إسلام ويب

القرآن كتاب الله العظيم مخرج للأمة من الأزمات، وعلاج ناجع لكل الأمراض التي تعتور الأمة وتثقلها، ولما ضيعت الأمة هذا الكتاب وتركته وراء ظهرها حل بها ما قد رأيناه وعلمناه، ولن يعود للأمة مجدها وعزها إلا به، وأجره ونفعه وبركته وخيره في الدنيا معروف ظاهر، وفي الآخرة يكفي القارئ شرفاً أن تكون منزلته في الجنة عند آخر آية يقرؤها.

فضل القرآن الكريم وتلاوته في رمضان وغيره

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

نزول القرآن ومدارسة النبي صلى الله عليه وسلم له مع جبريل في رمضان

يستحب تلاوة القرآن في أيام وليالي رمضان التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرس مع جبريل فيها القرآن، فكان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليالي يدارسه القرآن، ويقرأ مع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن -الذي نزل عليه صلوات الله وسلامه عليه- من أوله إلى آخره، وكان في كل سنة يقرأ مع النبي صلى الله عليه وسلم مرة، حتى جاء العام الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم فقرأ مع النبي صلى الله عليه وسلم وعرض القرآن مرتين، حتى تكون هذه آخر ختمة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويتعلم الناس من النبي صلى الله عليه وسلم آخر ما نزل عليه صلوات الله وسلامه عليه على الترتيب الذي بين أيدينا من هذا الكتاب العظيم.

روى الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان)، هذا القرآن العظيم كما نزلت الكتب من قبله كصحف إبراهيم الذي نزلت صحفه في رمضان، ونزلت كلها مرة واحدة عليه، وكذلك موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام الذي أمر نبينا صلوات الله وسلامه عليه أن يقتدي بمن قبله من الأنبياء، وهؤلاء من أولي العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام، نزلت عليه التوراة لست مضين من رمضان.

والإنجيل نزل على عيسى عليه الصلاة والسلام لثلاث عشرة خلت من رمضان، والقرآن نزل لأربع وعشرين، وهذه الكتب السابقة كلها نزلت مرة واحدة من السماء على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لكن القرآن نزل إلى السماء الدنيا ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك منجماً.

جاء عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث يحث فيها على تلاوة القرآن، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) أي: يعرض جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ويعرض النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل هذا القرآن العظيم، قال (فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) فهذه فضيلة عظيمة أن ينزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان يراجع معه ما حفظ من هذا الكتاب العظيم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشتاق لذلك، وكان يفرح لذلك جداً، فيتصدق بكل ما عنده صلوات الله وسلامه عليه، فهو أجود من الريح المرسلة صلوات الله وسلامه عليه.

شفاعة القرآن لصاحبه يوم القيامة

أيضاً جاء في صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، هذا حث من النبي صلى الله عليه وسلم، و(اقرءوا) غالباً ما تكون بمعنى: احفظوا القرآن، ويخبر هنا أنه سيأتي يوم القيامة شفيعاً لصاحبه الذي كان يحفظه، والذي يقرأ القرآن بغير حفظ لا يعدم خيره، ولكن الأعظم أجراً الذي يحفظ كتاب الله سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) وكانت عادة العرب أن كلمة اقرأ كذا بمعنى: احفظ كذا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: (يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله) أي: أحفظكم لكتاب الله، فالذي يؤم القوم الأحفظ لكتاب الله سبحانه تبارك وتعالى.

وعندما نقرأ ونسمع أنه استحر القتل بالقراء يوم اليمامة، فالمقصود بقراء القرآن: حفاظه الذين حفظوه من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا من أشجع الناس، فكانوا يقاتلون مسيلمة الكذاب لعنة الله عليه وعلى أمثاله، فاستحر القتل بهم رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.

فكلمة (اقرأ القرآن) معناها: احفظ القرآن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، وقال: (اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران)، الزهراء أي: المنيرة المضيئة، فقوله: (اقرءوا الزهراوين) يشعر بفضيلة قراءة وحفظ سورة البقرة وآل عمران، وإذا قلنا: الفضيلة في الحفظ فالذي يقرأ من غير حفظ له فضيلة أيضاً، ولا يعدم الإنسان خيراً من مجالسة القرآن، ولكن كلما كان الإنسان يتقرب إلى الله أكثر كلما حفظ من كتاب الله ما استطاع؛ لأنها مراتب يوم القيامة، فعلى حسب ما تحفظ من الآيات على قدر ما يرفعك الله عز وجل في الدرجات.

