويصدق حديثهم، فيقع فيما وقعوا فيه والعياذ بالله، أو وفيكم سماعون لهم ينقلون لهم الأخبار ويعرفونهم بأحوال المسلمين الباطنة، وكلا المعنيين صحيح، فالله عز وجل من أجل ذلك قدر أن يثبطهم كما قال: وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا [التوبة:46-47]، فتصور أن جيشاً فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعشرة المبشرون، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، والذين ثبتوا في أحد، وكل هؤلاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الصادقين المخلصين يبلغون نحو الثلاثين ألفاً، والمنافقون أقل من مائة، ولو خرجوا فيهم بلا وزن ولا قيادة ولا إمامة ولا تبليغ للدين ولا تعليم للناس؛ لم يكن لهم شأن من ذلك، ومع ذلك كانوا يستطيعون أن يوقعوا الفساد، فتخيل وتصور هذا، وانظر إلى واقع المسلمين الحاصل اليوم، فبعد ثلاثة قرون من الزمان أو أكثر من ذلك ظهر الأمر جلياً، وتجد الآن الأمثلة متعددة في أجزاء متفرقة من العالم الإسلامي، تجد أثر ظهور النفاق وعدم التميز بسبب الجهل بسنن الله الشرعية والكونية، فتصدر من ليس ممن جعلهم الله عز وجل أئمة في الدين، فإن الله إنما يجعل الأئمة من الذين يهدون بأمره مع تحليهم بالصبر واليقين، كما قال الله: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]، والله لا ينال عهده الظالمين كما قال تعالى: لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124]، فلا يكون إماماً من كان موصوفاً بالظلم، وإنما يقع الفساد وتخرب الدنيا إذا صار الصم البكم رءوس الناس.

ولم يستفد المسلمون من محنهم، ومن فترات أزماتهم، وجهلوا سنة الله عز وجل في خلقه الشرعية والكونية، فالله سبحانه وتعالى يقدر المحن للمسلمين، وهو عز وجل يريد أن يظهر شيئاً من الغيب الذي علمه من قلوب الناس إيماناً ونفاقاً، فهو عز وجل يريد أن يظهره للناس؛ ليتعاملوا به بناء على ذلك، وليس هذا فقط في أمر المنافقين، بل في الكافرين أيضاً، كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].

تأمل هذا الأمر، وتأمل كل كلمة من هذه الكلمات، تجد أنها دليل على أن الأمر يقع بالتراخي وليس مباشرة كما قال سبحانه: (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة) أي: بعد حين سيتحسرون على ما صنعوا، حين تظهر النتائج العكسية لما خططوا ومكروا ودبروا من إضعاف للإسلام، وإبطال للحق، وإطفاء لنور الله عز وجل؛ فلا يحصل لهم إلا عكس مقصودهم.

قال الله: (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون) فلابد من مرور هذه الوقائع بهذا الترتيب، وبهذا التراخي؛ لأن (ثم) تفيد الترتيب مع التراخي، (ثم يغلبون)، ففي نهاية المطاف يغلب أهل الباطل.

الحكمة من تمييز الله الخبيث من الطيب

قال الله: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ، لام التعليل هنا صريحة في بيان الحكمة الكونية من الابتلاءات، فإن الله لم يشرع أن تنفق الأموال في الصد عن سبيل الله، ولا أن تحزب الأحزاب لإطفاء نور الله، ولكن قدر الله ذلك الأمر المكروه ليدرأ عن أهل الإيمان أمراً مكروهاً أشد، وهو اختلاط الطيب بالخبيث، واختلاط المؤمنين بالمنافقين، الذي يؤدي ذلك إلى أن يتولى الإمامة في الدين من ليس أهلاً لها، وأن يتولى إقامة أمر المسلمين من لم يجعله الله عز وجل إماماً بصبره ويقينه، وإنما هو من الظالمين، فلا يحل ولا يجوز أن يكون إماماً في الدين، لما يرتب على ذلك من الفتن التي لا يعلمها إلا الله.

وإذا كانت طائفة ضعيفة قليلة من المنافقين في جيش عظيم البركة والخير لا تزيده إلا خبالاً، فما الظن إذا صار المنافقون هم الذين يتكلمون في كل الأمور، وصاروا هم الأئمة والعلماء والقادة والمقاتلين وغير ذلك؟ ماذا يظن من الفساد العريض الذي يحصل للمسلمين إذا لم يتميز الخبيث من الطيب؟! وقد قدر الله أسباب التمييز لكن لم يستفد منها المسلمون، بسبب كثير من الجهل والغفلة عما سن الله عز وجل لعباده.

والله عز وجل قد بين حكمة تقديره وإقداره الكفرة على أن ينفقوا أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، وبين أنه يتراخى ظهور تحسرهم وأمر هزيمتهم، وأنهم يغلبون، فقال: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأنفال:37]، يتراكم الباطل بعضه فوق بعض ويجتمع؛ لأنه يجذب بعضه بعضاً، رغم أنه يتضح جلياً أنه باطل.

ولو تأملت سنة الله في خلقه فستجد أنه كلما كانت أدلة ظهور الباطل قوية جداً كانت قوة الباطل المؤقتة أيضاً قوية جداً، فمثلاً لو تأملت في قصة الدجال تكون فتنته عظيمة تعم الأرض كلها إلا مكة والمدينة، ويكون له جنود وأتباع خصوصاً من اليهود في أجزاء مختلفة، ومعه ما يظنه الناس جنة وناراً، ويأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، ومن يؤمن به تروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرىً، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ومن لم يؤمن به يصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء مما كان في أيديهم، وكنوز الأرض تتبعه، فهذه فتنة عظيمة مع ظهور عجز الدجال وبطلان أمره؛ لأنه أعور مكتوب بين عينيه كافر.

فمهما كانت قوى الباطل فسيظهر بطلانها بما لا يخفى على أحد، ومن يتبعه يتبعه وهو يعلم أنه باطل، وأنه كفر ونفاق وشرك، ومع ذلك يتبعه الكثيرون؛ لأجل الفتنة، ويطول الأمر عند الناس، ودائماً لحظات التعب والمحنة تكون طويلة، يراها الإنسان كدهر، ويريد أن تنتهي، ولكنها سوف تمر قطعاً.

إذاً: قدر الله عز وجل المحن ليميز الخبيث من الطيب ويطلع العباد على الغيب الذي لا يطلع عليه إلا من شاء أن يطلعه من رسله.

