اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , انشراح الصدر [1،2] للشيخ : سعيد بن مسفر
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالصحة والعافية في الأبدان، ولك الحمد بالأمن والطمأنينة والاستقرار في الأوطان، ولك الحمد بالأرزاق التي تُجلَب رغداً لنا من كل مكان، اللهم لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا، من قديم أو حديث، أو شاهد أو غائب، أو حي أو ميت، اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد بعد الرضا، ولا حول ولا قوة إلا بك.
أيها الإخوة في الله! إن من أجلِّ النعم ومن أعظم المنن على العبد في هذه الحياة، أن يشرح الله صدره للإسلام، نعمة ليست كسائر النعم، لأن جميع النعم تؤدي دوراً ثم تنتهي آثارها، أما نعمة شرح الصدر للإسلام فهي نعمة تلاحقك آثارها في الدنيا، وعند الموت، وفي القبر، وعلى الصراط، وفي عرصات القيامة حتى تدخل الجنة.
فالمال نعمة -ولا أحد ينكر هذا- وهو مما حبب إلى الناس، ولكن ينفع فقط إلى أن يموت الإنسان فإذا مات فلا مال له، والمال للورثة من بعده.
والمنصب نعمة، الأمر والنهي والتكريم والتبجيل نعمة، وكل إنسان يحبها، ولكنها نعمة تنتهي بانتهاء المنصب، فإذا انتهى المنصب انتهت النعمة.
والعافية نعمة، والأولاد نعمة، والزوجات نعمة، وكل متع هذه الحياة في الغالب نعم، ولكنها نعم وقتية زائلة تنفع ثم تنتهي، ولكن النعمة الكبرى هي النعمة التي لا تنتهي، ولا تنقطع آثارها، هي: (نعمة شرح الصدر لهذا الإسلام).
ناداه باسم النبوة والرسالة أكرم درجة على وجه الأرض، وهذا النبي الكريم امتن الله عليه بنعمة شرح الصدر، فقال له: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] في معرض النعم، وجاءت هذه بعد قصة حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم ضاق لها صدره في هذه الأرض؛ لأن الله أخر الوحي عنه خمس عشرة ليلة، حينما جاء كفار قريش وأرسلوا مندوبين إلى يهود المدينة، وقالوا: إنكم قوم أهل كتاب، وقد ظهر فينا رجل يزعم إنه نبي، ونريد أن نسألكم: هل هو نبي أم لا؟ فقال اليهود عندما رجعوا إلى كتبهم: اسألوه ثلاثة أسئلة، فإن أعلمكم بالجواب فهو نبي، وإلا فهو كذاب متقول، قالوا: وما هي الأسئلة؟ قالوا: اسألوه عن رجل صالح طاف الأرض، واسألوه عن فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، واسألوه عن الروح، فأخذوا الأسئلة، وجاءوا إلى مكة، وقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقدموا له الأسئلة، وهو لا ينطق عن الهوى، ولا يجيب إلا بما يوحى إليه من ربه، ولو تقدم بكلمة واحدة أو تأخر عن الوحي لعاقبه الله، ولهذا قال الله تعالى: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً [الإسراء:73] إلى قوله تعالى: إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [الإسراء:75] بسبب الافتراء، ولكنه حاشاه صلى الله عليه وسلم، ولما قدمت له الأسئلة قال لهم: تعالوا في الغد، ونسي أن يقول: إن شاء الله، من بالغ اعتماده وثقته بربه أنه لن يتخلى عنه، خصوصاً في مثل هذا الموقف الحرج الذي يترتب عليه إسلام أهل مكة أو كفرهم، وهذا موقف مصيري جداً.
والله يربي نبيه صلى الله عليه وسلم، ويعلم تبارك وتعالى من هو الذي سيسلم ومن هو الذي لن يسلم، ويعلم أنهم وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [الأعراف:146] فالقضية ليست قضية عدم قناعة إنما هي عدم رضا بالدين أصلاً، ويرون الآيات الدالات الواضحات، يقول الله تعالى فيهم: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت:51].
وتأملوا في القصة التالية مدى تأثرهم بالقرآن، يذكر أصحاب السير أنه اجتمع الأخنس بن شريق وأبو جهل والوليد بن المغيرة، ويأتون -وهم من صناديد قريش- في الليل ليستمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسحرهم ويجذبهم ببلاغته وبيانه وفصاحته؛ لأنهم ملوك البيان وأساطين الفصاحة، وهم يتلذذون بالكلام العظيم، وأتوا يسمعون، فتلاقوا في الطريق، فقال بعضهم لبعض: أنتم الكبار، فإذا رآكم سفهاء قريش فماذا يصنعون؟! قال الأخنس بن شريق : نتعاهد على ألا نرجع، فتعاهدوا على ألا يرجعوا، وفي الليلة الثانية إذا بهم يتقابلون، وقد نقضوا العهد وجاءوا لسماع القرآن، لم يستطيعوا أن يصبروا عن بلاغة القرآن؛ لأنهم أصحاب تذوق في هذا المجال، فقال الأخنس : ما دمنا نحن العقلاء ونتعاهد ونخلف، فلماذا لا نسلم، ما يضرنا لو أسلمنا؟ فقام أبو جهل -عليه من الله ما يستحق، فرعون هذه الأمة- وقال: والله لا نسلم، قال: ولِمَ؟ قال: نحن سابقنا بني هاشم في المجد حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي، فمتى يصير هذا منا، والله لا نسلم!!
عنده عنجهية وعناد وإلا فهو واثق أنه رسول الله.
وأبو طالب الذي يلفظ أنفاسه على ملة عبد المطلب يعرف الحق، وهو القائل:
ولقد علمت بأن دين محمـد>>>>>من خير أديان البرية دينا
هو على يقين من صدقه ويدافع عنه، ولكن رأسه (يابس) وصلب، على الكفر ما تزحزح -والعياذ بالله- فهم لا يكذبون الرسول؛ لأنهم يعلمون صدقه، ولكنه إنكار وجحود وتكبر وعناد، ولهذا قال الله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33].
ونالوا من الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف، ولكنه صامت وصابر، ومر اليوم الثاني، والليلة الثالثة، والرابعة، حتى مر خمسة عشر يوماً وليلة والوحي منقطع لا يأتيه، والرسول صلى الله عليه وسلم في حرج لا يعلمه إلا الله، ثم بعد ذلك ينزل الفرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول سورة الكهف، وهي تبدأ بالحمد، وبذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه عبد الله، وتقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:1-5] ثم قال الله تعالى له: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ [الكهف:6] أي: تريد أن تهلك نفسك إذ لم يؤمنوا ولم يهتدوا، لا. لا تهلك نفسك، فالمصير والمرجع إلينا، فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً * إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً [الكهف:6-8] ثم بدأ الله تعالى بالإجابة عن الأسئلة:
الجواب عن السؤال الأول: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ [الكهف:9] هؤلاء الشباب المؤمنون إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً ... [الكهف:13] إلى آخر القصة.
وجاء الجواب عن السؤال الثاني: وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ... [الكهف:83] الآيات.
وجاء الجواب عن السؤال الثالث في سورة الإسراء قبل سورة الكهف: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85].
سبحان الله! كيف العذر؟! وما أعظم هذا الرسول عند الله! يقسم الله تعالى له بالضحى، والليل إذا سجى: أي: غطى الأكوان كلها، والضحى: حين شروق الشمس وانتشار الضياء، والليل إذا سجى أي: تسجى به الأرض -أي: مثل الغطاء- ما ودعك أي: ما تركك ولا قلاك ولا هجرك، ولكن هناك شيء محذوف فما هو؟
هو أن يربيك الله سبحانه وتعالى حتى لا تغلط فتقول غداً أفعل... ولكن قل: إن شاء الله؛ لأنك لا تعلم ما يكون غداً، قال الله تعالى له: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] الأمر بيد الله وليس بيدك، اربط كل شيء في حياتك بمشيئة الله، أما أن تكون لك مشيئة خاصة منفردة عن مشيئة الله فلا، ولهذا قال واحد من الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئت يا رسول الله! قال: أجعلتني لله نداً، بل قل: ما شاء الله وحده) ما لي مشيئة إلا تحت مشيئة الله تبارك وتعالى، فقل: ما شاء الله وحده، وهذا من ضبط العقيدة، ومن سد ذرائع الشرك، فلا تقل لأحد: ما لي إلا الله وأنت! أو أنا متكل على الله وعليك! تعتقد أنه يضر وينفع؛ فلا ضار ولا نافع ولا معطي ولا مانع إلا الله.
وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:1-5] ثم امتن الله تعالى عليه بالنعم فقال له: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى [الضحى:6-8] ثم بعد ذلك تنزل سورة الشرح يقول الله تعالى له: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:1-4] ليس على وجه البسيطة -ولن يكون إلى يوم القيامة- أعلى ذكراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فأكرم أهل الأرض وأكرم الخلق أجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهل يوجد الآن في الأرض أعظم ذكراً منه؟ فالمسلمون اليوم عددهم ألف مليون مسلم على وجه الأرض، وكل المصلين يصلون عليه كل يوم، وكل فرد منهم يصلي عليه ويشهد أنه رسول الله عدة مرات في الأذان والتشهد وغيرها، ولا تقبل صلاته إلا إذا قال في تشهده: (التحيات لله الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
وكم مؤذن يرتفع صوته ويشق عنان السماء في كل يوم! وهو يقول في أذانه: (أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً رسول الله) فهل هناك أعظم من هذا الذكر؟ وهل هناك في الخلق أعظم ذكراً من محمد صلى الله عليه وسلم؟ لا يوجد، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يذكر حياً ويذكر ميتاً وكلما صلي عليه -صلوات الله وسلامه عليه صلاةً دائمةً متتابعة ما تتابع الليل والنهار- امتن الله عليه بالرفعة والمكانة العظيمة.
وهو صاحب الشفاعة العظمى، حتى أن موسى يوم القيامة يأتي إليه الناس، ويقول لهم: (نفسي نفسي، إن الله قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً).
فيقول: أذنبت ذنباً، ولي سابقة لا أستطيع أن أقابل ربي بها، ولا أستطيع أن أتكلم شافعاً لديه، وكذلك إبراهيم يقول: (لا أستطيع) وعيسى يقول: (لا أستطيع، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم) قال: (فآتي فأسجد تحت العرش، وأثني على الله، فيقال: يا محمد! سل تعطه واشفع تشفع...).
موسى عليه السلام كلفه الله تعالى بحمل رسالة عظيمة، وهي دعوة طاغية من طغاة الأرض طغى وبغى وتجبر وادعى أنه الرب الأعلى، وقال لأهل مصر : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] فهل هناك أعظم من هذا؟
وبعد ذلك يقول: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51].. أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] وهو -والله- المهين.
خرج موسى من مصر هارباً بعد أن قتل نفساً، خرج وفرعون غاضب عليه لفعلته! ثم يقول الله له: اذهب إلى فرعون -فيا لله ما أعظمها من مهمة! اذهب إلى فرعون ..- هذا الذي يقول بأنه رب، وأَخْبِرْه أنه عبد، وادعه إلى عبودية الله وحده؛ فشقت عليه المهمة، ولكن لا خيار له في أمر الله، فاعتذر وقال: يا رب! أخي أفصح مني لساناً: فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ [الشعراء:13] فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ [القصص:34] وبعد أن كلفه الله بالرسالة قال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [طه:25] أي: أعطني مؤهلات أستطيع بها أن أمارس هذه المهمة العظيمة، إن أعظم وسيلة تعينك على القيام بمهمة الدعوة أن يشرح الله صدرك للإسلام: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه:25-32].
