إسلام ويب

موجبات الغسل تشترك بين الرجال والنساء في ثلاثة أمور: الموت ونزول المني والجماع، وتفترق المرأة عن الرجل في الحيض والنفاس والولادة.

موجبات الغسل

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فصل موجب الغسل

والذي يوجب الغسل ستة أشياء، ثلاثة تشترك فيها النساء والرجال وهي: التقاء الختانين، وإنزال المني، والموت، وثلاثة تختص بها النساء وهي: الحيض، والنفاس، والولادة ].

التقاء الختانين

التقاء الختانين، حتى وإن كان بدون إنزال مني فهو يوجب الغسل.

والدليل هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان وجب الغسل) .

مقدمة ونتيجة، ووجه الدلالة: الوجود، أي: أن التقاء الختانين موجب من موجبات الاغتسال أو الغسل.

والدليل الثاني: حديث أبي هريرة (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) ، وطبعاً لا يجهدها إلا عند محاذاة الختان، يعني: بالولوج.

إنزال المني

الموجب الثاني: الإنزال سواءً حدث جماع أم لم يحدث الجماع، والدليل: حديث عثمان : (إنما الماء من الماء).

مسألة: رجل قام من النوم فوجد بللاً فاحتار فيه هل هو مني أو ودي فهل يغتسل أم لا؟

الإجابة له حالتان: الحالة الأولى: إذا وجد بللاً ولم يتذكر احتلاماً، الحالة الثانية: وجد بللاً وتذكر احتلاماً، فعليه أن ينزل غلبة الظن منزلة اليقين، فإن عده منياً يغتسل، ويغسل الثوب، وإن عده مذياً فيغسل الثوب ويتوضأ.

الصورة الثالثة: لم ير احتلاماً ووجد بللاً وما استطاع أن يفرق بين إذا كان منياً أو مذياً أو ودياً، فالأصل عدم الإنزال، فيكون هو على أصله، فيغسل الثوب على أنه مذي، وإن اغتسل احتياطاً فهذا هو الأفضل.

مسألة: امرأة كانت حاملة في ستة أشهر، وفي السابع ولدت ولداً، لكن لم يعقب هذا الولد دم نفاس، فهل عليها اغتسال أم لا؟

في هذه المسألة وجهان في المذهب: الوجه الأول: عليها الاغتسال وإن لم يعقب الولد دم؛ قالوا: لأنه انعقد الولد من منيها ومني الرجل فكأنها أنزلت منياً، فوجب الغسل بهذا الإنجاب.

الوجه الثاني: أن موجب الغسل هو نزول دم النفاس، فحيثما وجد دم النفاس وجب الاغتسال وإلا فلا.

حكم اغتسال الكافر عند إسلامه

الموجب الخامس: إسلام الكافر.

في المذهب قولان: القول الصحيح الراجح هو أنه لا اغتسال عليه، والدليل على ذلك: أن كثيراً من أهل الكفر دخلوا الإسلام ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال، فمثلاً: عمرو بن العاص -كما في الصحيح- جاء يبايع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قبض يده، فقال له: علامَ يا عمرو ؟! فقال له عمرو بن العاص: أشترط، قال: وما تشترط؟ قال: أشترط أن يغفر لي ما سبق، يعني: من الذنوب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما علمت أن الإسلام يجب ما قبله)، ولم يأمره بالاغتسال وقد دخل في الإسلام وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهاً لوجه وكذلك أبو قحافة؟

فـأبو بكر أتى بأبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالاغتسال، فهذه أمثلة كثيرة تثبت لنا أن كثيراً من أهل الكفر دخلوا الإسلام ولم يؤمروا بالاغتسال، فالغسل بالنسبة لإسلام الكافر على الاستحباب وليس على الوجوب فلا يصح أن نقول: هو موجب للغسل، بل نقول: يستحب للكافر إذا أسلم أن يغتسل، وهذا الراجح الصحيح.

وإذا أسلم الكافر وكان جنباً أي أنه جامع امرأته، أو كان نائماً فاحتلم، وفي الصباح أدخل الله الإسلام وحب الإسلام في قلبه، فدخل الإسلام وأراد أن يصلي الفجر فله حالتان: الحالة الأولى: أن يكون قد أسلم ولم يغتسل من الجنابة، فله وجهان في المذهب الشافعي!

الوجه الأول قالوا: عليه الاغتسال، واستدلوا على ذلك بعموم قول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] .

وهو قد أسلم حال كونه جنباً، فينزل تحت الآية.

الوجه الثاني: أنه لا اغتسال عليه، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التوبة تجب ما قبلها)، و(الإسلام يجب ما قبله) والراجح في المذهب: هو الوجه الأول؛ لأنه قد أسلم حالة كونه جنباً فإذاً الآية تخاطبه.

الحالة الثانية: أن يكون قد اغتسل ولكن ليس بنية إزالة الجنابة، وهذا أيضاً فيه وجهان:

الوجه الأول: أن يعتد باغتساله، والصحيح الراجح: أنه لا يعتد بهذا الاغتسال؛ لأن الاغتسال له شروط وهي: النية فلابد من وجودها لحديث: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).

تغسيل الميت

الموجب السادس: تغسيل الميت، فإذا مات الميت أوجبنا عليه الاغتسال، وحكم تغسيل الميت على وجهين:

الوجه الأول: أنه على سبيل الوجوب، واستدلوا على ذلك بأدلة فقالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته في الحج: (اغسلوه بماء وسدر ولا تحنطوه)، أو قال: (لا تخمروا رأسه)، وفي رواية شاذة، قالوا: (ولا تخمروا وجهه) فالشاهد قوله: (اغسلوه بماء وسدر).