وأنت تلاحظ في هذه الآيات جملاً من الفوائد وأنواعاً من العلوم، كما ذكرنا في بيان سنة الله سبحانه وتعالى في أمر البلاء حتى يظهر الحق جلياً وبحجة قوية وإن كان شديد الضعف، فقوة الباطل منهارة بلا تردد، والباطل يتناقض في نفسه في اليوم الواحد كما تلحظه وتراه في واقع الحياة، تراه يتناقض فيما يعلن ويفعل ويقول، تناقضاً ظاهراً في كل شيء، فليس عنده ميزان، ولا يمتثل ديناً، أو شرعاً، أو حتى قانوناً مخترعاً باطلاً وضعه برأيه، فلا يلتزم بشيء، لا يقيم توراة ولا إنجيلاً ولا قانوناً دولياً ولا شيئاً يخالف هواه على الإطلاق، ولا يعبأ بأمر من الأمور، وهذا هو التناقض في أوضح صوره، وفي نفس الوقت معه قوة عجيبة، وهذه فتنة ومحنة من الله؛ ليحصل التميز، لأجل أن لا يشك أحد حين تتغير الأمور فتنقلب أو تعتدل الموازين -بإذن الله تبارك وتعالى- أن من تابع الباطل في هذا الوقت فهو من ركامه الذي جعله الله عز وجل ممحوقاً، ونهايته في جهنم والعياذ بالله، فلا يمكن أن يقبل بحال من الأحوال أن يكون أهلاً للإمامة في الدين، وأن يكون خليطاً للمسلمين دون أن يعرف أمره، ولذلك كان من هدي أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه الاستفادة من محنة الردة، حيث كانت محنة هائلة أوشكت أن تعصف بالمسلمين، حيث ارتدت العرب ورجعوا إلى عبادة الأوثان، واتبعوا مسيلمة والأسود العنسي وسجاح وأمثال هؤلاء، ومنع منهم طائفة الزكاة وغير ذلك، ولم يعد يسجد لله عز وجل في الأرض بعد التمكين ودخول الناس في دين الله أفواجاً إلا في مكة والمدينة ومسجد جواتا بالبحرين، وهم وفد قبيلة عبد القيس، وسائر الأرض أصبحت حرباً على الإسلام، فلما مكن الله عز وجل للمسلمين وانهزم المرتدون وجاءوا يعلنون رجوعهم وتوبتهم كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزي، ففرض عليهم السلم المخزي فلا يحملوا سلاحاً ولا يركبوا خيلاً حتى يري الله خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فيهم أمراً، ولم يكن لأحد منهم أبداً صدارة، أقصى ما يسمح له أن يكون في آخر الصفوف جندياً إن أراد الصدق مع الله عز وجل كما وقع ممن تاب وحسنت توبته، لكن لم تسمع عن روايته للحديث، ولا أنه صار معلماً للناس، فالذين كانوا معلمين للمسلمين في أقطار الأرض المفتوحة هم فضلاء الصحابة رضي الله عنهم، مثل الخلفاء الأربعة وأبي هريرة وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء ، الرجال الكمل رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، الذين علموا الناس الدين، والذين تولوا قضاء المسلمين، وتولوا الجهاد في سبيل الله، مثل سعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ، وإنما تولوها بصدقهم الذي عرف منهم في فترات المحن، فلابد أن نستفيد من المحن ولا تمر بنا كما جاءت، ونخرج منها كما خرجت علينا.

إن الأمر مؤلم للمسلمين بلا شك، ولكن لها فوائد؛ ليظهر المصلح من المفسد، ليظهر ذو العمل الصالح من ذي العمل الطالح، ليظهر أهل الإيمان من أهل النفاق، ليميز الله الخبيث من الطيب كما قال سبحانه: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أي: من النفاق، حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ .

وجوب العمل بالظاهر والله يتولى السرائر

إن الله عز وجل لا يطلع عباده على ما في القلوب، فليس من سنته سبحانه وتعالى أن تنكشف القلوب للناس؛ ولهذا لا يجوز أن يدعي أناس بلا بينات أن في قلب فلان رياء أو كذباً أو غشاً أو شكاً، فهذا أمر ليس من سنة الله، ومن أطلعه الله من الأنبياء كما أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على بعض المنافقين، فإنه لم يجعله يعمل بذلك، بل يعمل بالأمر الظاهر، فأبى أن يقتل صلى الله عليه وسلم من علم أن في قلبه نفاقاً، وقال: (لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس، ولم أؤمر أن أشق عن قلوبهم) قال ذلك لمن عمل بالقرائن من أصحابه، مثل قوله لـأسامة حين قتل الرجل الذي أكثر في المسلمين قتلاً، فقال عندما علاه بالسيف: لا إله إلا الله، فقتله أسامة ، فقال: (إنما قالها متعوذاً، فقال صلى الله عليه وسلم: هلا شققت عن قلبه لتعلم أقالها أم لا؟!).

فمع أن الله أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما في قلوب كثير من المنافقين ومع ذلك لم يعاملهم بذلك؛ لأنها سنة الله الشرعية في هذا الأمر، وهي أنه لا يطلع أنبياءه على ما في قلوب الناس اطلاعاً تاماً يعرف به كل أحد بل قال سبحانه وتعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة:101]؛ وذلك أن الله استأثر بعلم الغيب سبحانه وتعالى، فإذا أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على بعض المنافقين فهو لم يطلعه على جميعهم، كما أنه لم يجعل هذا الأمر تنبني عليه الأحكام، وإنما تبنى على الأمور الظاهرة، فلا يتهم إنسان بنفاق من غير بينة، أو عمل بخصال النفاق، ولا يجوز بالأولى أن يتهم بكفر أو فسق أو بدعة من غير بينة، ولو تصورنا أن الله أطلع بعض أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم على غيب القلوب، فتصور ما يمكن أن يدعيه من يأتي بعدهم، فيقتل أناساً وتنتهك حرماتهم بدعوى من يقلد هؤلاء، ويقول: أنا وقع في قلبي أن هذا رجل منافق فقتلته، أو أن هذا رجل منافق فسجنته، أو أبعدته، أو أن أنه كذاب فعاملته بمقتضى ذلك، فيحصل فساد عريض، فيتهم البريء، وتنتهك الحرمات بالدعاوى والظنون الكاذبة، ويدعي أن له في ذلك أسوة بالصحابة رضي الله عنهم حين عاملوا الناس بما وقع في قلوبهم.

ولذا كان من ضلالات بعض الصوفية: أن منهم من يزعم أنه يطلع على ما في قلوب أتباعه وتلامذته، أو قلوب الناس، فيعاملهم بمقتضى ذلك الكشف كما يزعمون، وهذا أمر باطل لا شك فيه، فنحن أمرنا أن نعامل الناس بالظاهر، قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فهذا الاستثناء الاستدراك حتى يبين أن الرسول قد يطلع على بعض ما في قلوب بعض الناس، لكن إنما يطلعه الله عز وجل، يخصه بمعرفة وعلم دون سائر الخلق، وهذا لا يجعل الغيب شهادة، وتبقى مفاتيح الغيب الخمسة التي استأثر الله عز وجل بها لا يعلمها إلا هو.

وما أطلع الله نبيه عليه ليس من الغيب المطلق الذي لا يطلع عليه إلا الله، ثم إنه لا يبنى عليه حكم في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يعمل بالظاهر، ولا يكون اطلاعاً كاملاً بل جزئياً، فيعلم شيئاً ولا يعلم غيره، ولا يعلم إلا ما أوحاه الله عز وجل إليه، إما في أمر قد وقع أو في أمر لم يقع، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد يخبر عن غيبيات في المستقبل، ولكنه صلى الله عليه وسلم لا يخبر عن تفاصيل وقوعها، ولا يخبر بوقوعها في وقت محدد، فالأمر لا يزال غيباً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً عن الفتن والملاحم، والدجال ، ونزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، وأنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ولم يخبرنا عليه الصلاة والسلام بوقت ذلك، وإنما أخبرنا أن ذلك سيقع.

وأما ما أخبر به باليوم، وبتحديد المكان فقد علقه بالمشيئة كما قال في ليلة غزوة بدر: (هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله)، فجعله معلقاً بالمشيئة، فحين حددها تحديداً كاشفاً علقها بالمشيئة؛ لأنه قد يغير الله عز وجل ذلك وقد يمضيه، وحين جزم دون تعليق على المشيئة بقي الأمر غيباً؛ لأنه لم يخبر بكل التفاصيل زماناً أو مكاناً أو يخبر بالزمان دون المكان أو المكان دون الزمان، ونحو ذلك مما يظل الأمر معه غيباً، فهذا مما ينبغي فهمه في قوله عز وجل: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ ، وقوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن:26].

