اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام [9] للشيخ : يوسف الغفيص
[وبهذا الدليل رجح عامة العلماء الدليل الحاضر على الدليل المبيح، وسلك كثير من الفقهاء دليل الاحتياط في كثير من الأحكام بناءً على هذا، وأما الاحتياط في الفعل فكالمجمع على حسنه بين العقلاء في الجملة، فإذا كان خوفه من الخطأ بنفي اعتقاد الوعيد مقابلاً لخوفه من الخطأ في عدم اعتقاد هذا، بقي الدليل الموجب لاعتقاده والنجاة الحاصلة في اعتقاده دليلين سالمين عن المعارض].
يشير المصنف رحمه الله في هذا السياق من كلامه مع كلام سبق ولحق في تقريره إلى مسألة الترجيح، وهذه هي المسألة التي سنتكلم عنها الآن، ولقد أشار المصنف في هذا السياق إلى شيء من مناط الترجيح عند كثير من أهل العلم، وإذا تكلمت عن هذا المعنى من فقه الخلاف أو فقه الفقه -إن صح التعبير- فإن مسألة الترجيح يمكن أن يقال إن القول فيها يقع في أربع جهات:
الجهة الأولى: ماهية الترجيح.
الجهة الثانية: محل الترجيح.
الجهة الثالثة: لغة الترجيح.
الجهة الرابعة: مناطات الترجيح.
إن ماهية الترجيح -أي حقيقة الترجيح- هي: تقديم المحتمل الأقوى في النظر، أي: في نظر المستدل، ويقابل الراجح: المرجوح، وحينما يقال: إنه تقديم للمحتمل الأقوى، أو تقديم للظني الأقوى؛ فإنه من المعلوم أنه في نفس الأمر عند عامة أهل النظر والفقه - بل حكي الإجماع عليه عند السلف -أن حكم الله سبحانه وتعالى في المسألة واحد، هذا أصل معروف عند السلف، ومع ذلك فإن الفقهاء إذا تردد قولهم على أكثر من قول فإن هذا الاحتمال يتعلق بهذه الجهة، لا بجهة الحكم في نفس الأمر، فإن الحكم في نفس الأمر واحد.
وهل هذه الدرجة من الاحتمال تجعل عمل الناظر بالقول الذي رجحه ليس عزماً في التدين؟
الجواب: لا؛ بل يعزم بالفعل عند تدينه لله سبحانه وتعالى؛ ولذلك فإن من يذهب إلى فعل من الأفعال فإنه يعزم به، ومن لا يذهب إلى هذا الفعل من الفقهاء فإنه لا يعزم به، فعند الفعل - أي: التعبد لله بالعمل - فإن المستدل هنا يعزم بفعله، لكن إذا تعلق الأمر بجهة القطع بقوله دون قول غيره من أهل العلم، فإن هذا لا يحصل فيه عزم.
ولهذا فإن الماهية تتجاذبها بعض الترددات، فالماهية التي نتكلم عنها هنا هي الترجيح بين أقوال المختلفين، ولسنا نتكلم عن ماهية الحكم في نفس الأمر، ومن هنا قيل: إن ماهية الترجيح تقديم الأقوى، وإلا فإن الحكم في نفس الأمر واحد، وحتى من جهة الفعل، فإن المكلفين يعزمون بفعلهم الذي رأوا أنه الظاهر بحسب اختلاف أئمتهم ونحو ذلك.
وقولنا: الترجيح، أفصح من قولنا الراجح؛ لأن الترجيح هو فعل المفاضلة بين الأقوال المختلفة، فماهية الترجيح: هي تقديم الأقوى في النظر، أي: في النظر الشرعي بمجموع الأدلة، والذي يقابل الراجح هو المرجوح فالمقدم هو الراجح ويقابله المرجوح، وقولنا: إنه تقديم للأقوى، لا ينافي أن حكم الله في المسألة واحد، ولا ينافي أن المكلف يعزم بالفعل، بل يعزم به؛ لأنه قد اختاره وذهب إليه.
وهذه الجهة تفسر لماذا قيل في ماهيته: إنه تقديم الأقوى، فإن محل الترجيح هو الخلاف المعتبر، فخرج بقولنا: (الخلاف المعتبر) ما ليس معتبراً؛ كمخالفة الإجماع، فهذا لا يعد خلافاً معتبراً لو خالف به مخالف، وخرج بذلك أيضاً الخلاف الشاذ، فإذا خالف مخالف الإجماع لسبب طرأ عنده؛ إما لأنه لم يعرف الإجماع، أو لأنه لم يبلغه، أو ما إلى ذلك، فهذا لا يقال فيه: الترجيح بين الإجماع وبين قول فلان، وكذلك إذا كان الخلاف ليس خلافاً للإجماع ولكنه خلاف للعامة من أهل العلم، بمعنى: أن رتبة القول المتروك تسمى شاذة.