فضل قراءة سورتي البقرة وآل عمران

وقوله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما)، كلنا يعرف الفضيلة في هذه السور، وقد سمعنا قبل ذلك مراراً هذه الأحاديث، إنما المسلم يتذكر حين يسمع ذلك، ويقول: لماذا لا أحفظ القرآن؟ لماذا لا أحفظ ولو آيات؟ والله عز وجل إذا علم مني المحاولة والحرص على ذلك لعله يعطيني الأجر ولو لم أحفظه، والله كريم وعظيم، وكم من إنسان يؤجر على نيته من غير أن يعمل، يحاول أن يعمل ويحاول ويحاول فلا يصل، فالله عز وجل يعطيه على نيته هذه، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يرى عالماً من العلماء يتصدق فيقول: يا ليتني مثله، وهو لا مال عنده، ولا علم، ولكن تمنى وعلم الله صدق نيته فجعله مثله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وهاتان السورتان تشفعان لأصحابهما يوم القيامة، ويجعل الله للعبد ما كان يقرؤه من هاتين السورتين على رأسه كغمامتين، فالبقرة وآل عمران تكونان غمامتان وسحابتان تظلان صاحبهما.

وقد كان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في حياته التي يراها الناس أنه كان يمشي في الشمس المحرقة وإذا بالله يرسل فوقه سحابة تظله، فكان الرهبان ينظرون ويقولون: هذا نبي، وعرفوا النبي صلى الله عليه وسلم أنه نبي حين رأوا سحابة تظله وهو يسير صلوات الله وسلامه عليه.

والإنسان في الدنيا يمكن أن يجد شيئاً يظله كجدار مثلاً، أما يوم القيامة فأين يذهب من الشمس؟ وقد دنت الشمس من الرءوس فلا يقدر على الهرب منها، وقد حشر الناس في مكان لا يقدرون على الفكاك، ولا على الهرب من هذا المكان، فتأتي سورة البقرة وسورة آل عمران على هذه الهيئة كأنهما سحابتان أو غيايتان أو غمامتان في السماء، أو فرقان: أي مجموعتان عظيمتان من طير صواف.

نقرأ في التاريخ أن سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام كانت الطيور تقف فوق رأسه تظله بأجنحتها، وهذا في الدنيا، لكن يوم القيامة سورة البقرة وسورة آل عمران تكون على هذه الهيئة فوق رأس صاحبها يوم القيامة تظله، بل تمشي معه إلى ربها سبحانه تبارك وتعالى وتدافع وتحامي عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحاجان عن صاحبهما)، وكل من يحفظ البقرة وآل عمران له هذه الفضيلة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا) يحث على قراءة سورة البقرة، وهي مليئة بالأحكام، والمواعظ، وقصص السابقين، والإخبار عما يكون في يوم القيامة، وفيها كثير من مسائل العقيدة، والفقه، وغير ذلك، فهي سورة عظيمة فيها أعظم آية في كتاب الله عز وجل وهي آية الكرسي.

فالمؤمن حين يعلم ذلك يحرص على أن يحفظ هذه السورة لتشفع له يوم القيامة عند الله سبحانه تبارك وتعالى.

يقول صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة) فإذا حفظت هذه السورة صارت بركة بداخلك، وبركة في قلبك، وبركة في بيتك، وبركة في رزقك، وبركة في معاملاتك، وبركة في كل شيء، فهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن أخذها بركة وتركها حسرة).

والإنسان يتحسر يوم القيامة حين يرى أصحاب سورة البقرة وآل عمران تظلانهم، وهو ليس عنده ظل، وكان بإمكانه أن يحفظ فلم يفعل ذلك، وكان عنده وقت فضيع الوقت في اللعب واللهو، في التسالي، والسير في الطرقات.. ونحو ذلك وتناسى أن يحفظ كتاب الله عز وجل، أو شيئاً من كتاب الله ينتفع به يوم القيامة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تستطيعها البطلة)، أي: أن السحرة لا تستطيع أن تفعل شيئاً بصاحب سورة البقرة الذي يقرؤها ويحفظها، ويوقن بها، والذي يؤمن بربه سبحانه وتعالى، فما يقدرون على شيء من صاحب سورة البقرة، فاحفظ سورة البقرة تنجيك في الدنيا، وتنجيك في الآخرة، وعليك أن تحفظ هذه السورة مؤمناً بالله سبحانه وتعالى مصدقاً بالثواب العظيم المترتب على ذلك.