كذلك لا يخرج الأمر عن كونه غيباً انكشف لبعض الناس، بل لا يزال غيباً حتى في حق الرسول؛ لأن الله عز وجل قال: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59] وهذا عام لم يستثن، وقال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].

تدفع المحن بالإيمان والتقوى

قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يصدق، وما أمر به يجب أن يتبع، وما وقع بعد ذلك للمؤمنين الصادقين المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم من المحن هي في مصلحتهم، في دنياهم وأخراهم، وهي من أسباب نقائهم أو حصول الخير لمجتمعهم وأفرادهم بفضل الله عز وجل.

فلا يزعزعك ما ترى من تسلط الكفرة وقتلهم للمسلمين، ومن انتهاك الحرمات، ولابد أن نتهم أنفسنا كما قال الله: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، فالذي أصابنا هو بسبب الذنوب، وهذا حق، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون الناس قد خرجوا عن الطريق بالكلية، فهم ما زالوا على الطريق وقد وقع أمر شديد في غزوة أحد لأناس هم خيرة أهل الأرض، ووقع لهم ما وقع، فإذا رأيت انتهاكاً للحرمات، وسفكاً للدماء، وتسلطاً للأعداء، فلا يمنعنك ذلك من الالتزام الصادق، ومن أن تؤمن بالله ورسله، وأن تصدق الأخبار، وأن تلتزم الأوامر وتجتنب النواهي.

قال الله: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ فالصبر والتقوى مفتاح خير الدنيا والآخرة، مفتاح خير الدنيا في رد كيد الأعداء كما قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]، وفي الآخرة كما قال سبحانه: فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ .

بيان عقوبة البخل

قال الله سبحانه وتعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180].

تعلقت هذه الآية بأحداث غزوة أحد تعلقاً ظاهراً، إذ إن الجهاد في سبيل الله عز وجل لا يقوم إلا على النفقة في سبيله سبحانه، والمنافقون دائماً يبخلون بما آتاهم الله من فضله، فكان الوعيد الشديد لمن يبخل بما أوجب الله عز وجل عليه، وفيها إنكار ظن البخلاء أن ما آتاهم الله هو خير لهم، فأنكر الله عليهم كما أنكر حسبان الذين كفروا أنما يملي لهم خير لأنفسهم.

وكذلك ما يعطي للكفرة والمنافقين من أموال ومن زينة في الحياة الدنيا فذلك ليس خيراً لهم: كما قال تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ فأطلق الشر؛ ليعم الدنيا والآخرة، وذلك كما قال عز وجل في بيان شره عليهم في الدنيا: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55]، وكم من أناس كان المال والملك والسلطان سبباً للشقاء الدنيوي والعذاب فيها، فضلاً عما ينتظرهم في برزخهم، وعما أعد الله لهم يوم القيامة، فقد يكون جمع المال ورصده وحسابه عذاباً، وقد تكون نفقته ونقصانه والخوف كذلك، وهذا -والله- أمر مطرد، فكلما كسب الإنسان مالاً من حرام شقي به أعظم شقاء، وتعس به أعظم تعاسة، مع أنه يزداد حرصاً عليه كالذي يشرب من ماء البحر ويزداد عطشاً وشرباً وألماً، ويضطرب نظام جسمه بالكلية بسبب شربه لهذا الماء المالح، وكذلك المال إذا أخذه الإنسان من حرام وصرفه في الحرام.

الآثار الواردة في الزجر عن البخل

قال ابن كثير رحمه الله: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ أي: لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه، بل هو مضرة عليه في دينه وربما كان في دنياه، ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة فقال: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له بشجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة)، الشجاع ثعبان، أقرع أي: سقط شعره من كثرة سمه. له زبيبتان: نقطتان سوداوان بين عينيه، يطوقه يوم القيامة أي: يكون هذا الثعبان طوقاً في عنقه فيلتف حول رقبته؛ لأنه لم يؤد زكاة ماله، يقول صلى الله عليه وسلم: (يأخذ بلهزمتيه) يعني بشدقيه، والشدق جانب الخد من الداخل، ومعنى (يأخذ بلهزميته) أي: يتسلط عليه الثعبان حتى يدخل في فمه من الداخل ويلدغه في هذه المواطن.

قال: (يقول: أنا مالك، أنا كنزك) أي: يتحول هذا المال إلى ثعبان حقيقي فعلاً، وهذا الحديث على ظاهره لا يحتاج إلى تأويل، فإن الله عز وجل قادر على أن يحول هذه الأموال إلى ثعابين يوم القيامة، تأخذ برقاب البخلاء، ويعذبهم الله بهذا العذاب.

قال: (ثم تلا هذه الآية: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ [آل عمران:180]) وهذا وعيد شديد لمن منع الزكاة، فيجب على المسلم أن يتعلم فقه الزكاة ويؤدي ما افترض الله عز وجل عليه، وهذا فرض عين على كل من له مال تجب فيه الزكاة، فكل من له مال يجب أن يتعلم نصاب الزكاة؛ حتى لا يتأخر عن أدائها إذا وجبت، ويعلم متى تجب عليه، وكثير من الناس يفرط في هذا فيدخل في هذا الوعيد الشديد.

فالآية إذاً في الزكاة الواجبة والنفقة الواجبة، وفي الجهاد في سبيل الله أيضاً كما دل عليه السياق.

والحديث تفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه، وقد رواه ابن حبان في صحيحه.

حديث آخر رواه الإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل الله له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، ثم يلزمه يطوقه يقول: أنا كنزك أنا كنزك) ، وهكذا رواه النسائي عن أبي هريرة .

قال ابن كثير : قلت: ولا منافاة بين الروايتين رواية ابن عمر عن أبي هريرة ، وقد يكون عند عبد الله بن دينار من الوجهين عن ابن عمر وعن أبي هريرة ، وقد ساقه الحافظ أبو بكر بن مردويه من غير وجه عن أبي صالح عن أبي هريرة .

حديث آخر رواه الإمام أحمد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه، يفر منه وهو يتبعه فيقول: أنا كنزك، ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب الله: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) وهكذا رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وقد رواه الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود موقوفاً، رواه في مستدركه عن ابن مسعود به، ورواه ابن جرير من غير وجه عن ابن مسعود موقوفاً، ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي، بل له حكم الرفع.

حديث آخر: رواه الحافظ أبو يعلى عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك بعده كنزاً)، والكنز: هو ما لم يؤد زكاته، قال: (من ترك بعد كنزاً مثل له شجاع أقرع يوم القيامة له زبيبتان يتبعه ويقول: من أنت ويلك؟! فيقول: أنا كنزك الذي خلفت بعدك، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها) يعني من شدة التعب يريد أن يريح نفسه فيعطيه شيئاً من بدنه فيلقمه يده، فيقضم يد البخيل والعياذ بالله، قال: (ثم يتبع سائر جسده) إسناده جيد قوي.

وهذا يعني أنه لا يكتفى باليد، بل يعذب جسده كله بهذا الثعبان، رغم محاولة صاحبه الفرار منه، فلو أن الناس فروا في هذه الدنيا من المال الحرام، أو من المال الذي منع الحق فيه، كما يفرون من هذا لما حصل لهم هذا، نسأل الله العافية، إنما يفرون يوم القيامة من هذه الكنوز التي أصبحت لا قيمة لها، نسأل الله العافية.

وجوب النفقة على الأقارب والمعنى الآخر للبخل

قال ابن كثير : ورواه الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي وابن جرير وابن مردويه من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأتي الرجل مولاه فيسأله من فضل ماله عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منعه) ومعنى: (لا يأتي الرجل مولاه) أي: قريبه، أو كل من كان قريباً له.

