إسلام ويب

يوصي الشيخ إخوانه المسلمين بوصايا منها: تقوى الله تعالى، وقد تضمنت الإخلاص في كل العبادات، وأن الإخلاص لا يكون إلا بالمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وتضمنت أيضاً الإشارة إلى الحرص على هداية الناس وإرشادهم إلى طلب العلم وترك ما لا ينفع، وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. وأوصى كذلك بترك الغيبة لما لها من فساد كبير على الفرد والمجتمع، وأن أشد الغيبة هي غيبة العلماء وأولياء الأمور لما يلحقها من ضرر كبير وشر مستطير، وبعد الوصية توجه الشيخ للإجابة عن الأسئلة.

التقوى بين التصور والتطبيق

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو يوم الخميس، العشرون من شهر صفر لعام (1415هـ).

كان من المعتاد في لقائنا لهذا اليوم أن نسير في تفسير القرآن الكريم، وكان منتهى وقوفنا في أثناء سورة الفجر؛ ولكن نظراً إلى كثرة الإخوان هذا اليوم فإننا نحب أن نضع وصايا هامة تهم المسلمين عموماً.

فنقول:

أول ما نوصي أنفسنا وإياكم به هو: تقوى الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، فهذه وصية الله للأولين والآخرين، وتقوى الله سبحانه وتعالى هي أن يتخذ الإنسان لنفسه وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، هذا هو الذي يقيك من عذاب الله؛ لا يقيك من عذاب الله أبٌ، ولا ابنٌ، ولا قريبٌ، ولا مالٌ، ولا جاهٌ، ولا يقيك من عذاب الله إلا تقـوى الله عزَّ وجلَّ، كما قال الله تبارك وتعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

فتقوى الله سبحانه وتعالى: القيام بأوامره، واجتناب نواهيه.

من تقوى الله: الإخلاص لله

ومن أهم أوامره، بل هو أهم أوامره: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، فكل ما تعمله متقرباً به إلى ربك لا بد أن يكون خالصاً لله، فإذا أشركت مع الله غيره ردَّه الله عليك؛ لأن الله يقول في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركَهإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7].

فتخلص لله عزَّ وجلَّ في طهارتك، وصلاتك، وزكاتك، وصومك، وحجك، وبرك لوالديك، وصِلَتك لأرحامك، وإحسانك إلى جيرانك.

تخلص لله تعالى في طلب العلم؛ بألا تبتغي به جاهاً، ولا رئاسة، ولا تريد أن تجاري به العلماء، أو تماري به السفهاء، بل تريد بذلك إحياء شريعة الله عزَّ وجلَّ، ورفع الجهل عن عباد الله وعن نفسك، والدفاع عن شريعة الله؛ لأن شريعة الله تعالى مستهدفة؛ من حين خرجت في مكة إلى يومنا هذا وهي مستهدفة، كما قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31]، فكل نبيٍّ له عدو، وكل أتباعِ نبيٍّ لهم أعداء، ولا بد. فهذه سنة الله عزَّ وجلَّ، وليس الدرب مفروشاً بالورود والزهور، بل الدرب صعب وشاق، ولا بد أن يجعل الله عزَّ وجلَّ بحكمته للحق مضاداً من أجل أن يُعْرَف الحق ويظهر ناصعاً غالباً على الباطل، ومن أجل أن يعلم الله المجاهدين منا والصابرين.

إذاً .. لا بد من الإخلاص في طلب العلم، فتخلص لله عزَّ وجلَّ في امتثال أمر الله باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، والمعنى: أنك تخلص اتباعاً للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ بأن لا تزيد في شريعته ما ليس منها، ولا تُنْقِص من شريعته ما كان منها، فالناقص من الشريعة مُقَصِّر، وقد يكون فاسقاً، والزائد مبتدع؛ فالدين كامل لا يحتاج إلى ابتداع.

فلا بد من إخلاص المتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك نحقق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

من تقوى الله: الحرص على هداية عباد الله

ومن تقوى الله سبحانه وتعالى أن تحرص غاية الحرص على هداية عباد الله:

وذلك بنشر العلم الصحيح المأخوذ من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وأن تبين لهم طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

وأن ترشد الناس إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من قوله: (مِن حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه)، أي: ما لا يهمه.

فإذا رأيت الإنسان كادحاً إلى الله عزَّ وجلَّ، مشتغلاً بما يهمه عما لا يهمه، وليس له هم إلا ما يقرب إلى الله، فاعلم أن ذلك من حسن الإسلام.

وإذا رأيت إنساناً يهتم بأمور لا حاجة إليها، وليس معنياً بها، وأن أكثر أوقاته في القيل والقال، وكثرة السؤال، فاعلم أن ذلك من نقص إسلامه، ومِن ثَمَّ (نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قيل وقال، وكثرة السؤال)؛ لأن ذلك يضيع الوقت.

وإذا مُرِضَ الإنسان بهذا المرض ضاع عليه وقته، فصار يجلس إلى هذا ويقول: ما الذي حدث؟! ماذا قال فلان؟! وماذا قال فلان؟! ثم إلى الثاني ويقول له كذلك، ثم إلى الثالث، والرابع، وهكذا يضيِّع أوقاتَه، وأوقاتَ غيره.

