اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [11] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [11] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان -هو الثوري - عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم الثقفي -أو الحكم بن سفيان الثقفي - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بال يتوضأ وينتضح).
قال أبو داود : وافق سفيان جماعة على هذا الإسناد، وقال بعضهم: الحكم أو ابن الحكم ].
هذه الترجمة معقودة لبيان الانتضاح، والمراد بالانتضاح الاستنجاء، وقيل: المراد به رش ما حول الفرج من الثياب لقطع الوساوس التي ترد على الإنسان؛ حتى لا يشك، فإذا أحس ببلل يعتبره من هذا الماء الذي نضح به فرجه، وهذا الحديث فيه مقال عند أهل العلم، فمن العلماء من صححه، ومنهم من لم يصححه وقال: إن فيه اضطراباً في تسمية الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم ، فلا يشرع الانتضاح؛ لأن في صحة الحديث نظراً.
ومن صححه احتج به على أنه يشرع لمن كان عنده بعض الخواطر أو الوساوس إذا استنجى أن يرش ما حول الفرج بالماء؛ حتى يقطع الوساوس، وأما من لم يكن عنده وساوس فلا حاجة إلى ذلك.
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد .
هذا الحديث فيه رجل مبهم، فهو ضعيف، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه، أي: الثوب.
في صحة هذا الحديث نظر، والأقرب أنه لا يستحب النضح، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده وساوس، إلا إن قيل: إن هذا من باب التشريع لمن حصل له شيء من ذلك، وعلى كل حال فالمبتلى بالوساوس الذي يخيل إليه أن في ثوبه بللاً إن نضحه بالماء فلا بأس بذلك، وهو من باب قطع الوساوس، وهذا بغض النظر عن صحة الحديث.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في الطهارة، وابن ماجة في الطهارة، وأخرج ابن ماجة والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاءني جبريل فقال يا محمد: إذا توضأت فانتضح).
وذكر الترمذي أن في الباب عن أبي الحكم بن سفيان وغيره، وقال: وقال بعضهم: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان ، واضطربوا في هذا الحديث.
وقال بعضهم: إن الحديث حسن. وذكر الشيخ شاكر في شرح الترمذي أن الصحيح هو الحكم بن سفيان ، وأنه ليست له صحبة كما في الإصابة، فالحديث منقطع، والحديث عند الترمذي وابن ماجة من حديث الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحديث الهاشمي هذا ضعيف.
فكل الأحاديث الدالة على الانتضاح في صحتها نظر.
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب سمعت معاوية -يعني ابن صالح - يحدث عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خدام أنفسنا نتناوب الرعاية رعاية إبلنا، فكانت علي رعاية الإبل، فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فسمعته يقول: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا قد أوجب. فقلت: بخ بخ، ما أجود هذه! فقال رجل من بين يدي: التي قبلها -يا عقبة - أجود منها، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قلت: ما هي يا أبا حفص ؟ قال: إنه قال آنفاً قبل أن تجيء: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء).
قال معاوية : وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر ].
وهذا الحديث صحيح، وهو في صحيح مسلم بزيادة: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، وفيه أن الصحابة كانوا يخدمون أنفسهم؛ لأنهم لم تفتح عليهم الدنيا.
وأما نحن فعندنا اليوم خدام، وقد وجدت الشرور مع الخدم والخادمات، ووجدت بلاءات ومصائب الآن، حتى سمعنا أن كثيراً من الناس يتذمرون، فهناك من يقول: إنه ولد له ولد يشبه الخادم أو يشبه قائد السيارة، وذلك بسبب الاختلاط بهؤلاء الخدم والخادمات، وهناك من يخلو بالخادمة، وقد اتصلت بي امرأة بالهاتف تقول: إنها تدرس في المساء وتترك الخادمة مع زوجها.
فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا خدام أنفسهم، كما قال عقبة رضي الله عنه، وكانوا يتناوبون رعاية الإبل، وكان عقبة في يوم هو صاحب النوبة، فجاء فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بهذا الحديث: [ (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه وجهه؛ إلا قد أوجب) ] أي: أوجب الله له الجنة.
