اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [12] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [12] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان : ومن مس الذكر، فقال عروة : ما علمت ذلك، فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ) ].
حديث بسرة بنت صفوان هذا فيه الوضوء من مس الذكر، وهو حديث لا بأس بسنده، رواه أصحاب السنن: مالك والشافعي وأحمد والدارقطني وجماعة، قال البخاري : هو أصح شيء في هذا الباب.
والحديث فيه أن من مس ذكره فليتوضأ، يعني: إن مسه بدون حائل، كأن مسه بيده بباطن الكف أو ظاهره. وهو أصح من حديث طلق بن علي الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الذكر فقال: هو بضعة منك)، وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله وغيره: أن حديث بسرة مقدم على حديث طلق ؛ لأنه أصح من حديث طلق ، ولأنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق على الأصل، والشريعة ناقلة، فحديث طلق إما أنه منسوخ بحديث بسرة ، أو أن حديث بسرة أرجح وأصح، فهو مقدم عليه من جهة الصحة، ومن جهة التأخر أيضاً.
حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: (قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه) ].
يعني: إنه لا ينقض الوضوء، لكن الحديث هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل قديماً في أول الهجرة، إذ أن طلقاً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في أول هجرته وكان بمسجده في السنة الأولى، وأما حديث بسرة فهو متأخر؛ ولهذا قال جمع من أهل العلم: إنه منسوخ بحديث بسرة.
وقال آخرون: إن حديث بسرة أصح وأرجح فيقدم، ويؤيد هذا أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق على الأصل، والناقل مقدم على المبقي؛ لأن الشريعة ناقلة وليست مبقية على الأصل، فيكون الأرجح، ويكون العمل على هذا هو الصواب، وهو الذي عليه الفتوى: أن مس الذكر ينقض الوضوء إذا كان بظاهر الكف أو باطنه بدون حائل، وأما إذا مسه برجله أو بمرفقه أو بذراعه فلا يؤثر.
فمن العلماء من عمل بحديث بسرة ، ومنهم من عمل بحديث طلق وقال: إنه لا ينقض مطلقاً، ومنهم من فصل وقال: إذا مسه بشهوة انتقض وضوؤه، وإذا مسه بغير شهوة لم ينتقض، وذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
فإن قيل: وهل تدخل المرأة في هذا؟
قلنا: الصواب أنه عام، فقد جاء في بعض الروايات: (من مس الذكر) مطلقاً، صغيراً أو كبيراً إذا كان بدون حائل وكان المس بالكف، والكف إلى الرسغ بالباطن أو الظاهر.
أما قول من قال بالتفصيل وأن حديث بسرة يحمل على الشهوة فلابد من دليل على هذا التفصيل.
واختار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قول شيخ الإسلام ابن تيمية أنه بشهوة، والصواب القول الأول الذي عليه الجماهير وهو أنه ينقض مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة إذا مس اللحم ببطن الكف أو ظاهره.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ رواه هشام بن حسان وسفيان الثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق.
حدثنا مسدد حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه بإسناده ومعناه، وقال: (في الصلاة) ].
قوله: (في الصلاة) أي: ما ترى رجلاً مس ذكره في الصلاة، والحاصل أن عبد الله بن بدر رواه عن قيس بلفظ: ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ، ولم يذكر فيه لفظ (في الصلاة).
وروى مسدد وهشام بن حسان والثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي هؤلاء كلهم عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بلفظ (في الصلاة) أي: يمس الرجل حال كونه في الصلاة.
قال الخطابي: (إنهم تأولوا خبر طلق أيضاً على أنه أراد به المس ودونه الحائل، واستدلوا على ذلك برواية الثوري وشعبة وابن عيينة أنه سأله عن مسه في الصلاة، والمصلى لا يمس فرجه من غير حائل بينه وبينه قلت: ولا يخفى بعد هذا التأويل).
وقال الشيخ شمس الدين ابن القيم: (نقض الوضوء من مس الذكر فيه حديث بسرة ، قال الدارقطني : قد صح سماع عروة من بسرة هذا الحديث، وبسرة هذه من الصحابيات الفضليات، قال مالك : أتدرون من بسرة بنت صفوان ؟ هي جدة عبد الملك بن مروان ، لأمه فاعرفوها.