ولكن ينبغي للإنسان أن يسير على ما يهمه ويعنيه، ولا بأس أن يسأل إذا دعت الحاجة إلى السؤال عما حدث، وعما يكون في المجتمع، من أجل مداواته، وإزالة المرض، لا من أجل أن يشمت بالغير، أو أن يجعل ذلك مثاراً للشقاق والنـزاع، كما يوجد من بعض الناس الآن؛ حيث أن بعض الناس له نية طيبة، لا يُتَّهَم؛ لكنه مسكينٌ ابتُلي بهذا المرض وهو أن لا يكون له هَمٌّ إلا القيل، والقال، وماذا قال فلان؟! وماذا قال فلان؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! لا لأجل أن يداوي المرض ويزيل الشقاق؛ ولكن ليشمت، أو ليقول كما يقول الصبيان: أنت مع هؤلاء أم مع هؤلاء؟! فلم نعهد هذا التجمُّع والتحزُّب إلا عند الصبيان.

لذلك أوصيكم بالتخلي نهائياً عن هذه الأمور؛ لأنه لا يخدم المصلحة، بل يضيع الأوقات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، وعن إضاعة الوقت في القيل والقال، وكثرة السؤال.

الغيبة وآثارها السيئة على الأمة

تعريف الغيبة

لو سألتكم: ما هي الغيبة؟ لكان الجواب: (ذكرُك أخاك بما يكره) هكذا عرَّفها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أعرف الخلق بمعاني كتاب الله وسنة رسوله، والله تعالى قال في كتابه: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12]، (قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: ذكرُك أخاك بما يكره -سواء كان ذلك في خُلُقه، أو معاملته، أو بدنه وخِلْقَته، أو أي شيء يكرهه أخوك؛ إذا ذكرتَه به في غَيْبَته فهذه هي الغيبة- قيل: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) أي: بَهَتَّه مع الغيبة، والرسول عليه الصلاة والسلام -وانتبهوا لهذه القاعدة- يذكر أخص الوصف مع اشتمال الموصوف عليه وعلى غيره، فهنا عندما قال: (فقد بَهَتَّه) هل يعني: لَمْ تَغْتَبْه؟!

لا. بل يعني: فقد بَهَتَّه مع الغيبة.

ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: (وددتُ أنَّا رأينا إخوانَنا، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي. وإخواني قومٌ يأتون مِن بعد يؤمنون بي ولم يروني)، جعلني الله وإياكم من إخوانه.

فهنا قال: (أنتم أصحابي)، وقال عن الذين يأتون من بعده: إنهم إخوانه، فهل المعنى: أنتم أصحابي ولستم إخواني؟!

لا. بل هم أصحابه وإخوانه؛ لكن الصحبة أخص من الأخوة.

كذلك لما قال عن الغيبة: (ذكرُك أخاك بما يكره، فقيل: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ فقال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) فإن معنى بَهَتَّه أي: بَهَتَّه مع الغيبة.

خطورة انتشار الغيبة في أوساط الناس

ونحن نرى بعض الناس الآن يشيعوا أقوالاً عن أشخاص معينين، بل يشيعوا أقوالاً أو أفعالاً عن علماء ما قالوها ولا فعلوها، بل يشيعوا أقوالاً وأفعالاً عن ذوي السلطة وذوي الأمر ما قالوها ولا فعلوها.

وغيبة ولاة الأمور من العلماء والأمراء الحُكَّام من الملِك والوزير وغيرهما أشد من غيبة عامة الناس؛ لأن غيبة ولاة الأمور تحدث الكراهة لولي الأمر، وإذا كره الإنسان ولي أمره صار لا يخضع لقوله، وصار ولي الأمر لا يفعل شيئاً حسناً إلا كان غائباً عن بصر هذا الإنسان، ولا يفعل سيئة واحدة إلا كانت في بصره وقلبه، لماذا؟!

لأنه يبغضه ويكرهه بما نُشر من الأشياء، وقد قال الشاعر الحكيم:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة>>>>>كما أن عين السخط تُبْدِي المَساوِيا

فالإنسان الساخط لا تظن أنه سينشر حسنة لمن هو ساخط عليه؛ لكن هذا الساخط المبغض ينشر كل السيئات، ويسكت عن الحسنات، وكأنها ما حصلت.

فغيبة ولاة الأمور تُحْدِث كراهةَ ولي الأمر وبُغضَه وعدمَ الانصياع لأمره، وتجعل حسناته سيئات، وهذا خطير على المجتمع كله؛ لأن الأمور إذا أصبحت فوضى لا زمام لها فَسَدَ النظام، وتفرقت الأمة، وهل إذا نشرنا مثلاً مساوئ ولاة الأمور، هل هذا يُصْلِح من الحال شيئاً؟ لو كان يُصْلِح لكان طيباً؛ لكنه لا يُصْلِح، بل يزيد الأمر شدة، ويزيد ولي الأمر انتباهاً فيقع فيما لا يحق له أن يقع فيه من اتهام بعض البرآء بأمر هم منه بريئون، ويحصل بذلك شر على الناشر للمساوئ وعلى غيره.

وهل الغيبة ذنب سهل، أو أنها من كبائر الذنوب؟! بل من كبائر الذنوب.

يقول ابن عبد القوي في منظومته الدالية الفقهية :

وقد قيل صُغْرى غيبةٌ ونميمـةٌ>>>>>وكلتاهما كُبْرى على نص أحمد

أي: أحمد بن حنبل رحمه الله.

فالغيبة من كبائر الذنوب، قال الله عزَّ وجلَّ: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]، من يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، هل أحدٌ يحب هذا؟!

لا أحد يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، وشبَّه الله الغيبة بأكل لحم الميت، لأن المغتاب ليس بحاضر ليدافع عن نفسه، كالميت إذا أكلتَه فهو ميت لا يدافع عن نفسه، وهذا تشبيهٌ بأقبحِ ما يكون، مما يدل على أن الغيبة مكروهة عند الله عزَّ وجلَّ، ويجب أن تكون مكروهة عند العاقل؛ لأنه تعالى قال: فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12].

