إسلام ويب

يخبر الله تعالى عن نعمته وفضله وإحسانه إلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم عندما تحزبوا عام الخندق، ويخبر عن حال المؤمنين وما كانوا فيه من شدة الخوف والرعب مع التسليم التام لقضاء الله وقدره، وعن حال المنافقين وما كانوا فيه من الخور والضعف والاستسلام للكفار لو تغلبوا على المسلمين.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود ...)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الأحزاب:9].

يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن يوم الأحزاب وما كان فيه من شدة وزلزلة للمؤمنين، ثم ما كان فيه من نصر الله سبحانه لعباده المؤمنين.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أي: اذكروا جنس نعمة الله سبحانه وتعالى، ومن هذه النعم هذه النعمة في يوم الأحزاب، إذ جاءتكم جنود وجاءكم جيش جرار من مكة وغطفان وغيرها، جاءوا للمدينة، قال الله عز وجل: إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا .

أي: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ حين جاءكم هؤلاء فأسرع الله عز وجل بالنصر إليكم، ونصر الله قريب، وكل ما هو آت من عند الله فهو قريب، فمهما ظن الإنسان أنه تأخر، ومهما ظن الإنسان أن ربنا سبحانه لم يعطه الذي طلبه فإنه ما تأخر الشيء الذي يريده الإنسان إلا لحكمة من الله عز وجل.

ولو أن الأحزاب حين جاءوا وهم في الطريق أرسل عز وجل عليهم الريح فقلبتهم وكفأتهم وقتلتهم لما شعر المؤمنون بحلاوة هذا النصر، ومعلوم أنه عندما تقع الشدة على الإنسان ثم يأتي الفرج بعدها يعرف الإنسان قيمة هذا الفرج، ويعرف فضل الله سبحانه وتعالى.

ولا يعرف الشيء إلا بضده، ويذوق المسلمون العناء والتعب ويصبرون ويصابرون فيتذوقون بعد ذلك حلاوة النصر وحلاوة الفرج من عند الله سبحانه، فذكرهم بهذه النعمة ثم فصل الله عز وجل ما كان.

تفسير قوله تعالى: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم...)

قال الله تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب:10].

أي: اذكروا عندما جاءكم هؤلاء الأحزاب من كل مكان فنصركم الله عليهم.

قال تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني: كأنهم جاءوا من مكانين: من فوقكم ومن أسفل منكم، من المشرق ومن المغرب، من مكان عال ومن مكان منخفض.

وقوله: جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ فهؤلاء الكفار بينكم وبينهم الخندق، واليهود من ورائكم خانوكم بعد ذلك، فإذا كانت القلوب بلغت الحناجر من شدة الخوف والرعب من الكفار، فكيف حين يعرفون أن اليهود أيضاً صاروا من ورائهم، وصار المسلمون بين فكي كماشة؟!

هؤلاء من ورائهم وأولئك من أمامهم، والمسلمون في غاية الرعب والخوف، فيذكرهم الله عز وجل بهذه النعمة.

لقد بلغ الخوف بهم مبلغاً عظيماً، قال تعالى واصفاً حالهم: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ يعني: صار الواحد منهم كأنه لم ير شيئاً أمامه قد زاغ بصره، فينظر في كل مكان فلا يستطيع أن يركز، وكأن القلب وصل إلى الحنجرة من شدة الرعب والخوف.

انظر وأنت راكب المصعد حين ينزل بك فجأة وأنت غير منتبه تحس أن قلبك قد طار، وكذلك عندما يفزعك أحد في شيء تحس أن قلبك قد طار، ففي هذه الحالة لا تستطيع التفكير، فحال المسلمين كان كذلك، فقد بلغت القلوب الحناجر، وزاغت أبصارهم، لا يعرفون من أين تأتي لهم المصيبة، فهؤلاء هل يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم، وقد بلغ من حالهم ذلك؟ حينها جاء النصر من عند الله سبحانه وتعالى، ولم يقتل من المسلمين سوى ستة، ولم يقتل من الكفار سوى ثلاثة.

إذاً: لم يكن هناك حرب وقتال بينهم ولم تحصل مسايفة، ولكن حدث ما أخبر الله عز وجل به أن جاء النصر من عند الله وحده لا شريك له.

فالمؤمن في قلبه الإيمان وإن قال: يا رب أخرت النصر لكن أنا واثق في نصرك، قال تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110] يعني: لابد من الصبر، فيخبر الله عز وجل عن رسل الله عليهم الصلاة والسلام: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ من إيمان قومهم، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أي: وظن الرسل واستيقنوا أن هؤلاء مكذبون لهم، وانتظر الرسل النصر من الله سبحانه وتعالى، وتأخر النصر شيئاً ثم جاء النصر بعد ذلك، جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ أي: ينجي الله عز وجل من يشاء ويهلك من يشاء سبحانه وتعالى.