فالقول الشاذ ليس داخلاً في باب الترجيح، صحيح أنه يقدم القول الذي عليه العامة من أهل العلم، لكن كلمة الترجيح تعني راجحاً ومرجوحاً، تعني وجود أكثر من محتمل، أما في باب الخلاف الشاذ الذي تقدمت الإشارة إلى مفهومه، فإن الخلاف الشاذ ينبغي أن يكون من باب المتروك، وهو ما خالف ظواهر الأدلة والعامة من الأئمة، فما اجتمع فيه هذان الأمران: أنه مخالف للعامة من الأئمة، ومخالف في نفس الوقت لظواهر النصوص، فهذا يسمى: الخلاف الشاذ وهذا ليس محلاً للترجيح؛ لأن ما خالف الإجماع محله الإبطال، وما خالف العامة -وهو الشاذ- فمحله الترك والهجر، ولا يوازن في مسائل الترجيح، ولا ينبغي الاشتغال بموازنته في مسائل الترجيح.
ومن هنا يكون الترجيح متعلقاً بالخلاف المعتبر، وهذا هو الذي يصطلح عليه بكلمة الترجيح، ولما كان محله الخلاف المعتبر صار مناسباً أن يقال في ماهيته: إنه تقديم الأقوى.
ليس للترجيح مصطلح معين يلزم في التعبير، فإن هذا باب يختلف الناس فيه، ولا مشاحة في التعبير والاصطلاح الصحيح، ولكن يقال تستعمل في الترجيح لغة تحفظ مقام الأدب مع الأئمة والضبط في المسألة، كقولك مثلاً: الراجح هو مذهب الشافعي ، فأنت قد حفظت الأدب مع مخالف الشافعي كـمالك مثلاً، وأيضاً حفظت الضبط في المسألة، فما جعلت المسألة مسألة يقينية في حقيقتها؛ بل جعلت للمخالف اعتباراً ولمخالفته كذلك، فينبغي أن لا تخرج المسألة عن كونها مسألة فيها تردد عند الفقهاء إلى مسألة فيها يقين وجزم، وما إلى ذلك.
ومن الكلمات التي ينبغي أن يعبر بها في الترجيح: أن يقال: الراجح، والأرجح، والأظهر، والأقرب، والأقوى، والأصح، ونحوها، وتدرأ لغة الترجيح عن طرد الاستعمال - ونقول: طرد الاستعمال حتى يكون هذا منهجاً في لغة الترجيح، فإن الطرد معناه التتابع - وتدرأ عن طرد الاستعمال لكلمات تنافي مقام الأدب مع الأئمة، أو تنافي الضبط للمسألة.
وتدرأ لغته أيضاً عن طرد الاستعمال لكلمات تنافي ذلك، إما بوصف الراجح عند الناظر بأنه هو الصواب المقطوع به، أو بوصف المرجوح بأنه خطأ مقطوع به - وهذا بعد أن اتفقنا على أن محل الترجيح هو الخلاف المعتبر - كقول بعضهم إذا رجح قولاً بعد أن يذكر الخلاف: وهذا هو الصواب المقطوع به، أو يقول: وفصل الخطاب في هذه المسألة كذا، فهذه لغة عزم، فإن فصل الخطاب هو الحكم الصريح القاطع، ولذلك إنما جاء ذكره في القرآن على مثل هذا المعنى.
ومن ذلك أن يقال عما يرجَّح: وهذا هو السنة السلفية، فيفهم من ذلك أن ما قابله ليس سنةً سلفية، مع أنه قد يكون قولاً للشافعي أو لـمالك ؛ بل ربما كان قولاً للجمهور، وقد يكون القول الذي وصف بأنه السنة السلفية قال به البعض كالظاهرية مثلاً، بخلاف قول الأئمة الأربعة فإنه لا يوصف بذلك، وهذا فيه إشكال؛ لأن هؤلاء من أئمة السلف، فهذه الأوصاف ينبغي أن تدرأ عن لغة الترجيح، ولا سيما باعتبار الطرد.
ويدخل في هذا أيضاً وصف المقابل - الذي هو المرجوح - بألفاظ تدل على بطلانه، كقول الناظر عن القول المرجوح في الخلاف المعتبر: وهذا القول بدعة، أو محدث، أو لا أصل له، أو لا دليل عليه، مع أنه قد يكون قولاً لأئمة، وعليه ظواهر من نصوص ودلائل معتبرة ونحو ذلك، وهذه الكلمات يستعملها بعض طلاب العلم أحياناً في غير موردها، وكما أسلفت أنها قد تقال عن أقوال معروفة للجماهير من الأئمة فيقال: وهذا القول لا دليل عليه، وهذا ممتنع شرعاً وعقلاً: أن يتضافر الجماهير من أئمة الأمصار على قول ويكون هذا القول ليس عليه دليل.