خطورة غيبة العلماء

كذلك غيبة العلماء، والعلماء ليسوا معصومين بلا شك، ولا أحد يُعْصَم إلا واحدٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما منا إلا ويؤخذ من قوله ويُتْرك إلا صاحب هذا القبر يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصَدَقَ رحمه الله؛ كُلٌّ يُخْطِئ، حتى الإنسان نفسه يعرف خطأه أحياناً إذا قال قولاً ثم بَحَثَ أو نوقِش فيه، وتبيَّن أنه مخطئ.

لكن هل من جزاء العلماء الذين أتْعَبوا أنفسهم في تحصيل العلم ولم يدَّخروا وُسْعاً في نشره بين الأمة أنهم إذا أخطئوا خطئاً واحداً أن يُنْشَر خطأهم ويُسْكَت عن محاسنهم؟!

الجواب: لا والله. ليس من جزائهم، وليس هذا من العدل، ولا من القسط، بل العدل أن توازن بين الحسنات والسيئات، فإذا رَجَحَت الحسنات على السيئات فالإنسان من المحسنين، هذا إذا تقاربت السيئات مع الحسنات، فكيف إذا كانت السيئة واحدة في مقابل آلاف الحسنات؟!

لكن بعض الناس والعياذ بالله يتخذ من الخطأ الواحد ذريعة للسب، والقيل والقال، ويضيف إلى هذه السيئة سيئات أخرى. وهذا لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال.

واعلموا أن الناس إذا قلَّت ثقتهم بالعلماء فليس معنى هذا أنه إساءة إلى العالِم شخصياً فحسب، بل هو إساءة إلى العالِم وإلى ما يحمله من الشريعة؛ فإذا نزل العالِم من أعين الناس ما قبلوا قوله، وردوه ولو كان أوضح من الشمس؛ لأن الثقة نُزِعت منهم، ولولا ثقة الناس بعضِهم ببعض ما انتفع أحدٌ من أحد أبداً، حتى الإنسان الذي تريد أن تعامله معاملة فتبيع له وتشتري منه إذا لم تثق به هل تعامله؟! لا.

لذلك أوصيكم بأن تحرصوا غاية الحرص على تجنُّب القيل والقال، وعلى أن يشتغل الإنسان بما يهمه عما لا يعنيه؛ لأن ذلك من حسن إسلام المرء، كما نطق به الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن كفى الناسَ شرَّه، وكفاه شرَّ الناس، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يتقبل منا ومنكم.

وأبشركم بأن حضوركم إلى هذا المجلس داخلٌ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة). نسأل الله لنا ولكم الإخلاص.

الأسئلة

حكم الاحتفال بمولد النبي أو بغيره من الموالد

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يا فضيلة الشيخ! ما حكم الإسلام في إقامة الموالد سواء كانت لموالد لمشايخ أو مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ لكن أنبهكم أنه لا سلام من جالس ليسأل، إنما السلام للقادم، وأما إذا كان جالساً ويسلم فما السبب؟! كان الصحابة يسأل الواحد منهم الرسول عليه الصلاة والسلام ولا يسلِّم، ولا يقول له الرسول: لماذا لم تسلِّم؟

فالسلام للقادم يا أخي.

أما قولك: ما حكم الإسلام.. فأنا أريد أن تصحح هذه العبارة أيضاً، فلا توجه سؤالاً لشخص يخطئ ويصيب فتقول: ما حكم الإسلام.. لأنه إذا أخطأ صار الخطأ من الإسلام؛ ولكن قل: ما ترى في كذا؟ أو ما حكم الإسلام في نظرك في كذا؟

فأنا أقول: أرى أن إقامة الموالد تعظيماً للمولود من البدع التي لم تَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت تتعلق بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بغيره من العلماء أو من العُبَّاد.

وهناك دليلٌ سهل جداً يدل على أن إقامة الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو: أن نسأل: هل أنتم أيها المقيمون للاحتفال أشد حباً لرسول الله من صحابة رسول الله؟!

إن قالوا: نعم.

قلنا: كذبتم!

وإن قالوا: لا. الصحابة أشد حباً.

سألنا أولاً: هل أقمتم هذا حباً للرسول أم لا؟!

إن قالوا: حباً للرسول، قلنا: لماذا لم يُقِمْه مَن هو أشد حباً منكم للرسول؟! أهم في غفلة من هذا، أم في تساهل، أم في جهل؟!

الجواب: كل هذا لم يكن.

فإن قالوا: نقيم ذلك لذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قلنا: سبحان الله! هل أنتم تستدركون على الإسلام؟!

إن قالوا: نعم.

فالمسألة خطيرة وكبيرة، ومعنى ذلك: أن قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] ليس بصحيح؛ لأنهم بهذا استدركوا على الإسلام.

وإن قالوا: لم نستدرك على الإسلام، قلنا: إذاً .. في ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما شرعه الإسلام كفاية.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يُذكر في كل عبادة بلسان الحال أو بلسان المقال، فأنت تذكر الرسول بلسان الحال أم بلسان المقال.

الأول: بلسان الحال: كل عابد لله يعبد الله عزَّ وجلَّ إخلاصاً له واتباعاً لرسوله، إذاً: أنا أشعر حينما أفعل العبادة أنني متبع للرسول، هذه ذكرى أم غير ذكرى؟!

الجواب: ذكرى.

الثاني: أو بلسان المقال: ننظر إلى الوضوء: إذا فرغ الإنسان من وضوئه ماذا يقول؟!

الجواب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وفي الصلاة: فرض علينا أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أين هذا الفرض؟!

الجواب: في التشهُّد.

وفي النداء للصلاة: مفروضٌ علينا أن نقول: أشهد أن محمداً رسول الله.

