اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح حديث الافتراق [8] للشيخ : يوسف الغفيص
هذان الأصلان فاضلان في مسألة التكفير، وثمة أصل ثالث يقرره شيخ الإسلام في كتبه الأخرى كدرء تعارض العقل والنقل، وسوف نذكره بعد ذكر الأصلين، فتكون معنا أصول ثلاثة.
هذه قاعدة من المهم الانتباه لها؛ لأن فيها تنظيماً عقلياً معيناً.
يقول: "أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقاً". قوله: "أن يعلم" هذا تقرير العلم.
قوله: "من أهل الصلاة" أي: ممن يظهر الصلاة والشعائر الظاهرة، وبعبارة أخرى: ممن يظهر الإسلام، أي: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي الصلوات الخمس، ويستقبل قبلة المسلمين، ويحج البيت الحرام، ويصوم رمضان، ويلتزم هذه العبادات في ظاهر حاله، أي: يلتزم العبادات الأصول، ويتبرأ من الشرك والكفر، ويذم الكفار ويكفرهم، فيكفر بالطاغوت وبما يعبد من دون الله.
وباختصار: أي: الواحد ممن يظهر أركان الإسلام الخمسة.
ولـشيخ الإسلام عبارة في موضع آخر، لعلها أقرب إلى الذهن، يقول: "أن يعلم أن الواحد من أهل الصلاة -أي: ممن يظهر الأركان الخمسة- لا يكون كافراً في نفس الأمر إلا إذا كان منافقاً" .
قوله: "لا يكون كافراً في نفس الأمر" أي: لا يكون كافراً في حكم الله، أي: لا يوافي ربه بالكفر.
فمعنى قوله: "لا يكون كافراً في نفس الأمر إلا إذا كان منافقاً" أي: لا يكون كافراً في الحقيقة الباطنة -التي هي حكم الله، وعلمه سبحانه وتعالى بما في الصدور- إلا إذا كان ما يظهره من الصلاة والشعائر الظاهرة على جهة النفاق.
أما في هذا الموضع فقد أورد هذا التعبير، فقال: "أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر". فمعنى "في نفس الأمر" أي: في الباطن، أو في حكم الله، وقد أخرج هذا القيد التكفير الاجتهادي، وسيأتي بيان هذا في مقام آخر.
قال: "لا يكون إلا منافقاً".
وقد بنى المصنف هذا الكلام -كما سيأتي في تقريره- على أدلة من القرآن، وكذلك حكم العقل الضروري أيضاً.
الصنف الأول: مؤمن ظاهراً وباطناً، وهؤلاء ثلاث درجات: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات.. وهذا قسم بيِّن.
الصنف الثاني: كافر ظاهراً وباطناً، كـأبي جهل وأمثاله، واليهود والنصارى وأمثالهم، فهؤلاء كفار ظاهراً وباطناً.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لم يكن يوجد إلا هذين الصنفين.
الصنف الثالث: ظهر في المدينة النبوية، وبقي في الأمة إلى يوم الناس هذا وسيبقى، وهو: المسلم ظاهراً، الكافر في الباطن.
ولا يوجد هناك قسم رابع مذكور في القرآن بإطلاق، وإنما ذكر قسم رابع كحال عارضة، وهو: المكره، المذكور في قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] فهذا كَفَرَ ظاهراً وآمن باطناً، وهذه الحال لا يمكن أن تكون للشخص في حاله العامة.
إذاً: الأقسام الممكنة في أحوال بني آدم المعتادة ثلاثة أقسام:
1- كافر ظاهراً وباطناً.
2- مؤمن في الظاهر كافر في الباطن.
3- مؤمن ظاهراً وباطناً.
والأمر الثاني: أن يكونوا من -إذا كانوا كفاراً- المنافقين، فتكون شهادتهم وصلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم البيت من باب النفاق.
أما من يقول هذه الشهادة ويصلي لله تديناً، ويصوم، ويحج البيت تديناً، فهذا لا يكون كافراً في نفس الأمر.
فإن قيل: إن جميع أهل البدع يظهرون الشعائر!
قيل: لا يلزم من إظهار الشعائر ثبوت الإيمان والإسلام في الحقيقة وفي حكم الله؛ لأنه قد يكون ذلك على جهة النفاق.