وقال مصعب الزبيري : هي بنت صفوان بن نوفل من المبايعات، وو ورقة بن نوفل عمها، وقد ظلم من تكلم في بسرة وتعدى، وفي الموطأ في حديثها من رواية ابن بكير : (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة)، وفيه حديث أبي هريرة يرفعه: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه شيء فليتوضأ)).
يعني: أنه قد جاءت أحاديث كثيرة تؤيد حديث بسرة : وهو أنه إذا أفضى بيده من غيره حائل فليتوضأ.
ثم قال ابن القيم بعد ذلك: وفي الباب حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه: (أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ).
قال الحازمي : هذا إسناد صحيح؛ لأن الحافظ ابن راهويه رواه في مسنده: حدثنا بقية بن الوليد حدثنا الزبيدي حدثنا عمرو فذكره. وبقية ثقة في نفسه، وإذا روى عن المعروفين فمحتج به، وقد احتج به مسلم ومن بعده من أصحاب الصحيح).
وقال: وأما حديث طلق فقد رجِّح حديث بسرة وغيره عليه من وجوه:
أحدها: ضعفه -أي: ضعف حديث طلق-. والثاني: أن طلقاً قد اختلف عنه، فروي عنه: (هل هو إلا بضعة منك؟) يعني: اختلاف الحديث هل: بضعة أو مضغة؟ يدل على اضطرابه.
الثالث: أن حديث طلق لو صح لكان حديث أبي هريرة ومن معه مقدماً عليه؛ لأن طلقاً قدم المدينة وهم يبنون المسجد فذكر الحديث وفيه قصة مس الذكر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر بعد ذلك بست سنين، وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم.
الرابع أن حديث طلق مبق على الأصل، وحديث بسرة ناقل، والناقل مقدم؛ لأن أحكام الشارع ناقلة عما كانوا عليه.
الخامس: أن رواة النقل أكثر وأحاديثه أشهر، فإنه من رواية بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وأبي أيوب وزيد بن خالد رضي الله عنهم.
السادس: أنه قد ثبت الفرق بين الذكر وسائر الجسد في النظر والحس، فثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه)).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضأوا منها. وسئل عن لحوم الغنم، فقال: لا توضئوا منها. وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين. وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها؛ فإنها بركة) ].
هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة.
وهذا الباب معقود للوضوء من أكل لحوم الإبل، وفيه حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم: (سئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: توضئوا من لحوم الإبل. وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: لا تتوضئوا من لحوم الغنم). وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، وهما حديثان صحيحان كما قال الإمام أحمد رحمه الله.
ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله وجماعة من أهل الحديث إلى وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل، وقد ذهب إلى هذا ابن خزيمة رحمه الله، وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث، وذهب الجمهور والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبي حنيفة إلى أنه لا يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل.
واستدلوا بحديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار)، ولكن حديث جابر رضي الله عنه هذا عام، وحديث البراء خاص، والقاعدة عند أهل العلم: أن الخاص يقدم على العام. ولهذا عدل الإمام ابن القيم رحمه الله عن الاحتجاج بحديث جابر على عدم وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل، وقال: إن هذا عام وهذا خاص، وكانوا في أول الإسلام يتوضئون من أكل كل شيء مسته النار: إذا شرب مرقاً مسته النار، أو أكل سويقاً أو طعاماً توضأ، ثم نسخ ذلك أو بقي على الاستحباب، وأما لحوم الإبل ففيها دليل خاص، ولأن الوضوء من أكل لحوم الإبل عام يشمل النيئ والمطبوخ والمشوي بخلاف عدم الوضوء مما مسته النار.
ولهذا قال النووي رحمه الله: إن القول بالوضوء من أكل لحم الإبل أصح دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه. وقال: ليس عندي إشكال في حديث جابر بن سمرة : (توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضأوا من لحوم الغنم)، وحديث البراء : (أنه لما سئل أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، وقيل: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: لا)، فالوضوء من أكل لحوم الغنم عام يدخل فيه حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار).
واختلف العلماء كما سيأتي في الوضوء مما مست النار هل هو منسوخ أو بقي على الاستحباب؟ والراجح: أنه بقي الاستحباب.
