إسلام ويب

صيام التطوع من أفضل الطاعات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، ويكون سبباً لتحصيل محبة الله للعبد. وهنا لك أيام يستحب صيامها، فهي تزيد من الطاعات، وتكفر من المعاصي والسيئات، فمن هذه الأيام: الست من شوال، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وأيام البيض من كل شهر، ويوم الإثنين ويوم الخميس وثلاثة أيام من كل شهر سواءً في أوله أو في وسطه أو في آخره.

فضيلة صيام التطوع

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

صوم الفريضة وهو الصوم الذي فرضه الله عز وجل على عباده كصوم رمضان، ويكون الصوم في غير رمضان نافلة إلا ما افترضه الإنسان على نفسه، كأن يكون عليه نذر أو كفارة أو قتل صيداً في الحرم، أو عليه هدي التمتع فإذا لم يجده فعليه أن يصوم وهكذا.

وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن رب العزة سبحانه تبارك وتعالى أنه قال: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه).

فهذا الحديث العظيم فيه أن أحب الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل هي الفرائض التي فرضها الله سبحانه، فمن ذلك صلاة الفريضة، فمن تقرب إلى الله بصلاة الفريضة على النحو الذي يحبه الله، فإن صلاته تكون مقبولة عند الله فتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتعينه على البر والتقوى، وعلى طريق الجنة، ويجعل الله عز وجل في قلبه نوراً بهذه الصلاة، ويجعل صلاته ذخراً له في الدنيا والآخرة، ثم الإكثار من صلاة النوافل فإن ذلك يقرب العبد إلى الله عز وجل، حتى يكون سبباً في حبه الله تعالى.

كذلك مما فرض الله عز وجل صيام رمضان على النحو الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، بأن يمتنع الصائم عن الطعام، والشراب، والشهوة، ولا يؤذ أحداً من المسلمين بلسانه ولا بفعله، ولا يغضب ولا يسب إنساناً قد سبه، ولا يشتم، ولا يقع في إثم من الآثام، ليكون صومه صوماً مقبولاً، فلا يزال يتقرب إلى الله بالنوافل في الصوم حتى يحبه سبحانه وتعالى.

وصوم التطوع له فضيلة عظيمة، ويكفي أن صيام ثلاثة أيام في كل شهر يذهب وحر الصدر وما فيه من غش وغل وحقد وحسد، فالصوم ينقي القلب ويجعله يحب الله يحب طاعته، ويذهب منه آفات القلوب وآثامها، فعلى المؤمن أن يتحرى ذلك ما استطاع.

وصوم النبي صلى الله عليه وسلم للنافلة كثير، فما من يوم من أيام الأسبوع إلا وصامه صلوات الله وسلامه عليه، فكان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس، ويصوم السبت والأحد والإثنين، ويصوم الثلاثاء والأربعاء والخميس، وكان يكثر من صوم الجمعة، فكان على مدار عمره يصوم أيام الأسبوع كلها صلوات الله وسلامه عليه.

والذي يطيق أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضه فليأخذ بما لا يشق على نفسه وبما لا يجهد نفسه، وهذا الصوم الذي هو صوم التطوع ليس مطلوباً منا أن نصومه كله، فمن لم يصمه فلا شيء عليه، وأفضل صوم التطوع صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء.

فضلة صوم الست من شوال

ومن صيام التطوع صيام ستة أيام من شوال، وكثير من الناس يسمونها أيام البيض وهذا خطأ، فليست أيام البيض إنما اسمها الست من شوال، ويستحسن أن يكون صيامها بعد رمضان مباشرة حتى لا تنسى ولا تضيع، ولكن سواء كانت بعده مباشرة أو بعده بفترة فهي الستة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.

