إسلام ويب

لقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر على الأعداء إذا صدقوا في إيمانهم وتوكلهم على الله عز وجل، وقد لقي المؤمنون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب الضيق والحرج والحصار الشديد، فضلاً عن نقض اليهود للعهد، فهم أهل غدر وخيانة، وما من مصيبة إلا من ورائها اليهود.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود...)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الأحزاب:9].

هذه الآية التاسعة من سورة الأحزاب يذكر الله سبحانه وتعالى فيها سبب تسمية هذه السورة بسورة الأحزاب، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأحزاب:9]، يذكر المؤمنين بنعمته سبحانه وتعالى عليهم، وما أعظم نعم الله عز وجل على عباده.

اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [الأحزاب:9]، نعمة من نعم الله سبحانه، فمن نعمه سبحانه ما حدث في يوم الأحزاب إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:9-11]، وكان يوماً فظيعاً على المسلمين لم يكونوا يتوقعونه؛ حتى يعلموا أن النصر بيد الله سبحانه، وأن الإنسان مهما كادت له الدنيا وأراد الله عز وجل شيئاً لا بد أن يكون ما أراده الله سبحانه وتعالى، مصداقاً لما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لـابن عباس : (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

قال تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126].

ونرى في غزوة الأحزاب نصر الله تبارك وتعالى كيف جاء؟ ومتى جاء؟ وكيف زلزل المؤمنون، وكيف زاغت الأبصار وبلغت القلوب الجناجر؟ فقلب الإنسان في صدره يبلغ الحنجرة، وهذا في غاية الرعب وشدة الخوف؛ إذ يشعر الإنسان أن قلبه سيخرج من فمه مع شدة رعبه وشدة خوفه، فبلغ الأمر بالمؤمنين كذلك، وننظر في هذه القصة العجيبة في غزوة الأحزاب.

هذه الغزوة تسمى بغزوة الأحزاب، تسمى بغزوة الخندق وبني قريظة.

وغزوة الأحزاب هذه كانت في سنة خمس من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن اختلف العلماء في زمن وقوعها فقال ابن إسحاق : كانت في شوال من السنة الخامسة وهذا الأرجح، وجاء عن الإمام مالك رحمه الله أنها كانت في سنة أربع للهجرة.

والظاهر أن ذلك بحسب عد السنة الهجرية، فقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في شهر ربيع، فمن اعتبر الهجرة من أول السنة يعد من السنة التي بعدها؛ لأن السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم لا تحسب، بل يحسب بالمحرم من السنة التي تليها، وبناءً عليه تكون غزوة الأحزاب في سنة أربع للهجرة.

ومن يعد السنة التي هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فيها فيعتبر أولها من شهر المحرم فتكون غزوة الأحزاب في السنة الخامسة، فعلى ذلك كان الخلاف بينهم، لكن قول الجمهور أن غزوة الأحزاب في السنة الخامسة.

وباقي الغزوات كلها على ذلك، فمن سيقول غزوة بدر في السنة الثانية يكون على اعتبار أن السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم هي الأولى، والسنة التي تليها هي السنة الثانية، والذي سيقول أنها في السنة الأولى فذلك باعتبار أنه لا يحسب الجزء من السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

تفسير قوله تعالى: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ...)

معنى قوله: (من فوقكم ومن أسفل منكم)

قال الله عز وجل: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [الأحزاب:10]، يعني: من شدة الرعب، ومن شدة الخوف.

فقوله تعالى: جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ [الأحزاب:10]، واضح أنه من مكان عال، وقوله: وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [الأحزاب:10]، من مكان آخر منخفض.

فجاءوا من المشرق وجاءوا من المغرب وأحاطوا بالمسلمين وخانت اليهود من خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فصار الكفار حولهم من كل مكان، فزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر من الخوف ومن الرعب، خاصة أن الكفار كان عددهم ضخماً، فقد كانوا ثلاثة أمثال المسلمين.

قال الإمام مالك رحمه الله: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال من المدينة وذلك قوله تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [الأحزاب:10]، قال مالك رحمه الله: ذلك يوم الخندق، جاءت قريش من هاهنا، واليهود من هاهنا، والنجدية من هاهنا، يعني: جاءوا من فوقكم، ومن ورائكم مكان مرتفع جاءت منه اليهود.

وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [الأحزاب:10]، أي: جاءت قريش وغطفان ومن معهم من أسفل منكم.

سبب غزوة الأحزاب

وكان سبب هذه الغزوة اليهود، وأي مصيبة على المسلمين فمن ورائها اليهود لعنة الله عليهم، فسببها أن البعض من اليهود منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وسلام بن أبي الحقيق ، وسلام مشكم وحيي بن أخطب وهؤلاء من بني النضير، وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل، وهم كلهم من اليهود الذي حزبوا الأحزاب.

