اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ماذا بعد العراق للشيخ : سلمان العودة
أما بعد:
فالسلام عليكم -أيها الأحبة الأبرار- ورحمة الله وبركاته.
نحن الآن في ليلة الجمعة الثامن من شهر صفر لسنة (1424)هـ.
لقد جئتم إلى هذا المكان المبارك -أيها الأحبة- على وقع الدمار الهائل الذي حل بـالعراق وعاصمة الرشيد ، جئتم والأسى يعصر قلوبكم، واليأس يجتاح النفوس، لكن لا يأس فالدهر دول، لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
اليأس حرامٌ حرامٌ على قومٍ آمنوا بالله تعالى، وأن الله حق، وله الحكمة البالغة، والرحمة السابغة، وبيده تصريف الأمور، وإذا كان عمر الولايات المتحدة الأمريكية نحو مائتي سنة، فلنذكر أنها خاضت مع نفسها حرباً ضروساً حصدت أكثر من ستمائة وخمسين ألف قتيلٍ فحسب، فدعونا نهدئ أنفسنا وندغدغ عواطفنا بهذا الخبر الجميل.
قوات غازية تجتاح عدة ولايات أمريكية بما فيها واشنطن ، وتقتحم البيت الأبيض، واختفاء الرئيس الأمريكي ونوابه ومساعديه وسط حالةٍ من الفزع والهول والذهول.
الثوار الغاضبون المحتجون على السياسة الأمريكية يحتلون الشوارع ويهتفون ضد الإدارة ويتهمونها بممارسة جرائم حربٍ وإبادة وبتضليل الشعب وبانتهاك القوانين ومصادرة الحقوق.
مجموعة من السجناء تقتحم السجن وتنضم إلى الثوار.
مدمنو مخدرات يرفعون لافتاتٍ تقول: كفى ترويعاً للشعب، كفى ترويعاً للآمنين.
محتجون يدمرون تمثال الحرية ويضعون عليه خرقة مكتوبٌ عليها: انتهى وقت الخداع، اكشفوا الأقنعة عن وجوهكم البشعة يا تجار النفط، الشعب يرفضكم ولن يختاركم بعد اليوم.
هل أنت في حلمٍ لذيذ؟ هذا الحلم اللذيذ المنبعث من عمق الخيال، هو انعكاسٌ لما يجري في عاصمة الرشيد اليوم، ولعله صورة من صور المستقبل.
لقد هجم عليَّ البارحة موجةٌ عارمة من الحزن والكآبة، ولا أظن أحداً من المسلمين بقي بمعزلٍ عنها، وهو يرى ويسمع سقوط مدينة الخلافة بأيدي علوج الروم.
يا دجلة الخير ما يغليك من حنقٍ>>>>>يغلي فؤادي وما يشجيك يشجيني
ما أن تزال سياط البغـي ناقعةً>>>>>في مائك الطهر بين الحين والحين
ووالغاتٌ خيول البغي مصبحةً>>>>>على القرى آمنةً والدهاقين
أدري بأنكِ في حزنٍ وفي لغبٍ>>>>>والناس حولك عدوا بالملايين
يرون سود الرزايا في حقيقتها>>>>>ويفزعون إلى حدسٍ وتخمين
الوداع يا بغداد ! يا بلد المنصور والرشيد والنعمان و أحمد و الكرخي و الجنيد و إسحاق و مطيع و حماد ! يا منـزل القادة والخلفاء، والمحدثين والفقهاء، والزهاد والأتقياء، والشعراء والظرفاء! يا مثابة العلم والتقى، وموئل المجد والغنى، يا دنياً فيها من كل شيءٍ شيء..!!
الوداع يا دار السلام ! ويا موئل العربية! ويا قبة الإسلام! ويا منارة التاريخ! ويا منبر الحضارة! منذ أوائل الألف الخامس قبل الميلاد، تاريخٌ موغلٌ في القدم شهد هذا السهل - سهل الرافدين - قفزةً هامةً في التاريخ بالانتقال من القرى الزراعية إلى حياة المدن، ومر على هذا السهل زمنٌ كانت فيه شبكات القنوات معجزةً من معجزات الري في العالم، مرت عليه قرون وأجيال وأمم لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى: السومريون وهم من أقدم بناة الحضارة في التاريخ كله، ومن العراق انطلقت أول إمبراطورية معروفة في التاريخ، ثم جاء البابليون والآشوريون والكلدانيون وكان الفتح الإسلامي درة عقدٍ في هذا البلد الطيب، فحفظ للإسلام وده ووفاءه وبقاءه، وظلت العراق منطلقاً وعاصمةً للخلافة مئات السنين.
بنيت بغداد في عصر أبي جعفر المنصور؛ لتكون عاصمة الخلافة، وبلغت أوجها في عصر الرشيد ، ولذلك كانت تسمى عاصمة الرشيد ، كما تسمى دار السلام ، و المدورة ، و الزوراء، و بغداد .
ثانياً: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:140-141].
أيام الدنيا دول لا يدوم فيها حزن ولا سرور، ولا عز ولا ذل، ولا غنى ولا فقر، وإنما الدهر بالإنسان دوار، وكما يقول بعض الشعراء من أولاد الخلفاء:
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت>>>>>لنا رغبةً أو رهبة عظماؤها
فلما انقضت أيامنا عصفت>>>>>بنا شدائد أيامٍ قليل رخاؤها
وصرنا نلاقي النائبات بأوجـه>>>>>الرقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت>>>>>علينا الليالي لم يدعنا حياؤها
يقول الأمريكيون: إن هذه نهاية التاريخ كما سطر فوكوياما في كتابه المشهور ونظريته الذائعة، ولعلنا نقول: بل هو تاريخ النهاية.
والله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله عن الظالمين المجرمين أهل الغدر والفجر والكفر: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ [إبراهيم:44] كنت أقرأ هذه الآية كثيراً وأتعجب! وأقول: سبحان الله منزل القرآن! كل البشر يعرفون أن لهم نهاية، وأن لهم أجلاً يموتون فيه، فمن هؤلاء الذين أقسموا ما لهم من زوال؟ حتى رأينا بأعيننا هؤلاء القوم الذين غرتهم قوتهم، وغرتهم غطرستهم، وغرهم أمرهم من ربهم تبارك وتعالى، فصاروا يتكلمون عن أن حضارتهم هي نهاية التاريخ، وأن بقاءهم سوف يكون أبدياً أزلياً سرمدياً، فأقسموا ما لهم من زوال، وسكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم.
هذه المداولة المذكورة في كتاب الله عز وجل: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] هي نتيجة الاستفادة من السنن الربانية، فهؤلاء تذرعوا بالسنن، واكتشفوا واخترعوا وتعلموا وجربوا واتحدوا وتعاونوا حتى وصلوا إلى هذا المستوى من القوة الاقتصادية والتقنية والعسكرية التي بها استطاعوا أن يستفردوا في هذه الفترة بحكم العالم تقريباً، فصار العالم أحادي القطب تديره أمريكا وفق مزاجها ونظرها.
