اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , من أمثال القرآن للشيخ : سعيد بن مسفر
اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.
اللهم ما أعطيتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا على ما تحب، وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغاً وقوة لنا فيما تحب.
لقد طَرَأَ في بالي حديث حب الله عز وجل للعبد، وإلقاء الحب والقبول له في أهل السماء، ثم في أهل الأرض، وقد طَرَأَ في بالي معانٍ كثيرة كنت أتمنى أن تكون موضوع هذا الدرس، وهو: كيف ينال العبد محبة الله؟! لأنه ليس مهماً أن تُحِبَّ أنت، ولكن المهم أن تُحَبَّ، فكم من مدعٍ للمحبة لم ينلها، ولم يصل إليها! ولكنني ملزمٌ بالحديث فيما أعلن عنه من عنوان وهو: (من أمثال القرآن) ولعلها تحين إن شاء الله فرصة أخرى فيما بعد للحديث عن أسباب نيل محبة الله عز وجل.
أيها الأحبة: الأمثلة وضَرْبُها أسلوب تربويٌ بليغ التأثير، جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ضمن الأساليب المؤثِّرة التي تقرب المعاني، وتوضح الأمور، وقد عُنِي بها القرآن، وعُنِيت بها السنة المطهرة، وجاءت الأمثال كثيرة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى عدَّ بعض العلماء الأمثال التي وردت في القرآن فقط بثلاثة وأربعين مثلاً، كلها لتقريب المعنى؛ لأن المثال وسيلة إيضاح، والمعلم الناجح هو الذي يستطيع أن يستخدم وسائل الإيضاح لإيصال المعاني والمعلومات إلى أذهان الطلاب والتلاميذ، والأمثلة أفضل وسيلة توضح المراد والمعنى؛ لأنها نموذج تقرب المعنى إلى الذي يسمع، فيفهم بضرب المثال أكثر مما يفهم بسرد الكلام، ولو اشتمل السرد على أبلغ المعاني، وعلى أعظم الأساليب، إلا أن المثال يفهم سريعاً، ولذا كثرت الأمثال في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا مثال عربي، معناه: أن إقامة الحدود وقتل القاتل تقضي على القتل.
لكن القرآن جاء بعبارة أعظم وأبلغ من هذا المثل، فقال عز وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] في القصاص! فهل في الموت حياة؟! كيف يجتمع النقيضان؟ الموت موت، والحياة حياة، فكيف يكون في القصاص حياة؟!
نعم. في القصاص حياة، لكنها حياة لمن؟ حياة ليس لمن يُقْتَص منه، بل حياة للمجتمع؛ لأن القاتل حين يعلم أنه إذا قَتَلَ قُتِلَ توقَّفَ وارتدع عن القتل، فيحصُل بتوقفه وامتناعه عن القتل حياة للأنفس الأخرى؛ لكن القاتل الذي يعلم أنه لا يُقْتَل يتمادى في الطغيان، وينتهك، ويسفك الدماء؛ لأنه يعرف أنه لن يحصل له شيء، ولذا يقول الله في القصاص من الجناة حياة لبقية الناس، وصدق الله عز وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179].
هذا مَثَلٌ واقعي، فالذي لا يعرف السلعة لا يقدرها.
وكما يقول العوام: (إلِّليْ ما يِعْرِفِ الصَّقْر يَشَوِيْه) يظنه حمامة، وهو صقر لا يؤكل؛ لأنه من ذوات المخلب؛ لكنه لا يعلم هل هذا صقر أم حمامة، فيشويه.
وكذلك من يجهل الشيء لا يعرف قيمته، بل ربما يتصدى لمعاداته.
ولكن في القرآن الكريم ما هو أبلغ من هذا المثل، وهو قول الله عز وجل: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس:39] لَمَّا جهلوا دين الله، وجهلوا شريعة الله، وجهلوا حقيقة هذا الدين العظيم، كذَّبوه لعدم إحاطتهم بالعلم به، وإلا لو علموه لما عادَوه، ولهذا إنما تقع الخشية لله عز وجل من العلماء إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] (ومن كان بالله أعْرَف كان منه أخْوَف) ولو أجريت استقراءً لمن تقع منه المعاصي والذنوب والمخالفات تجد أنها تقع من الذين لا يعرفون الله، أما كل من استقرت معرفة الله في قلوبهم فتجد في قلوبهم مثل النار من خشية الله عز وجل.
فـ(مَن جَهِل شيئاً عاداه) ولكن القرآن يقول: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس:39].
فالذي تزرعه تحصده، والشخص الذي يزرع بُرَّاً ماذا يخرج له؟ بُرٌّ، أليس كذلك؟
والذي يضع بَعَراً، أيخرج له بُرٌّ؟! لا. سينتظر وينتظر، ثم يكشف الطين ويرى البعر؛ إن كان جيداً لقيه، وربما قد تلف، وحتى إنه لن يلقاه، فما تزرع تحصد.
لكن المثال في القرآن الكريم جاء ببلاغة أعظم، يقول الله عز وجل: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123].
ويقول عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90] شخص يزرع طوال حياته السوء، ويزرع الشر والفساد، ويعمل الإجرام، ويهتك الأعراض، ويسفك الدماء، ويعتدي على الحرمات، ويعاند الجبار، ويترك أوامر الله، ويقع فيما حرم الله، هذا ماذا يلقى؟ هل يتصور أنه يلقى حسنات على هذا الفعل؟! لا؛ لأنه يعمل سوءاً، والذي يعمل السوء يجد السوء، والذي يعمل الحسن يجد الحسن، يقول الله عز جل: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31].
ويقول عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ [يونس:26-27] يعمل طوال ليله ونهاره ويكسب، وسَمَّى الله جمع السيئات كسباً، وإلا فهو ليس بكسب؛ لكنه على سبيل التهكم، والشخص الذي يجمع السيئات، كاسب أم خاسر؟! خاسر؛ لكن الله يقول: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ [يونس:27] ماذا يحصل؟! جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا [يونس:27] أم أنه يتوقع صاحب السيئات أنه يجد على السيئة حسنة! هل هذا معقول؟! لا. أبداً.
فيقول الله عز وجل: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [النساء:123].
الحية لا يأتي ولدها أو ابنتها إلا مثلها حية، لا تتوقع أن يأتيك شيء لطيف من حية.
ولكن القرآن جاء بأبلغ من هذا في قوله تبارك وتعالى على لسان نوح عليه السلام: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:27] متى قال نوح هذا؟
ما قاله ابتداءً، فنوحٌ مِن أولي العزم، عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام، وهو من الخمسة أصحاب الفضيلة والمقام الرفيع، دعا إلى الله مدة قدرها (ألف سنة إلا خمسين عاماً) مارَسَ شتى الأساليب، وأخذ بجميع الأنواع: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً [نوح:5] كان يدعو ليلاً ونهاراً، نحن كم ندعو؟ إذا ألقى أحدنا درساً في الأسبوع قال: والله إني تعبتُ، وإذا جلس مع شخص يتكلم بكلمتين، قال: الحمد لله نحن نعمل لهذا الدين ليلاً ونهاراً: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُـمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً [نوح:5-8] دعوة علنية ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً [نوح:9] دعوة سرية، وبعد هذا العمر الطويل والجهد العظيم يوحي الله إليه ويقول له: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ [هود:36] كم عددهم؟ في أصح الروايات أنهم (اثنا عشر) رجلاً، ثمرة تسعمائة وخمسين سنة، يقول الله: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40] آمن معه اثنا عشر رجلاً، مع هذا العمر الطويل والجهد المكثف، والأساليب المتنوعة، لم يستجيبوا ولم يدعُ نوح عليهم؛ لكن لما أوحى الله إليه أنهم لن يؤمنوا، دعا الله عليهم؛ لأنه لا فائدة، ومادام أنه لن يؤمن أحد منهم، فلماذا يبقون؟! فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً [نوح:26] لماذا؟! قال: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ [نوح:27] أحد احتمالين:
الأول: إما أن يضلوا هؤلاء (الاثني عشر) الذين هم عندي الآن؛ لأن تأثيرهم سيكون بليغاً، والكثرة تغلب.
الثاني: أنهم إذا لم يضلوا الذين آمنوا؛ فإن أولادهم الذين يأتون منهم فجرة وكفرة: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:27] و(لا تلد الحية إلا الحية) كما تقول العرب، إذاً لا معنى لبقائهم، دمِّرهم يا رب عن بكرة أبيهم فاستجاب الله دعوته.
لماذا استجاب الله دعوة نوح؟
لأنه استنفد جميع جهده، فالإنسان لا يعتمد على دعائه لله وينام! لا. بل إن نوحاً عَمِلَ وعَمِلَ وعَمِلَ، وعدَّد، ونوَّع، وبذل كل ما عنده، ولما عرف بواسطة الوحي أنه لن يؤمن أحد، إذاً فما معنى أن يبقوا أحياء وهم لم يؤمنوا، فلابد من التدمير، فدعا الله، وقال: ربِّ إنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10].
