
أما بعد:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:137-148].
وكما ذكرنا أن هذه الأمراض تقع للأمم المهزومة المغلوبة في معاركها مع أعدائها، والحقيقة أن الأعداء لا يحققون الانتصار بمجرد الكثرة في ميدان القتال، وإنما إذا وقع الانكسار في القلوب، وتعلقت القلوب بالدنيا، وكرهت لقاء الله عز وجل، وكرهت التفكر في الموت، ونسيت لقاء الله سبحانه وتعالى، وعلى العكس من ذلك: فإذا حصل لأهل الإيمان حب للقاء الله سبحانه وتعالى، وتعظيم أمر الآخرة وتهوين أمر الدنيا، صغرت الدنيا في أعينهم ولم يؤثر الانكسار في ميدان القتال على قلوبهم.
وإذا ضعفت القلوب انهار كل شيء، وإذا انكسرت القلوب ضاع كل شيء، فهل هذه الانكسارات المتعددة لأهل الإسلام تؤثر فيهم؟ وما الذي يغير نظرتهم؟ وما الذي ماذا يغير الأمراض في حسهم؟
يغيره في حسهم ما أرشد إليه القرآن، فيجعل هذه الانكسارات لا تؤدي إلى انكسار القلوب، ولا إلى التنازل عن الطريق، ولا إلى التوقف عن السير، ولا إلى المساومة على المبادئ، ولا إلى التعلق بالدنيا، ولا إلى الحزن على ما ضحى الإنسان به في سبيل الله، فإن ما يضحي به الإنسان في سبيل الله هو أغلى وأعظم ما يقدمه لنفسه يدخره لآخرته، وهو الذي يعده ليوم فاقته، فهو قد بذل ما يحبه الله عز وجل في سبيله سبحانه وتعالى، بذل من نفسه وماله وجهده وأنواع لذاته كلها، بل قد بذلها، وهو مستعد أن يبذلها مرات لله سبحانه وتعالى، يغيره طريقة التفكر كما ذكرنا، والتدبر فيما أرشد إليه القرآن، والنهي عن الوهن الذي أصله حب الدنيا وكراهية الموت، والنهي عن الحزن وتعظيم ما فات الإنسان من الخسائر، يعظمه ويأسى عليه، لا، والله ما كان حزناً على أهل الإيمان أبداً أن ضحوا في سبيل الله بشيء، بل ذلك يفرح قلوبهم دائماً.
إنما تحزن القلوب الجاهلة التي لا تدري أن ما تبذله في سبيل الله هو لها، وأن ما يبقى في أيديها هو لغيرها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! كلنا مالنا أحب إلينا من مال وارثنا، قال: فمالك الذي قدمت، ومال وارثك الذي أخرت) ، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أعني بذلك: أن المؤمن لا يحزن على شيء قد أصابه في سبيل الله، وذلك لأنه يراه مكسباً ومغنماً لا مغرماً كما قال عز وجل عن مؤمني الأعراب: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ [التوبة:99]، فهو يراها غنيمة يكتسبها، فقد أخذ حين أعطى، وقد أخذ كثيراً حين بذل، وقد منح ووهب حين بذل وأعطى ما أمره الله عز وجل أن يعطيه، وذلك يجعله لا يحزن أبداً؛ ولذا قال بعض السلف في قول الله عز وجل عن أهل الإيمان في الجنة: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر:34]، والله ما حزنوا على شيء أعطوه لله عز وجل، ولكن يعنون حزن من دخل النار، فأذهب الله عنهم حزن دخول النار، وأما حزن فوات الجنة، فهو الحزن الحقيقي، فلا تحزن أخي المسلم على شيء أصابك في سبيل الله، فهذا أشرف ما يمكن أن تتعرض له، ولا تتصور أنه يمكن أن تخلو حياتك من ألم، ولا يمكن أن تخلو حياة بشر من ألم، لذلك الآيات بعدها ترشد الإنسان إلى هذه القضية، قال تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140].
أترون أعداءكم مستريحين؟ أترونهم لا يصيبهم ألم ولا قرح ولا خوف؟ والله بالعكس! بل الآلام عندهم مضاعفة كما قال عز وجل: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104]، فأنت مع مرارة الألم معك حلاوة الصبر التي تذهب هذه المرارة، وربما غبت بهذه الحلاوة عن أصل وجود المرارة، وذلك إذا قويت حلاوة الإيمان حتى تصل إلى درجة الرضا الذي لا تجد معه ألماً أصلاً، وهو موجود، لكن قد غطي وغلب عليه حلاوة الإيمان، قال تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ، نور الرجاء الذي يبدل ظلمات اليأس، ويذهب مرارة الألم.
فهل تظن أن أعداء الله ليس عندهم خوف؟ والله عندهم خوف مضاعف، خوف سببه أصلاً الشرك الأكبر والظلم، فكلما ظلم الإنسان ازداد رعباً وخوفاً قال تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151] .
أما المؤمن فحين يخاف فعنده ما يذهب ألم الخوف من الأمن والإيمان والاهتداء بالله عز وجل، واستشعار قرب زوال الدنيا، وأنها بأسرها سوف تنتهي قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] .
وقال عز وجل على لسان إبراهيم: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:81-82].
فأنت ترى كم أغرق الغرب بشعوبه المختلفة في حمى الجنس، وفي الشهوات الجنسية المدمرة، وترى عندهم -رغم كل مظاهر الشهوة الجنسية المبثوثة في العالم من زبالتهم وسخافة عقولهم وسلوكهم- عدم الاستمتاع بهذا الأمر، والشقاء به ما يخبرنا به الذين دخلوا في هذه المجتمعات، أي: قد أصابهم الملل من هذه الأمور حتى وهم غارقون فيها، فمثلهم مثل الغريق يشرب ماءً كثيراً حتى يغرقه في الماء، وعمره لا يلقى للماء طعماً أبداً والعياذ بالله، بل يجد عذاباً فيها، فكل غارق في الشهوات من هذا الباب ينال منها إلى غاية ما يزهق منها، فالله عز وجل جعل عذاب الإنسان في بعده عن الله سبحانه وتعالى، وفي عدم إيمانه بالله سبحانه وتعالى، ولذا لا تتصور أنك ستسلم من الألم، وأنك ستسلم من القرح قال تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ، أي: إن أصابكم قتل وجراح في أحد فقد أصاب المشركين قبلها في بدر، فالله سبحانه وتعالى قد قدر الشقاء والألم على كل من ينزل إلى هذه الأرض.
قال تعالى: فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [طه:117]، فعلاً الشقاء ملازم، ولكن مع المؤمن ما يزيل به أثر هذا الشقاء، والألم موجود ولكن معه حلاوة، والدواء المر يوضع معه شيء من الحلوى أو العسل فيذهب مرارته، فهذا إذا كان قوياً كان الصبر، وإذا كان أقوى منه كان الرضا، وعند ذلك يزول الألم بإذن الله تبارك وتعالى.