فإذا قال قائل: فإننا نسمع في كلام السلف أن بعض أعيان أهل البدع على إغلاظ في محادة الله ورسوله، والخروج عن السنن والأصول... وما إلى ذلك، ومع ذلك عرفوا بمقام من إظهار الشعائر الظاهرة.
قيل: وهنا الجواب -أيضاً- لا يتغير، وهو أن إظهار الشعائر لا يلزم منه الحكم بالإسلام ظاهراً وباطناً، بل هو حكم على الظاهر فقط، وقد يكون الواحد منهم منافقاً في نفس الأمر.
إذاً هذا الأصل لابد من فقهه: أن الواحد من أهل الصلاة لا يكون كافراً في نفس الأمر، إلا إذا كان ما يظهره من الصلاة ونحوها على جهة النفاق.
فمعنى قوله: "في نفس الأمر" أن الواحد من أئمة السلف، والسنة والجماعة، قد يذهب إلى تكفير مبتدع من أهل البدع؛ لأنه قال قولاً كفرياً في حكم الله ورسوله، وظهر لهذا الإمام من أئمة السنة أن هذا المعين قد قامت عليه الحجة فكفّره، فهذا الذي كُفِّر من أهل البدع، وهو يظهر الصلاة والشعائر الظاهرة، هل يكون كافراً مجزوماً بكفره ظاهراً وباطناً، أم يقال: هذا كافر ظاهراً فقط؟
يقال: المسألة فيها تفصيل..
إن كان ما كفِّر به من القطعيات المعلومة من الدين بالضرورة، التي لا تحتاج إلى جدلٍ وتأويل، فلابد أنه يكون كافراً ظاهراً وباطناً، كمن قال من القدرية: إن الله لا يعلم ما سيكون.. فإن هذا يكفر. ولا يقال أن تكفيره اجتهاد، بل هو تكفير قطعي، والدليل على ذلك: أن السلف ما ترددوا في هؤلاء الأعيان من غلاة القدرية، لأن هذا كفر معلوم بالضرورة من دين الرسل جميعهم.
وأما إذا كان ما كفر به الإمام من أهل السنة هذا البدعي من المسائل التي دخلها إجمال، واشتباه، وتأويل عند بعض الأعيان أو بعض الطوائف، حتى إن الأئمة وهذا الإمام المعين لا يلتزم أن يكفر جميع من يقول بهذه المقالة، لكنه كفر واحداً من أعيان هذه المقالة لحال قامت عنده، نقول: إن تكفير هذا المعين -في الجملة- من باب الاجتهاد.
وهذا الكلام لا تدخل فيه الأحوال العارضة، مثلاً: لو أن هذا المجادل من أهل البدع أثناء المناظرة قال: أنا لا أؤمن برسالة النبي. أو قال: أصلاً القرآن ما ذكر التوحيد، والتوحيد لا يعرف من القرآن. فكفره الإمام بذلك، فإن تكفيره لا يكون بناءً على أصل الجملة الأولى التي يشترك هو وغيره فيها، بل هو لما طرأ.
إذاً: إذا كفره بطارئ قطعي، قيل: إن تكفيره قطعي، وأما إذا كفره بحسب الجملة الأولى التي يشترك هو وغيره فيها كالقول بخلق القرآن.. فهذا التكفير اجتهادي.
والنتيجة في ذلك: أن تكفير الإمام أحمد -كمثال- لـابن أبي دؤاد -وهذا قاعدة تطرد لكن في سائر ذلك- لا نقول: إنه تكفير قطعي، بحيث يجب على من بعد الإمام أحمد أن يعتقد أن ابن أبي دؤاد كافر كما يعتقد أن فرعون وأبي جهل كافر، بل هذا اجتهاد من الإمام أحمد ، قد يكون أصاب فيه، وقد يكون أخطأ فيه، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.
قد يقول قائل: ما وجه خطئه؟
نقول: قد يكون الرجل في حكم الله ليس بكافر.
فإذا قيل: كيف يكون غير كافر وهو يقول بخلق القرآن؟!
قيل: لو كان مجرد القول بخلق القرآن يلزم منه أن يكون كافراً في حكم الله لأجمع السلف على تكفير كل من قال بخلق القرآن ظاهراً وباطناً، وهذا غير حاصل، بل كانوا يرون سواد من يقول بذلك من المسلمين الباغين الظالمين المبتدعين، وإن كان قولهم كفراً.