(فيسأله من فضل ماله عنده)، وهذا من أقوى ما يحتج به على وجوب النفقة على الأقارب.

قوله: (شجاع يتلمظ) يعني: يتغيظ عليه ويعد فمه للأكل.

ما هو هذا الشجاع؟ هذا الشجاع هو فضله الذي منع، هذا لفظ ابن جرير .

وروى ابن جرير عن أبي قزعة عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل جعله الله عنده فيبخل به عليه إلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه) نعوذ بالله.

ثم روى حديثاً ضعيف السند لكنه شاهد لما قبله، وفيه: عن ابن عباس قال: نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها: (( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ))، فالتفسير الثاني للبخل هو: البخل المعنوي، وهذا أولى بالذم؛ لأن منع المال يؤدي إلى ضياع دنيا الناس وافتقارهم وحاجتهم، أما البخل المعنوي وذلك بمنع الحق، ومنع آيات الله من البيان فإنه يترتب عليه ضياع آخرة الناس، وضياع دينهم وتحريفه، الذي يؤدي إلى شقائهم، وليس فقط في جيل بل في أجيال، فلا تزال أمم كثيرة على الضلال والشرك بسبب أن آباءهم وأجدادهم حين جاءهم الحق فكتموه ولم يؤمنوا به، فورثوا الكفر لأجيال تلو أجيال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال: والصحيح الأول، وإن دخل البخل المعنوي في معناه، وقد يقال: إن هذا أولى بالدخول، وهذا الذي علموه من الحق هو شر لهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك)، فالذين آتاهم الله الكتاب فلم يقوموا به، والذين آتاهم الله العلم فلم يعملوا به، ولم يقولوا الحق للناس، بل كتموه وبخلوا به لكي ينالوا حظاً من الدنيا فسينالهم ما أخبر الله عز وجل من العقاب.

قال سبحانه: (( وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )) قال ابن كثير : أي فأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله عز وجل، فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم.

(( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )) أي: بنياتكم وضمائركم.

بيان فساد اعتقاد اليهود والنصارى

فرح اليهود بهزيمة المسلمين في أحد من أجل أن يظهروا على المسلمين، ولقد يسر الله عز وجل إهلاك كبارهم وتدمير قبائلهم في الغزوات الثلاث التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد غزا بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة جزاء على خيانتهم، وما أكثر الآيات في ذم أهل الكتاب، وفي بيان فساد اعتقادهم في حق الله سبحانه وتعالى، مثل أنهم يقولون: إن الله فقير وهم أغنياء عياذاً بالله، وهذه عادتهم في السب والانتقاص من الله سبحانه وتعالى، ووصفه بصفات العجز، ولا تزال كتبهم المحرفة مليئة بهذه الأوصاف لرب العزة، من العجز، والمرض، والحزن والبكاء، وزاد النصارى الأمر فساداً وضلالاً فاعتقدوا فيه الموت، والألم والعجز والصراخ، وأن يتمكن الأعداء منه أعظم تمكن، فهذه سيرة هؤلاء ونسأل الله العافية، والحمد لله الذي عافانا من هذا البلاء!

وأناس كثيرون يعتقدون في الله عز وجل صفات النقص، ويزعمون بعد ذلك أنهم يحبونه ويعبدونه، وهم يصفونه بأفظع الأوصاف، والحمد لله الذي أحق الحق وأبطل الباطل.

وقد بين سبحانه وتعالى كيف كان تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن المؤمنين سيسمعون منهم ومن المشركين أذىً كثيراً، ثم بين حقيقتهم في كونهم لم يوفوا بما أخذ عليهم من العهد في تبيين الكتاب للناس، بل كتموه، ونبذوه وراء ظهورهم، فليسوا في الحقيقة مؤمنين بالكتب التي بين أيديهم، وإن عوملوا أنهم أهل كتاب، فهم يشترون الثمن القليل في الدنيا ببيعهم دينهم وكتابهم وعهد الله لهم، وهم يفرحون بما أتوا من الكفر، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فأخبر الله بعذابهم ثم ختم الله السورة بالحث على التفكر في خلق السماوات والأرض، وهي آيات الله المشهودة التي تدل عليها آياته المسموعة أحسن دلالة، وتحيي القلب المؤمن بما ينزل الله عز وجل عليه من فضله، حين يشاهد آياته سبحانه، ويدعوه عز وجل بالتوحيد والإخلاص، ويتذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، إلى آخر المعافي في الآيات العشر من خاتمة سورة آل عمران، والتي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها حين يستيقظ من الليل ناظراً إلى السماء وهذه الآيات هي دعاء المؤمنين الذي علمهم الله عز وجل إياه في قوله: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:191-194].

وقد بين عز وجل استجابته لعباده المؤمنين، وأن منهم من تحمل الأذى في سبيل الله من الهجرة والإخراج من الديار، والجهاد في سبيل الله والقتال والقتل، وكل ذلك لن يضيعه الله عز وجل.

ثم حذر سبحانه وتعالى الإنسان من أن يغتر بما عليه الكفرة وتقلبهم في البلاد، بل مأواهم جهنم وبئس المهاد، وبين عز وجل إيمان طائفة من أهل الكتاب، وأن طائفة منهم مؤمنة بالحق الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، وهم مؤمنو أهل الكتاب، ولا يوجد مؤمن إلا من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كما آمن بما أنزل من قبل، ثم ختم السورة بالأمر بالصبر والمصابرة والمرابطة فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].

هذا غاية ما أردنا ذكره من تفسير سورة آل عمران فيما يتعلق بغزوة أحد؛ للاستفادة من الدروس التربوية الإيمانية التي تتضمنها هذه الآيات، ولنعلم كيف ربي المجتمع المسلم والطائفة المؤمنة، من خلال الوقائع التي حدثت لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة أعدائهم.

نسأل الله عز وجل أن يقضي حاجات المحتاجين، وأن يفرج كرب المكروبين، وأن يفك أسرى المأسورين، وأن يرفع الظلم عن المظلومين، وأن ينصر عباده المؤمنين، وأن يهدينا أجمعين.

الأسئلة

حكم تصدّر من ارتد ثم أسلم للمناصب والقيادات

السؤال: ذكرتم أن المرتدين لا يصدرون في المناصب، وأنهم ينبغي أن يكونوا في آخر الصف، فكيف الجمع بين قولكم هذا وبين ارتداد عبد الله بن أبي السرح ثم رجوعه وقيادته معركة ذات الصواري؟

الجواب: هذا الأمر أولاً يحتاج إلى ثبوت الإسناد فيه، فكثير من أمور السير تذكر بغير إسناد.

ثانياً: قال أبو بكر : حتى يري الله خليفة رسول الله والمسلمين أمره، فلو حسن إسلام هذا الرجل وظهر إخلاصه وثبت على ذلك فيرجى منه خير إن شاء الله، ويكون تابعاً لغيره في الجملة.

كيفية إخراج زكاة المال

السؤال: كيف تخرج زكاة المال؟

الجواب: على المرء أن يعرف اليوم الذي ملك فيه النصاب، ويحسب النصاب في قول عامة المذاهب على الفضة، فالمذاهب الأربعة تحسبه على الفضة، وهو الصحيح؛ لأنه مال يمكن أن يشترى به من السوق فضة تبلغ نصاباً، فقيمة النصاب على الفضة أو على ما يبلغه النصاب على الأقل من الذهب والفضة، فلو افترضنا أن الفضة غلت في بعض البلاد، وكان الذهب أقل فيحسب على الأقل، وهو الأحظ للفقراء، ونصاب الفضة (595) جراماً عيار ألف، من الفضة النقية، وكذلك يعرف التاريخ الذي ملك فيه هذا النصاب، فيحسب من هذا اليوم مرور سنة هجرية قمرية، ويحسب ما معه من المال، وذلك إذا لم ينقص المال عن النصاب خلال السنة، ويحسب المال الموجود ولو أتى بالأمس، طالما كان من جنس الأصل، فعلى أصح قولي العلماء: أن المال المستفاد من جنس الأصل يزكى بحول الأصل، فيخرج ربع العشر من هذا المال المولود.