فاستجاب الله له الدعوة، وقـال تعالى: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ [القمر:11]* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً [القمر:12] ليس فقط مكاناً معيناً، بل الأرض كلها تحولت إلى ينابيع وإلى ماء، حتى موقد النار (التنور) الذي يتوقع أن الماء في كل مكان إلا هو ليس فيه ماء بل فيه نار؛ لكن فار التنور، والأرض كلها صارت ماءً فَالْتَقَى الْمَاءُ [القمر:12] ماء السماء على ماء الأرض فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:12] أي: أُحْكِم من قِبَل الرب تبارك وتعالى، وحَمَله الله عز وجل على السفينة ذات الألواح والدُّسُر أي: المسامير تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14] تجري برعاية الله.
وقد قال الله تبارك وتعالى: فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [المؤمنون:27] أمره الله أن يحمل فيها أهله ومَن آمن معه، فظن نوح عليه السلام أن الأهلية هنا أهلية النسب، فقال لَمَّا رفض ولدُه أن يركب: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ [هود:45] أنت قلت: يركب أهلي، وهذا ابني أبى أن يركب فلا تغرقه، قال الله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ [هود:46] انظروا القوة في العبارة، لكن الأنبياء يعرفون الله، فنزَّه الله: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ [هود:47] يُنَزِّه الله وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي [هود:47] لا إله إلا الله! يستغفر ويطلب الرحمة من سؤاله لله أن ينجي ابنه، رغم أنه لم يسأل بدافع الأبوة، ولا الحنان، وإنما بدافع الوعد من الملك الديان، أنه من أهله، فظن أنه يركب باعتباره من الأهل.
فصحح الله نظرة نوح عليه السلام. وقال: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46] الأهلية هنا هي: أهلية العقيدة، وأهلية الملة والدين، وما دام كافراً فليس من أهلك.
ففي هذا إشارة إلى أن العلاقة التي تربط الناس بعضهم ببعض هي علاقة العقيدة بالدرجة الأولى، ثم تأتي بعد ذلك الروابط الأخرى؛ لكن إذا انتفت علاقة العقيدة فلا علاقة قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ [المجادلة:22] لا إله إلا الله!
وقد اخترتُ -أيها الإخوة- في هذا الدرس بعض الأمثال من كتاب الله عز وجل التي تقرب المعاني، وأكتفي بثلاثة أمثال.
المثال الأول: مثل مَن يُعرض عن دين الله:
يُدعى إلى الله، وتوضح له الطريق التي يسلك بها طريق النجاة، وتوضع له المعالم والأنوار والإضاءات التي تدله على الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، فيَصُمُّ أذنيه، ويعمي عينيه، ويعرض عن طريق الهداية، بل يرفض ويهرب، فهذا ضرب الله عز وجل له مثلاً في كتابه الكريم من أسوأ الأمثلة، وشبهه الله عز وجل بالحُمُر الوحشية، فالحُمُر منها حُمُر أهلية، ومنها حُمُر وحشية، ويجمعها لفظ (الحُمُر) أي: حمير، والأهلية: هي التي تُسْتَخدم، وهي التي تُرْكَب ومعروفة عند الناس، والحُمُر الوحشية من فصيلة الحمير؛ ولكنها غير مستأنِسَة، ولا يألفها الناس ولا تألفهم، وهي متوحشة، تعيش في البراري والقفار، هذه الحمير مِن طبيعتها أنها تعيش في حالة عظيمة من الرهبة والخوف إذا رأت الأسد أو السبع، جميع الحيوانات تخاف من الأسود ومن السباع؛ لكن بعض الحيوانات تملك رباطة جأش، وتملك قوة صراع، وإمكانية دفاع، إلا حمار الوحش، من حين يرى الأسد أو السبع على مسافة بعيدة يهرب هروباً يكاد يموت، ويتكسر ظهره، بل وربما لم يره بعد؛ لكن فقط من مجرد الشم.
ويذكر هذا العلماء في كتبهم أنه يفر فراراً عنيفاً، أحياناً يتكسر من كثرة جريه، يحسب أن الأسد قد صار على ظهره، وبينهما مسافة طويلة.
فقد شَبَّه الله عز وجل مَن يكره العلماء، ويكره الدعاة، وينفر من مجالس العلم، ولا يحب سماع كلام الله، ولا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم كالحُمُر، يقول الله عز وجل: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ [المدثر:49]؟! سؤال استنكاري!
لأي شيء يعرضون عن ذكر الله؟!
لأي شيء يتجاهلون داعي الله؟!
لماذا؟! أليس يعنيهم؟! وما الذي يعنيهم في الأرض غير هذا؟!
إن أول ما ينبغي التركيز عليه في اهتمامات العبد: أن يسأل لماذا وجد؟! ولن يخبره لماذا وجد إلا الذي خلقه، ولم يترك الله الإنسان يسأل، بل أرسل الرسل ليبينوا للناس لماذا خُلِقوا؛ لكن الناس الذين أعرضوا لا يريدون، ولهذا يقول الله: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر:49-51] القسورة في لغة العرب: الأسد، والسبع.
فهؤلاء في إعراضهم إذا رأوا الداعية، أو العالم، أو مجلس العلم، أو دعاهم أحد إلى شيء يفرون، ومن قبل كانوا يفرون بأقدامهم كما تفر الحمير بأقدامها، والآن يفرون بسياراتهم!
لماذا؟! قال: جاء (المطوِّع).
(المطوِّع) هذا يطوِّعك، و(المطوِّع): اسم فاعل، أي: يطوِّعك لله، يريدك بدل أن تكون مطوِّعاً للشيطان تكون مطوِّعاً لله؛ لأنك إما أن تكون طائعاً لله، أو طائعاً للشيطان، فهذا يطوِّعك ويجعلك طائعاً، وصفة الطائع صفة كريمة قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69] فلماذا تفر منه؟!
إن فرار الإنسان من أهل العلم، وإعراض الإنسان عن الدعاة، ورغبته في غير مجالس الذكر، دليل على أن عقليته عقلية الحمير، وأن مرتبته مرتبة البهائم، بل هو أعظم وأذل وأخس، يقول الله تبارك وتعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] لماذا أضل سبيلاً؟
لأن الأنعام سارت فيما سخرها الله عز وجل وخلقها من أجله، أما هؤلاء فهم أضل سبيلاً من الأنعام؛ لأنهم لم يسيروا في الطريق الذي رسمه الله لهم، ولا حققوا الغرض والهدف الذي من أجله خلقهم الله عز وجل.
القسم الأول: كفر التكذيب.
القسم الثاني: كفر الشك.
القسم الثالث: كفر الجحود.
القسم الرابع: كفر الإباء والاستكبار.
القسم الخامس: كفر الإعراض.
وقالوا عن كفر الإعراض هو: أن يعرض عن الدين، فلا يتعلمه، ولا يهمه أمره، معرض، قد يصل به إعراضه ورفضه إلى أن يكفر بالله وهو لا يشعر، والله عز وجل سماه: ظالماً، بل لا أظلم منه! بصيغة أفعل التفضيل: وَمَنْ أَظْلَمُ [الكهف:57] أي: لا أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً [الكهف:57] أَكِنَّة أي: أغطية، مغطاة أَنْ يَفْقَهُوهُ [الكهف:57] أي: لئلا يفقهوا دين الله وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً [الكهف:57] أي: مخرومة لا تسمع وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً [الكهف:57].
وقال عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:22].
لا أظْلَم ممن يُذَكَّر بالله ويعرض، هذا نوع من الاستخفاف، وعدم الاهتمام، كيف تعرض عن الله؟!
لو قام المذكر وقال: أيها الناس! أنا سألقي عليكم موعظة؛ والذي يجلس إلى آخرها سوف أعطيه (مائة ريال) هل سيقوم أحد؟! لا. بل الكل سيزحف ويقرب من أجل أن يصل إلى الصف الأول ليستلم (المائة) ولن يقوم أحد، حتى ولو كان عنده عمل فإنه يقول: أقضيه فيما بعد، والذي ولده بجانبه يريد أن يقوم فإنه يجلسه، وإذا قال له: أريد أن أقوم، فإنه يقول له: لا. اجلس إنها (مائة ريال).
لكنك إذا أقبلت على الله وجلست في بيوت الله أتأتيك (مائة ريال)؟! لا. ما يأتيك شيء من هذا، بل تأتيك رحمة، ويأتيك غفران، وذكر عند الرحمن، هل هناك أعظم من أن يذكرك الله فيمن عنده؟! يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم : (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) هل يوجد أعظم من هذه الأربع في الدنيا؛ أن تغشاك الرحمة، وأن تنزل على قلبك السكينة، وأن يباهي بك الله عند الملائكة، وأن تحفك الملائكة؟! لا يوجد أعظم من هذا؛ لكن من الذي يشعر بهذا؟! الذي قلبه حي.
أما المعرض فلا يحس، لماذا يعرض أصلاً؟!
لأنه لا يهمه، (مَن جَهِل شيئاً عاداه) لا يعرف بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس:39] فلما كذبوا بهذا أعرضوا عنه، يقول الله: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55].