إذاً: هذه مسألة لابد من ضبطها: وهي أن اجتهاد المجتهد من أئمة السنة لا يلزم بالضرورة أن يكون صواباً، وأهم من هذه القضية لا يلزم أن يكون سنة لمن بعده، وعلى هذا ليس من الحقائق التي يجب التزامها التكفير لـابن أبي دؤاد ؛ لأن هذه مسألة أولاً لم تتحقق عن الإمام أحمد ، ثم لو تحققت فهي اجتهاد، بخلاف تكفير الإمام أحمد للمؤلهة لـعلي بن أبي طالب ، فإن هذا تكفير قطعي، وهو معروف قبل وجود الإمام أحمد رحمه الله ، بخلاف تكفير ابن أبي دؤاد ، فإن تكفيره بعينه لم يكن معلوما قبل الإمام أحمد ، وليس هو معلوما من الدين بالضرورة، بل هو تكفير باجتهاد.
والدليل: أن الإمام أحمد رأى أن المعتصم ما قامت عليه الحجة فما كفره، ورأى أن ابن أبي دؤاد قامت عليه الحجة فكفره، وهذا اجتهاد من الإمام أحمد ، وقد يكون الأمر في حكم الله مختلفاً. وقد يكون حكم المعتصم في حكم الله مختلفاً، وإن كان الأصل وظاهر حاله رحمه الله البراءة من ذلك.
وهذا استدلال من القرآن -كما في صدر سورة البقرة وغيرها- على هذا التقسيم عند شيخ الإسلام ؛ وهو تقسيم صائب عقلاً وشرعاً، فإنه لا يوجد في العقل ولا في الشرع أيضاً ذكر لأقسام الناس إلا على هذه الأنحاء الثلاثة، إلا الحالة العارضة التي سبق الإشارة إليها.
[مؤمن به، وكافر به مظهر الكفر، ومنافق مستخفٍ بالكفر، ولهذا ذكر الله هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة، ذكر أربع آيات في نعت المؤمنين؛ وآيتين في الكفار؛ وبضع عشرة آية في المنافقين] .
وننبه هنا إلى أنه ينبغي أن تتدبر مسائل التكفير من سياقات القرآن، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ففي أول سورة البقرة تقرير لأصول أقسام الناس في مقام الكفر ومقام الإيمان الظاهر والباطن، وهو تقسيم جامع مانع -إن صح التعبير- ومحكم في ذكر أصناف بني آدم ومقامهم من الديانة الظاهرة والباطنة.
ولذلك: قد تجرى أحكام الإسلام على بعض أهل البدع، وهو في حكم الله سبحانه وتعالى شر من كثير من الكفار الظاهري الكفر، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أجرى جملة من أحكام الإسلام الظاهرة على المنافقين، مع أن المنافقين في كثير من مواردهم شرٌ من الظاهري الكفر.
[وكما قال: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:84]، وكما قال: قُلْ أَنفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:53-54] وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر] .
وهذه حقيقه شرعية وسلفية لابد من فقهها.
[ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية] .
"في الرافضة والجهمية" لأن هاتين الطائفتين بنيتا على أصول خارجة عن مادة الإسلام؛ فإن القدماء من الجهمية لم يكونوا على شيء من آثار الأنبياء والمرسلين، وإنما أدخلوا الفلسفة بما سموه علم الكلام، ومن المعلوم أن الفلسفة موجودة قبل الإسلام؛ فإن أرسطو طاليس -وهو يعتبر من مفاخر الفلاسفة- قبل المسيح ابن مريم عليه السلام بثلاثمائة سنة.
وهذه الفلسفة تقوم على الإلحاد في الغالب، ولا يوجد -أساساً- عند أصحابها قصد لمسائل التوحيد، ومن يقصد منهم مسألة التوحيد فإنه يعتبرها اعتباراً مخالفاً للتوحيد المذكور في ديانة الرسل، فقد يثبت بعضهم واحداً تصدر عنه الأشياء، لكنه ليس الرب الخالق المالك المعبود... إلخ.
وبعضهم -أساساً- لا يقصد إلى ذكر مسألة الفردانية أو الوحدانية، بل يقوم على تعدد القدماء وما إلى ذلك.