انتصارهم -أيها الأخ الكريم!- ليس انتصاراً عسكرياً فحسب، نعم. أنا مثلك تماماً حينما أرى خوذة هذا الجندي المتغطرس الأجنبي الغريب في هيئته وسحنته وبزته وقيمه وأخلاقه عن بلادنا وعن تاريخنا وعن أرضنا أرض المجد وأرض التاريخ يأتي من بلدٍ غريب منبت الجذور، ثم يظهر قوته ويضع علمه -أنا مثلك أشعر بالغيظ وأشعر بالمقت، لكنني أدري أن هذا النصر الذي يقتطفه الآن إنما هو نتاج مجموعةٍ من التفوقات التي حصلت عليها إدارته في غيبةٍ وغفلة من الأطراف الأخرى، فهم استفادوا من هذه السنن الربانية، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، فانتصارهم ليس انتصاراً عسكرياً فحسب، بل هو انتصارٌ حياتيٌ، علمي، تقنيٌ، اقتصاديٌ، إداريٌ، سياسي، وهو جزء من سنة الابتلاء التي تقابل بالصبر وتقابل بالمدافعة.
ولهذا؛ الآية الثالثة قوله عز وجل: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:251] فإن ما يصنعه الله سبحانه وتعالى في أرضه وفي عباده من القضاء والقدر لا يمكن أن يكون شراً محضاً، ولا بد أن يكون فيه جوانب من الخير ومن الحكمة، وإن كانت هذه الجوانب قد تخفى على العباد، خصوصاً في أوقات الأزمات، وحينما يستحر الحزن والقلق والكآبة والتوتر في قلوب الناس، لكن المؤمن يظل راضياً مدركاً أن وراء الأمر من حكمة الله تعالى وحسن تدبيره ما يحمد الناس له العواقب.
رابعاً: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165] نريد أن نلوم أمريكا ، وكم يسرنا ونطرب حينما نسمع من المحللين والكتبة والإعلاميين والخطباء وغيرهم من يتكلم في هذه الدولة الظالمة، وأعتقد أن كل ما يقال عنها فهو جزء قليلٌ مما تستحق، ولكن علينا ألا نغفل أيضاً عن أن هذه الإدارة المتغطرسة الظالمة التي لا يمكن أن يخفي قبحها شيء لم تكن لتبلغ فينا ما بلغت لولا أننا أتينا من قبل أنفسنا.
وهاهو ربنا تبارك وتعالى يقول للمبشرين بالجنة وللسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].
فينبغي علينا أن نقول هذا لأنفسنا الآن والجراح ساخنة، والدماء نازفة، والآلام حية، قل هو من عند أنفسنا.
علينا أن نعتبر هذه فرصة لنصحح فيها أوضاعنا، ونصلح فيها أحوالنا، ونستدرك ونعود إلى ربنا تبارك وتعالى عودةً صادقة، توبةً على مستوى الفرد والجماعة والأسرة والمجتمع والدولة والأمة.
أين الشعارات أين المالئون بها الدنيا>>>>>لَكَم زوّروا التاريخ والكتبا
فلا خيول بني حمـدان راكضةٌ>>>>>لهواً ولا المتنبي مالئٌ حلبا
وقبر خالد في حمص تلامسـه>>>>>فيرجف القبر من زواره غضبا
يا رُبَّ حيًّ رخام القبر مسكنه>>>>>ورُبَّ ميت على أقدامه انتصبا
يا بن الوليد ألا سيفٌ تؤجـره>>>>>فإن أسيافنا قد أصبحت خشبا
لقد انكشف الزور، وبانت هذه الشعارات التي طالما ضللت كثيراً من شباب الأمة وشباب العالم، فظنوا أن هذه الحضارة استثناءٌ، وأنها لونٌ ونمطٌ من الحرية للبشر كلهم، وأنها تجردت عن كل المعاني الرديئة، فإذا بها تبين في أكلح وأقبح صورها عدواناً على الآمنين .. استهدافاً للأبرياء .. تحدياً للقوانين .. محاولةً لمصادرة الحقيقة والقضاء عليها، وهكذا انكشف أن الحرية الإعلامية المدعاة، أو الحرية السياسية ليست إلا نوعاً من التسلط، ولكنه ربما يكون أحياناً بألوان من القفَّازات الناعمة، والمظاهر الجميلة، والعبارات المعسولة، وتخفي وراءها ما تخفي.
الكل يعاني نوعاً من التسلط، ربما في كثيرٍ من دول العالم الإسلامي تواجه الشعوب نوعاً من التسلط الواضح المكشوف المباشر، سواءً من خلال الإعلام، أو من خلال مصادرة الرأي والحرية، لكن العالم الغربي وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية بان من خلال هذه الحرب أن شعبها ربما يعاني نوعاً آخر من التسلط، يكون هذا النوع بقدرٍ كبيرٍ جداً من محاولة غسيل عقول الناس، والتأثير على إرادتهم بحيث يتقبلون هذه الأشياء بقناعة، فأنت تعمل ما تريد ما دمت تعمل ما نريد.
ذهبت هذه الحرب بالقوانين الدولية، والمنظمات التي كان الحديث يتم حولها، وتبين أن ما يتحدثون عنه من استقلال الدول أنه ليس إلا هراءً.
فهذه دولٌ مستقلة يتم العدوان عليها لأغراضٍ مختلفة، ويتم غزوها، ويعتبر الذين يدافعون أو يقاومون خارجين على القانون الدولي، مخالفين للأنظمة، يتم اعتقالهم، وأسرهم، وقتلهم، ومحاكمتهم، وضربهم، وتعذيبهم.
أيضاً قوانين الحرب التي تقتضي عدم العدوان على الأبرياء، وعدم العدوان على المؤسسات الإعلامية، نجد أنها ذهبت في دوامة هذه الحرب العمياء الظالمة.
أدعياء الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية يهاجمون الإسلام، ويهاجمون نبيه عليه الصلاة والسلام، ويتهمونه بالدموية، وبالعنف، وبالإرهاب، بينما نحن نتحدى أن عدد القتلى في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المسلمين وغيرهم لا يمكن أن يقاوم عدد القتلى في يومٍ واحد في هذه الحرب الظالمة فضلاً عما قبلها من الحروب وما قد يكون بعدها.
ذهبت هذه الحرب بالحياد والاستقلال: الاستقلال السياسي، والثقافي، والعسكري، فإننا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية كما سوف يتبين بعد قليل تحاول أن تفرض نفسها كسلطةٍ عالمية بلا منازع ولا مقاوم.
ذهبت هذه الحرب بالنظام العربي الذي تبين من خلالها أنه نظام مكشوفٌ عاجز، غير قادرٍ على المقاومة ولا على الاستقلال بالقرار والموقف.
ذهبت الحرب ربما بالإدارة الأمريكية التي انغمست في رمالٍ متحركة لا تعرف إلى أين تؤدي بها، ولعل الانتخابات القادمة بعد سنة ونصف أو سنتين تصدق هذا الظن أو تكذبه.
فهل جاءت هذه الحرب لهم بشيء؟ نعم. لا شك أنها جاءت بمناطق نفوذ ونفط وقوة كبيرة وهيبة في أماكن شتى من العالم.
فيما يتعلق بالنفط مثلاً: فإن الشركات الأمريكية سوف تظفر بحصة الأسد من خلال علاقاتها مع القوى العراقية، ومن خلال دورها الأساسي في الحرب، وسيكون لذلك فائدة إضافية مهمة وهي تدمير ما يسمى بـمنظمة أوبك أو تحجيمها عن أن تقوم بأي موقفٍ فيه إضرار بالمصالح الأمريكية.