ولذلك من قل فقهه بأقوال الفقهاء، وقل فقهه بمفهوم الدليل، نجد أنه ينغلق عليه الأمر فيقول: إن هناك أقوالاً ليس عليها أدلة، وهذا يصاب به من قل فقهه لمفهوم الدليل، ولاسيما من يقصر وجه الدليل على الدليل اللفظي، ولا يكون له فقه في دليل الاستقراء المعروف عند المتقدمين.
وإنما قلنا: ويدرأ عن طرد الاستعمال فاستعملنا كلمة ( طرد ) لأنك إذا نظرت في كلام المتقدمين من الأئمة كـمالك وأحمد وغيرهم - وهذه قد يحتج بها البعض أحياناً - تجد أنهم قد يعبرون فيما هو من الخلاف المعتبر عن القول الآخر بعبارة أو بكلمة تأتي على مثل ذلك، كقول الإمام أحمد في بعض مسائله عن بعض الآراء التي انضبط أنها لأئمة: إن هذا القول محدث، كما سئل مثلاً عن مسألة القنوت في الفجر فقال: إن المحافظة على القنوت في صلاة الفجر أمر محدث. وكذلك يقول الإمام مالك عن صيام الست من شوال: إنه محدث، فأحياناً نجد أن بعض الأئمة قد يستعملون ذلك في بعض المسائل فيأخذونها بقدر من العزم والقوة، فهل هذا منهج مطرد عندهم؟ هذه روايات موجودة ولا جدال فيها، لكن الذي نبحثه الآن هو فقه هذا الاستعمال.
وهنا أحد فرضين: هل هذا يقع تحت أن كل ما رجحه الإمام وظهر له أنه هو الأقرب من الأدلة فيجعل ما خالفه من أقوال الأئمة التي بلغته عنهم على هذا الوصف؟
الجواب: قطعاً هذا ليس موجوداً، ولذلك نجد في جمهور الأقوال عند أحمد أو مالك أو غيرهم أنهم لا يغلقون هذا الإغلاق ويستعملون هذا التعبير، فهم -إذاً- يستعملونه في آحاد من المسائل قد يوافقهم عليها غيرهم من الأئمة، وقد يخالفونهم، كقول مالك مثلاً عن صيام الست من شوال: إنه محدث، فهل هذا مما يرجح قوله فيه؟ الجواب: لا؛ لأن الحديث الدال على استحباب صيام الست من شوال جاء في الصحيح، والجمهور على استحبابه.
إذاً: يقال هنا: إنما كان كثير من الأئمة المتقدمين في بعض المسائل الفقهية المعتبرة في الخلاف يغلقون القول بمثل هذه الكلمات أحياناً لقصد حماية جناب السنة؛ لأن البدع عند ذلك تظهر، ولذلك إذا استقرأنا هذه الأمثلة نجد أنها تأتي على هذا الوجه، فلما كان الإمام مالك رحمه الله يريد إغلاق باب مجانبة الهدي النبوي، والهدي المحفوظ المأثور، وبدأت البدع تظهر، صار يغلق كل ما لم ينضبط عنده عن الأئمة القول به، مع أننا إذا رجعنا إلى مصر من الأمصار وجدنا أنهم يعرفون هذا القول الذي أغلقه مالك ، ولذلك إذا قرأنا تمام قوله في مسألة صيام الست من شوال نجد أن من كلامه في الموطأ: أدركنا أهل العلم لا يعرفونه. فهو لم يغلق لتقوية رأيه على رأي غيره من نظرائه، إنما يغلق لقصد حفظ الهدي النبوي، وكذلك الإمام أحمد وغيرهم من الأئمة.
والخلاصة: أن ما نقل عن الأئمة من الإغلاق فيما هو عند التبين من الخلاف المعتبر، أي: باستقراء أقوال أئمة الأمصار، فهذا ليس مقصودهم فيه الانتصار المحض لآحاد أقوالهم بهذه اللغة التي تغلق الخلاف أحياناً، وإنما مقصودهم حماية جناب الهدي والسنة النبوية، وهذا باب من حيث الأصل متفق على قصده، أما من حيث آحاد المسائل المنقولة عن مالك أو عن أحمد أو عن غيرهم، فهذه مسائل مترددة، فـمالك لما أغلق هذه المسألة وجعل القول بها قولاً محدثاً، لا يلزم أن يكون هذا هو الذي يقال به في هذه المسألة؛ لأنه إذا نظرنا فيما خالف قول الإمام مالك وجدنا أنه قول عليه الجماهير من الأئمة.