وإذا كان عليه دين خصم هذا الدين من المال؛ لأن ما في يده ليس -في الحقيقة- ملكاً له، وإن كان له ديون فإنه يزكيها إذا قبضها لما مضى من السنين، إذا كانت تتجاوز عدة سنوات.

وكذلك عروض التجارة يلزمه أن يزكي عنها كل عام من تاريخ ملك النصاب؛ لأنها ملحقة بزكاة المال.

ففي كل سنة يعمل جرداً -كما يقولون- للبضاعة الموجودة، ويحسبها بقيمتها، وهو سعر الجملة الذي يشتري به التجار، فيخرج ربع العشر.

وأصح قولي العلماء في مسألة زكاة عروض التجارة: أنه يجزئ فيها أن يخرج من العروض، كما يجزئ فيها أن يخرج القيمة النقدية من ذهب أو فضة أو نقود في مقابل تلك العروض، وأكثر أهل العلم يقولون: إنه يجب أن يخرج القيمة -وهي ربع العشر- نقوداً.

والصحيح: أنه يجوز له أن يخرج الزكاة من العروض نفسها؛ لأن زكاة المال وعروض التجارة من باب واحد، ومثلها زكاة الذهب والفضة لمن بلغ نصاباً، لكن نصاب الذهب يختلف في هذه الحالة، فنصابه عشرون ديناراً، أي: خمسة وثمانون جراماً عيار أربعة وعشرين، فمن كان عنده ذهب ولو كان معداً للزينة فيجب فيه الزكاة على أصح قولي العلماء؛ لدخوله في عموم الآيات الدالة على وجوب الزكاة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابيتين بأن يخرجا زكاة السوارين اللذين تحليتا بهما، فقال: (أيسركما أن يسوركما الله بسوارين من نار؟!)، فليس الذهب هنا معداً إلا للزينة فقط، ومع ذلك أمرهما أن يخرجا الزكاة فيه، فقال: (أديا زكاته)، وتوعدهما بأنهما إن لم يؤديا زكاة هذه الأساور فإن الله يسورهما بسوارين من نار والعياذ بالله، فكل هذا فيه ربع العشر.

وأما زكاة الزروع: فعند الحصاد وبعد التنقية، ومعرفة قدرها، فإذا بلغت النصاب وهو خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعاً، والصاع: أربعة أمداد، والمد: ملء كفي الرجل المتوسط، وكثير من الناس يعرفون الصاعات بالأوزان المعاصرة، وأما زكاة الفطر: فتخرج من كل ما يعد للإدخار ويقتات، فيخرج منه العشر أو نصف العشر، فالعشر إذا كان يسقى بالسماء، ونصف العشر إذا كان يسقى بالآلة، وزكاة الحيوان لها تفصيلات في موضعها.

حكم سوء الظن بالناس والحكم عليهم بالباطل

السؤال: عرفت بعض الصوفية قبل الالتزام، ودائماً أحاول البحث عن قلوب الناس كما علموني، وأحكم على الناس دائماً بالباطل، فهل من علاج لهذا؟

الجواب: هذا من الوساوس فعلاً، واعلم أن الله يجتبي من رسله من يشاء، كما قال تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ، فإياك أن تجعل نفسك في مصاف الرسل، والرسول صلى الله عليه وسلم حين علم، لم يعامل الناس بما علم من قلوبهم، وإنما قال: (إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس)، بل عاملهم بالظاهر، وعلم أصحابه ذلك.

والفراسة لا تنفى لكن لا يُجزم بها، وإياك أن تعامل الناس بالظنون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث)، وقال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12] فكلما وقعت في قلبك الخواطر عن قلوب الناس فتذكر قوله: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ ؛ حتى لا تغرك نفسك وشيطانك؛ فتظن نفسك في مقام الأنبياء.

حكم الاحتفال بعيد شم النسيم

السؤال: ما حكم الاحتفال بما يسمى شم النسيم؟ وهو احتفال خاص بالنصارى، وهل يصح التهنئة به فيما بين المسلمين وبين المسلمين والنصارى؛ مجاملة لهم؟

الجواب: لاشك أن هذا العيد الباطل مرتبط بأعياد النصارى ارتباطاً وثيقاً، وهو يتغير كل سنة، يكون يوم فطرهم بعد صومهم الذي ينتهي مع ما يسمونه بعيد القيام المجيد، وهو عيد يدل على الشرك والكفر من وجوه متعددة وهي: اعتقاد موت الإله، ثم اعتقاد قيامته من الأموات، واعتقاد صلبه، وقد قال عز وجل: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157].

فلا يجوز لنا أن نحتفل بذلك، ولا أن نشاركهم، ولو بالأكل والشرب القليل، أو بأنواع اللعب والفرح والسرور مما يجذب القلوب إلى هذه الأعياد، وهو للأسف عيد غير إسلامي يحتفل به كثير من المسلمين كاحتفالهم بأعياد المسلمين، ولا يوجد عيد آخر وطني ولا قومي، ولا أعياد ميلاد، ولا غيرهما بمنزلة هذا العيد، فهو أخطر عيد؛ لأنه يشارك فيه كثير من المسلمين نسأل الله العافية.

وأما أن أصله فرعوني فالله أعلم بذلك، لكن الظاهر أن له تعلقاً بالنصارى؛ لأنه -كما ذكرنا- يتغير بتغير صومهم، وعلى أي الأحوال فالفراعنة وعباد الأوثان أسوأ حالاً من النصارى، فلا يجوز التهنئة بهذا العيد بحال من الأحوال، بل إن كان هذا على اعتقاد ما فيه من قيام المسيح من الأموات، فهذا من الكفر والشرك والردة عن الإسلام والعياذ بالله.

حكم مشاهدة فيلم عن عيسى عليه السلام

السؤال: ما حكم مشاهدة فيلم عن السيد المسيح؟

الجواب: قال الله عز وجل: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:140]، فلا يجوز للإنسان أن يحضر مجالس تكذيب القرآن العظيم، أو أن يحضر مجالس يخالف فيها نص الكتاب العزيز، فهنا قال الله تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، وربما وقع في قلبه تصديق ذلك ثم التأثر به، وقد سمعنا أن بعضهم يبكي عند رؤية هذه المشاهد، وهذا لا يحصل إلا بسبب التصديق.

فالأصل أنك لو رأيت كلاماً تكذبه فإنك تضحك من سخافة عقل قائله، وأما أن تتأثر به فهذا لا يحصل إلا بسبب نوع من التصديق، وكثير من الناس كأن هذا الأمر مصدق عندهم، وأصبح كثير من المسلمين يسألون عن هذا الشيء العجيب فيقولون: هل صُلب المسيح أم لا؟ وهل مات على الصليب أم أنه صلب ولم يمت عليه؟ ونحو ذلك، فهذا شيء عجيب! فقد نص القرآن على هذه المسألة وأصبح كثير من المسلمين يجهلونها، قال الله عز وجل: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157].