أما علم الكلام فهو علم لم يكن موجوداً بهذا الاسم قبل الإسلام، وقد اخترعه جماعة من النظار المنتسبين للإسلام من العجم، حيث إن الأمصار التي فتحت زمن عمر وما بعده كأعالي العراق وبلاد فارس، لم تكن كجزيرة العرب، فقد كان يسكن جزيرة العرب قوم -كما وصفهم الله في القرآن- أميون، بخلاف أهل تلك البلاد فهم أصحاب ثقافات وفلسفات، كالفلسفات الفارسية... وغيرها، فكان لهذه البلاد امتداد فلسفي عريق في التاريخ في قرون قبل الإسلام، وكحكم عام على هذه الفلسفات هي كفر وإلحاد.
وقد أسلم أهل هذه البلاد في الجملة، لكنهم لم يسلموا إسلاماً محققاً تاماً، وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الأعراب: قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] وهذا السياق أولى به أهل العراق وأهل فارس وما إلى ذلك، قال شيخ الإسلام : "وهذه الأمصار -من العراق والأمصار العجمية- وإن أسلمت بالفتح الإسلامي إلا أنه بقي في كثير من أهلها بقية من النفاق، ولكنه من النفاق العلمي، وعن هذا اخترعوا ما يسمى بعلم الكلام" .
ما هو علم الكلام؟
الذي في كتب التعاريف -حتى في مقدمة ابن خلدون - أنه الاستدلال على العقائد الإيمانية بالحجج العقلية. والحقيقة أن علم الكلام ليس قضية عقل أو عدم عقل، فإنه لم يمنع ذكر العقل في القرآن، بل لقد ذكر حجةً على الهداية: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10].
إنما تعريف علم الكلام: أنه علم مُولدٌ من الفلسفة، فأصوله وجوهره مادة فلسفية خارجة عن مبادئ الإسلام، وجملة من مقدماته هي مقاصد كلية من العقل أو مقاصد كلية من الشريعة، ولكن جوهره ومعتبر النتائج فيه: هي الفلسفة.
إذاً نقول: علم الكلام علم مُولد. ومعنى أنه مولد أي: ليس فلسفة محضة ولا بريئاً من الفلسفة. فهو ليس فلسفة محضة؛ وهذا يظهر في أن المتكلمين سبوا الفلاسفة وكفروهم، ومثال ذلك: الغزالي ، فهو متكلم ومع ذلك يكفر المتفلسفة كـابن سينا وغيره.
وأصل علم الكلام من أئمة الجهمية، ثم دخل على كثير من الطوائف، حتى من المتسبين للسنة كـأبي الحسن وأمثاله.
ويقصد بذلك عبد الله بن سبأ ، وهذا الرجل لا شك أنه لم يكن عبداً لله، فهو من الكفار المنافقين، الذين أظهروا الإسلام كذباً، ومسألة هل أظهر الإسلام وهو على اليهودية أو غير اليهودية.. لا تحتاج إلى جدل كثير، فهي مسألة الله أعلم بحقيقتها، لكن الرجل لم يكن على ديانة صادقة.
[وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق؛ ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم].
القرامطة: هم قوم من الغلاة الذين ينكرون حقائق الشرائع، ويقولون: إن حقيقة الصلاة كذا، وحقيقة الصوم هي معرفة الأسرار، وأن الحج في كتاب الله يراد به القصد إلى أئمتهم، وليس المجيء إلى بيت الله الحرام... والذين يقولون بهذه المبادئ ويلتزمونها لا شك أنهم كفار زنادقة ظاهراً وباطناً.
ومثال هذا: أن ابن تيمية رحمه الله تكلم عن النصيرية، وأنهم كفار، وزنادقة، لكن هذا الكلام ليس معناه أن كل من انتسب إلى النصيرية يعطى هذا الحكم؛ لأن كثيراً من العامة الذين انتسبوا في التاريخ إلى النصيرية إنما أخذوا من مذهب النصيرية تولي آل البيت، ومسائل التشيع الظاهرة، ومسائل التشيع الظاهرة لا توجب الكفر للأعيان في الجملة إلا على استثناءات سبق الإشارة إليها.
إذاً: بعض الطوائف قد يحكى الإجماع على كفرها، ومع ذلك لا يلزم أن يكون كل من انتسب إليها كافراً، بل كثير من العامة الذين ينتسبون إليها ليسوا كفاراً، وإن كانوا أهل بدعة.