ففي صحيح مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال، أو ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)، أي: كأنه صام العمر، وهذا للمواظب عليها وعلى صيام رمضان، فإن الحسنة أقل ما يكون فيها بعشر أمثالها، فصيام رمضان يكون بعشرة شهور، وصيام ستة أيام من شوال بشهرين، وهذا كصيام العام كله، فمن واظب على ذلك كأنه صام الدهر كله أي: عمره كله، وهذه الست من شوال يجوز للمسلم أن يصومها بعد رمضان مباشرة حتى ولو كان عليه صوم من رمضان بأن كان مسافراً أو مريضاً فأفطر أو أفطرت المرأة بسبب حيضها أو نفاسها أو إرضاعها أو حملها ونحو ذلك، فإذا أرادت أنها تصوم الست من شوال ابتداء يجوز ذلك، ولا دليل على المنع، وإن كان بعض أهل العلم يقولون: إنه لا يقع صوم شوال حتى يقع صوم الفريضة، ولكن لا دليل عليه أصلاً، بل الدليل على خلافه، فالسيدة عائشة رضي الله عنها تقول: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان، ويستحيل أن السيدة عائشة تعرف فضيلة يوم عاشوراء وفضيلة يوم عرفة وتضيع صيامها، ولا تصوم إلا في شعبان، فهي هنا تقصد بصيامها: الفريضة على ما فسرناه في الحديث السابق.

وصيام ستة أيام من شوال يجوز أن تكون متتابعة ويجوز أن تكون متفرقة.

فضلة صوم يوم عرفة

ومن التطوع صوم يوم عرفة، فقد روى مسلم عن أبي قتادة: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: يكفر السنة الماضية والباقية)، أي: السنة التي فاتت، وهي التي فيها يوم عرفة. والسنة الباقية التي ستأتي بعد السنة الماضية.

إذاً: هي كفارة لذنوب قد وقعت ومغفرة لذنوب قد تقع، والمقصود بها صغائر الذنوب، وفي الصحيحين أيضاً عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها (أن ناساً اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم -هذا في حجة الوداع- فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم قالت: فأرسلت إليه بقدح فيه لبن وهو واقف على بعيره فشربه)، أرادت أن تعرف هل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصوم يوم عرفة سيصومه وهو في حجة الوداع؟

إذاً آخر عام من عمر النبي صلى الله عليه وسلم شهر فيه يوم عرفة ولم يصمه؛ لأنه كان حاجاً صلوات الله وسلامه عليه، فلا يستحب للحاج أن يصومه، والعمل الذي يقوم به في هذا اليوم أعظم من أجر صيام يوم عرفة، فإن صيامه يكفر ذنوب سنتين، ويوم عرفة يكفر ذنوب العمر كله، لأن الحج عرفة، فالحاج سيرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ليس عليه ذنوب. فإذا صام الحاج يوم عرفة من أجل تكفير ذنوب سنتين فإنه سيتعب فلعله لا يقدر أن يصلي وأن يدعو، فليس مطلوباً منه صيام هذا اليوم، فهذا اليوم يوم الدعاء بالمغفرة التي هي أعظم بكثير من صيام هذا اليوم، لذلك أفطر فيه النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً الحجاج في عرفة لا يستحب لهم الصوم، ولغيرهم يجوز إلا أن يكون هذا الحاج متمتعاً وعليه هدي التمتع وهو غير واجد للهدي أو لثمنه، فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فهذه الثلاثة الأيام قد تكون يوم السابع أو الثامن أو التاسع من ذي الحجة، فإذا لم يقدر على ذلك فسيكون الثاني من أيام العيد والثالث والرابع هي الثلاثة الأيام التي في الحج، والسبعة الأيام إذا رجع.