فالصبر هو الذي يحصن النفس على ما تكره ابتغاء موعود الله سبحانه وتعالى، وأعظمه الصبر على طاعة الله وعلى ما يصيب الإنسان في سبيل طاعة الله، وذلك أن ما يصيب الإنسان في سبيل الله يجمع أنواع الصبر كلها، الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، وهنا الصبر على الوهن والحزن وموافقة المشركين وأهل الباطل على ما يريدون، وغير ذلك من أنواع المعاصي التي ترتبط بفترات المحن والهزيمة والانكسار.
فهذا الذي يصيب الإنسان في سبيل الله تجتمع فيه كل أنواع الصبر؛ ولذا يعظم أجره جداً، وهو مغنم لا مغرماً بفضل الله سبحانه وتعالى.
فتلك الأيام يداولها الله بين الناس، قال تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ، فلا بد أن تستحضر هذا جيداً، فهو ليس من صنعك ولا من صنع أعدائك، وهم لا يملكون لك ضراً ولا نفعاً، إذ لم يملكوه لأنفسهم فكيف يملكونه لك؟! كيف يكون بأيديهم صنع المقادير نعوذ بالله كما يقول البعض: إن أوراق اللعبة كلها في أيديهم. لا والله ما بأيديهم من شيء، هم يخوضون ويلعبون، ويظنون أنهم يملكون، وهم مربوبون مملوكون تحت قهر الله الواحد القهار، يداول عليهم عسرهم ويسرهم كما يداول علينا ذلك، ونحن معنا فضل الله عز وجل إذ أيام العسر عندنا فيها من أنواع اليسر ما هو أضعاف العسر، كما قال عز وجل: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يغلب عسر يسرين)، وذلك أن العسر معرف بالألف واللام، فهو عسر مكرر، والمذكور في الآية الثانية هو الذي في الأولى، وأما اليسر فمنكر، ولذلك يقتضي أنه يسر جديد فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5].
وقال عز وجل: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، فأثناء وجود العسر يوجد يسران، وأثناء نزول البلاء وحصول المشقة يوجد أنواع من النعيم واللذات، والألم عند المؤمن مصحوب باللذة، فالمؤمن ما بيده من الدنيا فهو زائد عن الحاجة كما ذكرنا عن سلمان الفارسي أنه بكى عند موته، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: عهد إلينا رسول الله فقال: (ليكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب)، وحولي هذه الأساود، وإنما كان حوله المطهرة والقربة والنعلان، وقد قومت تركته بخمسة عشرة درهماً، ويرى نفسه أنه قد تجاوز الحاجة. فمثل هذه الأمور العجيبة تجعل المؤمن دائماً يستحضر أن الله عز وجل يداول بين الناس، وأن الدنيا سوف تنتهي بألمها ولذتها، وبنعيمها وشقائها، وبحزنها وفرحها، وأنه يبقى بعد ذلك ما أعده الله عز وجل لأهل الإيمان، وما أعده الله لأهل الكفر من أنواع العذاب الدائم المستمر الذي لا يزول ولا يتحول، نعوذ بالله من ذلك!
قال تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ، والله نحتاج جداً أن نتوقف كثيراً وطويلاً عند هذه الآيات لنعالج بها أمراض قلوبنا، وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ يقلب الأحوال كما ذكرنا بين الناس، وهذه تشمل المؤمن والكافر وتشمل الناس عامة، وكما قال الشاعر:
يوم لنا ويوم علينا
ويوم نساء ويوم نسر
وما من إنسان إلا وفي عمره لحظات من الألم واللذة! فلماذا قدر الله ذلك على أهل الإيمان الذين يحبهم ويكره مساءتهم؟ فخيرة الخلق أنبياء الله وأولياؤه يقدر الله عز وجل عليهم أنواع المحن والبلايا، وهو عز وجل يكره مساءتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل في الحديث القدسي: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته) .
فانظر إلى هذا الأمر العجيب لتعلم منزلة المؤمن عند الله عز وجل، فالمؤمن يكره الموت بالفطرة الإنسانية؛ لأن كلاً منا فيه فطرة بأن يهرب من الموت، أو من أي شيء مهلك، ولذا لو لسعتك كهرباء فإنك ستجد نفسك أنك بعدت عنها ورميت نفسك وابتعدت بأي طريق وأي وسيلة، فالله قدر الموت على المؤمن لأنه لا بد له أن ينتقل من هذه الدنيا، فالحياة لا تستمر، ولا بد أن ينال الخير العظيم الذي عند الله عز وجل بالموت، ومع ذلك الله يكره مساءة المؤمن؛ لأنه يسوءه الموت والله يكره مساءة المؤمن كما ترون فيما قبل ذلك، وفي الدنيا أنواع الآلام التي بعضها قد يفضل الناس الموت عليها، ولذا الناس يقولون لك: الموت أرحم، ومع ذلك يقدره الله على أهل الإيمان، وعلى أوليائه وأصفيائه من خلقه لما فيها من أنواع الحكم العظيمة، حكم بالغة لمصلحة أهل الإيمان قال تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ ، وتأمل في الواو هذه وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ ليس (ليعلم) مباشرة بدون واو، إذاً: استقرت قاعدة: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ، على أنها جملة مستقلة.
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ أي: وبالإضافة إلى أن تشهد أن الله الذي يقدر، وأن الله الذي يداول الأيام بين الناس، وأن الله الذي يرفع من يشاء ويخفض من يشاء، ويؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، يحيي من يشاء، ويميت من يشاء، يعز من يشاء، ويذل من يشاء.
بالإضافة إلى شهود المشيئة والإرادة الإلهية والملك له سبحانه وتعالى تأمل مع ذلك الحكم البالغة، فالله له الملك وتشاهده من قوله: نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ، وله الحمد وتشهدها من قوله: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:140-141].
ما ترون في مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو الذي جعله الله عز وجل سفير أهل الإسلام إلى المدينة، وقد دخل أهل المدينة في الإسلام على يديه، ويموت وهو حامل اللواء رضي الله تعالى عنه؟!
مصعب بن عمير الذي أسلم أكثر أهل المدينة من الأنصار على يديه رضي الله تعالى عنه.
ما ترون في هذه الأمور؟! لا شك أنها أمور يكرهها الله ويقدرها؛ لأن هناك من ورائها أنواعاً من الحكم والغايات المحمودة، والخيرات والعبودية لأهل الإيمان لا تحصل إلا من خلال هذا الأمر المكروه؛ ولذا نحمد الله عليه.
كما أنك سوف تطبق هذه المسألة على كل ما يصيبك كشخص، وعلى كل ما يصيبك كطائفة مؤمنة في كل زمن من الأزمنة، وطبق هذا على واقعك، فالله يداول الأيام علينا وعلى أعدائنا.
