اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العقيدة الطحاوية [26] للشيخ : يوسف الغفيص
وهو بعث الناس من قبورهم، فإن الناس يبعثون من قبورهم، ويصيرون إلى الحساب يوم القيامة، وهذا أصلٌ من أصول الإيمان مجمع عليه بين المرسلين، وقد كان البعث مذكوراً في كلام الأنبياء وسائر المرسلين، وجميع أهل القبلة يقرون بهذا، فإن من أنكر هذا لا يكون إلا كافراً.
وزعمت المتفلسفة الذين ينتسبون إلى الإسلام كـابن سينا وغيره، أن البعث إنما هو للأرواح دون الأبدان، وهذا من كلام الفلاسفة، وليس عليه أثر الأنبياء أو هديهم.
والكافر قد يقع منه ما هو من عمل الخير، ولكنه إذا لم يبتغ به وجه الله سبحانه وتعالى، فإنه لا يوافي ربه به بحسنة، بل يجزى بها في الدنيا، ولهذا جاء قوله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] فسماه خيراً، ثم قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114] ، وفي الصحيح عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا) ، فسماها حسنات، وهي أعماله من الخير، كالصدقة أو العتق، أو صلة الرحم، أو نحو ذلك.
قال: (وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنةٌ يُجزى بها) ، فلا يوافي الكافر ربه بحسنة يثاب عليها، بل ما يقع له من الخير والحسنة فإنه يطعم بها في الدنيا، كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك العقاب فإن الكفار يعاقبون في قبورهم، وكذا يعاقبون يوم القيامة وبعدها، فيدخلون النار على ما ذكر في الكتاب والسنة، وهذا العقاب والثواب يقع للروح والجسد بإجماع أهل السنة وعامة المسلمين، ولم ينازع في ذلك أحدٌ من أهل القبلة المعتبرين.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: أن منهم من يمرون كالبرق، وذكر صلى الله عليه وسلم أن أول زمرة يحشرون إلى الجنة على صورة القمر، إلى غير ذلك من التفاصيل النبوية التي ذكر فيها صلى الله عليه وسلم مقام الصراط وما يقع عنده من الشفاعة، وأن الرحم والأمانة تقومان على جنبتي الصراط، فكل هذه أحوال يقر بها أهل السنة والجماعة على حقيقتها وعلى مراد الله سبحانه وتعالى على ما حدث بذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا بإجماع أهل السنة، وقد عُرض ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ورأى صلى الله عليه وسلم بعض أحوال العصاة ثم ذكر بعض أحوال أهل النعيم، وصريح الكتاب والسنة يدلان على أن الجنة والنار مخلوقتان، والآثار بذلك مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا أجمع السلف.
أي أنهما في دوامٍ مستمر، وهذا قد اتفق عليه السلف خلافاً للجهم بن صفوان وأمثاله ممن لم يثبتوا دوام الجنة، أو دوام النار، أو ممن بقول أبي الهذيل العلاف ، بأن أهل الجنة وأهل النار تنقطع حركاتهم ويظلون في سكونٍ دائم؛ لأن التسلسل عندهم في المستقبل ممتنع، فهذه أصول باطلة في العقل فضلاً عن بطلانها في الشرع.
فنقول:
أولاً: يجب أن يفرق بين هذا القول -على ما فيه من التعقب -من حيث هو ومن حيث كونه قولاً لـشيخ الإسلام ، فيجب أن يفرق بين هذا القول، وبين قول جهم بن صفوان ، فإن الجهم بن صفوان يقول بفناء العذاب مع بقاء النار، والذي نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، هو القول بأن النار تفنى، أي: تنتهي، وأما القول بأن النار تبقى وينقطع عذاب أهلها، فهذا قول لم يؤثر عن أحدٍ البتة.
وهذه المسألة ذكرها ابن القيم في كتابه حادي الأرواح، وذكر أن طائفة من السلف، بل نسب لبعض الصحابة، أنهم كانوا يقولون بفناء النار، وذكر أن في المسألة قولين لأهل السنة، وكأنه يميل إلى القول بالفناء، ولكنه لم يجزم به جزماً صريحاً.
وعلى كل حال فنسبة هذا القول للإمام ابن القيم ، فيه نوع من المقاربة، وإن كان كلامه في بعض كتبه يوحي بأنه يخالف هذا القول، ولكن إضافة هذا القول لـابن القيم له حظٌ من النظر أو الاعتبار؛ لأن هذا هو ظاهر كلامه.
أما الإمام ابن تيمية رحمه الله، فإن نسبة هذا القول إليه لا تصح، وهناك رسالة صرح فيها بهذا القول، وهي منسوبة لـشيخ الإسلام وقد حققت، ولكن الظاهر أنها لا تصح عنه رحمه الله، بل ظاهر كلامه في أكثر من موضع من كتبه، أنه يقرر هذه الحقيقة المجملة التي ذكرها أهل السنة، وهي أن الجنة والنار لا تفنيان، ولا يستثني من ذلك العذاب في النار أو ما إلى ذلك من الاستثناءات التي أضيفت إليها، ولو صحت هذه الرسالة لكان هذا مما يُجزم به قولاً لـشيخ الإسلام ، لكن هذه الرسالة وإن حققت ونسبت إليه إلا أن الأظهر أنها لا تصح عنه.
من دخل الجنة فهو بفضل الله تعالى ورحمته، خلافاً للمعتزلة الذين قالوا بأن هذا على طريقة المجازاة المحضة، وأنه واجب على الله.
وكذلك من دخل النار فإنه يدخلها بعدله سبحانه وتعالى، فإن العبد إنما كفر بعد ما جاءته البينات والهدى.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العقيدة الطحاوية [26] للشيخ : يوسف الغفيص
https://audio.islamweb.net