وهذا أمر، وظاهر الأمر الوجوب.

إذاً: يجب تغسيل الميت، وتغسيل الميت فرض كفاية، فلو مات ميت وعنده ناس فلم يغسلوه فإنهم يأثمون جيمعاً، فإن غسله أحدهم سقط الإثم عن الجميع.

أيضاً: استدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما ماتت ابنته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلنها ثلاثاً).

الوجه الثاني في المذهب: قالوا: يستحب تغسيل الميت ولا يجب؛ لأن تغسيل الميت على سبيل التنظيف، والتنظيف لا يجب، بل يكون للاستحباب.

والوجه الأول هو الراجح الصحيح، فتغسيل الميت بسبب علتين، الأولى: التعبد، والثانية: التنظيف، ولذلك نقول: الأصح أو الراجح في الميت الذي يموت في الصحراء ولم يجدوا ماءً ليغسلوه: أنه يجب عليهم أن ييمموه.

ما يحرم على الجنب

أول الأمور التي يحرم على الجنب فعلها: الصلاة، فلا يجوز بحال من الأحوال للجنب أن يصلي أو يقف أمام ربه جل في علاه، والدلالة على ذلك الكتاب والسنة، والنظر، أما من الكتاب: فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6].

ثم قال: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] أي: فاطهروا أولاً، ثم قوموا إلى الصلاة.

أيضاً: قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43] .

فلا تقرب موضع الصلاة، فالصلاة من باب أولى فأنت ممنوع عنها.

من الأحاديث أيضاً والآثار والسنن الفعلية عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما جاء عن أبي هريرة كما في أبي داود بسند صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي فلما كبر تذكر أنه كان جنباً فقال لهم: مكانكم، ثم ذهب فاغتسل، قال أبو هريرة فجاء ورأسه يقطر ماءً ودخل الصلاة، وأكمل بهم الصلاة.

الحديث الثاني: حديث عمر بن الخطاب أنه صلى بالناس وكان غير مبالٍ، وكان جنباً فتذكر بعد الصلاة أنه كان جنباً فاغتسل وأعاد الصلاة.

أيضاً يحرم على الجنب أن يجلس في المسجد، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا [النساء:43].

والسياق يفسر المراد، فالمراد مكان الصلاة، وموضع الصلاة، فلا تقربوا الصلاة أي: لا تقربوا المسجد.

وقد ورد عن جابر بسند صحيح أنه قال: كان أحدنا يمر في المسجد جنباً مجتازاً.

وهذه دلالة على أنهم أولوا الآية: أنه لا يجوز المكث في المسجد. ويستدل من السنة بأحاديث ضعيفة منها: حديث ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: (لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب) وهذا الحديث ضعيف.

ومن الأدلة أيضاً على ذلك: القياس الجلي، فهم يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم منع الذي يأكل البصل من دخول المسجد فكيف بالذي تلبس بالجنابة أو بالحدث الأكبر؟

ويعضدون ذلك بالحديث المشهور: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة أو جنب) وزيادة الجنب زيادة ضعيفة.

الثالث: يحرم عليه قراءة القرآن.

ومن ذلك: قول علي وهو حديث في السنن عن علي بن أبي طالب قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في كل أحواله سوى الجنابة)، والحافظ ابن حجر في فتح الباري مال إلى صحته.

ثم العلماء قد قعدوا لنا القاعدة: الراوي أعلم بما روى، فهو أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد ورد أيضاً بسند صحيح عن عمر بن الخطاب أنه منع الجنب من القراءة.

وعن عمر بسند صحيح كان يقول: إني لآكل وأنا جنب، وأشرب وأنا جنب، ولا أقرأ القرآن وأنا جنب.

فـعمر بن الخطاب يرى أن الجنابة تمنع من قراءة القرآن.

الأمر الرابع مما يحرم على الجنب: مس المصحف، فإذا منع من قراءة القرآن لم يمنع من الذكر، ولا من الاستغفار ولا من الذكر الذي هو يتضمن آية.

والدلالة على ذلك واضحة جداً من قول الله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79].

ما يحرم على الحائض

ويحرم على الحائض ما يحرم على الجنب، فيحرم عليها الصلاة والصوم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل منكن) فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما نقصان العقل والدين عند المرأة؟ فقال: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم).

وهذا تشريع يبين للأمة أنه قد أمرهم قبل ذلك أن المرأة الحائض لا تصلي ولا تصوم.

أيضاً حديث فاطمة بنت حبيش رضي الله عنها وأرضاها، قال: (فإذا جاءت حيضتك فدعي الصلاة، فإذا ولت فاغسلي عنك الدم وصلي)، وفي الحديث الذي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن قضاء الصلاة بعد الحيض بعد الطهور من الحيض فقالت: أحرورية أنت؟ فقالت: لا إنما أنا أتعلم، أو قالت: إنما أنا تائبة، فقالت: كنا نحيض على عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نصلي ولا نصوم، ونؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.

أيضاً: يحرم على المرأة الحائض الطواف بالبيت، والدلالة على ذلك: في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وكانت تبكي وكانت قد أهلت بعمرة، فقال لها: (ما لك؟ أنفست؟ فقالت: نعم، فقال: هذا أمر قد قدر على بنات آدم، فاغتسلي وافعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت).

أيضاً يحرم على الحائض: دخول المسجد، لحديث: (ألا تطوفي بالبيت).



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح متن أبي شجاع - فصل موجب الغسل [2] للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net