من ضمن الحكم: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ، ليعلم علماً يحاسبهم عليه، ليعلم علم شهادة بعد أن علمه علم غيب، فهو عز وجل قبل أن يخلق الخلق علم ما الخلق عاملون، علم من سيؤمن ومن سيكفر، علم من سيطيع ومن سيعصي، ولكن هو يحب أن يرى ذلك أمراً واقعاً؛ ولذا فسر ابن عباس هذه الآية الكريمة: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ، قال: وليرى، كما ذكره ابن كثير رحمه الله؛ لأن (يرى) فيها دلالة على علم الشهادة أن الله يعلمه أمراً قد وقع وأحبه عز وجل واقعاً، كما أراده عز وجل قبل أن يقع، أراد سبحانه وتعالى وجود هذا الإيمان وأحبه قبل أن يوجد، وأحبه سبحانه وتعالى حين وجد، ولذا قال: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ، آمنوا بالفعل، ووقع الفعل منهم، ولفظ (الذين آمنوا) هم كانوا مؤمنين قبل ذلك، فذكرهم هنا بلفظ الإيمان، لأن الإيمان هنا يرتفع ارتفاعاً هائلاً في مثل هذه اللحظات، أي: لحظات المعارك الفاصلة، ولحظات التضحية والبذل، ولحظات الألم الذي يصيب أهل الإيمان والمحن التي تصيبهم، فهناك أنواع من الإيمان تحصل في مثل هذه المواقف لا تحصل في غيرها، ولذا قال: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ، ولم يقل (وعملوا الصالحات)، لأنها شملت العمل الصالح، وكما ذكرنا أن أنواعاً من الإيمان تقع في هذه اللحظات لا تقع في غيرها ولا تحصل بدونها، من حب الله عز وجل، والتوكل، والرجاء، والاستعداد للبذل والتضحية، وهوان الدنيا في أعينهم، كقولهم: (ما تصنعون بالحياة بعده؟).
فهذه مواقف تغير مسار التاريخ، ويستشعرها أهل الإيمان عبر العصور المختلفة فيجدون أمراً لا يمكن أن يوصف إلا أن يوجد ويذاق، كما يقول عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنهم: (اللهم إني أسألك أن تلقيني غداً رجلاً من المشركين شديداً حرده، شديداً كفره، فيقاتلني فيقتلني..) شيء عجيب والله! لا يريد أن يقتله هو! أما نحن فنقعد نفرح، أننا انتصرنا على الكفرة وأبدناهم، هذا خير، لكن فكر في هذا المعنى الإيماني عند هذا الصحابي الجليل عبد الله بن جحش (..شديداً حرده، شديداً كفره، فيقاتلني فيقتلني، ثم يجدع أنفي، ويبقر بطني؛ فتسألني يوم القيامة: فيم ذلك يا عبد الله ؟ فأقول: فيك يا رب).
فهذا معناه أنه مستعد للبذل والتضحية، فهو يريد أن يُفعل به هذا الفعل في سبيل الله عز وجل، وتجده عند عمر عندما يرى ضعفاء المسلمين يضربون في مكة فلا يهدأ له بال، وهو يرى نفسه ممتنعاً من الكفار بقوته فيذهب يضرب المشركين ويغيظهم، ويقرأ القرآن جهراً عند الكعبة ليضربوه ويضربهم! فهذه معاني نادرة جداً أن توجد في القلوب؛ لأن النفوس أصلاً تفر من هذه الأمور، وتفر من هذا الألم ولا تريده، ولكن تحصل لحظات تجعل الإنسان يرى هذا الأمر نعيماً في الله سبحانه وتعالى؛ لأنه أصابه في الله عز وجل.
وهذه المعاني الإيمانية التي حصلت لـأنس بن النضر رضي الله تعالى عنه، حيث وقع منه إيمان عظيم القدر لم يوجد مثله، ولا يمكن أن يوجد مثله، وذلك عندما يجد في الطريق سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن فرحاً بأن سعد قد صار من أهل السماء، سعد بن معاذ الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذه).
أنس بن النضر هو الذي يثبته على الهدى! أنس بن النضر هو الذي يقول لـسعد حين لقيه وقد ترك المعركة أو القتال فقال له: مالك؟ فقال: قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟! فقوموا فموتوا على ما مات عليه، قال: واهاً يا سعد لريح الجنة! والله إني لأجده دون أحد!
معاني إيمانية عظيمة حصلت في هذه اللحظات، وتفيض روح أنس بن النضر رضي الله تعالى عنه، يقول أنس رضي الله عنه: فما عرفته أخته إلا ببنانه، فوجدناه قد قتل وبه بضعة وثمانون ما بين ضربة بسيف، ورمية بسهم، وطعنة برمح، وما عرفته أخته إلا ببنانه أي أنه قد أصيب من جميع الجهات رضي الله تعالى عنه، فهذه المواقف الإيمانية العظيمة التي حصلت الله يحبها سبحانه وتعالى، كما قال: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ، فقد آمن من استشهد، وآمن من صبر، آمنوا إيماناً زائداً على ما كانوا عليه قبل ذلك، آمنوا إيماناً أكمل وأعظم مما كان قبل ذلك، فازدادوا إيماناً عند الله عز وجل في هذه اللحظات، والتي كانت قوة دافعة لهم في أثناء المعركة وبعد المعركة، بل أخذوا زاداً منها إلى أن فتحوا العالم بفضل الله عز وجل.
الإعداد الذي أعده المسلمون في بدر وأحد والأحزاب هو الذي فتح المسلمون به العالم، هذا الإعداد الذي تحولوا بعده إلى غزو الكفار واستمروا على ذلك كان بداية الانطلاق، فهذه هي الأحوال الإيمانية التي حصلت في قلوبهم وليس فقط للأبدان، فهم حصلت لهم معاني إيمانية بالأبدان كالعمل الصالح والثبات، والتضحية في سبيل الله عز وجل، والقتال في سبيله رغم الهزيمة التي وقعت، والعودة حين سمعوا النداء لمن عاد والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه معاني إيمان عملية وقلبية تمت بفضل الله عز وجل في قلوبهم، وارتفعت أسهم الإيمان في قلوبهم.
قال تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ، وهذا يحصل في كل ما يشابه هذه الواقعة، فيحصل من أنواع الخير في قلوب المؤمنين ما لا يمكن أن يوجد بدون تقدير الأمر المؤلم الذي هو القرح، الذي يؤلم أهل الإيمان ويسوءهم والله يكره مساءتهم، ولكن يقدر ذلك المكروه المسيء للمؤمنين لما يتضمنه من الخير الذي يحبه الله، ولما يتضمنه من الإيمان الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، الخوف من الله دون من سواه شجاعة باهرة لـأنس بن النضر رضي الله عنه وأمثاله، وحمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعبد الله بن جبير قائد الرماة، والعشرة الذين ثبتوا معه حتى قتلوا جميعاً دون من فر من الرماة الذين بقوا، وكل من استشهد رضي الله تعالى عنهم.