إذاً: ما شرعه الله ورسوله مما يكون فيه ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما ابتدعه هؤلاء، وبهذا نعرف أن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، وكل بدعة ضلالة، لا سيما وأن هذا الاحتفال لا يخلو من طوام؛ إذْ يقال لنا: إنه يكون فيه اجتماع واختلاط بين الرجال والنساء. هذه واحدة، وهي فتنة.

ويقال أيضاً: إنهم يأتون بالقصائد التي فيها الغلو والمبالَغة، وأحسن ما عندهم من القصائد أشدها مبالغة، فمثلاً قصيدة البردة للبوصيري هي أحسن ما يتغنون به، وفيها من الكفر الصريح ما هو ظاهر، يقول البوصيري في هذه القصيدة:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به>>>>>سواك عند حلول الحادث العَمِمِ

أي: إذا حصل حادثٌ عام كزلزال وصواعق وما أشبه ذلك فما لي مَن ألوذ به إلا أنت، ماذا تقولون في هذا البيت؟!

الجواب: شرك.

من الذي يُلاذ به عند حلول الحوادث العامة؟! الرب عزَّ وجلَّ، فالحادث الخاص ربما ألوذ بشخص وأقول له: تعال يا فلان، أنقذني من الغرق، أو أخرج هذا الذي انقلبت به السيارة من تحت السيارة؛ لكن الحوادث العامة لا يُرجى فيها إلا الله.

ثم قال أيضاً من جملة ما قال في هذه القصيدة:

فإن مِن جودك الدنيا وضَرَّتَها>>>>>... ... ... ... ...

ما ضرة الدنيا؟ الآخرة.

(مِن) للتبعيض، أي: أن هناك جوداً آخر غير الدنيا والآخرة.

فإن مِن جودك الدنيا وضَرَّتَها>>>>>ومِن علومك علمَ اللوحِ والقلمِ

أيضاً من علومه: علم اللوح والقلم، وهناك علوم أخرى أيضاً فوق التي في اللوح والقلم يعلمها الرسول.

ماذا تقولون في هذا؟!

الجواب: إنكار لملك الله، -أي: إذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول فماذا بقي لله؟! لم يبق شيء.

فهذا مما يحدث في الموالد.

فلذلك يجب على طلبة العلم أن ينبهوا أهل بلادهم عن هذه الاحتفالات، وأنه ليس فيها إلا التعب البدني والمالي، والضلال، فكل بدعة ضلالة.

أما الاحتفال بمولد الإنسان العادي فهذا ليس احتفالاً دينياً، وإنما هو احتفال عادي، ومع ذلك نرى أن لا يُفْعَل؛ لأنه قد يُتَّخَذ ذريعة إلى الاحتفال التعبدي وهو الاحتفال بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: إذا كنتُ أحتفل بمولد ابني وهو مَن هو بالنسبة للرسول، فاحتفالي بمولد الرسول من باب أولى.

لهذا نرى الكف عن الاحتفال بالموالد مطلقاً، سواءً كان ذلك للتعبُّد أو لغير التعبُّد.

حكم دخول الرجل للصلاة خلف من يصلي بنية الانفراد أو مَن فاته من إمامه بعض الصلاة

السؤال: إذا صلى الإنسان منفرداً بنية أن يكون منفرداً، فجاءه شخص آخر فصلى معه، أو أن الإنسان صلى مع الإمام؛ لكنه لم يدرك إلا التسليم، فأدرك الصلاة بالتسليم، فأكمل الصلاة، فجاءه شخص آخر فأتم به، فهل يجوز هذا؟

الجواب: إذا شرع الإنسان في الصلاة منفرداً، ثم جاء آخر وصلى معه فلا بأس سواء في الفريضة أو في النافلة.

أما في النافلة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله، وذلك حين بات عنده عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل وحده، فقام ابن عباس وصلى معه فأقَرَّه، وما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة إلا بدليل.

وأما المسألة الثانية: وهي ما إذا دخل إنسان مع الإمام وقد فاته بعض الصلاة، ثم قام ليأتي بما بقي فدخل معه آخر فهو أيضاً لا بأس به؛ لكن في هذه الثانية الأفضل تركه؛ لأن ذلك ليس من هدي الصحابة أن الواحد إذا قام يقضي صلى معه آخَرُ جَمَاعةً.

التفصيل في القيام للجنازة ورفع اليدين عند التكبير

السؤال: ما هو القول الراجح في القيام للجنازة ورَفْع اليدين عند التكبير؟

الجواب: الراجح في هاتين المسألتين أن الإنسان إذا مرت به الجنازة قام لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك وفعله أيضاً؛ لكنه بعد هذا لم يقم، بل قام ثم قعد. والجمع بين فعله وتركه: أن قعوده ليبين أن القيام ليس بواجب.

وأما رفع اليدين في تكبيرة صلاة الجنازة فالصحيح أنه يكون في كل التكبيرات؛ لأنه صح عن ابن عمر موقوفاً، ورُوي عنه مرفوعاً، وقد صحح رفعه جماعةٌ من أهل العلم.

فالصواب أن اليدين ترفعان في كل تكبيرة.

تحريم الدخول بالمصحف إلى الحمام

السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله وجعلكم ذخراً للإسلام والمسلمين! ما حكم دخول المصحف إلى الحمام؟ وهل يقاس عليه الأشرطة الإسلامية المسجل عليها القرآن الكريم؟

الجواب: دخول المصحف إلى المرحاض والأماكن القذرة صَرَّح العلماء بأنه حرام؛ لأن ذلك ينافي احترام كلام الله سبحانه وتعالى، إلا إذا خاف أن يُسْرق لو وضعه خارج المرحاض، أو خاف أن ينساه فلا حرج.