إذاً: مقصودهم هنا أصل شريف، وهو من مناطات فقههم واجتهادهم، ومن هنا يكون العذر من كلام الأئمة بيناً، وإن كان هذا لا يفهم منه أن هذه هي لغة الترجيح عندهم فيما اشتهر من الخلاف.
فهنا أحد فرضين: إما أنهم يتكلمون بهذا المصطلح لأنه لغة الترجيح عندهم لأقوالهم فيما يعرفونه من مشهور الخلاف، وهذا ليس بصحيح وغير مطرد في جمهور كلامهم، وإما أنهم في أمثلة معينة رأوا أن خلاف المخالف من مخالفة بيّن السنة؛ إما لأن الأقوال لم تبلغهم، أو لأسباب أخرى، فمثلاً: الإمام أحمد في مسألة القنوت في صلاة الفجر لما رأى كثرة من يقول به - وهذا المقام يصلح لمثل الإمام أحمد ، لعلو منزلته في الإمامة والاجتهاد وسعة العلم بالآثار - ورأى أنه لا أصل له في الآثار النبوية؛ أوصله إلى هذه الرتبة.
وهذه المسألة لها مثالات لكن ليست منهجاً يطبق فيما هو من مشهور الخلاف، فنجد أن الإمام أحمد تارةً يقول: يا بني! هذا محدث، وتارةً يقول: لا أعرفه، فيتجاهل القول أحياناً، وهذا نوع من الفقه في حماية جناب السنة والهدي، أو ترك الأقوال التي قد يرى البعض أنها شاذة ويرى البعض الآخر أنها من باب الخلاف المحفوظ؛ لأن الأقوال إذ ذاك كانت تبلغ البعض ولا تبلغ البعض الآخر أحياناً.
وعليه: فلا ينبغي لمتأخر ومعاصر أن يستعمل في ترجيحه في الخلاف المعتبر لغة: أن المرجوح بدعة، أو لا أصل له، أو لا دليل عليه، ويقول: إن حجته في ذلك أن من الأئمة من استعمل ذلك، فينبغي أن يفقه استعمالهم، ومن وصل إلى رتبة عالية في الاجتهاد فله أن يستعمل ما استعمله الأئمة المتقدمون على منهجهم وطريقتهم وفقههم، أما أن يكون ذلك منهجاً مطرداً كلغة، وكأن الإنسان لا ترضى نفسه بترجيحه إلا أن يرمي القول الآخر المعروف المعتبر بكلمة توهنه عند سامعيه، فيقول: وأما القول الآخر فلا دليل عليه؛ فإن هذا من تضييق الفقه، وتضييق المدارك، وتضييق العقل.
إن أوجه الترجيح التي ذكرها أهل الأصول والقواعد أوجه كثيرة، وبعضها يكون على باب التفصيل، وكأن المصنف رحمه الله أشار هنا إلى بعض المناطات، ولذلك قال: (وبهذا الدليل رجح عامة العلماء الدليل الحاضر على الدليل المبيح)، وهذه مناطات بعضها كلي وبعضها تفصيلي، وليس المقصود هنا هو الاستقراء التفصيلي لما قاله أهل الأصول والقواعد فيما حصلوه من مناطات الترجيح، إنما سيكون الكلام على سبيل فقه المنهج للمناطات، فلسنا هنا نطرح جمعاً لهذه المناطات من كتب أهل العلم، سنذكر أمثلةً، لكن المهم من ذكر الأمثلة التي قد تكون غير منتظمة أحياناً هو الكلام على منهج فقه المناطات، وهل يرجح بالمناط الواحد أم لا؟ ونحو ذلك.
فهنا مجموعة من المناطات نجد أنها تدور في ذهنية المرجح في هذا العصر وقبل هذا العصر، وهل هذه المناطات التي سنذكرها من الصواب أو من الغلط؟ ليس بالضرورة أن يكون هذا أو ذاك.
فمثلاً: إذا سألته امرأة - ومناطات الترجيح تؤكد على من هو محل الفقيه الذي يفتي الناس في أبواب ومسائل الفقه - فإذا سألته امرأة عن زكاة الحلي، وأن عندها حلياً فهل تزكيه أو لا تزكيه؟ ثم تذكر أن زوجها مثلاً - وهكذا تأتي أسئلة العامة - يقول: لا تزكي، ولا يمكنها من الزكاة، وإذا أرادت أن تزكي فليس عندها مال، فتضطر إلى أن تبيع بعض هذا الذهب برخص فتنزل قيمته ... إلخ، ولسنا بهذا نريد أن نقول: إن من كانت صورته كذلك فإنه لا يزكي؛ فإن الزكاة حكم شرعي، لكن الذي أقصده أن كثيراً من حالات العامة تحتف بهذه الأمور، فإذا كان المجيب يرجح أن حلي النساء المستعمل فيه زكاة، فقال: يجب عليك أن تؤدي الزكاة؛ فهذه إجابة صحيحة، وهذا منطق لا إشكال عليه، لكن أحياناً لا يكون عنده وضوح في المسألة، وربما أنه قد يميل إلى قول الجمهور، لكن يقول: من طريقتي أنني إذا سئلت عن زكاة الحلي فأقول: زكي، فإن كان عليكِ زكاة فقد أديتِ الزكاة، وإن لم يكن عليكِ زكاة فهي صدقة في هذا اليوم المبارك أو في هذا الشهر المبارك.