السبعة من الأنصار الذين يقول النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون يطلبونه: (من يردهم عني وله الجنة؟!) ، فيقوم رجل من الأنصار فيقاتل حتى يقتل رضي الله عنه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يردهم عني وله الجنة؟)، فيقوم رجل آخر من الأنصار، ثم ثالث، ثم رابع، ثم خامس، ثم سادس، ثم سابع من الأنصار، سبعة من الأنصار! حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنصفنا أصحابنا) أي: الذين فروا، أو (ما أنصفنا أصحابنا)، أي: المهاجرون الذين لم ينصفوا الأنصار حين تركوهم كذلك، فقام طلحة رضي الله عنه فقاتل قتال السبعة جميعاً، بل هو الذي ردهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه كلها معاني إيمانية، وهذا إيمان تجدد، فـطلحة رضي الله عنه هو الذي أرهقهم، وهو الذي أجلاهم عن النبي عليه الصلاة والسلام، سبعة قتلوا في محاولة رد المشركين وما يزال المشركون يطلبونه، وطلحة رضي الله عنه هو الذي يقاتل حتى يجلي المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع كل هذا القتال يقي النبي صلى الله عليه وسلم بيده رضي الله تعالى عنه -نحن نقول: الواحد يأتي له خطر يبعد يده كذا- ولذلك يقول بعض من رآه من التابعين: رأيت يد طلحة شلاء التي وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا إيمان عملي وقلبي؛ لأن الأفعال هذه لا يمكن أن تحصل إلا بأحوال قلبية عظيمة: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ليرى ذلك؛ لأنه قد علمه أزلاً سبحانه وتعالى، ولكن يحب أن يراه سبحانه وتعالى، ويحب أن يعلمه علم شهادة؛ ولذا قدر ما يؤلم أهل الإيمان ليحصل مزيد من الإيمان، أحوال لا تقع إلا بمثل هذه الظروف وإلا فيما يؤلم النفوس ويسرها من جوانب، أنتم ترون بالسماع فقط وبمجرد استحضار الصورة أنواعاً من الشوق لهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، والشوق إلى أن يتشبه بهم، أنواع من الخيرات لم تزل تتجدد في قلوب المسلمين والمؤمنين عبر التاريخ بسماع هذه القصة فكيف بمن شهدها؟! فكيف بمن وقعت منه شخصياً؟! ما هو شعوره حين وقعت منه!
أمر والله فوق الخيال لا يمكن أن يتصوره الإنسان من اللذات التي وجدها، إذا كنا نحن نجد لذة في مجرد سماع الكلام وتصوره دون منظره وشكله كيف كانوا يضحون هذه التضحية؟ وكيف كانوا يبذلون هذا البذل، فما بال من وجدها بنفسه؟!
هذا أمر لا يوصف ولا يمكن أن يسبقهم إليه أحد، هم سبقوا إلى الله عز وجل ونالوا ذلك، ولكن يمكن أن تنال نصيباً بأن تكون عند القرح مؤمناً، عندما يتجدد لك في أحوال القرح أحوال الألم وأنواع الحب وشهود الفضل، وشهود النعمة والجود والكرم من الله عز وجل يتجدد لك الخوف منه وحده، وصغر الباطل وكل الدنيا بأسرها، وتعلق القلب بالآخرة رجاء ثوابه، والإخلاص له وحده ألا يعبأ الإنسان بالحياة إلا ما كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فموتوا على ما مات عليه، أن يكون الإنسان مستعداً ليموت على ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فجدد هذه المعاني في قلبك عند لحظات الألم وسوف تجدها، ووالله لهي نعمة ما تقدر بثمن.
ولحظات الألم والقرح، ولحظات أيام العسر الذي يصيب الإنسان تجد أن هذا الأمر وإن كنت لا تطلبه؛ لأن الله عز وجل ما شرع لك أن تطلبه، وإنما شرع لك أن تسأله العافية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا) لكن تجدد الأحوال الإيمانية مع وجود الألم سيقع، ولا تظن أن الطريق يخلو من ذلك، ومن ظن ذلك فهو لا يعرف طريق الجنة، ومن ظن أن الأمر يمكن أن يخلو من الألم فلا يعرف طريق الجنة.
قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142] ، لا يمكن أن يخلو.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214] سبحانه وتعالى، فلن تخلو ولكن أنت لا تطلبه بل سل الله العافية، وخذ بأسبابها، وافعل ما أمرك الله عز وجل به، ولكن سوف يقع؛ فجدد الإيمان عند ذلك، واجتهد في أن تكون أعمال القلوب التي يحب الله أن يراها منك حاصلة في هذا الموقف فتزداد منها، والتفاوت في ذلك هائل بين أهل الإيمان، فهو تفاوت بين الثرى والثريا، بين الذرة وبين ما هو أثقل من الجبال، فشخص الإيمان عنده يزداد ذرة في مثل المواطن هذه، وشخص آخر يزداد إيمانه أمثال الجبال وأثقل من الكرة الأرضية أحياناً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن السماوات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله) ولا يثقل مع اسم الله شيء، والله أعلم بتفاوت العباد في لا إله إلا الله على قدر إخلاصهم، لكن ممكن من بعض أهل الإيمان والله أعلم أن تقع لا إله إلا الله في قلوبهم أثقل من السماوات السبع والأرضين السبع، فسبحان الله! تفاوت هائل بين البشر وبين المؤمنين أنفسهم، وهذا حسب نصيبك من الخير، فاجتهد في أن تكثر من ذلك النصيب بالتوكل على الله عز وجل وعدم التوكل على الأسباب، والطاعة عندما يصيب الإنسان القرح قال تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران:172] أي: الثقة في الله عز وجل من غير رؤية إلى الأسباب.
قال تعالى: نُدَاوِلُهَا ، وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:141] كلها أفعال الرب عز وجل.
وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ فالله هو الذي اتخذهم! الله الذي اجتباهم! الله الذي اختصهم! الله الذي اختارهم لهذه المنزلة! منازل عند الله عز وجل في الجنان لا تبلغها أعمال العباد، يقدر الله عز وجل عليهم من أنواع البلايا والمحن، ويقدر لهم -أقول لا عليهم- أن يثبتوا عندها، وأن يضحوا في سبيل الله إلى أن تبلغ التضحية بالأنفس التي هي أغلى ما عند الإنسان، وما يملكه الإنسان، فكل شيء بدون النفس لا يساوي شيئاً، ماذا يصنع الميت بالمال؟! ماذا يصنع بالشهوة؟! ماذا يصنع بالأهل والأولاد؟! كل ذلك قد ضاع من الميت، الشهيد قد ضحى بذلك كله حين ضحى بنفسه في سبيل الله، فالله قد كتب له وثبته حتى قتل شهيداً في سبيل الله؛ ليشهد على الناس يوم القيامة؛ وليشهد منزلته في الجنة، فسمي الشهيد شهيداً لأنه يشهد دار الكرامة وما أعد الله له فيها، بل يستمتع فيها في برزخه؛ ولأنه شهيد على الناس، وهذه الشهادة أمر عظيم، فهي اجتباء من الله عز وجل واختيار، فكم طلبها طالبون! وكم كان منهم صادقون! وكم كان منهم غير صادقين! لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء).
هذه الشهادة ليست فقط فائدة عظيمة الأهمية للشهيد نفسه، بل هي فائدة عظيمة الأهمية لا يمكن أن تتقدم الطائفة المؤمنة إلا بها، فهي فائدة للمؤمنين جميعاً، وللطائفة المؤمنة في وقتها، فبالبذل والتضحية تسير القافلة، وبدون بذل ولا تضحية لن يتحرك أهل الإسلام خطوة واحدة، وهذا أمر مشهود والله، دماء الشهداء التي تسيل في معارك أهل الإسلام مع أعدائهم هي الوقود الذي تسير به الطائفة المؤمنة، وهي الوقود الذي يزداد به الإيمان في قلوب الباقين، وتزداد الرغبة في التضحية بدون الشهادة في سبيل الله عز وجل، وبدون البذل والتضحية، وبدون الجرح والألم لن يحصل تقدم، ولن توجد الأسوة الحسنة، ولن تنجذب القلوب بمثل ما يحصل عند وجود هذه التضحية العظيمة، فعندما نسمع نحن قصص الشهداء عبر التاريخ تتحرك القلوب حركة عظيمة للبذل والتضحية في سبيل الله، والعمل بطاعة الله عز وجل، والاستهانة بالدنيا، وعدم الاستكانة للعدو، ومزيد من الثبات والالتزام بفضل الله عز وجل.
وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ، هذه منازل عالية، أعلى المنازل بعد النبيين والصديقين، فالله عز وجل قد جعلهم بأفضل المراتب عنده سبحانه وتعالى لما بذلوا أنفسهم في سبيل الله عز وجل.
وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ حتى لا يتوهم متوهم أن ما قدره الله من تمكين الكفرة، ومن قتل خيرة خلقه بعد أنبيائه والصديقين من أتباعهم أن ذلك حباً من الله عز وجل للظالمين، كما قد يظن كثير من الناس أن كل نعيم دنيوي هو علامة على حب الله لهم.
فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا [الفجر:15-17] ليس هذا هو مقياس الإكرام ولا الإهانة، أكثر أهل الدنيا يرون الله قد أكرمهم وأنه يحبهم حين أعطاهم شيئاً من الدنيا، فهؤلاء الظلمة يرون أنفسهم مقربين عند الله؛ لأن الله أعطاهم السلطان والتمكن من المؤمنين حتى تمكنوا من قتلهم، ولذلك عقب عز وجل فقال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ فلا تظنوا أن تسليط الله عز وجل الكفرة على المؤمنين حتى يقتلونهم شهداء أن ذلك حباً من الله عز وجل للظالمين، لا والله! الله لا يحب الظالمين، وهذا أعظم تحذير من الظلم، أن الله لا يحب الظالمين، فلا بد أن من أبغضه الله عز وجل أبغضته الخلائق كلها حتى نفسه تمقته؛ لأن الله لا يحبه ومقته عز وجل، فمن هان على الله حتى جعله ظالماً فهذا أحقر الخلائق وأضلها وأبخسها حظاً نعوذ بالله!
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [غافر:10] فالكافر يمقت نفسه حين كفر بالله عز وجل.
إِذْ حين تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [غافر:10] ويمقته من حوله من البشر: (إن الله إذا أبغض عبداً نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه؛ جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه؛ فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض) .
لا تظنوا أن من حول الظلمة من أهليهم أو أولادهم أو جنودهم أو أعوانهم يحبونهم، لا والله ثمرة من ثمرات: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ أن البغضاء تملأ قلوب بعضهم لبعض، بعضهم يكره بعض، حتى أنفسهم كما ذكرنا تكرههم، حتى الجدران والحيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأما المؤمن فيستريح من نصب الدنيا وتعبها، وأما الكافر فيستريح منه البلاد والعباد، والشجر والدواب)، كل العباد والبلاد حتى الأرض نفسها، وكل ما كان من جنسها تكرههم، الأرض التي يمشون عليها تكرههم، وتستريح منهم عندما يموتوا قال تعالى: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:29] كائنات لها إدراك! لها شعور! تكره الكافر والظالم فضلاً عمن جعل الله في قلوبهم أصلاً كمال الإحساس الذين هم البشر، فلا بد أن يكره بعضهم بعضاً، وإن ظهر في ظاهر الأحوال حب عظيم، وتفخيم وتكبير لهم، واستعداد أنهم يموتون في سبيلهم، ومدح وثناء وغير ذلك من أنواع التعظيم الدنيوي، لكن يفعل ذلك وقلبه مليء بالمقت والكراهية.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ فإياك أن تظن أن هذا الذي قدره الله من أن يسلط الكفرة على المؤمنين ليقتلوهم وينتصروا عليهم أن ذلك لأن الله يحبهم! لا والله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ بل الله هو الذي اتخذ شهداء؛ لأنه لا سبيل إلى وجود هذه التضحية العظيمة بالنفس وبالدنيا بأسرها إلا بأن يتسلط الكفرة على أهل الإسلام، فهذه العبوديات التي وقعت لا سبيل إلى وجودها إلا بأن يقدر الله الأمر المكروه، فمن أجل المحبوب قدر الله المكروه، ومن أجل أن يتعبد له أهل الإيمان بأنواع العبودية -في عسرهم وفي مكرههم وفيما يسوءهم، ويبذلون في سبيل الله عز وجل ما أعطاهم سبحانه وتعالى حتى الحياة نفسها يبذلونها- قدر الله ذلك، لا حباً للظالمين ولا رضاً بالظلم: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ .
فائدة أخرى ذكرها ابن القيم رحمه الله في قوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ : تحذير من ترك ما أوجب الله عز وجل على عباده -كأنه يراها تحذيراً لأهل الإيمان- عن أن يظلموا أنفسهم بترك الطاعة في فترات الشدة، كمن فر، فالله لا يحب من عصى، ولا يحب من ظلم، لكن الفائدة الأولى أقرب إن شاء الله وأولى، والثالثة ليست ممتنعة.
الجواب: الحديث مع النساء في (المايك) من البلايا والمحن التي تصيب القلوب لا الأبدان، فهي فتنة عظيمة أن ينشغل الإنسان بمثل ذلك، ويضيع عمره، وما معنى أن يتكلم مع النساء؟ يريد أن يدعو إلى الله؟! يدعو الرجال إلى الله، ويترك النساء تدعو النساء، فهذا باب فتنة خطير يقع فيه الكثيرون ويستدرجهم فيه الشيطان، وإذا ضبط بالضوابط فنعم، لكن الواقع يؤكد أن هذا باب فتنة، فنسأل الله العافية.
فالحذر من استدراج الشيطان في مثل هذه الوسائل، وكل واحد أدرى بنفسه، فإذا تلذذ بمحادثة النساء بهذه الطريقة فهذا يدل على ما في قلبه من الإثم والمرض الذي طمع الشيطان من أجله.
الجواب: قال الله عز وجل: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:71] فإذا حصلت التوبة وحسنت فإن الله سبحانه وتعالى يقبلها، وهو الذي أنعم على العبد بكل النعم بما فيها نعمة الحياة والوجود، فإذا تاب العبد تاب الله عز وجل عليه، فينبغي ألا يثرب عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليقم عليها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليقم عليها الحد ثم لا يثرب عليها، فإن زنت فليبعها ولو بحبل من شعر) .
فإذا كان الحال الآن أننا نعجز عن إقامة الحدود لكن ذلك لا يمنع من تحصيل التوبة الصادقة، والكلام في تفسير الآيات كان على التدافع بين المؤمنين والكافرين، وأن المؤمنين مأمورون بدفع ظلم الكافرين فكيف بظلم المسلم لأخيه المسلم؛ بسبب أمور دنيوية وشهوات وحب الترأس وغير ذلك؟!