فهؤلاء إذا سمعوا الذكر أعرضوا عنه كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ [المدثر:50] لا يريدونه؛ لأنهم يعيشون بعقلية الحمير، التي لا يهمها إلا الشهوات، فلو أتيت تذكِّر قطيعاً من الحمير وقمت تقرأ القرآن، ما رأيك؟! أيسمع الحمار أم يمشي؟! الحمار لا يعقل، ولا يدري مَن تُذَكِّر، وإذا رأى أنثى رفعَ مسامِعَه وجرى وراءها، وكذلك إذا رأى علفاً همه العَلَف والشهواتٌ؛ لكنه لا يستمع إلى الذكر، فما الفرق بين الحمار البشري المُعْرِض عن ذكر الله، وبين الحيوان الذي لا يسمع ذكر الله؟! لا شيء، بل ذاك أضل؛ لأنه يعرف ويُعْرِض، أما هذا فلا يعقل.
إعراض مكاني: بحيث لا يجلس في مكان الذكر.
إعراض قلبي: بحيث يكره الذكر، حتى ولو جلس فهو -أيضاً- كاره، كأنه في سجن، أو قفص، مثل الطير يريد أن يطير، يريد أن ينفك.
إعراض عملي.
إعراض دَعَوي.
إعراض شعوري.
كل هذه تسمى إعراضاً عن الله، وعن ذكر الله، وعن دين الله وفي الحديث المتفق عليه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله وذهب واحد فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه) وهذه هي النتيجة الحتمية؛ أن تعرض عن الله، وماذا تريد إذا أعرضت عن الله؟! أيتوجه الله إليك؟! لا. يقول الله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] يقول: انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [التوبة:127] لكن أقْبِلْ على الله؛ فإن الله عز وجل يُقْبِل عليك يقول تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا [محمد:17] ماذا يصير لهم؟! زَادَهُمْ هُدىً [محمد:17] جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي! كلكم ضالٌ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم) .. (ومَن تقرب إلى الله شبراً تقرب الله إليه ذراعاً، ومن تقرب إلى الله ذراعاً تقرب الله إليه باعاً، ومن أتى إلى الله مشياً أتى الله إليه هرولة، وكان الله إليه بكل خير أسرع).
إذاً: حتى تكون أهلاً لمحبة الله، ولرحمة الله، ولتوفيقه، أَقْبِل على الله، أما أن تعرض وتدبر وتستهتر ولا يهمك أمر الله هذه ليست عقليات أهل الإيمان، إنها عقليات البهائم، وبالتالي تكون مصيبة من أعرض عن دين الله عز وجل صعبة جداً، وهذا المثال ضربه الله عز وجل للذين يعرضون عن ذكر الله، يقول الله عز وجل وهو يوصي النبي صلى الله عليه وسلم في ألا يطيع هؤلاء، هذه النوعية منكوسة الفطر، عندها خلل في التصورات، يقول عز وجل: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] من أغْفَلَ اللهُ قلبَه عن ذكره، وترك الدين، وأعرض عنه فاحذر منه؛ لأن أمرَهُ فُرُطٌ، أمرُهُ ليس ملموماً ولا مجموعاً، بل انفرطت عليه جميع أموره فغفل عن الله وعن دين الله عز وجل.
هذا هو المثال الأول الذي ضربه الله عز وجل للمعرضين عن دين الله عز وجل، وفي هذا تنبيه لكل عاقل ألا يعرض مهما كان الأمر، هذا خير ساقه الله لك، بل أقبل وابحث عن الذكر.
بل شرع الله عز وجل في يوم الجمعة وهو يوم الذكر، ويوم عيد المسلم، ويوم العبادة، ويوم التفرغ من كل الأعمال من أجل الذكر والشكر، شرع الله لنا في هذا اليوم أن نقرأ سُوَراً معينة نص فيها على الذكر، فكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورة السجدة والإنسان؛ لأن في سورة السجدة قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:22].
وفي سورة الإنسان قول الله عز وجل: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ [الإنسان:29] إن هذا الدين ذكرى فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً [الإنسان:29].
وشرع للخطيب يوم الجمعة أن يقرأ سورة (ق) في الخطبة، تقول أم عطية في الحديث الصحيح : (ما حفظت سورة ق إلا من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ بها في الخطبة) وهذه سنة تكاد تكون ميتة، ولا أحد يأتي بها من الخطباء إلا القليل، كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة ق فقط، يقسمها في الخطبتين وينزل، وكفى بها واعظة، لأنها اشتملت على كل أمر العقائد، الخَلْق، والبَدْء، والمعاد، والحشر، والحساب، وعذاب النار، ونعيم الجنة، ولأن فيها قول الله عز وجل: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق:45].
وشرع الله للناس -أيضاً- أن يقرءوا سورة الكهف -والحديث بِمجموع طرقه ورواياته يصل إلى درجة المقبول، فيُعْمَل به عند أهل العلم- وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء الله له ما بين الجمعتين) لماذا؟ لأن فيها قول الله عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً [الكهف:57].
وشرع للإمام في صلاة الجمعة أن يقرأ بسورة الأعلى والغاشية.
أما سورة الغاشية؛ فلأن فيها قول الله عز وجل: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21].
وأما سورة الأعلى؛ فلأن فيها قول الله عز وجل: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى [الأعلى:9-10].
أيها الإخوة: الذكرى والعمل بهذا الدين وتذكر أمر الله، وتذكر شريعة الله، وعذاب الله ونعيمه، وعظمته، كل هذا مطلوب، ولا يأتي إلا حينما تسمع من العلماء، وتجلس في مجالسهم، وتقرأ كتب العلم، وتشتري شريط أهل العلم، لماذا؟ حتى تتذكر؛ لكنك حينما تعرض عن الشريط فلا تسمعه، وتعرض عن إذاعة القرآن فلا تسمعها، وتعرض عن الكتاب الإسلامي فلا تقتنيه، وتعرض عن الصحيفة الإسلامية فلا تشتريها، وعن المجلة الإسلامية فلا تقرأها، وعن حلق العلم فلا تحضرها، وإذا أتى يوم الجمعة فإن أكثر المعرضين لا يشهدون خطبة الجمعة، ينام إلى أن يعرف أن الخطبة قد انتهت، فإذا علم أن الخطبة قد انتهت، قام وصلى ركعتين ومشى، فمِن أين تأتيه الذكرى؟! من أي مجال؟! وقد سد جميع الطرق النافذة إلى قلبه.
إن الإسلام يجعل للمسلمين وجبة أسبوعية ممثلة بخطبة الجمعة، ويؤكد على ضرورة الإنصات والاستماع، حتى إنك إذا مسست الحصى والإمام يخطب فقد لغوت، ومَن لَغَا فلا جمعة له، لماذا هذا التأكيد؟ لكي تسمع، ولكي يبلغ الخطيب دين الله؛ لكنّ المصلين لا يأتون إلا بعد الخطبة أو عندما تنتهي، ومما يؤسف له أن في معظم المساجد يبدأ الخطيب والمسجد ليس فيه إلا صف أو صفان، ثم يأتون والإمام يخطب إلى أن يُنْهِي الخطبة والناس ما زالوا آتين! فهذا إعراض، وعدم رغبة، و-والعياذ بالله- وهذه صفة المنافقين الذين يقول الله فيهم: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] ليست لله يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] والعياذ بالله!
كذلك من الناس من عنده علم لكن ليس عنده ثمرة، وليس عنده عمل، ولهذا مصيبة الأمة اليوم -أيها الإخوة- ليست في عدم العلم، بل مصيبتها في عدم العمل، وإلا فإن العلم يقدَّم من أول مرحلة دراسية، من السنة الأولى والولد يُعَلَّم: مَن ربك؟! ما دينك؟! مَن نبيك؟! وفي السنة الثانية يُعَلَّم: الأصول الثلاثة، وفي السنة الثالثة يُعَلَّم: المسائل الأربع، وفي السنة الرابعة يُعَلَّم: التوحيد وأنواعه، وفي السنة الخامسة ما بعدها من المسائل، فلا ينجح إلى السنة السادسة إلا وهو -ما شاء الله- قد عرف دروس العقيدة كاملة، وأساسياتها، وعرف الفقه، وأساسياته، وعرف الحديث الأربعين حديثاً النووية وعرف التفسير في المتوسط وفي الثانوي؛ لكن أين العمل؟! لأنه أُخِذَ بنية غير نية العمل فلم يُعْمَل به، النية من العلم الشهادة، فإذا أُخِذَت الشهادة نُسِيَ العلم، يحفظ هذه النصوص الميتة في نظره، إلى أن تأتي ورقة الامتحان ويتقيأ بها على الورقة، واسأله عنها بعد أسبوع تجده لا يعرف كلمة، انتهى غرضه منها، فهو حفظها ووضعها في الورقة؛ لكي يأخذ ورقة زور، شهادة، اسمها شهادة زور، ما دام لا يَعْمَل بما فيها.
ماذا يقول لك؟!
يقول: هات عَلَفاً -بلسان حاله- يقول: عندك علف ائت به، فلا يهمه إلا العلف، فلا يعرف ما الذي فوق ظهره.
فهذا الذي عنده علم لكنه لم يعمل به، ما الفرق بينه وبين هذا الحمار؟!
لا شيء، ولذا فإن هذا مثل واضح مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة:5] وهذا التذييل في الآية مناسب لمعناها، فإن هذا الظالم لنفسه الذي حمل العلم ولم يعمل به جعل بهذا الظلم عَقَبَة وسداً بينه وبين الهداية، فلا يهديه الله، كيف يهديه الله وقد أصبح العلم عنده؟!