ودل حديث جابر أيضاً على النهي عن الصلاة في مبارك الإبل، وأنها لا تصح الصلاة؛ لأن النهي للفساد. والعلة في النهي أنها مأوى للشياطين، وهو المكان الذي تقيم فيه عند المراح، وتقيم فيه المدة الطويلة، وأما المكان العارض الذي يكون فيه البعير ثم يذهب فهذا لا يعتبر مبركاً؛ لأن المبرك: هو المكان الذي يطيل فيه الجلوس، ويكون فيه المراح. وأما مكان الغنم فلا بأس بالصلاة فيه.
وفيه دليل على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح الصلاة في مبارك الغم، ولا تخلو مباركها من البعر والبول، لكنها طاهرة في أصح أقوال العلماء، فجميع ما يؤكل لحمه طاهر حتى الفضلات كالأرواث والأبوال.
وذهب الشافعية إلى أن أبوال ما يؤكل لحمه نجسة.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن جميع الأبوال طاهرة ما عدا بول الآدمي وعذرته، والصواب: القول الأول، وهو الذي تجرى عليه النصوص، فأما ما يؤكل لحمه فروثه ومنيه طاهر، وأما ما لا يؤكل لحمه كالأسد والنمر والكلب والثعلب وغيرها، ففضلاتها نجسة؛ لأنها ليست طاهرة كالآدمي، أما ما يؤكل لحمه فإنه طاهر حتى فضلاته خلافاً للشافعية الذين يقولون: إن أبوال الإبل والبقر والغنم نجسة، واستدلوا بالأحاديث التي فيها العموم في النهي عن البول ووجوب تنقية البول، لكن يقال: هذه عامة وهذه خاصة، والدليل على طهارة أبوال الإبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين لما اجتووا المدينة أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يقل لهم: اغسلوا أفواهكم فإنها نجسة، ففعلوا وشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا، فلو كانت نجسة لأمرهم أن يغسلوا أفواههم، وهذا ثابت في الصحيحين، وهذا هو الصواب الذي لا إشكال فيه: أن بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه وجميع فضلاته طاهرة، وأما ما لا يؤكل لحمه فهو نجس من الحيوانات ومن الآدمي.
ومن الأدلة على طهارتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الصلاة في مبارك الغنم، ومن المعلوم أن مبارك الغنم لابد فيها من الروث والبول، ولم يقل: توقوا أو افرشوا شيئاً حائلاً بينكم وبين الأرض، مما دل على أنها طاهرة.
هذا في مبارك الإبل والغنم الباقية على حالها، وأما إذا كانت مبارك الإبل مهجورة حيث نقلت الإبل إلى موقع آخر فالأقرب والله أعلم أنه انتقل حكمها، كما لو نقل المسجد إلى مكان آخر فإن حكم المسجد ينتقل، والعلة كما بين النبي أنها من الشياطين؛ لما فيها من الشيطنة والعتو والتمرد، وقد تأتي إلى الإنسان وهو يصلي وتؤذيه مثلاً، فالبعير إذا اعتاد على مكان فإنه لا يغير مكانه، ولهذا نهي المصلون عن الإيطان كإيطان البعير، كأن يصلي في مكان ولا يغيره.
فالمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في مبارك الإبل، والنهي يقتضي الفساد، وهي من إحدى الأماكن التي تمنع الصلاة فيها، وهي: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، ومبارك الإبل.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره الحكمة في الوضوء من لحم الإبل، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه من الشياطين، والشيطان مخلوق من نار، والنار تطفأ بالماء، فلهذا وجب الوضوء من أكل لحم الإبل. وعلى كل حال فهذا استنباطه وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، ونهى عن الصلاة في مبارك الإبل وقال: إنها من الشياطين. أو هي من الشيطنة، وسواء كانت هذه هي الحكمة أو غيرها، فنحن عبيد مأمورون بأن نقول: سمعنا وأطعنا إذا أمر الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بشيء أو نهانا عن شيء.
حدثنا محمد بن العلاء وأيوب بن محمد الرقي وعمرو بن عثمان الحمصي المعنى، قالوا: حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا هلال بن ميمون الجهني عن عطاء بن يزيد الليثي، قال هلال : لا أعلمه إلا عن أبي سعيد ، وقال أيوب وعمرو : وأراه عن أبي سعيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنح حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ).
