إسلام ويب

من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يثبتون لله عز وجل صفة الوجه، والنفس، والمجيء، والإتيان، والرضا، والمحبة، والغضب، والسخط، والنزول، وذلك على الوجه الذي يليق بالله جل وعلا، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل. وقد ضلت في ذلك فرق شتى، فمنهم من حرّف وعطل، ومنهم من شبه ومثل، والحق وسط بين الغلو والجفاء، وبين الإفراط والتفريط.

إثبات صفة الوجه لله عز وجل

منهج ابن قدامة في ذكر الصفات

كنا قد وقفنا عند قول الشيخ رحمه الله تعالى: [ فمما جاء من آيات الصفات قول الله عز وجل: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] ].بعد أن ذكر المصنف مقدمة جليلة في منهج أهل السنة والجماعة بين فيها وجوب السير على منهاجهم والتحذير من سلوك طريقة أهل البدع المخالفة لطريقتهم وذكر أقوال الأئمة كـالأوزاعي وعمر بن عبد العزيز وقبلهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكر بعد ذلك القصة التي وقعت في زمن الواثق في محنة القول بخلق القرآن، وكيف أن ذلك الشيخ استطاع بعون من الله وتوفيقه أن يرد على منهج المعتزلة في هذا الباب؛ حيث رد عليهم بمنهج أهل السنة والجماعة القائم على أن هذه الأمور المتعلقة بأسماء الله وصفاته لا يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان من القرون المفضلة قد جهلوها، فكيف يأتي بعد ذلك أفراخ القرامطة والمتأثرون بالفلاسفة والسائرون على المناهج العقلية بتأويلات وتحريفات متعددة؛ ليكونوا هم العالمين بها؟! والأمر يتعلق بأمر غيبي لا مجال للعقل فيه، ألا وهو إثبات أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته وما ورد في ذلك من أخبار.فبعد أن قدم الشيخ هذه المقدمة بدأ يذكر أمثلة، فقال رحمه الله تعالى: (فمما جاء من آيات الصفات)، وسيأتي بعد قليل بذكر أحاديث الصفات، ويلاحظ هنا أن ابن قدامة -لأنه كان متأخراً- لم يذكر بعض الصفات، مثل: صفة العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر؛ لأن هذه الصفات السبع لم يكن بين أهل السنة والجماعة وبين كثير من العلماء المنتسبين في ذلك الوقت إلى الإمام الشافعي أو أبي حنيفة أو مالك أو حتى أحمد بن حنبل من الأشعرية والماتريدية خلاف في الجملة في إثبات هذه الصفات، ولهذا لم يستشهد بها ولم يذكرها، وإلا فإن هذه الصفات لله سبحانه وتعالى هي من الصفات الثابتة، والشيخ أراد أن يذكر نماذج، ولهذا قال: (فمما يثبته أهل السنة من الصفات)، فهو ذكر نماذج منها، لكنه ذكر من الصفات ما وقع فيه خلاف، فذكر أول صفة وهي صفة الوجه لله تبارك وتعالى، واستشهد لها بآية من القرآن، وهي قوله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27].وقد وردت صفة الوجه في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، وأيضاً ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما ورد في صحيح البخاري : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام:65]، فقال صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام:65] فقال: أعوذ بوجهك، ثم قرأ: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا [الأنعام:65] فقال صلى الله عليه وسلم: هذه أهون)، فاستعاذ صلى الله عليه وسلم بوجه الله تعالى؛ ولهذا ورد في الحديث المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين زاره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض وجرى بينهما ما جرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها).فالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دلت على أن الله سبحانه وتعالى له هذه الصفة التي هي صفة الوجه؛ وصفة الوجه نثبتها لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، لا نتأولها ولا نعطلها ولا نشبهها ولا نكيفها، وإنما نثبتها كما أثبتها السلف الصالح رحمهم الله تعالى.

الكلام على تقسيم الصفات إلى فعلية وذاتية ونحو ذلك

وهنا ونحن نتكلم عن صفة الوجه لله تعالى أحب أن أقف وقفة قصيرة تتعلق بتقسيم الصفات؛ لأن بعضهم يقول: صفة الوجه واليدين صفات خبرية، وصفة العلم والحياة والإرادة والقدرة والسمع والبصر صفات عقلية، وأحياناً يقولون: صفة الوجه واليدين والحياة والعلم والسمع والبصر صفات ذاتية، وصفة الرضا والغضب والاستواء والمجيء والنزول والإتيان صفات فعلية، أي: أنها متعلقة بفعله وبإرادته ومشيئته سبحانه وتعالى، وهذه التقسيمات لم تكن معروفة بهذا الشكل لدى السلف الصالح رحمهم الله تعالى، ولهذا تجدهم يثبتون جميع ما ورد من الصفات دون أن يفرقوا بين صفة وأخرى، كما فعل ابن قدامة هنا، حيث ذكر صفات عديدة لله سبحانه وتعالى دون أن يميز ويقول: هذه خبرية، وهذه عقلية، وهذه ذاتية، وهذه فعلية.ولهذا فإنني أنصحكم بقراءة آخر كتاب من صحيح البخاري رحمه الله تعالى الذي عنون له بعنوان: كتاب التوحيد، وهذا الكتاب عظيم جداً، ومن تأمل تبويب البخاري واستشهاده بالآيات ثم ذكره للأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى في هذا الكتاب عجباً! ومن هنا فإن من تأمل تبويبات البخاري رحمه الله تعالى يجد أنه سار في ذلك أيضاً دون أن يفرق بين اسم من أسماء الله ولا بين صفة من صفات الله؛ فارجعوا إليه، إما إلى متنه أو ارجعوا مع المتن إلى شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الله الغنيمان ؛ فإنه شرحه في مجلدين كبيرين، وشرحه من الشروح الوافية المهمة، وهكذا ارجعوا إلى شرح من قبله، مثل شرح ابن حجر في (فتح الباري) أو العيني في (عمدة القاري) أو السيوطي الذي لخص الشرحين في (إرشاد الساري) أو غيرها من شروح البخاري ، فيستعين الإنسان بها، لكن شرح الغنيمان لكتاب التوحيد الذي هو آخر كتاب من كتب صحيح البخاري جاء مبسوطاً على وفق منهج أهل السنة والجماعة، مع المناقشة لمن أخطأ أو انحرف في هذا الباب.المهم هو أن هذه التقسيمات إنما جاءت بعد ذلك، وإذا كان بعضها له حظ من المعنى فإن بعض الصفات فعلاً خبرية، مثل صفة الوجه أو اليدين؛ لأنه لا يمكن أن نطلع عليها إلا بخبر الصادق، وبعضها خبري عقلي، مثل صفة العلم لله سبحانه وتعالى والإرادة، فإن هذه الصفات دلت عليها الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً دل عليها دليل العقل، لكن العمدة في الإثبات أولاً إنما هو النقل؛ لأن هذه متعلقة بأسماء الله وصفاته، لكن لا يمنع بعد إثباتها بالنقل أن ندلل عليها بدليل العقل إذا كان الاستدلال منهجياً وصحيحاً.وكذلك أيضاً التقسيم بأن هناك صفات ذاتية، مثل صفة الحياة لله سبحانه وتعالى، وأن هناك صفات فعلية، هذا أيضاً مما له حظ من المعنى، وقد دلت عليه النصوص؛ فإن بعض صفات الله سبحانه وتعالى تتعلق بمشيئته وإرادته، فاستواء الله على العرش -مثلاً- له دلالتان: دلالة العلو، وهذه أزلية، ودلالة الاستواء على العرش، وهذه من صفات أفعاله، فليست أزلية؛ ولهذا قال الله تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4]، فاستواؤه تبارك وتعالى على العرش بعد خلقه له، مثله نزوله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء، كل هذا مما يتعلق بإرادته ومشيئته، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- ذكر لذلك.