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ>>>>>والماء فوق ظهورها محمولُ
العلم معه؛ لكنه ليس مستعداً أن يعمل به، إذاً كيف يهديه الله؟! ما دام أنه هو نفسه رافض أن يهتدي، وهذه مصيبة المصائب.
جاءني أحد الإخوة يوماً من الأيام وأنا في أبها ، وكان مؤذناً في أحد المساجد، وهو رجلٌ أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب؛ لكنه يخاف الله، عنده في قلبه خوف من الله، جاءني وهو يشتعل غضباً، قال: يا شيخ! كيف هذا الكلام؟!
قلت: نعم. ماذا هناك؟!
قال: أنا مؤذن المسجد الفلاني، وحول المسجد عمارة فيها أربع شقق، يسكنها أربعة (دكاترة) يقول: منذ أن سكنوا إلى الآن لم يدخلوا المسجد، يقول: وكنتُ أتصور عندما أسمع مَن يقول: يا (دكتور)! كنتُ أحسب أنهم (دكاترة) في (المستشفى)، فقلت: هذا ليس غريباً؛ لكني الآن علمتُ أنهم (دكاترة) في كلية الشريعة، يقول: من حين سكنوا إلى نصف السنة ما دخلوا المسجد، أحدهم يدرس تفسيراً، والثاني يدرس الفقه المقارن، والثالث يدرس الأصول، والرابع يدرس اللغة العربية، (دكاترة) يدرسون القضاة ويخرِّجون القضاة؛ لكنهم لا يصلون في المسجد، إذاً: فما قيمة العلم عند هؤلاء؟! كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] هذا المثل لا يحتاج توضيحاً.
العلم: العمل، والعلم: الخشية، يقول الشاعر:
إذا لم تستفد بالعلم هديـاً>>>>>فليتك ثم ليتك ما علمتا
العلم يرفعك إلى الله، ويقربك إلى طاعة الله؛ لكنك إذا كنت تتعلم وتزداد ضلالاً وبُعداً عن الله، فإن هذا مصيبة، والعياذ بالله!
فهذا المثال الثاني للذين يتعلمون ولا يعملون، وهذا المثال سيئ، كمثل الحمار، والحمار -والعياذ بالله- من الحيوانات التي تضرب بها الأمثال في البلادة والجهل، و-أيضاً- فيه خصلة ذميمة وهي نكارة الصوت، يقول الله عز وجل: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:19] وفعلاً أي صوت من البهائم تسمعه لا تشمئز منه؛ لكن دع حماراً ينهق بجانبك، يكاد يفجر أذنك، ثم إنه صوت قبيح وخبيث، فكذلك من يحمل العلم ولا يعمل به مثل الحمار، وإذا تكلم فمثل نهيق الحمار، يضرب به المثل في كراهية الصوت، والعياذ بالله!
وأيضاً يضرب به المثل في الجهل، إذا رأوا جاهلاً قالوا: أجهل من حمار أهله.
ويقال في المثل العربي: ( أخزى الله الحمار، مالاً لا يُزَكَّى ولا يُذَكَّى ) الذي عنده حمار، لا هو يُذَكَّى إذا مات، ولا عليه زكاة، فلا مصلحة منه لا في حياته ولا في موته، ويقولون: أخزى الله الحمار مالاً لا يُزَكَّى -تُدْفَع عليه زكاة- ولا يُذَكَّى -فيؤكل- وإنما ليس منه مصلحة، لكنه يزكى في حالة واحدة وهي: إذا كان عرضاً من عروض التجارة، إذا كان هناك شخص يتاجر في الحمير فإن عليه إخراج زكاتها؛ لأن عروض التجارة كلها تشملها الزكاة، لكن لو لم يكن لديه تجارة وإنما يهوى جمع الحمير، وعنده (مائة) حمار فليس فيها زكاة، فيقولون: ( أخزى الله الحمار مالاً لا يُزَكَّى ولا يُذَكَّى ).
وأيضاً يقال فيه: إنه من ضلاله عنده قياس؛ لكنه يستعمل القياس بطريق الجهل، ولذا إذا رفعت يدك لضربه يخفض برأسه، يحسب أن يدك سوطاً، يقيس كل شيء عنده بالسوط؛ لأنه يخاف من العصا، ويخاف من الضرب، فأي شيء ترفعه، فإنه يظن أنه سوط لضلاله وجهله.
فما ضرب الله عز وجل بهذا المثل لمن لا يعمل إلا على سبيل التبكيت، وعلى سبيل التشنيع والتنفير، حتى لا يصير الإنسان مثل الحمار، حينما يكون له علم ولا يعمل به.
والعبرة دائماً في حياتك أنت بما تختم به حياتك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام والحديث في السنن : (إذا أحب الله عبداً استعمله، قالوا: كيف يستعمله يا رسول الله؟! قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه) يوفقك لعمل صالح تستمر عليه ثم تموت وأنت عليه، فلهذا يحبك الله؛ لكن توفق لعمل صالح ثم تتركه وتنتكس وتموت على غير العمل الصالح فلا عبرة بما عملت، فلو صليت العشاء أربع ركعات إلى ما قبل السلام بلحظة، ثم انتقض وضوؤك فالصلاة باطلة، رغم أنك صليت أربع ركعات سليمة وليس فيها شيء؛ لكنك ما أكملتها، ولو ما أكملت دقيقة واحدة، بطلت صلاتك.
ولو صمت في رمضان من الفجر إلى قبل غروب الشمس بدقائق ثم أفطرت، فصيامك باطل، بالرغم من أنك صائم (اثنتي عشرة) ساعة؛ لكنك ما أكملت، وكذلك مَن عَبَدَ الله طوال حياته، ثم ترك في آخر لحظة من حياته خُتِمَ له بالنار، وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) وفي هذا الحديث حث للأمة على أن تتشبث وتتمسك بالعمل الصالح إلى أن تموت، لا تقل: لا والله سأعمل هذه ثم أتوب، فربما لن تتوب، ربما تموت عليها، وليس في هذا مفهوم للسذج والبسطاء الذين يقولون: ما دام أنها هكذا، أنا سوف أعمل بعمل أهل النار، وإذا لم يكن بيني وبين الجنة إلا ذراعاً عملت عمل أهل الجنة! يريد أن يضحك على الله، فلا يصلح هذا، ولا ينفع.
أيها الإخوة: الذين ينتكسون ولا يثبتون على دين الله حتى الممات، هؤلاء ضرب الله لهم بمثال سيئ في كتابه الكريم، وهو قوله تبارك وتعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176] هذه الآية وإن كانت نزلت في رجل من بني إسرائيل اسمه بلعام بن باعوراء ، إلا أنه كما يقول المحققون من أهل العلم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبرنا ويقول: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ [الأعراف:175] أخبر أمتك يا محمد! بنبأ ذلك الرجل الذي آتيناه آياتنا؛ آتيناه العلم، وآتيناه الآيات والدلالات الواضحات على عظمة الله، فبدل أن يعمل بها ويستمر عليها انسلخ منها، والانسلاخ عن الشيء هو: تركه مع عدم الرغبة في العودة إليه، إنك إذا خلعت ثوبك تخلعه من أجل أن يُنَظَّف وتلبسه مرة أخرى، ولذا إذا خلعته ماذا تقول؟ تقول: أنا فَسَخْتُ ثوبي أو خَلَعْتُ ثوبي، ولا تقول: سَلَخْتُ ثوبي، لكن إذا سَلَخْتَ جلد الشاة ماذا تقول؟ تقول: خَلَعْتُ جلدها؟ أو فَسَخْتُ جلدها، أو سَلَخْتُ جلدها؟! سَلَخْتُ جلدها، لماذا؟ لأنه لن يعود جلدها عليها، هل حصل أن عاد جلد شاة عليها؟ أبداً مستحيل! وكذلك هذا الرجل لما انسلخ من الدين انسلخ بنية ألا يعود إليه، قال عز وجل: فَانْسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175] فماذا حصل لما انسلخ؟ قال عز وجل: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ [الأعراف:175] حين كان يعمل بآيات الله كان في حرز، ولم يكن للشيطان عليه سلطان، وما كان الشيطان يستطيع عليه؛ لأنه محفوظ بآيات الله، محفوظ بدين الله؛ لكن بمجرد أن تخلى عن حرزه، وترك حصنه، وانسلخ عن آيات ربه، تسلط عليه الشيطان، وهذا معنى قول الله عز وجل: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:99-100].
فإذا أردت أن تبقى في حصن حصين، وفي منعة من الشيطان الرجيم فاعمل بطاعة الله، إذ لا سلطان للشيطان على من أطاع الله، يقول الله: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:42] فسلطان الشيطان على من اتبعه؛ لكن من يتبع الله ويعبد الله لا سلطان للشيطان عليه، ولهذا حينما لعنه الله وطرده وقال له: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف:12-18] أنت والذي وراءك في جهنم: وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [الأعراف:19] إلى آخر الآية.
إذاً: متى يتبع الشيطانُ الإنسانَ؟!