زاد عمرو في حديثه -يعني: لم يمس ماء-، وقال: عن هلال بن ميمون الرملي.
قال أبو داود رواه عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، لم يذكر أبا سعيد ].
هذا الحديث فيه هلال بن ميمون الجهني ، قال أبو المغيرة : تكلم فيه بعضهم.
وفيه أنه لا يجب الوضوء من مس اللحم النيئ أو المطبوخ، ولا حتى غسل يده، بل يستحب فقط؛ لئلا يكون فيها شيء من الدهونة، وكذلك لو شرب مرقاً أو لبناً فلا يجب الوضوء من ذلك حتى لو كان مرق إبل أو لبنها؛ لأن الوجوب الوارد في الحديث خص الأكل من لحمها لا غيره.
واختلف العلماء: هل يجب الوضوء من جميع أجزاء اللحم، أو من اللحم خاصة وهو ما يسمى بالهبر؟ فذهب الحنابلة وجماعة إلى أنه لا يجب الوضوء إلا من اللحم فقط، وأما لو أكل من لحم الرأس أو الكرش أو المصران أو الكبد أو العصب فلا يجب الوضوء.
والقول الثاني: أنه يجب الوضوء من جميع أجزاء اللحم، سواء أكان اللحم الأحمر، أو الكرش، أو لحم الرأس، أو المصران أو غيره، وهذا هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى حرم لحم الخنزير بقوله: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ [البقرة:173]، فقال: (ولحم الخنزير) ولم يقل أحد: إنه يجوز أكل غير اللحم في الخنزير، كأكل لحم الرأس أو العصب أو الكبد، بل هو عام في جميع أجزائه، فكذلك الوضوء من أكل لحم الإبل الصواب أنه عام.
وأما إذا شرب لبن الإبل أو مرقها وليس فيه لحم فلا يوجب الوضوء، وكذلك أيضاً إذا مس اللحم، أو ذبح الذبيحة، أو قطع اللحم، أو مس اللحم النيئ أو المطبوخ أو غسله، فلا يوجب الوضوء، وإنما يجب الوضوء من الأكل فقط.
وفي الحديث أيضاً: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث علم هذا الغلام، وقال له: (تنحّ حتى أعلمك، ثم أدخل يده بين الجلد واللحم).
وهلال بن ميمون الجهني أو الهذلي أبو علي الفلسطيني روى عن سعيد بن المسيب ويعلى بن شداد وجماعة، وعنه ثور بن يزيد وأبو معاوية ووكيع، وثقه ابن معين ، وقال النسائي : ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه.
والصحيح أنه مختلف فيه، والأقرب أنه لا بأس بحاله. وما دل عليه الحديث من أنه لا يجب الوضوء من غسل اللحم سواء كان نيئاً أو مطبوخاً أو مسه هو صحيح.
وإذا كان في يد شخص دماً فإنه يغسل الدم ولا يجب عليه الوضوء.
والدم نوعان: مسفوح، وهذا نجس، والمسفوح هو الذي يخرج حينما تذبح الذبيحة ويسفح منها، وأما الدم الذي يبقى في العروق أو اللحم فهو طاهر؛ لأن الله تعالى قال: أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا [الأنعام:145]، والدم المسفوح يكون عند الذبح.
الغنم يعني: لما فيها من السكينة والدعة، بخلاف الإبل فإن فيها قوة وقسوة، ولهذا تؤثر الغنم على الرعاة، وتؤثر الإبل على الرعاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والدعة في أصحاب الغنم)، وأنت تجد الذين يرعون الإبل فيهم الخيلاء والفخر، بخلاف أهل الغنم فإن فيهم الدعة والسكينة والهدوء؛ لأن ملابسة الشيء تؤثر في ملابسها، وهؤلاء لابسوا الإبل فأثرت فيهم؛ لأن الإبل فيها قوة وشيطنة، فأثرت عليهم بالفخر والخيلاء، والغنم فيها دعة وسكينة فأثرت على أصحابها بالتواضع والهدوء.
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بإذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟..) وساق الحديث ].