فالترجيح بمثل هذه الطريقة فيه تضييق على الناس، وإذا كان الإنسان هنا لم يستتم له فقه فهو مخير بين أحد أمرين: إما أن يحكي الخلاف باختصار، فيقول: قال بعض العلماء: إن فيه زكاة، وقال بعض العلماء: إنه ليس فيه زكاة، وإما أن يتوقف عن الجواب.
وقد يقول قائل: ألم يكن بعض الفقهاء يذكرون الأحوط؟ فيقال: كثير من العوام لا يعرف الفرق بين قولك: الصحيح، وبين قولك: الأحوط، بل هو يفهم في الأخير أنك أمرته بالزكاة، ولذلك لو قيل لهذا العامي أو لهذه المرأة: هل تزكين؟ لقالت: نعم، ولو قيل لها: هل ذلك لازم بإجماع العلماء؟ لقالت: لا أدري عن هذا الموضوع، المهم أنهم يقولون: إن فيه زكاة، وهذا الحكم هو الذي يريده العامي أن تقوله له، وعليه فلابد أن يكون هذا على محل المراعاة.
وهل معنى هذا أن الترجيح بالأحوط دائماً يكون متروكاً؟
الجواب: لا؛ بل ربما استعمل ذلك في مسائل ليس فيها مشقة على الناس أحياناً، فيكون أضبط لدينهم أو لحرماتهم ونحو ذلك، وكذلك الترجيح بالأحوط في حق النفس، فهذا أيضاً باب لا بأس أن الإنسان يستعمله مع نفسه فيأخذ هو بالأحوط، لكن أن يكون منهجه أن يدين الناس بقصد الأحوط من الأقوال، وليس بقصد الأقوى والأظهر في السنة، فهذا منهج ليس حكيماً.
إذاً: استصحاب هذا المناط استصحاب حسن، وإن كان لا يستقل وحده بالترجيح كمنهج، أما في بعض آحاد المسائل مثل بعض الناظرين إذا انغلق عليه الخلاف في مسألة فجعل منهجه أنه يذهب إلى قول الجمهور، فهذا أمر سائغ، حتى ولو اختص الأكثر بهذه الجهة، أي: جعل المرجح عنده قول الأكثر، أما إذا كان على طريقة المنهج فيستصحب هذا ولكنه لا يستقل وحده.
وكذلك مسألة زكاة الحلي، فالإمام أحمد ومالك والشافعي يذهبون إلى أن حلي النساء المستعمل لا زكاة فيه، وإنما قال بوجوب الزكاة فيه الإمام أبو حنيفة رحمه الله، ولما سئل الإمام أحمد عن ذلك قال: ورد عن خمسة من الصحابة أنه لا زكاة فيه. ومن منهج الإمام أحمد وكثير من المتقدمين أنهم يلاحظون جهات أقوى في الاعتبار، فإن من هؤلاء الخمسة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو راوي أقوى حديث في الباب، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة يمانية أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنتها وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب ...) الحديث، ولما كان عبد الله بن عمرو يفتي بأن حلي النساء لا زكاة فيه؛ فإن هذا إشارة إلى الطعن في صحة الحديث.
وهناك قاعدة ذكرها كثير من المتأخرين وهي: إذا تعارض رأي الراوي مع روايته، فالجمهور على أنه تقدم روايته على رأيه. وهذه القاعدة كقاعدة منضبطة ليست على هذا الإطلاق، بل هناك أمثلة كثيرة عند المتقدمين ليست من باب أنهم يقدمون رأي عبد الله بن عمرو على ما صح من روايته، ونحن إذا بنينا على هذا النظام فبدهي أن ما صح إلى النبي عليه الصلاة والسلام هو المقدم، لكنهم يجعلون هذا من باب الإعلال أحياناً وليس دائماً، فإذا انضبط للراوي رأي يخالف صريح ما روى، فلا بد أن ينظر في صحة روايته، فهذه القاعدة على هذا الإطلاق هي من تبسيط الحقائق، وقد تكلم فيها فقهاء قد لا يكون لهم سعة علم بالعلل المعروفة عند المحدثين.