وأما الأشرطة فليست كالمصحف؛ لأن الأشرطة ليس فيها كتابة؛ لكن غاية ما هنالك أن نبرات في الشريط إذا مرت بالجهاز المعين ظهر الصوت، فهذه يدخل بها ولا إشكال في جوازه.

نصاب الزكاة في العملة الورقية

السؤال: رجل عنده خمسمائة ريال سعودي، ومضى عليها الحول، فهل فيها زكاة؟ وما هو مقدار النصاب في هذه العملة؟

الشيخ: خمسمائة ريال مِن وَرَق، أو مِن فضة؟

السائل: مِن وَرَق.

الجواب: يُنْظَر هل تساوي خمسة وستين ريالاً فضةً أم لا.

أي: إذا كانت تساوي هذا ففيها الزكاة. وإن كانت لا تساوي فهي دون النصاب، فليس فيها زكاة.

فمثلاً لو قلنا: هناك خمسة وستون ريالاً فضة، والريال بعشر ورقات، فكم سيكون النصاب؟ سيكون خمسين أو ستين.

إذاً: الخمسين ليس فيها زكاة.

فأنت اسأل أهل المصارف وقل لهم: كم يساوي الريال الفضة؟ وعلى هذا الأساس ينبني هل بلغ النصاب أم لا. عرفتَ الآن؟

إذاً .. عليك أن تسأل الصيارفة عن خمسمائة ريال وَرَقاً: كم يساوي من الفضة؟

إذا قالوا: يساوي خمسة وستين ففيها الزكاة.

وإذا قالوا: لا يساوي إلا خمسين فليس فيها زكاة.

كلمة توجيهية لترشيد مسيرة الصحوة الإسلامية

السؤال: يُلاحَظ ولله الحمد في الآونة الأخيرة ازدياد أهل الصحوة وانتشارها في هذا البلد ولله الحمد؛ ولكن نلاحظ أن كثيراً من الشباب الذي يلتزم يصل إلى حد معين من الالتزام ثم يثبت عليه، ويكون مقداراً ضعيفاً وهشاً من الالتزام، وبانتشار هذه الظاهرة أصبحت هناك غثائية في الالتزام، فكثرت الأعداد بدون نتائج، فما رأيكم في الأسباب التي أدت إلى ذلك، والعلاج؟

الجواب: الواقع أن الصحوة ولله الحمد انتشرت في هذه البلاد وفي غيرها؛ لكن الصحوة يصحبها اندفاع قوي توجبه العاطفة الدينية، ثم يندفع الإنسان إلى أن يصل إلى القمة ثم يرجع، والأمور تحتاج إلى تَمَهُّل؛ لأن الاندفاع الشديد كجر الحبل بقوة، يوشك أن ينقطع؛ لكن بالتأني والتروِّي يستقيم الإنسان.

فالصحوة هذه -في الحقيقة- تحتاج إلى قيادة رشيدة عندها علم بشريعة الله، وعندها حكمة في معالجة الأوضاع والتوجيه السليم.

وبالإمكان أن يرجع الشباب في كل بلد إلى من تتوفر فيه هذه الشروط:

الأول: العلم بالشرع.

الثاني: الرشد في التصرف.

الثالث: الحكمة.

فإذا حصل هذا كان طيباً.

ثم أيضاً ينبغي على رؤساء الشباب في كل بلد فيه الصحوة أن يكون لهم اجتماعٌ، وتَدارُسٌ في الأمور، إما في مكة، عن طريق أخذ العمرة، وإما في المدينة، وإما في أي بلد شاءوا؛ لكن أسهل شيء وأحسن شيء في مكة والمدينة؛ لأجل أن يتدارسوا أحوال الشباب، ويوجهوهم التوجيه السليم، حتى لا يتفرقوا هنا وهناك.

ثم إن هذا الفتور الذي يعتري الإنسان بعض الأحيان أمرٌ معهود حتى في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظهم ويتكلم معهم حتى يكونوا كأنهم يرون الآخرة رأي العين، فإذا ذهبوا إلى أهليهم وعافسوا النساء والأولاد حصلت منهم الغفلة، فشكوا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (ساعة وساعة).

فالإيمان في القلوب كأمواج البحر، أحياناً يهدأ وأحياناً يموج، والشيطان أيضاً عدوٌ مترصِّد، كما قال الله عنه أنـه قـال: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ [الأعراف:16-17]، وعجز أن يقول: ومِن فوقهم؛ لأن مِن فوقهم الله عزَّ وجلَّ، فهو يهاجم كلما وَجَدَ فرصةً للهجوم.

والعجيب أنه يهجم على وَجْهٍ قد لا يشعر به الإنسان، فإذا رأى في الإنسان تمسكاً بالدين هَجَم عليه من جهة الغُلُو، أو من جهة الوسواس، حتى يحصل به هذا المرض ولا يفعل العبادات، فبعض الناس من شدة ما يرى من الوسواس يصير لا يصلي نسأل الله العافية ويعجز، ويكاد أن يغمى عليه ويموت إذا أراد الصلاة، وإذا رأى الشيطانُ في الإنسان تهاوناً خَذَّله زيادةً حتى ينسلخ من الدين وهو لا يشعر.

وخلاصة القول: أني أرى في هذه الصحوة أن تكون مبنية على أساس من العلم بالشرع، ومن العلم بالتصرُّف، وكيف يتصرف الإنسان؛ لأن لكل مقامٍ مقال.

انظر هذا المثال: لو أن ابنك فعل معصية، وشيخُك فعل معصية، هل تنكر على شيخك كما تنكر على ابنك؟!

الجواب: لا. فابنُك تصيح به، وتوبِّخه، وتضربه، ولا تبالي.