الرد على الذين ينكرون صفة الوجه لله تبارك وتعالى أو يؤولونها

ونقف عند صفة الوجه لله سبحانه وتعالى؛ لأنها نموذج لبقية الصفات، فنحن نثبتها ولا نتأولها، والذين انحرفوا في هذا الباب تأولوا هذه الصفة قائلين: إن وجهه هو ذاته، فقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، يعني: إلا ذاته، وهذا تأويل باطل؛ لأن دلالة الوجه على الذات لا شك فيها، ودلالة الصفة على الموصوف لا شك فيها، وأن له ذاتاً ليست كذوات المخلوقين لا شك فيها، لكن أن يقال: إن معنى صفة الوجه لله سبحانه وتعالى هي ذاته، ولا تدل على أن لله وجهاً يليق بجلاله وعظمته، نقول: هذا هو التأويل الخاطئ، بل يجب إثبات هذه الصفة لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله وعظمته؛ وهذا هو منهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ فإنهم يثبتون الصفة ولا يتأولون ولا يكيفون ولا يمثلون، وإنما يثبتون هذه الصفة لأن الله أخبرنا بها، وهو أعلم بنفسه، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا بها وهو صلى الله عليه وسلم أعلم بربه، ومن ثمَّ فنحن نسير على منهاجهم، خاصة وأن سلف الأمة أجمعوا على ذلك.وقد يقول قائل: ولكن يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، فإن بعض المفسرين من السلف قال: أي: قبلة الله، وظن هؤلاء أن قولهم: قبلة الله، إنما هو تأويل لهذه الصفة، ولهذا لما ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (العقيدة الواسطية) التي هي عقيدة جامعة لمسائل عظيمة، وخالفه من خالفه من أهل الكلام، قال لهم شيخ الإسلام ابن تيمية : أنا أمهلكم ثلاث سنوات، فإن أتيتموني بكلمة واحدة عن السلف رحمهم الله تعالى تخالف ما في العقيدة الواسطية فإنني أعترف لكم بأنني مخطئ. أو كلاماً نحو ذلك؟فبحث المخالفون له، ودعوه إلى مناظرة حول عقيدته الواسطية في قصة ومحنة جرت له رحمه الله تعالى، ولكن الشاهد ما يتعلق بهذه المناظرة فيما نحن بصدده، وهو صفة الوجه لله سبحانه وتعالى.وكانت مناظرته حول الواسطية مع مخالفيه من أهل الكلام، وغالبهم أشعرية رحمهم الله جميعاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فلما جلسنا قالوا لي -وكأنهم كانوا فرحين-: لقد وجدنا عن السلف تأويلاً، قال: فانقدح في ذهني، فقلت: لعلكم تقصدون قول الله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]؟ قالوا: نعم، نقصد هذه الآية، فإن بعض السلف قالوا: فثمَّ قبلة الله، فقال لهم شيخ الإسلام ابن تيمية : هذه الآية ليست من الصفات، وما فسروه به بأن المقصود بها: فثمَّ قبلة الله حق؛ لأن الآية جاءت في سياق بيان القبلة: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، أي: أينما تتجهوا بوجوهكم وتعبدون الله سبحانه وتعالى مخلصين في صلاتكم فثمَّ قبلة الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن سياق الآية دال على هذا.لكن يبقى في الكلام بقية، ألا وهي أن شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر من كتبه احتج بهذه الآية، وأثبت منها صفة الوجه لله تبارك وتعالى، فكيف ذلك؟نقول: نعم، الاحتجاج بهذه الآية على إثبات صفة الوجه لله صحيح، وأرجو أن تنتبهوا لهذه المسألة؛ لأنكم ستجدون أنفسكم محتاجين إليها في بعض القضايا التي هي متعلقة بصفات الله سبحانه وتعالى، فكيف تكون هذه الآية حجة؟ هذه الآية سيقت مساق بيان الضد، لكن لا يعبر عنها بنسبة الصفة إلى الله إلا ما صح أن يكون صفة لله.إذاً: قوله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] المعنى يدل على القبلة، لكنه قال: (وجه الله) فنثبت من هذا صفة الوجه؛ لأنه ما أتى بهذا التعبير إلا والله سبحانه وتعالى له وجه يليق بجلاله وعظمته، ولهذا اختلف السلف رحمهم الله تعالى في بعض الصفات، مثل صفة الجنب، وذلك عند قوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56]؛ فبعض السلف قال: نأخذ منها إثبات صفة الجنب لله، وبعضهم قال: لا نثبت؛ لأن سياق الآية يدل على أنها تتحسر على ما فرطت في حق الله وطاعة الله، ولم تأت هذه الآية لبيان الصفة، وكلا القولين فيهما حق؛ لأن الذين قالوا: نثبت منها الصفة قالوا: نحن معكم على أن معنى الآية: على ما فرطت في حق الله وطاعة الله، وهذا واضح الدلالة جداً، ولو أراد إنسان أن يشرح هذه الآية وقيل له: تلك النفس التي تتأسف يوم القيامة على ما فرطت، ما معنى قول الله تعالى حكاية عنها: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56]؟ لفسرها: بأنها تتحسر على ما فرطت في الإيمان بالله وطاعة الله والصلاة والعبادة.. وغير ذلك، ويكون التفسير صحيحاً، لكن من قال: إنه يؤخذ منها صفة، قال: لا نصف الله سبحانه وتعالى إلا بما يصح أن يوصف الله سبحانه وتعالى به، ومن ثمَّ فقوله تعالى: (على ما فرطت في جنب الله) يدل على المعنى الذي دل عليه سياق الآية، وأيضاً نستفيد منه: أن لله جنباً يليق بجلاله وعظمته، ولا فرق بين الجنب والساق والقدم والرجل والوجه واليدين والعين، وهذه الصفات كلها دلت عليها أدلة صريحة صحيحة، بعضها في كتاب الله وبعضها في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إثبات صفة اليدين لله عز وجل