ومن الأمثلة: القول بوحدة الوجود، والتي يقول فيها ابن تيمية : "إن هذا كفر بالإجماع، وهو أكفر من كفر اليهود والنصارى" لكن هل كل من انتسب إلى ابن عربي القائل بها أو إلى طائفته، أو مجدّ قوله هذا تمجيداً عاماً يلزم أن يكون ملتزماً لحقيقة مذهبه؛ وهل من امتدح ابن عربي يلزم أن يكون ملتزماً لحقيقة مذهبه الكفري؟
الجواب: لا، فإن هناك علماء -كـابن الصلاح - أثنوا على ابن عربي ، حتى إن ابن تيمية نفسه يقول: "وكنت في أول الأمر أنا وإخوان لي نقرأ في كلام ابن عربي في الفتوحات المكيه، وكان يقع لنا من كلامه قدر فاضل من الاستفادة في تقريره لبعض مسائل السلوك، ثم أبان الله بعد ذلك لنا ما قصد في كلامه من الكفر والإلحاد والمروق من الدين، فبينا ذلك في مواضع من كلامنا" .
وقد يقول البعض: من انتسب إلى كافر فهو كافر.. وهذا القول غير صحيح، فقد ينتسب إلى طائفة كفرية قوم ليسوا كفاراً.
مثلاً: أصل فكرة القاديانية الغالية فكرة رافضة للإسلام، وهي فكرة نقل الإسلام والنبوة إلى العجم وبلاد الهند، لكن أصبح كثير من عوام المسلمين أتباعاً لهذه الدعوة، فهل يصح أن يقال عن هؤلاء: إنهم يعطون الحكم الذي يعطاه الغالية الملتزمون لأصول المذهب وحقائق المذهب؟ هذا ليس بلازم.
وهذه قاعدة تطرد: لا يلزم أن يعطى المنتسب لظاهر المذهب حكم المذهب الذي هو الجوهر، والذي لا يلزم أن يظهر لجميع العوام؛ ومن المعلوم أن طائفتين: الشيعة والصوفية، كثر في كلامهم تقسيم الدين إلى ظاهر وباطن، حتى ما يقررونه من الظاهر في الجملة أنه بدع، ولكن في الغالب أنها ليست بدعاً كفرية.
مثلاً: الغالية من الشيعة: تظهر التشيع لـعلي بن أبي طالب ، وسب الصحابة؛ لأنهم ظلموا أهل البيت أموالهم وهذا وإن كان بدعة إلا أنه ليس كفراً، وقد يكون عند بعض رؤسائهم وأعيانهم حقائق يسمونها الباطن الذي لا يصل إليه إلا الخاصة ولا يصل إليه العامة، فهل يؤاخذ من ينتسب من العامة لهذه الطائفة بأحكام الباطن؟ لا؛ لأن الإنسان لا يكفر إلا بما أظهر وعُلم من نفسه اليقين به.
والنتيجة من هذا: أن مجرد الانتساب لطائفة كفرية لا يلزم منه أن يكون المنتسب على تطبيق لحقائق مذهبها، بل لا بد أن المعين ينظر في شأنه.
وبشكل عام: بقدر ما يستطيع الطالب أن يبتعد عن التكفير يكون أفضل، وهو لن يسأل يوم القيامة: لماذا لم تكفر زيداً وعمراً؟
إنما الذي يجب العلم به هو: كفر الطوائف التي كفرت بالله ورسوله على التصريح، ككفر اليهود، والنصارى، وعبدة الأوثان، أما هذا السواد من المسلمين الذين اختلطت عليهم الأمور، وخلطوا السنن بالبدع وما إلى ذلك، فمن استقر عند أئمة السلف كفره فإنه يكفر، وأما من تردد السلف في تكفيره فلست أولى بالوقوف منهم؛ لأن القوم كانوا أعلم وأدرى وأدين وأحق ومع ذلك توقفوا أو تنازعوا، فالمسألة إذا دخلها مادة من التردد أو النزاع فالكف عنها أولى؛ لأن الله يقول: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36].
يقول الإمام ابن تيمية مع كلامه في الرافضة في بعض كتبه: "ومع ذلك لما ظهر عليهم السلطان في أعالي الجبل: استفتى في مسألة كفرهم ومسألة قتلهم. فأفتينا أنهم ليسوا كفاراً ولا يستحقون القتل، بل يفرقون بين أمصار المسلمين حتى يندفع شرهم وفسادهم" هذا جواب شيخ الإسلام لما استفتاه السلطان في شأنهم، هذا وقد ظهر السلطان على ثورتهم أو على معارضتهم -بالأسلوب المعاصر-.