يقول المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي: إن نجاح الحملة العسكرية على العراق سوف يصب في صالح الأعمال والشركات الأمريكية، ويقول: إن معنى تغيير النظام في العراق هو ضخ ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين برميل نفط يومياً بشكل إضافي إلى سوق النفط، وربما بعد خمس سنوات سيضخ عشرة ملايين برميل يومياً من النفط العراقي إلى أسواق العالم، وسوف تكون حصة الأسد من ذلك للشركات الأمريكية.
قد يتخوف الكثيرون أن تتحول العراق إلى دول: كدولةٍ للأكراد، ودولة للشيعة، ودولة للسنة، وهذا لا يبعد أن يكون احتمالاً ولو لم يكن في نظري بالاحتمال القوي.
إن العراق كدولة لا تتعلق بالرئيس مثلاً، ولا بالحزب، فالرئيس العراقي ليس هو تيتو يوغسلافيا الذي جمع رقعاً متفرقة حتى تثور المخاوف من بعده حول وجود العراق من عدمه، وخلال عددٍ من الحالات لم تظهر نزعاتٌ انفصالية جدية إلا عند الأكراد الذي يشكلون حوالي (15-20%) من الشعب العراقي، ومع ذلك فإن الأكراد يفضلون نوعاً من العلاقة مع حكومةٍ مركزية.
نعم. قد تعم الفوضى في المرحلة الانتقالية كما يسمونها، خصوصاً مع تعارض مصالح الدول المجاورة التي لكل واحدة منها أجندة خاصة فيما يتعلق بـالعراق أو بالجزء المتاخم لها، يتضح هذا جلياً مثلاً في إيران وتركيا وغيرها.
العراقيون وإن كانوا غير متعاطفين مع النظام السابق، إلا أنهم يكنون كرهاً أكبر لـأمريكا، خصوصاً منذ فرضت عليهم الحصار على مدى أكثر من ثلاث عشرة سنة، وقتلت من أطفالهم ما يزيد على مليوني طفل بسبب الأمراض التي لا تجد لها شفاءً، إضافة إلى شعورهم الوطني المعروف، فهم من أول من ثار على الاستعمار البريطاني.
تفيد التقارير الأمريكية أنه سوف يكون على أمريكا نشر ما يزيد على خمسة وسبعين ألف جندي للحفاظ على الاستقرار في العراق على مدى سنة كاملة على أقل تقدير، إضافة إلى الحاجة الماسة إلى وجود أكثر من خمسة آلاف جندي على مدى خمس سنوات في العراق .
إذاً: الديمقراطية نموذج هش، يمكن أن يوجد منها في العراق ما هو مفصلٌ على وفق المصالح الأمريكية، ما يحقق للناس الحرية الشخصية، وما يحقق لهم المتعة العاجلة، وقدرٌ من المشاركة يضمن استقرار البلد ليس أكثر.
وفي تقديري فإن أهم أهداف استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في المدى القريب والمتوسط ما بين خمس عشرة إلى عشرين سنة هو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط السياسية، المنطقة الغنية بثرواتها، بالبترول، بالماء، بالزراعة، بالخيرات، والذي ينفرد بأفضل وأخطر مركز بين الأقاليم في العالم، والذي تمثل بعض دوله في تقدير واشنطن بيئةً مناسبةً لنمو التطرف الديني والإرهاب كما يزعمون ويقولون.
والهدف الثاني لهم في ذلك هو: تغيير نظم الحكم في عددٍ من الدول العربية المحورية؛ لإقامة حكوماتٍ حليفة للغرب، وفي نفس الوقت تتمتع بنوعٍ من القوة والنفوذ، وقدرٍ مناسب من التأييد الشعبي، بما يتيح لهم في بضع سنوات مقبلة محاولة تجاوز الأشكال الديمقراطية بدرجةٍ أو بأخرى، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تعتزم الانفراد بحكمٍ عسكريٍ أو مدني مباشر في العراق لفترة معينة، باعتباره دولة بترولية ونفطية، وبما يحمي المصالح الحيوية والأمنية للولايات المتحدة في المنطقة العربية بأسرها، وبما يحقق اتخاذ العراق قاعدة انطلاق لعمليات عسكرية مرجحة في المستقبل المنظور ضد إيران -مثلاً- وضد سوريا ، أو ضد بعض الدول المجاورة بما يخدم أمن إسرائيل والتخطيط الأمريكي، لمزيدٍ من السيطرة على الثروات الطبيعية في الخليج ، وفي بحر قزوين ، وفي آسيا الوسطى الإسلامية، إضافةً إلى تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في أراضي العراق وفي بحارها وفي أجوائها، وحرمان القوى الكبرى المنافسة من بناء وتنمية مصالحها في الشرق الأوسط.
الإدارة الأمريكية ترى أنه يمكن الوصول إلى السعودية -مثلاً- أو إلى مصر، أو سوريا، أو لبنان، أو إيران، عبر العراق بسهولةٍ أكثر وكلفةٍ أقل، ويبدو أن هذا من الأهداف الأساسية للحرب؛ فالهجوم على العراق واحتلاله يجعله مركزاً لتخويف إيران وسوريا ، ويمكن من خلاله التحرك باتجاه السعودية ودول الخليج؛ لإحداث تغييراتٍ تتوافق مع السياسة الأمريكية. كما أنه يمكن من خلاله التحرك باتجاه سوريا ولبنان.
السيطرة التامة على كل فلسطين ، والقيام بعملية تهجير واسعة ضد الفلسطينيين، وخصوصاً أن قادة اليهود باتوا مقتنعين أن تغييرات جذرية قد حصلت بعد انتفاضة الأقصى، وأدت إلى إسقاط اتفاقية أوسلو ، ومن ثم فإنهم يعتقدون أن الظروف بعد الحادي عشر من سبتمبر قد تغيرت، وأن اتفاقية أوسلو وملحقاتها لم تعد مقبولة.
وبطلبٍ من الإدارة الأمريكية أعد الدكتور ماكس زنقر المختص في تحليل السياسات -وهو مؤسس معهد مشهور، معهد هيدسون للدراسات الاستراتيجية والأمريكية- وثيقة ترسم سيناريوهات محتملة للعالم خلال العقدين المقبلين وأهمها هو:
أولاً: أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بهجماتٍ عدة ضد دول، وربما يؤدي ذلك إلى سقوط حكوماتٍ إسلامية، وستمتلك العراق ومصر وإيران والسعودية في تقديره أسلحةً نووية -طبعاً دعك من العراق الآن- وأن دولاً أخرى ستمتلك أسلحةً بيولوجية تستخدمها في النـزاعات فيما بينها، وأن إسرائيل ستظل موجودة إلى ما بعد عشرات السنين، إلا أنها سوف تواجه خطراً كبيراً على وجودها، وقد تتعرض للإبادة بواسطة سلاحٍ إسلامي غير تقليدي يتوافر بكثرة في الشرق الأوسط.
ثانياً: كما يتحدث التقرير أيضاً بتفصيلٍ عن هذا السيناريو، ويقسم الدول الإسلامية إلى قسمين: الدول المؤيدة لما سماه بالإسلام الكفاحي، أو الإسلام المقاوم، والدول المعارضة له.
أما الإسلام الكفاحي الجهادي المقاوم فسوف يسيطر حسب تقديره على الدول العربية، وهي تسعمائة مليون نسمة، وكذلك طبعاً الجاليات الإسلامية في أوروبا وفي أفريقيا ، وأما تركيا ووسط آسيا التي تشكل أربعمائة مليون نسمة من العالم الإسلامي، فإنها سوف ترفض هذا اللون من الإسلام كما يتحدث.