أذلك من أجل أن نبني عمارة أو ننشئ مؤسسة؟ كما يقول الواحد منا: أنت أخي وأنا أخوك، تعال نتعاون على الدنيا، نشتري مزرعة ونجعل فيها (رشاشات مياه)، وعشرين برجاً، ونعمل مؤسسة، ونشاطاً متعدداً، ولوحةً طولها عشرون متراً، من بداية العمارة إلى نهايتها (مؤسسة التجارة والمقاولات والمواد الغذائية والملبوسات والعطر والسباكة) ما ترك للمسلمين شيئاً، أخذ الدنيا كلها في راحة يده، لا يريد أحداً أن يُرزق معه -والعياذ بالله- إذا قيل له: دع الناس يربحون معك، فسيقول: لا؛ أريدها كلها، تدخل دكانه من باب، وتخرج من الباب الثاني، تجد الدنيا كلها في دكانه (سوبر ماركت) سوق مركزي، حتى أغلق أصحاب الدكاكين الصغيرة دكاكينهم، كان الناس يُرزقُ بعضُهُمْ من بعض، دكان بجوار دكان، وألف دكان يستفيد منها ألف بيت، الآن ألف دكان أصبحت في دكان واحد يستفيد منها بيت واحد، يدخل الزبون من باب ويخرج من الثاني، كما يقولون: من الملعقة إلى ... كل شيء، واللوحة العريضة في الواجهة يريد الدنيا بأجمعها.
لكن موسى يقول: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه:31-32] لماذا؟
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى... [طه:33-37] إلى نهاية القصة.
فشرح الله تعالى صدره للقيام بهذه المهمة العظيمة.
وأنت تدرك -يا أخي- مدى وعظم أهمية الرسالة والدعوة، مثلاً يوم تجد نفسك عاجزاً عن هداية أهلك في بيتك، تمارس كل وسائل الدعوة، مع أمك وأبيك، وأختك وأخيك، وابنتك وزوجتك، وشخص يستجيب وعشرة لا يستجيبون، وهذا نبي يقول الله له: اذهب إلى فرعون ويقول: قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا [طه:45] فهذا طاغية ملعون، كيف نقول له: أنت عبد وهو يدعي أنه رب؟ كيف يقبل منا الكلام؟ إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى [طه:45] فجاءهم الأمان من الله قال: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46].
اذهبا فقط والمظلة الربانية تحميكما، والعناية الإلهية معكما، فلا تخافا: إِنَّنِي مَعَكُمَا [طه:46] ومن كان الله معه فلا يخاف.
وإذا العناية لاحظتك عيونهـا>>>>>نم فالمخاوف كلهن أمان
يخرج من مكة ويذهب إلى الطائف ، وكان يلاحقه عمه أبو لهب بن عبد المطلب -والرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب- وهذا الخبيث متخصص في تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في جمع من الناس يدعوهم إلى الله وإذا انتهى صلى الله عليه وسلم، قال لهم أبو لهب: من أنا؟ قالوا: أنت عمه، قال: والله! أنا أدرى به منكم، والله لو كان صادقاً لكنتُ أول من يصدقه، ولكنه كذاب، قالوا: مَن كذبه عمه كذبناه!
فـأبو لهب عدو لله ملعون، أنزل الله فيه سورة تتلى إلى يوم القيامة: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] أي: خسرت يداه، وبارت صفقته، وعليه من الله ما يستحق.
ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عن طريق مر الظهران، وقطع المسافة في يومين، ونحن نقطعها اليوم في ساعة بالسيارة الأمريكية، ويقول الشخص منا إذا نزل: ظهري يؤلمني، وإذا قيل له: لماذا؟
قال: والله! أنا كنت مسافراً من الطائف!! عجباً؛ تقول هذا وأنت قاعد على السيارة وتزعم أن ظهرك يؤلمك، سبحان الله! وأنت في سيارة مريحة تنزل وتقول: إن ظهرك يؤلمك وأنت جالس، وهذا الرسول عليه الصلاة والسلام يمشي في الجبال الشاهقة، وهو أيضاً مطارد مكذب، حافي القدم، خاوي البطن، ليس معه شيء. (ولما وقف على سوق عكاظ والناس موجودون في السوق، صعد على حجر ونادى في الناس: قولوا لا إله إلا الله، تفلحوا) فلما انتهى قام اللعين أبو لهب وراءه، وقال: يا قوم! من هذا؟ قالوا: ابن أخيك، قال: ومن أنا؟ قالوا: أنت عمه، قال: لو كان صادقاً ما كذبته أنا، أتصدقونه وأنا عمه أعلم به، قالوا: من كذبه عمه كذبناه!
ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يريد النصرة منهم والدخول في الإسلام، لكنهم رفضوا دعوته ولم ينصروه بل أغروا به السفهاء، وجمعوا أطفالهم وقالوا لهم: خذوا الحجارة واطردوا هذا، وجاءوا وراءه صلى الله عليه وسلم يرمون ظهره وأقدامه بالحجارة حتى أُدميت رجلاه، وينزل وهو مكسور القلب، ويجلس تحت جبل ويقول دعاءً عظيماً: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس) نبي يوحى إليه، ويكذبه هؤلاء الكفار: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى صديق ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي) يقول: إن كان ما يأتيني ليس ناتجاً عن غضبك فلا أبالي، ولكن أخشى أن يكون هذا بغضب منك يا ربِّ! ثم قال: (غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك أو يحل بي عقابك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
كلام عظيم من صدر منشرح بالإيمان، ليس لديه أدنى شك في موعود الله، وبعد أن عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن انشراح صدره ينزل جبريل عليه السلام في تلك اللحظات، ويقول: (يا محمد! السلام يقرؤك السلام، ويقول: هذا ملك الجبال، إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين فعل) والأخشبان هما الجبلان اللذان في مكة، يعني: يضع أحدهما على الآخر فيقضي على أهل مكة جميعاً، لو كان صلى الله عليه وسلم رجلاً يحب الانتقام لنفسه بعد هذه المواقف المؤلمة الصعبة لقال: نعم. هؤلاء ليس فيهم خير، مثل ما يقوله المتقولون، الذين إذا تعرض أحدهم لأي أذى في سبيل الدعوة غضب، وذهب يشتكي، وذهب يسب ويشتم، ولا يسمح ولا يحلم ولا يتنازل، ويقول: لماذا نتعرض للأذى، ونحن على حق؟!
يا أخي! هل عرضك أعظم من عرض النبي صلى الله عليه وسلم؟! فمن أنت قياساً بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
فلا تشتك إذا تكلم عليك، ولا تضجر إذا كذبت، اصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، هذه طريق الأنبياء، ماذا قال صلى الله عليه وسلم؟ قال: (لا. إني أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده) فنظرة النبي صلى الله عليه وسلم عالية، وليست نظرة عند أقدامه، بل هي نظرة بعيدة المدى تتجاوز ذلك الجيل، وقال: إني أرجو الله أن يخرج من أصلاب هؤلاء الكفار من يعبده، وبالفعل فقد تحقق للنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يرجوه، وأخرج الله من صلب أبي جهل : عكرمة ، ومن صلب الوليد بن المغيرة : خالداً ، ومن صلب العاص بن وائل : عَمْراً ، ومن صلب أبي طالب : علياً ، وهكذا الصحابة الشباب جلُّهم أو أكثرهم جاءوا من أصلاب الكفار، وهذه هي نظرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالله! مَنْ يقول هذا الموقف إلا من شرح الله صدره للإسلام؟!
في أثناء تتبعهم وصلوا إلى الغار الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، فيقول أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا) يقول: هم الآن فوقنا لو خفض أحدهم رأسه لرآنا مباشرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].
من أين جاء هذا الكلام؟ هذا من شرح الصدر: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] وهذه نعمة لا تعدلها نعمة، وفي ضدها نقمة ومصيبة، وهي قسوة القلب.
لأن الأضواء عنده قوية، والأضواء لديه كاشفة، يرى بها المعاصي فيبتعد عنها هذا المؤمن -جعلنا الله وإياكم منهم-.
يقول ابن القيم متحدثاً عن ابن تيمية: كنا إذا ضاقت بنا الدنيا ونحن في دمشق ذهبنا لزيارته في السجن في القلعة، فوالله ما هو إلا أن نراه حتى يُسرى عنا. ويقول: عندما ننظر إليه تنشرح صدورنا وهو المسجون ونحن طلقاء!!
ثم يقول: وكان يقول لنا: المسجون من سجنه هواه، والمأسور من أسر عن مولاه.
ويقول: ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري، إن سجني خلوة، وإن ترحيلي سياحة، وإن قتلي شهادة، فما يصنع بي أعدائي. هل عندهم أكثر من القتل والموت والسجن والترحيل؟!
ويقول: مساكين أهل هذه الدنيا؛ جاءوا إليها وخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها! قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: التلذذ بعبادة الله.
ويقول الآخر: والله لو يعلم أهل الجاه والمال والسلطان ما نحن عليه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف!
ويل لهم ثم ويل لهم ثم ويل لهم!!
ويل لهم في هذه الحياة قبل الممات، فهم يتجرعون مرارة الكفر والمعصية، ومرارة البعد عن الله، أتتصورون أن هؤلاء الذين هم على الكفر وعلى المعاصي والذنوب ليسوا في عذاب الآن؟ والله! إنهم في عذاب الآن قبل الآخرة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] ويقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً [طه:124] فوالله! إنهم لفي عذاب.
ويل لهؤلاء الذين يعرضون عن الله، وتقسو قلوبهم عن ذكر الله، وتعيش قلوبهم في ضلال مبين، فويل لهم اليوم وويل لهم غداً عند الموت، يوم تأتي أحدهم الملائكة وتقول له: (يا أيتها الروح الخبيثة -كانت في الجسد الخبيث- اخرجي إلى سخط من الله وغضب).
وويل لهم يوم يدخلون في قبورهم وتأتيهم الملائكة وتقول لكل منهم: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: هاه هاه هاه لا أدري، لا يعلم الجواب، فقد ضيع حياته في معصية الله، فتقول له الملائكة: (لا دريت ولا تليت...).
وويل له يوم يأتيه عمله الذي عمله في الدنيا، فيتمثل له ذلك العمل في صورة رجل، ويأتيه على هيئة العمل الذي صنعه، إن كان عمله سيئاً فيأتيه، فيقول له: (أبشر بالذي يسوءك، فيقول: من أنت فوجهك الذي يأتي بالشر، يقول: أنا عملك السيئ).
ويل له وهو يوقد عليه القبر جمراً أحمر يتقلب عليه ليلاً ونهاراً.
ويل له والقبر يضغطه حتى تختلف أضلاعه وتلتقي أضلاع اليمين بالشمال، والشمال باليمين.
ويل له ثم ويل له يوم القيامة يوم يبعث من في القبور: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ [المعارج:43-44] والذلة ذلة المعصية والكفر ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج:44].