إذا تخلى عن طاعة الرحمن، أما إذا كان الإنسان ملازماً لطاعة الله فإنه في حصن وحماية ووقاية من الشيطان، وهذا معنى قول الله عز وجل في هذه الآية: فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ [الأعراف:175] فإذا أتبعه الشيطانُ ماذا يكون نتيجته؟! فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175].
الذي يتبعه الشيطانُ هل يمكن أن يدله الشيطان على طريق الهداية؟! أم أنه يدله على طريق الغواية؟! يدله على طريق الغواية بدون شك، وما دام الشيطان معه فإنه يزيِّن له الباطل، ويزيِّن له الشر، ويكرِّه إليه الطاعات، ويكرِّه إليه العمل الصالح، ويزيِّن له كل شر، ويكرِّه إليه كل خير؛ لأنه غاوٍ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175].
ثم يقول عز وجل: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176] لو شاء الله تبارك وتعالى لَقَصَره وجعله مسلوب الإرادة، وصار آلياً؛ لكن الله أكرمه وأعطاه هذه القدرة على أن يسير في طريق الخير، فأخلد إلى الأرض وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ [الأعراف:176] إلى شهواتها، ومُتَعِها، ولذائذها وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف:176] ولم يتبع أمر مولاه، واتباع الهوى من أعظم ما يصدُّ عن دين الله: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23].
قال عز وجل: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] ما هو اللهث؟ اللهث هو: إخراج اللسان من الفم عند العطش، وفي حالة التعب، فالكلب يخرج لسانه، إن حملت عليه بالضرب يخرج لسانه، وإن تركته ورحمته يخرج لسانه ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:176].
أولاً: من سوء الكلب أنه إذا سمَّنته وأطعمته أكلك، وإذا أجعته وضربته تبعك :-
ولهذا قالت العرب: (سَمِّن كلبك يأكلك، وأجع كلبك يتبعك) إذا أجعته وأهنته بقي في خدمتك، وإذا سمنته وأكرمته رجع ليأكلك، وهذا سيئ، والعياذ بالله!
ثانياً: يُضْرَب به المثل في اللؤم والطمع:
تقول العرب: (ألْأَم من كلب على جيفة) لو أن هناك جيفة جمل وجاء كلب لوحده، تراه يأكل وينبح، يخاف ألا يأتيه كلب ثانٍ، والجيفة تكفيه وتكفي (مائة) كلب معه؛ لكنه لئيم، لا يريد أن يأكل إلا هو.
ولذا فالذي يترك الدين لئيم، فيه من لؤم وحقارة ودناءة الكلب ما فيه؛ لأن الله هو الذي ضرب المثال له: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176] حينما ينسلخ الإنسان من الدين، ويترك هذه الكرامة وهذه العزة وهذا السؤدد والمجد لأهل الإيمان والعمل الصالح، فإنه يعيش درجةً أسوأ ما يمكن وهي درجة الكلاب والعياذ بالله!
ثالثاً: الكلب مِن سوئه: أنه يكره المطر:
لا يحب المطر، والسبب كما قال العلماء: لأن الكلب إذا غرق أنتن ريحُه، فإذا ابتل ظهره وصار الماء عليه ظهرت له رائحة كريهة، ولذا أكره شيء عنده إذا رأى المطر، وإذا رأى السحاب بعيداً قام لينبح، ولهذا يقولون: (لا يضر السحاب نبح الكلاب) السحابة في السماء وهو ينبح في الأرض؛ لأنه يريدها ألا تمطر، لا يريد السحابة أن تمطر فينبحها! بعقليته الضالة، وهو من حين أن يرى السحابة فإنه لا يريد المطر حتى لا ينتن ريحه، ولهذا يقول الشاعر وهو يصف امرأته -لأن المرأة من خصائصها، ومن أبرز صفات المرأة الناجحة ذات التبعُّل الحسن مع زوجها، أنها تكون ذات رائحة طيبة، ولذا حُرِّم على المرأة المسلمة إذا خرجت أن تتطيب حتى لا تفتن الناس بريحها؛ لكنها إذا دخلت بيتها يُشْرَع في حقها أن تكون كالزهرة عبقة الرائحة، حتى إذا مر من عندها زوجها يجد لها ريحاً؛ لكن هذا الشاعر كأن زوجته ما كانت تريده، وما كانت تتطيب، فشم رائحتها وإذا بريحها ليس جيداً- فيقول فيها:
ريحُ الكرائم معروفٌ لـه أرَجٌ>>>>>وريحُها ريحُ كلبٍ ناله مطرُ
يقول: ريحها مثل الكلب الذي جاء عليه مطر، فطلعت رائحته من جلده -والعياذ بالله- فما أسوأ من الكلب ريحاً إذا ابتل ونزل المطر، رغم أن المطر رحمة، المطر كل الأرض تفرح به، الأرض تستقبله، والنبات ينبت، والزهور تتفتح، والخيرات تكون موجودة، والحيوانات والبهائم ترعى، أما الكلب فلا، الكلب لا يرعى، من حين أن يرى السحابة في السماء يقوم لينبح، ينبحها حتى لا تُنْزِل مطراً على الناس.
فهذا من سوئه، ولذا ضرب الله به مثلاً بأنه يكره الرحمة المهداة، يكره الدين الذي جاء به سيد المرسلين، فهو رحمة وغيث، كما أن المطر غيث الأرض، كذلك الدين غيث القلوب، وهذا الكلب لا يريده ويعرض عنه، وينسلخ منه، فمثله مثل الكلب.
رابعاً: الكلب معروف بالخسة والخيانة :-
لو جاء لص يريد أن يسرق بيتاً وفيه كلب، فلو أعطى الكلبَ قطعة لحم فإنه لن ينبح، يقعد ليأكلها؛ لأن ذاك يعطيه؛ فإذا أعطاه اللص لحمة أحسن فإنه يسكت عنه.
ثم إن في الكلب خصلة ذميمة وهي: أنه يسهر في الليل وينام في النهار:
لا ينام في الليل، طوال الليل ينبح، فإذا جاء وقت صلاة الفجر نام إلى العصر.
ويوجد في بعض الناس الآن شبهٌ من هذا الشيء، تجده طوال الليل وهو (يفحِّط) في الشوارع، ويسهر على الأرصفة، ويتابع الأفلام، ويشاهد المباريات، وإذا قيل له:نم، قال: والله ما جاءني النوم. فإذا أتى وقت صلاة العبادة صلاة الطاعة صلاة الفجر آخر الليل، حين نزول الرب تبارك وتعالى، حين نزول الرحمات نام عن صلاة الفجر، وعن صلاة الظهر والعصر، واستيقظ قرب الغروب، وقام وأخذ سيارته وذهب مثل كلب البدو، لا ينام في الليل وينام في النهار، هذا -والعياذ بالله- من عكس الفِطَر، فقد جعل الله الليل سكناً، وجعل النهار معاشاً، فتسكن في الليل، وتنتشر في الأرض في النهار؛ لكنك إذا قلبتَ المسألة، وصرت تسكن في النهار وتنتشر في الليل، فمن الذي ينتشر في الليل؟!
يقول العلماء: لا ينتشر في الليل إلا الهوام والسباع الضارة؛ الحيات، والعقارب، والثعابين، والأسود، والنمور، متى تخرج؟ تخرج في الليل، وتكمن في النهار؛ لأنها إذا خرجت في النهار تعرضت للقتل؛ لأنها مؤذية، فتخرج في الليل.
وكذلك هذا الرجل الذي لا يقوم بطاعة الله عز وجل يكمن في النهار، ولا يخرج إلا في الليل، لماذا؟
لأنه حيوان ضار، يذهب فيتعرض لمحارم الناس، ويعتدي على أموال الناس، ويعمل أشياءً تضرهم، ولا يجد مجالاً لأن يعمل هذا الشر في النهار، فيخرج فيه في الليل، ويتشبه بالبهائم والسباع والحيوانات والحشرات الزاحفة، التي تضر الناس ولا تنفعهم.
الصنف الأول: مَن يُعرض عن دين الله: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ [المدثر:50].
الصنف الثاني: مَن لا يعرض؛ يسمع ولكنه لا يعمل: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5].الصنف الثالث: مَن لا يعرض ويعمل؛ لكنه لا يستمر، ولا يثبت، وإنما ينتكس، كما قال الله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ [الأعراف:176].
أعوذ بالله وإياكم أن نكون مثل هذه الأشياء!
ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينير بصائرنا، وأن يرزقنا العلم والعمل والثبات عليه حتى نلقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: أولاً: أحبك الله كما أحببتني فيه، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا جميعاً تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ببركة الحب فيه؛ لأن الحب في الله عز وجل من أوثق عرى الإيمان، ومن ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وافترقا عليه).
أما الدخان فهو من المصائب التي عمت به البلوى، وهو -أيضاً- من الشرور والمصائب -والعياذ بالله- ولا ينبغي لمسلم يخاف الله عز وجل أن يلوث نفسه، أو أن يؤذي ملائكة الله، أو أن يؤذي عباد الله، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وتأذية بني آدم -أيضاً- معصية لله عز وجل، والناس لا يريدون رائحة هذا الدخان، يقول الشيخ حافظ الحكمي :
آذيتموا ساكنين الأرض فاحتملوا>>>>>فما أذاكم لأملاكِ السماواتِ؟!