فضلة صيام يوم عاشوراء

صيام يوم عاشوراء يستحب صيامه مع صيام يوم تاسوعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء في مكة قبل الهجرة، فلما هاجر إلى المدينة صامه، ووجد اليهود يصومونه لأجل أن الله نجى فيه موسى، فقال: (نحن أولى بموسى منكم)، فصوم النبي صلى الله عليه وسلم له في المدينة لم يكن لأول مرة وإنما كان يصومه من قبل، وكانت قريش تصوم هذا اليوم أيضاً، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة صامه أيضاً، وهذا فيه نوع من التأليف لليهود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أولى بموسى منهم)، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بصوم يوم عاشوراء في العام الثاني من الهجرة، ويوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم، وفي هذا العام فرض فيه صيام رمضان، وفي يوم عاشوراء أصبح النبي صلى الله عليه وسلم صائماً، وأمر الناس بصيامه على أنه فريضة، فأمر من لم يكن قد طعم طعاماً أن يصوم، ومن طعم أيضاً أن يمسك، ثم نسخ بعد ذلك بشهر رمضان وثبت إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي صحيح مسلم : (وسئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: يكفر السنة الماضية)، فصوم عاشوراء يكفر سنة كاملة، والله عظيم وكريم سبحانه وتعالى، فقد جعل المكفرات كثيرة، ولذلك من غلبت سيئاته حسناته فإنه يستحق دخول النار لأن الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها ويعفو سبحانه وتعالى، والله جعل مكفرات للسيئات منها الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة، والحج يكفر ذنوب العمر كله، وجعل الله أياماً تكفر السيئات مثل: صوم يوم عرفة، فإنه يكفر ذنوب سنتين، وصوم يوم عاشوراء، فإنه يكفر ذنوب سنة، وهذا بالإجماع عند العلماء، وهو من فضل الله عز وجل، فإذا كان العبد يستكبر على ربه أن يعبده -وربنا بهذه الرحمة العظيمة الواسعة يكفر عنه ذنوبه- ثم تغلب سيئاته حسناته فإنه يستحق النار، فلا يهلك على الله إلا هالك، فالذي يهلك يوم القيامة ويدخل النار فإنه يستحقها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)، فهذا الكلام في آخر سنة من حياته صلوات الله وسلامه عليه، فإنه شهد حجة الوداع في ذي الحجة ثم بقي محرم وصفر وربيع وهو الشهر الذي مات فيه، أي أنه بقي من عمره أربعة أشهر بعد حجة الوداع، ثم توفي عليه الصلاة والسلام.

وصام آخر محرم وقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن تاسوعاء)، أي: يصوم تسعة وعشرة من محرم مخالفة لليهود الذين كانوا يصومون يوم عاشوراء، فأراد أن يخالفهم بأنه يصوم تاسوعاء وعاشوراء، وتاسوعاء فيه فضيلة الصيام، وفضيلة مخالفة اليهود، لكن ليس معنى ذلك أنه يكفر ذنوب السنة، إنما يكفرها يوم عاشوراء كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى، فمنها: ما رواه البخاري عن ابن عمر : (كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان قال النبي صلى الله عليه وسلم: من شاء صامه ومن شاء لم يصمه).

إذاً: كان أهل الجاهلية يصومونه والنبي صلى الله عليه وسلم في مكة كان يصومه كما قالت عائشة رضي الله عنه الله عنها كما في الصحيحين: (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية -والنبي صلى الله عليه وسلم من قريش- ثم قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه).

إذاً: صامه في مكة، فلما هاجر إلى المدينة صامه أيضاً، وفي رواية كما قالت عائشة :(كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تستر فيه الكعبة) إذاً كان أهل مكة يصومونه وكان عندهم يوم عيد ويوم عبادة، فكانوا يجملون فيه الكعبة ويسترونها فيضعون الكسوة عليها، فلما فرض الله رمضان كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليترك).

أيضاً جاء في الصحيحين عن ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك -وكأن المسلمين سألوا اليهود: لماذا تصومون يوم عاشوراء؟- فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون)، فهو يوم النجاة لبني إسرائيل مع موسى عليه الصلاة والسلام وهم خارجين من مصر هاربين من فرعون أنجاهم الله عز وجل وأهلك فرعون في يوم عاشوراء.

فصامه النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً له، وقال: (نحن أولى بموسى منكم)، ثم أمر بصومه صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب، ثم أمر به على وجه الوجوب في العام الثاني، ثم نسخ الوجوب بقوله: (فمن شاء صامه ومن شاء تركه).

ولذلك جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه صام يوم عاشوراء وكذلك المسلمون، ثم أخبر كما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لما فرض رمضان: (من شاء صام) ففي هذا أنه كان واجباً في السنة الثانية ثم بعد ذلك رجع الأمر إلى ما كان عليه من الاستحباب في صومه.

فضلة صيام أيام البيض

ويستحب صيام أيام البيض، وهي أيام الليالي البيض أو الأيام ذوات الليالي البيض، وهي الأيام التي تكون لياليها بيضاء وهي الليالي القمرية، والليالي القمرية هي ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر من كل شهر، فهذه الليالي البيض وأيامها أيام البيض، وهنا حذف تقديره: الأيام ذوات الليالي البيض.