ويل لهم يوم يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [القمر:7-8].
ويل لهم يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:13-16] يعني: سواء صبروا أم لم يصبروا، فهل هناك أحد يصبر على النار؟ لا والله لا أحد يصبر على النار، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ويل لهم بعد ذلك: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر:48].
ويل لهم يوم ينادون لأخذ كتبهم وأخذ شهاداتهم، إذ هي شهادات ملطخة بجرائمهم؛ لأنه يوجد شهادات مشرفة، وهي الشهادات المملوءة بدرجات عليا مشرفة، فترى في الدنيا الطالب يأخذها ويقول لأهله: انظروا، أما الساقط البليد الذي شهادته كلها دوائر حمراء فلا يعطيها لأهله خجلاً وخوفاً، ولا يذهب لأخذها من مدرسته، وإذا سأله أهله: هل خرجت النتيجة يقول: لا. وهي قد خرجت، ولكن لا يريد أن يعلمهم بالفضيحة، يقول لأهله: قالوا بعد غد، حسناً.. وبعد غد يقولون له: طلعت النتيجة؟ يقول: نعم طلعت، قالوا: بشرنا، قال: قرأوا الأسماء قبل أن أحضر، وقد سمعوا اسمي، وهو يريد أن يأتي بها بالتقسيط كي لا يأتي بالخبر المهول، ولكن غداً إن شاء الله أتأكد، وجاء يوم الغد، قالوا: بشّر، قال: الحمد لله ثلاث مواد فقط، الحمد لله، هناك مجموعة من الزملاء منهم من سقط في ثمان وفي تسع وفي عشر مواد، أما أنا فالحمد لله .. لك الحمد يا رب، ثلاث مواد فقط أعيدها، ولكن ما يهمكم..!
أيها الساقط في الدنيا! معك دور ثانٍ وفصل ثانٍ وعلم ثانٍ، وإذا لم تدرس فيمكن أن تعمل.
لكن هؤلاء ويل لهم يوم يعطون كتبهم بشمائلهم؛ لأنهم يوم القيامة يريدون أن يغالطوا الله ويأخذوا الكتب باليمين، يرون أهل الإيمان يأخذون كتبهم، يريد أن يكون في الآخرة كذاباً كما كان في الدنيا، يقول الله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ [المجادلة:18] فيرفعون أيمانهم فتضربهم الملائكة بمقامع من حديد على مناكبهم فتسقط أيمانهم، فما يبقى معه إلا الشمال، فيأخذ كتابه بشماله ويقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:25-27].
ثم يتذكر ما الذي غره؟ ما يغر الإنسان في الدنيا إلا أمران: المال والسلطان، فيقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ [الحاقة:28] ما نفعني مالي، فأين السلطة والوظيفة إذ لم ينفع المال؟ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:29] فلا مال ينفع ولا وظيفة تنفع، وإذا به يقول بلسان حاله: أنا الآن في موقف صعب جداً، ثم بعد تلك الحسرة والندامة قال الله تعالى: خُذُوهُ [الحاقة:30] أي: خذوا هذا المجرم الكذاب: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقة:30] والغل: هو وضع القيد والسلاسل في الرقبة: ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً [الحاقة:31-32] في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو أن حلقة من حلق هذه السلسلة وضعت على الأرض لأرفضتها) سَبْعُونَ ذِرَاعاً فاسْلُكُوهُ [الحاقة:32] والسلك: أنها تُدخل من فمه وتُخرج من دبره، من أجل أن يتقلب كالدجاجة في الشواية إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة:33] كان قلبه قاسياً عن ذكر الله، وكان يعيش في ضلال مبين، لم يشرح الله صدره للإسلام لأنه ما طلب الهداية ولا عمل بمقتضاها، فقلبه مغلق عن الدين، مفتوح على كل شيء إلا طاعة الله، يحب كل شيء إلا الصلاة، ويطرب لكل شيء إلا القرآن، ويألف كل شيء إلا المساجد، ويحب الناس كلهم إلا أهل الخير منهم، هذا عبدٌ شيطاني ما نور الله قلبه، ولا شرح الله صدره، وإنما قلبه قاسٍ مقفول عن محبة الله تبارك وتعالى وطاعته، فويل له ثم ويل له ثم ويل له: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22].
يقول الله عز وجل: فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] فكيف يشرح الله صدرك للإسلام؟
هذه تأتي بمبادرة منك وبإجابة من الله، فالله هو الهادي وأنت طالب الهداية، والله هو الشارح للصدور وأنت طالب شرح صدرك، تأتي منك فإن طلبت جاءك الطلب، وإن أعرضت فالله غني عن العالمين.
وليس هذا مقام التفصيل فيما يتعلق بموانع الدعوة، ولكن ادعُ الله وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].. وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18].
فأول سبب من أسباب شرح صدرك: أن تدعوَ الله في ذلك، ومتى تدعو الله؟
عليك أن تتحرى الدعاء في أوقات الإجابة ومنها:
الثلث الأخير من الليل والناس نيام، فقم وتوضأ وصل ركعتين واسجد، وفي السجود ألح على الله، قدّم السؤال وقدّم العريضة ولا تنصرف بسرعة، إلا إذا شعرت أن الله قبلك، وكيف تشعر؟ إذا بكيت ورق قلبك، معنى هذا أن عريضتك قبلت، فلا مانع من دخولك على الله.
أما إذا كان قلبك متحجراً فاعلم أنك لم تكن صادقاً في دعائك، ليس عندك حقيقة الإلحاح؛ لأن هناك فرقاً بين من يسأل وهو مُلح، وبين من يسأل وهو مستغن، مثلاً -ولله المثل الأعلى- عندما يأتيك فقير يقول: أعطني من فضلك، وتقول له: ليس عندي شيء، ينصرف عنك، لكن لو كان مُعرَّضاً للموت جوعاً وقال: أعطني من فضلك، فتصرفه، فيأتيك ويلحقك، فتقول له: ليس عندي شيء، فيقول لك: من فضلك ما عندي غداء .. من فضلك أعطني ريالاً، فتصرفه ثم يلحقك، ويقول: يا أخي! طلبتك مرة، وثانية، والله! ما ردني عليك إلا الحاجة، والله! ما عندي شيء .. أعطني بالله عليك ريالاً، تصرفه وتقول له: اذهب -يا شيخ- أنا ليس عندي ما أعطيك، يلحقك مرة رابعة، فعندئذٍ تعطيه ريالاً ولو لم يكن معك غيره، لأنه ألح عليك وأحرجك، وكذلك (إن الله ليحب الرجل الملحاح في الدعاء) يقول:
لا تسألنّ بني آدم حاجة>>>>>وسل الذي أبوابه لا تحجب
فما على باب الله من حاجب:
الله يغضب إن تركت سؤالـه>>>>>وبني آدم حين يسأل يغضب
لأن ابن آدم فقير، والفقير يسأل فقيراً، بينما الله غني، والغني مهما تسأله فلا يمل سؤالك، بل كلما سألته أعطاك، كما جاء في الحديث يقول الله: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) أدخل مخيطاً (إبرةً) في المحيط الهادي وأخرجه، فما الذي يخرج معه من الماء بالنسبة للمحيط؟ هذا مثل الذي ينقص من عند الله، والباقي في خزائن الله، فاسأل الله تبارك وتعالى من فضله.
وأول شيء تسأله من الله الهداية، فتدعوه في جوف الليل، وبين الأذان والإقامة، وبعد صلاة العصر يوم الجمعة إلى المغرب، وحين صعود الخطيب إلى المنبر يوم الجمعة، وحين نزول المطر، وهناك أوقات أخرى قد ذكرها الشرع، وهذه الأوقات مظنة الإجابة، المهم كلما رفعت يدك قل: (اللهم اهدني فيمن هديت).
وبعض الناس يقول: اللهم اهدني، بلسانه! وهو هارب من الله بعمله، يقول: "اللهم اهدني فيمن هديت" وهو يسمر على الأغاني إلى نصف الليل، يُحوِّل الراديو من إذاعة إلى إذاعة إلى أن يجد أم كلثوم أو أي مطرب أو مطربة، وهناك يرفع يده عن الراديو فقد وجد أمنيته، فهل هذا يريد أن يهتدي؟ هذا كذاب، هذا لا يريد الهداية حقيقة بل يريد الضلال.
أحد الإخوة يقول: هناك سيارة وقع لها حادث مروري، وبعد ذلك جاءوا إلى الولد السائق وهو يحتضر، يلفظ أنفاسه الأخيرة ويقول: (هل رأى الحب سكارى مثلنا؟) والشريط في نفس السيارة لـأم كلثوم تغني وهو معها يردد: (هل رأى الحب سكارى مثلنا؟) هؤلاء سكارى حق، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا بد عليك وأنت تدعو الله بالهداية أن تسلك السبيل الموصل إليها.
الآن الواحد منّا إذا أراد زوجة وقال: اللهم ارزقني زوجة صالحة، دينة جميلة هادئة ذات خلق ودين، وبعد ذلك تراه جالساً في البيت، وكلما قالوا له: تزوج، قال: لا، يا شيخ! الزواج مشكلة، أنا أطلب من الله أن يزوجني فقط، هل تأتيه زوجة؟ يريد أن تأتيه واحدة (مقرطسة) من السماء، لا. ادع الله. ومن ثَمَّ ابحث في المجتمع، وأرسل أهلك وأقاربك يبحثون لك عن زوجة، وإذا قالوا لك: عند فلان بنت صالحة، فعندئذٍ تذهب وتسأل عنه وعن هذه التي ستتزوجها وعن سيرتها وخلقها، وإذا اطمأننت تذهب وتتكلم مع أبيك، ثم يذهب أبوك إلى أبيها، وبعد ذلك مراحل أخرى... ثم تجتمعون في الليلة الأولى للمفاهمات الأولية، ثم تحددون موعداً للعقد، ثم موعداً للزفاف، ولا تدخل عليها إلا وقد تكبدت معاناة شديدة.
وهي امرأة من نساء الدنيا، لعلك تظل معها (شهر العسل) وبعد ذلك تتحول الدنيا كلها إلى (بصل) وتعلمون أن (شهر العسل) هذا ليس عرفاً إسلامياً وإنما عادات وافدة، أما نحن فليس عندنا (شهر عسل) نحن في الإسلام حياتنا كلها عسل، لكن الكفار لا؛ لأنهم يلتقون لقاءً بهيمياً، فيحددون (شهر العسل) فإذا انتهى الشهر صار عدواً لها وهي عدوة له، وعاشوا في مشاكل إلى يوم القيامة، لكن الإسلام لا يهمل هذه العلاقات، بل ينسق ويربط الصلة بين الزوج والزوجة وتصير حياتهم كلها عسلاً إلى يوم القيامة، ويكملون الحياة السعيدة -إن شاء الله تعالى- في الجنة إذا كانا صالحين؛ لأن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21].
ويقول: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24] ويذكر لنا تبارك وتعالى أن الملائكة تقول: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:8] فلا يطيب لك قرار في الجنة، ولا تحصل لك السعادة كاملة، إلا بأمك وأبيك وزوجاتك وأولادك، إذا كانوا مؤمنين، أما إذا كانوا فجرة فيُذهَب بهم إلى جهنم ويعوضك ربي عنهم في الجنة إن شاء.