هذا الدخان محرم، وقد نصت الفتاوى العلمية الصادرة من كبار العلماء في هذا البلد، وفي كل بلاد المسلمين على تحريمه من طرق شرعية كثيرة، ودليل واحدٌ يكفي منها؛ لكنها اجتمعت فيه:
الدليل الأول على التحريم: أنه خبيث:
وما دام خبيثاً، فإنه محرم بنص الكتاب، يقول الله عز وجل: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] وما أظن على وجه الأرض من يزعم أن الدخان من الطيبات أبداً، بل شركته الصانعة، وكل شركة في الدنيا عندما تصنع شيئاً تكتب دعاية له، إلا شركة الدخان، تصنعه وتكتب عليه دعاية ضده، تحذير رسمي: الدخان يضر صحتك، فننصحك بالامتناع عنه، فأعرف الناس بالصنعة صانعها، أهل الدخان الذين صنعوه يقولون: يضرك، فهل هو طيب أم خبيث؟! إن الذي يضر خبيث.
وكل طعام وشراب في الدنيا له مدة صلاحية، بداية ونهاية، إلا الدخان ما له بداية ولا نهاية، فهو فاسد ومن يوم أن صنعوه قالوا: هذا مضر، فكيف تنتظر أنت فيه فائدة وتستعمله؟!
ثم إن خبثه يأتي مِن طعمه، ومِن ريحه، ومِن أثره على كل شيء، ليس فيه طريق واحد بالطِّيْب، وإذا مُنِع شربُ الدخان في إدارة رسمية، أو في مكان ما، ولم يجد الإنسان فرصة لشرب الدخان، فأين يشربه؟!
في الحمام، أليس كذلك؟! لماذا؟! لأنه خبيث.
لكنه لو لم يجد فرصة للأكل، وعنده (ساندويتش) هل يقدر أن يأكل (الساندويتش) في الحمام؟!
لا يستطيع أبداً أن يأكله في الحمام.
لكن لماذا يستطيع أن يدخن في الحمام؟!
لأن الخبيث يناسب المكان الخبيث!
هل يستطيع المدخن أن يدخن في المسجد؟!
لا.
لماذا؟
لأن المسجد طيب، ولا يؤكل فيه إلا الطيب، ولا يقال فيه إلا الطيب، فلا يليق بك أن تأتي بالدخان الخبيث إلى المكان الطيب.
إذاً: ما دام أنك باعترافك أنت -أيها الإنسان- أنه خبيث فهو حرام؛ لأن الله يقول: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26] فكيف تكون طيباً وأنت تحب الخبيث؟! لا يحب الخبيث إلا الخبيث، ولا يحب الطيب إلا الطيب، والله قد حرم علينا الخبائث بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172].
ويقول: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:5] بمعنى: حرمت عليكم الخبائث.
فهذا خبيث.
هل هناك شخص في الدنيا يقول: الدخان طيب؟!
لا أظن، ولكني ابتُليتُ بمثله، وكنتُ مرة في منطقة جيزان ، في مدرسة ثانوية، وبعد أن بينت حكم الدخان قام أحد المدرسين وقال لي: يا أستاذ، قلتُ: نعم.
قال: الدخان ليس حراماً.
قلت: لماذا؟!
قال: هات آية في القرآن يقول الله فيها: حُرِّم عليكم الدخان.
قلت له: أنت تأكل الموز والبرتقال والتفاح؟!
قال: نعم.
قلت: هات آية في القرآن تقول: أحل لكم البرتقال والتفاح والموز.
قال: لا يوجد.
قلت: وأنا لا يوجد، القرآن ليس كتابُ مطعمٍ، يعطيك الأطعمة كلها، القرآن منهج حياة، قال لك: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157].
فالطيبات: الشحم، واللحم، والأرز، والتفاح، والبرتقال، والعسل، والسمن، كُلْ منها. والخبائث حرام.
فقال لي -والعياذ بالله وكان رجلاً منكوساً-: الدخان من الطيبات، وما دام أنه من الطيبات فقـد قال الله: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4] أنتم عندكم أيها المتدينون! أن الدخان من الخبائث، أما نحن المدخنون فالدخان عندنا من الطيبات، وما دام أنه من الطيبات فهو حلال.
قلت له: أنت متزوج؟
قال: نعم.
قلت: عندك أولاد؟
قال: نعم.
قلت: إذا رأيت في يد ولدك حلوى أو تمراً أو (بسكويتاً) هل تغضب أم ترضى؟
قال: لا. بل أرضى.
قلت: وإذا رأيت في يد ولدك (سيجارة) ترضى؟
قال: لا.
قلت: لماذا؟
قال: لأنه بطَّال.
قلت: والبطال ما هو؟
قال: خبيث.
قلت: والخبيث حرام!
قال: حرام!
وأدخل يده في جيبه، ومباشرة كَسَّر (الباكت) وداس عليه بقدمه وقال: ذهبت من رأسي، انتهت.
ولقيني بعد سنتين في أبها يقبل رأسي، ويقول: والله منذ ذلك التاريخ ما عرفتُه، وتبتُ إلى الله عز وجل منه.
فهي قضية مغالطة فقط، وإلاَّ فكل شخص يعرف أنه خبيث، من أين يأتيه الطِّيْب؟! حتى رائحته؛ أنت الآن إذا سلم عليك شخص وهو مدخن كيف تعمل؟! تقرب منه وتعانقه؟! رائحة ثوبه ورائحة (غترته) ورائحته منتنة، حتى المتزوج الذي يدخن فإن زوجته معه في عذاب، حتى إنه عندما يريد أن يقبِّلها فتهرب منه، لا تريد الاقتراب منه، لماذا؟ لأن رائحة فمه منتنة، والعياذ بالله!
هذا الدليل الأول.
الدليل الثاني: أنه حرام لأنه مفتِّر ومسكِّر:
فيه كمية من المادة المخدرة، وهذه الكمية قليلة بحيث لا تطغى على العقل؛ لكن: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) لو أتيت بكأس خمر، وأخذت منه (ملعقة) وصببته على كأس ماء وشربها شخص فإنه لا يسكر؛ لأن الكمية قليلة؛ لكن ما حكم الماء المخلوط بالخمر؟ حرام.
فهذا حرام، ويُعْرف تفتيره عند الصائمين، إذا امتنع الصائم طوال اليوم ثم أفطر وشرب واحدة فإنه مباشرة يتخدر، إن أراد أن يقوم ليصلي فإنه يجلس فيقول: لا نصلي هنا.
ماذا بك؟ قال : يا شيخ! دعنا نستريح قليلاً. تخدر.
إذاً: ما دام أنه يخدر ويفتر فهو محرم.
الدليل الثالث: قال العلماء: إنه ضرر على الجسد:
فإن منظمة الصحة العالمية بإجماع أطبائها -وليس فيهم واحد مسلم- يقررون أن السرطان الرئوي سببه الدخان، بالإضافة إلى القرحة المعدية، وبالإضافة إلى يُبْس الشفتين، وازرقاق العينين، وفقدان الشهية للطعام، وفقدان الحركة لماذا؟ لأنه نار تشب في نحره، الإنسان يستعيذ بالله من النار في كل حين، وشارب الدخان النار بين عينيه في كل حين، يشرب النار، وينفخ النار، ويبلع النار، ويتدرب على النار، لا يريد أن يصل إلى النار تلك، إلا وقد تدرب عليها والعياذ بالله.
الدليل الرابع: أنه إسراف وتبذير:
والله قد بين لنا أنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:27] فلو أن إنساناً أخرج ورقة (عشرة ريالات) ولفها كما تلف (السيجارة) ثم أشعل النار فيها، فبِمَ يصفه الناس؟! بالجنون، لا يوجد أحدٌ يحرق المال وهو عاقل أبداً.
حسناً.. والذي يحرق المال ويحرق صدره، كيف يصير؟! مجنوناً أم مجنونين؟! هذا هو شارب الدخان يحرق (ماله) ويحرق جوفه، والعياذ بالله!
الدليل الخامس: قال العلماء: إنه لا يُذكر اسم الله عليه:
لا يوجد أحد يشعل (السيجارة) ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ولا يحمد الله عند خاتمتها، لا يوجد أحد يكمل (السيجارة) ويقول: الحمد لله الذي أطعمني هذا وسقانيه من غير حول مني ولا قوة، وما دام أنه لا يُسمي عليه في أوله، ولا يحمد الله عند خاتمته فليس فيه خير، فهو خبيث.
الدليل السادس: قالوا: يعلم صاحبه خصلة من خصال الحيوان الذي لا تليق بالإنسان:
وهي: أن الإنسان إذا أكل طعاماً، ثم بقي منه شيء رفعه، والحيوان إذا أكل طعاماً ثم بقي منه شيء رصَعَه، وهذا شارب الدخان إذا أكمل (السيجارة) وبقي فيها قليل أين يضعها؟! يرفعها أو يضعها في الأرض تحت رجله؟! هذه هي الخصلة، وكأنه دابة والعياذ بالله!
