اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [2] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [2] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا ابن مهدي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض قال: حدثني أبو سعيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛ فإن الله عز وجل يمقت على ذلك).
قال أبو داود : هذا لم يسنده إلا عكرمة بن عمار ].
هذا الحديث أخرجه ابن ماجة وأحمد والبيهقي والحاكم وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان ، قال ابن حبان في الثقات: عكرمة بن عمار روايته عن يحيى بن أبي كثير فيها اضطراب.
قال الذهبي في الميزان: عياض بن هلال أو هلال بن عياض عن أبي سعيد لا يعرف، ما علمت روى عنه سوى يحيى بن أبي كثير .
وقال أبو داود : لم يذكره إلا عكرمة بن عمار ، يعني: أنه موقوف على أبي سعيد ، ولكن مثل هذا لا يقال من جهة الرأي، وفيه إثبات صفة المقت لله عز وجل، وإذا صح الحديث يؤخذ منه صفة المقت لله، وصفة المقت ثابتة في القرآن الكريم، والمقت هو: أشد البغض، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [غافر:10]، ولكن ما دل عليه الحديث صحيح أيضاً؛ فإن كشف من يتخلى عند حاجته عن عورته أو كون الاثنين يقضيان حاجتهما ويكشفان عوراتهما هذا ممنوع ولا يجوز، وهكذا حين يتحدثان أيضاً، فإن هذا ليس مكاناً للحديث، فمكان قضاء الحاجة ليس مكاناً للحديث إلا للضرورة، كأن يتكلم مع إنسان كفيف يريد أن يسقط في حفرة أو ما أشبه ذلك، أما ما عدا ذلك فلا يتكلم؛ لأنه ليس محلاً للكلام.
وعليه فإن كشف الإنسان عن عورته أو الرجلين عن عورتهما وحديثهما عند قضاء الحاجة كل هذا ممنوع.
حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا عمر بن سعد عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه).
قال أبو داود : وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم ثم رد على الرجل السلام) ].
وهذا فيه أنه لا يسلم على من يبول ومن يقضي حاجته، وإذا سلم عليه أحد وكان موجوداً وأمكنه السلام عليه بعد ذلك فلا بأس، والتيمم هنا هو من باب الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحواله، والسلام اسم من أسماء الله.
وقد جاء في الحديث الآخر أنه سلم عليه وهو ليس على حاجته، ولم يكن على طهر، فتيمم ورد عليه السلام.
وفي الحديث الآخر أنه لم يجد ماءً أو لم يكن قريباً من البلد فحك الجدار وتيمم ورد عليه السلام وقال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر)، هذا إذا أمكن رد السلام عليه، فإذا سلم إنسان على آخر وهو يبول ولم يذهب فله أن يرد عليه السلام بعد ذلك إذا تيمم، وإذا كان الماء موجوداً يتوضأ؛ لأن السلام على طهارة أفضل.
قال الشارح: فلم يرد عليه الجواب، وفي هذا دلالة على أن المسلم في هذا الحال لا يستحق جواباً، وهكذا في رواية مسلم وأصحاب السنن من طريق الضحاك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه)، وكذا في ابن ماجة من حديث أبي هريرة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وأما في رواية محمد بن ثابت العبدي وابن الهاد كلاهما عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما التي أخرجها المؤلف في باب التيمم ففيها أن السلام كان بعد البول.
وفي رواية مسلم : (أنه سلم عليه وهو يبول ولم يرد عليه)، فإذا سلم عليه وهو يقضي حاجته لا يرد عليه, وأما إذا كان ليس في قضاء الحاجة فإنه يجب رد السلام، لكن إن رده وهو على طهارة فهو أفضل، وإلا فلا يجب التطهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحواله.
وأما ما جاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم حك الجدار لما سلم عليه الرجل وتيمم وقال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر) فهذا من باب الاستحباب، فالأفضل للإنسان إذا أراد أن يذكر الله أن يكون على طهارة، والسلام من ذكر الله، ولكن لا بأس بذكر الله ولو لم يكن على طهور، وأعلى ذكر الله قراءة القرآن، وأفضل الذكر قراءة القرآن، فيجوز للإنسان أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب إذا لم يمس المصحف، إلا إذا كان عليه جنابة، كما في حديث علي : (فأما الجنب فلا ولا آية) فالجنب لا يقرأ ولا عن ظهر قلب، وأما غير الجنب فله أن يقرأ من غير مس المصحف، ولكن الأفضل أن يكون على طهارة.
محمد بن المثنى قال فيه ابن حجر : ثقة ثبت.
و عبد الأعلى : ثقة.
و سعيد ، هو سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري ، ثقة حافظ، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة .
و الحسن ثقة فقيه قاض مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلس.
و حضين بن المنذر أبي ساسان ثقة.