وجوب الإخلاص في قراءة القرآن وحفظه وتعلمه

ومن الأحاديث التي جاءت عنه صلوات الله وسلامه عليه مما لم نذكره قبل ذلك: ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعلموا القرآن وسلوا به الجنة قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا)، أي: تعلموا القرآن واطلبوا من الله عز وجل بهذا القرآن الجنة، فإذا قرأت القرآن فادع الله وسله سبحانه، والقرآن وسيلة تتوسل به إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، بحفظك له، وقراءتك له، وحبك له، وإيمانك به، وعملك به، فتتقرب إلى الله وتتوسل إلى الله عز وجل، وتسأل الله عز وجل بحبك وإيمانك بالقرآن أن يدخلك الجنة، نسأل الله عز وجل أن يدخلنا الجنة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا)، أي: أن القرآن غنى لصاحبه، يغني قلب الإنسان المؤمن، وأنه قد يطلب به الدنيا، فيقول لنا: لا تكونوا طالبين للدنيا بالقرآن، إنما اطلبوا الآخرة بالقرآن قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به)، فالأول: يباهي به، أي: يحفظ القرآن ليرى أنه حافظ له وغيره لا يحفظ، وليرى أنه المتفرد وحده ولا أحد مثله، فهذا حفظ ليباهي به الناس، ولم يأخذ من حفظه القرآن إلا المباهاة، ولن ينتفع بذلك يوم القيامة، فاحذر أن تكون من هؤلاء، واحذر أن تتعلم القرآن لتكون نقاداً للآخرين، وتقول لغيرك: أنت لا تعرف تقرأ، وأنت قرأت كذا، والشيخ الفلاني يخطئ في كذا، وعنده: أن كل الناس يخطئ، ولا يسلم إلا هو المتفاخر المباهي، الذي ستكون مصيبته مصيبة يوم القيامة.

والثاني: الذي يحفظ القرآن ليستأكل به، رضي من حفظه للقرآن أن يذهب يقرأ للناس ويأخذ منهم مالاً، فهذا حظه منه، والثالث: رجل يقرأ لله عز وجل، يطلب الأجر من الله سبحانه وتعالى في حفظه لكتاب الله، وفي تعليمه لكتاب الله، وفي تلاوته لكتاب الله، يطلب وجه الله سبحانه وتعالى، وهذا أعظم الناس فيه.

أجر قراءة القرآن

قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة) ، السفرة الكرام البررة الذين جعلهم الله ملائكة من نور سفراء لله عز وجل بينه وبين أهل الأرض، وجبريل حفظ القرآن ونزل به من السماء سفيراً على النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه، فحفظه منه النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الإنسان الذي يحفظ منزلته مع هؤلاء، مع الملائكة السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ ويتعاهده ولكن حفظه ضعيف، يحفظ وينسى، يحفظ ويتعتع وهو عليه شديد فله أجران، فالإنسان الذي يحاول ويتعب نفسه لا يعدم خيراً من الله عز وجل، فهو يقول له: لك أجران، أجر على أنك قرأت القرآن، والأجر الثاني على أنك تتعتع فيه، وأنت لا تقدر على القراءة الصحيحة، فلك أجر على ذلك أيضاً، ولن يعدم الإنسان خيراً من هذا الكتاب العظيم.

ومما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه قوله: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها)، انظر إلى هذا الفضل في قراءة القرآن العظيم، وفي كل حرف منه؛ فحرف واحد قال فيه صلى الله عليه وسلم: (لا أقول الم حرف)؛ لأنه عند العرب أحياناً يطلق الحرف على كلمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يتوهم الناس أن الحرف بمعنى كلمة قال: (ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، والحرف بعشرة حسنات، فكم تنال من حسنات حين تقرأ آية أو آيتين، أو عشرين آية، أو مائة آية! فاقرأ تؤجر الأجر العظيم من الله، واحذر أن تمل من القرآن العظيم.