من أسباب الهداية:
أولاً: تلاوة كتاب الله.
أول شيء عليك بالقرآن الكريم، قال الله تعالى فيه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ [الشورى:52-53] ويقول سبحانه: قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ [المائدة:15] ويقول سبحانه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً [النساء:174] ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:57-58].
فعد إلى كتاب الله؛ عد إليه تلاوة! عد إليه تدبراً! عد إليه عملاً وتطبيقاً! عد إليه التزاماً واحتكاماً! عد إليه استشفاء! عد إلى القرآن، واجعل حياتك كلها مع القرآن، ليلك مع القرآن، ونهارك مع القرآن، فحين تجلس في المكتب، وليس عندك عمل فخذ المصحف، واقرأ وبمجرد أن يؤذن وأنت الأول في الصف تأخذ المصحف، لكن علاقة الناس اليوم بالقرآن -يا إخواني- علاقة واهية وضعيفة جداً.
وهذا هو الذي ترتبت عليه قسوة القلوب، لبعدهم عن كتاب الله وعن النور العظيم، الذي يقول الشاعر في معناه:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ>>>>>والماء فوق ظهورها محمول
ترون الناس الآن وسوء علاقتهم بالمصحف، فلو سألت طالب علم -مثلاً-: كم تختم القرآن؟
هل تختم في الشهر مرة؟
قال: لا. الله أكبر! ثلاثون يوماً تمر عليك وما تمر على القرآن مرة واحدة، كان السلف يختمون في كل ثلاثة أيام، وكانوا يختمون في كل أسبوع، وكانوا يختمون في كل عشرة أيام وكانوا يختمون في خمسة عشر يوماً، فأنت أقل ما يمكن أن تختم في كل شهر مرة، كيف ذلك؟
تقرأ كل يوم جزءاً، حتى تكمل الثلاثين ثم تبدأ من أول القرآن إلى أن تنتهي منه بشكل مستمر، تكون -إن شاء الله- بهذا من القارئين للقرآن، وبعضهم يمر عليه العام كله ولا يختم مرة، وإنما تراه يدخل المسجد إذا بقي وقت للقراءة فيجلس لا يستطيع أن يقوم ويأتي بمصحف؛ تصوروا كأنه يستكثر القيام للمصحف ويراه أكثر من حاجته، فيظل جالساً إلى أن يرى -لعل الله يجعل- أحدهم يقوم، فإذا قام واحد ناداه: من فضلك مصحف، نحن تكسرت أرجلنا فلا نستطيع أن نأتي بمصحف، فلا إله إلا الله! وبعضهم اليوم يدخل المسجد ويأخذ المصحف فإذا فرغ من القراءة وضعه في حجره؛ من أجل ألا يقوم مرة ثانية، سبحان الله! ما أكسلك! وما أعجزك يا هذا الإنسان! وبعضهم -والعياذ بالله- يقوم أحدهم يقرأ، ويأتي بالمصاحف وينظر من بجانبه لعلهم يكسبون أجراً وثواباً ويؤجر معهم، فيأتي بمصحف لأحدهم فيقول: شكراً، لا أريد، هؤلاء ممتلئون حسنات، مستغنون. ووالله! لو أعطاه مالاً ولو أقل من خمسمائة ريال ماذا يقول؟ هل يقول: شكراً لا أريدها، لا. بل يلتقطها قبل أن ينظر إليها أحد؟ سبحان الله! تستغني عن كلام الله! لا ترد المصحف، مهما كنت، خذ المصحف واقرأ ولك بكل حرف عشر حسنات: (لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ثلاثين حسنة تأتيك إذا قلت (ألم) والحسنة الواحدة تساوي الدنيا كلها، ولكن أين عقل الإنسان عندما يضيع هذه الفرص؛ هذا عقله خَرِبٌ، وقلبه ليس منشرحاً لكتاب الله، فارجع إلى كتاب الله وأكثر تلاوته، واحذر من هجرانه.
وبالتدبر والترتيل فاتل كتا>>>>>ب الله لا سيما في حندس الظلم
حَكِّمْ براهينه واعمل بمحكمه>>>>>حِلاً وحظراً وما قد حده أقم
وعن مناهيه كن يا صاحِ منـزجراً>>>>>والأمر منه بلا ترداد فالتزم
هو الكتاب الذي من قام يقرأه>>>>>كأنما خاطب الرحمن بالكلم
هو الصراط هو الحبل المتيـن هو الـ>>>>>ميزان والعروة الوثقى لمعتصم
هو البيان هو الذكر الحكيـم هو الـ>>>>>تفصيل فاقنع به عن كل منبهم
هو البصائر والذكرى لمدكـر>>>>>هو المواعيظ والبشرى لغير عم
هو المنزل نوراً بيناً وهدى>>>>>وهو الشفاء لما في القلب من سقم
لكنه لأولي الإيمان إذ عملـوا>>>>>بما أتى فيه من علم ومن حكم
أما على من تولى عنه فهو عمى>>>>>لكونه عن هداه المستنير عمي
والله تعالى يقول: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت:44] والوقر يعني الحفرة، فالذي أذنه محفورة ليس فيها طبلة تستجلب الصوت وإنما هو مخروق الأذن ما يسمع كلام الله، وهو عليهم عمى: أي: إذا سمع يضيق، يقول هنا:
لكنه لأولي الإيمان إذ عملـوا>>>>>بما أتى فيه من علم ومن حكم
أما على من تولى عنه فهو عمى>>>>>لكونه عن هداه المستنير عمي
فمن يقمه يكن يوم المعاد لـه>>>>>خير الإمام إلى الفردوس والنعم
كما يسوق أولي الإعراض عنه إلى>>>>>دار المقامع والأنكال والألم
كفى وحسبك بالقرآن معجزة>>>>>دامت لدينا دواماً غير منصرم
فانظر قوارع آيات المعاد بـه>>>>>وانظر لمن قص من عاد ومن إرم
وانظر به شرح أحكام الشريعة هل>>>>>ترى بها من عويص غير منفهم
أم من صلاح ولم يهد الأنام له>>>>>أم باب هلك ولم يزجر ولم يلم
أخباره عظة أمثاله عبر>>>>>وكله عجب سحقاً لذي صمم
الله أكبر كم قد حاز من عبـر>>>>>ومن بيان وإعجاز ومن حكم
رحم الله قائل هذه الأبيات الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي وأسكنه فسيح جناته وجمعنا به في دار كرامته.
أول وسيلة -أيها الإخوة- من وسائل شرح الصدور: القرآن الكريم، وننادي بأعلى أصواتنا: عودوا -يا عباد الله- عودة إلى كتاب الله القرآن الكريم.
كثير من الناس لا يحفظون من القرآن شيئاً، تراهم يلعبون البلوت من بعد العشاء إلى منتصف الليل، وإذا قلت له: اقرأ لي بالله عليك: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] لا يعرف كيف يقرؤها، وإذا قلت له: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2] قام ولعب فيها ووضع "لا أعبد" مكان "أعبد"، لا يعرف، لماذا؟
لأنه يلعب البلوت، ومع هذا يقول: ليس عندنا شغل! إذا لم يكن عندك شغل فالقرآن معك، وأنت لا تحفظ فيه ولا تراجعه، هل فرغت من كتاب الله؟ هل فرغت من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا. بل تجده من أجهل الجاهلين ويقضي عمره في عمل البطالين وعمل العابثين الغافلين اللاعبين والعياذ بالله.
فنقول لكم ولأنفسنا قبلكم: عودوا إلى كتاب الله، ورتبوا لأنفسكم مواعيد للتلاوة، وأحسن وقت بعد صلاة الفجر، حينما تعودون من الصلاة فإن كنت تقعد في المسجد فحباً وكرامة، وإن لم تكن في المسجد ففي البيت قبل أن تنام اجعل عند رأسك مصحفاً، فعندما ترجع من الصلاة أشعل المصباح واقرأ القرآن لمدة ربع ساعة على الأقل، لابد أن تنام وآخر عهدك بالقرآن لا تنم على الأغاني، وبعد ذلك رتب لنفسك أوقاتك قبل الصلاة، ألزم نفسك ألا يؤذن إلا وأنت على أهبة الاستعداد لإجابة النداء، بحيث لو كان بيدك أعظم شغل في الدنيا، ونادى المؤذن: الله أكبر، تترك كل شيء على الفور، وإذا كنت بائعاً تضع الميزان مباشرة، أو كنت موظفاً أغلق الدفتر وأجب النداء، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحادثه، فإذا سمع المؤذن قام وكأنه لا يعرف منا أحداً) دعاه ربه، ترك كل شيء، فألزم نفسك بهذا الخلق، وبمجرد أن تسمع الأذان -مهما كان عملك، ومهما كان شغلك، فقد دعاك الله- اترك شغلك وتوضأ، وإن أذن المؤذن وأنت متوضئ فهذا أفضل، وبادر إلى الصف الأول في الروضة: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11].
وقد ذكر المفسرون في هذه الآية من سورة الواقعة: أن الناس يوم القيامة قربهم من الله بحسب قربهم في الصفوف الأولى من المسجد، فالذي هو في الصف الأول هنا يكون في الصف الأول هناك، والذي هو في الصف الثاني هنا يكون في الصف الثاني هناك، والذي لا يأتي هنا فلن يأتي هناك، ولا يدخل الجنة، وإنما يذهب إلى دارٍ ثانية، إلى النار والعياذ بالله.
فرتب وقتك، فمن بعد الأذان باستمرار إلى الصلاة يكون لك مصحف تقرأ فيه قبل الظهر وقبل العصر ثلث ساعة، وقبل المغرب عشر دقائق، وقبل العشاء ثلث ساعة، فما شاء الله هذا الوقت كله كم مقداره، تجد فيه أقل شيء ساعتين أو ساعةً ونصفاً للقرآن فبإمكانك أن تختم في كل شهر ثلاث مرات، فهذا هو السبب الأول من أسباب شرح الصدر.
أما ذكر الله وقراءة القرآن وكتب السنة وكتب سلف الأمة؛ هذه تشرح صدرك وبنص القرآن أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] ولكن ما هو الذكر?
الأول: ذكر الله عند ورود أمره، يعني: إذا كنت جالساً في البيت، وسمعت المؤذن وقمت إلى الصلاة فأنت ذاكر؛ لأن الله تعالى يقول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14].
الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه، أنت ماشٍ في الشارع وإذا امرأة كاشفة متبرجة والشيطان يدعوك للنظر إليها، والله أمرك بالغض من بصرك عنها فغضضت خوفاً من الله، أنت بذلك تعد ذاكراً لله؛ لأن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] فأنت إذا عرضت عليك المعصية وصرفت نفسك عنها، فقد ذكرت الله، وهذا ذكر عظيم، ذكر عملي.
