إسلام ويب

يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، ويجوز استعمال غيرهما من الأواني، وقد اختلف الفقهاء في حكم استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب، كما اختلفوا في استعمال الإناء المضبب بالذهب والمطلي به.

أحكام استعمال أواني الذهب والفضة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ولا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة، ويجوز استعمال غيرهما من الأواني].

بعدما بين المصنف مسألة استخدام الجلود كقرب السقاية، تكلم عن الأواني التي يستعملها الناس، وقسمها إلى قسمين: قسم ممنوع، وقسم جائز مباح.

فأواني الذهب والفضة لها حالات ثلاث:

الحالة الأولى: استعمالها في الطعام والشراب خاصة.

الحالة الثانية: استعمالها مطلقاً لغير الطعام والشراب، كمفتاح، كسلسلة، كآنية فخار يجمل بها البيت.

الحالة الثالثة: استعمالها للقنية (كنز) يعني: يستخدمونها عند الحاجة، فيبيعونها ويستفيدون من ثمنها.

حكم استعمالها في الطعام والشراب

الأول: استعمالها في الطعام والشراب، ففي المذهب قولان، ومعنى في المذهب قولان: أنه يوجد قول قديم وقول جديد، وإذا قيل: في المسألة وجهان، فالمعنى: أن كبار الأصحاب يخرجون على قول الشافعي، يعني: ينظرون في أصول الشافعي ويخرجون عليها الوجوه.

إذاً: يوجد قولان في المذهب في حكم استعمال آنية الذهب والفضة في الطعام والشراب:

القول الأول: الكراهة، مع أن الشافعي أصل في الرسالة: أن الأصل في النهي التحريم، قالوا: نحن نقول بالكراهة لوجود الصارف الذي صرف النهي من التحريم إلى الكراهة وهو العلة، فإن العلة هي: الترف والخيلاء أو التشبه بالأعاجم، وهذا كلام ليس بوجيه.

القول الثاني في المذهب وهو القول الراجح الذي رجحه المحققون: تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الطعام والشراب، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة من الأثر والنظر.

أما من الأثر: ففي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة).

واستدلوا أيضاً بحديث مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)، وهذا وعيد أكيد شديد عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن هذه الفعلة من الكبائر.

ومن النظر قالوا: فيه الترف والخيلاء، وهو محرم عموماً، وفيه كسر قلوب الفقراء أيضاً، وأصول الشريعة تأبى ذلك.

وقد اتفق الأئمة الأربعة على أنه لا يجوز الأكل أو الشرب في آنية الذهب والفضة، ومن فعل ذلك فهو آثم، وعدوا هذه الفعلة من الكبائر، فالذي يأكل بملعقة من الذهب، أو بملعقة من الفضة، فقد أتى كبيرة، وهذه الكبيرة تسقط بها عدالته، ويفسق بها، واستدلوا على أنها كبيرة: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كأنما يجرجر في بطنه نار جهنم)، ووجه الشاهد: أن هذا الوعيد الشديد بأنه يستحق ناراً تلظى يدل على أنها من الكبائر؛ لأن العلماء ضبطوا الكبائر بضوابط منها: نفي الإيمان أو إثبات العقاب أو النار أو الحد.

وخالف الجماهير أهل الظاهر في حرمة الأكل فيهما، واتفقوا مع الجماهير على حرمة الشراب من آنية الذهب والفضة؛ لأنهم يأخذون بالنصوص فقط، ولم يبلغهم حديث حذيفة الذي فيه: (ولا تأكلوا من صحافها)، فأخذوا بظاهر حديث أم سلمة الذي لم يذكر فيه الأكل، وإنما ذكر فيه الشراب؛ فلذلك قالوا: يجوز الأكل فيهما دون الشراب.