إذاً: الاندفاعات في تكفير سواد المسلمين: الصوفية كفار.. الشيعة كفار.. الخوارج كفار.. كذا كفار... هذا خطأ، والأصل أن من أظهر الإسلام يسمى مسلماً، وإذا تبين ظهور الكفر عنده ظهوراً تاماً فكذلك.
ومن المعلوم قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل في توحيد العبادة، وبعض مسائل الطواف بالقبور، إلا أنه في رسالته إلى الشريف يقول: "ومع ذلك ليس كل من أتى شيئاً من هذه المسائل حكمنا بكفره ابتداءً، وإنما نحكم بكفر من علم قيام الحجة عليه من كلام الله ورسوله" .
وكذلك الإمام ابن تيمية يقول: "وكثير من المسلمين يعملون ما يظنون أنه من حقائق الإيمان والقربة إلى الله، وهو عند التحقيق يعلم ضرورةً أنه من الكفر بالله ورسوله" .
وإذا قيل: ما الفرق بين كفر هؤلاء وكفر أبي جهل ؟
قيل: أبو جهل أساساً لا يقول لا إله إلا الله، وليس عنده استعداد لأن يقول: محمد رسول الله.
وهذا لا يعني عدم تكفير أهل البدع؛ فإن من أهل البدع الكافر ظاهراً وباطناً كالقدرية الغلاة، والمنافقين من أهل البدع، وكمن اجتهد من اجتهد من الأئمة فكفره... إلخ.
فالمسألة يجب أن تكون بعيدة عن -لا نقول بعيدة عن التكفير، وإنما العبارة المحققة يجب أن تكون بعيدة عن - الإطلاق والعمومات، هذه مما يجب على طالب العلم أن يتجنبه، وهو أن يأتي إلى طائفة من طوائف المسلمين فيكفرها، وكأن هذه الطائفة لم توجد إلا اليوم، مع أنها وجدت منذ قرون وما كان السلف يكفرونها، بل حتى مسائل الأحكام الظاهرة، فهذا ابن تيمية يقول: "وإذا كان الرسول أجرى أحكام الإسلام على المنافقين الذين يعلم أنهم في نفس الأمر كفار، فمن باب أولى أن تجرى أحكام المسلمين على من أظهر الإسلام ممن يتردد في شأنه في نفس الأمر بين الكفر وعدم الكفر من أهل البدع" .
باختصار: أن من يريد أن يتفقه في هذه المسألة فليعتبر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ لأنه كلام محقق مفصل.
وقد تقدم بيان خطأه من يقول: إن ابن تيمية كفر الرافضة، فإن ابن تيمية يقول: في كلامهم كفر، ويقول: يقع في بعض أعيانهم الزندقة والإلحاد والكفر، لكن أنه يلتزم أن كل من انتسب لهذا المذهب فهو كافر بعينه مثل ما يقال: إن كل يهودي كافر بعينه..! هذا ما قاله شيخ الإسلام لا في الرافضة، ولا في الخوارج، ولا في القدرية، ولا في غيرها، إنما شيخ الإسلام يلتزم معاني، يقول: من التزم القول بوحدة الوجود على معناها المعروف في الفلسفة كان أكفر من اليهود والنصارى.. وهكذا، ويقول: من التزم تحريف القرآن من جنس تحريف التوراة والإنجيل ظاهراً وباطناً فهذا كافر.
أما التكفير بالأسماء -وهذه هي الفائدة التي يمكن تلخيصها- فليس منهجاً شرعياً، أي: من اسمه شيعي يكفر..، أو من اسمه خارجي يكفر.. هذا غلط، إلا الأسماء التي انضبط في كتاب الله كفر أهلها، كأن يقال: كل يهودي كافر.. كل نصراني كافر.. كل مجوسي كافر.. هذه الأسماء المنضبطة الكفر والتي هي عبارة عن ملل كفرية أساساً، أما الأسماء التي هي عبارة عن طوائف انتحالية في داخل أهل القبلة في الأصل، فطرد التكفير بسبب الأسماء بين أهل القبلة لا يسوغ.
الجواب: لا. وإن قيل: الجهمية.
