أما بعــد:
فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
معاشر المؤمنين! في هذا الزمان اختلطت كثير من المفاهيم، وانتكست كثير من الفطر، وانقلبت كثير من التصورات فأصبح الكبير صغيراً، وأصبح الحقير عظيماً، وأصبح شيء من المعروف منكراً، وأصبحت أنواع من المنكر معروفة، وكما قال صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: (وعظنا نبينا صلى الله عليه وسلم ذات يوم موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع! -كأنك تودعنا، كأنك تشير إلى فراقنا، أو إلى قرب رحيلك عنا- فأوصنا، فقال صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ -إلى أن قال بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم-: فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً).
وما أعظم الهوة بين عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين واقع المسلمين في هذا الزمان، بل لو خرج صحابي أو تابعي ورأى ما عليه المسلمون اليوم لأنكر ما يراه من كثير من المسلمين، صدق صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستلقون بعدي أثرة -أي: اختصاصاً بالمشاء والمباح- فقال الصحابة: ما نصنع يا رسول الله؟! فوجههم وأرشدهم بالثبات إلى أن يلقوه على الحوض) صلى الله عليه وسلم.
عباد الله! أسوق هذا لأني رأيت تبايناً واختلافاً في كثير من المفاهيم والأطروحات في هذا الزمان، ولأجل ذلك ترى العقيدة النقية نادرة غريبة فريدة جداً، وإن كنا قد من الله علينا بفضل منه ورحمة وعناية ونعمة أن ظهر في أرضنا إمام الدعوة المجدد محمد بن عبد الوهاب نور الله ضريحه، فرأى الناس وما هم عليه من عبادة للقبور وتعظيم لها وتجصيص لها وإيقاف الأوقاف عليها وتحبيس الأوقاف عليها، ورأى أيضاً اعتقاد كثير من الجهلة والضلال بركة أصحاب القبور أو بركة العبادة عند القبور فأنكر هذا وحاربه ووقف في مواجهته وانقلبت عليه كثير من القبائل، ووقفت في طريق دعوته أمم شتى ومع ذلك فمن كان برهانه كتاب الله ومن كان دليله سنة رسول الله فهو على الحق ولو كان وحده، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: [الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك].
أيها الأحبة في الله! مسألة القبور شأنها عظيم جداً، وقد يقول قائل: في هذا الوقت الذي سهرت فيه كثير من وكالات التلفاز لنقل أخبار رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وسهرت لأجلها إلى الثالثة ليلاً.. إلى الثامنة صباحاً، في هذا الوقت الذي تناقلت وكالات الأنباء ووكالات التلفزة والأقمار الصناعية وقلوبها تبلغ حناجرها وأفئدتها مضطربة لتنقل أحوال الانتخابات، في هذا الوقت تأتي لتحدثنا عن القبور ورفعها، وحرمة التشييد والبناء حولها.
أقول: والله ما قادنا إلى ذلك إلا غفلتنا عن أصول العقيدة، وجهلنا بحقائقها ومهماتها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نزل الموت برسول الله صلى الله عليه وسلم وحل الأجل ووصلت لحظة الفراق بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل أو طفق يطرح خميصة على وجهه، فإذا اغتم كشفها فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا.
انظروا أيها الأحبة: أي نصيحة وأي وصية تحتاجها الأمة ونبيها وإمامها وقائدها يعالج سكرات الموت وفي ساعة الأجل وفي ساعة الفراق لم ينبهم إلى الاقتصاد ولم يتكلم في تلك الساعة عن أمر من الأمور إلا عن أهم الأمور وهي مسألة التوحيد ومسألة العقيدة وتحقيق العبودية والتوجه إلى الله، فقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا، أي: حتى لا يجعل قبره صلى الله عليه وسلم مسجداً فيعبده المسلمون، أو يطوفوا به، أو يتوسلوا به، أو يتعلقوا به، أو يتعلقوا بجاهه، أو يرجوا بركة ضريح القبر ومكانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعبد العباد لربه، ولأجل ذلك وجه الأمة إلى ما يحقق هذه العبودية.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مثل ذلك، وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال الراوي أو المعلق: ولولا ذلك لأبرز قبره صلى الله عليه وسلم، ولكنه خشي أن يكون مسجداً.