وهم محجوجون بالأثر وبالنظر، أما بالأثر: فحديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا تأكلوا من صحافها)، وبالأثر نقول: إذا حرم الشراب فالأكل من باب أولى إلا إذا دل الدليل على التخصيص، فالأكل أشد من الشرب، إلا فيما خصه الدليل كحديث: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يشرب قائماً فقال: أتحب أن يشرب معك الهر؟ قال: لا، قال: قد شرب معك من هو شر منه الشيطان)، لكن خص الدليل الأكل بجوازه قائماً؛ وذلك أن ابن عمر قال: كنا نأكل ونحن نمشي، وأنس أخذ بالأصل، فعندما سألوه عن الأكل قائماً قال: الطعام أشد منه، فـأنس أخذ على التأصيل العام، لكن ابن عمر نقل عن الصحابة أنهم كانوا يأكلون وهم يمشون، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم استعمالها في غير الطعام والشراب

الثاني: استعمال آنية الذهب والفضة في غير الشراب والطعام، مثل رجل عنده طبق ذهب أخذه جائزة على السباق، وكتب اسمه عليه، وكتبت مهارته، وأراد أن يفتخر به ويعلقه على الحائط، أو مثل بعض الناس الذين يجعلون نجفة من ذهب فيعلقونها في السقف، أو يزينون الغرفة بسلاسل فضة، أو يجعل المفتاح من ذهب أو فضة أو الميدالية التي تعلق في المفتاح.

فهذا كله يدخل في باب الاستعمال، فهل نقول: التحريم يتعدى إلى هذا الاستعمال، ونضيق عليه ونقول: هذا لا يجوز، أم يحل؟

في المذهب: التحريم أصالة في الشراب والطعام، ويتعدى التحريم مطلقاً إلى استعمال الذهب والفضة كمفتاح أو ميدالية أو سلسلة، أو كزينة في الباب، أو زينة في الحائط، ولو استعمل هذه الآنية من الذهب أو من الفضة كزينة فقد وقع في الإثم، بل وقع في كبيرة تسقط بها عدالته.

وأدلتهم على ذلك هي نفس الآثار التي استدلوا بها على تحريم الشراب والطعام في الآنية من الذهب والفضة، لكن من وجوه نظرية، قالوا: الوجه الأول: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)، فقوله: إنها لهم في الدنيا، أي: للكفار في الدنيا عموماً يستخدمونها ويستعملونها استعمالاً مطلقاً في الطعام والشراب واللباس وغير ذلك، وهذا استنباط دقيق جداً.

وبالمقابل قال: (ولكم في الآخرة)، وهذه دلالة على عموم الاستعمال، قال الله تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان:19-21]، وقال تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [الحج:23].

إذاً: قال: (ولكم في الآخرة) يعني: كما أنها لهم في الدنيا على العموم، فهي لكم في الآخرة على العموم، وهذا يدل على حرمة الاستعمال في أي شيء دلالة على أن المسألة تعم ولا يختص النهي بالطعام والشراب.

الوجه الثاني: حرم النبي صلى الله عليه وسلم الطعام والشراب في آنية الذهب والفضة، وهم يحتاجون إلى الطعام والشراب، فمنعهم مما لهم فيه حاجة، فلأن يمنعهم مما لا حاجة لهم فيه من باب أولى.

وجه ثالث -وهذا فيه نظر- قالوا: العلة في المنع من استخدام آنية الذهب والفضة في الشراب والطعام الترف والخيلاء، لكن هذه العلة موجودة في الزينة في البيت، والزينة في الباب، والزينة في السيارة.

والقاعدة عند العلماء أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، والأصل في هذه الزينة الإباحة والجواز.

هذه أدلة ثلاثة استدل بها الشافعية على تحريم الاستعمال لأواني الذهب والفضة مطلقاً، ووافقهم كثير من المالكية والحنابلة، وخالف في ذلك الظاهرية والأحناف وبعض الحنابلة، واستدلوا على ذلك بأدلة:

الدليل الأول: قالوا: الأصل في كل شيء الإباحة، لقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، قالوا: فالأصل إذاً في استعمال أواني الذهب والفضة الإباحة إلا ما خصه الدليل، وقد دل الدليل على تحريم الشراب والطعام فيها فقط، فنقف عند الدليل.