تتضمن الوثيقة أيضاً: خطة لمكافحة الإسلام يقسمها إلى عشر مراحل:
منها: حل الصراع العربي الصهيوني، وذلك بحل مشكلة اللاجئين من خلال إعادة توطينهم، وهنا نطرح سؤالاً أين؟ الله أعلم!
وحظر استخدام الإرهاب، ما هو الإرهاب؟ هذا سؤال أيضاً!
دولة فلسطينية ملتزمة بأمن إسرائيل ضمن خارطة الطريق أو غيرها، ويفترض أنه من الممكن العمل على إخضاع الفلسطينيين حتى يخضعوا للحل الذي تريده إسرائيل، ومن هنا فإن المنطقة متجهة إلى مرحلةٍ شديدة السواد وفق هذه السيناريوهات التي ترسمها الإدارة الأمريكية، وتحاول فرضها ليس على العالم الإسلامي فحسب بل على العالم كله، لكن تبقى إرادة الممانعة، والرفض، والإصرار على التغيير، وفرض الوجود قادرةً على إفشال هذه المخططات وعلى البقاء على ساحة الحياة، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق:15-17].
هناك تقرير استراتيجي أمريكي يخرج بين بضع سنوات، وهذا هو التقرير الأخير الذي صدر بعد أحداث أيلول بسنة تقريباً بعنوان: استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، وقد خرج في عشرين أيلول سبتمبر (2002م). هذا التقرير الذي يرسم السياسة الأمريكية ماذا ينطوي عليه؟
وقد تطورت الأسس التي قامت عليها عبر الأوضاع المحلية والمتغيرات الدولية، ففي البداية -مثلاً- كانت استراتيجيتهم تقوم على العزلة التي عبر عنها الرئيس مونرو حينما رسم خريطة الولايات المتحدة الأمريكية ، ورسم حولها أسلاكاً شائكة، ووضع أمامها شعاراً يقول: نحن نرحب بالزائر إذا لم يكن معه بندقية. معناه: أنهم منعزلون على أنفسهم، ولكنهم يرحبون بالزوار، ومن هنا كانت أمريكا مكاناً لاستقبال المهاجرين من أنحاء العالم.
ثم انتقلت بعد ذلك إلى المرحلة الثانية وهي: المشاركة في صياغة النظام الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وملء الفراغ الذي نجم عن تراجع الدور الأوروبي في العالم الإسلامي وغيره.
ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي الحرب الباردة، واستراتيجيات الأحلاف العسكرية حتى سقوط الاتحاد السوفيتي.
ونستطيع أن نقول: إن المرحلة الرابعة التي نعيشها هي هذه المرحلة التي يتكلم عنها هذا التقرير الذي أعدته لجان عمل وأوصلته إلى البيت الأبيض، ووزع في ثلاث وعشرين صفحة بالعنوان السابق، وتزامن إعلانه مع مرور عام على أحداث سبتمبر.
إذاً هم يقولون: إنه لا ينبغي لنا أن ننتظر حتى تأتي الضربة أو يأتي العدوان لندفعه، وإنما أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، فعلينا أن نقوم بضربات استباقية، ولعل مما يؤكد صدقية هذا التقرير بدايتهم بـالعراق ، وهم يقولون في التقرير نفسه: إننا نسعى إلى أعمالنا ومشاريعنا ضمن إطارٍ عالميٍ من التحالف، ولكننا مستعدون أيضاً أن نمضي قدماً بمفردنا إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك. وهكذا فعلوا هنا، فهم قد تجاوزوا المنظمات الدولية، وتجاوزوا حلفاء الأمس الذين اجتمعوا معهم على ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وانطلقوا بمفردهم مع حلفائهم البريطانيين في حربٍ منعزلةٍ مفردةٍ حرب استباقية، ليس المقصود بها حماية أمريكا من عدوان العراق ، ولكن المقصود منها حماية أمريكا وحلفاء أمريكا والمقصود بهم بالدرجة الأولى اليهود.
إذاً: تقوم أمريكا على أساس نظرة استراتيجية تمارس ضربات استباقية لكل ما يمكن أن يشكل خطراً مستقبلياً، وبناءً على ذلك فهم سوف يقومون بحرمان جميع دول العالم التي لا تنطوي ضمن سياستهم وأهدافهم من الحق في التقدم والتصنيع والتسليح؛ لأنهم سوف يشكلون خطراً عليهم، وهو ما يسمونه عادةً بالدول المارقة كما يتحدثون -مثلاً- عن كوريا الشمالية ، أو عن إيران ، وقد يتحدثون عن سوريا أو غيرها.
تقدم أمريكا نفسها على أنها شرطي العالم، تراقب، وتحاسب، وتكافئ، وتعاقب، وتمنع من الحصول على التقنية، وتنشر ثقافتها ورؤيتها الخاصة المتعلقة بالحرية .. المتعلقة بالحرب والسلام .. المتعلقة بالحقوق والتعليم .. المتعلقة بالإرهاب .. المتعلقة بتمويل الجمعيات الخيرية وغيرها، وتفرضها على الحكومات وعلى الشعوب.
يقول هذا التقرير في هذه الاستراتيجية: سنحول المحنة إلى فرصةٍ سانحة. يعني: إن الأزمة التي مرت بهم بعد (11) سبتمبر سوف يحولونها إلى فرصة؛ ليقوموا باستدراك كثيرٍ من الخلل والنقص والعيب الذي ينتظم سياستهم، وهم يسمون من لا ينطوي تحت لوائهم بأنه مارق أو خارج على القانون، وكيف لا؟! فهم الذين يصنعون القانون، وهم الذين يكتبونه، وهم الذين ينفذونه.
ودعوى القوي كدعوى السباع>>>>>من الناب والظفر برهانها
ثم يخلص إلى أهمية وجود قوات أمريكية في مناطق مختلفة من العالم، ومنها منطقة الخليج لحماية حلفائها وأصدقائها من أي خطرٍ محتمل.
إن آلية العلاقة بين العالم الإسلامي ودوله وبين الولايات المتحدة قد اختلفت اليوم اختلافاً كبيراً في ظل هذا التحول الاستراتيجي الجديد، وهذا يفرض على دول العالم الإسلامي جميعاً -وهو طرفٌ أساس في هذه العلاقة- أن يراجع هو مفاهيمه، وهو بين خيارين لا ثالث لهما:
الخيار الأول: أن يرسم لنفسه رؤيةً خاصة صادقة، تقوم على قيمه ومبادئه أولاً، وتقوم على مصالحه ثانياً، وتتكيف مع هذا الواقع المتغير، فإن لم يفعل، فإنه سيظل مكتفياً بالمراقبة والانتظار والتساؤل، ومن الواجب على أي دولةٍ من دول العالم أن يكون لها رؤيتها الخاصة المعبرة عن تطلعاتها ورغبات شعوبها، وعن قيمها ومبادئها، وعن مصالحها وحاضرها ومستقبلها.
فيما يخص العالم الإسلامي فهناك أولاً حماية إسرائيل والتأكيد على تفوقها، وعلى التحالف الاستراتيجي الأمريكي معها. إن أمريكا ملتزمةٌ بالتحالف مع إسرائيل، وملتزمةٌ أيضاً بضمان التفوق العسكري وغير العسكري لهذه الدولة المسخ دولة إسرائيل، ليس فقط في مواجهة دولةٍ إسلامية؛ بل في مواجهة العالم الإسلامي كله مجتمعاً.