نعم وقع هناك صلب، فقد صلب إنسان آخر غير المسيح عليه السلام، ولاشك أن كل الحواريين -فضلاً عمن أتى بعدهم- لم يشهد أحد منهم تلك الواقعة كما نصت الأناجيل، بل إنهم كلهم أنكروا المسيح وتخلوا عنه وتركوه، ولم يشهد واحد منهم ذلك، وإنما ذكروا ما سمعوه من الناس، واعتقاد أن المسيح قد صلب أو قد مات أو قد قتل لم يكن كفراً إلى أن نزل القرآن، فنزل القرآن وبين أنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وأنه سبحانه قد رفعه إليه، قال سبحانه وتعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، لذلك من اعتقد ذلك فهو مكذب للقرآن العظيم، فيكون مرتداً عن الإسلام والعياذ بالله من ذلك.

حكم تهنئة النصارى بأعيادهم

السؤال: رجل نصراني هنأني بعيد الفطر والأضحى، فهل لي أن أهنئه بعيد الفصح وأقول له: كل عام وأنتم بخير بمناسبة أن الله قد مات ثم قام من الأموات؟

الجواب: نسأل الله العافية، أيجوز أن يكون الحق كالباطل؟ وأن يكون الشرك كالإيمان؟ ما لكم كيف تحكمون؟ هو هنأك بحق؛ وهو إتمام النعمة عليك بعبادة الصيام والتضحية في سبيل الله عز وجل بالأضحية، فكيف يجوز لك أن تهنئه بالكفر والشرك، نعوذ بالله من ذلك؟!

حكم التمثيل بجثث الجنود الكفار في حربهم مع المسلمين

السؤال: ما حكم التمثيل بجثث الجنود الكفار في حربهم مع المسلمين؟

الجواب: إن الغيظ يملأ قلوبنا من القوم الكافرين، فنسأل الله أن يذهب غيظ قلوبنا منهم، وأن يشفي صدورنا منهم، ولكن حكم الشرع في هذه المسألة بيِّن، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وقد تألم النبي صلى الله عليه وسلم تألماً شديداً عندما رأى عمه حمزة وأصحابه قد مثل بهم، ومع ذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن المثلة بعد أن عزم أن يمثل بالمشركين مثلة لم يسمع بها، فلا يجوز التمثيل ولو من أجل إرعاب الكفار أو نحو ذلك، فلا يصح هذا الأمر، وإنما يخوفون بما شرع الله لا بمخالفة الشرع، ونسأل الله أن يفرج كربة المسلمين في العراق وفي فلسطين وأفغانستان والشيشان، وأن ينجيهم من الحصار والظلم والعدوان.

حكم تأجير الأماكن لقضاء أيام شم النسيم الصيفي فيها، وحكم المال المكتسب من ذلك

السؤال: ما حكم العمل في تأجير الأماكن الخاصة لقضاء أيام شم النسيم الصيفي فيها؟ وما حكم المال الذي يكتسب من ذلك العمل؟

الجواب: قال الله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب لمن يتخذه خمراً، وفي بعض الأحاديث: (من باع عنباً لمن يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة)، فكل بيع أو إجارة أعانت على محرم من فعل الفواحش، وكشف العورات، وفعل المنكرات، أو الإعانة على تعظيم شعائر الكفار؛ فذلك -والعياذ بالله- من التعاون على الإثم والعدوان، فلا يجوز المعاونة عليه بوجه من الوجوه؛ لأنه محرم، والذي أجر هذا المكان يستحق الأجرة على المكان ولكنه يأثم بذلك، وذلك المال ليس مالاً طيباً، وهو ماله يجوز له أن يتصرف فيه على أصح أقوال العلماء، كثمن العنب إذا باعه لمن يتخذه خمراً، فننهى الرجل الذي اشترى العنب عن أن يتخذه خمراً، ونقول للرجل الذي باعه: تب إلى الله ولا تعد، وخذ مالك وانتفع به.

ويقول بعض أهل العلم بالبطلان، فلا بد أن يرد العنب أو أن يرد مثله والعقد باطل.

والصحيح: أن هذا العقد صحيح مع الإثم، وينتقل به ملك المنفعة ويأثم الطرفان، هذا لارتكابه المحرم، وهذا لعلمه بأن الطرف الآخر يرتكب المحرم بهذه البقعة ويستحق الأجرة، وهو مال غير طيب، ولكن يجوز التصرف معه فيه.

ومثل ما مضى تأجير السيارات لمن يعلم أنه يذهب بها إلى أماكن الفساد، كمن قال لك: تعال اذهب معي إلى الملهى الليلي، أو رجل عنده تكسي فأوقفه رجل، وقال له: اذهب بنا إلى الملهى الفلاني، أو إلى الخمارة الفلانية، وهو يعلم أنه يذهب إلى هناك ليشرب الخمر، فهذا لا يجوز أن يحمله والعياذ بالله.

موقف المسلم من تقاتل الرافضة والكفار

السؤال: ما موقف المسلم حول ما يحدث في العراق، حيث يقاتل الكفار الأمريكان وغيرهم الشيعة؟

الجواب: لا شك أن الشيعة يخافون من أهل السنة، ونسأل الله أن يعافي المسلمين جميعاً، وعلى أي الأحوال لا شك أن المسلم المبتدع خير من الكافر، فالذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله في الجملة خير من الكفار، وإن كان عنده كثير من العقائد الفاسدة الباطلة التي لو أقيمت عليه الحجة وزالت عنه الشبهة والتأويل؛ لكان كافراً، لكن لم يحدث ذلك لانتشار الجهل، وقلة العلم خاصة في بلد منعت فيه الدعوة إلى الله عز وجل عقوداً من الزمن، وانتشر فيه الجهل قروناً بسبب انتشار المذهب الباطل.

لكن إجمالاً لا يزال حكم عوامهم خصوصاً، وكثير من مشايخ السوء الذين عندهم في حكم العوام لأجل الجهل، وإن ترأسوا المناصب، فمثل هذا كما ذكرنا يمنع من تكفيرهم، فنقول في الجملة: كل مسلم يحرم سفك دمه حراماً ولابد أن يتورع المسلم من ذلك، ولا يرضى به، ويحزن عليه، فحزنك على قتل أي مسلم من الدين، ولو كان مبتدعاً، ولا يجوز أن نفرح بقتل هؤلاء على أيدي الكفار والعياذ بالله.

ولا شك أن المسلمين كانوا يفرحون بانتصار الروم على الفرس، ويحزنون لانتصار الفرس على الروم؛ لأن الروم أهل كتاب، فالأمر أشد من ذلك، فالشيعة الرافضة مبتدعة، ولا نكفر إلا الغلاة منهم، الذين يعتقدون ألوهية علي أو ألوهية أحد من آل البيت أو نبوة علي ، أو نبوة أحد من آل البيت، ولاشك أن هؤلاء مرتدون وشر من اليهود والنصارى، والذين لا يعتقدون ذلك وإنما يطعنون في أبي بكر وعمر والصحابة فهم من شر أهل البدع، لكن ليسوا بخارجين من الملة إلا بعد إقامة الحجة عليهم وهي غير حاصلة.