إذاً: الإنسان قد يتمنى شيئاً ولكن ليس شرطاً أن تدرك ما تتمناه، وأن يحقق الله عز وجل الذي تتمناه بعينك، لكن له حكمة سبحانه وتعالى أن يحقق هذا الشيء أو يؤخر، وفي كل خير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)

فالأمر كله خير للمؤمن، والله أعلم بما هو خير وأفضل للمؤمن، فأنت حين تتمنى شيئاً والله عز وجل يقول لك: لن أعطيك هذا الشيء، بل نعطيك ما هو أفضل منه، فيتمنى المؤمن أن يقتحم على عدوه وأن يقتل عدوه وينتصر عليه، والله يرى لهذا العبد مكانة أنك لو قتلت هذا العدو فلن تصل لها، ولو قتلك العدو تصل إليها، فالله يحكم بالشيء الذي يمكن أن الإنسان لا يريد هذا الشيء، قال تعالى: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال:7] المؤمنون يطلبون شيئاً. وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ [الأنفال:7].

فالله سبحانه وتعالى له الحكمة فيما يفعل بعباده، فالمؤمنون ظنوا بالله الظنونا، فمنهم من ظن أن سيغلبون الكفار، لكن لحكمة من الله عز وجل تأخر النصر، أما المنافقون فأساءوا الظن بالله سبحانه كعادتهم.

فقوله: وتظنون الخطاب هنا موجه للمؤمنين وللمنافقين الذين معهم، المؤمنون ظنوا أن النصر تأخر لحكمة من الله سبحانه وتعالى، المنافقون قالوا: إنه يعدنا بكنوز كسرى وقيصر ونحن لا يأمن أحدنا أن يذهب إلى الخلاء، فأساءوا الظن بالله سبحانه وتعالى.

قوله: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فيها قراءتان: فيقرأ نافع وابن عامر وشعبة عن عاصم وأبو جعفر : وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا وصلاً ووقفاً، إذا وقف قال: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا وإذا وصل الآية بالتي تليها وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:11].

ويقرؤها ابن كثير وحفص عن عاصم والكسائي وقفاً: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا بالألف في آخرها، فإذا وصل حذف الألف وجعلها فتحة فقط قال: وتظنون بالله الظنون * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:11].

وباقي القراء يقرءونها بغير ألف وقفاً ووصلاً: (وتظنون بالله الظنون).

والذي سيقال في هذه الكلمة: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا سيأتي في كلمة (الرسولا) و(السبيلا) في الوقف والوصل.

تفسير قوله تعالى: (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً)

قال الله تعالى: هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:11].

قوله: هنالك وإن كانت للمكان ولكن المقصود بها هنا: في هذا الوقت ابتلي المؤمنون، أي: ابتلاهم الله سبحانه وتعالى.

فالله سبحانه يبتلي ويختبر ويمتحن ويمحص عباده ليظهر الجيد من الرديء، قال سبحانه: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [الأنفال:37]

وهنا قال: هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ أي: الله عز وجل لابد وأن يبتلي عبده المؤمن، ولذلك قال في سورة العنكبوت: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]

تريد أن تقول: أنا مؤمن ولا يحصل لك بلاء أبداً، هذا لا يمكن أن يكون، فلابد من البلاء، وكلما ازداد الإيمان ازداد البلاء، فلذلك أشد الناس ابتلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويليهم في ذلك الصالحون ثم الأمثل فالأمثل.

قوله: وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا أصل الزلزلة الحركة، كأن المؤمنين زلزلوا وحركوا حركة شديدة، حركة في المكان الذي هم فيه بحيث إنه يروح ويجيء في المكان، لا يستطيع أن يثبت فيه.

فقوله: وَزُلْزِلُوا اضطربت القلوب وخافت من شدة الرعب، وكان الاضطراب في النفس وفي القلب من شدة الرعب والخوف.

تفسير قوله تعالى: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض...)

قال الله تعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12].

يظهر النفاق في مثل هذه المواقف، فالمنافق تراه ساكتاً عندما يكون المؤمنون أقوياء ولا يوجد بلاء، لكن عندما يحدث البلاء يبدأ المنافق يخرج لسانه ويتكلم.