الدليل الثاني: قالوا: كلام النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر، والنبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلام، فخص التحريم بالشراب والطعام، ولو كان التحريم يتعدى لغيره لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

الدليل الثالث: قالوا: أم سلمة التي روت أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الشرب في آنية الذهب أو الفضة كان عندها جلجل -كأنه قارورة صغيرة- من فضة، جعلت فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم كانت تتبرك بها، قالوا: والراوي أعلم بما روى، فلو كان الاستعمال يحرم في غير الشراب والطعام لامتنعت أم سلمة من هذا الفعل، وهذا الدليل من القوة بمكان، لأن أم سلمة هي راوية الحديث، والراوي أعلم بما روى، والأسلم الخروج من الخلاف؛ لأن القاعدة عند العلماء: الخروج من الخلاف مستحب، لكني أميل لقول الجمهور، لأن هذا هو الأسلم، وأدلته ظاهرة، لا سيما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها لهم في الدنيا)، وهذا عموم، (ولكم في الآخرة)، وهذا عموم، وأيضاً: لما فيه من الترف والخيلاء، والرد على دليل المخالف بأن الأصل في الأشياء الإباحة أن نقول: نعم الأصل الإباحة إلا أن يأتي دليل ينقلنا من الأصل إلى غيره، وقد جاء الناقل الذي ينقلنا من الإباحة إلى عدم الإباحة وهو القياس الجلي، وهو ناقل قوي جداً؛ لأن العلماء يرون أن القياس الجلي مثل النص، وكأنه يقول: هذا أولى بالاعتبار، خلافاً للظاهرية، فهم لا يقولون: بقياس الأولى ولا بأي قياس، ولذلك ابن حزم يقول: لا يجوز للمرء أن يقول لأمه: أف، أما ضربها فإنه لا يدخل عنده في نص الآية: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23]، وهذا جمود عند النص لا يليق بالعلماء الذين يغوصون في المعاني.

إذاً: قياس الأولى ناقل من الإباحة، فلا حجة لهم في هذا.

أما دليلهم الثاني بأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يحرم كل الاستعمالات لذكر ذلك للناس، فنقول: النبي صلى الله عليه وسلم أصل لنا أصولاً عامة، وقعد قواعد كلية تبين لنا أن الشرع لا يفرق بين المتماثلين، والنبي صلى الله عليه وسلم يترك بيان بعض الأحكام حتى يصل إليها المجتهد فيصيب فيكون له أجران، قال الله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ [النساء:83] أي: أولي العلم، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ [النساء:83]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران)، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك بيان ذلك للعلماء المجتهدين، ثم التأصيل العام لا يفرق بين المتماثلين، وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم قد علق الحكم بوصف، وتعليق الحكم بوصف يشير إلى أنه إذا وجد هذا الوصف فلا بد أن يوجد الحكم، فهو قال: (إنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة)، أيضاً: هذا الحكم معلل بأنه من الترف والخيلاء، أما دليلهم الثالث فهو من القوة بمكان، لأن أم سلمة أعلم بما روت، لكن يمكن أن يرد عليه من وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: أن اللفظة حرفت على الراوي، كانت (من قصة) فحرفها (من فضة)، لكن هذا الكلام غير مرضي، لأنه لا بد في إثباته من دليل.

- الوجه الثاني: قالوا: هذا اجتهاد من أم سلمة ، وقد صادم عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة)، فنأخذ بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرد ليس قوياً؛ لأن أم سلمة خصصت هذا العموم بفعلها، وهي أفهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثالث: وهو أولى الإجابات، أن هذا الجلجل كان مموهاً بفضة، وليس هو فضة، وهذا فيه إحسان الظن بـأم سلمة رضي الله عنها وأرضاها؛ لأنها الذي روت الحديث، والذي قال: كان لها جلجل من فضة هو الراوي، وليس من كلام أم سلمة ، فقد يدخل الاحتمال على الراوي، فـأم سلمة ما قالت: استعملت الفضة، بل الراوي عنها قال: كان عندها جلجل من فضة، فيحتمل أنه رآه وهو مموه بالفضة فحسبه من الفضة.

فإن قيل: ما الذي جعلكم تقولون بهذا الاحتمال؟ قلنا: الأدلة القوية الصريحة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنها لهم في الدنيا)، وهذا عموم، (ولكم في الآخرة)، وأيضاً حديث أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها.