ففي الحديث أن من أسباب دخول الجنة أن يحسن المرء الوضوء، ثم يصلي ركعتين يقبل عليهما بوجهه وقلبه، بباطنه وظاهره، وفي اللفظ الآخر: (لا يحدث بهما نفسه بشيء) أي: أنه يتوضأ، ويصلي الركعتين من دون وساوس، مع كونه مقبل الوجه والقلب، فلا ترد الوساوس عليه، فهو خاشع في باطنه وظاهره.
فلما سمع ذلك عقبة رضي الله عنه قال: (بخ بخ) أي: هذا شيء عظيم. وأعجبه أن هذا شيء عظيم في عمل يسير.
فقال: (يخ بخ؛ ما أ جود هذه!) فقال له رجل: (التي قبلها أجود منها)، فالتفت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء -وفي لفظ: فيبلغ الوضوء- ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء).
وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وفيه فضل هذا الذكر بعد الوضوء، وأنه يشرع للمسلم هذا الذكر، وأنه من أسباب دخول الجنة، وهو شهادة لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وذلك بعد الوضوء.
وزاد الترمذي في سند لا بأس به: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وهذا ثابت، وزاد النسائي : (يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) لكن هذه الرواية ضعيفة في سندها مجهول، وهذا هو ذكر كفارة المجلس، وجاء -أيضاً- رفع البصر إلى السماء كما سيذكره المؤلف، وفي سنده مجهول ضعيف.
وعلى كل حال فإنه ليس هناك أذكار ثابتة عن رسول الله في الوضوء إلا التسمية عند البدء في الوضوء، والتشهد في آخره، وما يذكره بعضهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غسل وجهه قال: (اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه، وإذا غسل يده قال: اللهم أعطني كتابي بيميني) كل هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث ضعيف فيه مبهم، فلا يصح دليلاً على رفع البصر إلى السماء بعد الانتهاء من الوضوء.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا شريك عن عمرو بن عامر البجلي ، قال محمد بن عيسى -هو أبو أسد بن عمرو - قال: (سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الوضوء، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد) ].
هذا الحديث متفق على صحته، وقد رواه الشيخان، وفيه جواز الصلوات المتعددة بوضوء واحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة طلباً للأفضل، وصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح عليه الصلاة والسلام.
فصلاة الرجل الصلوات الخمس بوضوء واحد لا حرج فيها، وعلى هذا عامة العلماء، وحكي عن بعض العلماء أنه يجب الوضوء لكل صلاة وإن لم يكن محدثاً، قال النووي : ولا أظن هذا يثبت عن حد، ولعل مقصودهم استحباب تجديد الوضوء، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات بوضوء واحد، وكان النبي يتوضأ لكل صلاة، وذلك لفضيلة الوضوء، ومسألة تجديد الوضوء روي فيها حديث ضعيف عند أبي داود والبيهقي : (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات) ولكن إن طال الفصل بين الصلوات وتوضأ ليجدد النشاط فذلك حسن.
هذا الحديث رواه الإمام مسلم ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الصلوات بوضوء واحد، فلو جمع خمس صلوات أو ست صلوات بوضوء واحد فلا حرج.
حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب عن جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن دعامة حدثنا أنس رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى رسول صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك).
قال أبو داود : هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم ، ولم يروه إلا ابن وهب وحده، وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، قال: (ارجع فأحسن وضوءك) ].
حديث أنس هذا أخرجه ابن ماجة ، وقال فيه أبو داود : تفرد به ابن وهب ، واعتبر هذا التفرد ضعفاً، لكن حديث عمر الذي بعده رواه مسلم .
وقد اختلف العلماء في معنى قوله: (أحسن وضوءك) وذلك: أن هذا الرجل ترك لمعة لم يصبها الماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فأحسن وضوءك)، فقال بعضهم: الحديث دليل على عدم وجوب الموالاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ارجع فأعد الوضوء. بل قال: (ارجع فأحسن وضوءك)، ومراده: اغسل موضع اللمعة فقط. فدل على أن الموالاة بين أعضاء الوضوء ليست واجبة، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وجماعة.
وقال آخرون: بل هو دليل على وجوب الموالاة؛ لأنه لم يقل: اذهب فاغسل الموضع الذي تركته، وإنما قال: [ (ارجع فأحسن وضوءك) ] فدل على أن المراد هو إعادة الوضوء، وهذا هو الأقرب، ويدل على ذلك الحديث الذي بعده، وهو صريح في الأمر بإعادة الوضوء.