فيوم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر يستحب صومها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومها وأخبر عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر فقال: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض صبيحة ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر)، وفضل صوم ثلاثة أيام كصوم سنة كلها، فثلاثة أيام من كل شهر في إحدى عشر شهراً، والثلاثة الأيام بشهر، أي: بأجر صيامه كله، ثم يأتي شهر رمضان فيصير أعظم ما يكون من الأجر والثواب.

فضل صيام يوم الإثنين والخميس

ويستحب صوم يوم الإثنين والخميس، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن ذلك فقال: (إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس)، أي: تعرضها الملائكة على الله سبحانه وتعالى، وإن كان الله أدرى وأعلم بأعمال العباد وما تكتبه الملائكة قبل أن يخلق العباد، ولكن الله سجل على العباد بعد فعلهم حتى تكون شاهداً عليهم يوم القيامة، قال تعالى: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14].

والكتاب هو ما كتبته الملائكة على بني آدم. وأيضاً في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين)، أي: في كل أسبوع مرتين، فإن الملائكة تعرض الأعمال وترفع بها إلى الله عز وجل في يوم الإثنين ويوم الخميس (فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء)، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل للمسلم في غضبه ومخاصمته لأخيه المسلم ثلاثة أيام فقط، فلا يزيد عليها، فإن بين الاثنين والخميس ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فلا تطول الخصومة بينهما، ويرتفع في يوم الاثنين والخميس العمل ولا يغفر للمتشاحنين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(فيغفر لكل عبد مؤمن -يعني: في يوم الإثنين والخميس- إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا).

هذا إذا كان الغضب على الدنيا أو مخاصمة بين إنسان وآخر على الدنيا، فإذا كان هذا يستحق الهجر في الله سبحانه وتعالى فإنه يهجر؛ كأن يكون ظالماً أكل حقك ولا يريد أن يعطيك حقك فيهجر على ذلك، أما إذا كان لأمر من أمور الدنيا فلا يهجر أكثر من ثلاثة أيام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).

وأيضاً جاء عنه صلى الله عليه وسلم قال: (تعرض الأعمال يوم الإثنين ويوم الخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، هذا النبي صلى الله عليه وسلم وعمله كله خير صلوات الله وسلامه عليه ويريد أن تعرض أعماله في يوم الإثنين والخميس وهو صائم ويرفع عمله إلى الله سبحانه وتعالى.

كذلك جاء عنه في يوم الإثنين قال: (ذلك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت وأنزل علي فيه)، فقد ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين ولم يعمل ضجة بين الصحابة، وكذلك الصحابة لم يعملوا هذه الضجة فاحتفال النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اليوم شكراً لله سبحانه تبارك وتعالى أن جعله عبداً له وجعله رسولاً ومن عليه وأكرمه سبحانه، ورباه وأدبه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:6-8]، فكان يحتفل بصيام اليوم الذي ولد فيه صلوات الله وسلامه عليه، لكن الناس تناسوا هذا الشيء وإذا بهم يحتفلون بيوم الميلاد ويعملون ضجة ليكسبوا ذنوباً، وليقلدوا الكفار في ذلك، نسأل الله العفو والعافية.

وأيضاً يستحب صيام ثلاثة أيام مطلقة من كل شهر، سواء كان في أول الشهر أو في وسطه أو في آخره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر)، وأيضاً (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يصوم الدهر قال: وددت أنه لم يطعم الدهر)، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر؛ لأن الدهر فيه خمسة أيام وهي: يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وثلاث أيام التشريق، وهذه الأيام يحرم الصوم فيها، فإذا صام الإنسان الدهر كله فإنه يأثم بذلك، (قالوا: فثلثيه -أي: ثلثي الدهر- فقال: أكثر -أي: هذا كثير قد يضعف العبد فيه نفسه ويتعبها- قالوا: فنصفه؟ قال: أكثر -يعني: إن شاء فعل وإن شاء ترك، ولكن هذا كثير- ثم قال: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر)، وهذا من رأفته بالأمة صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى ونوم على وتر)، فأوصى أبا هريرة بصوم ثلاثة أيام مطلقة من كل شهر.

وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه -كما رواه الترمذي - (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة، -غرة الشهر أوله- كل شهر ثلاثة أيام)، فصيام الثلاثة الأول من كل شهر حسن، وقل ما كان يفطر يوم الجمعة، فهذا بعض من صيام النبي صلى الله عليه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - صيام التطوع للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net