والحق أن هذا الخلاف له حظ من النظر، وقول الجمهور أسلم وأحوط، فالذي يدل عليه ظاهر الأدلة هو تحريم استعمال الذهب والفضة مطلقاً، فلا يستعملها الإنسان في زينة كتعليق السلاسل، أو تعليق الطبق من فضة أو من ذهب، ولا يجعل المفتاح من ذهب أو من فضة، فلا يجوز ذلك بحال من الأحوال إلا ما خصه الدليل، وهو للنساء بالذهب والفضة عموماً وإطلاقاً، وتحلي الرجل بخاتم الفضة فقط، فلا يلبس حزام فضة أو أسورة فضة؛ لأن الدليل أباح الخاتم فقط، والقاعدة عند العلماء: أن ما خرج عن القياس فغيره عليه لا ينقاس، فالأصل العام حرمة استعمال الذهب والفضة مطلقاً كما رجحنا، وخرج عن ذلك للرجل الخاتم من فضة فقط، فنقف كما أوقفنا النبي صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً: تزين الرجل بالفضة مطلقاً من باب التشبه بالنساء، ولعن الله الرجال المتشبهين بالنساء.

حكم استعمالها ككنز

الثالث: استعمال الذهب والفضة ككنز، وإذا احتاج إلى المال يبيعه، فهذا يجوز بشرط وقيد، وهو أن يكون كنزاً مباحاً لا كنز محرماً، وإذا بلغ النصاب وحال عليه الحول أخرج زكاته.

حكم تضبيب الإناء بالذهب والفضة

هل يحل استعمال ما ضبب بشيء من الذهب والفضة، مثلاً: كسر إناء من معدن أو من نحاس، فضببه بالفضة أو بالذهب يعني: جعل فيه جزءاً من الذهب أو من الفضة ليصلح الكسر، فإن كان من الذهب فلا يجوز قولاً واحداً في المذهب، وإن كان من الفضة فيجوز، والأصل هو المنع في الذهب والفضة، لكن جاء دليل يخص الفضة فقط، وهو حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه قال: (انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فجعل فيه سلسلة من فضة) فهذا يدل على أن تضبيب الإناء بالفضة يباح، والذهب لم يأت الدليل على جواز التضبيب به، فيبقى على الأصل، وهو التحريم.

إذاً نقول: إذا ضبب الإناء المكسور بالذهب فهو حرام قولاً واحداً، وإذا ضببه بالفضة فله أحوال:

الحالة الأولى: أن يفعل ذلك لا لحاجة.

الحالة الثانية: أن يفعل ذلك لحاجة، والفضة قليلة جداً.

الحالة الثالثة: أن يفعل ذلك لحاجة والفضة كثيرة.

فحكم الحالة الأولى: فيها قولان في المذهب: القول الأول: كراهة استعمالها، والقول الثاني: وهو الراجح الصحيح: التحريم؛ لأنه قد يجعل نصف الإناء من فضة ويخالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم وهو: (الذي يشرب في إناء الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم).

الحالة الثانية: أن يكون لحاجة وقليل، فهذا يباح للحاجة: ومعنى الحاجة أن غيره قد يغني عنه، فإناء الزجاج يغني عنه، لكن يحتاج إليه الناس، فأباح الشرع من أجل حاجة الناس أن يضبب الإناء المكسور بالفضة.

إذاً: إن كان قليلاً لحاجة جاز، والدليل على ذلك حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه: (انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فجعل له سلسلة من فضة).

الحالة الثالثة: أن تكون الضبة كبيرة للحاجة، فهذا لا يجوز، وبعض الشافعية قال بالكراهة، والصحيح أنه لا يجوز.

إذاً: يجوز استخدام الفضة فقط في التضبيب للحاجة، وأما للضرورة فيجوز استعمال الذهب والفضة، والدليل على ذلك حديث عرفجة بن أسد رضي الله عنه وأرضاه حينما قطعت أنفه في المعركة، فصنع له أنفاً من فضة فكانت له رائحة منتنة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع له أنفاً من ذهب فصنع له أنفاً من ذهب.