ومما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه -وقد ذكرناه قبل ذلك- قوله في الحديث: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، فالإنسان الذي يسلك طريقاً يطلب فيه علم كتاب الله، وعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسهل الله له طريقه يوم القيامة، ويزيل الحواجز والعقبات عنه وهو ذاهب إلى الجنة، فيمر فوق الصراط فإذا بالله يسهل له، فيا من كنت تسلك طريقاً تلتمس فيه علماً ستجد الناس يمرون فوق الصراط منهم من يمشي، ومنهم من يحبو، ومنهم من يقوم ويسقط، ومنهم من تلفحه النار، ومنهم من تأخذه خطاطيف جهنم، وتجد نفسك أنت يا حافظ القرآن تسرع فوق الصراط المستقيم كالبرق، وكالريح المرسلة، وكأجاويد الخيل، وكطرف العين، وهذا أسرع ما يكون، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً كذلك، فهذا فضل الله، والسبب في ذلك أنك تذهب لدروس العلم، وتذهب لتتعلم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتعلم دين الله، وتسلك الطريق تبتغي طلب العلم، فالله عز وجل يعطيك هذا الفضل يوم القيامة.

مزايا مدارسة القرآن

قال صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة)، انظر إلى فضل الله عز وجل! فالمؤمن مطمئن بالله سبحانه، والكافر متحير، حتى وإن أظهر الطمأنينة، وإن أظهر راحة البال، فقلبه متحير، ولذلك تجد أعلى نسبة من الانتحار عند هؤلاء الكفار، والمسلمون أقل نسبة منهم، ومستحيل أن يوجد من المسلمين من هو متدين بدين الله عز وجل يعرف الكتاب ويعرف السنة ويفعل ذلك، قال الله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، أما البعيد الغافل عن ذكر الله فهذا قلبه مضطرب ومتحير، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: أن هؤلاء الذين يجتمعون في بيت الله، ويدرسون كتاب الله سبحانه، فتنزل عليهم السكينة والطمأنينة، ويجعل الله عز وجل قلوبهم مستريحة مطمئنة، قال صلى الله عليه وسلم: (وغشيتهم الرحمة) أي: يغشيهم الله سبحانه وتعالى بالرحمة، فرحمة الله تنزل عليهم وتغطيهم، قال: (وحفتهم الملائكة) أي: أحاطت بهم الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم: (وذكرهم الله فيمن عنده)، وهذا فضل عظيم أن يذكرك الله سبحانه لكونك تحضر درس علم لكتاب الله، أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وانظر إلى هذا الحديث الذي يرويه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)، فلابد أن نتعلم ترتيل القرآن، وتجويده، وتعلم التجويد والترتيل لا يكون من كتاب، ولكن اجلس إلى شيخ يعلمك كيف تتلو القرآن وتجوده، وكيف تقرأ الحروف وتخرجها من مخارجها، ولا تتكبر أن تتعلم، ولا تأنف أن تطلب العلم ولو ممن هو أصغر منك، وكم من إنسان صغير يجيد التلاوة بقراءة جميلة، وتلاوة صحيحة، وتجويد متقن، فاذهب وتعلم عنده، ولك الأجر عند الله عز وجل، وقوله صلى الله عليه وسلم: (كما كنت ترتل في الدنيا) أي: مثلما كان صوتك في الدنيا، وكيفما كانت قراءتك في الدنيا كذلك تكون يوم القيامة، فأنت لا ترتل على الناس، بل على رب الناس سبحانه تبارك وتعالى، وتقرأ بين يدي الله عز وجل، فيقول لك: اقرأ وارتق، وكل آية تصعد بها منزلة، وكل آية تطير بها لمنزلة أعلى، حتى تصل لآخر منزلة بما معك من القرآن، وبآخر آية أنت تحفظها وتقرؤها تكون منزلتك إليها، قال صلى الله عليه وسلم: (فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)، ولذلك ينبغي على المسلم أن يحاول حفظ كتاب الله سبحانه تبارك وتعالى ما استطاع.

التحذير من نسيان القرآن

والذي يحفظ القرآن عليه أن يحذر أن ينساه، فإنه من أشد الناس جرماً من نسي ما تعلمه من كتاب الله، أو هجر القرآن وراء ظهره، وهنا عندما نقول: أشد الناس جرماً، فالإنسان مع كبر السن يمكن أن ينسى، فليس هو المقصود، وكذلك من نسي بسبب شيء من المرض، أو حصل له بعض المصائب أذهبت شيئاً من تفكيره وقدرته، فليس هذا هو المقصود، ولكنه الذي يحفظ القرآن ثم يتركه وراءه ويذهب ليلعب، أو يذهب ويسمع الموسيقى ويترك القرآن ولا يراجع كتاب الله عز وجل، فهذا هو الذي هجر القرآن بعدما تعلمه، وهو الذي يشكوه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30] أي: تركوه وراء ظهورهم ولم يتعلموه، ومن حفظه منهم نسيه وتركه، ولم يعملوا به، ولم يحكموه فيما بينهم، واتخذوا هذا القرآن مهجوراً.