قيل: هناك أناس فيهم تجهم لم يكفرهم السلف لا طائفة ولا أعياناً، بل جمهور أعيان الجهمية المعطلة للصفات لم ينطق السلف فيهم بشيء، وهذا الكلام لا يتعلق بالغالية كما استثنينا سابقاً، وكذلك المعتزلة لم ينطق السلف فيهم بشيء صريح من جهة أعيانهم، وإن كانت أقوالهم أقوالاً كفرية، وإذا قيل المرجئة فكذلك، والقدرية فكذلك.
ومعنى هذا أن السلف لم يعلقوا تكفير الأعيان باسم طائفي، داخل أهل القبلة، أي: أنه لم يوجد نقل أبداً أنهم يجعلون من انتسب إلى هذا الاسم مباشرة يكون كافراً من جنس كفر اليهود والنصارى.
وعليه: فمن يكفر بالأسماء فهذا منهج ليس بصحيح، ومن نسب لـشيخ الإسلام منه شيء فقد غلط عليه، فإن ابن تيمية في جميع الطوائف يفصل، فقد فصل في الصوفية، وكذلك في الشيعة الرافضة والخوارج والجهمية، ولا توجد أي طائفة التزم ابن تيمية التكفير لسوادها أو التكفير باسمها.
هذه الكلمة لو لم تصدر من شيخ الإسلام لأنكرها من أنكرها، يقول: "ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان ظاهراً وباطناً"، حتى ولو كان صاحب بدعة خارجاً عن أهل السنة.
وإذا قيل: إن فيه إيماناً ظاهراً وباطناً فإنه لا يلزم من ذلك أن يكون سابقاً بالخيرات فقد يكون ظالماً، وهذا هو الأصل فيهم أو الغالب عليهم: أنهم ظالمون لأنفسهم..
[لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ من أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق]
"ليس بكافر ولا منافق" وهذا يوجد في أكثر طوائف أهل البدع.
[ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقاً أو عاصياً] .
أي: قد يكون خطأه هذا وبدعته هذه عن عدوان وظلم، كما هو الغالب على من انتسب لطائفة بدعية وعزل نفسه عن السنة والجماعة، فهذا في الغالب يصدر عن تفريط؛ والتفريط هو المقصود بكلمة عدوان وظلم، وقد يكون ذلك من الخطأ المغفور له ولو كان قوله بدعة، كغلط بعض أعيان السنة والجماعة الذين عرضت لهم بعض البدع القولية، فهذا في الغالب أنه يقع عن خطأ محض، أي: ليس عن تقصير وتفريط، وهذا من باب الخطأ المغفور بإذن الله تعالى، أما مسألة التعيين فهذه مسألة إلى الله سبحانه.
[وقد يكون مخطئاً متأولاً مغفوراً له خطأه، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين] .
إذاً: قد يكون عنده قدر من الولاية ولو كان عنده بعض البدع.
وإذا قيل: كيف يكون عنده قدر من الولاية مع أن الله يقول سبحانه وتعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]؟
يقال: الولاية بمنزلة اسم الإيمان، أي: كما أن للإيمان إطلاقاً وتقييداً، فكذلك الولاية، فهي فرع عن الإيمان، فمن حقق الإيمان حقق الولاية، ومن نقص الإيمان نقص الولاية.
وأما ما يتبادر من أن الولاية مقام ليس له كمال وأصل، وإنما هو مقام واحد.. فهذا ليس بصحيح، بل هي كالإيمان، وهي فرع عنه، فلها كمالٌ ولها أصل.
أو كالقول بخلق القرآن، أو إنكار الرؤية، أو إنكار العلو، فهذه مقالات كفرية، ولا يلزم أن يكون القائل بها كافراً.
[ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب، وكذا لا يكفر به جاحده] .
"لم يبلغه الخطاب" أي: لم يبلغه الدليل أصلاً، فهذا ليس بكافر، أو أنه بلغه الخطاب ولم يصح عنده كأن يكون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أن يكون بلغه الخطاب ولكنه لم يفقه معناه؛ فإن قيام الحجة لا يكون بمجرد سماع النص، حتى ولو لم يفقه النص.