الثالث: ذكر الأحوال والمناسبات، أن تتعلم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لكل عمل ومناسبة وحالة ذكرها، فإن الشرع رتب للمسلم أذكاراً في كل حال، ابتداءً من الاستيقاظ حتى تنام، إذا استيقظت قبل أن تفتح بصرك وقبل أن تشاهد أي شيء تقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور) كأنك تقول: يا ربِ أعطيتني فرصة أخرى كي أعبدك فلك الحمد، أعطيتني فرصة من أجل أن أصحح الخطأ وأعمل العمل الصالح فلك الحمد يا ربِ! لو أردت لجعلتها موتةً واحدةً، وبعد ذلك كيف أصلي؟ كيف أستغفر؟ كيف أعمل؟ ولكن من فضلك ورحمتك ومنتك أن أعدتني إلى الحياة فأقول أنا: (الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور) وبعد ذلك تخرج إلى الحمام وتقدم رجلك اليسرى وتقول: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم. وتقضي حاجتك، ثم تخرج وتقدم رجلك اليمنى، وتقول: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، غفرانك. وبعد ذلك تلبس الثوب وتذكر الله، وتنظر إلى المرآة أمامك وتذكر الله، تخرج إلى المسجد وتذكر الله، هناك أذكار معينة إذا دخلت المسجد، وإذا خرجت من المسجد، وإذا عدت إلى البيت، وإذا أتيت زوجتك، وإذا أكلت طعامك، وإذا رأيت البرق، أو سمعت الرعد، أو نزل المطر، كل حال من أحوالك عليها خاتم الذكر، ويجب أن تتعلم هذه الأذكار، وهذه يسمونها: أذكار الأحوال والمناسبات.
الذكر الرابع: الأذكار العددية، التي عدها الشرع وحدها بعدد معين، وتعبدنا بعددها مثل: (من قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده؛ غفر الله ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج أو مثل زبد البحر) وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال عقب كل صلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفر الله له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر) وهذا الحديث في صحيح مسلم وهو حديث صحيح، والعاملون به قليل؛ لأن الشيطان يأتيك وأنت تصلي ويذكرك ويقول: قم .. الحق .. امش، من أجل ألا تقعد دقيقتين فقط تذكر الله فيها.
شخص من الإخوان بدأ يقولها: سبحان الله .. سبحان الله بأحسن أداء، وحسبنا الوقت فوالله ما أخذت دقيقتين، لكن الشيطان يخرجك من هنا ويجعلك تضيع وقتك فتجلس مع رفاقك عشر دقائق في السوق، لكن هنا لا تجلس دقيقتين! فلا بد أن تقول هذا الدعاء عقب كل صلاة، كما في الحديث: (من قال عقب كل صلاة...) لأنه ليس في العشاء فقط، وفي الفجر تتركها ولا تقولها، وفي الظهر ترجع من الدوام ولا تقولها، وفي العصر تذهب لكي تنام، لا، بل عقب كل صلاة لا تقم -ولو احترقت الدنيا، وأنت في المسجد- إلا بعد أن تكملها، دقيقتين -يا أخي- وبعد ذلك قلها بأداء صحيح وقلبك حاضر، ليس كما يفعل أكثر الناس، نرى الناس يُسبحون ولا ندري كيف يقلقل قلقلة؟ هل هذا تسبيح؟ متى سبح؟ ويتلفت في المسجد هل هذا تسبيح؟ .. هذا لعب! لا تتلفت انظر في أصابعك، تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، هذه -والله- إنها كالذهب.
فالآن عندما تستلم راتبك كيف تعده، هل تعده وأنت تتلفت أم أن عينك في النقود وتفحصها؟ ولو أن واحداً جاء يسلم عليك وأنت تعد الفلوس هل تسلم عليه؟ لا، والله! ما ترد السلام عليه، وإذا بك بعد ما تنتهي تقول له: آسف -والله- كنت أعد الفلوس، هذه فلوس ما هي لعبة! فالفلوس لا نضيعها، لكن التسبيح كم سبحت قال: لا أعلم، نسأل الله أن يتقبل! لا -يا أخي- عدها إن (سبحان الله) أعظم من الدنيا وما عليها.
يُحكى أنه في ذات مرة مرَّ سليمان بن داوُد هو وحاشيته وجنده على بساط تحمله الريح، البساط الذي يسره الله له وسخر له الريح تمشي بأمره رخاءً حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، الغدوة مسيرة شهر، والروحة مسيرة شهر، ثم هي بأمره إذا قال: انزلي .. أنزلته، بلا مطارات، وبلا وقود، سفينة ربانية!
فمر على مدينة من المدن فحجب البساط ضوء الشمس عن الأرض، وكان هناك فلاح في الأرض يعمل فرفع رأسه وقال: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً. فسمعه سليمان عليه السلام وهو على البساط، فأمر الريح أن تُنزِله فأنزلته وجاء إليه وقال له: ماذا قلت؟ قال: ما قلت شيئاً، فخاف؛ لأن سليمان ملك ونبي، قال: لم أقل شيئاً، قال: بلى قلت، فماذا قلت؟ قال: قلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً، فقال سليمان: والذي نفسي بيده! إن الكلمة التي قلتها أعظم عند الله مما أوتي آل داود.
سبحان الله! تعظيم لله وتنزيه لله، فعليك أن تسبح عقب كل صلاة وقد ورد أيضاً حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم وفيه أيضاً عدد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان كمن أعتق عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة وحط عنه مائة خطيئة، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجلاً قال مثل ما قال أو زاد، وكانت حرزاً له من الشيطان يومه ذاك) فهذه خمس كيف تضبطها بالعدد بأن تعد، وهذه هي الأذكار العددية.
النوع الخامس: الذكر المطلق، أن تذكر الله على كل حال وفي كل حين، وأفضل ما يذكر الله به: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، إذ هن الباقيات الصالحات، يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح قال: (لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وغربت).
كم أشياء طلعت عليها الشمس وغربت من المزارع والمباني والبنوك والعمارات، ولكن هذه الأربع أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل ذلك.
فهذان عنصران هما: قراءة القرآن وذكر الله.
الله أنزل هذا القرآن لنعمل به وليس لنقرأه فقط، فالآن لو أنك موظف وجاءك تعميم من الوزارة أو من الإدارة وقال لك مدير الإدارة: الإخوة الموظفون! للإطلاع والتوقيع بالعلم، وطلب منك أن توقع في التعميم بالعلم، ماذا يتطلب منك الأمر?
يتطلب منك أن تقرأ التعميم، فمن الذي يوقع قبل القراءة؟ ولو أن شخصاً وقع قبل القراءة ماذا نسميه؟ نقول: هذا مغفل وأحمق، توقع على تعميم أتى من الوزارة وما قرأته، افرض أن فيه قرارات .. افرض أن فيه شيئاً.
والتعميم الرباني من الله، تقرأ القرآن ولا تعلم ماذا هناك، تقرأ قول الله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36] وأنت تسمع الأغاني، كم مرة سمعت أن الأغاني حرام، وكم مرة قرأت هذه الآية، وما انتهيت عن الأغاني، فما معنى هذا?
معناه: إصرارك على أن تعصي الله على علم، يكفي -يا أخي- أنت عبد الله، بمجرد أمر واحد أو فتوى واحدة أن الأغاني حرام فتمتثل ولا تستمع، هي قرآن الشيطان ووحي إبليس وهي ضد القرآن، فلماذا تعاند ربك وتستمر عليها وأنت تعلم أنها حرام، وأنت تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول والحديث في صحيح البخاري : (ليكونن في آخر الزمان أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وهناك حديث مرفوع وقيل موقوف على ابن مسعود: [الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل] وفي بعض الآثار: [من استمع إلى مغنية صب الله في أذنيه يوم القيامة الرصاص المذاب] وفي سنن ابن ماجة حديث عن عمرو بن قرة الجهني قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: (يا رسول الله! ما أراني أُرزق إلا من دفي بكفي -فهو لديه دف يضرب به على أولاد المدينة فيعطونه تمراً فيأكل، فهو يقول ليس عندي عمل- فرخص لي يا رسول الله -سهل لي فيها أمراً في غير ما فاحشة، يقول: ما أريد أن أغني بفاحشة- قال صلى الله عليه وسلم: قم يا عدو الله كذبت، والله لولا أنك سبقت بالتقدمة لحلقت رأسك ولجعلت مالك نهبة لصبيان المدينة ) فقام وبه من الذل ما لا يعلمه إلا الله، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إن هذا ومن هو على شاكلته يبعثون يوم القيامة عرايا لا يستترون بهدبة كلما قاموا صرعوا) هؤلاء أهل الفن، يخلده الفن في النار، ولهم عواء كعواء الكلاب في جهنم -والعياذ بالله- فلا تقترب منهم -يا أخي- ولا تكن مشجعاً لهم ولا تكن من جمهورهم.
كن من أهل القرآن ومن المشجعين لكتاب الله، كن من أهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول ابن القيم رحمه الله:
برئنا إلى الله من معشـر>>>>>بهم مرض من سماع الغنا
فعشنا على سنة المصطفى>>>>>وعاشوا على دندنا دندنا
و(يا عين) و(يا ليل) وبعد ذلك يتجرع نتائجها يوم القيامة فلا حول ولا قوة إلا بالله!
فيا أخي المسلم! العبرة من التلاوة أن تعمل بالتلاوة: إِنَّ السَّمْعَ [الإسراء:36] عرفت هذا، فلا تستمع إلى غيبة، ولا نميمة، ولا قول زور.
وَالْبَصَرَ [الإسراء:36] لا تنظر إلى الحرام، ولا تملأ عينك الحرام (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم) ما معنى أن الله تعالى يقول لك: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ [النور:30] من هم المؤمنون؟ أهل روسيا أو بريطانيا ؟ لا. بل أنت الذي ولدت في بلد الإسلام ومن أهل الإيمان: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30].
ولكن بعض الناس يقرأ الآيات ويسمع القرآن وإذا رأى امرأة نظر بعينيه وحركها بشرهٍ، يعني: يريد أن يبتلعها بعيونه، الله تعالى يقول: غضوا، وهو يقول: فتحوا، أعوذ بالله! هذه العين ما علاجها إلا من جهنم؛ لأن (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركه ابتغاء مرضاة الله أبدله الله إيماناً في قلبه يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) كما ورد في الحديث.
وَالْفُؤَادَ [الإسراء:36] فلا تفكر ولا تسر إلا فيما يرضي ربك، فلا تمش بقدمك إلى حرام، ولا تمدَّ يدك إلى حرام، ولا تتكلم بلسانك في حرام، وقيد نفسك بتعاليم القرآن، وكن قرآناً متحركاً، وكن قرآناً حياً كما قالت عائشة لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان خلقه القرآن) والحديث صحيح.
تريد خلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] فخلقه القرآن، وتعاليم القرآن كلها انعكست وتمثلت في شخصه صلى الله عليه وسلم.
فاقرأ القرآن، واعمل بالقرآن، واستشف بالقرآن، واحتكم إلى القرآن، وتدبر القرآن، تعلم القرآن، احفظ القرآن، كن قرآناً؛ لأنك إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله فاسأل نفسك عن منزلة القرآن في قلبك، فإن كان للقرآن منزلة في قلبك فاعلم أن لك منزلة عند الله، وإن كان لا يوجد للقرآن منزلة في قلبك فاعلم أنه لا منزلة لك عند الله.
ومن الناس -والعياذ بالله- من إذا حرك مؤشر المذياع وسمع قرآناً كأنك ضربته على وجهه، لا يريد ريح القرآن، فإذا وجد أغنية استقر عليها وانبسط، فيعرض عن الله ويبتعد -والعياذ بالله- وهذا مدبر ولا خير فيه.