كذلك: إن التقرير يوجه لهجةً رادعة صارمة إلى الدول الإسلامية التي تعارض السياسة الأمريكية بشكلٍ كلي أو جزئي كـإيران -مثلاً- أو سوريا ، أو السعودية أو غيرها، ويتهم هذه الدول بدعمها للإرهاب، وأن هذا الدعم إذا لم يتراجع فسوف يعرضها لضرباتٍ موجعة.
إن دعم الشعب الفلسطيني يعتبر دعماً للإرهاب .. إن دعم المقاومة الباسلة هو دعمٌ للإرهاب .. إن دعم الجمعيات الخيرية هو دعمٌ للإرهاب، بل لست أبالغ إذا قلت: إن إقامة المدارس، والمؤسسات، والمساجد، والأربطة، وجوانب النشاط الإسلامي الخيري كل ذلك هو دعمٌ للإرهاب، والحسابات الأمريكية تقوم بمتابعته ومراقبته ومحاسبة القائمين عليه حساباً دقيقاً.
بطبيعة الحال لا شك أن الدول الإسلامية كلما أبدت نوعاً من طأطأة الرأس، ومن الاستسلام، ومن القبول بهذا التدخل أغرت هؤلاء بمزيدٍ منه، وكلما استطاعت أن تراهن على شعوبها، وأن توحد صفها، وأن تقاوم وأن تفرض نوعاً من سيادتها على هؤلاء فإنهم يمكن أن يبتعدوا أو يتأخروا.
هناك ما يسمى بمبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية والتي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية قبل بضعة أشهر، ورصدت لها (29) مليون دولار، وربما هذه فقط نفقات الدعاية للمشروع، أما المشروع نفسه فلا شك أنه سوف يستغرق مبالغ ضخمة، ولكن السؤال: من هو الذي سوف يدفع فاتورة هذه المبالغ؟
الهدف الأساسي مما يسمى بالشراكة الأمريكية الشرق أوسطية هو إلحاق النظم العربية كلها بالمنظومة الأمريكية، بواسطة إرادة مفروضةٍ بقوة السلاح وقوة التهديد، وقاعدتهم تقول: تكلم بلطف واحمل عصا غليظة، وذلك في ظل اختلالٍ واضح للقوى بين العالم الإسلامي ودولة إسرائيل بمفردها.
إن الإدارة الأمريكية بتوجهها النازي المؤيد للتيار الصهيوني المسيحي المتطرف مصرةٌ على التدخل في خصوصيات المسلمين، وعلى ممارسة لونٍ من التغيير في داخل المجتمع الإسلامي على المستوى الثقافي والعلمي والتعليمي والسياسي وغيره، وهذا هو أيضاً نفس مبادرة باول للشرق الأوسط كما أشرت إليها، وفيها عدد من النقاط خلاصتها هو ما سبق ذكره.
هذا سؤال يطرحه الكثيرون، وفي تقديري أن هذا هو المتفق مع السنن الإلهية، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [البقرة:251] فسنة المدافعة قائمةٌ في الغالب، والآن نحن نقول: هناك استفراد أمريكي وإن كنا ندرك أن ثمة قوى لا توافق الإدارة الأمريكية على منطلقاتها، ولكنها لم تصل بعد إلى أن تبلور نفسها وموقفها في قوةٍ واضحة تستطيع أن تواجه طغيان أمريكا وعدوانها.
لماذا لم يبرز حتى الآن محورٌ جديد معارض سواءً في أوروبا ، أو في الصين ، أو في نمور آسيا ، أو في غيرها؟
كثيرٌ من الدول قد تطرح هذا، كما تطرحه روسيا مثلاً، تطرحه من أجل الضغط فقط على الولايات المتحدة الأمريكية ، لكن ليس بشكل جدي وعملي لعدة أسباب:
السبب الأول: الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن معظم دول العالم بما فيها الصين -مثلاً- أو أوروبا ، أو روسيا أو غيرها مرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشراكة استراتيجية اقتصادية وسياسية يصعب عليها التخلي عنها.
ثانياً: التفوق الأمريكي الساحق في مجال القوة العسكرية، ويكفي أن تعرف -مثلاً- أن ميزانية الدفاع الأمريكية عام (2002م)م -يعني لسنة واحدة- هذه الميزانية تعادل ثلاثمائة وسبعين مليار دولار، بما يعادل الميزانية العسكرية للدول الست الكبرى مجتمعة، وهذا التفوق الهائل في مجال القوة العسكرية فضلاً عن التفوقات في مجال التقنية والاختراع والتسليح يجعل كثيراً من الدول تحجم عن مثل هذا الموقف.
إن دول أوروبا تشعر بأن الهوة بدأت تتسع مع أمريكا ، وأن حلف الأطلسي بدأ يتحجم دوره، بل بدأ يفقد دوره، وفي مؤتمر السياسة الأمنية الذي عقد في ميونخ في ألمانيا بدأت بوادر الخلاف بين أمريكا وبين دول أوروبا ، مع أن هذا أحد المحاور -أعني به مؤتمر السياسة الأمنية في ميونخ - التي ترسم السياسة العالمية تقريباً، ومع ذلك برز فيه نوعٌ من الخلاف، ولكن السؤال: متى يتحول هذا الخلاف إلى نوعٍ من المواجهة مع الاستفراد ومع الغطرسة الأمريكية؟
.....................>>>>>فإنه الركن إن خانتك أركان
والله تعالى يقول: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] فإن الاستمساك بحبل الله عز وجل، والصدق مع الله تبارك وتعالى، وإرادة التغيير في نفوسنا، جديرةٌ -بإذن الله عز وجل- أن تصنع لنا شيئاً كثيراً في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من تاريخنا.
إن الإمكانية في الإصلاح قائمةٌ الآن، وهي موجودة في أيدينا ووفق رؤيتنا، وإذا كنت قبل قليل ذكرت لكم أن التقرير الاستراتيجي الأمريكي يقول: إن هذه الأزمة التي حصلت هي فرصة سانحة لنا للتغيير واستدراك ألوانٍ من الخلل الموجود لدينا، فعلينا نحن أن نطلق الشعار ذاته، فإنه شعارٌ قرآني: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6] يسر من عند الله عز وجل، لا شأن للبشر فيه، لكن ثمة يسرٌ آخر يصنعه الناس، يستخدم فيه الناس قدراتهم وإمكانياتهم وطاقاتهم وما أعطاهم الله عز وجل، لتحويل هذا العسر إلى يسرٍ، ولهذا قال الله عز وجل: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8]، ارغب في العبادة .. ارغب في السؤال .. ارغب في الاستعانة بقوته عز وجل .. ارغب في استخدام ما أقدرك الله عليه.
العالم الإسلامي اليوم يملك قواتٍ لا يستهان بها في العديد البشري .. في الموقع الجغرافي .. في الثروات الهائلة الموجودة فيه .. في موقعه أيضاً .. فيما يتعلق بالجو .. في إمكانيات كثيرة وكبيرة يمكن أن يراهن عليها متى ما وجدت إرادة التغيير في العالم الإسلامي.
إذاً: بإمكاننا أن نصنع الإصلاح وفق رؤيتنا الإسلامية الخاصة متى ما وجدت الإرادة لدينا.