فأين هذا من طاغوت الصوفية ومنحرف الضلالة ذلك الذي يزعم أن بقعة قبر النبي أفضل من بقعة الكعبة، وذلك الذي يزعم أن ليلة المولد أفضل من ليلة القدر، وذلك الذي يزعم أن التبرك بقبر النبي والدعاء والتمسح والتوسل عنده من مظنات الإجابة، فلا حول ولا قوة إلا بالله!
أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد)، وأخرج أحمد وأهل السنن من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)، وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج وغيره قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع تمثالاً ألا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) وفي صحيح مسلم عن ثمامة نحو ذلك.
بل والله إن الموحد الذي يرى ويدرك صفاء التوحيد في قلبه من إذا رأى وثناً انقبضت نفسه وتغير وجهه وتكدر حاله وأصابه من الرعب وأصابه من الخوف داخل نفسه ما يمقت به هذه الصورة المنحوتة؛ كل ذلك لأن فيها شركاً صراحاً، أو فيها ما ينافي كمال التوحيد ويكون ذريعة إلى الشرك.
أيها الأحبة! بهذه النصوص التي سمعتموها أعظم دلالة على أن تسوية كل قبر مشرف بحيث إذا ارتفع القبر عن الحد المشروع فإن تسويته واجبة متحتمة، ومن إشراف القبور وارتفاعها أن يرفع سمكها أو يجعل عليها القباب أو المساجد فإن ذلك من المنهي عنه بلا شك ولا شبهة، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعثه وانتدبه وأرسله لهذه المهمة وقال: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تدع تمثالاً إلا طمسته).
ثم إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أيضاً عمل بما أوصاه به النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل أبا الهياج الأسدي في أيام خلافة علي قال: [ألا أبعثك على ما بعثني عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم؟] فكان الجواب الحالي: أن نعم، وأتشرف بهذه المهمة، فأرسله وندبه إلى هذا.
أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه النسائي وابن حبان من حديث جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، أو يبنى عليه، أو يوطأ) وزاد هؤلاء المخرجون لهذا الحديث عن مسلم زادوا: ( أو يكتب عليه ) قال الحاكم : النهي عن الكتابة على شرط مسلم ، وهي صحيحة غريبة. ويدخل في هذا أيضاً البناء على جنبات القبر.
أيها الأحبة! إني يوم أن أسوق هذا بحمد الله ما رأيت في بلادنا هذه قبراً يعبد، وما رأيت ضريحاً يطاف به، ولكني أخشى أن يتساهل الناس بأمر المقابر، بل وربما تناقل البعض أن بعض العامة جهلاً وبعض المنحرفة فساداً ربما بدءوا رويداً رويداً بجعل ألواح من الرخام فينقشون عليها اسم الميت وتاريخ وفاته وشيئاً من أمره، وربما جاء بعد ذلك جيل يكبرون لوحة الرخام فينقشون عليها شيئاً من مناقبه ومآثره، وربما جاء بعد ذلك من جاء ليكتب حتى يصبح الأمر طريقاً وذريعة إلى البناء المحرم والمنهي عنه.
وإن هذا -أيها الأحبة- من أعظم الأمور؛ لأن من شرب الخمر أو زنى وهو يعلم أنه في معصية يعلم أنه في مخالفة لأمر الله وفي عصيان لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يلبث أن يعود، لكن الذي ينقش على الرخام عند القبور ويزينها ويهتم بها ربما تعلق واقتنع واستحسن فعله هذا، وربما تعبد الله بهذا، ولأجل ذلك فإن من واجبنا أن نهتم بهذه المسألة وألا نتساهل بها، بل من واجب الشباب؛ ومن واجب الأغيار؛ ومن واجب العلماء؛ ومن واجب طلبة العلم، أن يبعثوا الثقات والمخلصين بين الفينة والفينة ليروا أحوال المقابر فما رأوا فيها من قبر منقوش عليه أزالوه، وما رأوا فيها من قبر مشرف إلا وسووه، وما رأوا فيها بدعة أو بلية من أصناف هذا الأمر إلا بلغوا بها وكان لهم ولهم بإذن الله سلطان على إزالتها، في أي بقعة وفي أي مكان.