ومن الأمثلة على ذلك: لما سئل الإمام أحمد عن الحائض - وقد سبق المثال - : أتصلي الظهر إن طهرت وقت العصر؟ فقال عامة التابعين على هذا القول، فهنا اعتبر عمل عامة التابعين، وجعله مرجحاً لما يقول به.
وهناك أمثلة كثيرة على هذا المناط -وهو الترجيح بما عليه العمل- ليس هذا موضع بسطها.
ومما ينبه إليه: أن هذه المناطات تتداخل فيما بينها، فهناك تداخل بين هذا المناط - وهو الترجيح بما عليه العمل - وبين المناط السابق، وهو الترجيح بالأكثر.
فمثلاً: استصحاب قاعدة (سد الذرائع) فحينما لا يكون هناك دليل بين من الأدلة اللفظية نجد أن الإمام أو الفقيه قد يذهب إلى قول ويقول: سداً للذريعة، وإذا سئل عن شيء هل يجوز أم لا يجوز؟ قال: لا يجوز سداً للذريعة.
كذلك استصحاب قاعدة (المشقة تجلب التيسير)، أو قاعدة (الأصل الجواز)، فهذا يجيز بحجة أن الأصل الجواز، والآخر يمنع بحجة سد الذريعة، فليس عنده نص بين ليمنع به ولكنه منع بقاعدة سد الذريعة، والآخر أجاز بحجة أن الأصل الجواز أو براءة الذمة، أو ما إلى ذلك.
ومن الأمثلة على ذلك: مسألة الأسهم، نجد أن بعض طلاب العلم إذا سئل عن حكم الأسهم يقول: ليس فيها خير ولا فائدة، فهي إما محرمة أو مشتبهة، وسداً لذريعة الربا أمنع الأسهم، مع أن المنع بهذا النظام ليس تطبيقاً حكيماً لقاعدة سد الذرائع، نعم .. هي قاعدة صحيحة، لكن الخطأ هو في تطبيقها.
كذلك قد يُسأل البعض عن كثير من الأسهم والمعاملات فيقول: افعل ولا حرج، ولا بأس بذلك، لأن هذه معاملات، وما دام أنه ليس هناك شيء صريح واضح عندي الآن فالأصل في المعاملات الحل. والإشكال هو أنه لم يتصور المسألة تصوراً صحيحاً، فالوسطية هنا في تطبيق هذه القواعد هي المقصودة.
وليس المقصود من هذا أن تلغى قاعدة سد الذرائع أو استصحاب الأصول، بل الفقيه هو من يستعمل هذا وهذا.
ومما يدل على عدم حسن الفقه في تطبيق هذه الأصول والقواعد: اطراد بعض الفقهاء أو طلاب العلم على تطبيق قاعدة واحدة وترك القواعد الأخرى، فبعض الناس دائماً عنده سد الذرائع، أما قاعدة الأصل الإباحة، أو المشقة تجلب التيسير .. ونحوها، فلا يلتفت إليها، وبالمقابل من تميل نفسه إلى التيسير - مع أن كلمة (التيسير) في أصلها كلمة شرعية، لكن قد تستعمل كاصطلاح بما هو مخالف أحياناً لحقيقتها الشرعية - فتجد أنه ربما قلَّّل من شأن تلك القواعد أحياناً بحرف أو بآخر.
إذاً: الترجيح باستصحاب أصل أو قاعدة من حيث الأصل مناط للترجيح، لكنه يحتاج إلى فقه، وإلى ضبط وتوسط، ومعرفة متى تطبق هذه القاعدة أو تلك، فقاعدة سد الذرائع تطبق في مسائل لها قدرها، كالمسائل المتعلقة بتوحيد العبادة، مثل شد الرحال لزيارة قبور الأولياء، أو زيارة قبور الأعيان، فهذا يبين أن هذا لا أصل له، فإذا تعلق الأمر بجناب التوحيد فإن هذه القاعدة تكون من أخص القواعد في التطبيق، وأما في مسائل أخرى مبناها عند الشارع على التوسعة والتخفيف فلا تمنع بحجة سد الذرائع.
وهذا -في الجملة- ليس من المناطات المعتبرة، وليس هو من المناطات الشريفة، وينبغي أن لا يعود الناس عليه، وإنما إذا اعتبر شأن الأعيان فإنه يعتبر بقول الأكثر من الأئمة، كأن يقدم قول الأكثر من الأئمة، فهذا معتبر حسن إذا انضبط، وأما آحاد الأعيان فينبغي أن لا يرسم كمنهج، بمعنى أن يلتزم ويصبح له وجه من التعصب، فالمبالغة في الانتصار لأقوال آحاد الأعيان إذا وصلت إلى هذه الدرجة فليست من الحكمة الشرعية في شيء.