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقوله سبحانه وتعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] ].وصفة اليدين لله سبحانه وتعالى أيضاً مما وردت أدلته نصاً في كتاب الله تبارك وتعالى في مثل هذه الآية التي استشهد بها الشيخ، ومثل قول الله تبارك وتعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47]، ومثل قول الله تبارك وتعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في أحد ألفاظ البخاري : (يد الله ملأى لا يغيضها نفقة -يعني: لا ينقصها نفقة- سحاء الليل والنهار)، والسحاء: كثيرة الصب.فقوله: (يد الله ملأى) يدل على إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى.وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقبض الله السماوات بيمينه والأرضين بشماله)، على رواية مسلم . وأيضاً حديث الشفاعة حينما يأتي الناس إلى آدم ويقولون له: (وخلقك الله بيده)، فهذه دالة على إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى.والنصوص الواردة في مثل قوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] تدل على صفة اليد؛ وهكذا قوله: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71]، ولا تعارض في ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يتكلم عن نفسه، وهو المعظم لنفسه والمعظم لصفاته، أو يقال: أقل الجمع اثنان، فتتفق آية: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71] مع آية: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وآية: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75].

الرد على المنكرين والمأولين لصفة اليدين لله عز وجل

والمخالفون لأهل السنة والجماعة في هذه الصفة من المعتزلة وكثير من الأشعرية والماتريدية يقولون: إن اليد بمعنى القدرة، وأحياناً يفسرونها بمعنى النعمة، وقولهم هذا مخالف لمنهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ لأنه تأويل لم يدل عليه دليل، والسلف رحمهم الله تعالى هذه الصفة، ومنعوا من تأويلها.لكن في صفة اليدين لله جاءت النصوص بدلالة قاطعة تمنع من التأويل، وإني والله حتى هذه اللحظة أعجب كيف تجرأ أولئك العلماء الفضلاء على أن يتأولوا قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وقوله تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]؛ فهذا نص صريح واضح لا يمكن التأويل فيه، ومع هذا قالوا: يداه: نعمته، ما خلقت بيدي: بنعمتي وبقدرتي، وهذا لا يمكن؛ لأن هذا نص صريح في إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى.ولهذا فإنني أقول كما قال من سبقني من أهل العلم: إن تأويلهم لهذه الآية لا وجه له، حتى من دلالة اللغة العربية؛ فقد تكون بعض التأويلات الأخرى -وإن كانت باطلة- لها وجه في اللغة العربية، لكن تأويلهم لليدين تأويل لا وجه له إطلاقاً في اللغة العربية، ولهذا في قول الله تبارك وتعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] جاءت العبارة وجاء التعبير قاطعاً في هذه المسألة؛ فقال أولاً: (خلقت)، فأضاف الفعل إلى نفسه، وعبر بلفظ (الخلق)، والخلق له دلالته الخاصة، ثم قال: (بيدي)، وأضافها إلى نفسه، ثم جاء معبراً بلفظ التثنية، وكل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن تأويل هذه الآية باطل، وإذا تبين بطلان تأويل هذه الآية فإنه دال على أن تأويلاتهم الأخرى لا دليل عليها، حتى ولو كان لها أحياناً وجه بعيد من اللغة، إلا أنه يدل على أن منهجم في التأويل منهج غير صحيح.

إثبات صفة النفس لله عز وجل

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقوله تعالى إخباراً عن عيسى عليه السلام أنه قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116] ].وهذا في إثبات النفس لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28] وورد ذلك أيضاً في أحاديث كثيرة جداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)، وأيضاً ورد في الحديث القدسي الصحيح الآخر المشهور: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)، فهذه الآيات والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم دالة على إثبات هذه الصفة، وأهل السنة والجماعة يثبتونها لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، لكن ينبغي ألا يفهم منها -وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - أن لله نفساً منفصلة عن الله سبحانه وتعالى، كما يقال بالنسبة للمخلوق: إن له جسداً، وله روحاً تسمى نفساً، فيقولون: خرجت نفسه، يعني: خرجت روحه، فقول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28]، وقوله: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116] لا يفهم منه أن لله نفساً منفصلة عنه، وهذا أيضاً هو الذي تدل عليه النصوص؛ فإن النفس هنا تدل على الصفة وعلى ذات الله سبحانه وتعالى التي لا تشبه ذوات المخلوقين؛ فقوله سبحانه وتعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28] أي: يحذركم ذاته المتصفة بصفاته، وليس هناك صفة منفصلة اسمها النفس، كما قد يتوهم البعض.

الكلام على صفة المجيء والإتيان

إثبات صفة المجيء والإتيان لله عز وجل

ثم إن الشيخ رحمه الله تعالى ذكر صفة أخرى فقال: [ وقوله سبحانه وتعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] وقوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة:210] ].وهاتان الآيتان دالتان على صفة المجيء والإتيان لله سبحانه وتعالى؛ وهما من الصفات الفعلية التي يتصف بها ربنا سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة المجيء، ويثبتون صفة الإتيان؛ لأن النصوص من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم دلت عليها، ولهذا قال الله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [البقرة:210]، وقال في آية أخرى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا [الأنعام:158]، فقوله: (يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) دليل على بطلان من تأول ذلك؛ لأنه ميز بين إتيان الرب وإتيان الآيات، ولو كان إتيان الرب هو إتيان الآيات أو بعض عباد الله أو نحو ذلك كما يقول المتأولة لما ذكره هنا وميزه، وهذا واضح الدلالة. والمخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة يقولون: (وجاء ربك) أي: وجاء أمر ربك؛ (يأتي ربك) أي: يأتي أمر ربك، أو يأتي ملك من الملائكة، أو غير ذلك؛ وهذا كله من باب التأويل الباطل؛ فإن هذه النصوص قد دلت على أن الذي يأتي هو الله سبحانه وتعالى، وأن مجيئه وإتيانه كما يليق بجلاله وعظمته لا يلزم منه لوازم النقص التي نعلمها على المخلوقين؛ ولهذا ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث الطويل المتعلق بيوم القيامة: (حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله أتاهم رب العالمين)، وهذا نص صريح أن الذي أتاهم هو رب العالمين سبحانه وتعالى؛ أما تأويله بأنه أمر ربك أو نحو ذلك فهو مخالف لهذه النصوص الصريحة الدالة على أن الذي يتصف بها هو الله تبارك وتعالى.