فيجب علينا أن نبرأ مما جاء به هؤلاء الكفار الذين يسفكون دماء المسلمين، ثم أطفال هؤلاء المسلمين ما ذنبهم؟ والله لو أن كافراً قتل مظلوماً لتبرأنا من ذلك؛ لأن الظلم أمر محرم، فالنبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من قتل امرأة فقال: (ما كانت هذه لتقاتل، ثم نهى عن قتل النساء والصبيان)، فنبرأ من قتل نساء الكفار وصبيانهم، أما الكفار فعندهم دماء المسلمين لا قيمة لها، وتهديم المساجد واقتحام الحرمات كلها مباحة والعياذ بالله! نسأل الله أن ينتقم منهم، وأن ينزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

حكم مقاطعة بضائع الكفار

السؤال: ما حكم مقاطعة بضائع الكفار؟

الجواب: المقاطعة تحتاج إلى دراسة جيدة، وهي مازالت مفقودة للأسف، فما رأينا دراسة صحيحة تثبت قدر الضرر الذي يحصل للكفار من كساد بضائعهم ذات العلامة التجارية، فأنا أحبذ جداً مقاطعة البضائع التي ينتجها الكفار فعلاً في بلادهم، وليس لنا بها حاجة، وهذا أمر يفت في عضدهم فعلاً، وخصوصاً إذا كان جماعياً.

والأصل في بضائعهم الإباحة طالما احتجنا إليها، وكانت مصلحتنا فيها، لكن إذا كنا نستغني عنها وعندنا البديل، فالأولى والأفضل أن نقاطعها فعلاً، لكن ما يتعلق بما ينتجه المسلمون أو ما ينتج في بلادهم فقد تضرر طوائف عريضة من الناس، ويقع الضرر فيها على المسلمين أضعاف ما يقع على الكفار، فهذا أمر يحتاج إلى موازنة، فلابد من النظر والدراسة، وللأسف لا زالت هذه الدراسة مفقودة، ولا زالت قضية المقاطعة تسير بالطريقة الغوغائية، وشركات تريد تضرب شركات أخرى، تقول: إن هذه الشركات أمريكية يهودية؛ فترتب على ذلك خلل كبير، نسأل الله العافية.

وأنا كنت أتمنى أن يكون رجل عنده خبرة اقتصادية يقوم بهذه الدراسة، ولو أن أحداً يستطيع ذلك فجزاه الله خيراً، سواء أكان من كليات التجارة أم من كليات الاقتصاد أم من فروع هذه العلوم، ويستطيع فعلاً أن يقوم بدراسة الضرر الذي يقع على صاحب العلامة التجارية، والضرر الذي يقع على العاملين، وعلى الذي اشترى العلامة التجارية أو أجرها مدة من الزمن، ويحسب كمية المنتجات الموجودة في بلادنا بالنسبة إلى المنتجات التي في العالم، وهل يؤثر ذلك عليهم فعلاً؟

ولا نريد نتائج مقاطعة القرن الماضي التي أثارتها الدول العربية لإسرائيل، خسرت إسرائيل كذا وكذا وكذا، لا ليست هذه المقاطعة التي نتكلم عنها اليوم، الشركات الإسرائيلية ليست هي التي نتعامل معها الآن، فنريد دراسة جيدة.

حكم النصيحة للكفار

السؤال: نصيحة الكفار هل هي من الموالاة؟

الجواب: نصيحتهم بالدخول في الإسلام والتوبة إلى الله عز وجل، ليست موالاة لهم، بل هذا من حب الخير، ومن موالاة الدين والنصح له؛ لأن دخول الناس في الدين هو نصح لدين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين أيضاً، وهذا النصح واجب، فيجب أن تنصح الكفار بأن يتوبوا إلى الله ويستغفروه، والدعوة إلى الله عز وجل واجبة.

وإذا استنصح كافر مسلماً في أمر دنياه فيجوز له أن ينصحه، إذا لم يكن في ذلك ضرر على المسلمين، وهذا من القسط.

مراتب العذر بالجهل

السؤال: ما هي مراتب العذر بالجهل؟

الجواب: هناك معذور في الآخرة، ومعذور في تكفيره لا في إقامة الحد عليه، أو في العقاب، وهناك معذور في الدنيا والآخرة وهو من لم يقصر في طلب العلم، وهو مسلم نطق بالشهادة ووقع في شرك، لكن بدون تقصير، أو لم يبلغه عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، فهذا إنسان معذور ليس عليه عقاب، فنحن نعذره في أحكام الدنيا؛ لثبوت الإسلام، ونعذره في أحكام الآخرة؛ لأن الله عز وجل لا يعذب إلا بعد التبليغ بالقرآن، قال تعالى: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، وقال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15] أي: ويبلغه خبره التفصيلي بعد الإجمالي في حق من آمن إجمالاً؛ لأن الإيمان إيمان إجمالي وإيمان تفصيلي، فالذي آمن إجمالاً لا يكون مكذباً أو آبياً أو مستكبراً أو راداً ناقض للإيمان إلا بأن يبلغه التفصيل، فهذا إذا لم يقصر في طلب العلم لا يكفر، بل ولا يأثم، طالما كان هذا هو المتاح له، مثل الذين يأتون في آخر الزمان لا يدرون إلا كلمة لا إله إلا الله، ولا يعرفون غيرها، ولا شك أن الإسلام قد درس في ذلك الوقت، فلا صلاة ولا صام ولا يعرفون أنواع العبادات، فلا يعرفون الصلاة فضلاً عن أن يعرفوا الذبح والطواف والنذر والحلف، لا يعرفون إلا هذه الكلمة إجمالاً بلا تفصيل.

ونحن في زمان يعرف الناس فيه الصوم والصلاة ولا يعرفون الذبح والنذر؛ بسبب انتشار الجهل؛ لأن هذه الصلاة والصيام أشهر من الذبح والنذر والحلف، وذلك لأنها أركان الإسلام الكبرى، ولذلك درست الأمور التي ذكرنا قبل أن تدرس الصلاة.

ومعنى درست أي: انقرض علمها في الناس، وليس انقضى علمها تماماً، لكن قل علمها في الناس، فسوف يأتي زمان لا يدري الناس ما الصلاة نفسها، فلا يعرفون الركوع ولا السجود، ومع ذلك يقولون: لا إله إلا الله، فينجيهم الله من النار كما قال حذيفة رضي الله عنه.

وأما المعذور في الآخرة: فهو الكافر الذي لم تبلغه الرسالة، فهو كافر؛ لأنه لم ينطق بلا إله إلا الله، ولم يعتقدها، ولم يقلها بلسانه، ولكن لم يصله، بلا بلاغ، وقد قال عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، فهذا من أهل الامتحان، يقبل عذره حين يقول: رب ما أتاني من رسول، فيمتحن يوم القيامة، وكذا الأحمق والمجنون والأصم فيقول: رب لقد جاءني الإسلام وما أسمع شيئاً، فهؤلاء معذورون في أحكام الآخرة، وأما في أحكام الدنيا فهم كفار، هذا هو المقصد من كلمة معذور في الآخرة، فلا نقول عنه: مسلم، وإن كنا لا يجوز أن نقاتله، ولا أن نسفك دمه، ولا أن نسبي نساءه ولا أولاده، ولا نغنم أمواله بغير أن يبلغ، ومن فعل به ذلك ضمنه؛ لأنه مثل المستأمن حتى يسمع حجة الله عز وجل.

والمرتبة الثالثة: معذور في التكفير لا في إيقاف العقوبة أو إقامة الحد، مثل الخوارج، فقد عذرهم علي فلم يكفرهم، مع أنهم اعتقدوا كفراً، وهو تكفير علي بن أبي طالب وتكفير الصحابة، وتخليد عصاة الموحدين في النار، فهذه عقيدة مناقضة للمتواتر، لكن لم يتواتر عندهم وحصلت لهم الشبهات، فاستحقوا العقاب في الدنيا والآخرة، وقاتلهم علي وقتلهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لا يلزم أن يكونوا مخلدين في النار.

وستفترق هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ولا يوجد أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من أئمة أهل السنة من يكفر الثنتين والسبعين فرقة كفراً ناقلاً عن الملة، ولكن يكفر بعضهم بعضاً ببعض المقالات، ومن كان منهم منافقاً في الباطن فهو في الدرك الأسفل من النار.