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وتمامه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدي) والجدي: هو ولد المعز الصغير، إذ يقال له جدي ذكر إذا مضى عليه أربعة أشهر أو قريباً منها، وأما إذا كانت أنثى فتسمى سخلة أو عناقاً.
قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بجدي أسك) يعني: صغير الأذن، أو مقطوع الأذن، (ميت فأخذ بأذنه فقال للصحابة: أيكم يحب أن يكون له هذا بدرهم؟ فقالوا: يا رسول الله! ما نحب أنه لنا بشيء، وماذا نصنع به؟! فقال: أتحبون أن يكون لكم هذا؟ قالوا: والله! لا نريده، إنه لو كان حياً لكان معيباً)، أي: لو كان حياً لكان به عيب وهو أنه صغير الأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (للدنيا أهون عند الله من هذا عليكم)، مما يدل على أن الدنيا لا تساوي عند الله شيئاً.
وفي حديث آخر: (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)، فالدنيا لا تساوي شيئاً عند الله، ولهذا يأكل منها البر والفاجر، وفيها اختلاط وامتزاج الأبرار بالفجار، والأخيار بالأشرار، والمؤمنون بالكفار، بخلاف الآخرة ففيها يحصل التميز والانفصال، فيتميز المؤمنون من الكفار، والأشرار من الأخيار، وأما هذه الدنيا فهي دار اختبار، ودار امتزاج واختلاط الخبيث بالطيب، والمؤمن بالكافر؛ فلهذا ليس لها عند الله قيمة، وهي هينة على الله، فهي أهون على الله من هوان هذا التيس الميت مقطوع الأذن على الناس.
والحديث فيه دليل على أن مس النجاسة اليابسة لا يؤثر على الإنسان، ولا يوجب غسل اليد ولا الوضوء.
والنجاسة نوعان: غضة ويابسة، فإذا كانت يابسة فلا يؤثر مسها على اليد، ولا يوجب الوضوء ولا غسل اليد، أما إذا كانت رطبة فلابد من غسل اليد، ولا يوجب فيها الوضوء كما يظن بعض الناس؛ لأنك لم تفعل ناقضاً من نواقض الوضوء، ومثله ما لو مس إنسان بيده يد كلب يابس فليس عليه شيء، أما إن كانت يده رطبة أو الكلب رطب فعليه أن يغسل يده.
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ) ].
هذا الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله. وفيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحوم الغنم، وإنما يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل.
وفيه ترك الوضوء مما مست النار، وكانوا في أول الإسلام يتوضئون من أكل أي شيء مسته النار، سواء كان لحماً، أو طعاماً، أو شرب سويقاً، ثم نسخ ذلك، ولهذا فلما أكل النبي كتف شاة صلى ولم يتوضأ، وفي الحديث الآخر: (أنه عليه الصلاة والسلام دعي إلى الصلاة وهو يجتز من لحم شاة بالسكين، فقام وترك السكين على اللحم ولم يتوضأ)، وجاء في الحديث الآخر ما يدل على الاستحباب، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا يدل على الجواز، لكن إذا توضأ فهو أفضل وإن لم يتوضأ فلا حرج.
زاد الأنباري : (وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك) أو قال: (أقصه لك على سواك) ].
هذا الحديث فيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحم الغنم سواء كان مطبوخاً أو مشوياً، وإنما يجب الوضوء في أكل لحوم الإبل خاصة.
وفيه: جواز القطع بالسكين خلافاً لمن كره ذلك.
وفيه: أن بلال آذنه بالصلاة فقام وترك الأكل، فاحتج به بعض العلماء على أن الإمام مستثنى من الحديث الآخر: (إذا حضرت الصلاة وقدم العشاء فابدءوا بالعشاء)، قالوا: فالحديث هذا عام، وحديث الباب خاص، فيدل على أن الإمام مستثنى وعليه أن يقوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وترك الطعام، وكأنه كان محتاجاً إليه؛ ولهذا قال: (ماله تربت يداه؟!) أي: ما له استعجل؟ فهذا خاص بالإمام، وأما غير الإمام فإذا قدم العشاء فيبدأ بالعشاء كما في الحديث الآخر: (إذا حضرت الصلاة وقدم العشاء فابدءوا بالعشاء).