وفي كل غزوة من مغازي النبي صلى الله عليه وسلم يعمل اليهود فيها عاملاً من العوامل فيكونوا سبباً في قتال المسلمين لهم، وكان من اليهود بالمدينة ثلاثة طوائف: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، فبنو قينقاع أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم وطردهم؛ لأنهم بعد غزوة بدر يقولون للمؤمنين: وما الذي فعلتم بغزوة بدر؟ لم تقاتلوا إلا رجالاً لا خبرة لهم بالقتال، لكن لو قاتلتمونا نحن لعلمتم من الرجال، وما زالوا يتقولون على المسلمين حتى أحدثوا حدثاً فطردهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة.

وجاءت غزوة أحد في سنة ثلاث من الهجرة، وبعد ما انتهت غزوة أحد إذا ببني النضير تحدث حدثاً، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يجليهم ويطردهم من المدينة.

فهؤلاء من بني النضير ما زالوا موتورين حين طردهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، فألبوا قريشاً على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإذا بقريش تستجيب لذلك ووعدتهم يهود بني النضير أنهم يعينونهم في المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد أهل مكة الفرصة في استئصال المسلمين فأجابوهم إلى ذلك.

وخرجت اليهود من مكة إلى غطفان ودعوهم أيضاً لقتال النبي صلى الله عليه وسلم فوعدوهم بقتال النبي صلى الله عليه وسلم بجانبهم وبجانب قريش.

وخرجت قريش يقودها أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن الفزاري ، والحارث بن عوف المري من بني مرة، وغيرهم وأحاطوا بالمدينة، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم باجتماعهم شاور أصحابه صلوات الله وسلامه عليه.

العدد عدد ضخم جداً، وجيش المدينة ثلاثة آلاف رجل، أما الكفار فبلغ عددهم عشرة آلاف وزيادة، فكل واحد من المؤمنين يواجه ثلاثة من الكفار، فالعدد غير متكافئ.

حفر الخندق

استشار النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين في هذا الحدث تطبيقاً لأمر الله له بالمشاورة، قال تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159].

ومدح الله النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالمشاورة، فقال: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين في هذا الأمر، فكل واحد من المؤمنين أشار بشيء، وأشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بأن يحفروا خندقاً حول المدينة يحول بينهم وبين الكفار بحيث إن الكفار لا يقدرون على العبور إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت فكرة سلمان فكرة حسنة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا، بحيث إنهم لا يقدرون على العبور إلينا، فحفر المسلمون الخندق مجتهدين في ذلك.

وكان المسلمون يحفرون الخندق، ويتعبون أنفسهم، ويبذلون جهدهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحفر كما يحفرون، ويحمل الحجارة ويحمل التراب، حتى كان التراب يتناثر على صدره وبطنه وملابسه صلوات الله وسلامه عليه.

والمنافقون كانوا كعادتهم لا يساعدون في شيء وإنما يتسللون لواذاً، أما المؤمنون فقد فعلوا أفعالاً عظيمة، وصنعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كل صنيعة كريمة، فأنزل الله سبحانه وتعالى آيات يمدح فيها المهاجرين والأنصار، أما المنافقون فأنزل فيهم ما فضحهم به من آيات.

وقسم النبي صلى الله عليه وسلم حفر الخندق على المسلمين، كل مجموعة تحفر جزءاً من الخندق، حتى إذا أتمت المجموعة ما عليها من حفر انطلقت لمساعدة غيرها من المجموعات، فكان المؤمنون كمثل الجسد الواحد رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.

ولما أشار سلمان بحفر الخندق وجد المسلمون في هذا الخندق شيئاً غريباً، فإذا بهم يختلفون فقال المهاجرون: سلمان منا؛ لأن سلمان مهاجر مثلهم، وقال الأنصار: سلمان منا؛ لأنه كان في المدينة، ففصل النبي صلى الله عليه وسلم بينهم وقال: (سلمان منا أهل البيت)، فالنبي صلى الله عليه وسلم مدح سلمان وجعل له هذه المزية العظيمة.

ما تعلمه المؤمنون أثناء حفرهم الخندق مع النبي صلى الله عليه وسلم

النبي صلى الله عليه وسلم لما حفر مع المؤمنين الخندق علمهم الأسوة الحسنة، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب:21].

وفي الصحيحين عن البراء بن عازب : (لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى الغبار جلدة بطنه صلوات الله وسلامه عليه، وكان كثير الشعر عليه الصلاة والسلام) فكان ينقل التراب مثل آحاد المسلمين والتراب يتناثر على بطنه وعلى صدره عليه الصلاة والسلام.

قال البراء : (فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة يقول:

والله لولا الله ما اهتديناولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة عليناوثبت الأقدام إن لاقينا).