والحديث دليل على وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء، فلا يفرق بين الأعضاء، كأن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه ثم يتركهما حتى يجفا، ثم يكمل وضوءه، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بأن يحسن الوضوء، وفي الحديث الآخر أنه أمره أن يعيد الوضوء.
وللعلماء في وجوب الموالاة أقوال: فمنهم من قال: إن الموالاة تجب. ومنهم من قال: لا تجب، ومنهم من قال: تجب إذا لم يجف العضو الذي قبله، والبخاري رحمه الله بوب لذلك فقال: [ باب التفريق في الوضوء والغسل ] وذكر أثر ابن عمر أنه غسل يديه بعد أن جفت قدماه، وظاهره أنه لا يرى وجوب الموالاة، والصواب وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء.
حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن بجير -هو ابن سعد - عن خالد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة) ].
هذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، قال المنذري : إن الحديث فيه مقال. وهو أن بقية بن الوليد مدلس وقد عنعن، وكذلك أعله ابن حزم بالرواية عن مجهول، إذ فيه: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاب ابن القيم رحمه الله عن العلتين فقال: أما العلة الأولى -وهي تدليس بقية بن الوليد - فقد صرح بالسماع كما عند أحمد ، وفي رواية الحاكم في المستدرك، فزال ما يشكل من تدليسه، وأما جهالة الصحابي فإن الصحابة كلهم عدول، وهذا معروف عند جميع العلماء حتى ابن حزم . وبهذا يصح الحديث، ويكون فيه دليل على وجوب الموالاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل أن يعيد الوضوء والصلاة؛ لأنه ترك لمعة في قدمه وقد طال تركها، ولو كانت الموالاة غير واجبة لأمره بأن يغسل اللمعة في رجله دون أن يعيد الوضوء، فكونه أمر بإعادة الوضوء دليل على أن الموالاة واجبة بين أعضاء الوضوء، فإن جف العضو الأول قبل الثاني أعاد الوضوء، إلا إذا كانت الريح شديدة، وهذا القول هو الصواب.
حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن أحمد بن أبي بن خلف قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه، فقال: لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).
حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ].
هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله فيمن شك في الحدث ماذا يعمل، وذكر الحديث الأول -وقد رواه الشيخان- أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل يجد في بطنه شيئاً، وهذا كناية عن الحدث، فقال: [ (لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ] أي: لا يخرج من الصلاة حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، أي: حتى يسمع صوت الحدث، وهو الضراط، أو يجد ريحاً، وهو شم الفساء، والمراد أن يتيقن الحدث، ومثل الأول إذا وجد رطوبة في دبره.
وهذا الحديث حديث عظيم، وهو أصل من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الفقه، وهذه القاعدة هي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصلها حتى يتيقن خلاف ذلك، وأن الشك لا عبرة به، فمن شك في الحدث فإنه لا يخرج من صلاته بالشك؛ لأن الطهارة متيقنة والحدث مشكوك، فيبقى على الطهارة حتى يتيقن الحدث، ولهذا قال: [ (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ] أي: حتى يعلم الحدث، وكذلك أيضاً إن تيقن الحدث وشك في الطهارة، فإنه يبقى على الأصل، فيكون محدثاً حتى يتيقن أنه توضأ، وبهذا القول تقطع الوساوس التي ترد على الإنسان، فكثير من الناس يخيل إليه أنه أحدث، ويخيل إليه أنه خرج من ذكره شيء وهو قد تيقن الطهارة، فلا يخرج بهذا الشك حتى يتيقن يقيناً أنه أحدث، وقد عبر عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ، أي: أن يسمع صوت الحدث، أو يجد ريح الحدث.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ).
قال أبو داود : كذا رواه الفريابي وغيره.
قال أبو داود : وهو مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً.
قال أبو داود : مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين، وكان يكنى أبا أسماء ].