إن البناء -أيها الأخ الكريم!- هو خير تعبيرٍ عن الدفاع، نحن الآن في موقع حرب، وفي أزمة، وفي نازلة، بل قل: في هزيمة، إن البناء هو خير تعبيرٍ عن هذا الدفاع، والحدث أحياناً يصنع لدينا عقلية الدفاع أكثر مما يصنع لدينا عقلية البناء، والواجب أن ندرك أن المطلوب أن نسعى وننهمك في مشاريع إصلاحية بنائية في الدعوة .. في التعليم .. في الاقتصاد .. في الأخلاق .. في العلم .. في العمل .. في كل مجالات الحياة التي نحتاجها.
إن الهزيمة التي منينا بها ليست عسكرية فحسب، وهكذا الإصلاح ينبغي أن يكون إصلاحاً شمولياً في مجالات الحياة كلها.
وهانحن نشهد اليوم أن تلك الضربة ربما كانت تمهيداً لما نراه الآن من القضاء على أصل النظام في العراق ، ولا أعني النظام الحاكم، لكن النظام الذي يضبط حياة الناس ويمنعهم من الفوضى، ويحفظ لهم حقوقهم ومصالحهم.
إن ذلك الاغتباط الذي عشناه يوماً من الأيام، أو عاشه البعض بضرب المفاعل النووي العراقي، أو الذي عاشه آخرون بهزيمة الجيوش العربية -مثلاً- أمام دولة إسرائيل؛ لأنهم يقولون: هذه جيوشٌ لدول لو انتصرت لظلت على ما هي عليه، إن هذا ربما يعبر عن قدرٍ من عدم الشعور بالأخوة الأممية الإيمانية بين العالم الإسلامي، والتي توجب أن يحزن المسلم لكل ما يصيب أخاه المسلم، حتى لو وجد خلاف بينك وبينه، أو كان له أجندة خاصة، أو نظام خاص؛ فإن روح الإسلام ينبغي أن تكون أقوى من الفواصل بين المسلمين .. الفواصل بين الدول .. بين الشعوب .. بين الجماعات .. بين الأحزاب ما دام الإسلام هو المرجع الأساسي لها.
إن الواجب على العالم الإسلامي اليوم هو السعي الصادق الجاد في الإعداد بكل صوره وألوانه وأشكاله. (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) كل القوى مطلوبٌ أن نعدها، نعم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) هذا لونٌ من القوة العسكرية يتعلق بالرمي، ولا شك أننا نرى اليوم أن رمي الصواريخ، ورمي القنابل، ورمي المدافع يشكل أثراً كبيراً في المعركة، وهو الذي يتحكم غالباً في نهاياتها ونتائجها كما رأيناه وشاهدناه في أفغانستان، وكما رأيناه في العراق ، وكما رأيناه قبل أيضاً في يوغسلافيا وغيرها.
فالرمي هو أساس القوة العسكرية، لكن علينا أن ندرك أن القوة العسكرية تحتاج إلى قوى كثيرة جداً تكون معها وقبلها وبعدها، القوة العسكرية هي الحماية، وهي الإطار الذي يحفظ العالم الإسلامي، ويحفظ مكاسب المسلمين، وإنجازات المسلمين، لكننا نحتاج إلى قوة علمية .. نحتاج إلى قوة في الإدارة .. نحتاج إلى قوة في الاقتصاد .. نحتاج إلى قوة في التصنيع .. نحتاج إلى قوة في وحدتنا، فإن الوحدة قوة، والاتحاد قوة، وإن الاختلاف فرقةٌ وعذاب.
ونحن نجد أن عدونا اليوم يتترَّس بقوةٍ هائلة، من خلال أكثر من مائتين وخمسة وثمانين مليون إنسان يشكلون ما يسمى بـالولايات المتحدة الأمريكية ، ومن خلال القدرة على توظيف كل القوى والطاقات والأحزاب بمختلف الاتجاهات لدعم وخدمة هذا الكيان المتسلط على العالم اليوم.
خمسون ولاية هي عبارة عن خمسين دولة تقاوم، ولذلك صارت لها هذه القوة، بينما في العالم الإسلامي قد قتل المسلمين أفراداً وجماعاتٍ وشعوباً، ومدناً ودولاً - داء التفرق وداء الاختلاف وداء التطاحن فيما بينهم، وأصبحت ترى أن العدو كما في أفغانستان ، وكما في العراق يسهل عليه أن يوظف هذه التناقضات ما بين عرب إلى أكراد، إلى قبائل مختلفة، إلى طوائف أيضاً مختلفة انتماءاتها المذهبية والحزبية والطوائفية، يوظفها في تدمير بعض المسلمين بعضاً، والقضاء على قواتهم وإمكانياتهم، وتوفير قدراته الذاتية.
إن علينا مسئولية كبيرةً -أيها الإخوة!- في أفرادنا تجاه بناء الفرد ذاته: نجاحك في مدرستك .. نجاحك في تعليمك .. في وظيفتك .. في أسرتك .. في بيتك .. في تفكيرك وعقلك .. في تعاملك مع الحدث .. نجاح الأسرة .. نجاح المؤسسة التجارية .. الدعوية .. العلمية .. الإعلامية.
إن هذه الأشياء كلها من الأمور التي ينبغي أن ندرك أنها ذات أثرٍ كبير.
ينبغي علينا في مثل هذه الظروف -أيها الإخوة!- أن نحيي روحاً من روح الاجتماع في مسئوليتنا الفردية، أن نعقد اجتماعات ومجالس: اجتماعاً في الحي .. اجتماعاً في المسجد .. اجتماعاً في المدرسة .. اجتماعاً على مستوى الأسرة .. اجتماعاً على مستوى البلد إذا أمكن .. اجتماعاً على مستوى الجامعة أو المؤسسة، وأن نتدارس قضايانا، وأن نتدارس المخاطر المحدقة بنا، وأن نقرأ، وأن نستمع، وأن نتناقش، وأن نتدرب على روح الحوار والاستماع للآخرين، وتقديم الرأي وتصحيح الرأي، إننا بحاجة إلى أن نصحح أوضاعنا على الصعيد الفردي والجماعي قبل أن تنـزل بنا النازلة أو تحل علينا الكارثة.
الجواب: لعلي أشرت إلى طرفٍ من ذلك، ولعلي أيضاً أؤكد على جانب آخر، وهو أن من أوجب ما يجب على الحكومات العربية اليوم بعدما شاهدت هذه التجربة، ورأتها بأم عينيها أن تحرص وأن تراهن على شعوبها، وليس على مددٍ أو دعمٍ من عدوها.
لقد بينت من خلال هذا الكلام أن الاستراتيجية الأمريكية قد تغيرت، فبالأمس كانت تقوم ربما على نوعٍ من المصالح المشتركة، لكن اليوم أصبحت الإدارة الأمريكية تقوم على الاستفراد بالسلطة، وعلى ضرب أي وضع لا يخدم مصالحها ضربات استباقية، فهي من الممكن أن تضرب دولة؛ لأنها تملك سلاحاً يهددها، أو لأن من المحتمل أن تملك سلاحاً يهددها، ولعلك تعرف فيما بعد ماذا سوف يصنعون بالعلماء العراقيين المتخصصين في الأسلحة ذات الدمار الشامل، إضافة إلى أنها قد تضرب دولةً من الدول، أو شعباً من الشعوب؛ لأنه يمكن أن يشكل لها تهديداً في المستقبل، فلن يبقى إلا المراهنة أولاً على الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والتوبة الصادقة إليه بمعناها الكامل، ومن ذلك بطبيعة الحال العودة إلى الشعوب برفع الظلم عنهم وبإعادة الحقوق إليهم، وبتشجيعهم على الفهم الصحيح، وعلى العلم الصحيح، وعلى الحوار الصحيح، وعلى التعبير الراشد عن الرأي ووجهة النظر، إضافة إلى استجماع القوة كما ذكرنا.