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل هذه الأبيات التي قالها ابن رواحة ويقول: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا -وفي رواية-

اللهم لولا الله ما اهتديناولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة عليناوثبت الأقدام إن لاقينا).

ذكر ما جاء من معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم أثناء حفر الخندق

هذه الغزوة كان فيها آيات عظيمة من الله سبحانه وتعالى، من هذه الآيات أن المسلمين وهم يحفرون الخندق استصعب عليهم مكان فيه، فالأرض منها أرض ترابية ومنها أرض صخرية.

روى الإمام النسائي عن أبي سكينة -وهو رجل من المحررين- عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع رداءه ناحية الخندق، وأخذ المعول ونزل بنفسه، وقال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] وضرب الصخرة، فندر ثلث الصخرة، وخرج معها بريق عظيم، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الثانية: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115]، ويضرب الضربة الثانية فندر الثلث الثاني، فبرقت برقة وهكذا في الثالثة)، كل مرة يضرب النبي صلى الله عليه وسلم ضربة فينفلق ثلث الصخرة ويخرج بريق عظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية، وانكسرت الصخرة ثلاثة أجزاء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه وجلس.

قال سلمان: (يا رسول الله! رأيتك ضربت ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ذلك يا سلمان ؟! قال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله! قال: فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها حتى رأيتها بعيني، فقال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله! ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فمن الآيات، أن النبي بضربه ضربها على الصخرة نظر إلى بلاد الشام، وإلى بلاد العراق والله عز وجل سيغنمه ذلك، ووجد أنه سيفتح هذه البلاد.

وفي رواية أخرى أنه كبر صلوات الله وسلامه عليه وقال: (الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، وإني لأبصر إلى قصورها الحمراء من مكاني هذا)، هذا في الضربة الأولى، وفي الضربة الثانية قال: (باسم الله، الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض)، ثم ضرب الثالثة وقال: (باسم الله، فقطع الحجر، وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء).

وهذه بشارة في وقت انتشر فيه الرعب بين الناس؛ ليري الله عز وجل المؤمنين آية من آياته سبحانه، وليعلم من يصدق ذلك ومن يكذب، أما المؤمنون عندما يسمعون النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك فيقولون: يا رسول الله! ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم، ويخرب بأيدينا بلادهم!

وما النصر إلا من عند الله سبحانه، والمؤمنون لا يطلبون النصر من النبي صلى الله عليه وسلم إنما يقولون: ادع الله أن ينصرنا على هؤلاء.

وأما الرواية الأولى ففيها (أنه في الضربة الثالثة قال: رفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم)، وهو حديث حسن.

والغرض: أن حفر الخندق آيات من آيات الله سبحانه في وقت كان المسلمون في غاية الخوف والرعب، ولا يقدرون على قتال الكفار، فلا يصدق بهذه إلا مؤمن قوي الإيمان، ولا يكذب بها إلا منافق، فقد كان المنافقون يقولون: يعدنا بفتح مدائن كسرى، وقيصر، والشام، والحبشة، والعراق، ونحن لا نستطيع أن ندافع عن أنفسنا.

تجمع الأحزاب حول المدينة ونقض بني قريظة للعهد

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من حفر الخندق أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة، وأهل تهامة، وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فكانوا بظهر جبل سلع بالمدينة وعددهم ثلاثة آلاف، وقد ضربوا خندقهم بينهم وبين المشركين، واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وكان رجلاً أعمى رضي الله تبارك وتعالى عنه.

وخرج المؤمنون جميعاً مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق وبقي أهل الأعذار في المدينة، وأيضاً تسلل إليها المنافقون ليكونوا مع أهل الأعذار، وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي ، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من يهود بني قريظة عهداً أن يحموا ظهور المسلمين، فذهب حيي بن أخطب إلى سيد بني قريظة كعب بن أسد يقول له: أريد أكلمك بشيء، فإذا بسيد بني قريظة يغلق الحصن ويقول: اذهب إنك رجل مشئوم، ليس منك إلا الشر، تدعوني إلى خلاف محمد وأنا قد عاقدته وعاهدته ولم أر منه إلا وفاء وصدقاً، فلست بناقض ما بيني وبينه.

فظل حيي بن أخطب حتى فتح له الباب، قال له: اسمع الذي سأقوله لك وإذا أعجبك كلامي فخذ به! فلما فتح له وسمع منه إذا به يعده بعزة الدهر ويقول له: هذه قريش وهذه غطفان ومعهم عشرة آلاف رجل، فخن محمداً, وسنكون كلنا معك ونعطيك كذا وكذا، وما زال به حتى خان النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى نزل مع هذا الرجل على أن يغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأحزاب [9 - 10] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net