إسلام ويب

لا يزال المؤمن مع ربه تبارك وتعالى في ارتباط واتصال، يرى بين كل وقت وآخر قدرته وحكمته، وتحقق وعده، والمؤمن مع ربه تعالى في وعوده تجاهه بين شد وجذب في الظاهر، فقد يلمح نصر ربه ويتيقن تحقق وعده فيزداد به ارتباطاً ويقيناً ومنه قرباً، وقد يبتعد نصر الله وتختفي من الكون الأمارات على تحقق وعده فهو في هذه الحال بين طريقين: إما أن يضطرب ويتشكك ويضعف إيمانه فيبوء بالخسران المبين، وإما أن يزداد به إيماناً ويقيناً، ويرى مواطن الخلل والضعف فيعالجها، ولسان حاله كما قال سبحانه عن أهل الإيمان: (( هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا )).

الوعد الحق

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الحمد الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، الحمد لله صادق الوعد لا يخلف الميعاد، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].

الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين في هذه الدنيا بالنصر والتمكين، ووعدهم في الآخرة بالرضوان والجنان بفضله، فهو الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى.

قد يبدو للناظر المتأمل في أحوال أهل الأرض عندما يرى تسلط أعداء الله سبحانه وتعالى عليهم، قد يبدو له تأخر وعد الله عز وجل، ولكن المؤمن دائماً يرى ما أراه الله سبحانه وتعالى في كتابه، وما أراه الله عز وجل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من أنه صادق الوعد سبحانه وتعالى، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه الجامع: (أنت الحق ووعدك الحق) ولا بد أن يشهد المؤمن هذا المعنى إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [يونس:55] يشهده كما أشهده الله سبحانه وتعالى لأم موسى حين رده إليها كي تقر عينها ولا تحزن، قال الله تعالى: وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص:13].

فالله سبحانه وتعالى وعده في الدنيا ووعده في الآخرة حق لا يخلف كما قال سبحانه وتعالى فيما وعد به المؤمنين: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].

تحقق وعد الله في الابتلاءات والمحن

يشهد المؤمن عندما يقع في أنواع المحن والابتلاء أنه إنما هو من وعد الله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22].

فكان هذا هو وعد الله عز وجل لهم، كما قال الله تعالى: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ .

مع أنه كان بالابتلاء والمحنة، وبهجوم الأعداء ومحاصرتهم للمدينة المنورة المشرفة، وأوشكوا فيما يبدو للناظرين إذا لم يوقنوا بوعد الله أوشكوا أن يستأصلوا الإسلام وأهله، ولكن كان هذا هو وعد الله الذي ذكر في قوله سبحانه وتعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

تخطر الخواطر في القلوب، وتأتي الواردات عليها وتتفاوت في قوتها وضعفها حين تشتد المحن على أهل الإيمان، وأهل الإيمان يرون في المحن وعد الله سبحانه وتعالى الذي لا يخلف، وهو وعد لهم بأنهم يزدادون في المحن إيماناً وتسليماً، ويزدادون إيماناً بمزيد حب الله الذي يفيضه عليهم، وبمزيد التصديق بأمره سبحانه، والانقياد لحكمه، وبمزيد التصديق بسننه سبحانه وتعالى التي أخبر بها، ويزدادون رجاءً في فضله، ويزدادون خوفاً منه، وتنقطع قلوبهم إلا من التوكل عليه سبحانه وتعالى، وعن الأسباب كلها إلا من التوكل عليه، لذا كان وعداً لهم بفضله ورحمته مع أنه فيما يبدو للناظرين أمر مؤلم ومخوف، وضرر يحيط بهم فيما ينظر الناظر، ولكنه وعد الله سبحانه قدره ليرقيهم في منازل العبودية منزلة بعد منزلة، ثم تكون لهم العاقبة، كما قالها هرقل عندما سأل أبا سفيان عن النبي عليه الصلاة والسلام: قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ فقال: سجال، يدال علينا مرة، وندال عليه مرة، قال: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة، قال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].

كلمة سابقة، ونعمة من الله سابغة على أوليائه الصالحين، وعباده المؤمنين أتباع الأنبياء والمرسلين، لا يزال وعده يتحقق لهم، قال عز وجل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41].