إذاً: فحكمه التحريم، ولا يجوز لمسلم يخاف الله أن يستمر في تعاطيه، بل عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، والقضية أسهل مما يتصور صاحب الدخان، وهي تحتاج إلى تصميم، وإلى إرادة، وإلى استعانة بالله، وإلى صبر، وإلى معاناة؛ خلال يوم ويومين ثلاثة أيام، ثم تنتهي، وتَسْلَم صحتُك، ويَسْلَم مالُك، وترضي ربك، ولا تؤذي عباد الله، ولا تؤذي ملائكة الله، وتكون من عباد الله الصالحين إن شاء الله.
الجواب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قد شرع الله عز وجل في كتابه وأمر بالاستعاذة من الوسواس فقال عز وجل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:1-6] والوسواس داء ومرض يصيب بعض الناس، وسببه الشيطان حين يتملك الإنسان ويستولي عليه ويستحوذ عليه، فيصور له العبادات على أنها غير صحيحة، يتوضأ الإنسان فإذا توضأ أتاه الشيطان، وقال: أنت لم تغسل فمك، ولم تغسل يدك، ولم تمسح رأسك، فيبطل عليه وضوءه، فيقوم فيتوضأ، فإذا توضأ وأكمل جاء إليه مرة أخرى، حتى إن بعضهم ليتوضأ عشر مرات.
وإذا جاء ليصلي وأراد أن يكبر قال هكذا: أ.. أ.. أ.. أ.. أ.. أ.. أ.. حتى تكتمل الركعة ولم يكبر بعد، ثم يقول: الله أكبر. وإذا كبر جاءه الشيطان وقال: أنت كبَّرت؟! أنت كذاب لم تكبر. ففسخ الصلاة وعاد: أ.. أ.. أ.. اللـ.. اللـ.. اللـ..، فهذا مثل الكرة في يد الشيطان، يلعب عليه إبليس، يفسد عليه عبادته، وطهارته، وتوحيده، من أين جاء هذا التسلط -أيها الإخوان-؟ جاء من ضعف الإنسان.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان : كيف تتخلص من هذه الوساوس؟
أن تعامل الشيطان بنقيض قصده، فإذا جاءك الشيطان وأنت قد توضأت وقال لك: ما سميت الله.
قل: لا. يا خبيث! سميتُ؛ لأنك هل تتصور أن الشيطان يفسد عليك عملاً فاسداً أم عملاً صالحاً؟!
عملاً صالحاً، فهو يأتيك عندما يرى أن وضوءك سليم ليفسده عليك، فماذا تصنع؟!
تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لا والله لا أتوضأ، إن وضوئي صحيح، والله لو أنه ليس صحيحاً ما جئتني يا شيطان! لكنك ما جئت وتريد أن تفسده عليَّ إلا لأنه صحيح، إذاً: لستُ معيداً للوضوء.
وإذا جئتَ لتصلي وكبَّرتَ، وجاءك الشيطان وقال لك: أعد التكبير.
قل: لا. كبَّرتُ؛ لأنك لو لَمْ تكبر لَمَا جاءك الشيطان أصلاً ليعلمك، والشيطان لا يعلمك إلا في الصحيح لكي يفسده عليك، أما إذا كان ليس صحيحاً في حياتك فلا يعلمك الشيطان.
إذاً: اعمل بنقيض قصد الشيطان، كلما قال لك شيئاً فقل: لا. إذا قال : ما قرأتَ الفاتحة ، فقل: لا. بل قرأت الفاتحة، وإذا قال: ما قلت في الركوع: سبحان ربي العظيم وبحمده، فقل: قلتُها رغماً عنك.
وهكذا إلى أن يعرف الشيطان أنك تمردت عليه، فإذا عرف أنك لا تطيعه والله لا يأتي إليك، يبحث له عن شخص آخر؛ لكن مادام أنك لعبة في يديه فلن يتركك.
قال لك: لم تتوضأ، قلت: نعم والله، لم أتوضأ، سأعود لأتوضأ. أو يقول: لم تكبر، قلت: نعم لم أكبر، إذاً أعود لأكبِّر.
ثم يأتيك بالشك، ويقول لك: مَن خلق الله؟! وتقول: نعم من خلق الله؟!
ما هذا؟! أعوذ بالله! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول: مَن خلقك؟ فتقول: الله، فيقول الشيطان: مَن خلق الله؟ -ماذا تقول أنتَ؟!- فقل: آمنتُ بالله، لا إله إلا الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) هذه (قنبلة) تنزل بها على الشيطان.
لكن يأتيك الشيطان فتقول: والله عندي وسواس، ماذا تعني بالوسواس؟! ألِعْبَةٌ أنتَ؟! ألست رجلاً؟! هل الشيطان أقوى منك؟! يقول الله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ [النساء:76] ماذا؟! كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76] لكنك أضعف من الضعيف، عندما يلعب عليك إبليس.
فنقول -يا أخي الكريم-: هذا داخل ضمن دائرة اختصاصك، ولا تتصور أن شخصاً يأتي من الخلاء، ويدخل في قلبك، ويعطيك اليقين! اليقين عندك، هل أنت على شك من دين الله؟! هل أنت على شك من كلام الله، ومن كلام رسول الله؟! هل أنت على شك من يقينك؟! أأنت على شك من أنك عندما توضأت كنت لستَ عاقلاً؟!
الآن إذا جئت لتأكل، وأكلت، وشبعت، وأكملت، وجاء الشيطان يوسوس لك ويقول لك: أنت لم تأكل، قم فكل! هل يأتيك ويقول لك هكذا؟!
لا؛ لأنه عارفٌ أنك أكلت ولن تزيد.
إذاً: لماذا يوسوس لك في العبادات، ولا يوسوس لك في العادات؟ إلا لإفساد عبادتك.
فأولاً: أدعو الله الذي لا إله إلا هو أن يعيذني وإياك وجميع إخواننا من الشيطان الرجيم.
ثانياً: جاهد نفسك، واستعذ بالله؛ لأن الله يقول: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200] ما هو النزغ؟
قال ابن القيم : إيعاد بالشر، أو تخذيل عن الخير، هذا هو نزغ الشيطان، يوعدك بشر، أو يخذلك عن طاعة وخير. إذاً ماذا تفعل؟!
تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
إذا مشيتَ في الشارع ورأيتَ امرأة متبرجة فاتنة، والشيطان يقول: انظر إليها، ويلف برقبتك يريدك أن تنظر، فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم مباشرة، فلن تحس بعدها بشيء أبداً.
أي شيء يعرضه عليك الشيطان عامله بنقيض قصده.
إذا كنت في فراشك تريد أن تقوم لتصلي الفجر فإنه يأتي على غاربك، ويركب عليك، ويجعلك تنام؛ لكن قُلْ بعد أن تستوي جالساً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ نسألك يا ألله أن تعيننا وقم؛ لكن بعضهم يستعيذ وهو نائم، فيقول إبليس: اسكت يا كذاب! أتستعيذ وأنت نائم؟! لا ينفع هذا.
أنا طالب في كلية الشريعة، وإني في بداية الدراسة؛ ولكني أخاف أن أكون من طلاب الدنيا، وتراودني نفسي بأن أحول إلى قسم آخر، حتى لا أدخل في الحديث الذي ذكرتَه، أفيدوني جزاكم الله خيراً؟!
الجواب: جزاك الله خيراً، وأحبك الله يا أخي! ونصيحتي إليك أن تبقى في مجالك الذي اخترتَه، وأن تصحح النية والقصد.
وكونك تخشى فهذا من علامات تصحيح النية إن شاء الله؛ لأن الذي يخاف من الشيء يحذره ويتوقاه.
أما ترك هذا المجال واختيار مجال آخر، فإن هذا ليس في مصلحتك؛ لأنه شيء من التذبذب، فما دام أن الله وفقك ودخلت في كلية الشريعة فنِعْمَ المجال خدمة شريعة الله، إنما صحح نيتك وقصدك، وقل: أريد من هذه الدراسة أن أخدم دين الله، وأن أكون داعية إلى الله، وأن أكون عاملاً بهذا الدين.
وكونك تريد أن يكون لك هدف في أن تتزوج أو أن تتوظف، أو أي شيء، فهذا لا مانع منه، أي: الأغراض التي يقصدها الإنسان بعد طلب العلم لوجه الله عز وجل تأتي ثانوية؛ لكن القصد الأول والصحيح أن يكون لله عز وجل.
فننصحك بالاستمرار، وتصحيح النية، وسؤال الله تبارك وتعالى أن يجعل نيتك خالصة، وأن يوفقك لصالح العمل، واستمر في الطاعة والعمل الصالح، وثق بأنك إن شاء الله على خير.
الجواب: أولاً: لماذا كثرة الخوف؟!
يجب أن يبقى الخوف خوفاً واحداً، وهو الخوف من عذاب الله؛ لأن من خاف الله أمَّنه الله من كل شيء، ومَن لم يخف الله خوَّفه الله من كل شيء.
فنقول لهذه الأخت: مِمَّ تخافين؟!
أتخافين من الموت؟! الموت بيد الله.
أتخافين من المرض؟! المرض بيد الله.
أتخافين من الفقر؟! الفقر بيد الله.
من أي شيء تخافين؟!
أتخافين من الطلاق إذا كنت متزوجة؟! فالطلاق أمر يجريه الله على هذا الإنسان على لسان هذا الزوج.