وقد وجد في هذا العصر بعض من يقرر أن قيام الحجة يكون بمجرد سماع النص سواء فقه أم لم يفقه، ويقول: هذه مسألة فيها إجماع، وهذا اختيار فلان واختيار فلان، وهذا خطأ، فإن المسألة ليست داخلة في مسألة اختيار فلان وفلان، بل هذه مسألة من مسائل الأصول، والتي لابد أن تكون مبنية على مقاصد ومقامات واضحة من الشريعة.
وقد يستدل هذا القائل بأن الله كفّر الكفار بمجرد أنهم سمعوا شيئاً من آيات القرآن.
نقول: هذا الكلام صحيح؛ فإن الله سبحانه وتعالى كفر الكفار بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي لما سمعوا أصل الدعوة وشيئاً من الكتاب الذي نزل على رسوله عليه الصلاة والسلام، لكن جميع الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا وفقهوا أصل الدعوة وأصل الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم كلمة: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) وهذه الكلمة كانت العرب تفقهها؛ ولهذا قال الله عنهم في مراجعتهم في مسألة الاستجابة: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً [ص:5] فهم كانوا يعرفون معنى التوحيد بمجرد نطق النبي صلى الله عليه وسلم به.
فمن يقول: إن العرب سمعوا مجرد سمع ولم يفقهوا، فقد أخطأ؛ فإن العرب كانوا يفقهون أصل الجملة التي هي التوحيد، وهذا هو أصل معارضتهم للرسالة، وصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم كان مقصوده الأول من العرب وغيرهم أن يقولوا: لا إله إلا الله، فإن من آمن بها لزم أن يؤمن بما بعدها من الكلمات.
وبعضهم يستدل على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى كفر الكفار وهم جاهلون.
فإذا قيل له: ما الدليل؟
قال: الدليل قوله تعالى: خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] فكفر الله العرب مع أنه سماهم جاهلين.. وهذا خطأ في فهم كلام الله؛ لأن المقصود هنا بالجهل ترك الرسالة، والاتباع، والاستجابة، فإن الله سبحانه وتعالى قال عن الكفار: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146]، وقال: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14] إلى آخر ذلك، فلا شك أنهم كانوا يعرفون الحقائق ويفهمونها.
ولكن هنا مقام: وهو أنه لا يلزم أن يفقه المعنى من جنس فقه أئمة العلماء وأئمة المؤمنين، إنما المقصود: فهم الحقائق الكلية التي عليها مبدأ الدخول في الإسلام، أما الحقائق التفصيلية التي هي من مبادئ زيادة الإيمان وزيادة العلم، فلا شك أنه لا يلزم في قيام الحجة أن تفهم وتفقه.
[كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ بباديةٍ بعيدةٍ لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيءٍ مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول، ومقالات الجهمية هي من هذا النوع] .
قوله: "ومقالات الجهمية من هذا النوع". أي: أنها كفر أو فيها ما هو كفر بلا جدل، ومع ذلك فإن الواحد من أصحابها لا يُكفَّر إلا إذا كان معانداً قد قامت عليه حجة الرسالة، وهذا يطرد في غير الجهمية أيضاً.
[فإنها جحد لما هو الرب تعالى عليه، ولما أنزل الله على رسوله] .
وهنا نقول: لا شك أن إنكار صفات الله وكمال الرب سبحانه وتعالى أعظم من سب الصحابة، لكن المقاصد تختلف، ولهذا من سب الصحابة على معنى الطعن في نبيهم صلى الله عليه وسلم ، أو على معنى الطعن فيما معهم من الديانة، أو أن الديانة التي أخذوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن القرآن ليست صحيحة، أو أن هديهم القرآن هدياً مفضولاً، وأن الهدي الفاضل هو الهدي المختص من مقامات من العلم، أو من الظاهر، أو من الباطن، أو من السفسطات التي يقولها بعض الغلاة.. فلا شك أن هذا السب من الكفر الأكبر.
إذاً الأصل الثاني باختصار: أن المقالة قد تكون كفراً ومع ذلك لا يلزم أن يكفَّر صاحبها، وليس معنى قولنا "لا يلزم" أنه لا يكفر بحال، فهو قد يكفر إما قطعاً وإما اجتهاداً، قطعاً إذا كانت المقالة قطعيةً بينة يطرد القول فيها عن السلف، كإنكار العلم السابق، وإما اجتهاداً ككلام الإمام أحمد في مسألة القرآن.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح حديث الافتراق [8] للشيخ : يوسف الغفيص
https://audio.islamweb.net