سبب تأويل المتكلمين للصفات الفعلية والرد عليهم

وبعض المتكلمين تأول مثل هذه الصفات وقال: إنه لا يجوز أن نثبتها لله سبحانه وتعالى؛ لأن الصفات الفعلية التي هي المجيء والإتيان والاستواء والنزول والغضب والرضا وغيرها يلزم منها حلول الحوادث في ذات الله تعالى؛ ومقصودهم بحلول الحوادث أن كل جسم حلت فيه الحوادث والتغيرات -سواء كانت هذه الحوادث سقماً أو مرضاً أو نقصاً أو نحو ذلك أو كانت أفعالاً مثل حركة وتلون وغير ذلك -أنه يكون حادثاً؛ فكل جسم حلت فيه هذه الأشياء فهو دليل على حدوثه! واستدلوا على حدوث العالم بهذه القاعدة، فقالوا: دليلنا على أن العالم حادث، وأنه غير أزلي، وأن كلام الفلاسفة بأن العالم قديم باطل، هو أن هذا العالم فيه متغيرات: شمس وقمر وكوكب وأرض وغير ذلك، هذه المتغيرات تدل على أنه حادث.وبعد أن قرروا هذه القاعدة، واحتجوا بهذا الدليل، وردوا به على الفلاسفة، وظنوا أنهم قصموا ظهور الفلاسفة القائلين بقدم العالم بهذا الدليل، انتكس عليهم هذا الدليل؛ لأنه دليل ضعيف فيما عندهم من عقيدة، فقيل لهم: إذا قلتم إن هذا الدليل صحيح، إذاً الله سبحانه وتعالى أيضاً متصف بهذه الصفات التي أنتم تسمونها حوادث؛ فالله لم يكن مستوياً على العرش فخلق العرش ثم استوى على العرش! والله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، والله يجيء يوم القيامة، إذاً: هذه كلها يلزم منها متغيرات، ويلزم منها الحركة، وهذه صفات الإنسان، فينتفي وجه الاعتراض.وفعلاً هم لما قيل لهم بهذا الاعتراض، قالوا: إذاً ننفي عن الله الصفات الفعلية، وهذا في الحقيقة أمر عجيب جداً!والمشكلة أن هذه القضية نشأت منذ زمن طويل قبل الأشاعرة وقبل الماتريدية، أي أنها نشأت منذ عهد ابن كلاب الذي كان سابقاً قليلاً للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، فإن ابن كلاب لما جاء وجد الناس في عصره على طريقتين:الأولى: طريقة أهل السنة والجماعة الذين يثبتون جميع الصفات دون أن يفرقوا فيها بين صفات الذات وصفات الفعل الخبرية وغير الخبرية، بل يثبتون الجميع؛ لأن منهجهم واحد، ولا فرق بين الصفات.الثانية: الجهمية المعتزلة الذين ينفون عن الله جميع الصفات، ولا يفرقون بين العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والعلم والوجه واليدين وغير ذلك؛ فينفون عن الله سبحانه وتعالى جميع الصفات.ونظراً لأنه دخل في باب من أبواب علم الكلام، وهو دليل حدوث العالم واقتنع بذلك الدليل الباطل، نظراً لذلك فإن ابن كلاب أتى بمذهب جديد، جمع فيه بين مذهب السلف ومذهب المعتزلة، فأثبت لله الصفات، لكن نفى عن الله ما يتعلق بمشيئته وإرادته، وسيأتينا -إن شاء الله تعالى- توضيح له في إثبات صفة الكلام لله تبارك وتعالى؛ لكن المهم هنا أن أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى يثبتون لله المجيء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته، ويقولون: إنها صفات أفعال، فمجيئه إنما هو بمشيئته وإرادته؛ لأن الصفات لله سبحانه وتعالى على ثلاثة أقسام:القسم الأول: صفات ذاتية يتصف الله بها أزلاً وأبداً، مثل صفة الحياة والعلم ونحوهما.القسم الثاني: صفات فعلية ليست أزلية، وإنما هي متعلقة بإرادته ومشيئته، مثل استوائه على العرش، ومثل مجيئه يوم القيامة، ومثل نزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر.القسم الثالث منها: ما هو ذاتي وفعلي، مثل صفة الكلام لله سبحانه وتعالى، فالله متصف بصفة الكلام أزلاً، وهو سبحانه وتعالى أيضاً يتكلم إذا شاء متى شاء، فهو سبحانه وتعالى متصف بهذه الصفة منذ الأزل، وهو سبحانه وتعالى كلم موسى في ذلك الوقت، أي: بعد أن خلق موسى وكونه في ذلك المكان الذي ذكره الله سبحانه وتعالى بجانب الطور، وقبل ذلك لم يكلمه سبحانه وتعالى، هذه الصفات التي ذكرناها: صفة المجيء والإتيان وغيرها هي من صفات الفعل التي نثبتها لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، ونقول: هي متعلقة بمشيئته وإرادته.

الكلام على صفة الرضا ونحوها

إثبات صفة الرضا لله عز وجل

قال المصنف رحمه الله: [وقوله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119] ].صفة الرضا أيضاً يثبتها أهل السنة والجماعة لله تبارك وتعالى، وقد دلت عليها آيات كثيرة جداً، كما قال عز وجل: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) في أكثر من آية، وأيضاً ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها)، وقوله: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً..).وصفة الرضا يثبتها أهل السنة والجماعة لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته، وهي من صفات الأفعال، أي: أن الله سبحانه وتعالى يرضى عن عبده إذا شاء، وأخبر أنه يرضى عن عبده إذا فعل الطاعة.