ولا شك أن ذكر الله على طهارة أفضل، فإذا لم يكن الإنسان على طهارة يؤخر رد السلام حتى يتوضأ، هذا إذا لم يخش ذهاب الوقت، أما إذا خشي فالأولى في مثل هذه الحالة أن يرد عليه في الحال؛ لأن ذكر الله على غير طهارة لا بأس به، كما في حديث عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه)، وقد يتأثر المسلِّم ويقع في نفسه شيء إذا أخر رد السلام عليه حتى يتوضأ؛ لأنه قد يتأخر وقتاً طويلاً، والحديث فيه الحسن يدلس ويرسل، وفيه سعيد بن أبي عروبة كثير التدليس، فلو صح فهو محمول على ما إذا لم يتأثر المسلِّم ولم يقع في نفسه شيء، أو أخبره وقال: إني سأتوضأ، وإلا فالأولى في مثل هذه الحالة أن يرد عليه السلام في الحال.
ونقل الخطابي أن الرجل إذا خاف خروج الوقت يتيمم من غير مرض ولا حرج، قال: وإلى هذا ذهب الأوزاعي وقال: يتيمم ويصلي قبل فوات الوقت.
وهذا ليس بصحيح، فقول الأوزاعي هذا ليس بشيء، والصواب: أنه لا يجوز له أن يتيمم مع وجود الماء، فهذا كلام مصادم لقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، فإن وجد ماءً فلا يتيمم ولو خاف طلوع الشمس، ولو كان نائماً نوماً يعذر فيه فوقت الصلاة من حين يستيقظ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) فإذا استيقظ قرب طلوع الشمس فوقتها حين يستيقظ، وهو معذور إذا كان نوماً يعذر فيه، أو يسخن الماء إذا كان في الشتاء ويغتسل ولو طلعت الشمس ثم يصلي، أما أن يصلي بالتيمم فهذا باطل ولا يجوز إلا عند عدم الماء أو العجز عن استعماله.
أما رد السلام فالتطهر له من باب الاستحباب، فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عليه رجل وهو في مكان يقال له: بئر جمل وكان قريباً من البلد حك الجدار وتيمم، ثم رد عليه السلام وقال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة) فيحتمل هنا أن الماء كان بعيداً عنه أو أنه تيمم؛ لأن هذا من باب الاستحباب وليس لأداء فريضة، أما الفريضة فلا بد لها من الوضوء إذا كان يجد الماء ويستطيع استعماله.
وأما حديث ابن عمر : (أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه) فتمامه: (أن رجلاً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى فرغ من حاجته، ثم رمى يده على الجدار ثم تيمم، فرد عليه)، ومعناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم لذكر الله، وذكر الله على طهارة أفضل، ولا سيما إذا كان دعاءً، وقد كان مالك لا يقرأ عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتوضأ.
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن خالد بن سلمة -يعني: الفأفاء - عن البهي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل على كل أحيانه) ].
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصحيح، وفيه جواز الذكر في جميع الأحيان، سواء كان الإنسان متوضئاً أو غير متوضئ، حتى ولو كان عليه جنابة فله أن يذكر الله ويسبح ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويقرأ القرآن عن ظهر قلب إلا إذا كان عليه جنابة فلا يقرأ القرآن؛ لما جاء في حديث علي (.. فأما الجنب فلا ولا آية) فالجنب لا يقرأ شيئاً من القرآن حتى يغتسل، أما إذا لم يكن عليه جنابة فإنه يذكر الله، وأعلى الذكر تلاوة القرآن، وله أن يسبح ويهلل ويكبر ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله وهو على غير طهارة، لكن الأفضل أن يكون على طهارة.
حدثنا نصر بن علي عن أبي علي الحنفي عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه).
قال أبو داود : هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه) والوهم فيه من همام ، ولم يروه إلا همام ].
وهمام ثقة، ولكنه خالف الثقات.
و أبو داود يرى أن ابن جريج دلس عن الزهري ، وأنه أسقط زياد بن سعد .
وقال آخرون: إنه جاء ما يتابعه ويؤيده، وأبو داود يقول: إن هذا إنما هو في إلقاء الخاتم.
وجاء في حديث آخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ذهب؛ فاتخذ الناس خواتم من ذهب، ثم نزعه وألقاه) كان في أول الأمر التختم بالذهب مباحاً، ثم جاء النهي، فاتخذ النبي خاتماً من ورق، يعني: من فضة، ثم ألقاه.
قال الشارح: وقال السخاوي في فتح المغيث: وكذا قال النسائي: إنه غير محفوظ. انتهى.