فالله سبحانه وتعالى ينقصها من حول الكفار من أطرافها، ولا يزال ينتشر الإسلام فيها مدة بعد مدة، ويدخل في دين الله أفراد بعد أفراد، ثم أمم وجماعات بعد جماعات، ولا يستطيع الكفار مهما بذلوا من جهد أن يمنعوا ذلك الأمر، فهو أمر الله عز وجل، بل قلوبهم يائسة من استئصال الإسلام يوم أن تم هذا الدين، كما قال عز وجل: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

فأنت ترى في قول الله عز وجل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد:41] ومثلها من الآيات في هذا المعنى نزلت بمكة، والإسلام محاصر، والمسلمون مضطهدون، ومع ذلك ومع كل البذل الذي يبذله الكفار والنفقة التي ينفقونها ليصدوا بها عن سبيل الله فالإسلام ينتشر، تجد هذا المعنى كذلك عندما يجتمع على أهل الحق من أهل الإسلام من بأقطار الأرض، ومع ذلك يظلون على الحق ظاهرين، ومع ذلك يعلي الله سبحانه وتعالى بفضله كلمة الحق والدين، ومع ذلك يدخل الناس في دين الله سبحانه وتعالى؛ لأنه حكم ولا معقب لحكمه أن كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، والله عزيز حكيم.

تسمع في وسط اجتماع أقطار أهل الأرض على أهل الإسلام: أن الإسلام في يومنا هذا وفي زماننا هذا هو أسرع الأديان انتشاراً في عقر ديار الكفار، وترى رغم الاضطهاد والأذى الذي يتعرض له المسلمون، وما يتعرضون له من إبادات في مشارق الأرض ومغاربها، ومع ذلك ترى كثيراً منهم يدفعه ذلك إلى مزيد الالتزام بالدين بفضله سبحانه وتعالى مقلب القلوب، فهو سبحانه وتعالى الذي سبقت منه الكلمة التي كتبها في اللوح المحفوظ ثم أنزلها في كتبه المنزلة في الزبر: أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105].

هذا وعد الله الذي يجب أن يوقن به أهل الإيمان، وما أحوجنا أن نكرر هذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي عليه الصلاة والسلام، حتى نوقن بهذا الأمر وإن تفاوتت في أنظار الناس الموازين، وإن رأوا أن الكفر يزداد قوة أو أن الظلم والعدوان يزداد انتشاراً، لا والله! إنه لفي مراحله الأخيرة التي يلفظ فيها أنفاسه وينتفش انتفاشة مؤقتة، كما أخبر الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].

جمع الله في هذه الآية وعد الدنيا ووعد الآخرة، فلابد أن يتحسر الكفار على ما ينفقون من أموال ليصدوا عن سبيل الله، ولابد أن يغلبوا بعد ذلك، وهذا وعد الدنيا، ثم يحشرون إلى جهنم، وهذا وعد الآخرة، قدر الله ذلك ليميز الخبيث من الطيب، قال عز وجل: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ [الأنفال:37-38].

هذه سنة الله الماضية التي لا تخلف، ولا يخلف وعده سبحانه وتعالى، أنت الحق ووعدك الحق سبحانك وبحمدك.

قال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152].

فالله صدق وعده في كل المواجهات التي وقعت بين المسلمين وبين أعدائهم، حتى فيما هزموا فيه كان صادق الوعد، وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، صدقهم الله وعده حين أطاعوا الله، وحين خالفوا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وتنازعوا وعصوا من بعد ما أراهم ما يحبون من النصر، كان وعده عز وجل لهم أيضاً خيراً لهم لا شراً لهم، كان مصلحة في حقيقة الأمر أن يهزم المسلمون ليعرفوا عاقبة المعصية، ولو أن الله نصر المسلمين على حالهم تلك لظنوا أن النصر بأيديهم، أو أن لهم منزلة لا يمكن أن تتغير عند ربهم، فيظنون بأنفسهم ما لا ينبغي لها، يظنون بأنفسهم إجلالاً وقدراً لا يستحقونه، فكان من وعد الله لهم أن نقاهم ومحصهم وهذبهم وغفر ذنوبهم، ورفع قدرهم، واتخذ منهم شهداء، فهذا فضله سبحانه وتعالى بوعده الصادق، كان وعداً منه سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين حتى بالبلاء والهزيمة، وكان خيراً عظيماً، كما قال عز وجل في قصة الإفك: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11].