الجواب: أين تذهب إلى العراق حفظك الله؟ هذا سؤالٌ متأخر بعد فوات الأوان.
الجواب: هذا سؤال جيد؛ لأنه يعدل الكفة مع السؤال الآخر، يعني من الخطأ أن نعتبر أن المسئولية في مثل هذه الأزمة هي مسئولية خاصة بحاكم مثلاً، أو خاصة بعالم، أو خاصة بدولة من الدول، هذه مسئوليتنا جميعاً، ومن ذلك مسئولية الشعوب، فالشعوب مجموعة أفراد، ولنفترض أن هؤلاء الإخوة الموجودين الآن يشكلون جزءاً من شعبٍ عربي إسلامي سعودي أو غير سعودي، ومن هنا تأتي المسئولية الفردية التي أشرنا إليها.
الجواب: إسرائيل تعتبر حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية ، وتعتبر هي ممثل المشروع الغربي في المنطقة العربية والإسلامية، ولذلك فهي استثناء، إسرائيل لا تحاسب أو تعاقب على عدوانها على المدنيين، ولا يمكن أن يكون هناك تفتيش لأسلحتها، ولا تساؤل عن وجود أكثر من مائتي رأس نووي عندها، وأسلحة غير تقليدية، بل ربما أسلحة بيولوجية وكيماوية، إنها جزءٌ من الولايات المتحدة الأمريكية ، والبعض أحياناً قد يقول العكس، فيقول: إن الولايات المتحدة الأمريكية هي الواقعة في قبضة إسرائيل، ولا شك أن اليهود الصهاينة متنفذون متغلغلون في مفاصل الإدارة الأمريكية الحاضرة.
الجواب: الحقيقة من الصعب أن تزرع البسمة في مثل هذه الظروف، البسمة لها وقتها ولها مكانها، والإنسان عليه أن يكون معتدلاً، فلا يبالغ في اليأس والقنوط، لكن من الخطأ أيضاً أن نتحول إلى كائنات أسطورية بعيدة عن الواقع ترى المصاب وترى الألم ثم تشعر بأنها غير مقصودة وغير مستهدفة.
وأما ما ذكرته من أن هناك كثيراً من التقارير الغربية أخطأت أهدافها، فأنا أقول لك الآن: إنني لا أتحدث عن تقارير ولا عن تحليلات، إن ما قلته لك وذكرته هو كلام مقروء من التقرير الاستراتيجي الذي هو منطلق الإدارة والسياسة الأمريكية، فليس مجرد ظن أو تخمين أو احتمال، وإنما هو أساس يحكم على الأقل في هذه المرحلة أهداف الإدارة الأمريكية ومبادئها.
الجواب: لقد كتب الكثيرون عن الدوافع الدينية للسياسة الأمريكية، ولم أشأ أن أخوض في هذا الموضوع؛ لأن الناس فيه بين طرفين ووسط كما يقال.
فهناك من يبالغون في تفسير السياسة الأمريكية بدوافع وأبعاد دينية، ونحن نعتقد أن الأمريكيين غير جادين في تدينهم ولا صادقين، وبالتالي فإن الدين هو غطاء أو ديباجة أو خلفية لدوافعهم.
نعم. هو ليس بعيداً عن دوافعهم وأعمالهم وجزءٌ منها، لكن ليست دوافعهم دينية محضة، وإنما الدين هو أحد المحددات أو المؤثرات في دوافعهم لما يقولون وما يعملون. فمن يبالغ في تقدير أن دوافعهم دينية محضة وبحتة، ويربط ذلك ببعض النبوءات المذكورة، فهذا في نظري نوع من التطرف.
وهناك طرفٌ آخر يعتبر أن القضية قضية علمانية بحتة، وأنه لا أثر للدين فيها بحال من الأحوال.
وفي ظني أن الوسط هو أن هناك دوافع دينية سواءً كانت بإرادة ووعي وشعور، أو بغير إرادة ولا وعي ولا شعور تؤثر في السياسة الأمريكية.
وعلى سبيل المثال ذكرت للإخوة يوماً مثالاً وهو ما يتعلق بضرب أفغانستان ، لو أن المتهمين بأحداث سبتمبر كانوا في إسرائيل مثلاً، باعتبارها دولة ذات علاقة وثيقة ورابط ديني مع الإدارة الأمريكية مثلاً، فهل كان من الممكن أن يتم التعامل بتلك الطريقة: أن هناك اتهاماً مباشراً بغير دليل، ثم هناك تهديدات، ثم هناك فرصة معينة، مهلة يوماً أو يومين أو ثلاثة، ثم تشن الحرب بهذه الطريقة، الكل يقطع بأنه لم يكن الأمر ليكون هكذا لو كان المتهمون في إسرائيل، فهذا يؤكد لك ويبين أن ثمة دوافع دينية تؤثر في الإدارة الأمريكية، لكن ليس الدين هو فقط المؤثر فيها.
الجواب: نعم. لقد فاجأت العراق العالم بمصابرتها وصمودها، كما فاجأت العالم بسقوطها السريع، والقضية لا بد أن فيها سراً معيناً، هل ثمة صفقة تدار في الخفاء، أو ثمة شيءٌ آخر؟ هذا يترك للأيام تكشف عنه.
الجواب: أعتقد أنه ليس الأمر بالضرورة هكذا، بل ربما هذه الحرب سوف تضمن لـأمريكا موقعاً جديداً في أرض العراق نفسها، وقد ذكرت أنه ربما يجلس أكثر من خمسة وسبعين ألف جندي أمريكي في منطقة العراق ، وهذا لسنة على الأقل، إضافة إلى أنه إذا قامت حكومة في العراق موالية لـأمريكا وهذا هو الوضع الطبيعي فسوف تعقد مع أمريكا وتبرم صفقات كثيرة، ومن ضمنها اتفاقيات الدفاع المشترك، وقواعد أمريكية، فـالعراق ليس بالبلد السهل، ولذلك لا أعتقد أن الرحيل عنه سيتم بسهولة، كما أن هذه القوة الهائلة التي دخلت لا أعتقد أنها جاءت لتنصرف بسهولة.
الجواب: طبعاً البعض قد يطرحون مثل هذا الكلام، ولكن على الأقل وجهة نظري الخاصة أن هذا الأمر بعيد، وهذا ربما يكون نوعاً من التفسير بالمؤامرة.
الجواب: لا. أنا لا أعتقد هذا، بل أنا أعتقد شيئاً آخر، وهو أن المرحلة القادمة عندنا تتطلب تفعيل دور الإنسان العادي، يعني نحاول أن نقبل من الناس أن يسمعوا وهم يسمعون ويتابعون ويقرءون، لكن بدلاً من أن يكونوا سذجاً في تعاملهم أو تعاطيهم مع الأحداث أن يكون عندهم نوعٌ من الوعي، ومجرد صناعة الوعي عند الناس وفهمهم لما يقع وما يجري سوف يولد عندهم بالتالي قدراً من الإحساس بالمسئولية تجاه أنفسهم، تجاه أولادهم وأسرهم ومجتمعاتهم ودينهم.