لكن هل شيخك مثلاً تصيح به أو توبخه؟! أبداً. بل تأتيه بلطف، وتقول: فعلتَ كذا وكذا، وكنتُ أحسب أنه حرام. هكذا تقول، فلن تقول: فعلتَ كذا وكذا، وعصيتَ الله، اتقِ الله، وإن كان هذا حقاً. ولا مانع من أن يقول الإنسان لأتقى الناس: اتقِ الله، فها هو الرب عزَّ وجلَّ يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1] في أول سورة الأحزاب، وفي أثنائها يقول: وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37]؛ لكن لكل مقام مقال.

فإذا رأيت مثلاً من شيخك معصية فَعَلَها ابنُك الذي وبَّختَه وضربتَه فلا يمكن لك أن تعامل شيخَك بمثل هذه المعاملة، بل تعامله باللطف واللين الذي يحصل به المقصود.

كذلك مما أشرتُ إليه: أنه ينبغي أن يتخذ الشباب في كل بلد شخصاً يقتدون به، ويَسْتَقون منهاجهم منه، ويكون هذا الشخص على جانب كبير من العلم ومن الرشد في التصرف.

ثم إن هؤلاء الذين اختيروا لقيادة الشباب يكون لديهم اجتماعات للبحث والنظر في أمر الشباب حتى يُصلحوا ما اعوجَّ منهم؛ لأن بعض الشباب تكون عنده عاطفة قوية قوية جداً حتى لو كان أمامه باب لَكَسَره، وحتى أنه ربما يأتي إلى شخص يسأله عن مسألة، وإذا أفتاه بغير ما يشتهي قال: أنت مبتدع، أنت لا تعرف، ثم يهجره.

فهذا ليس بصحيح، بل الواجب على الشاب أن يكون عنده أدب، وإذا أُفتي بغير ما يراه يُناقش.

والواجب على العلماء الذين يفتون الشباب أن يقدروا ظرف الشاب، وأن يخاطبوه بما يجذب محبته إليهم، وأن يبينوا له بالهدوء، والشاب الذي عنده صحوة دينية يكفيه أن تقول له: قال الله، وقال رسوله، والشاب الذي دون ذلك يحتاج مع قول الله ورسوله إلى دليل آخر من العقل، وهو الدليل العقلي، حتى إن بعض الناس الآن من الشباب لا يستفيد بالقرآن والسنة، بل يستفيد بالعقل، وإن كان هذا خطأ لا شك فيه؛ لكني أقول: لا بد أن تُطَعَّم الأدلة الشرعية مع ناقص الإيمان بدليل من العقل ليقتنع، ولهذا تجدون القرآن مملوءاً بالأدلة العقلية؛ لأنه يخاطب قوماً ليس عندهم من الدين ما يحملهم على قبول الحق من الكتاب والسنة؛ ولكن إذا كان عند الإنسان دين كفاه ما في الكتاب والسنة، قالت امرأة لـعائشة رضي الله عنها: [ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟] الحائض لا تصوم ولا تصلي؛ ولكن يجب عليها أن تقضي الصوم ولا يجب أن تقضي الصلاة، فتقول: ما بالها؟! لماذا؟! ما الفرق؟! كلها فريضة، كلها من أركان الإسلام، ماذا قالت عائشة؟!

قالت: [كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة] فاستدلت لها بالشرع؛ نؤمر بهذا ولا نؤمر بهذا، وما دمنا لم نؤمر فالذمة بريئة.

لكن هل هذا يكفي لمن كان ناقص الإيمان؟

الجواب: لا. فهذه تريد الدليل العقلي.

قال العلماء في تعليل ذلك عقلياً: لأن الصوم لا يتكرر، فهو يأتي في السَّنَة مرة، أما الصلاة فتتكرر، فمن حين أن تطهُر المرأة تجدها شارعة في الصلاة، فهذا يعوِّض هذا، فلا تُقْضَى الصلاة، والصوم يُقضى، وهذا تعليل واضح.

ضابط هجر الرجل لزوجته

السؤال: ما هو الضابط الشرعي في نظركم في هجر الرجل لزوجته أكثر من ستة أشهر، علماً بأنها مقيمة معه في البيت؟

الشيخ: الهجر في الكلام أو في الفراش؟

السائل: في الكلام والفراش.

الجواب: أما في الكلام فلا يجوز لأحد أن يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاثة أيام مهما كان، سواءً كان زوجةً أو قريباً، أو صاحباً، أو رجل شارع، لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، حتى وإن كان صاحب معصية، لا يجوز أن يُهْجَر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيُعْرِض هذا ويُعْرِض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام)؛ لكن إذا نصحت صاحب المعصية ولم ينتصح، وكان في هجره فائدة بحيث يتوب فإن هجره حينئذ واجباً.

فالهجر إذاً دواء؛ متى كان مفيداً فليُتَقَدَّم إليه، وما لم يكن مفيداً فلا.

فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم هَجَرَ كعب بن مالك وصاحبَيه: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع؟

فالجواب: بلى. هَجَرَهم؛ لكن هل أفاد هَجْرُهُم؟ نعم. أفاد فائدة عظيمة، قال الله تبارك وتعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، كل هذا يدل على أن الرجال تأثروا، ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:118].

فالحاصل أن الهجر في الكلام لا يجوز.

أما هجر المرأة في فراشها فقد بيَّنه الله عزَّ وجلَّ في القرآن أكبر بيان، فقال: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34] ولم يقل اللهُ: واهجروهنَّ في الكلام وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34] وقمنَ بما يجب، فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34]، وإذا كنتم أعلى منهن درجة فاذكروا عُلُوَّ الله، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34]، هذا هو الطريق.

فلا يحل له أن يهجرها في الفراش ستة أشهر، ولا أربعة أشهر، ولا أقل من ذلك، إلا إذا بدر منها نشوزٌ لم تتُب إلا بذلك.