الابتلاء رفعة للمؤمنين وسفول وانحطاط للعاصين

لو تأملنا قدر الألم الذي تألمته عائشة رضي الله عنها، وتألمه أبو بكر أبوها رضي الله تعالى عنه، وأمها، وقدر الألم الذي تألمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يسمع الأذى يصل إليه في أهل بيته، ويتهم في عرضه عليه الصلاة والسلام، ويتكلم حتى أناس من خلصاء أصحابه ممن هاجروا في سبيل الله، ممن ينافح عن دين الله، ممن يدعو لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتأييد من الله، إذا بهم يقعون في عرضه عليه الصلاة والسلام.

ثم تأمل عاقبة الأمر لتعلم كيف ارتفعت عائشة رضي الله عنها إلى منزلة عظيمة لم تكن لتبلغها إلا بما وقع لها، فصار يقال عنها كلما ذكرت: الصديقة بنت الصديق ، المبرأة من فوق سبع سموات، وصار ما كان بالمجتمع المسلم طهارة لهم ورحمة من الله سبحانه وتعالى.

وهكذا في كل ما يصيب المسلمين من بلاء يجعله الله عز وجل كفارة وطهوراً، وتعديلاً لمسارهم حتى يدركوا ما ينبغي أن يعملوه، وينتبهوا لعيوب أنفسهم، ويتطهروا منها، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، يقدر الله سبحانه وتعالى من أنواع المحن ما تتطهر به نفوس المؤمنين، ما تستبصر به قلوبهم، وتستنير به صدورهم في طريقهم إلى الله سبحانه وتعالى، ثم يأتي بعد ذلك وعد الله الحق الذي لا يخلف في نصرة المؤمنين، وفي هزيمة الكفرة والمنافقين، وفي عز من أطاع الله وفي ذل من عصاه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم).

وقال الحسن رحمه الله تعالى: (هم والله! وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لفي رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه)، وأنت ترى هذا والله ظاهراً جلياً فيمن يعصي الله عز وجل، ومن يشاقق أمره سبحانه وتعالى، ويشاقق رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، يوليه الله سبحانه وتعالى أنواع الذل والهوان والعذاب المهين، ثم يجعل له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً، وتأمل في عاقبة إبليس حين تكبر فصغر وأهبط عكس قصده؛ لأنه أبى أن يطيع الله، قال تعالى: أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34] فجعل الله عاقبته إلى صغار، وهوان، وذل، وانحطاط وإهباط من المنازل العالية التي كان فيها، فاعتبر بهذا في كل ما يقع، وأيقن بأن وعد الله حق كما أخبر سبحانه وتعالى مبشراً عباده المؤمنين بعد أن أمرهم بقتال أعدائهم ووعدهم النصر على ذلك، فقال تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:29-33].

فوعده حق سبحانه وتعالى لا يخلف، ولابد أن نوقن بذلك؛ لأن هذا اليقين هو الذي يدفع أهل الإيمان إلى الصبر والاحتساب، وإن رأوا موازين الدنيا كلها في الكفة الأخرى فإنهم يصبرون ويثبتون ليقينهم بأن وعد الله حق، وإنما تنال الإمامة في الدين بالصبر واليقين، كما قال ربنا سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24].

تكرار مشاهد تحقق وعد الله تعالى

وعد الله سبحانه وتعالى تجده في الأمم، وتجده في الآفاق، وتجده في خاصة نفسك، تجد وعد الله عز وجل لك بأنواع الإنعام، وأنواع الفضل والرحمة كلما أطعت الله، وتجد أنواع الألم والشقاء والعنت، وتجد أنواع النكد، وإن كانت الدنيا كلها في يديك إذا عصيت الله عز وجل، مصداقاً لوعد الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:123-127].

وانظر حولك لتجد هذه الحقيقة متكررة في كل من ترى، وتذكر لحظات الرحيل لتعرف مآل الظالمين، لتعرف ما كان من أمرهم في نهاية المطاف حتى لا تغرك لحظات القوة الزائفة، ولحظات السلطان المؤقت، قال الله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:93-94].

هذا وعد الله في الدنيا، ووعد الله في الآخرة تجده في هذه الآيات أيضاً فأيقن به، وتأكد من أنه واقع لا محالة، وأنه قد كتبه الله، قال الله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].

