إسلام ويب

لقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن وحفظه وتدبره، فقام الصحابة الكرام بذلك خير قيام، فقد كانوا قرآناً يمشي على الأرض؛ لأنهم كانوا لا يتجاوزون العشر الآيات حتى يحفظوها ويتدبروها ويعملوا بها، ومن اهتمامهم بالقرآن أن قام أبو بكر الصديق بمشورة عمر رضي الله عنهما بجمع القرآن وكتابته في مصحف واحد، ثم جمعه بعد ذلك عثمان رضي الله عنه.

نماذج من تعاهد الصحابة للقرآن وحفظهم له

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

ورد في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل)، رضي الله عنهما.

وفي الصحيحين أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: (جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار، أبي ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد ، وزيد بن ثابت ، قال الراوي: قلت لـأنس : من أبو زيد ؟ قال: أحد عمومتي).

هذه أحاديث من ضمن أحاديث كثيرة جاءت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يحفظون القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستقراء القرآن من هؤلاء، قال: (استقرئوا القرآن من أربعة)، من هؤلاء الذين كانوا يحفظون القرآن حفظاً متقناً: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وسالم مولى أبي حذيفة ، وكان سالم ذا صوت حسن غاية في الجمال رضي الله تعالى عنه، سمعته السيدة عائشة مرة وهو يقرأ ودخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني سمعت رجلاً من أصحابك يقرأ القرآن فذكرت من قراءته، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم واستمع إليه ثم رجع وهو يذكر من جمال صوته، وأن قراءته قراءة حسنه، وكان هذا الرجل سالم مولى أبي حذيفة ، وكان يتقن حفظ القرآن، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستقراء القرآن منه ومن عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم.

فهؤلاء كانوا يحفظون القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم كانوا يحفظون القرآن، ففي حديث أنس بن مالك قال: (جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار)، فهذه معرفة أنس رضي الله عنه، وهؤلاء الأربعة من الأنصار هم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد واحد من أعمام أنس بن مالك، وزيد بن ثابت ، فهؤلاء أيضاً حفظوا القرآن كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

والصحابة كلهم حافظوا على القرآن، فهذا يحفظ مجموعة من السور، وهذا يحفظ مجموعة أخرى من السور، وهذا يحفظ آيات، وهذا يحفظ، وهذا يكتب، فكان كل منهم يأخذ من النبي صلى الله عليه وسلم فيحفظ، ومنهم من كتب في صحيفة عنده حتى يحفظه، ولذلك لما طُلِبَ من زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يجمع القرآن، جمع القرآن من صدور الرجال وهو يحفظه، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر لنا في الحديث أربعة يحفظون القرآن، وهم: ابن مسعود وسالم وأبي ومعاذ ، وأخبر أنس بن مالك أن ممن جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت رضي الله عنه، وكانت له فضيلة أنه كان يكتب الوحي رضي الله تعالى عنه.

عمل الصحابة بالقرآن وتناصحهم فيما بينهم على ذلك

هؤلاء الذين حفظوا القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وجمعوه في صدورهم، وكتبوا القرآن في ألواح وفي صحائف عندهم، كانوا يأخذون هذا القرآن ويقومون به بالليل ويقرءونه بالنهار، ويعملون به رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.

فانظر مثلاً من هؤلاء معاذ بن جبل ، ومنهم أبو موسى الأشعري فقد كان ممن يحفظ القرآن، ففي الصحيحين عن أبي بردة قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن) أرسلهما باعتبارهما يحفظان القرآن ليعلما أهل اليمن، وكان حفظ الصحابة للقرآن غير حفظنا نحن، نحن نهتم بحفظ القرآن وبعد أن نتم حفظ القرآن ثم نتعلم المعاني التي فيه والفقه، أما الصحابة فكان حفظهم عجيباً جداً، كانوا يأخذون عشر آيات، ويتقنون هذه العشر الآيات حفظاً وتلاوة وعلماً وعملاً وفهماً، فحافظ القرآن منهم له شأن عظيم جداً؛ لأنه يحفظ القرآن بما فيه من معان، وبما فيه من فقه، وبما فيه من أحكام، ويعمل بهذا الذي حفظ، ولذلك كانت لهم منزلة وقدر عظيم.