ضابط العاطفة وكيفية توجيه الإنسان العاطفي

السؤال: فضيلة الشيخ! هل العاطفة عائقٌ من عوائق الاستقامة؟ ثم كيف نوجه الشخص العاطفي للاستفادة من عاطفته القوية فيما ينفعه؟

الجواب: لا بد لكل شيء من عاطفة، فلو ماتت العاطفة ما صار الإنسان إنساناً، فالعاطفة تحمل الإنسان على التقدم، فلا بد منها؛ لكن تحتاج إلى ضبط وميزان، فمثلاً: إذا كان الإنسان -مثلاً- لم يرض عن المجتمع ولا على الحُكَّام، وعنده انفعالات كبيرة، نقول له: اصبر. أنت عندك هذه الغيرة، وعندك هذه العاطفة، فهل كان ذلك حباً للانتقام، أو حباً لإقامة الشريعة؟!

الجواب: إن كان حباً للانتقام فهو هالك، وإن كان حباً لإقامة الشريعة قلنا: تعال. ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، انظر إلى هذه القرون الثلاثة المفضلة كيف كانت تعامل الحكام، مع أنه كان في حكامها في ذلك الوقت من بعد الخلفاء الراشدين ما يُنكر، ومع ذلك كانوا يعاملون الولاة بما يقتضي السمع والطاعة كما أمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الولاة أو الخلفاء والأمراء إذا أخروا الصلاة عن وقتها فإنَّا نقوم نحن بما أوجب الله علينا، ونصلي الصلاة في وقتها، ونتركهم؛ لكن إذا أدركتنا الصلاة معهم صلينا، فنحن نصلي في الوقت، وهم إذا أخروا وأدركنا الصلاة معهم صلينا، وكانت لنا نافلة.

وبيِّن له معاملة الإمام أحمد رحمه الله للمأمون، وغير المأمون ممن ابتلوه وآذوه.

ونقول له: انظر إلى شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أوذي مِن قِبَل الحكام، وانظر إلى كتاباته إليهم، وتلطفه معهم.

وبيِّن له أن هذا هو هدي السلف.

وهنا في ظني إذا كانت عاطفته لله عزَّ وجلَّ فسوف تهدأ هذه العاطفة، أما إذا كان لحب الانتقام، فهذا هالك بلا شك.

حكم رفع السبابة بين السجدتين في الصلاة

السؤال: فضيلة الشيخ! غفر الله لك! ما رأيك في رفع السبابة حال الدعاء الذي يقال في الجلسة التي بين السجدتين في الصلاة؟

الجواب: الذي أرى أنه سنة، ولي في ذلك سلف وهم الأدلة:

منها: حديث وائل بن حُجْر في مسند الإمام أحمد ، الذي قال عنه الساعاتي في الفتح الرباني : إن سنده جيد، وقال عنه الأرنؤوط في زاد المعاد : إنه صحيح، وفيه: التصريح بأن وضع اليد اليمنى بين السجدتين كوضعها في التشهد، سواءً بسواء.

ولي سلف آخر -ومعلومٌ أن السلف الأول هم القدوة، وهو: الرسول عليه الصلاة والسلام- هذا السلف هو: ابن القيم في زاد المعاد ، فقد صرَّح بذلك أيضاً؛ أن وضع اليدين بين السجدتين كوضعهما في التشهدين.

والمستَنَد أيضاً: أن يقال: ائتوا بحديث، أو بحرف من حديث يدل على أن اليد اليمنى تُبسَط على الفخذ كما تُبسَط اليُسرى.

لن تجدوا إلى ذلك سبيلاً، بمعنى: أنه لا يوجد حرفٌ واحد في الحديث يقول: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبسط اليمنى على فخذه. أما اليُسرى فالسنة في هذا صريحة أنها تُبسط على الفخذ، أو تُلْقَم الركبة، كل ذلك جائز، وهما صفتان.

لكن يبقى النظر: متى نشير بإصبع اليد اليمنى؟ هل نجعلها دائماً هكذا أم ماذا؟!

الذي فهمتُ من السنة: أنه يُشار بها عند الدعاء، يحركها الإنسان إلى فوق كلما دعا، والمناسبة في ذلك أن الدعاء مُوَجَّه إلى الله عزَّ وجلَّ، والإشارة إلى العلو إشارة إلى الله عزَّ وجلَّ.

هذا ما تبين لي في هذه المسألة.

معنى حديث: (خلق الله آدم على صورته)

السؤال: فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً! ما معنى حديثِ النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته

وما معنى حديثٍ: (وما ترددتُ في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن

الجواب: أما الأول بارك الله فيك (إن الله خلق آدم على صورته) فقد قيل فيه أقوال لا تُقْبَل، مثل: إن الله خلق آدم على صورة آدم، وجعل الضمير عائداً إلى آدم نفسه؛ فيبقى هذا الحديث لا فائدة منه، فإذا كان المعنى: إن الله خلق آدم على صورة آدم فما هي الفائدة؟

فنقول: وخلق غير آدم على صورته أيضاً. أليس كذلك؟

لكن الصحيح المتعين: أن الضمير في (صورته) يعود إلى الله عزَّ وجلَّ؛ ولكن هل يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً له؟!

الجواب: لا.

أولاً: لأن الله قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فنحن نؤمن بأن الله ليس كمثله شيء، ونؤمن بأن الله خلق آدم على صورته.

لأن الأول قول الله، والثاني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما يجب علينا الإيمان بهما والتصديق.

فإذا قال قائل: كيف يُتَصَوَّر أن يكون الشيء على صورة الشيء وليس مماثلاً له؟! وهذا هو الذي يَرِد على النفس!