هكذا أخبر الله سبحانه وتعالى، ووعد المرسلين، ووعد عباده المؤمنين، فلابد أن نوقن بوعد الله لكي نحب في الله، ونبغض في الله، ولكي نصبر على ما ابتلانا الله عز وجل، ونصبر على طاعته، ونصبر عن معصيته، ولا نوافق أعداءه، ولا نرضى بضلالهم وكفرهم حتى يأذن الله عز وجل بالفرج من عنده سبحانه وتعالى، والمبشرات أكثر من أن تحصى بفضل الله، وهي كلها من كتاب الله، ثم من واقع حال الأمم، ثم من واقع حالنا بفضله سبحانه وتعالى، والله عز وجل يؤيد أولياءه بنصر من عنده، ويعلي كلمتهم، وقدرهم، ومنزلتهم، ويقدر لهم أنواع الخيرات، ويقدر لهم أنواع النعم المختلفة في السراء والضراء، ويمن عليهم بفضله عز وجل، نسأل الله عز وجل رحمته وفضله فإنه لا يملكها إلا هو.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

تحقق وعد الله في الآخرة

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

أما بعد:

فعن وعد الله عز وجل في الآخرة اسمع آيات الله سبحانه وتعالى المخبرة عما يقع للظالمين، وعما يقع للمؤمنين، وعما يقع لأعدائه أعداء الدين، الذي أشركوا بالله وصدوا عن سبيله وهم بالآخرة هم كافرون، قال سبحانه وتعالى: قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ * وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:38-51].

نعوذ بالله من ذلك، وقال سبحانه وتعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:71-75].

فالله سبحانه وتعالى ينزل كل إنسان منزلته، ويعطي كل إنسان حقه، ويعتدل الميزان بمثاقيل الذر يوم القيامة، كما قال تعالى: لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17]، يوم لا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتى الله بها وكفى به حاسباً سبحانه وتعالى.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقاد من الشاة القرناء للشاة الجلحاء)، فالله يقضي يوم القيامة بحكمه الجزائي بين خلقه جميعاً، ويوصل كل حق إلى صاحبه فلا يظلم، ولو كان من أهل النار وله مظلمة عند أحد من أهل الجنة فلا ينبغي أن يدخل أهل الجنة الجنة ولأحد من أهل النار عندهم مظلمة، بل لابد أن يعطى حقه من المؤمن، ولو كان الكافر مخلداً في النار والمؤمن مآله إلى الجنة، لكن لابد أن تؤدى الحقوق إلى أهلها، وهذا وعده سبحانه وتعالى الذي لا يخلف، وهو الذي يراه المؤمنون ويشهدونه ويجدونه في أنفسهم، ويجدونه عند ربهم سبحانه وتعالى، ويحمدون الله عز وجل أعظم حمد عندهم، وأقصى ما يقدرون عليه من الحمد، وما يوفقهم الله له على حسب منازلهم: أن صدقهم وعده، وأورثهم الأرض يتبوءون من الجنة حيث شاءوا، فهذا فضله سبحانه وتعالى.

فإذا شهد العباد أن وعد الله حق، أن وعده الحق سبحانه وتعالى عملوا لهذا اليوم، وعملوا للقاء الله سبحانه وتعالى، وصغرت الدنيا في قلوبهم وفي أعينهم، فجعلوها تحت أرجلهم، ولم يجعلوها فوق رءوسهم، ووالوا أولياء الله، وعادوا أعداءه، وأحبوا في الله، وأبغضوا في الله، حتى تتوثق عرى الإيمان في قلوبهم.

إن الإيمان بأن وعد الله حق يشمل وعده في الدنيا ووعده في الآخرة، وكلاهما الإيمان به ضروري للمؤمن في كل مراحل حياته، وفي أنواع أخلاقه وسلوكه، ومن أيقن بوعد الله سبحانه وتعالى ووعيده عمل الطاعات، وترك المنكرات، وأحب أهل طاعة الله، وأبغض أهل معصية الله، نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، ونج المستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

اللهم انصرنا على من عادانا، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.

اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا.

اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.

اللهم اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، لك مطواعين، لك رهابين لك مخبتين، إليك أواهين منيبين، تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا وثبت حجتنا، وأجب دعوتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، وأذهب سخائم صدرونا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإن أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم إنا نسألك الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم إنا نسألك من الخير ما سألك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم، ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , خطبة الجمعة الأولى من شعبان 1424ه للشيخ :

https://audio.islamweb.net