الرد على المنكرين والمأولين لصفة الرضا

هذه الصفة ومثلها صفة المحبة وغيرها يثبتها أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى دون أن يتأولوها، ومن تأولها بأن المقصود بالرضا إرادة الإنعام، أو بالمحبة إرادة الإنعام ونحو ذلك فهذا تأويل باطل؛ لأنه لم يدل عليه دليل، وأولئك تأولوا مثل هذه الصفة خوفاً من التشبيه؛ لأنك إذا قلت لأحدهم: لماذا لا تثبت لله صفة الرضا أو صفة المحبة؟ قال: لا أثبتها خوفاً من التشبيه! لأن الرضا أو المحبة هي صفة في المخلوق تدل على نوع من ميل القلب ونحو ذلك، وهذا الميل والانكسار إنما يليق بالمخلوق، والله سبحانه وتعالى منزه عنها! فنقول له: ونحن ننزه الله عن صفات المخلوقين، لكن ماذا تقول عن هذه الآية، قال: أقول: الرضا إرادة الثواب، والمحبة إرادة الإنعام، ونحو ذلك.فنقول له: أنت فررت من شيء فوقعت في مثله تماماً؛ لأنك قلت: إرادة الإنعام، فأثبت لله صفة الإرادة، والإرادة هي أيضاً ميل القلب، فإذا قيل: فلان من البشر يريد هذا الشيء فالمعنى أن قلبه يميل إليه، وإذا قيل: يريد أن يصنع شيئاً، أي: أن نفسه تميل إليه، وهذه من صفات المخلوقين؛ فيلزمك فيما فررت إليه نظير ما لزمك فيما فررت منه، فأنت فررت من إثبات الرضا والمحبة فيلزمك في الإرادة ما لزمك في المحبة؛ فإن قلت: أنا أثبت الصفات السبع -مثلاً- ومنها صفة الإرادة، وقولي: إرادة الإنعام أثبتها لله كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم منها مشابهة المخلوقين، نقول: ونحن نقول لك أيضاً في صفة الرضا وصفة المحبة: نحن نثبتها لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم منها مشابهة المخلوقين.وهكذا كل من تأول صفة من صفات الله تعالى فإنه يلزمه فيما فر إليه نظير ما لزمه فيما فر منه، ولا يمكن أن ينفك عنها أي متأول أبداً؛ حتى المعتزلة الذين نفوا عن الله سبحانه وتعالى جميع الصفات خوفاً من تعدد الذوات؛ حيث قالوا: ننفي عن الله جميع الصفات حتى نوحد الله؛ حتى لا نقع فيما قاله النصارى: الأب والابن وروح القدس.. إلى آخره.فنقول للمعتزلة: أنتم تنفون هذا عن الله من باب التوحيد؟ فسيقولون: نعم، فنقول لهم: أنتم تقولون: الله موجود أو غير موجود؟ فإن قالوا: الله غير موجود، فقد انتهى الكلام معهم؛ لأنهم ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى، وإن قالوا: الله موجود، فسنقول لهم: والمخلوق موجود؛ فإذا كنتم تفرون من تشبيه الله بخلقه وتقولون إننا ننفي عن الله الصفات حتى لا نجعل مع الله غيره فأنتم ملزمون كذلك في صفة الوجود لله سبحانه وتعالى؛ فإنه تبارك وتعالى موجود، فإن قالوا: نحن نقول: الله موجود، لكن وجود الله ليس كوجود المخلوقين؛ فالمخلوق وجد من عدم، والمخلوق غير واجب، بل ممكن، والله سبحانه وتعالى وجوده يليق به، فهو وجود واجب له سبحانه وتعالى لا يقبل العدم، فنقول لهم: إذا قلتم: لله وجود لا يشبه وجود المخلوقين كذلك أيضاً بقية الأسماء والصفات، فلله أيضاً إرادة لا تشبه إرادة المخلوقين، وله علم لا يشبه علم المخلوقين، وله سمع لا يشبه سمع المخلوقين، وهكذا؛ وكل من اتخذ باباً من باب التأويل فلابد أن يتناقض قوله.

إثبات صفة المحبة لله عز وجل

ثم قال المصنف هنا: [ وقوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] ].وهذه الصفة أيضاً وردت في أكثر من آية من كتاب الله سبحانه وتعالى، ووردت أيضاً في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قال في خيبر: (لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله..)، وبقية القصة معروفة حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.فقوله: (ويحبه الله ورسوله) دليل على إثبات صفة المحبة، وتأويل هذا لا يجوز.

إثبات صفة الغضب

ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح:6]].وهذا يدل على إثبات صفة الغضب لله تبارك وتعالى وأهل السنة والجماعة يثبتونها لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته؛ والأدلة عليها من كتاب الله كثيرة معروفة، وهكذا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي)، وفي بعض الروايات: (سبقت غضبي) وهذا في الصحيحين وغيرهما؛ فهذه النصوص دالة على إثبات هذه الصفة لله كما يليق بجلاله وعظمته.وأهل السنة لا يفرقون بين الغضب وبين غيره، لكن بعض أهل الكلام قال: كيف تثبت لله صفة الغضب، فنحن لا نعرف إلا غضب المخلوق؛ فإن المخلوق إذا غضب يغلي يثور دمه، ويحمر وجهه، ويحتقن، ويبدأ يتفوه بكلمات تدل على غضبه، هذا هو غضب المخلوق! فكيف نثبت لله سبحانه وتعالى هذه الصفة ونحن لا نعقل ولا نفهم إلا صفة المخلوق؟! والجواب عليه كالجواب عما سبق، فنقول له: نحن نثبت لله صفة الغضب كما يليق بجلاله وعظمته، ولا نقول أبداً: إن غضبه يشبه غضب أحد من المخلوقين، بل المخلوقون يتفاوتون في غضبهم؛ فغضب الواحد من الناس ليس كغضب مالك خازن النار، فنحن نثبت لله الصفة كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم منها أن يكون غضبه مشابهاً لغضب المخلوقين، لكن أنت أيها المتأول النافي! ماذا تقول عن الغضب لله؟! وبماذا تفسر الآية؟! قال: غضب الله إرادة الانتقام، فنقول له كما قلنا في صفة المحبة: أنت تثبت لله الإرادة هنا، وتقول: إرادة الانتقام، أي: إرادة الله الانتقام من العباد، فماذا تقول في الإرادة؟ فنحن لا نعلم من الإرادة إلا إرادة المخلوق فحينما يريد أن ينتقم يميل إلى الانتقام، ويتجه بنفسه إلى الانتقام، فهذا الميل القلبي هل تثبته لله سبحانه وتعالى كما هو موجود في المخلوقين؟ فسيجيب ويقول: لا، ولكنني أثبت لله إرادة تليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم إذا كان المخلوق له هذه الصفة أن تكون مشابهة لصفة الله سبحانه وتعالى، ونقول له بكل ثقة: ونحن نقول في صفة الغضب ما تقوله أنت في الإرادة؛ فنحن نثبت لله صفة الغضب كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم منه أن يكون مثل غضب المخلوقين؛ فيلزمك فيما فررت إليه نظير ما لزمك فيما فررت منه.