والله أسأل في هذه الساعة المباركة ولعلها ساعة إجابة، أن يشرح صدورنا وإياكم إلى الإسلام، اللهم اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، واغفر لنا في دنيانا وآخرتنا، واجمعنا وجميع أحبائك إخواناً في الله في دار كرامتك، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: هذه الآية يذكر الله عز وجل فيها المنافقين في أوائل سورة البقرة؛ لأن الله تعالى ذكر الناس وقسمهم إلى ثلاث فئات: أصحاب قلوب سليمة صحيحة وهم أهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- وأصحاب قلوب ميتة وهم أهل الكفر، وأصحاب قلوب مريضة وهم أهل النفاق.
فذكر الله أصحاب القلوب الصحيحة بأربع آيات، وذكر الله أصحاب القلوب الميتة بآيتين، وذكر أصحاب القلوب المريضة بثلاث عشرة آية حتى يكشفهم ويعريهم فقال في أول سورة البقرة: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] يعني: أهل القلوب الصحيحة يكون القرآن سبباً في هدايتهم.
فما صفاتهم؟ قال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] أي: لا يعيشون في سجن المادة المنظورة بالعين، بل يؤمنون بعالم الغيب والشهادة، فما غيب عنا فإنه أعظم بملايين المرات مما ظهر لنا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة:4] أي: القرآن وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:4-5] الله أكبر ما أعظم هذا التذييل المناسب (أولئك) اسم إشارة للبعيد، لعلو منزلتهم ولعلو درجتهم عند الله عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:5] يعني ليس هناك ضلال وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5] جعلنا الله وإياكم منهم.
ثم ذكر الله أصحاب القلوب الميتة التي لا حياة فيها، فقال سبحانه فيهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] لأن الله علم عدم انتفاعهم بالإنذار، ولماذا?
قال تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7].
ثم انتقل إلى أصحاب القلوب المريضة الذين أظهروا للناس شيئاً وأبطنوا غيره، فأظهروا للناس الإيمان وأبطنوا الكفر والنفاق، فهؤلاء أمرهم مشكل، ووضعهم غريب، فلا بد من توضيح حالهم وكشف احتيالهم، فكشفهم الله تعالى فقال: وَمِنْ النَّاسِ [البقرة:8] أي ليس مؤمناً من الأولين وليس كافراً من الآخرين، ولكن يلبس لبوس الإيمان، ويخفي الكفر قال: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10].
وشفاء هذا المرض وعلاجه بأدوية:
أعظمها القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى قال: وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57].
ثانياً: السنة المطهرة، هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة عيشه، كيف يعبد الله؟ هديه في كل شيء.
ثالثاً: حب المساجد؛ لأنها مشافي القلوب، والملازمة لها والمداومة عليها؛ لأن من ألف المسجد ألفه الله، ومن أحب المسجد أحبه الله، ومن مشى إلى المساجد في ظلمة الليل لقي الله بنور تام يوم القيامة، فحبك للمسجد مما يقوي إيمانك ويسلم قلبك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) فحب المساجد مهم جداً.
رابعاً: حب العلماء؛ لأنهم أطباء القلوب، فإذا أحببتهم ولازمتهم وجلست معهم سلم قلبك.
خامساً: حب الأخوة في الله، عليك أن تتعرف على مجموعة من الصالحين وتربط بهم علاقة الإيمان وتجالسهم، إن كسلت نشطوك وإن غفلت نبهوك، وإن نسيت ذكروك، وإن أخطأت رجعوك، المهم معك في الطريق يعينونك على طاعة الله.
سادساً: بغض أهل الفسق والمعاصي والحذر من مجالستهم، فإنهم مرضى، ولا بد من الحظر الصحي عليهم، فمن جالس المرضى مرض، أليس كذلك؟! فواحد عنده سل، وثان عنده إيدز، وثالث عنده سرطان، تجلس معهم وتأكل وتشرب، لا والله! ولو كانوا إخوانك لا تأكل وتشرب معهم، تقول: والله! ما أقعد معكم.
فاعلم أن هذا عنده سل في دينه، وإيدز في أخلاقه، وسرطان في عقيدته، ما رأيك بهذا تجلس معه؟ خطأ، إذا جلست معه أوردك النار، فاحذر منه وبهذه الأسباب الستة إن شاء الله يسلم قلبك بإذن الله.
الجواب: المعاصي -أيها الإخوة- حجاب بين العبد وبين الله، لها آثار مدمرة على الإنسان في الدنيا والآخرة، تذهب بركة العمر، وتذهب بركة الرزق، وتذهب بركة العلم، وتذهب بركة الأولاد والأموال، المهم أن المعاصي نار وشنار وعار في الدنيا والآخرة، والله تبارك وتعالى قد حذر منها وقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36].
المعصية هذه هي سبب لإبعادك وإقصائك عن الله، فلا تستصغر شيئاً من المعاصي؛ لأنه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.
لا تحقرن من الذنوب صغيـرا>>>>>إن الصغير غداً يصير كبيرا
الصغير اليوم يكبر، واليوم ذنب وغداً ذنبين وبعده ثلاثة، تأتي يوم القيامة تلقاه مثل الجبل، ما هذا?
يقال لك: هذا الذنب الصغير أصبح اليوم كبيراً، وكل شيء يكبر.
إن الصغير وإن تقادم عهـده>>>>>عند الإله مسطر تسطيرا
وفي الحديث وهو في السنن قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على المرء فيهلكنه) وهذه الذنوب التي وقعت فيها -يا أخي- ليست من الصغائر بل هي من الكبائر، سماع الغناء الذي هو ضد القرآن قال ابن القيم :
حب القران وحب ألحان الغنـا>>>>>في قلب عبد ليس يجتمعان
لا يمكن أبداً أن تجمع قرآناً وأغاني في قلبك، ولذلك ترى الذين يحبون الأغاني لا يحبون القرآن، وإذا أحبوه لا يحفظوه، والذي يحب القرآن لا يحب الأغاني، وإذا سمع لا يريدها، لماذا؟ لأنها متضادة، مثل النار والماء، مثل الشرق والغرب، مثل السماء والأرض لا يمكن أن تجتمع، أما كما يقول بعض الناس: ساعة لقلبك وساعة لربك، لا فهذا شرك، والله تعالى يقول: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162] حتى الموت لله، أما ساعة للقرآن وساعتين للأغاني، فلا. فسماع الأغاني مصيبة.
وإسبال الثوب أيضاً من الكبائر؛ لأنه من المخيلة والأحاديث الصحيحة وردت في النهي عنه سواءً كان هذا الإسبال خيلاء وتكبرً أو كان غير ذلك، فإن كان خيلاء وتكبراً فقد ورد في الحديث الصحيح: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) وإن جر ثوبه عادة لا خيلاء، فقد ورد في الحديث وهو أيضاً صحيح: (إزرة المسلم إلى نصف الساق، فإن كان مرخياً فإلى الكعب، وما تحت الكعب ففي النار) سواء خيلاء أو غيره.
فيا أخي المسلم! إسبال الثوب من المخيلة والله سبحانه وتعالى لا يرضاه، والحديث في صحيح مسلم : (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب عظيم: المنان بعطائه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمسبل إزاره).
وبعض الناس يستشهد بفعل أبي بكر ، وهذا مسكين، هناك فرق بين الثرى والثريا، فـأبو بكر لما سمع هذا الحديث قال: (يا رسول الله! إن إزاري يسترخي، وإني أتعاهده) يقول: أنا لا أتركه أنا أتعاهده، ولكن أحياناً أسهو عنه أو أغفو فينزل، قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لست ممن يفعله خيلاء) هذا أول شيء شهادة تزكية لـأبي بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولكن أنت من يزكيك حتى تكون مثل أبي بكر؟
وأبو بكر يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (ما طلعت الشمس بعد النبيين على أفضل من أبي بكر ، ولو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر ) أثنى الله تعالى عليه في القرآن: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] أيُّ رجل عظيم هذا؟ وبالرغم من هذا يقول: إن إزاري يسترخي؛ لأن الرجل كان بطنه ملتصقاً بظهره، بل كان جُل الصحابة بطونهم ملتصقة بظهورهم، فهم من شدة الجوع يربطون على بطونهم بالحجارة. فكان أبو بكر يربط إزاره، ومع الجوع يصير فراغاً فينـزل ويتعاهده ويرجعه، ثم يذهب الواحد منا إلى الخياط ويقول: دع الثوب يسحب، ثم تجده يقول: أنا مثل أبي بكر ، هذا يعني أنك متعمد أن تنـزل ثوبك، من أجل أن تمشي في الشارع وتخفي قدميك، لماذا تخفي قدميك، لماذا? هل هي تفتن الناس؟
المرأة مأمورة بأن ترخي ثوبها حتى لا تفتن الناس بقدميها، أما أنت فرجلاك لو رآها الناس لفروا منك، من الذي افتتن بك، ارفع ثيابك، وكن رجلاً، لا تسحب ثوبك كأنك امرأة، (عيب والله عيب!!) هذا عمر وهو مطعون والدم يخرج من بطنه رأى شاباً يسحب ثوبه قال: [يا غلام! ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك] يقول: أتقى لله وأنقى لثوبك، هذا الذي يسحب ثوبه ففي كل يوم زوجته تغسله، كل يوم يكنس الشارع ويذهب عند زوجته تنظف، لكن لو رفع ثوبه بقي أسبوعاً بدون غسل.
أما الدخان وما أدراك ما الدخان (أبو قط) وليس (أبو نمر) ولا (أبو أسد) ولكن اعلموا أنه من القطط وإلى القطط ، أبو قط ترى الرجل يأخذ العلبة ويضعها في جيبه، فتظنها نقوداً تملأ جيبه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
الدخان خبيث ورائحته خبيثة، ولا ينبغي للمسلم أن يتعاطاه بأي حال من الأحوال، وقد صدرت فيه الفتاوى الشرعية من العلماء أنه محرم بأدلة شرعية، سبعة أدلة: والواحد منها يكفي، وفيه تحذير رسمي من الدولة على كل علبة: التدخين يضر بصحتك فلا تقربه، ولكن من الناس من هو أجهل من الثور، يرى التحذير ويشتريه بمال ويشعله بنفسه.
فسبحان الله! منظمة الصحة العالمية بإجماع أطبائها غير المسلمين يقررون أنه سبب رئيسي لإصابة الإنسان بسرطان الرئة الذي ما له دواء إلا الموت؛ لأن الرئة مثل الإسفنج إذا دخل فيها سرطان كأنك ولعت في إسنفجة فكيف تطفؤها؟
ومن أراد المزيد فليستمع إلى شريط في حكم الدخان اسمه: (القاتل المهذب) يقتل ولكن بأدب، هذا موجود في الأسواق وينفع إن شاء الله والذي يسمعه يستفيد منه إن شاء الله.