نقول: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن (أول زمرة تدخل الجنة تكون على صورة القمر ليلة البدر)، وهل يلزم من كون هذه الزمرة على صورة القمر أن تكون مثل القمر؟!

الجواب: لا.

إذاً .. لا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً له عزَّ وجلَّ. هذا قول، وهو قولٌ ظاهر، وليس فيه تأويل، ولا خروج عن ظاهر اللفظ.

والقول الثاني: أن الضمير في (صورته) يعود على الله؛ لكن هذا من باب إضافة الشيء إلى الله على وجه التكريم والتشريف مثل: نَاقَةَ اللَّهِ[الشمس:13] في قوله تعالى: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ[الشمس:13]، فهل لله ناقة يركبها مثلاً؟! حاشا وكلا!

لكن أضاف الرسولُ الناقةَ إلى الله من باب التشريف.

كذلك قال الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ[البقرة:114] المساجد هي للناس يصلون فيها! فهل الله عزَّ وجلَّ يكون في هذه المساجد؟!

لا. بل الله تعالى في السماء على عرشه؛ لكن أضاف الله المساجد إليه؛ لأنها محل عبادته، وأهل للتشريف والتكريم.

نعود إلى روح آدم فنقول: الله سبحانه وتعالى قال للملائكة: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ[ص:72]، فهل روح آدم هي روح الله؟!

لا. أبداً. بل روح آدم روحٌ مخلوقة خلقها الله؛ لكن أضافها الله إليه على سبيل التشريف.

فقوله: (على صورته) يعني: على الصورة التي صورها الله عزَّ وجلَّ، وأضافها الله على سبيل التشريف.

فإذا قال قائل: وصورة الرجل الآدمي، أليس الله هو الذي صوَّرها؟!

قلنا: بلى. الله هو الذي صوَّرها؛ لكن لا تستحق أن تضاف إلى الله، فأشرف ما خلق الله هم بنو آدم، قال الله تبارك وتعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[التين:4]، لا يوجد أحدٌ أحسن خَلْقاً من الخَلْق الإنساني.

إذاً: تكون صورة آدم ليست كصورة غيره من البشر، ولهذا استحقت أن تضاف إلى الرب عزَّ وجلَّ تشريفاً وتكريماً.

فصار الحديث له معنيان:

المعنى الأول: إجراؤه على ظاهره، وأن نقول: لا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً لله.

المعنى الثاني: أن يقال: (على صورته) بمعنى: أن الله خلق آدم على الصورة التي اختارها وأضافها إليه على سبيل التشريف، ولهذا قال: لا يُقبَّح الوجه ولا يُضرب فتتغير هذه الصورة التي خلقها الله عزَّ وجلَّ.

أما السؤال الثاني فهو قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (وما ترددت في شيء أنا فاعلة ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد له منه).

إن الله عزَّ وجلَّ لا يحب أن يفعل شيئاً يكرهه عبده المؤمن، بل قال الله تعالى: (من عادى لي ولياً فقد آذنتُه بالحرب)، أيْ: أنَّ أيَّ إنسان يعادي ولياً من أولياء الله -وأولياء الله هم الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[يونس:63]- فإنه يكون معلناً الحرب على الله عزَّ وجلَّ.

فلا يحب الله عزَّ وجلَّ أن يفعل ما يكرهه عبدُه المؤمن، فيتردد لا للشك في كون هذا مصلحة أو غير مصلحة؛ أي: ليس عن جهل؛ لكن يتردد من جهة ما يتعلق بالعبد، هل يفعله والعبد يكره ذلك، أم لا يفعله.

وبهذا نعرف أن التردد نوعان:

تردد للشك في النتيجة، وهذا مُنَزَّه عنه الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله تعالى لا يخفى عليه شيء، وهو يقع مني أنا ومن فلان وفلان، نتردد في فعل الشيء لأننا نجهل النتيجة، ولهذا نستخير الله.

تردد بما يتعلق بالغيب مع العلم بالنتيجة، وهذا يوصف الله به، وليس فيه نقص بأي وجه من الوجوه.

حكم جماع المرأة بعد انقطاع الدم بفترة بسيطة

السؤال: فضيلة الشيخ! إذا جامع الرجل زوجته بعد انقطاع مدة الحيض بفترة بسيطة، مثل: أن ينقطع الحيض في الصباح، وجامعها في الظهر، وبعد انتهاء الجماع خرج مع الذكر نوعٌ من الدم، فما الحكم في ذلك؟

الشيخ: هل اغتسلت أم لا؟

السائل: اغتسلت.

الجواب: ليس عليه شيء، وهذا الذي خرج ليس بحيض.

مسألة من يشق عليه العدل بين زوجاته لعمل ونحوه

السؤال: فضيلة الشيخ! رجل له زوجتان، وكل واحدة منهما في مكان يبعد عن الأخرى، فلا يتسنى له العدل في المبيت، مع العلم أن مقر عمله وتجارته عند إحدى الزوجتين، مما يُحَتِّم عليه أن يقضي وقتاً أطول عندها دون الأخرى، فهل هذا الزوج آثمٌ في هذه الحالة أم لا؟

الجواب: يُنْظَر هل الزوجتان راضيتان على هذا الوضع أم لا؟

إن كانتا راضيتين فالأمر واضح؛ لأن الحق لهما، فإذا رضيتا بما يفعل الزوج فلا إشكال.

فإن طالبت كل واحدة بحقها فيجب عليه تصحيح الوضع، فإذا بات عند إحداهما ستة أيام فيجب أن يبيت عند الأخرى أيضاً ستة أيام إذا كان يشق عليه التردد كل يوم، أو بما يتفقان عليه.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [66] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net