إثبات صفة السخط لله عز وجل

ثم قال المصنف: [ وقوله تعالى: اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد:28] ].الشيخ استشهد بجزء من الآية: اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد:28]، وهذه الصفة أيضاً نثبتها لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، ونقول فيها: إن الله سبحانه وتعالى سخط ويسخط على أهل المعاصي، وهذه المعاصي هي مما يسخط الله سبحانه وتعالى، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قال في الدعاء المشهور: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك)، فهذا يدل على أن الله متصف بهذه الصفة كما يليق بجلاله وعظمته، ولا نتأولها.

إثبات صفة الكره لله عز وجل

قال المصنف رحمه الله: [ وقوله تعالى: كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ [التوبة:46] ].وهذه أيضاً صفة من صفات الله تعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى يكره المعاصي، وكره الله انبعاث هؤلاء المنافقين وخروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد في سبيل الله؛ نظراً لما يترتب على خروجهم من الفساد والفتن، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الصفة مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) وهذا في صحيح البخاري .وقوله: (كره لكم) يدل على إثبات هذه الصفة لله سبحانه وتعالى، كما يليق بجلاله وعظمته.

إثبات صفة النزول لله عز وجل

ثم إن المصنف رحمه الله تعالى انتقل بعد ذلك إلى السنة فقال: [ ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا) ].قوله: (ومن السنة)، هذا يدل على أن منهج المصنف رحمه الله تعالى هو المنهج الموافق للسلف رحمهم الله تعالى؛ فإنهم يحتجون بالسنة وبأخبار الآحاد في باب العقيدة، وقد سبقت الإشارة إلى هذا، فأهل السنة والجماعة يثبتون لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات يثبتونها، ومن ذلك صفة النزول التي دلت عليها الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي فيها: (أن الله تبارك وتعالى ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الصبح).وصفة النزول لله سبحانه وتعالى إنما وردت في السنة، ومع هذا فإن السلف رحمهم الله تعالى حدثوا بهذه الأحاديث، ورووها، وأثبتوا ما دلت عليه كما يليق بجلاله وعظمته، ولا تلزم منها لوازم باطلة، ولا يلزم منها أن يكون نزوله تبارك وتعالى مثل نزول المخلوقين؛ ولهذا ألف العلماء رحمهم الله تعالى كتباً مستقلة في إثبات النزول لله تبارك وتعالى، وهذه الكتب دالة على عناية السلف بهذه الصفة؛ نظراً لأنها ثبتت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ونظراً لأن كثيراً من المتكلمين بل عامة المتكلمين تأولوا هذه الصفة بتأويلات باطلة، مثل قولهم: إن الذي ينزل هو أمره أو رحمته، ومثل قولهم: إن الذي ينزل ملك من الملائكة، فبين السلف رحمهم الله تعالى أن هذه الأحاديث إنما دلت على إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى دون أن تشبه صفات المخلوقين، ومن ثمَّ فلا يجوز تأويلها.

الرد على شبهة أن السماوات ستكون فوق الله تعالى إذا نزل

وأحب أن أقف وقفة مع هذه الصفة لله سبحانه وتعالى؛ فإن بعض الناس قد يخطر بباله خواطر تتعلق بهذه الصفة، ومنها: كون جميع البلاد فيها ثلث الليل الآخر، ومنها: أن الله عظيم أكبر من المخلوقات، فكيف ينزل إلى سماء الدنيا؟والجواب على ذلك: أن هذه الخواطر إنما نشأت من توهم التشبيه، أي: من توهم أن صفات الله مثل صفات المخلوقين، وهذه العلة هي التي بها نفى المنحرفون صفات الله؛ فإذا تأول أحد صفة الكلام أو صفة الوجه أو اليدين لله سبحانه وتعالى.. أو نحو ذلك، وفتشت عنه: لماذا تأولت؟ فإنك تجد أنه أولاً شبه ثم عطل؛ فإنه أولاً قرأ الآية، فلما قرأها لم يفهم منها إلا ما هو من صفات المخلوقين، فلما شبه صفة الله بصفات خلقه واستقر هذا في ذهنه فكر وقال: هذا لا يليق بالله، إذاً نتأول هذه الصفة وننفيها عن الله سبحانه وتعالى! وهو لو عظم الله حق تعظيمه ونزهه من التشبيه لأثبت الصفة منذ البداية دون أن يكيفها أو يشبهها بصفات المخلوقين، ولكان منذ البداية مثبتاً لها.فنقول فيما يتعلق بصفة النزول: إن الوهم والخواطر التي تخطر في البال إنما نشأت من قياس الله بخلقه أو تشبيه الله بخلقه، فيظن الظان أن نزول الله سبحانه وتعالى كما هو في حق كوكب من الكواكب، فإنه إذا كان بعيداً ثم نزل ستصبح السماء فوقه، ويكون في جو الأرض.. ونحو ذلك، فنقول: هذا خطأ ناشئ من أن الإنسان ما عظم ربه حق تعظيمه؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يقاس بخلقه، كما يقول الله تبارك وتعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].إذاً: إذا كانت السماوات مطويات بيمينه وإذا كانت الأرض قبضته يوم القيامة، وإذا كانت السماوات السبع والأرضين السبع في يد الرحمن كخردلة في يد أحدكم، فكيف يأتي الإنسان ويفهم أن الله عز وجل إذا نزل فمعنى ذلك أن السماوات ستصبح فوقه أو يصبح العرش فوقه؟!إن نزول الله تبارك وتعالى هو نزول يليق بجلاله وعظمته، ولا يشبه نزول المخلوقين، ولا يلزم منه أن يكون العرش فوقه أو السماوات فوقه ما عدا سماء الدنيا؛ تعالى الله عن ذلك، بل الله سبحانه وتعالى ينزل كما يليق بجلاله وعظمته، ولا نعلم كيفية نزوله، ولهذا لو قيل: كيف ينزل؟ فنقول: كيف هو؟ فسيقول: أنا لا أعرف ذاته؛ فنقول: كذلك أيضاً نحن لا نكيف صفاته سبحانه وتعالى.إذاً: فأي ظن من الباطل يظنه الظان فيما يتعلق بنزوله سبحانه وتعالى هو غير لازم، هذه قضية.