وكل الأحاديث التي سنذكرها صحيحة أو حسنة، وهذا حديث آخر رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يجيء القرآن يوم القيامة) أي: حفظك للقرآن، وعملك يكون ثواباً يوم القيامة، وكل إنسان يأتي يوم القيامة حفظه لكتاب الله بين يدي الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: (فيدافع عن صاحبه ويقول: يا رب حله)، يقول القرآن لله عز وجل: يا رب! حلّ صاحبي هذا فإنه كان يحفظني، قال: (فيلبس تاج الكرامة)، فالله عز وجل يحلي هذا الإنسان ويجعل فوق رأسه تاج الكرامة، ثم يقول القرآن: (يا رب! زده، فيلبس حلة الكرامة)، أي: لباس الكرامة، إكرام من الله عز وجل، ويكون بذلك فوق خلق الله سبحانه تبارك وتعالى، ملك من الملوك، له تاج وحلة يوم القيامة ليدخل الجنة هكذا، قال صلى الله عليه وسلم: (ثم يقول: يا رب! ارض عنه) الناس يوم القيامة حفاة عراة غرل، والقرآن يقول لله عز وجل: يا رب! حله، فيحلي الله عز وجل هذا من دون الخلق، ويلبس تاج الكرامة، وحلة الكرامة، ويقول القرآن: (يا رب! ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة)، اقرأ وارق، وكلما قرأت كلما ارتقيت، وكل درجة لك عليها حسنة من الله عز وجل، وهذا شيء عظيم من فضل الله سبحانه وتعالى.

فالمؤمن يقوم من الليل بما تيسر له من قراءة القرآن، فإن قرأ سورة الفاتحة -وهي سبع آيات- قرأ معها شيئاً من السور، ولو أقل سورة في القرآن، وثلاث آيات أو عشر آيات يقوم بها، ولا يقوم الإنسان الليل بركعة واحدة بل سيقوم بركعتين، فإذا قرأ بها كانت عشرين آية قام بها.

فضل القيام بالقرآن

روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين) فإذا كانت لك عادة أنك كل ليلة تقوم وتصلي ركعتين بعشر آيات فأنت لست غافلاً، قال صلى الله عليه وسلم (ومن قام بمائة آية) أي: الذي يقوم الليل بقدر ما يقرأ مائة آية، قال صلى الله عليه وسلم: (كتب من القانتين)، الإنسان الداعي ربه، الخاشع لله عز وجل، المخبت بين يدي الله سبحانه، الذاكر لله سبحانه تبارك وتعالى، وهو مع مرتبة القانتين، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن قام بألف آية) فمن قام بألف آية من كتاب الله وقرأها في صلاة الليل قال صلى الله عليه وسلم: (كتب من المقنطرين) لم يقل ألف آية في ركعة واحدة، ولكن من قام بألف آية في ثمان ركعات، أو في عشرين ركعة، بحسب ما يتيسر له، فإن قمت بألف آية كتبت من المقنطرين.

وقد ذكرنا قبل ذلك أنه إذا كان من أول القرآن فالسبع الطول من أول المصحف تزيد على ألف آية، ومن أول القرآن حتى تصل لسورة براءة تزيد على ألف آية، فإذا أردت أقل من ذلك ففي آخر القرآن جزء تبارك إلى آخر المصحف ألف آية، فإذا قمت بألف آية كتبت من المقنطرين، أي: الآخذين من الثواب قناطير مقنطرة من عند الله عز وجل، ولم يقل لنا: إذا قمت من حفظك، بل إذا كنت لا تحفظ فافتح المصحف واقرأ، وقم بالليل وصل وافتح المصحف واقرأ فيه ألف آية، أو اقرأ مائة آية، أو ما تيسر لك، وهذا ثواب عظيم، وهذا الثواب للقارئ الذي يقرأ، وللسامع الذي يستمع، فإذا قمتم بالليل مع قارئكم يقرأ بكم وصلى بكم بألف آية كتب للجميع هذا الثواب العظيم.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المقنطرين يوم القيامة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - فضائل القرآن الكريم [1] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net