دعها له إذا كانت تؤدى إلى ترك طاعة الله عز وجل، ولا تنافسه في هذه الدنيا، وإنما نافسه في الآخرة، نافسه في طاعة الله عز وجل، وانشغل أنت بما تركه هو من الطاعة، من سلامة الصدر، وسامحه فيما فعل، وعلى أي الأحوال: اجعل قضية الطاعة هي التي تحركك بمعنى: هل تتم الطاعة إذا تركتها له؟ طبعاً لاشك أن التعلق بالدنيا يمنع بركة الطاعة، لكن من أين تجزم بذلك؟ إذا كانت شهوات دنيوية فدعها ولا تنافسه عليها.
الجواب: لاشك أن هذه المعاصي والفتن من أشد أنواع البلايا، وهي فعلاً دالة على نقص الإيمان، فلا بد أن نزيد من الأعمال الصالحة، ونزيد من أعمال القلوب، ومن التفتيش في عيوب النفس حتى نعافى من هذا النوع من البلاء، نسأل الله العافية، ونسأل الله أن يفتح لنا أبواب الفضل والخير والرحمة منه سبحانه وتعالى، ولكن لا تطلب البلاء بأي نوع كان، سل الله العافية مطلقاً.
الجواب: بعض أجزاء الوجه قد تظهر، فقد تكون الأخت وضعت كحلاً على عينيها، وهذا يفتن أكثر الناس، وأنت أيها الشخص! ما الذي جعلك تنظر إليها؟ اشغل نفسك بشيء آخر، ومالك ومال الأخوات؟! إذا وجدت حاجة سوداء أمامك انظر إلى مكان آخر، وأنا والله ما أعرف شكل النقاب السعودي، والفتاوى الصادرة من بعض العلماء المعاصرين التي فيها التحريم فيها نظر، ومسألة كشف العينين أو جزء من الوجه هذا فيه خلاف بين العلماء؛ لأن كشف الوجه كله فيه خلاف، وهو خلاف سائغ، فأنت اجتهد في غض بصرك واستعن بالله، واشغل قلبك بشيء آخر، وقضية الشهوة هذه علاجها الأساسي بعد غض البصر أن القلب يكون مشغولاً بحاجات أخرى، لكن عندما تفكر فيها قبل النوم، وعندما تسرح تفكر فيها، وعندما تقعد تفكر فيها، فهذا الأمر سيسيطر على قلبك، ولن يجعلك تغض بصرك، لكن لو كنت مشغولاً بأشياء أخرى فستنصرف عن ذلك، وهذه هي قضية إصلاح القلب، وعبادة لله عز وجل، بأن يقرأ القرآن بالتدبر، أو يتعلم العلم، أو يدعو إلى الله عز وجل، وقضايا الإسلام كلها هي التي تشغله، وآلام المسلمين تشغله فيدعو لهم ويتألم لآلامهم، فهذه الأشياء ستغير كثيراً جداً من قضية الشهوة عنده.
الجواب: لا تشبه الطاعات هكذا أبداً، فهذا تشبيه خطأ وخطر، فالطاعة هي مسكنات تأتي بالسكينة دائماً، وليس معنى المسكنات عندنا أنها حاجة ليس لها لزوم كبير، فالطاعات هي سبيل النجاة بإذن الله تبارك وتعالى، والطاعات الجليلة مثل: الصلاة والصيام والقيام والدعاء والبكاء، المواظبة عليها والاستكثار منها أمر مطلوب، وأداؤها بروح طيبة مطلوب، فالعبادة إذا أديت ولو كانت كثيرة لكن بدون روح لا تؤدي الثمرة المطلوبة، لكن إذا أديت بما يلزمها من خشوع كما قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] فكلما خشعت في الصلاة تأثرت تأثراً لا يمكن أن ينكر، ثم إن الإنسان بطبيعته يتغير ويتقلب، وإنما سمي القلب قلباً لتقلبه كما يقال، فالقلب يتقلب على الإنسان في اليوم الواحد مرات، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) صلى الله عليه وسلم، هو عليه الصلاة والسلام المعصوم يصيبه الغين ويستشعر من قلبه فتوراً فيستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة أو مائة مرة صلى الله عليه وسلم، فلابد أن يراقب الإنسان نفسه، ولا يصلح للإنسان أن يقعد طوال الأسبوع ينشغل بالحياة ولا يفكر في نفسه، أزاد أو نقص الإيمان؟ وإلى حال قلبه ماذا جرى له؟! يترك نفسه هكذا والأمراض تعشش في قلبه ثم يقول: نحن لابد أن نفتش فيها، فإذا وجدت العبادة بالخشوع المطلوب فيها فسوف تغير فينا تغييراً جذرياً، ثم نقول بعد ذلك: هذا وضع طبيعي أن القلب يتغير بسرعة، فكلما تقلب عليك أكثر من الطاعة قال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
الجواب: خلاف الأولى؛ لأن الفريضة ليست مبنية على التطويل، وإنما تجوز القراءة من المصحف في صلاة القيام لحاجته إلى التطويل.
الجواب: الصحيح عندي أنه إن فعل ذلك فقد أفطر، وأما إذا لم يجد الطعم لم يفطر، وخصوصاً في الأذن، فالأذن لن يجد طعم القطار في الحلق إلا إذا كانت مخرومة، وإذا لم يكن فيها ثقب فلن تصل إلى الجوف ولا ينزل طعمها بالأولى، لكن الأنف موصولة بالحلق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فإذا وضع قطرات في أنفه ووصل حلقه فقد بالغ في الاستنشاق، وأنا أنصح أن تأخذ قطرتين على قطنة وتحطها في أنفك وأنت واقف، فأنت لو حطيتها وأنت واقف لن يحصل شيء.
الجواب: يقولون هذا، ولا أعرف صحته، ولو كان هو فعلاً نجزم به، لكن ليس عندنا إسناد في ذلك، ويبقى هناك فائدة وهي: التبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: الظاهر أن عرض الأعمال يوم الإثنين والخميس يكون عرضاً في كل أسبوع مرتين، وأن عرض شعبان هو عرض السنة قبل رمضان، نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا، وأن يغفر لنا، وأن يبلغنا رمضان، وأن يوفقنا فيه لما يحب ويرضى، فهذا وقت الإعداد لرمضان، فقد ترفع أعمال السنة فليراجع الإنسان فيها نفسه، وهذا مثل التاجر الذي يعمل جرداً كل سنة، فيحاول يعمل جرداً خلال السنة الماضية حتى يستعد لرمضان بقلب تائب منيب، نسأل الله العافية.
الجواب: الخمار فرض وإن قلنا: إنه سنة فلماذا لا تطبقي السنة؟ وعندما تقتنع فسوف ترتديه، وأعطها كتاب الشيخ محمد المقدم ، الذي فيه الأدلة على وجوب الحجاب، وعلى كل الأحوال اصبر عليها.
الجواب: هذه أركان الإسلام التي أنت قلتها: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ومطلوب منك أن تتعلم ما يلزمك من الحلال والحرام، كفقه المعاملات بين الناس، فهذا فرض عين عليك، حتى تتعامل بالحلال وتترك الحرام فيما يتعلق بالأكل والشرب والمال والعين والأذن، فما هو الذي تسمعه؟ وما هو الذي تنظر إليه؟! وما هو الذي تمسكه بيدك؟!