الرد على شبهة انتقال ثلث الليل الآخر من بلد إلى بلد باستمرار

القضية الثانية: اختلاف الليل والنهار، نحن نقطع يقيناً -ونحن في هذا البلد مثلاً- أنه حين يأتي ثلث الليل فإن الله ينزل، ونزوله يدل على قربنا، كما أن نزوله سبحانه وتعالى عشية عرفة يدل على قربه تبارك وتعالى من أهل عرفة، وهذا القرب هو كما يليق بجلاله وعظمته، لكن نثبته لله سبحانه وتعالى حقيقة ولا نتأوله، فنحن نقطع بنزوله في ثلث هذا الليل، وكذلك أيضاً في البلد الآخر الذي سيكون بعد ساعة وساعتين لديهم ثلث أيضاً ينزل كما يليق بجلاله وعظمته؛ والله سبحانه وتعالى لا يقاس بخلقه؛ لأنك أصلاً لو تأملت في القضية الزمنية بالنسبة لليل والنهار لوجدتها محددة ومتعلقة بالشمس والأرض، وما يتعلق بمجراتها، لكن ما فوق ذلك الله أعلم به، ومن ثمَّ كون الإنسان يفهم هذا الفهم القاصر، والسماوات والكون كله بالنسبة لله سبحانه وتعالى لا يساوي شيئاً ثم يأتي ليقيس، نقول: هذا فهم خاطئ بالنسبة لك؛ لأنه قاصر غير معظم لله تبارك وتعالى.وأضرب لذلك مثالاً في هذه القضية؛ ليتبين أن الله سبحانه وتعالى لا يقاس بخلقه:نحن جميعاً نعلم أن الإنسان منا متصف بصفة السمع، والله سبحانه وتعالى متصف بصفة السمع كما يليق بجلاله وعظمته، لكن تعالوا إلى صفتنا نحن؛ ماذا نستطيع أن نسمع حينما تتعدد الأصوات؟! وكم نستطيع أن نسمع؟! والواحد منا لو تكلم واحد أمامه لسمعه، وإذا تكلم اثنان في وقت واحد بكلامين مختلفين فإنه يسمعهما ولكن لا يستطيع أن يميزهما، وقد يستطيع لكن بصعوبة، لكن افترض أن أمامه عشرة أشخاص كل منهم يتكلم بكلام في قضية مختلفة عن الآخر وفي وقت واحد، فإن هذا الإنسان لا يستطيع أن يميز هذا الكلام، وإذا كان سمعه جيداً قد يميز واحداً منهم؛ لرفعة صوته أو لقربه منه فقط، لكن البقية لا يمكن أن يميز كلامهم، وافترض أن أمامه ألف شخص كلهم يتكلمون بكلام واحد، ويخاطبونه بموضوعات مختلفة؛ فإن هذا عاشر المستحيلات أن يستطيع الإنسان بحسب ما أقدره الله عليه أن يميز كلامهم، لكن هل هذا يعجز الله سبحانه وتعالى؟ الجواب: لا؛ وليس ألف شخص فقط، وإنما يجتمع في يوم عرفة في عرفات أكثر من مليون شخص، وفي غير عرفات أيضاً يجلس من غير الحجاج مئات الملايين من الناس، وكلهم صائمون، وبالنسبة للحجاج كلهم واقفون بعرفات، وكلهم قد رفعوا أكف الضراعة يدعون ربهم تبارك وتعالى بمختلف بأنواع الدعاء، وعلى اختلاف اللغات، ومع ذلك هل يغيب عنه شيء؟ وهل يغيب عن سمعه شيء؟! الجواب: لا يغيب عن سمعه شيء.إذاً: لو جاء إنسان يريد أن يدخل عقله في القضية ويقول: كيف يسمع ربنا تبارك وتعالى؟! وكيف يمكن أن يسمع هذه الأشياء كلها بمختلف اللغات من ملايين الأشخاص؟! فنقول: نعم يستطيع، ولا يعجزه شيء.وهنا موطن العجز بالنسبة للمخلوق؛ فالله سبحانه وتعالى متصف بصفة السمع، وصفة السمع تليق به، ولا تشبه صفات المخلوقين.وكذلك أيضاً لو جاء قائل يقول: كيف ينزل والوقت في الكرة الأرضية مستمر؟ فنقول: نعم، وليس نزول الله سبحانه وتعالى كنزول المخلوقين، ولا يلزم منه هذا اللازم، ولهذا ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله سبحانه وتعالى يحاسب العباد يوم القيامة)، أي: يحاسب جميع العباد! ولا يعلم عددهم إلا الله، ومع هذا يحاسبهم في ساعة، ويحاضر كل واحد منهم وحده محاضرة خاصة، ويقرره تبارك وتعالى بذنوبه، فكيف يتم هذا؟! بالنسبة لنا نحن البشر لا نستطيع أن نتصور هذا، لكن نؤمن به، ونصدق به؛ لأنه من صفات العليم الخبير سبحانه وتعالى.إذاً: كل ما يخطر في البال من هذه الأمور لا يمكن أن يكون في الله عز وجل، فأهل السنة والجماعة يثبتون أن الله ينزل، ونزوله حقيقي يليق بجلاله وعظمته، ويعلمون ويوقنون وهم في ثلث الليل الآخر أن الله قريب منهم، ومن ثمَّ تتحرك قلوبهم، وتدمع أعينهم، ويحس الواحد منهم في هذا الوقت بقرب عظيم من ربه سبحانه وتعالى؛ لأنه يوقن بأن الله تبارك وتعالى قد قرب منه، وأنه نزل تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته لا يشبه نزول المخلوقين.ونقف عند هذا ونكمل إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.

الأسئلة

الجمع بين حديث: (يقبض الله السماوات بيمينه والأرضين بشماله) وحديث: (وكلتا يديه يمين)

السؤال: كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقبض الله السماوات بيمينه، والأرضين بشماله)، وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (وكلتا يديه يمين)؟الجواب: اختلف العلماء في الجواب على هذا السؤال؛ فبعض العلماء ضعف رواية: (بشماله)، الواردة في صحيح مسلم ، وقال: إن هذه اللفظة شاذة، وقال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وكلتا يديه يمين) يدل على أن الله سبحانه وتعالى ليس له شمال، ومن ثمَّ خرجوا من هذا بأن هذه اللفظة ضعيفة.الجواب الثاني وهو الذي أرجحه: أنه لا تعارض بين الحديثين، وما دام وردت اللفظة في صحيح مسلم ولا علة في إسنادها؛ فإننا نثبت لله سبحانه وتعالى هذه الصفة، ونقول: لله يدان، ونقول كما ورد في الحديث: يقبض الله السماوات بيمينه والأرضين بشماله، ونثبتها ونقول: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وكلتا يديه يمين)، هو لبيان أن كون المخلوق له يمين وشمال، واليمين أفضل وأعلى من الشمال، وهذا لا يلزم بالنسبة لله سبحانه وتعالى، بل لله يدان يمين وشمال، وكلتا يديه يمين، فلا يلزم النقص كما في المخلوق.