وجمع الخطابي رحمه الله بينهما فقال: إن هذا الحديث فيه دليل على أن الإنسان إذا قدم له الطعام وكان متماسكاً ولا تزعجه الحاجة إلى الأكل، ولا يؤثر عليه في الإتيان بالصلاة بحقوقها ومكملاتها فإنه لا بأس، وأما إذا كان صائماً واشتد عليه الجوع فإنه يقدم العشاء.
وقول الخطابي له وجاهة، يعني: إذا كانت نفسه تتوق إلى الطعام وتتعلق به ويحصل له تشوش، فعليه أن يأخذ نهمته ثم يذهب إلى الصلاة، حتى ولو فاتته الجماعة، يقول: فهذا عذر من الأعذار في ترك الجماعة، فهذا إذا قدم له العشاء، لكن لا ينبغي له إذا سمع الأذان أن يطلب تقديم العشاء؛ لأن هذا تعمد لترك الصلاة، وذلك لا يجوز.
وفي الحديث أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قص شاربه على السواك، حيث طال شعر شاربه فوضع السواك ثم قصه عليه، ووضع السواك حتى لا يصيب المقص شيئاً من الجلد، فجعل السواك وقاية، ثم قص ما زاد فوق السواك من الشعر.
وفيه: مشروعية قص الشارب.
وفيه: المبادرة إلى ذلك.
وفيه: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن النبي قص شاربه ولم يوكل ذلك إلى أحد من أصحابه.
وجاء عند مسلم من حديث أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت في قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار ونتف الإبط ألا يترك ذلك فوق أربعين ليلة)، أما المغيرة فطال شاربه؛ لأنه انشغل عنه بالجهاد وأعماله الأخرى، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قصه ولم تلهه المبادرة في وضع السواك عليه؛ حتى يكون وقاية له، فاجتمع فيه الأمران: كونه يأمن أن يصيب القص شيئاً من الجلد، وأن يقص ما زاد وما طال فوق السواك.
وأما طريقة ذلك فهي أن يضع السواك على الشفه، والشعر فوق السواك، ثم يقص ما كان فوق السواك، وأبقى بقية وهو ما تحت السواك.
وينكر على الشخص إذا أطال شاربه فوق أربعين ليلة؛ للوعيد في ذلك، حيث جاء في الحديث قوله: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا)، وقوله: (احفوا الشوارب، وأرخوا اللحى؛ خالفوا المشركين).
قوله: (وكان شاربي) ظاهره يعود إلى المغيرة راوي الحديث، وأما بلال فمجيئه عارض.
لكن قد جاء الحديث من رواية الترمذي في الشمائل بلفظ: (وكان شاربه) أي: كان شارب بلال قد طال، وهذا هو ظاهر هذه الرواية، فينظر كيف يأتي الجمع بين الروايتين، وأيهما أصح: شاربه أو شاربي؟
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بادر بامتثال الأمر وقام إلى الصلاة.
والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد والنسائي في الكبرى.
هذا فيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحم الغنم. وفيه: جواز مسح اليد بعد الطعام، وأنه لا يجب الغسل وإنما يستحب، فإذا مسح بالمنديل كفى، وإن غسلها فهو أكمل وأفضل.
والحديث أصله في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ثم قام فصلى ولم يتوضأ).
وقوله في حديث المغيرة السابق: (تربت يداه) يعني: لصقت يداه بالتراب من شدة الفقر، وهذا هو الأصل، لكن هذه من الكلمات التي تجري على اللسان ولا يراد بها معناها، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فهو من باب الحث على الشيء أو تأكيد الشيء، وليس المقصود الدعاء عليه.
ومثل ذلك ما جاء في الحديث: (عقرى حلقى، أحابستنا هي؟) وذلك لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل من حجة الوداع، فقالوا: إن صفية حاضت، قال: (عقرى حلقى أحابستنا هي؟! قالوا: إنها أفاضت، قال: أيسروا إذن).
فقوله: (عقرى) أصلها دعاء بالعقر، و(حلقى) بالحلق، ولكن ليس هذا المراد بها هنا، وإنما هذه كلمات أصبحت تجري على اللسان من غير قصد، فهي على عادة العرب.