و همام ثقة احتج به أهل الصحيح، ولكنه خالف الناس، ولم يوافق أبو داود على الحكم عليه بالنكارة؛ فقد قال موسى بن هارون : لا أدفع أن يكونا حديثين. ومال إليه ابن حبان فصححهما معاً، ويشهد له أن ابن سعد أخرج بهذا السند: (أن أنساً نقش بخاتمه: محمداً رسول الله، قال: فكان إذا أراد الخلاء وضعه) لا سيما وهمام لم ينفرد به، بل تابعه عليه يحيى بن المتوكل عن ابن جريج .
وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ولكنه متعقب؛ فإنهما لم يخرجا لكل منهما على انفراده.
وقول الترمذي : إنه حسن صحيح غريب فيه نظر.
وبالجملة فقد قال شيخنا: إنه لا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج ؛ فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي. انتهى.
ولم يذكر أنه صرح بالسماع، وعلى كل حال لا شك أنه ينبغي للإنسان ألا يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله، سواء كان خاتماً أو غيره ما أمكن، فإذا كان الخاتم فيه ذكر الله فإنه يخلع، إلا إذا كان يخشى عليه من الضياع، وكذلك إذا كان معه أوراق فيها ذكر الله لا يدخل بها، إلا إذا خاف عليها أن تضيع أو ينساها أو تؤخذ فيكون معذوراً في هذه الحالة، فلا بأس، وإلا فالأولى عدم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله.
وهذا الحديث قال عنه الدارقطني في كتاب العلل: رواه سعيد بن عامر وهدبة بن خالد عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس به، وخالفهم عمرو بن عاصم فرواه عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس : (أنه كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه) موقوفاً ولم يتابع عليه، ورواه يحيى بن المتوكل بن الضرير عن ابن جريج عن الزهري عن أنس نحو قول سعيد بن عامر ومن تابعه عن همام .
ورواه عبد الله بن حارث المخزومي وأبو عاصم وهشام بن سليمان وموسى بن طارق عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس : (أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب، فاضطرب الناس الخواتيم، فرمى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا ألبسه أبداً) وهذا هو المحفوظ والصحيح عن ابن جريج . انتهى.
وهو خاتم من الذهب، فنزعه وقال: (لا ألبسه أبداً) وهذا بعد أن جاءه الوحي، وكان في أول الأمر مباحاً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ خواتم من ذهب فاتخذ الناس خواتماً من ذهب، ثم نزعه النبي فنزع الناس خواتيمهم، فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم لما جاءه الوحي من ورق، أي: من فضة.
حدثنا زهير بن حرب وهناد بن السري قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً، وعلى هذا واحداً وقال: لعله يخفف عنها ما لم ييبسا).
قال هناد : (يستتر) مكان (يستنزه) ].
وهذا الحديث أخرجه الشيخان، وفيه وجوب الاستنزاه والاستبراء من البول، ووجوب اجتناب النميمة، وفيه: أن عدم الاستبراء من البول والوقوع في النميمة من أسباب عذاب القبر.
قوله: (لا يستنزه من البول) (ال) هنا عهدية، يعني: البول المعهود، وهو بول الآدمي كما جاء في اللفظ الآخر: (من بوله) واحتج بهذا بعض علماء الشافعية على أن بول ما يؤكل لحمه نجس، والصواب: أنه طاهر ليس بنجس، وأن المراد بالبول هنا البول المعهود وهو بول الآدمي، ويدل على هذا رواية: (من بوله)، فـ(أل) عوض عن (الهاء).
وأما بول الإبل فهو طاهر، وكذلك الغنم والبقر وما يؤكل لحمه روثه وبوله طاهر، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين الذين استوخموا المدينة أن يلحقوا بإبل الصدقة، ويشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يأمرهم بغسل أفواههم، ولم يقل: (اغسلوا أفواهكم لأنها نجسة، فدل هذا على أن أبوالها طاهرة، وإنما المراد هنا بالبول المعهود بول الآدمي.
فينبغي للإنسان أن يستنزه ويستبرئ من البول.
وكذلك يحذر النميمة؛ لأنهما من أسباب عذاب القبر.
قال الشارح: (يستتر) مكان (يستنزه) كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وفي رواية ابن عساكر (يستبرئ) بموحدة ساكنة من الاستبراء، فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار: أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة، يعني: لا يتحفظ منه، فتوافق رواية (لا يستنزه)؛ لأنها من التنزه وهو الإبعاد.
ووقع عند أبي نعيم عن الأعمش : (كان لا يتوقى) وهي مفسرة للمراد.
وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته، فقلت: لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور.
وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة لعذاب القبر خصوصية، ويؤيده ما أخرجه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (أكثر عذاب القبر من البول) أي: بسبب ترك التحرز منه، وعند أحمد وابن ماجة من حديث أبي بكرة : (أما أحدهما فيعذب في البول) ومثله للطبراني عن أنس .