ومن أمثلة الملائم الخاص: طلاق السكران، ففي وقوع هذا الطلاق خلاف بين العلماء، فالبعض قد يقول: أنا أنظر في حال الزوجة، فإذا كان قد انضبط عنده قول، أي: ترجح عنده قول ترجحاً بيناً، فإن اعتباره بالملائم هنا ليس اعتباراً صحيحاً، بمعنى: إذا استقر عنده قول بالظهور من جهة الدليل، وتبين له ذلك تبيناً ظاهراً، فاعتباره هنا بجهة الملائم الخاص ليس صحيحاً؛ لأنه إذا كان قد استقر عنده وتبين له بظاهر الأدلة من السنة أن السكران يقع طلاقه أو أنه لا يقع طلاقه، فينبغي أن يكون إفتاؤه على هذا الوجه، وقد يسأل بعض الناس من الشخصيات الاجتماعية أحد العلماء عن طلاق السكران فيجيبه بأنه يقع طلاق السكران، أو بأنه لا يقع، مع أنه قد لا يكون من أهل العلم، وليس في ذهنه أن الطلاق يقع أو لا يقع، لكن كتطبيق اجتماعي يقول: نسأل الزوجة عن زوجها هذا الذي طلقها وهو سكران: كيف معاملته معهم؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي سكر فيها أم لا؟ ونحو ذلك من الأسئلة، يقول: فإن رأينا حالهم تحتاج إلى أن نبقيهم أبقيناهم، وإن كانت الحالة تحتاج إلى أن تنفصل عنه أمضينا الطلاق.
وهذا التردد غير صحيح؛ لأن هذه المسألة تتعلق بمسألة حل المرأة لزوجها أو لا، فإذا كانت قد طلقت فتكون قد خرجت منه، وقد يكون الطلاق بائناً وقد يكون غير بائن، وأنت تعتقد شرعاً وديناً أنها لا تزال حلالاً له، وأن ذلك من باب المصلحة.
مع أن الطلاق لا تراعى فيه قضية المصلحة، فإذا رأيت أو بان لك أن طلاق السكران يقع - مع أن الأولى أن يكون مرجع مسائل الطلاق إلى القضاء - فإذا بان لفقيه أو لناظر أو لطالب علم له كعب في الفتوى مع الناس أن طلاق السكران يقع، فهنا لا يجوز له أن يصرح بفتوى خاصة على خلاف ما يعتقد، يمكن أن يرد السائل إلى عالم آخر أو نحو ذلك، وأما أن يفتي بحسب الملائم الخاص وقد تبين، فإن ذلك اعتبار غير صحيح.
وقد يقول قائل: إنها فرصة للمرأة أنها تطلق من زوجها. فنقول: إذا كنت تعتقد أنها لا تطلق، أو أن طلاق السكران لا يقع، حتى لو رأيت من شكوى المرأة أن الأولى لها المفارقة، فهنا ترشدها إلى ما قد تكون جاهلة له، وهو طلب الفسخ منه.
ومن المعلوم أن من النظريات التي تطعن في الإسلام: أن القرار في الزوجية بيد الرجل، مع أنه في الحقيقة ليس بيد الرجل وحده، فمن حيث البداية القرار بيد الاثنين؛ لأنه لابد من قبول المرأة وقبول الرجل، ولاسيما إذا قلنا -كما هو على مذهب كثير من أهل العلم - أن البكر تستأذن، فقد دخلوا في عالم الزواج برأي مشترك، والخروج منه يقولون: إنه بيد الرجل فقط بالطلاق، وهذا غير صحيح؛ لأنه يوجد في الفقه ثلاثة مصطلحات: الطلاق، والفسخ، والخلع، فالطلاق بيد الرجل، والخلع بيد المرأة، فإذا قام موجب الخلع الشرعي فإنها تخالع زوجها وتعطيه إما المهر فقط أو أكثر منه، على خلاف هل يجوز أن يزيد على المهر أم لا يجوز؟ والفسخ هو نوع من التدخل القضائي، فإذا كانت المرأة لا تستطيع أن تخالع، أو وصلت الأمور إلى مفاسد كبيرة بينهما، فطلبت الفسخ من هذا الزوج لكونه مثلاً اشتد في ضربها وأذاها، أو في جرها إلى أمر محرم؛ فإنها هنا تطلب الفسخ، ويتدخل القضاء الشرعي هنا بغير اختيار الرجل، فأصبح القرار شبه مناصفة - إن صح التعبير - بين الرجل والمرأة، فليس صحيحاً أن كل القرار بيد الرجل، وأن هذا يتيح له التسلط والظلم وما إلى ذلك.
إذاً: الترجيح بالملائم الخاص يكون صحيحاً معتبراً في بعض المسائل، ويكون غير صحيح ولا معتبر في البعض الآخر.