وأذكر لكم قصة، وأنا أكررها باستمرار لأن بعضكم ربما لم يسمعها:
كنت ذات مرة في جيزان ، فسئلت عن حكم الدخان في مدرسة ثانوية، فبينت حكمه بما أعرف من شرع الله، فقام أحد المدرسين واعترض وقال لي: يا شيخ! نريد آية في القرآن يقول الله تعالى فيها: الدخان حرام عليكم، كما قال: حرمت عليكم الميتة والدم، فقلت له: يا أخي أنت تأكل الموز والبرتقال والتفاح، قال: نعم. قلت: أريد آية في القرآن أحلت لكم الموز والبرتقال والتفاح، هات آية، قال: لا يوجد. قلت له: يا أخي! القرآن ليس كتاب مطعم، يعطي لك قائمة بالأطعمة هذا حلال وهذا حرام، بل هذا منهج أمة، ودستور حياة، جعل الله تعالى فيه ميزاناً في سورة الأعراف: وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] فائت بكل طيب وكله، واترك كل خبيث واعلم أنه محرم عليك.
قال: أنا أقول بأن الدخان من الطيبات، أنتم تقولون: إنه من الخبائث وهو حرام، وأنا أقول بأنه من الطيبات فهو حلال، فقلت له: عندك أولاد، قال: نعم. قلت: لو رأيت في يد أحدهم حلوى أو بسكويت أو تمرة، تغضب؟ قال: لا. قلت: لو رأيت في يد واحد منهم سيجارة تغضب؟ قال: نعم. قلت: لماذا؟ قال: لأنه ليس طيباً -بلسانه، والله!- قلت له: غير طيب يعني: خبيث، فضحك الناس عليه كلهم في الصالة، وهو بعد ذلك رفع يديه وقال: تائب والله، والله لا أشربه بعد اليوم، وبعد أن انتهينا سلم علي بحرارة وقال: يا أخي! أنا كان عندي شبهة ولم يقنعني أحد إلا أنت؛ فجزاك الله خيراً وأنا أتوب إلى الله منه.
فالدخان -يا إخواني- عيب والله، فـالذي يشربه عليه أن يتوب إلى الله منه، فبعض الناس يقول: والله صحيح الدخان خبيث، لكن ما نصنع، والله ما استطعنا، ويريد أن يبكي، أعوذ بالله! ما هذا الضعف؟ تنتصر عليك سيجارة وتغلبك وأنت رجل، لماذا لا ترميها من يدك؟ وتقول:أعوذ بالله منك! والله ما أشربك، سبحان الله!
الطفل الصغير يفطم من ثدي أمه وقد ألف ثديها وهو طعامه وغذاؤه الوحيد لمدة سنتين فإذا فطموه ووضعوا له قطران أو شيئاً آخر على الثدي، ثم أعطوه للولد بعد يومين أو ثلاثة ماذا يقول?
يقول: (كخ) (خلاص) لا أريدك ويريد طعاماً جديداً، وأنت بلحيتك لا تقول لهذا الخبيث (أبو قط) و(روث مان) وتعرفون ما معنى ( man مان).
والشيشة وما أدراك ما الشيشة، وبالمناسبة، قرأت قبل ثلاثة أو أربعة أيام ويمكن قرأتم معي بحثاً في جريدة عكاظ مع التحفظ على هذه الجريدة طبعاً، لكن البحث كان قيماً، كان عن إيدز جديد اسمه الفيروس الكبدي نسبة الإصابة به في المملكة العربية السعودية (56%) وهذه الدراسة جاءت عن طريق جامعة الملك عبد العزيز -كلية الطب، جاء بها علماء وأطباء متخصصون، فليس مجرد كلام، بل دراسة علمية، مبنية على إحصاءات وأرقام (56%) من الناس عندهم هذا الفيروس.
وهو ينقسم إلى قسمين فيروس (a) وفيروس (b)، فالفيروس (a) خطير ما بعده إلا الموت، وفيروس (b) خطير ولكن أقل خطورة، هل تعلمون ما هي أسبابه وما أعظم أسبابه؟ إنها الشيشة، هكذا بهذا النص قال الأطباء: وقالوا أكثر من (40%) من المصابين به سببه تعاطي الشيشة، فهذه الشيشة -يا إخوان- لا ينبغي للمسلم أن يحقر نفسه، بعضهم عنده شيشة في المكتب وشيشة في السيارة لا يمشي إلا وهو يقرقر، وشيشة عند رأسه، بل إنه قد أصبح شيشة متحركة، وبعضهم يحليها ويزينها ويلبسها ثوباً -أعوذ بالله من هذا الشيء-.
أما حلق اللحية فمخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم مع أن هذا الكلام يؤلمنا والله عندما نقوله، عندما نرى الكثير من إخواننا الصالحين الطيبين، المحبين لمجالس الذكر، والمحافظين على الحدود، لكنهم مصرون على حلق اللحى، فنحن يجب علينا أن نبين للناس أن حلق اللحية معصية عظيمة؛ لأن السلاح الأبيض مشهور عليها كل يوم، فهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: (جزوا الشوارب، وأعفوا اللحى) (أكرموا اللحى، وخالفوا المجوس) ونحن ليس لنا قدوة في هذه الحياة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] فمن قدوتك حينما تحلق، من؟ هل هو (يلسن) أم (بوش)؟ لا يا أخي! يجب أن يكون قدوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فوالله إنه لشرف لك أن تكون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والقضية والله ما هي قضية شعر، ولكنها قضية انتماء واعتزاز بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرك فانتهِ، فسبحان الله! وهي كم وزنها؟ عشرة كيلو حتى تنزلها، ثقلت على وجهك، بل هي زينة، هي وقار، هي بهاء في وجهك، تقوم بحلقها ومع ذلك تدفع للحلاق عشرة ويقول لك الحلاق: نعيماً، ويضرب على كتفك؛ لأنك مغفل، تحلق لحيتك وتدفع نقوداً! لا أنعم الله عليك!
الجواب: أولاً: أريد أن أقف قليلاً عند الرؤيا حتى لا يتصور الناس أن كل رؤيا يراها حق، نحن لا نتلقى تشريعنا وديننا من الرؤى والأحلام، المصدر عندنا كتاب الله وسنة رسول الله والإجماع والقياس، هذه مصادر الشرع المتفق عليها، وهناك مصادر أخرى مختلف فيها، وهي: شرع من قبلنا، والاستصحاب، والاستحسان، والمصالح المرسلة، والتقليد، والاجتهاد، هذه مصادر مختلف فيها بين الأمة هل هي مصادر تشريع، وليس هذا مقام تفصيل فيها.
ولكن المصادر الشرعية لتلقي الأحكام: الكتاب والسنة والقياس والإجماع، أما الرؤى والأحلام فليست كل رؤيا تؤخذ على ما هي ونفسرها؛ لأن منها ما يكون حديثاً للنفس، ومنها ما يكون من الشيطان، ومنها ما يكون من الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قد علمنا أنه إذا رأى أحدنا ما يكره في نومه فليتفل عن يساره وليستعذ بالله من الشيطان، لا يخبر بها أحداً فإنها لا تضره.
لكن لو أخبر بها وعُبرت فربما تقع، وإذا رأى ما يحب فليخبر من يحب، والرؤيا تسر ولا تضر، وأحياناً يريد الشيطان أن يوقع بين المسلمين والمؤمنين البغضاء ويزعزع ثقتهم في بعضهم، فيريك رؤيا أن فلاناً يدخن أو أن فلاناً حالق لحيته، أو أن فلان رأيته في المنام يزني مع واحدة، هذه من الشيطان من أجل أن تأتي في اليوم الثاني وذاك الذي كنت تحبه ورأيته في المنام أنه يزني تكرهه، لماذا؟ لأنك رأيته في المنام يزني، حسناً.. ما ذنبه هو؟ الشيطان هو الذي تصور لك ولعب عليك وجعلك تكره أخاك، فلا تبن حكماً على رؤيا.
أما كونك رأيت ولدك على هذا الشيء ثم أصبح حقيقة، فهذا علاجه بوسائل:
أولاً: تبحث؛ مع من يجلس ولدك المتدين؟ اسأل مع من يجلس؟ لأنه ما دخل عليه الدخان اعتباطا، ما جاء الدخان إلا مع شخص يأخذه معه وجلسا سوياً وقال له: ما رأيك خذ يا شيخ.. فيرفض، فيقول: إذاً.. أنت مسكين أنت لا تعيش الحياة التي نعيشها ثم يقول: أنا إذا دخنت أرى الدنيا كلها في يدي، أنبسط وتذهب الهموم والغموم والمشاكل ويقولون: دخن عليها تنجلي. أي مشكلة تدخن عليها وترى الدنيا كلها آمالاً.
ذلك المسكين قال: سنجرب فنحن نريدها أن تنجلي، فيأخذها ويمصها أولاً ثم ثانياً ثم ثالثاً، حتى يستسيغها، فابحث أولاً مع من يجلس ولدك؟ وَحُلْ بينه وبين جلساء السوء، ثم ما دام ولدك قد أصبح رجلاً كبيراً فاجلس معه جلسات منطقية متعقلة، وقل له: يا ولدي، يا ولدي، يا ولدي، ربيتك .. أدبتك .. زوجتك، يا ولدي هذا الشيء ليس لي ولا لك، هذا الشيء نعوذ بالله منه، نذهب أنا وأنت إلى العلماء، نذهب إلى طلبة العلم نسأل ونستفيد، إن كان حلالاً أنا أشرب معك يا ولدي، وإن كان حراماً فلا. والله! لا أريدك أن تشرب حراماً، وهكذا وادع الله تعالى له في الليل وخذه إلى مجالس العلم، وأسمعه الأشرطة الإسلامية، واربطه بجلساء طيبين، فإن استقام فالحمد لله، وإذا أصر بعدها فعليك هجره؛ لأن آخر العلاج الكي.
الجواب: ما رأيك يا نائم لو صدر الأمر أن الدوام الساعة الخامسة، والله تقوم، لو عندك رحلة سفر إلى خارج أو داخل المملكة وقالوا: الرحلة الساعة الرابعة صباحاً تقوم ولا تنام؟ ولا تقول لهم: يا جماعة أخروا الطائرة إلى الساعة السابعة؛ لأني أريد أن أنام؟ يقولون: يا مجنون نؤخر الطائرة من أجل خاطرك.
فهذه صلاة الفجر تؤخرها وتضيعها وهي عنوان الإيمان وهي دليل الإيمان: (أثقل الصلوات على المنافقين العشاء والفجر) والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وهذا والله مقياس ضعه في قلبك واعرف أين أنت، فإن كنت من أهل الفجر فاعلم أنك مؤمن، وإن كنت من أهل النوم فاعلم أن فيك نفاقاً والعياذ بالله.
أما كونك تصلي في البيت، فهذا للعلماء كلام فيه حول صحة صلاة من يصلي في بيته، فمنهم من يقول بأنها صحيحة مع العقاب والإثم إذ أنه ترك واجباً وهو صلاة الجماعة، ومنهم من يجعل حضور الجماعة شرطاً في صحة الصلاة بحيث يقول: إنها لا تقبل، وفي الحديث: (من سمع حي على الصلاة، ثم لم يمنعه من اتباعها عذر، لم تقبل منه الصلاة التي صلاها) وهذا موضوع خلاف بين أهل العلم.