وإني أردد وأقول: لعل من أعظم أسباب سلامة هذه البقعة.. سلامتها من الشرك.. سلامتها من الوثنية.. سلامتها من شرك القبور.. سلامتها من شرك الأضرحة.. سلامتها من شرك الأصنام، فإن تساهلنا في ذلك والله ثم والله لا فرق بيننا وبين سائر الأمم التي حل بها الخسف، وحل بها البلاء والعقوبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يجد من نفسه بعد موته لأحد من البشر نفعاً أو ضراً لنفع بذلك حبيبته فاطمة ابنته رضي الله عنها، قال صلى الله عليه وسلم: (يا فاطمة بنت محمد ! لا أغني عنك من الله شيئاً) ولو كان يغني عنها من الله شيئاً لقال: يا فاطمة ! إذا نزلت بك النازلة، أو حلت بك البلية، فاستغيثي بي أو توسلي بي أو اسأليني أو استشفعي بي أو تعلقي بي فإني أنفعك في قبري، وأنفعك بعد موتي، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يتبرأ من نفعه لنفسه فيقول: (لا أملك لنفسي نفعاً) يقوله صلى الله عليه وسلم، يقول: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً [الأعراف:188] ويقول لابنته سيدة نساء أهل الجنة يقول لها: (لا أملك لك من الله شيئاً) فإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم في نفسه وفي أخص قرابته فما ظنك بسائر الأموات الذين لم يكونوا أنبياء معصومين ولا رسلاً مرسلين، بل غاية ما عند أحدهم أنه فرد من أفراد هذه الأمة وواحد من أفراد هذه الملة الإسلامية فهو أعجز وأعجز من أن ينفع أو يدفع عن نفسه الضرر، وكيف لا يعجز عن شيء عجز عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أمته بذلك كما أخبر الله عنه، وأمره الله أن يقول لأمته: إني قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً [الأعراف:188] حتى تتعلق الأمة بالله، حتى يتحقق التوحيد لله، حتى يتجرد القصد لوجه الله، حتى لا تكون في النفس أدنى وشيجة أو أدنى صغيرة يتعلق فيها العبد بواسطة بشر من البشر في طريق توجهه إلى الله.
فيا عجباً كيف يصنع من له أدنى نصيب من علم أو أقل حظ من عرفان حتى ينفعه أو يضره فرد من أفراد أمة النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه لا أنفع، ويقول لابنته: (لا أملك لك من الله شيئاً).
والحال -أيها الأحبة- إذا علمت هذا كله أدركت ضلال أولئك الذين وقعوا في ذلك، بل هل سمعت بضلال عقول أكبر من هذا الضلال؟! وهل سمعت بجهل أعظم من هذا الجهل؟!
أيها الأحبة! إن أولئك الذين يترددون على القبور ويزورون هذه الأضرحة ويتبركون بها أو يعتقدون ببركة أصحابها يقع ويحصل الشرك لأحدهم لأول وهلة رأى فيها ذلك القبر على صورة من الجمال والتزيين، بل عند أول زيارة إذ أنه يخطر بباله أن صاحب هذا القبر ترجى منه فوائد دنيوية أو فوائد أخروية، ثم بعد ذلك يكمل هذا الأمر ويبهرج هذا الباطل ويزخرف هذا الخداع والشرك سدنة الأضرحة وخدام القبور الذين يأتون ويخدعون العامة فيقولون: إن صاحب القبر قد جرت له من الكرامة ما كان لفلان الذي كان أعمى أو كان كفيفاً لا يبصر، فجاء ثم نحر قربانه عند القبر ثم سأل مخلصاً صاحب القبر فما خرج من هذا الضريح إلا وقد رد عليه بصره، ويكذبون ويفترون الأكاذيب والأباطيل وما أكثر ما سمع هذا عند كثير من الجهلة بل وفي كثير من بلدان المسلمين، إنا لله وإنا إليه راجعون.
واعلموا -أيها الأحبة- أن هذه طريقة خبيثة بل حيل ومكر وتقليب من أجل تحقيق أمرين: الأمر الأول المكابرة والعناد والإمعان في تحقيق الكفر والشرك، الأمر الثاني: خداع العوام والجهلة.