وهذا كما سبق في الصحيحين، ويدل على عدم الوضوء من لحم الغنم.
الحديث فيه أنه توضأ لصلاة الظهر ولم يتوضأ لصلاة العصر وقد أكل طعاماً، فدل على التوسعة في أن الإنسان مخير إذا أكل طعاماً أو شيئاً مسته النار أو لحم غنم فهو مخير بين الوضوء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر، وبين عدم الوضوء.
ويدل عليه حديث: (لما سئل أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت. قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم).
هذا الحديث هو الذي احتج به الجمهور على أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، لكنه حديث عام، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهذا اختصار من الحديث الأول.
قال: حدثني عبيد بن ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يحدث في مسجد مصر قال: (لقد رأيتني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رجل، فمر بلال رضي الله عنه فناداه بالصلاة فخرجنا، فمررنا برجل وبرمته على النار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطابت برمتك؟ قال نعم بأبي أنت وأمي! فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة، وأنا أنظر إليه) ].
هذا الحديث قال فيه الألباني : حديث ضعيف.
أما أحمد بن عمرو بن السرح فهو ثقة.
وعبد الملك بن أبي كريمة صدوق صالح.
قال ابن السرح : ابن أبي كريمة من خيار المسلمين.
وعبيد بن ثمامة مقبول، أي: إذا توبع وإلا فضعيف. ويقال: عتبة ، وبه جزم ابن يونس ، ورجح هذا صاحب بذل المجهود.
وهذا الحديث له شاهد عند ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، فيرتقي من درجة الضعيف إلى درجة الحسن لغيره.
وقوله: (بأبي أنت وأمي) يعني: أفديك بأبي وأمي. وفي الحديث دليل على أن من أكل من لحم غير الإبل فلا يجب عليه الوضوء، والحديث وإن كان فيه ضعف لكن له شاهد يرتقي به إلى درجة الحسن، وكونه صلى الله عليه وسلم تناول من البضعة جبراً للخاطر ففيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا بأس للإنسان إذا أكل لحماً أو طعاماً أن يصلي ولو لم يتمضمض، ولم يغسل يده، لكن كونه يغسل يده ويتمضمض حتى يزول ما في فمه من فضلات الطعام فهو أفضل، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو لبيان الجواز.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني أبو بكر بن حفص عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوضوء مما أنضجت النار).
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن يحيى -يعني ابن أبي كثير - عن أبي سلمة أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه: (أنه دخل على أم حبيبة رضي الله عنها فسقته قدحاً من سويق، فدعا بماء فمضمض، قالت: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا مما غيرت النار، أو قال: مما مست النار).
قال أبو داود : في حديث الزهري : يا ابن أخي! ].
هذا الأثر محمول على أن أم حبيبة رضي الله عنها لم تبلغها رخصة عدم الوضوء، وهو حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار)، ويظهر أنها أمرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ].
أما حديث أبي هريرة فهذا كان أولاً، ثم نسخ.
وحديث أبي هريرة هذا أخرجه أحمد ومسلم في كتاب الحيض من طريق إبراهيم بن قارظ عن أبي هريرة بلفظ: (توضئوا مما مست النار)، والنسائي وقد أخرجه النسائي وأحمد جميعاً عن أبي سفيان.
وقد أجاب بعض العلماء على حديث أم حبيبة بجوابين:
الأول: أنه منسوخ بحديث جابر .
الثاني: أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين. قال النووي : ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول، ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء من أكل ما مسته النار.
واعترض الشوكاني على الجواب الأول: بأن الجواب الأول إنما يتم بعد تسليم أن فعله صلى الله عليه وسلم يعارض القول الخاص وينسخه، والمتقرر في الأصول خلافه.
وقال النووي عن حديث أم حبيبة : (هذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم يبلغها النهي).
والظاهر من كلام أم حبيبة أنها أوجبت، إذ قالت: (ألا تتوضأ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالوضوء مما غيرت النار)، والأمر للوجوب.
أما قول أبي داود في حديث الزهري : يا ابن أخي، فهو وهم؛ لأن أم حبيبة خالة أبو سفيان، ويمكن أن يكون محمولاً على المجاز.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [12] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
https://audio.islamweb.net