هذا الحديث في بيان حكم القبلة، والقبلة تكون بالفم، فإذا قبل الرجل زوجته فهل ينتقض وضوؤه؟ ومثله إذا مس الرجل المرأة باليد بدون حائل فهل ينتقض الوضوء أو لا ينتقض؟ هذه المسألة خلافية بين أهل العلم، وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ولم يتوضأ، لكن الحديث ضعيف؛ لأنه منقطع؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة ، فيكون الحديث مرسلاً، والمرسل عند أهل العلم يطلق على ما سقط منه الصحابي، ويطلق على ما سقط من سنده واحد، فالمنقطع يسمى مرسلاً عند بعض أهل الحديث، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن له شاهداً في الحديث الذي بعده، وأحاديث أخرى كثيرة تجبر هذا الضعف، وتدل على أن مس المرأة بدون حائل وتقبيلها لا ينقض الوضوء، وهذا هو الصواب من أقوال أهل العلم سواء أكان بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء كأن يخرج المذي من ذكره، فإن خرج فقد انتقض وضوؤه وبطل، وأما إذا لم يخرج المذي فلا ينتقض وضوؤه.
ومس المرأة فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم:
الأول: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً.
الثاني: أنه ينقض مطلقاً، وهذا مذهب الشافعية وجماعة، سواء أكان بشهوة أم بغير شهوة.
الثالث: أن مس المرأة بشهوة ينقض الوضوء، ومسها بغير شهوة لا ينقض الوضوء، وهذا هو مذهب الحنابلة، ولهذا ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الوضوء الثمانية مس المرأة بشهوة، واستدل بعضهم على هذا القول بقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] فقالوا: إن المراد بالملامسة هنا الجماع، فالمس واللمس يراد بهما الجماع، وبذلك تكون الآية شاملة للحدثين الأصغر والأكبر، حيث يقول تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، فقوله تعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ هذا هو الحدث الأصغر، وقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ هذا هو الحدث الأكبر.
والصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، والشافعية يشددون في هذا ويقولون: إن مس المرأة مطلقاً ينقض الوضوء، ولهذا يقول بعض المتأخرين: ليحرص الإنسان إذا توضأ وهو في المسجد الحرام ألا تمس يده يد امرأة؛ حتى لا ينتقض وضوؤه؛ لأن الوضوء شرط في صحة الطواف والصلاة.
وهذا متعذر في هذا الزمن لشدة الزحام في الأبواب وأثناء الطواف، وهذا فيه حرج على الناس.
قال أبو داود : هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ].
هذا الحديث يشهد للحديث السابق، واختلف في عروة هذا هل هو عروة بن الزبير أو عروة المزني ؟ وكذلك اختلف في سماع حبيب من عروة ، فذهب الأئمة سعيد القطان ويحيى بن معين والثوري والبخاري إلى أنه لم يسمع من عائشة ، فيكون الحديث منقطعاً، وذهب ابن عبد البر وأبو داود إلى أنه سمع منها.
وهذا الضعف ينجبر بالروايات الأخرى، فقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، وهي تجبر هذا الضعف، فمرسل مع مرسل يشد بعضهما بعضاً.
هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن مغراء وهو ضعيف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احكِ عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب ، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال يحيى : احكِ عني أنهما شبه لا شيء ].
يعني: أن هذين الحديثين ضعيفان، وهما حديث الأعمش في: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة ولم يتوضأ)، وحديث المستحاضة الذي فيه: (الوضوء لكل صلاة). وقصده بذلك أنه يضعف هذا الحديث.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني -يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء ].
أي: أن الثوري ويحيى بن سعيد القطان وجماعة كلهم يرون أن هذا الحديث ما روى عن عروة بن الزبير وإنما روى عن عروة المزني .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها حديثاً صحيحاً ].
أي: أن أبا داود يختار أنه سمع من عروة بن الزبير ، ويقول: قد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير حديثاً صحيحاً، فـأبو داود يثبت رواية حبيب عن عروة بن الزبير ، وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين والبخاري يرون أنه ما سمع من عروة بن الزبير ، وإنما سمع من عروة المزني .
وعلى كل حال فالأئمة كـالثوري والبخاري وجماعة يرون أن حبيب بن أبي ثابت ما سمع من عروة بن الزبير فيكون السند منقطعاً، لكنه يجبر بالروايات المتعددة، وأبو داود وابن عبد البر يريان أنه سمع فيكون متصلاً.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [11] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
https://audio.islamweb.net