والمنافق: هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، فالمنافقون قالوا: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ، في قلوبهم مرض، في قلوبهم كفر، في قلوبهم شك، في قلوبهم أنجاس الجاهلية ورجسها، يقولون: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا . فالمنافق عندما يتكلم في وقت الضراء التي تصيبه فأول ما يشتم ويسب في الله سبحانه وتعالى وفي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

والمنافقون يخافون من الناس ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، يقولون عن الله عز وجل: ما وعدنا الله إلا باطلاً، ويقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم: يغرنا ويضحك علينا بهذا الشيء، مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12].

تفسير قوله تعالى: (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم ...)

قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [الأحزاب:13].

قوله: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أي: من المنافقين.

والطائفة تطلق على المجموعة، وقد تطلق على الواحد، فهنا قالها واحد ووافقه الباقون، فقال رجل اسمه أوس بن قيظي والد عرابة بن أوس الذي كان يضرب به المثل في الكرم، وهذا أبوه كان منافقاً، فقال هذا الرجل كما أثبت الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ .

ويثرب هي المدينة، كانت تسمى بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم سماها (طابة) وسماها (طيبة) وسماها (المدينة)، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذا اسم يثرب، فالله عز وجل أثبته؛ لأن ذلك المنافق قال ذلك، فنادى على أهل يثرب.

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحب هذا الاسم؛ لأن يثرب مأخوذ من التثريب، كما قال سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف:92] والتثريب بمعنى التوبيخ، فتسمية المدينة بطابة وطيبة لأنها أسماء جميلة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميها بذلك، ولها أسماء أخرى.

فهنا قالوا: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ولماذا سميت يثرب؟ قيل: سميت على اسم رجل نزلها من العماليق واسمه يثرب بن عبيل، هذا أصل التسمية فيها.

قالوا: لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا هذه قراءة حفص عن عاصم ، وقراءة جمهور القراء: لا مَقام لكم فارجعوا.

قوله: لا مُقَامَ لَكُمْ (مُقام) مصدر من أقام يقيم إقامة فهو مقام، وعلى القراءة الأخرى: (لا مَقام) كأنه مكان، أي: لا موضع إقامة.

إذاً: لا إقامة ولا مكان تقيمون فيه في هذا المكان الذي أنتم فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: فَارْجِعُوا أي: اتركوا النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه، وارجعوا إلى المدينة.

قوله: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ المنافق يكذب ولا يهمه أنه يكذب، فيستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: نحن تركنا بيوتنا في المدينة عورة ومكشوفة، وجدارها قصيرة فقد يأتي أحد ويدخل فيها، وهم لا يقولون ذلك صدقاً، وإنما يقصدون أن يفروا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده، هذا فعل المنافقين في كل وقت، يقول الله عز وجل: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ .

ويكذبهم الله قال: وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ أي: ليست بعورة، وإنما حقيقة أمرهم إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ففضحهم الله سبحانه وتعالى.

تفسير قوله تعالى: (ولو دخلت عليهم من أقطارها...)

قال الله تعالى: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا [الأحزاب:14] أي: من أنحائها.

لو دخل الكفار عليهم المدينة من أقطارها ثم سئلوا الفتنة وطلبوا منهم أن يشركوا وأن يعصوا الله سبحانه وتعالى لم يتلبثوا ولم ينتظروا، وإنما يدخلون في الكفر بسرعة؛ لأنهم منافقون، والمنافق ينتظر متى يظهر الكفر لكي يظهر كفره، فلذلك لو دخلت عليهم المدينة من نواحيها وطلب منهم الفتنة لما توقفوا.

قال تعالى: ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا أي: لوقعوا في هذه الفتنة، وهذه قراءة الجمهور لَآتَوْهَا .

وقراءة نافع وأبي جعفر وابن كثير وابن ذكوان بخلفه (لأتوها) يعني: لدخلوا فيها.

فآتى بمعنى أعطى، وهم يعطون بأيديهم الفتنة وهي الكفر والشرك والنفاق، ويعطون المعصية، و(لأتوها) أي: أي مكان فيه فتنة يجرون إليه.

قوله: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا يعني: على استحياء، أي يطلب منه الكفر والمعصية فيستحي قليلاً أن يعرف المؤمنون حقيقة كفره ونفاقه، قال الله عز وجل: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا يعني: ما صبروا على إيمان يظهرونه إلا شيئاً يسيراً، ثم أعطوا الكفر وأظهروا ذلك.

ومعنى آخر فيها: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا يعني: كم سيعيشون بعدما يكفرون، سيقبضهم الله وسيأخذهم مهما عاشوا، فلن يعيشوا إلا فترة قليلة ثم يقبضهم الله على ما هم فيه من سوء خاتمة.

نسأل الله عز وجل حسن الخاتمة، ونسأله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأحزاب [9 - 14] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net