الجواب: الله تعالى أعلم، هذه أمور من الصعب أن الإنسان يقول فيها شيئاً، لكن أعتقد أنهم سوف يعطون المحاولات الدبلوماسية نَفَسَاً كبيراً.
الجواب: هذا نموذج يذكرنا بنقطة مهمة جداً في مسألة دورنا وواجبنا، وهي قضية المقاطعة الأمريكية، يعني: توعية الأطفال والعجائز والشباب على مقاطعة البضائع الأمريكية، وعلى كراهية أمريكا ، وعلى رفض كل ما هو أمريكي، وعلى التعبير عن ذلك بالقول وبالفعل من خلال الاتصالات التي تبث بالإذاعات أو القنوات الفضائية .. من خلال مواقع الإنترنت .. من خلال المقالات .. من خلال الجلسات .. من خلال مقاطعة كل ما هو أمريكي، أعتقد أن هذا لونٌ من المقاومة، ولونٌ من الجهاد، ينبغي علينا أن نشيعه وأن نربي الناس عليه.
الجواب: لا. لم تنتهِ بعد، ومن السابق لأوانه أن نقول: إن الحرب انتهت.
الجواب: نعم هذا صحيح، وكما ذكرنا وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].
الجواب: نعم. للسنة قيادات فكرية وسياسية، ولكن غالبها خارج العراق ، وأعتقد أنه في المرحلة القادمة ربما لا يكون للسنة نفوذ كبير كما سوف يبدو، لعدم وجود تمثيل حقيقي لهم سواءً في الداخل أو في المعارضة أو غيرها.
الجواب: هذا يعتمد على مدى الوعي؛ لأن الخطر المحدق اليوم بالعالم الإسلامي حقيقةً ليس خطراً على أحد دون أحد، ليس خطراً على الشعوب دون الحكومات، ولا على الحكومات دون الشعوب، وقبل صلاة المغرب رأيت تقريراً من مسئول كبير في الدفاع الأمريكي يتكلم عن قضية أن من مهماتنا في المرحلة القادمة تغيير عدد من الحكومات العربية والإسلامية، وقد سموا بعض هذه الحكومات بالنص، وقالوا: إنها حكومات مهترئة وإنها حكومات بائدة ويجب أن تزول.
إذاً: الخطر المحدق بالعالم الإسلامي خطرٌ عام، ولذلك على العالم الإسلامي كافةً أن يدرك هذا الخطر، وأن يتعامل معه بقدرٍ كبير من المسئولية والإحساس.
الجواب: نعم. وهذه أيضاً مناسبة جميلة أن ننصح فيها الإخوة بأنه ربما تأتينا فرص في الأيام القريبة القادمة للذهاب إلى العراق : جمعياتنا .. مؤسساتنا .. أفرادنا .. مجموعاتنا للإغاثة .. للعمل الإنساني .. للدعوة .. للتواصل مع هؤلاء الإخوة لرفع المعاناة عنهم، ربما تكون هذه من الفرص السانحة والجميلة والقوية التي نستطيع فيها؛ لأن السبق في هذه الأمور يعطي نتيجته، السبق له أثر كبير نستطيع من خلال ذلك أن نعبر لإخواننا عن تضامننا معهم، ووقوفنا إلى جانبهم، وأن نبني علاقات، ونبدأ في صناعة مستقبل الإسلام، ومستقبل الدعوة من جديد في هذا البلد الطيب.
الجواب: هذا صحيح، كثير من الناس ربما يقتصر على مجرد مشاهدة الحدث أو التعاطف معه قلبياً ووجدانياً بفرحٍ حيناً، وبألمٍ أحياناً أخرى، بينما قضية العمل، وقضية المشاركة، وقضية المشروع الذي ينبغي على الإنسان أن يقوم عليه مهم جداً، كما أن اعتدال مزاج الإنسان أيضاً مهم، بأن يكون عند الإنسان من الرضا والإيمان بالقدر والقضاء، والنظر إلى جوانب المستقبل لهذا الدين، والنظر إلى الجوانب الإيجابية في كل حدثٍ يقع، يعني: مما يوصى به أحياناً الإنسان أنه حينما يقع لك أنت حادث معين مثلاً، قد يكون حادث سيارة .. حادث فراق الزوجة .. فشلاً في أمر تريده أو مشروع، فكر جيداً في سلبيات هذا الأمر الذي فقدته، وفكر في المقابل في إيجابيات الأمر الآخر الذي يمكن أن تعوض به، ومن خلال ذلك يستطيع الإنسان أن يحافظ على هدوئه وعلى استقراره في كل الظروف، وأن يتحول إلى كائن منتج عملي مثمر بنَّاء.
الجواب: أعتقد أن هذا موجود، ولكنه قليل، فيوجد في مصر -مثلاً- على سبيل الخصوص، كما في العالم الغربي بعض مراكز الدراسات، كمركز الأهرام وغيره، لها جهود في دراسة الغرب، وفي معرفة القوى المؤثرة في الغرب، واتجاهات السياسة هناك .... إلخ.
الجواب: نعم. هذا من الأمور التي طالما دعونا إليها وطالبنا بها، إنه ينبغي أن تفتح مراكز التجنيد للشباب في العالم الإسلامي، وأن يتدرب الشباب على حمل السلاح وعلى الأعمال الاجتماعية والأعمال الإغاثية، والأعمال الخيرية، والأعمال الإصلاحية بشكل عام، وعلى الأخلاق الفاضلة، وعلى الروح الجماعية، وعلى الحوار فيما بينهم، هذه مهمة ومسئولية يجب أن يتم السعي إليها.
الجواب: لا أدري عن نسبتهم في العراق ، طبعاً حزب البعث هو الحزب المسيطر في العراق على مدى أربع وعشرين سنة مضت، وحزب البعث في الأصل حزب علماني، يدور في الفلك الشرقي فلك روسيا ، الاتحاد السوفيتي السابق.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانكشاف الاتجاه البعثي والاتجاه الاشتراكي مال كثير من البعثيين إلى البحث في التراث الإسلامي والتاريخ الإسلامي عما يعزز ويقوي وجودهم وحضورهم، ولذلك بدءوا يتجهون إلى لونٍ من الطرح العروبي أو الطرح الإسلامي، ومنهم من تأثر، فقد عرفنا في العراق خلال السنوات التي مضت توجهاً قوياً إلى الإسلام وإلى إقامة دورة علمية وفقهية وتاريخية ولحفظ القرآن الكريم، وكان هناك بوادر طيبة وإيجابية، وربما بعد هذه الأحداث التي صارت كل من سيذهب إلى العراق سوف يلاحظ الآثار الجيدة لما ذكرناه.
الجواب: الذهاب إلى العراق قد ذكرناه، وقد كتبنا فيه كتابة خاصة -يا أخي الكريم!- يمكنك أن تقرأها: هل أذهب إلى العراق؟
الجواب: معنى الجسد الواحد أنت تستطيع أن تساعد إخوانك في أشياء كثيرة جداً: ممكن أن تدعو لهم .. ممكن أن تنصرهم بقولك .. ممكن أن تنصرهم بالمال .. ممكن أن تغيثهم .. تساعدهم .. تحسن إليهم، لكن ليس معنى الجسد الواحد أنه إذا قتل منا شخص نقتل جميعاً، وتخلو بلاد الإسلام وتنكشف للأعداء المتربصين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ماذا بعد العراق للشيخ : سلمان العودة
https://audio.islamweb.net