صفات الله عز وجل لا تشبه صفات المخلوقين

السؤال: ما رأيكم فيمن قال: إن لله يداً لا نستطيع وصفها، كيد الباب التي نراها ولا نستطيع وصفها؟الجواب: أهل السنة والجماعة يثبتون لله صفة اليد، ومعنى اليد معروف في اللغة العربية، لكن يثبتونها لله كما يليق بجلاله وعظمته، ولا تشبه صفات المخلوقين؛ فالمهم هو أن نثبتها لله، ونحن نفهم معنى اليد في اللغة العربية، فنثبت المعنى، ولكن نقول: إن هذه الصفة لا نعلم كيفيتها، ولا تشبه يد المخلوق، ولا يد الباب، ولا غيره، بل هي صفة تليق بجلاله وعظمته.

كيفية إثبات أسماء الله عز وجل

السؤال: هل الأسماء التالية من أسماء الله: المقصود، الدائم، الراضي، فكثيراً ما نسمع باسم عبد المقصود، وعبد الدائم، وعبد الراضي، ونحن نعلم أن العبودية لله سبحانه وتعالى؟الجواب: بالنسبة لبعض الأسماء المنتشرة التي تعبد فيها الأسماء لله سبحانه وتعالى، الأولى بمن يسمي أن يحرص على التسمية بالاسم الوارد الثابت في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.وأسماء الله سبحانه وتعالى من خلال الاستقصاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرة، وإن كانت أسماء الله غير منحصرة بهذه، لكن بعض الأسماء أحياناً تكون مشتقة من صفة؛ لأنه لم يرد عن الله سبحانه وتعالى أن من أسمائه الراضي، لكن اشتقوه من قوله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [المائدة:119]، فهذه الآية اشتق منها اسم الراضي، ثم سمي هذا الشخص بعبد الراضي، وهذا خطأ؛ لأنه لا يشتق لله اسم من الصفة، أما الاسم فإنه يدل على الصفة؛ فيشتق لله من الاسم صفة؛ لأن الاسم علم على الله سبحانه وتعالى فهو ذو دلالة أكثر من دلالة الصفات، ومن هنا فاسم (عبد الراضي) غير وارد؛ لأن الراضي ليس من أسماء الله، ومثله المقصود ومثله أيضاً الدائم، كل هذه أسماء لم تثبت على حد علمي في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وأما أخذها من خلال الاشتقاق بأن يشتق لله من الصفة اسم فنقول: هذا العمل غير صحيح.ونكتفي بهذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله)

السؤال: قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـسعد : (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله..) الحديث؛ فإذا المقصود من قوله: (تبتغي بها وجه الله) هو إخلاص العمل لله، فكيف يمكن إثبات صفه الوجه من هذا الحديث؟الجواب: معنى قوله: (تبتغي بها وجه الله) أي: تريد منها وجه الله عز وجل، هذا معنى الحديث الذي لا شك فيه؛ لكن أيضاً هو دال على إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى؛ لأنه قال: (تبتغي وجه الله)، وفي الآية الأخرى: وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى [الليل:19-20]، والمعنى واضح، والحمد لله.

منهج الماتريدية في العقيدة

السؤال: ما هو منهج الماتريدية في العقيدة؟الجواب: ظهر الآن رسالتان في السوق كلاهما جامعتان، وأصلتا عقيدة الماتريدية ومنهجهم؛ وبالنسبة للماتريدية هم قريبون جداً من منهج الأشعرية، وليس بينهم وبين الأشعرية إلا بعض الفروقات المتعلقة ببعض مسائل الإيمان ومسائل القدر، وأيضاً في بعض الصفات لله سبحانه وتعالى، أما الكلام على تفصيل ذلك فيطول.

معنى قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأييد)

السؤال: في قوله تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47]، سمعنا أن المراد بالأيدي ليس صفة اليد فما توجيهكم؟الجواب: ورد عن بعضهم أنه قال: (بأييد) أي بقوة، وهذا التفسير صحيح، لكن الآية دالة على صفة اليدين لله سبحانه وتعالى.

أحسن الشروح لكتاب التوحيد من صحيح البخاري

السؤال: بالنسبة لشرح كتاب التوحيد في صحيح البخاري ، هل يقرأ طالب العلم شرحه من فتح الباري لـابن حجر ؟الجواب: نعم بالنسبة لطالب العلم، أما بالنسبة للمبتدئ فننصحه أن يقرأ شرح كتاب التوحيد -الذي هو آخر كتاب من صحيح البخاري - الذي كتبه الشيخ عبد الله الغنيمان ، وهو شرح مطول يقع في مجلدين، وهو مفيد جداً، وقد استدرك على ابن حجر رحمه الله تعالى بعض الأشياء التي أخطأ فيها.

الكلام في مسألة: هل يخلو العرش عند نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا

السؤال: هل يكون العرش عند نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا خالياً؟ الجواب: هذه مسألة تكلم فيها العلماء: هل يلزم من نزوله تبارك وتعالى خلو العرش عن ذاته؟ وفيها قولان للسلف رحمهم الله تعالى: ولعل الصحيح -إن شاء الله تعالى- أنه لا يلزم؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يقاس بخلقه.

تأليف الإمام البخاري في الأسماء والصفات

السؤال: هل هناك كتاب مستقل للبخاري في الأسماء والصفات؟الجواب: له كتاب في العقيدة وهو مفصول، لكن يغني عنه كتابه (خلق أفعال العباد) وهو كتاب مستقل، وأيضاً آخر كتاب صحيح البخاري ؛ لأن صحيح البخاري اشتمل على عدد كبير من الكتب آخرها كتاب التوحيد، وهو كتاب عظيم جداً في ذلك. والله أعلم.وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح كتاب لمعة الاعتقاد [4] للشيخ : عبد الرحمن صالح المحمود

https://audio.islamweb.net