ولكن نقول لك: اتق الله في نفسك، وما دمت تصلي الأربع الصلوات، إلا هذه الأخيرة والمهمة فاضبط نفسك، ووقَّت الساعة قبل أن تنام، ونم وأنت تقرأ القرآن، ونم مبكراً، ولا تنم على مسلسل، ولا على فيديو، ولا على مسرحية، ولا على قصة داعرة، ولكن نم على الذكر والقرآن واطلب من الله تعالى أن يوقظك لصلاة الفجر، ونبه على زوجتك إن كنت متزوجاً ونبه على أهلك إن لم تكن متزوجاً، وقل لهم: والله إن لم توقظني لصلاة الفجر فلا أذهب إلى المدرسة، وانظر والله سيوقظونك من أجل الذهاب إلى المدرسة، من أجل أن تأخذ الشهادة، لكن بعض الشباب إذا أيقظه أهله قال: أزعجتمونا. أزعجوك! هذا النوم راحة لك يا عدو الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، نعوذ بالله من غضب الله.
الجواب: رحمنا الله وإياك يا أخي، أما النصيحة للبنات والأمهات في البيوت بأن يتقين الله الذي لا إله إلا هو، وتقوى الله هي خير وصية يوصي بها المسلم أخاه، وهي وصية الله للأولين والآخرين، قال عز وجل: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] وتقوى الله -أيتها الأخت المؤمنة- أن تجعلي بينك وبين عذاب الله وقاية من طاعة الله.
والذي نحذر منه النساء هو تأخير الصلوات؛ لأن بعض النساء لا تصلي الفجر إلا الساعة العاشرة، ولا تصلي الظهر إلا الساعة الثالثة، ولا تصلي العصر إلا مع المغرب، وتصلي المغرب آخر الليل، والعشاء يمكن تنام وتتركها، هذه -والعياذ بالله- مجرمة في حق نفسها، لا تؤخري الصلاة، بل إذا سمعتي الأذان ضعي كل عمل وصلي، ثم صلي صلاة شرعية بكمال الطهارة، وكمال الخضوع والخشوع والتستر، البسي حجاباً ورداءً فضفاضاً واسعاً يغطي كل جسمك حتى شعرك، لا تظهري شعرة ولا تبدي ظفراً، ولا يبقى إلا وجهك في الصلاة، إذا لم يكن هناك أجنبي، أما إذا وجد أجنبي فغطي وجهك، ثم تستقبلين القبلة، وتقرأين الفاتحة، وتخضعين وتركعين وتسجدين وتطمئنين أما السرعة والمسابقة، بعض النساء تأخذ الصلاة في غمضة عين، وتقول: قد صليت، وهي تكذب، وقد تقول: لو تركتها كلها .. الله غفور رحيم، لكنها نسيت أن الله شديد العقاب لمثلك أيتها المجرمة في حق نفسها.
حافظي على الصلاة، اتركي الغناء لا يجوز أن تسمعيه، في البيت، كل الأشرطة التي عندك بدليها، اذهبي بها إلى مكتب الدعوة وسلمي الأشرطة التي عندك، يطبعونها ويسلمون لك آخر الأشرطة الإسلامية، بدل أن كانت باطلاً تصبح حقاً، وبريال واحد فقط، والله أكبر! ما أعظم هذا الفضل!
وبعد ذلك تحجبي والتزمي بالحجاب حتى ولو كان زوجك يرفض؛ لأن من الأزواج من لا يهمه هذا الأمر بل يحب أن تكشف امرأته بشكل مستمر، من أجل إن كانت جميلة يباهي بها، وإن كانت كريهة وليست جميلة فلأجل أن يجعل الناس نساءهم يرينه؛ لأنه لو غطى زوجته وهي كريهة أو قبيحة غطى الناس نساءهم عليه، والعياذ بالله.
هذه جوهرة لك لا يراها إلا أنت، ولا تكشف.
وإذا أمركِ بالكشف فلا تطيعيه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثم احذري من مرض خطير جداً منتشر في أوساط النساء وهو مرض الغيبة؛ لأنها تأخذ عباءتها وتخرج من بيتها إلى أين؟ قالت: عند الجيران، ما هي المناسبة التي معكم؟ قالت: نتحدث، يعني: نأكل لحوم الناس، وتجد بعض النساء قد فنيت عباءتُها من عند رأسها من كثرة ما تلبسها، فكل يوم وهي على رأسها من بيت إلى بيت ماذا هناك، قالت: تتحدث، هل نتحدث بذكر الله؟ لا. بالقرآن؟ لا. لكنها تتحدث عن ماذا قالوا في فلان، ما قال أهل فلان، أما فلان أعوذ بالله منه، والله أما فلان فسلام الله عليه، قطع ونشر وطعن وقضم وهضم في لحوم المسلمين.
تخرج وهي قد شبعت من نار جهنم -والعياذ بالله- فنقول: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا أعراضهم؛ لأنَّ (من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع عورته فضحه وهو في جوف بيته) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
والنميمة وهي داء خطير عند النساء: وهي نقل الكلام بين البيوت، تأتي عند هذه تسمع كلامها وتذهب عند تلك وتقول: والله كنت عند فلانة بالأمس وسمعتها وهي تقول: فيك وفيك وما عملتِ بها، قالت: الله أكبر! صدقيني! والله إنها بنت حرام، وذهبت عند من نمت عليها وقالت: والله كنت عند فلانة بالأمس وذكرتك بشيء وقالت وتقول! وهذه أحرقت الأسر -والعياذ بالله- والنمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، فهذه أمراض النساء وكثيرة هي أمراضهن.
ونصيحة أخيرة: طاعة الزوج؛ لأن طاعة الزوج من طاعة الله، فهاهي عمة حصين بن محصن لما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في السنن ، قال: (أذات بعل أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت منه؟ قالت: أجتهد -يعني: لا أقصر- قال: إنه جنتك ونارك) فالنار والجنة من عند الزوج، ثم قال: (أيما امرأة صلت فرضها، وصامت شهرها، وأطاعت بعلها، وحصنت فرجها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت).
إن طاعة الزوج مسئولية كبيرة ولكن في طاعة الله، وتستطيع المرأة الموفقة أن تصل إليها بألطف الأساليب، فالزوج لا يريد مالاً، ولا يريد خدمة شاقة، يريد بسمة، يريد كلمة طيبة، يريد وجهاً بشوشاً، يريد رائحة جميلة، يريد ثوباً نظيفاً، يريد طعاماً مطهياً عاجلاً، يريد أن ينام ولا يسمع تكديراً، وإليكم مقولة المرأة التي زفت بنتها إلى زوجها، فلما زفتها قالت لها: إنك ستخرجين من بيت درجت فيه إلى عشير لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً.
لأن بعض النساء تقول لبنتها: لا ينتصر عليك، كوني عزيزة النفس، إذا قال كذا قولي: لا. كوني عزيزة! فتحدث المشاكل من أول يوم دخلت فيه، ولكن عندما تصير المرأة أمة للزوج، ماذا يكون هو؟ عبداً لها.
وبعد ذلك قالت: لا يشمن منك إلا أطيب ريح، ولا تقع عينه منك إلا على كل مليح، وإياك في تأخير طعامه، أو تنغيص منامه، فإن تأخير الطعام ملهبة، وتنغيص المنام مغضبة، كيف ذلك؟
بعض النساء تظل نائمة حتى الساعة الثانية، وزوجها يأتي الساعة الثانية والنصف، وبعد ذلك قامت الساعة الثانية ولم يبق إلا نصف ساعة وخربت الدنيا كلها، ويأتي الزوج ويقول: هل الطعام جاهز؟ فتقول: اصبر قليلاً لازال القدر على النار، أين كنت من الصباح، (اللهم طولك يا روح) وبعد قليل أتت به بعد نصف ساعة وهو يلتهب، والطعام إذا كان حاراً كأنه نار نعوذ بالله من النار، كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحب الطعام الحار، ولما قدم له قال: (إن الله لم يأمرنا أن نطعم النار) وبعد ذلك تجده إما مطهياً طهياً غير جيد، يعني: لابد أن يكون فيه عيب؛ لأنها أصلحته بسرعة، لكن لو أنها من أول الأمر قد دبرت أمرها وجهزت طعامها، بحيث إنها حين تسمعك وأنت عند الباب تدق الجرس، لا تدخل إلا والطعام أمامك حتى لا تغضب.
وتنغيص المنام مغضبة، وبعض النساء إذا علمت أن زوجها نائم تقفل عليه الباب وتأخذ أطفالها وأهلها وتذهب في غرفة بعيدة عن منامه وتسكتهم حتى لا يزعجوه، وعندما يأتي الوعد الذي قرر فيه القيام، تأتي إليه بالدقيقة وتنهضه قائلة له: يا فلان قم بارك الله فيك الموعد حل (يا سلام!) هذه الزوجة موفقة، نسأل الله أن يوفقها.
ولكن بعض النساء إذا نام فتحت الباب وأتت بعيالها كلهم، يقول لها زوجها: أريد أن أنام، قالت: لماذا تنام، حسناً أتيت من الدوام من أجل أن تنام، نريد أن نقعد معك، فإن الزوج يدعو عليها: لأنه وجدها مصممة على إزعاجه وبعد ذلك ذهب النوم وخرج وغضب عليها وحدثت مشاكل، كان عليها أن تغلق عليه الباب ساعة أو نصف ساعة بحيث يرتاح قليلاً؛ لأن الرجل يعاني بالخارج ويتعب في عمله فأين يذهب؟ هل يذهب إلى (القهوة) لينام؟ أم يذهب إلى المسجد؟ أم يذهب إلى الناس يطلب منهم مكاناً لينام فيه؟ هذه عذاب -والعياذ بالله- يقول المثل: حرب الخلاء ولا حرب الدار.
فإخلاص المرأة يكون بطاعتها لزوجها، وبكل هذه الأساليب إن شاء الله يمكن أن تكون المرأة طيبة، وهناك شريط إن شاء الله سوف يخرج بعد أيام اسمه (رسالة إلى كل عروسين) وجهته أنا إلى العرسان الجدد، ولكن يصلح حتى للقدامى، لعله ينفع ويعالج أغلب المشاكل التي بين الزوج وزوجته، وإن شاء الله سيصدر قريباً فلا تستعجلوا عليه، ربما يبقى شهراً؛ ولكن يوجد شريطان الآن في السوق، الأول بعنوان: (حقوق الزوج) والآخر: (حقوق الزوجة) هذا موجود وبإمكان الشخص أن يشتريه ويستفيد منه.
الجواب: لا يجوز للإنسان أن يتغيب بغير عذر شرعي؛ لأنه مسموح له بقوة النظام أن يأخذ إجازة من الإجازات العادية أو الإجازات الاضطرارية، أو إذناً من رئيسه إذا كان يملك صلاحية في هذا، فلا يجوز له إلا بإذن أو يقدم خطاباً: سعادة مدير الإدارة تغيبت يوم كذا وكذا أرجو خصم راتب ذلك اليوم. إذا جاء المدير وقال: لا يا شيخ، فضل الحكومة واسع. قل له: صدقت، الحكومة فضلها واسع، أمدها الله ووفقها وبارك فيها، لكن ظهري لا يتحمل العذاب، وأنا أجير عند الدولة، فأنا آخذ اليوم راتباً وآخذ بدلاً عنه عذاباً في النار، يحوله إلى شئون الموظفين لخصم راتب ذلك اليوم، وإذا رفض فارفعها للمدير العام من أجل يخصم عليك يوماً مثل يومك؛ لأنه مدير متساهل وأخبره بذلك. والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , انشراح الصدر [1،2] للشيخ : سعيد بن مسفر
https://audio.islamweb.net