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بهؤلاء القراء الذين يحفظون القرآن ليعلموا الناس، فأرسل معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن حتى يعلما أهل اليمن، كل منهما كان على مخلاف، كأن تقول: هذه محافظة وهذه محافظة ثانية، أو هذه بلدة وهذه بلدة ثانية، فـمعاذ على مخلاف وأبو موسى الأشعري على مخلاف آخر، فقال معاذ : يا عبد الله بن قيس ! كيف تقرأ القرآن؟ أبو موسى من قراء القرآن ومن أجمل الناس قراءة للقرآن، فقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود).

فقد كان صوته غاية في الجمال رضي الله عنه، وكان عمر بن الخطاب عندما يحب أن يسمع القرآن يقول: يا أبا موسى! ذكرنا، فيجلس أبو موسى ويذكرهم ويقرأ القرآن، فيبكي عمر ويبكي الحضور من قراءته ومن جمال قراءته ومن إتقانه وجمال صوته ونغمته رضي الله تعالى عنه، وهذا واحد ممن سمع أبا موسى يقول: فما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا شيئاً أجمل من صوته، أي: كأنك تسمع صوت العود والآلات الموسيقية، وهم كانوا يصنعون منها ويعرفونها في الجاهلية، فلما جاء الإسلام منعهم من ذلك، فهذا يقول: ما سمعت صوتاً أجمل من صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، لكن نقول: كان أجمل منه صوتاً وأخشع منه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان أجمل الناس صوتاً وتلاوة، وهو الذي نزل عليه القرآن، وقال في الحديث: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) أي: ما استمع الله لشيء كاستماعه للنبي صلوات الله وسلامه عليه.

يقول رجل: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وهو يقرأ سورة الطور، فما سمعت شيئاً أجمل من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أخشع، حتى إني لأضطرب من الخوف) أي: حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ بسورة الطور.

وهذا الرجل كان كافراً في ذلك الوقت، وبعد أن سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم خشع قلبه وأسلم بعد ذلك رضي الله تعالى عنه.

الغرض: أن أبا موسى الأشعري التقى مع معاذ، فسألهمعاذ كيف تقرأ القرآن؟ كان أهم شيء عندهم هو الدين، فيقول أبو موسى: أتفوقه تفوقاً، أي: ألازم قراءته ليلاً ونهاراً شيئاً بعد شيء، والتفوق يقال: فواق الحلبة، أي: ما بين الحلبتين، فهو يقرأ القرآن باستمرار، فقال أبو موسى رضي الله تعالى عنه: وأنت كيف تقرأ يا معاذ ؟ قال معاذ : أما أنا فأنام أول الليل، ثم أقوم جزءاً من النوم فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.

فمعاذ رضي الله تعالى عنه كان يقرأ قراءة عظيمة، كان يتدبر القرآن ليتفقه في هذا القرآن العظيم، وكلاهما على خير، فقد كانا يقرأان القرآن كما أنزل على النبي صلوات الله وسلامه عليه.

فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتواصون فيما بينهم، ويسأل كل منهم الآخر عن دينه.

هذه قراءة الصحابة وهذا حفظ الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، كانوا يحفظون القرآن حفظاً عظيماً، ويقرءونه ويكتبونه.

قصة جمع أبي بكر للقرآن

ورد في البخاري من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وكان ممن يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك كتب هذا القرآن العظيم في عهد أبي بكر ، قال: (أرسل إلي أبو بكر عام مقتل أهل اليمامة وعنده عمر ، فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن).

فهؤلاء القراء الذين كانوا يحفظون القرآن قاموا بهذا القرآن كما أمر الله سبحانه، فلما جاء وقت الجهاد ذهبوا كلهم ليجاهدوا؛ لأنهم يريدون الجنة، فذهبوا في قتال أهل اليمامة، فكان الكثير من حفاظ القرآن يقاتلون مسيلمة الكذاب لعنة الله عليه، وكان مع مسيلمة كثير من الناس، وكان أشد قتال أتعب المسلمين قتال مسيلمة ومن معه، ومن كان معه يعرفون أنه كذاب، لكن كانوا يفتخرون أنه منهم من بني حنيفة من اليمامة، ولذلك كانوا يدافعون عنه، فقاتلوا قتالاً شديداً، وقتل الكثير من حفاظ القرآن الذي هم القراء، فلما حدث ذلك ذهب عمر إلى أبي بكر فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن يضيع حفاظ القرآن، وقبل أن يضيع القرآن، فكانت مشورة عظيمة وجميلة من سيدنا عمر رضي الله عنه لـأبي بكر ، فـأبو بكر تردد في البداية وقال: كيف أفعل شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب القرآن كله في كتاب واحد، ولم يجمعه في كتاب واحد، وكان أبو بكر شديد الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، فما زال عمر به حتى أدرك ما أدركه عمر ، واستجاب لما قاله عمر رضي الله عنه.