أتخافين ألا تتزوجي؛ وأن يتقدم بك السن دون أن تتزوجي؟! فابحثي عن الزوج عن طريق التقوى قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
مِمَّ الخوف؟! ولماذا تخافين؟!
اجعلي الخوف خوفاً واحداً فقط: خافي مِن الله أن يراكِ حيث نهاكِ، أو أن يفقدكِ حيث أمركِ، أن يراكِ على معصية، أو أن يفقدكِ عند الطاعة، فإنك إذا خِفْتِي الله، وخِفْتِي عذابه، وخِفْتِي بطشه وشدته وجبروته، فاتقيتيه بوضع نفسكِ في طاعته والابتعاد عن معصيته، أمَّنَك الله في الدنيا والآخرة، فهذا الأول.
الثاني: أما ما صنعتِ من الإرسال إلى تلك المرأة التي في الأردن فمن خلال ما ذكرتِ فإن هذه امرأة كاهنة وساحرة ومشعوذة، ولا يجوز الإتيان إليها، ومن أتى إليها فصدقها فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاها ولم يصدقها لم تُقْبَل له صلاة أربعين نهاراً، وهذا الحرز الذي أرسلته هو من التميمة المحرمة الشركية؛ لأن التمائم تنقسم إلى قسمين:
قسم محرم وهو شرك، التوِّلة من الشرك، والتميمةُ من الشرك، (من تعلق تميمةً فلا أتم الله له) وهي: التي فيها مثلما ذكرتِ، فيها رموز، وأحرف مقطعة، هذه اسمها: كهانة؛ لأنها تستعين بالجن عن طريق هذه الرموز، ثم تخدع الناس وتضللهم، فتكتب آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وأدعية مأثورة، وتضع الأذان، ثم تحد عليه بدائرة، وتضع رموزاً عليها، فإذا قرأ الإنسانُ الساذجُ الجاهلُ القرآنَ قال: والله إنه من القرآن؛ ولكنه لم ينتبه إلى الذي بجانبه ما هو! فَلِمَ هذه النجمة السداسية؟! ولِمَ هذه الدوائر؟! ولِمَ هذه العلامات؟! كلها شعوذة، وبالتالي فهذه التميمة محرمة.
التميمة الثانية: أن تكون من القرآن، وليس فيها أي حرف، إلا من كلام الله:
هذه اختلف العلماء في حكمها:
فمنعها قوم.
وأباحها قوم.
والذين أباحوها دليلهم مرجوح.
والذين منعوها دليلهم راجح؛ لأنها:
أولاً: لم تُؤْثَر، ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: تعرِّض كلام الله للإهانة.
ثالثاً: تحول عقيدة العبد.
إذاً: لا تُعَلَّق، وإنما يُقرأ القرآن مباشرة على المريض، ولا تُعَلَّق تميمةٌ: (فإن مَن تعلق تميمة فلا أتم الله له).
والذي أرجوه منك: أن تنبه على الإخوة الدعاة أن يذهبوا إلى الشباب في أماكن اجتماعهم، في (الأحواش) والاستراحات، وإنقاذهم بعد الله من هذه الغفلة التي يعيشونها في السهر على (البلوت) والنظر إلى (الدشوش) فجزاكم الله خيراً؟
الجواب: جزى الله الأخ الكريم خيراً، فإنه بهذا الانتباه واللفت الجيد يضعنا أمام مسئوليتنا أمام الله عز وجل، فإن هذا الدين -أيها الإخوة- هو مسئولية كل مسلم، وبموت النبي صلى الله عليه وسلم وباعتباره آخر الأنبياء وخاتم النبيين حيث لا نبي بعده، نقول: إذاً مَن يدعو إلى هذا الدين؟!
تدعو إليه أمته، يقول الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] فأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم دعاة، وهؤلاء الذين يعيشون على الأرصفة، وفي (الأحواش) والبراري والقفار، ويسهرون على اللعب، والأغاني، والأفلام، هؤلاء إخوة لنا في الإسلام، أبناء الفطرة، والدين، ليسوا أصحاب عقائد ضالة، وليس عندهم خرافات، ولا بدع، ولا ضلالات، وإنما عندهم شهوات، وطبقة من الغفلة، والشهوة، ما إن تأتي أنتَ بـ(قال الله، وقال رسوله) إلا وتجد لها تلك الجدوى؛ لكن مَن يقوم بهذا الدور؟!
أنت -يا أخي- وبالأسلوب الحسن، وبالعبارة اللطيفة، وبالجد، وبالوصول إلى القلب، لا بالانتهار، والتعالي، والاحتقار لهم، وإنما بالحب لهم، بالسلام عليهم، والابتسامة لهم، وبالعرض عليهم، إذا مررتَ على مجموعة وهم جالسون فقل: السلام عليكم -وهم من حين أن يروك ينفرون منك؛ لأن شكلك واضح أمامهم، وذلك مِن قصر ثوبك، ومِن لحيتك، وتدينك، وهم في فسق، والشيطان يغطي على قلوبهم، فإذا جئت ابتسم أولاً وقل: السلام عليكم، كيف الحال يا إخوان؟! إن شاء الله طيبون.
بعض الناس يأتي ليدعو فيقول -غاضباً-: السلام عليكم، ماذا تفعلون؟!
فيقولون: الله أكبر عليه! لا يأكلنا بعينيه!
لا -يا أخي- أنت داعية! الداعية يدعو بهذا الأسلوب؟!
أنت الآن إذا أرسلك أبوك تدعو شخصاً لغداء أو لعشاء، كيف تدعوه؟
تقول: الوالد يسلم عليك -وتبتسم- ويريدك أن تأتي لتتعشى عندنا إن شاء الله.
لكنك لو جئت إلى عنده وتقول: الوالد أرسلني ويقول: تتعشى عندنا ولكنك قلت ذلك بأسلوب فيه غضب وحدة وقلة احترام.
فسيرفض دعوتك ويقول: لا أريد عشاءك، ولا آتيك.
وإذا كانت الدعوة إلى أرز ولحم تحتاج إلى أسلوب، فكيف تريد أن تدعو شخصاً إلى الله وإلى دينه، تدعوه إلى أن يترك شهواته، ويتمرد عليها، ويستجيب لأمر مولاه، ويخضع لشريعة الله، وأنت تنهره وتغلظ عليه؟!
بل ابتسم له وقل: السلام عليكم، كيف حالكم -يا إخوان؟- طيبون؟! كيف حالك -يا أخي؟- أنت زميلي في الدراسة! والله إني أحبك من تلك الأيام -ولو أنك لست صادقاً، ولا تحبه؛ ولكنك تحب أن الله يهديه-.
وبعد قليل: انظروا -يا إخواني- والله هذه الحياة فانية وسنموت.
ومباشرة انزل بهم في القبور، نعم؛ لأن القبر لا أحد يستطيع أن يماري فيه، كيف حالنا في القبر -يا إخواني؟- القبر يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنه أنه: (روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار). اللهم إنَّا نسألك من فضلك يا رب.
أيها الإخوان: لِمَن تكون الروضة مِن رياض الجنة؟!
ستجدهم هم بأنفسهم يجيبونك ويقولون: للمؤمنين، وللمتدّينين.
ولمن الحفرة مِن حفر النار -أيها الإخوان؟- قالوا: نعوذ بالله! والله لا نريدها. حسناً.. ما تريدونها؟! قالوا: نعم.
إذاً: لِمَ -يا إخواني- لا نطيع الله عز وجل؟! لِمَ لا نقرأ كتاب الله عز وجل؟! ما رأيكم؟! هل آتيكم كل ليلة وكل أسبوع وأنتم جالسون، أعلِّمكم آيةً أو حديثاً، وأمضي.
ماذا يقولون؟! يقولون: جزاك الله خيراً، إذاً السلام عليكم. ولا تقعد، بعض الناس يقعد معهم إلى أن يغيِّر عليهم، وينكِّد عليهم، حتى يقولوا: والله لم نعد نريد أن نرى وجهه هذا؛ لأنهم ما جاءوا من أجل الذكر، هم جاءوا من أجل أن يلعبوا، ومن أجل أن يطربوا، وأن يسهروا، وأنت إذا جئت، فضع حبة العلاج هذه وامْشِ، ودعهم يلعبون؛ حتى تأتي مرة ثانية، وتضع علاجاً ثانياً، وثالثاً، ورابعاً، وخامساً، إلى أن يهديهم الله.
هذا هو الأسلوب، وليس هذا الأسلوب الذي أقوله فقط، بل هناك أساليب كثيرة، وإخواننا والحمد لله عندهم خبرات، وعندهم إمكانيات في قضية الدعوة؛ لكن من يقوم فقط؟ كل واحد يقول: نفسي.. نفسي..! والدين مَن يدعو إليه أيها الإخوان؟!
فأنا أقول: هؤلاء إخواننا، وفي ذمتنا، وفي عُهدتنا ومسئوليتنا، وكما أنقذنا الله، فينبغي أن نمد حبال النجاة لإخواننا حتى ينقذهم الله بأيدينا.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , من أمثال القرآن للشيخ : سعيد بن مسفر
https://audio.islamweb.net