ولأجل ذلك ترى في بعض البقاع يوم أن ترى موقعاً من مواقع الأضرحة مدخلاً بزخرفة وأشكال مهيبة وغريبة، ثم على اليمين من يستلم القرابين ويأخذها وعلى اليسار من يأخذ النذور والأوقاف والصدقات، وفي المقدمة مطوف يطوف بالزائر عند القبر وفي المؤخر من يحدثك بدموع التماسيح والبكاء للزائر، ثم يكلمك عن كرامات هذا القبر، فيخرج الزائر وقد أشرك وكفر بالله من حيث يدري أو لا يدري، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا فقال: إن أولئك الجهلة لا يعلمون أن أصحاب القبور فيهم من يعذب عذاباً لا يسمعه الثقلان الجن والأنس، ويسمعه غيرهم من الدواب والبهائم، فإذا جاءوا بالدواب إلى مقام يعذب صاحبه سمع لها الصهيل والرغاء والخوار فظنوا أن حركتها من بركة صاحب هذا القبر، والصحيح أنها سمعت من عذاب صاحب القبر ما خفي وما لم يدركه أولئك الجهلة. فانظروا أنواع التضليل وأنواع الزيف والخداع، بل ومن المؤسف حقاً أن تجد من الأثرياء وأرباب الأموال الطائلة من يوقف الأوقاف العظيمة ويجعلها ريعاً على هذا القبر وعلى سدنته وعلى خدامه، ومع ذلك تجد أولئك يسمون أنفسهم ويعدون أنفسهم في عداد الدول الإسلامية الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41] أقوام تمكنوا من رقاب العباد، ومن خيرات البلاد، ثم يقرون القبور والأضرحة، ويسكتون عليها ويرونها تعبد من دون الله، فأي ضلال أعظم من هذا، نعوذ بالله من الخذلان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعــد:
فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.
بل هناك أمور لا يسألها بعضهم من الله بل يسألها من صاحب القبر في ظنه أن مثل هذه لا يقدر عليها إلا صاحب القبر وربما أن الله لا يقدر عليها! تعالى الله عما يقول الظالمون! بل يقول الشعراني وهو من طواغيت الصوفية من طواغيت الحلولية من طواغيت الاتحاد، يقول الشعراني: إنهم يتحكمون في الرب ويقهرونه. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وهذه عقيدة الصوفية الوثنية في كل أوليائهم من الجاهلية الأولى والثانية يسميها لهم الشيطان في كل وقت بأسماء يخدعهم بها ويروجها عليهم لأنهم مقلدون تقليداً أعمى لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
والمصيبة أنه يتحدث ليزعم أن في سياسات العرب وأن في رجالات العرب من النكتة ومن الطرافة ومن ومن، الأمر الذي جرأه على الله، فقال في واحدة من صفحات الكتاب، يروى ويسوق هذا استهزاء وسخرية بالله، ولو قيل له: أكتب حكاية ملك من الملوك، أو اكتب رواية عن رئيس من الرؤساء أو اكتب قصة ضاحكة طريفة فيها سخرية بوزير من الوزراء لمات في مكانه وارتعدت فرائصه ولكنه يروي نكتة عن من؟ عن الله جل وعلا، عن الله رب العالمين الذي خلقنا من العدم، أيليق هذا؟ أيطبع هذا؟ أيدخل هذا الكتاب؟ إني لا أفترض أن الرقيب شمس مشرقة تطلع على كل شيء ولكني أقول الآن تقوم الحجة وقد وقع الكتاب في أيدينا وعرفنا مؤلفه أن يصادر الكتاب من الأسواق وأن يمنع المؤلف من الكتابة في كافة الجرائد والصحف والمجلات، وأن يدفع أو يرد منه كل شيء يقدمه إلى هذه البلاد عبر أي وسيلة، والله إني أتردد في سياق هذا وذكره يقول الخبيث: إن جبريل عليه السلام جاء مع رؤساء الدول العربية وأخذ يعرفهم على الله واحداً واحداً، أهذا يقال عن الله؟! هل تخفى على الله خافية؟! ربنا الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء يسخر هذا الكاتب ويقول: إن جبريل جاء بالرؤساء يعرفهم على الله واحداً واحداً، ثم يقول: إن الله يقوم عن عرشه ويصافح هؤلاء الرؤساء! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!
يا رب! يا رب! إنا نبرأ إليك مما قالوا ونبرأ إليك مما فعلوا، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
يقول: ولما جاء دور الرئيس جمال عبد الناصر ليصافح الله قعد الله على عرشه ولم يصافحه، فهمس جبريل في أذن الله وقال: أما تعلم أن هذا زعيم الرؤساء فلماذا لم تقم له؟ فزعم أن الله قال: خشيت أن يأخذ عرشي مني. والله إن الكتاب موجود، وإن هذا موجود يا عباد الله، سبحانك هذا بهتان عظيم، سبحانك هذا بهتان عظيم، سبحانك هذا بهتان عظيم.