فالاثنتان والسبعون فرقة كلهم في النار، ولكن لا يلزم أنهم مخلدون فيها، بل منهم من يموت على التوحيد وإن كانوا قلة، والفرق الكبرى يخشى على أصحابها أنهم يموتون على غير التوحيد، لكن من مات منهم على التوحيد رغم البدعة فيدخل النار ويعذب بقدر بدعته، ولكن مآله إلى الجنة.

حكم غسل يوم الجمعة في ليلة الجمعة

السؤال: هل يجزئ غسل الجمعة بعد غروب الشمس من يوم الخميس؟

الجواب: الصحيح أن الغسل لا يكون إلا بعد أن يطلع الفجر من يوم الجمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة)، ويوم الجمعة إذا أطلق يكون بعد طلوع الفجر.

الفرق بين الفتنة والابتلاء

السؤال: هل يبتلي الله كل مسلم؟ وما الفرق بين الفتنة والابتلاء؟

الجواب: قال عز وجل: ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2] فلا بد من الابتلاء والامتحان والفتنة، أي: التي بمعنى الامتحان، أما الفتنة التي بمعنى السوء والشر الذي ظهر من الممتحن عند امتحانه فهذا لا يلزم أن يتعرض له الإنسان، بل هناك من يفتتن أي يمتحن ويبتلى فيصبر.

وقد ابتلى الله داود عليه السلام بعدة بلاءات أثناء المعركة وقبلها، وزلزلوا زلزالاً شديداً عندما قال المؤمنون الذين عبروا النهر مع طالوت: لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:249]، وتجرأ داود عليه السلام وهو شاب على قتل جالوت، القائد الكبير الذي يرعب منظره الأعداء مع كثرة العدد، فهذا كله كان ابتلاء، وابتلي داود عليه السلام قبل ذلك أثناء فترة المحنة بـطالوت والنهر، ثم ابتلي داود عليه السلام في أمر الخصمين، وقد ذكر كثيرون أنه قال لصاحبه: انزل لي عن المرأة، وذلك أمر عدَّ في حقه ذنباً، ولم يزد على ذلك، ولم يقع منه محرم ولا فاحشة، وقيل: إنه أخطأ في الحكم بين الخصمين، والله أعلم، والأول عندي أصوب.

وضع مال في البنك وأخذ فائدة عليه

السؤال: رجل وضع خمسة آلاف في البنك وبعد عشر سنين أخذها عشرين ألفاً، فهل هذا ربا؟

الجواب: إن لم يكن هذا ربا فلا ربا في العالم، والله! هذا ربا عند الأقارب والأباعد، إلا أهل السوء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ويسمون هذا فائدة، والذين اخترعوا البنوك يسمون هذه فائدة وربا، ولا يقولون: إن هذا ليس بربا، فهم يعرفون أن النقود لا تلد، والربا هو: الزيادة، فهذا هو الربا بعينه، فعلى المسلم أن يستثمر ماله عن طريق المضاربة الشرعية، أو عن طريق البيع والشراء، أو عن طريق الشركة، أو عن طريق المرابحة مثلاً.

وعلى أي الأحوال فتجب عليه الزكاة، ويجب عليه أن يتخلص من القدر الزائد، فالمال الزائد عن الخمسة الآلاف يصرفها في مصالح المسلمين، تخلصاً منه نيابة عن أصحابه المجهولين، فالبنك رابى معهم فكان عليه أن يرجع لهم هذه الفلوس، لكن لا سبيل إلى ذلك، والواجب شرعاً: أن تأخذ ما أودعت فقط، قال تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ [البقرة:279].

فالخلاصة: أن هذا المال جاء من خلال معاملة ربوية، مثل الذي يسمونه نظام الائتمان، وقليل جداً جاء بسبب معاملات مباحة في البنوك، والأصل في هذه الأموال أنها تأتي بالأرباح عن طريق الائتمان، وهو ليس ائتماناً وإنما هو خيانة، وهو الربا المحرم.

ومن علامات قوة النشاط الاقتصادي: أن الفوائد في البنك تقل؛ لأنه دليل على أن الناس يستثمرون أموالهم في المشاريع أكثر من استثمارها في البنك، والبنك عند الائتمان يجعل الفلوس تتراكم فيه، وهذا من علامات ضعف الاقتصاد في الحقيقة؛ ولأجل ذلك تجد الدولار أقل فائدة موجودة، ففائدته في السنة لا تصل إلى اثنين ونصف في المائة في البنوك، لماذا؟ لأن اقتصاد أمريكا قوي من أقوى الاقتصادات.

حكم إصلاح أجهزة الفيديو والتلفزيون

السؤال: ما حكم إصلاح الأجهزة الإلكترونية والكهربائية كالفيديو والتلفزيون؟

الجواب: يجوز أن تصلح هذه الأجهزة للملتزمين الذين يستعملونها في الحلال، وأما إصلاحها لمن يستعملها في الحرام -وهم الأغلب- فلا يجوز ذلك؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.

نصيحة للشباب الذي لا يستطيع الزواج

السؤال: ماذا يفعل الشباب أمام فتنة النساء في الجامعة وفي غيرها -نسأل الله العافية- ونحن لا نستطيع الزواج؟

الجواب: نسأل الله أن ييسر الزواج للمسلمين، وعلى أي الأحوال من لم يستطع فعليه بالصوم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

وأنصح بقراءة كتاب الداء والدواء لـابن القيم، فإن فيه منهجاً طيباً لإصلاح القلب، ومبنى الأمر على عمل القلب وحراسة الخواطر وإصلاح حال القلب حتى يتعلق بالله عز وجل، وسؤال الله العافية.

حكم من أفطر أياماً لا يدري عددها

السؤال: ما حكم من أفطر عمداً أياماً من رمضان ولا يعلم عددها، ثم تاب وهو الآن يكثر من صيام التطوع؟

الجواب: يجب عليه أن يقضي تلك الأيام أولاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمجامع في رمضان: (واقض يوماً مكانه) فيجب عليه أن يقضي تلك الأيام، وأن يتحرى عدد تلك الأيام التي أفطرها في رمضان، ويصومها بنية القضاء، والأفضل أن يصوم التطوع بنية القضاء.

والصحيح من قولي العلماء: أنه يلزمه عن كل يوم كفارة، وهي صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً أو عتق رقبة يخير فيها، والأفضل الترتيب: العتق ثم الصيام ثم الإطعام، فيطعم عن كل يوم مسكيناً، وهو مد من الأرز أو من غيره من الحبوب، ومن لم يجد فتبقى في ذمته إلى أن يفتح الله عز وجل عليه، وعليه أن يبادر بالقضاء.

أسباب ثبات العقيدة

السؤال: كيف يثبت المسلم العقيدة في قلبه؟

الجواب: بالتفكر في آيات الله المسموعة والمشهودة، فيتدبر القرآن، ويتفكر في خلق السماوات والأرض، ويسمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويتدبرها ويعمل بها، ويكثر من العبادة والذكر ومن العمل الصالح.

علاج الوسواس

السؤال: ما علاج الوسواس؟

الجواب: يقول: لا إله إلا الله، ولينته، وليصرف تفكيره عن ذلك، فإن كان مرض الوسوسة قهرياً فيمكنه أن يأخذ بعض العلاج.

الإنسان ميسر لما خلق له

السؤال: هل الإنسان مخير أم مسير؟

الجواب: الإنسان ميسر لما خلق له.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ليميز الله الخبيث من الطيب للشيخ :

https://audio.islamweb.net