وهكذا تتعلم فقه حقوق الآخرين، كمعاملة الناس، فهذا فقه واجب تتعلمه، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ومعاملة الأهل والأولاد، وتتعلم إصلاح عيوب النفس وأمراضها، وتتعلم التخلص من الحسد والحقد والرياء والسمعة والضغينة للمؤمنين والتشبه بالكافرين.
وتتعلم ما يلزمك من العبادات القلبية من حب الله، والخوف منه، ورجائه، والتوكل عليه، وكل واحدة من هؤلاء لها بابها الذي يتعلمه.
ثم نتعلم فرضية أن ندعو إلى الله عز وجل، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر على ما توجبه الشريعة، وأن نسعى لنصرة الإسلام، وأن تقترب من إخوانك فتحبهم في الله وتصحبهم في الله عز وجل، وتستعين بالله عز وجل على حقوق هذه الصحبة في الله سبحانه وتعالى، وتسعى لنصرة الإسلام بكل ما يمكنك، وتصلح نفسك ومن حولك وجيرانك وزملاءك، وقدر كبير جداً من الواجبات مطلوب منك أن تعملها حتى إذا تغيرنا جميعاً تغير الواقع الذي نحن فيه، فهذا الواقع الذي نعيشه نجد فيه تقصيراً منا، فنحن ليس لنا دعوة بأقوالنا وأفعالنا، ومع أدائك لكل ذلك ترى نفسك مقصراً كما ذكرنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) .
ومن رأى في نفسه كمالاً وأنه أدى ما عليه فهو لم يؤد بعض ما عليه، فهو لم يؤد شيئاً مما عليه، بل أنت تعمل بالطاعة وترى نفسك دائماً مقصراً والله المستعان! وليس هذا تواضعاً، وإنما هذا لأنك أنت تنظر دائماً لعيوبها، كأن تصلي ركعتين فتسأل نفسك كم كنت مركزاً فيهما؟ وكم كنت مستحضراً لقراءة الآيات والأذكار فيهما؟ وهكذا أول ما تسلم تقول: أستغفر الله! أستغفر الله! أستغفر الله!
الجواب: أنت أخطأت أولاً في التجرؤ على الإفتاء بدون علم، وكان الواجب عليك أن تنصحه أن يسأل أهل العلم حتى يجيبوه الإجابة الكاملة الصحيحة، فتستغفر الله وتأتي لطلب العلم ولا تعد مرة ثانية، ولعل ربنا ييسر له من يفتيه بما يلزمه.
الجواب: ممكن الأشرطة تكون لله، ويبدو أن نيتك مقيدة بكلمة: (نذرتها لله)، والنذر لله يصح في كل ما كان طاعة، لكن هل أنت نذرتها للفقراء؟ أي: خصصت نيتك بأن (لله) أي: الفقراء، فإذا كان للفقراء يبقى هذا المبلغ تنفقه في صالح الفقراء.
وأما إذا لم يكن في نيتك في ساعة النذر هذا التخصيص فكل ما كان في سبيل الله يجزي.
الجواب: من يقول: إن الأعمال الظاهرة شرط كمال واجب في الإيمان وليس بشرط صحة ليس مرجئاً، ومن يتهمه بالإرجاء يكون مبتدعاً، ويتهم عامة علماء الأمة بالإرجاء، ولا أعين أحداً، وممكن يكون متأولاً أو جاهلاً، لكن أنا أقول: إن اتهام من يقول بأن الأعمال الظاهرة شرط كمال واجب في الإيمان، وليس شرط صحة طالما وجد أصل الإيمان في القلب وعلى اللسان، فإن الذي بدَّعه ويقول عليه: مرجئ يكون هو المبتدع.
والإيمان المطلق معناه: الكامل، ومطلق الإيمان معناه: أصل الإيمان، والإيمان المطلق صاحبه يدخل الجنة لأول وهلة؛ لأنه كمل ما عليه، فأدى الواجبات وترك المحرمات، ومطلق الإيمان هو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وعنده أصل الإيمان لكن لا يخلد في النار.
الجواب: هذا الأمر ورد مرة عن الصحابة لما بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد عودتهم من غزوة انسحبوا منها، فقال لهم المسلمون: (أنتم الفرارون، فقال: بل أنتم الكرارون) فقبلوا يده، لكن لم يكن هذا الفعل عادة وسنة أن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عندما يرون النبي صلى الله عليه وسلم ينكبوا على يده، مع حبهم وتعظيمهم له أشد التعظيم، فمسألة أن تقبيل اليد يصبح سنة فهذا فيه غلو، لكن إذا وقعت نادراً فقد ثبتت أدلة تثبت ذلك كما قال: قبل زيد بن ثابت يد ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهذا لم يزل موجوداً لكن على سبيل الندرة لا على سبيل العادة، والله أعلى وأعلم.
الجواب: نعم، يجوز ذلك وليس ذلك بالمحدث من القول، لكنت ليست سنة راتبة أيضاً، فأنت لا تجد الصحابة يقولون دائماً: سيدنا أبو بكر سيدنا عمر ، وإنما يذكرون الكنية، لكن هل هذا الأمر يعد بدعة ضلالة؟ لا، ليس كذلك، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن سعد بن معاذ : (قوموا إلى سيدكم) . وقال: (لا تقولوا للمنافق سيداً؛ فإنه إن يك سيداً فقد أغضبتم ربكم)، فدل ذلك على أن من ليس بمنافق ولا بكافر وهو المسلم الذي لا يعرف عنه فسق يجوز أن يقال له سيد.
وأما مولانا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـزيد : (أنت أخونا ومولانا)، فالمولى لفظ يطلق على نحو عشرين معنى، منها عدة معاني صالحة للأخوة في الله، وهي: المحبة والقرب والتناصر على الدين، فهذه كلها معاني الموالاة الصحيحة، فليس هناك منع من ذلك، لكن كما ذكرنا أنها لا تصبح شعاراً بمعنى أنها تكرر مثل تقبيل اليد كما قلنا: لا ينكر مطلقاً ولا يغالي فيه، ولكن يحجم.
الجواب: نعم، ما فعلته هو الصواب، تصلي نافلة مع الجماعة، فإن أدركت ركعة صليت أربعاً، وإن أدركت أقل من ركعة صليت ركعتين.
الجواب: معجون الحلاقة وماكينات الحلاقة للحالقين لا يجوز بيعها؛ لأنهما تستعملان في المعصية.
الجواب: أي: يكفر عن يمينه ويأتي ما هو أتقى لله، كأن حلف على حاجة لا يعلمها، فقال: والله لن أذهب إلى أقربائي مرة أخرى، هل هو أتقى لله أنه لا يذهب إليهم أو أنه يذهب إليهم ليزورهم؟ يذهب إليهم ليزورهم، فيصل الرحم ، ويفعل التقوى ويكفر عن يمينه.