يعني: أنه ينبغي للإنسان أن يستبرئ من البول ويتوقى ويتحفظ ويتحرز من النجاسة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال: (كان لا يستتر من بوله) وقال أبو معاوية : (يستنزه) ].
قوله: (من بوله) هذه مفسرة لقوله: (كان لا يستنزه من البول) وأن المراد به بول الآدمي وليس بول الحيوانات.
قال أبو داود : قال منصور عن أبي وائل عن أبي موسى رضي الله عنه في هذا الحديث قال: (جلد أحدهم).
وقال عاصم عن أبي وائل عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جسد أحدهم) ].
وهذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد .
وهذا الحديث فيه أنهم أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم كونه يستتر، وقد كان من عادة العرب أن الواحد منهم يبول قائماً، وينكرون على من بال جالساً ويقولون: هذا من خصائص النساء، ولذا قالوا: (انظروا إليه يبول كما تبول المرأة).
وسيأتي أن البول قائماً يجوز للحاجة وأن البول جالساً هو الأفضل.
ففي هذا الحديث أن النبي استتر، فلما أنكروا عليه أنكر عليهم عليه الصلاة السلام، وبين لهم أن بني إسرائيل شدد عليهم في هذا، وكان الواحد منهم إذا أصابه البول يقرض مكان البول ولا يزيله بالغسل، فلما نهاهم إنسان عذب في قبره؛ لأنه نهاهم عن أمر واجب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم وقال: كيف تنكرون علي استتاري من البول وصاحب بني إسرائيل لما أنكر عليهم عذب في قبره؟!
فقد كان الواحد منهم إذا أصاب أحدهم البول قرض مكانه بالمقراض ولا يجزئه الغسل، وهذا من الآصار التي كانت عليهم، وأما في شريعتنا -والحمد لله- فإنه يطهره الغسل بالماء.
حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة -وهذا لفظ حفص عن سليمان عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائماً، ثم دعا بماءٍ فمسح على خفيه).
قال أبو داود : قال مسدد : فذهبت أتباعد فدعاني حتى كنت عند عقبه ].
هذا الحديث أخرجه الشيخان، وهو دليل على جواز البول قائماً عند الحاجة إلى ذلك مع التستر والأمن من نظر أحد إلى عورة الرجل، وهو مباح عند الحاجة، ولكن الأفضل البول قاعداً وهذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، ولهذا روت عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يبول إلا قاعداً)؛ لأنها علمت هذا من فعله في البيوت، وحذيفة رآه خارج البيوت، وحديثه مقدم على حديث عائشة ؛ لأن عائشة قالت: (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه؛ ما كان رسول الله يبول إلا قاعداً) وهذا على حسب علمها، وحديثه مقدم على حديث عائشة ؛ لأن حذيفة مثبت وعائشة نافية؛ والمثبت مقدم على النافي.
والسباطة هي: القمامة التي يلقى فيها الكناسة وما أشبهها.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً لحاجة دعت إلى ذلك؛ لأن المكان غير مناسب للجلوس، أو لأن الأرض صلبة ولا يأمن من ارتداد رشاش البول، أو لأن الأرض وسخة، والصواب أنه فعله للحاجة، وليس لمرض كما زعمه بعضهم، فقد قال بعضهم: إنه فعل هذا لوجع في مأبضه، وهو باطن الركبة، أو لوجع في صلبه، وهذا ليس بصحيح، والصواب: أنه فعله لبيان الجواز.
وكان أهل هراة يرونه سنة، وكان أحدهم يبول قائماً في السنة مرة، والصواب: أن الأفضل البول قاعداً، لكن إذا دعت الحاجة للبول قائماً فلا بأس مع التستر، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة أن يدنو حتى يستره، وولاه ظهره، والقمامة تستره من الجهة الثانية، ويحتمل أن هناك جداراً أيضاً من الجهة الأخرى.
وفيه دليل على مشروعية مسح الخفين من الحدث الأصغر؛ لأن النبي مسح على خفيه، وحديث مسح الخفين من الأحاديث المتواترة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب سبعين صحابياً.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا حجاج عن ابن جريج عن حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة عن أمها أنها قالت: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل) ].
أميمة صحابية، لكن حكيمة مجهولة، وعلى هذا فالحديث ضعيف فلا يحتج به.
لكن قد يخشى أن ينكفئ الإناء فيتنجس المحل، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كأن يكون الإنسان مريضاً أو كبير السن يشق عليه الخروج، وما أشبه ذلك؛ فإنه يضعه ثم يؤخذ ويوضع في مكانه، أما عند عدم الحاجة فلا ينبغي؛ لأن هذا الحديث ضعيف؛ فـحكيمة هذه مجهولة، قال عنها في التقريب: لا تعرف، أي: مجهولة، وعلى هذا يكون الحديث ضعيفاً.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [2] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
https://audio.islamweb.net