وأرسلوا إلى زيد بن ثابت فقال زيد: كيف أفعل شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟!

وكتابة القرآن يحتج بها العلماء في مسألة أصولية يسمونها: المصالح المرسلة، والمصالح المرسلة مما دعا إليه الدين، ولم يأت بخصوصه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، لكنه مما دعا الدين إليه، قال ربنا سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، فالقرآن حفظه الله وأمر بحفظه سبحانه وتعالى، وأمرنا بقراءة القرآن وتدبر القرآن، فقال عز وجل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82].

فكيف يتدبره الناس وليس مكتوباً في أيديهم، وإنما كان في صحف متفرقة مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هذا معه قليل، وهذا معه قليل، فلو مات هؤلاء الناس فكيف سيحفظون القرآن؟! فكانت هذه مصلحة من المصالح المرسلة، يتعبدون لله عز وجل بأن جمعوا القرآن، فكم سيأخذ من الثواب عمر رضي الله عنه، وأبو بكر رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه، وزيد بن ثابت ومن معه ممن كتبوا هذا القرآن العظيم في كتاب واحد في صحيفة واحدة!

لقد كان القرآن مكتوباً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا نزلت عليه الآيات يدعو الكاتب فيكتب، وكان من الكتاب زيد بن ثابت، وكان منهم معاوية بن أبي سفيان وغيرهما.

فكان يقول: ألحق هذه الآية بسورة كذا، فيلحقها في موضعها في السورة التي كتبها قبل ذلك.

ولم يكن عندهم ورق مثل الذي عندنا الآن، يقول زيد : فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، كان يجمع القرآن من ذلك.

فهو أخذ من عنده رقعة مكتوب فيها، ومن عنده كتف، فقد كان الواحد يأخذ كتف البعير أو غيره وبعدما ينظفه ويطهره يكتب عليه ليحفظه عنده في البيت، وكذلك كان يأخذ العسب المكتوب عليها القرآن، والعسب هي الجريدة العريضة من جريد النخل؛ ليكتب فيها القرآن، قال: ومن صدور الرجال وحفظ الرجال، فـزيد بن ثابت كان يكتب الوحي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وها هو الآن يجمع القرآن من هذه الأمور، فهو لم يعتمد على حفظه؛ لأن حفظ الإنسان قد يخونه، فلذلك جعلوا معه مجموعة من الرجال ليجمعوا القرآن، فكان معه ثلاثة من الرجال وهو رابعهم رضي الله عنهم أجمعين، قال: فقمت فتتبعت القرآن حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره.

فهذا يبين أنه كان يعتمد في الجمع على المكتوب؛ لأنه وجد آيتين من سورة التوبة مع خزيمة فقط، ليست مع غيره، وهذا لا يعني أنه لم يكن يحفظ هاتين الآيتين غير خزيمة ، وإلا فلن يكون القرآن متواتراً، ولكن المقصود أنه وجدها مكتوبة معه فقط، وإلا فـزيد يحفظهما، وحفاظ القرآن يحفظونهما، لكن أراد زيد أن يجدهما مكتوبتين، فوجدهما مكتوبتين مع خزيمة بن ثابت رضي الله عنه، والآيتان هما قوله تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:128-129].

فقد تعب زيد ومن معه في تجميع القرآن العظيم، وهو ستة آلاف ومائتا آية! كل آية يبحث من الذي كتبها، ومع من؟ فجمعوا القرآن في مصحف واحد، وكان هذا المصحف غاية في الإعجاز والعجب، إعجاز؛ لأنه كلام الله سبحانه، وعجب في توفيق من كتبوا في القراءات كلها كيف كتبوها؟! وقد كان القرآن لا مشكولاً ولا منقوطاً، فمثلاً: كيف قرءوا قوله تعالى: فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] فبدون تشكيل ولا تنقيط تكون (مسوا)، فهل هي تبينوا أو تتبعوا أو تثبتوا؟!