والحديث هو مرسل؛ لأن التابعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: لا، هذه الملابس لا تصلح للصلاة إلا أن يكون الذي أصابها رذاذ يسير لا يدرك، لكن إذا كان يدرك، فلابد أن تعد ثوباً للصلاة، وبالنسبة للمسجد لا بد أن تفرشه بشيء نظيف يمنع من هذه الأتربة المختلطة بالنجاسة، وهذه نجاسة لا بد من الحذر منها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (استنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه)، فالبول والغائط من هذا الباب، فهذا خطر، وهو من أسباب عذاب القبر والعياذ بالله! فتلبس ملابس نظيفة وتصلي فيها، تأخذها معك ووقت ما يأتي موعد الصلاة تخلع ملابس العمل وتصلي في الملابس النظيفة، والمسجد نفسه إذا كان فيه نجاسة فهذا أمر محرم لا بد أن تزال النجاسة من المسجد، وأقل شيء أنهم يفرشون شيئاً نظيفاً.
الجواب: هي مسألة خلافية، لكن الخلاف عندي غير سائغ، فهو خلاف ضعيف جداً؛ لأنه ثبت النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه قال: (هي واحدة) والحديث صحيح، وأئمة العلماء على ذلك، والأئمة الأربعة على وقوع الطلاق في الحيض، فعندنا لا يعرف عن أحد من السلف المتقدمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة أهل الإسلام خلاف في المسألة، وإنما الخلاف من شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم توهماً بفهم حديث مسلم أنه لم يعدها شيئاً، وهذا خطأ في فهم الحديث، فالمسألة عندي أنها لا يسوغ فيها الخلاف لصحة النص، والشيخ الألباني ذكر للحديث عشر طرق، الذي هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدها واحدة، أي: في طلاق ابن عمر في الحيض، فأنا لا أشك في وقوع الطلاق في الحيض وأرى الفتوى بخلافها فتوى باطلة مردودة.
الجواب: هذا من الميسر الذي يخدع به الناس؛ حيث يبيعون شيئاً وهمياً أو شيئاً لا قيمة له في الحقيقة بقيمة بالغة بناءً على احتمال ورود الأموال من المخدوعين الجدد، فيأتي بعض الناس يقول لك: نعمل عليها شركة، فأنت سوق لي (الكباية)، وكل شخص يأخذ شخصاً ويقول: ما رأيكم؟ نقعد نشتري بمائة دولار، وأنت لو بعت واحد في المائة من الكباية سنعطيك، وهكذا من هذا الكلام الفارغ الذي لا قيمة لها، والناس الذين يدخلون كلهم ليسوا داخلين من أجل أن يستفيدوا من الموقع، ولن يدخل أحد إلا من أجل أن يوضع اسمه على قائمة، ويأتيه الذين يسوق عندهم، وهو لا يسوق ولا شيء، وإنما هذا يخدعهم، فالبزناس هذا ميسر بلا شك وهو بيع وهمي، ولذلك أنا أقول: أن البزناس هذه أمر محرم غير جائز.
فإنه من بيع الاحتمال، وهذا ميسر، وهذا بيع غرر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر؛ لأنك لن تستفيد منه غالباً، وأنا أقول: إن اليهود وراء هذا الموضوع، فهذا بيع غرر بلا شك، والغرر الذي فيه هو: أنه يدفع في الحقيقة ويدخل في هذا الشيء من أجل احتمال أنه غيره سيعطيه وسيأخذ عمولة منه، فهذا بناء على هذا الاحتمال، وليس أن هناك سلعة مقصودة.
الجواب: إذا كنت تذاكر فليس هذا بعقوق، بل واجب عليك أن تحضر دروس العلم ولو من ورائهم، لكن واجب عليك أن تذاكر دروسك من أجل ترضيهم.
الجواب: لا، هو يأخذ غرفة بيمينه فيتمضمض ويستنشق منها، ثم يستنثر بالشمال، فهذا دلت عليه الأحاديث.
والحديث في صحيح مسلم ، والتكريم يكون لليمين، والشمال لما سوى ذلك، فالاستنثار مما سوى ذلك.
الجواب: العاقد إذا طلق امرأته ولم يدخل بها فقد بانت منه، فإذا أراد أن يرجع رجع بعقد جديد؛ لأنها بانت منه، وإذا طلق امرأته قبل الدخول وعقد عليها من جديد، ثم طلقها ثانياً قبل الدخول فعقد عليها من جديد، ثم طلقها ثالثاً بانت منه حتى تنكح زوجاً غيره، لكن إذا أرجعها بدون عقد جديد يصير العقد باطلاً، وبعض الناس يطلقها في شجار حصل بينهم، فينحرج أن يقول لأهلها فيقول لها: قولي لي: زوجتك نفسي فيقول لها: رجعتك انتهى، فيراجعها وممكن بعد مدة يطلقها، والطلقات التي وقعت بعد هذا وقعت في غير زواج، فهي ليست امرأته فهو قد طلق أجنبية فلا تحسب.
الجواب: يستدل على هذا بعموم فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى عند القيام في الصلاة، وهذا قيام، فالسنة إن شاء الله وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع، وهذا فيه خلاف سائغ.
الجواب: من سب الدين عليه أن يتشهد، وأما الغسل فإذا كان قد أجنب حال ردته فلا بد أن يغتسل، وحتى لو اغتسل دون أن يتشهد لم يجزه الغسل حتى يتشهد ثم يغتسل، والله أعلم.
وأما إذا لم يكن أجنب وتاب من ساعته لم يلزمه إلا الشهادة على الصحيح، والأحوط أن يغتسل على أي حال خروجاً من الخلاف في المسألة؛ لأن بعض العلماء يقول: الاغتسال واجب للإسلام مطلقاً سواء أجنب حال كفره أو لم يجنب.
أما من يقول لفظاً شركياً أو كفرياً، فهذا الكلام لا بد من النظر فيه هل هذا شرك مخرج من الملة أم لا؟ وهل توفرت الشروط وانتفت الموانع أم لا؟ فإذا ثبتت ردته فإنه يتشهد ويغتسل كما ذكرنا.
وأما من لا يصلي فإذا كان تاركاً للصلاة جاحداً لوجوبها فهذا خروج من الملة فعلاً، وكان ناشئاً وسط أهل الإسلام كبلادنا مثلاً وغيرها من بلاد المسلمين التي انتشر فيها علم وجوب الصلاة، فإذا كان كذلك كان جاحداً بأن يقول: الصلاة ليست فرضاً، فهذا خرج من الملة ، فعليه أن يتشهد ويقول الصلاة فرض.
وأما إذا كان تركها تكاسلاً فهذا فيه قولان للعلماء أرجحهما وهو قول جمهور العلماء: أنه لا يكفر كفراً ناقلاً عن الملة، فهو كافر كفر دون كفر، كفر لا يخرجه عن ملة الإسلام؛ لذا لا يحتاج إلى الشهادة مرة أخرى.
الجواب: إن شاء الله ما تأليت على الله، وهذه ليست متصورة فقط إلا في المنافق، فقد يكون شخص منافق نفاقاً أكبر يصلي، يبقى: ممكن واحد لا يصلي تكاسلاً، وفي قلبه أصل الإيمان، فيكون أفضل من المنافق، لكن غير ذلك قطعاً لا يتصور يعني: الزاني والسارق والقاتل وشارب الخمر الذي يصلي أهون شراً من الذي لا يفعل ذلك ولا يصلي، وترك الصلاة أغلظ باتفاق أهل العلم من كل الكبائر.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ولا تهنوا ولا تحزنوا للشيخ :
https://audio.islamweb.net