وهذه الجهة لا تستقل بنفسها في الترجيح، لكنها أحد المستصحبات في فقه الترجيح، فكما تستصحب جهة الأكثر من أهل العلم؛ فإنه مما ينبغي أن يستصحب جهة الملائم العام، وإن كان هذا لا يستقل في الترجيح.
هذه هي مناطات الترجيح، وهي مناطات معتبرة - في الجملة - باستثناء مسألة آحاد الأعيان.
ومما ينبه إليه: أن الأصل في الترجيح هو استصحاب الدليل النصي القاضي بالحكم، ولكن استصحاب الدليل لا يمنع من استصحاب هذه المناطات، مع مراعاة عدم الاختصاص بمستصحب واحد وكأن بين هذه المستصحبات تعارضاً، فإن من فرض التمانع بين هذه المستصحبات فهذا تضييق في الفقه، وليس هنا واحد من هذه المستصحبات يطرد في سائر المسائل إلا أن يكون الدليل.
فالامتياز أمر موجود، لكن الامتياز الذي يصحح وجوده ينبغي أن يحصل بعقل وحكمة وليس بتكلف.
أحياناً يطلق بعض طلاب العلم كلمات مثل قولهم: هذه طريقة المتقدمين، وهذه طريقة المتأخرين، ويكون ذلك بنوع تكلف، وأحياناً بشيء غير منضبط في البحث، إنما قد يعرض له مثال فيقول: هذه طريقة المتقدمين، فمثلاً: يجد قول الإمام أحمد : يا بني! هذا محدث، فيقول: طريقة المتقدمين أن ما خالف الراجح عندهم فهو محدث، ويستدل بقول الإمام أحمد ، وهو قول صحيح، لكن ذلك يحتاج إلى فقه وإلى منهج منضبط.
فالتكلف والتسرع في تحديد الامتيازات بين المتقدمين والمتأخرين مرتقى صعب، لا ينبغي أن يكون فيه تكلف ولا أن يكون فيه تسرع.
وأيضاً ينبغي أن لا يقبل القول في النوازل الكلية ممن هو ليس من أهل الاجتهاد، وينبغي أن يفقه العوام من المسلمين أن النوازل الكلية لا يصدر فيها إلا عن أهل الاجتهاد، بخلاف الفتوى في المسائل العادية، فهذه لا يقال فيها: لا يفتي الناس إلا مجتهد؛ لأن كثيراً من المسائل المنضبطة المحفوظة بينة، وهذا تضييق على المسلمين وعلى فتواهم وعلى إجابة أسئلتهم، ولا شك أن كثيراً من طلاب العلم والناظرين والباحثين والمتفقهين على المذاهب يجيبون الناس عن أكثر أسئلتهم التي قد تعرض لهم في عباداتهم ومعاملاتهم، فهذه المسائل لابد أن يوسع فيمن يجيب فيها، ولا يقال: لا يجيب فيها إلا الأئمة الكبار أهل التحقيق والاجتهاد؛ لأنها مسائل بينة ومحددة وواضحة، ولو أفتي الناس فيها بقول مذهب فإن هذا فيه سعة في الجملة، وإن كان ليس هو الفاضل على الاطراد.
لكن في النوازل ينبغي على طالب العلم أن لا يتخوض فيها، حتى ولو كان من أهل النظر والفقه في كثير من المسائل، وينبغي أن يربى العامة على أن المسائل منها ما هو من الفروع المقولة سابقاً، فهذه يأخذونها عن آحاد الشيوخ أو طلاب العلم، وأما النوازل فيعرف العوام أن النوازل لا يقبل فيها إلا قول أئمة الاجتهاد.
والنازلة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: النازلة الكلية في قدرها - أي: غير الجزئية - ولكنها من حيث التعلق بالمكلفين خاصة ببعض المكلفين، فهذه يوسع فيها بقبول اجتهاد الواحد من المجتهدين.
القسم الثاني: النازلة الكلية في قدرها من الشريعة، من حيث التعلق بالمكلفين، أو بعامة المسلمين، أو بأهل الأمصار، فهذه لا ينبغي أن يصدر فيها عن اجتهاد واحد، حتى لو كان مجتهداً، وأقول: لا ينبغي، وإلا فالعزم هنا يحتاج إلى تأمل، فلا ينبغي أن يصدر فيها عن اجتهاد واحد؛ بل لا بد أن يجتمع جملة من مجتهدي الأمة، بحسب الطاقات والإمكانيات المتاحة في الأمة في عصرها، فينظرون في تلك المسألة، أما أن يصدر فيها عن قول مجتهد واحد وهي كلية التعلق، فهذا لا ينبغي، ومن باب أولى أنه لا يجوز أن يصدر فيها عن قول واحد ليس من أهل الاجتهاد.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام [9] للشيخ : يوسف الغفيص
https://audio.islamweb.net