فقراءة حمزة والكسائي (فتثبتوا) وقراءة الجمهور (فَتَبَيَّنُوا)، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم بكذا وبكذا، فهم كتبوها حروفاً غير منقوطة، فلو كانت منقوطة لكانت قراءة واحدة فقط، ولكن كتبت غير منقوطة حتى تحتمل هذه القراءة وهذه القراءة، وقس على ذلك ما جاء في القرآن كله من قراءات، فقد جاءت في الآية الواحدة عدة قراءات، مثل: (غشاوة) و(غشوة) و(غدوة) و(غداة)، فهم كتبوها بغير نقاط ومن غير تشكيل ليجوز قراءتها على وجوه فيها، فالقراءات أخذوها من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهه، ومن بعدهم أخذ منهم .. وهكذا.

قصة جمع عثمان للقرآن وسبب ذلك

لما كان عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه اختلف الناس في القراءات، فإذا بـعثمان يأمر بإحضار المصحف الذي كان موجوداً عند أبي بكر، فلما توفي أبو بكر كان موجوداً عند عمر ، فلما توفي عمر كان موجوداً عند حفصة ، ففي عهد عثمان حصلت فتوحات كثيرة للمسلمين، وذهب أئمة الصحابة إلى البلدان، وكل منهم يقرأ بقراءة، فهذا يقرأ بقراءة، وهذا يقرأ بقراءة، وهذا يقرأ بقراءة، فأهل هذا البلد أخذوا بقراءة هذا الذي ذهب إليهم يقرئهم, وأهل البلد الآخر أخذوا بقراءة غيره من القراء، فلما اجتمع بعض الناس الذين يحفظون القرآن وهم جنود في الجيوش، فهذا يقرأ، ويقوم الثاني فيقول له: أنت تقرأ خطأ، فيقول له: كيف وقد علمني فلان؟ فقد كفرت؛ لأنك تنكر شيئاً من القرآن، فهنا سيكفر بعضهم بعضاً، فإذا بهم يرسلون إلى عثمان : أدرك الناس قبل أن يكفر بعضهم بعضاً، فالناس مع عدم اطلاعهم على جميع ما في القرآن إذا بكل واحد منهم يتمسك بالذي حفظه فقط.

فهنا يأتي عثمان رضي الله عنه بعمله الجليل فيأخذ المصحف من حفصة، حيث أرسل إليها رسولاً فقال: أرسلي إلينا بالمصحف وسنرده إليك، فأخذ منها المصحف، وأمر الكتاب فكتبوا ستة مصاحف من هذا المصحف الإمام، ووزعه على البلدان، وسمي: المصحف الإمام، أي: المصحف الذي أمر عثمان بنسخه، وعثمان ليس هو الذي كتبه، وإنما الذي كتبه في عهد أبي بكر زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، فكانت الفضيلة لـأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم الفضيلة لـزيد ، ثم الفضيلة لـعثمان ، ثم الفضيلة لمن حافظ على كتاب الله عز وجل بعد ذلك.

فهذا القرآن العظيم الذي وصل إلينا سهلاً، الآن تجد المصحف مكتوباً: هذا مصحف بقراءة حفص عن عاصم، وهذا مصحف بقراءة قالون عن نافع، وهذا مصحف بقراءة أبي عمرو، والآن بدأ القراء أكرمهم الله يقرءون في الإذاعة وغيرها بالقراءات، هذا يقرأ بقراءة السوسي ، وهذا يقرأ بقراءة الدوري ، وهذا يقرأ بقراءة فلان، وهذا يقرأ بقراءة فلان.

فهذا كله يدل على فضل هذا القرآن العظيم الذي نزل من السماء على النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يسره الله عز وجل للذكر، فهو الكتاب الوحيد الذي تقرؤه سهلاً؛ لأن الذي يسره هو رب العالمين سبحانه، قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].

نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعلمنا القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يهدينا صراطه المستقيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - الحث على قراءة القرآن وتعاهده للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net