أيها الأحبة! إن أمور العقيدة في خطر، إن التساهل في أمور العقيدة خطير جداً، فلا بد أن نكون على غيرة لذات الله سبحانه وتعالى، أيسب خالقنا؟ أيهزأ بربنا؟ أيسخر بمولانا؟ أيقال هذا في بلادنا؟ أينشر هذا في كتاب يدخل عندنا؟! إنا لله وإنا إليه راجعون! إنا لله وإنا إليه راجعون! إنا لله وإنا إليه راجعون!
وإني أيها الأحبة أسوق هذا وكلي أمل ولا عذر لمسئول يسمع هذا ثم يقصر عن إجراء أقصى عقوبة يستطيعها؛ لأن الكاتب عراقي الأصل وليس من أهل هذه البلاد، ويسكن في لندن .
فواجبنا أيها الأحبة أن نلتفت إلى أمر العقيدة وأن نهتم لأمر العقيدة، في الدعايات تقول دعاية من الدعايات: كما تغلف الطبيعة هذه الثمرة فإننا نغلف هذه المادة الغذائية.. الطبيعة تغلف.. الطبيعة تعطي.. الجماد يخلق عدماً!! هذا من التساهل، وهذا من التهاون، وإن كنا نقبل عذر مسئول الرقابة الإعلامية حيث يقول: إني لست ملكاً أو عيناً ظافرة على كل صغيرة وكبيرة.
أقول: إذا بلغك هذا فلا يسعك إلا أن تعتذر، وليس عيباً أن نعتذر عن الخطأ.
أيها الأحبة في الله! للحديث بقية، والمقام لا يسمح بذكرها ألا وهي التوسل والوسيلة، فأجعلها للجمعة القادمة.
أسأل الله جل وعلا ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، أسأل الله ألا يهلكنا بذنوب غيرنا، أسأل الله ألا يسخط علينا، ولولا أن الله ذكر في كتابه مقالة اليهود: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [المائدة:64]، ولولا أن الله ذكر في الكتاب: قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] لو لم يرد هذا في القرآن من بيان عرض الباطل وجرأته على الله، وجرأتهم على ربهم لو لم يرد ذكر هذا في القرآن ما ذكرت هذه القصة التي وردت في كتاب السخرية السياسية العربية .
وقصة أخرى لا أود أن أفجعكم بها، ولكني أكتفي بالإشارة إلى ما سمعته وأختم هذا برسالة إلى كل مسلم لا أخص بالحديث من تعين في الرقابة على المواد الإعلامية، أو الرقابة على الصحف، أو الرقابة على المجلات، أو الرقابة على التلفاز، بل أخصكم بهذا يا معاشر المؤمنين! بأن تكونوا عيناً باصرة لكل صغير وكبير يكتب بهذه الجرائد وهذه المجلات أصبحنا نتعامل مع كثير من الذين يتكلمون بلغتنا ويعدون من بني جلدتنا ويلهجون بمثل ما تلهج به ألسنتنا من نوع اللغة، أصبحنا نحذرهم ونخشاهم، فإليك الملجأ اللهم وأنت المستعان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين.
اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أن تهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين، وأن تصلح من في صلاحه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم لا تفرح علينا ولا على الدعاة أو العلماء أو الولاة عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، واجمع شملنا اللهم على مرضاتك، واجعل ذلك في طاعتك، وسخر لنا ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك.
يا أمة الإسلام! أنتم المسئولون أن توجد الغيرة في قلوبكم وفي أنفسكم وتعلمونها أبناءكم حتى لا يمس الدين بسوء، والله إذا نزل بلاء من الله، وإذا حل سخط وعقوبة، والله لن تنفع الأمم جيوش، ولن تنفع الأمم رجال، ولن ينفع الأمم إلا الله جل وعلا، فمن كان مع الله في الرخاء كان معه الله في الشدة، واحفظ الله يحفظك في كل حال.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم ارحم المستضعفين في البوسنة والهرسك، اللهم أهلك الشيوعيين، اللهم أهلك البعثيين، اللهم أهلك العلمانيين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اخزهم، اللهم إن هذا الفاجر العلماني الذي كتب هذه الكتابة باللغة الإنجليزية ثم ترجم الكتاب إلى العربية وهذا باطله ظهر وهذا زيفه انكشف وهذا خداعه بات جلياً، اللهم إنا نسألك أن تهلكه وأن تهلك من وافقه ومن فعل فعله ومن أيده ومن ساعده ومن نشر له بقدرتك يا جبار السماوات والأرض.
اللهم ادفع عنا البلاء والربا، والزنا والزلازل والمحن، والفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم صلّ على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , القبوريون للشيخ : سعد البريك
https://audio.islamweb.net