فالضرورات تبيح المحظورات، لكن إذا جاء ما يغني عنها فلا يجوز استعمالها، فمثلاً الآن الأسنان اللبنية تغني عن الذهب والفضة، فلا يجوز تركيب الأسنان الذهبية؛ لأنه يمكنه الاستغناء عنها بالمباح.

إذاً: يباح استعمال الفضة للحاجة إن كانت قليلة، ويباح استعمال الذهب والفضة عند الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.

حكم المموه بماء الذهب

بعض الأشياء قد يطليها الناس بماء الذهب مثل النظارات والساعات، فما حكم المطلي بماء الذهب؟ المطلي بماء الذهب له حالات:

الحالة الأولى: إذا مررنا به على النار انفصل منه جرم الذهب وظهر، فيحرم هذا ولو كان قليلاً.

الحالة الثانية: إذا مررنا به على النار لا ينفصل منه شيء، فهذا يجوز؛ لأنه غير مستقل بل تابع، والقاعدة عند العلماء: يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل؛ ولهذا فإن بيع ما لا يرى غرر لا يجوز، لكن يغتفر في التوابع وإن لم يرها المشتري، مثل أن تشتري جاكتاً محشواً بالقطن، فهذا القطن أنت لا تراه، لكنه تابع، فيجوز شراؤه، ومثل جواز شراء الدار مع عدم معرفة أساسها؛ لأن الأساس تابع.

إذاً: المطلي بماء الذهب حكمه فيه تفصيل: إن كان لا ينفصل منه شيء بعرضه على النار فيصح استعماله؛ لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل، وإن انفصل منه شيء حرم استعماله.

علة تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

اختلف العلماء في علة تحريم استعمال آنية الذهب والفضة، والراجح: أن العلة: الترف والخيلاء.

والثمرة التي نستفيدها من معرفة أن العلة هي الترف والخيلاء: إمكانية القياس، فلو طلي الذهب والفضة بالقطران أو بالنحاس أو بأي معدن آخر، فالرائي عندما يراه فسيظنه قطراناً أو نحاساً، ولا يقال: هذا الرجل واقع في مخيلة، ولن يكسر قلوب الفقراء بذلك، فإذا كانت العلة في الذهب الترف والخيلاء ولو طلاه بمعدن آخر فيجوز استعماله على أن العلة الترف والخيلاء، ولو كانت العلة الذهب والفضة نفسها ولو غير شكلها بطين أو بفخار أو بنحاس فلا يجوز استعماله؛ لأنه في الحقيقة ذهب وفضة، والأولى أن نقول: إن أغلب الأحكام معللة، والتعليل هنا هو من أجل الترف والخيلاء، فإن انتفى الترف والخيلاء انتفى الحكم.

حكم الوضوء من إناء الذهب

اختلف العلماء في حكم صلاة من توضأ بماء كان في إناء ذهب، فالحنابلة يرون أن صلاته باطلة، والجمهور يقولون: صلاته صحيحة، وهذا الاستعمال محرم، لكن هذا الاستعمال غير مؤثر في العبادة، والنهي لا يقتضي الفساد إلا أن يكون النهي منصباً على ذات الفعل، أو منصباً على وصف ملازم للفعل، وهنا النهي يعود إلى جهة منفكة؛ لأن الوضوء لا يشترط فيه أن يكون من إناء، فنقول: قد استعمل الإناء الذي من الذهب استعمالاً محرماً يأثم عليه، ولكن وضوءه كان وضوءً صحيحاً، فتصح صلاته، أما أكثر الحنابلة فيقولون: الوضوء باطل والصلاة باطلة، قالوا: لأنه استعمل إناء الذهب استعمالاً محرماً، ومطلق النهي يقتضي الفساد، فنقول لهم: هذا النهي لا يقتضي الفساد؛ لأن النهي هنا ليس عن ذات الشيء، ولا عن وصف ملازم للشيء.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح متن أبي شجاع - ما يحرم استعماله من الأواني وما يجوز للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net