اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , احفظ الله يحفظك للشيخ : عائض القرني
وحتى تكتمل الصورة ذكر الشيخ نماذج ممن ضيعوا الله فضيعهم الله.
أيها المسلمون: عنوان هذه المحاضرة: احفظ الله يحفظك.
وهي للمرة الثانية تقال، ولا تزال تُكرر ما دام في الأرض إسلام وما دام في الأرض مسلمون.
من يتقِ الله يحمد في عواقبه >>>>>ويكفه شر من عزوا ومن هانوا
من استجار بغير الله في فزع >>>>>فإن ناصره عجز وخذلان
فالزم يديك بحبل الله معتصماً >>>>>فإنه الركن إن خانتك أركان
صح عنه -عليه الصلاة والسلام- عند الترمذي وأحمد أنه قال لابن عمه -حبر الأمة- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) زاد أحمد في المسند: (واعلم أن الفرج مع الكرب، وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسراً).
وهذا الحديث صحيح، وهو وصية محمد -عليه الصلاة والسلام- للأولين والآخرين.
قال بعض الصالحين: إذا أردت أن توصي حبيبك أو صاحبك أو ابنك فقل له: احفظ الله يحفظك.
قال أحد العلماء: تأملت في هذا الحديث فكدت أدهش لما فيه من معان جليلة.
ولذلك قال سليمان بن داود عليه السلام وعلى أبيه: تعلمنا مما تعلم الناس ومما لم يتعلم الناس فما وجدنا كحفظ الله في الغيب والشهادة.
وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه لـمعاذ وأبي ذر: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
أبو الطيب الطبري يقفز من السفينة بحفظ الله.
البرامكة ضيعوا الله فضيعهم الله.
العصفور في حفظ الله وفي كلاءته ينقل للحية رزقها.
الرجل الإسرائيلي يرسل رسالة في خشبة في البحر فيوصلها عالم الغيب والشهادة.
صلة بن أشيم يحميه الواحد الأحد من الأسد وهو في الصحراء.
عقبة بن نافع يخترق غابة أفريقيا فيتكلم بحفظ الله مع الوحوش فتعود إلى مستعمراتها.
سيف الله أبو سليمان خالد بن الوليد يتكلم مع الروم فينصره الله بكلمة رائعة.
إبراهيم عليه السلام يلقى في النار فيتذكر عظمة الله فينصره الله ويحفظه الله.
نوح يركب البحر فيتذكر الواحد الأحد ويتخلى عن الأضداد والأنداد فيعلي الله كلمته.
يونس بن متى في ظلمات ثلاث حفظه الله عندما حفظ الله في الرخاء.
يوسف عليه السلام يسبح في الجب فيحفظه الله في المآزق.
موسى بن عمران تدلهم عليه المصائب فيجتبيه الواحد الأحد.
الحسن مع الحجاج في صراع رهيب.
الأوزاعي مع عبد الله بن علي العباسي في مجلس من مجالس الموت.
أعرابي يتكلم مع الحجاج في الحرم.
الثوري مع أبي جعفر يصمته بحجة.
هذا وبقية العناصر سوف ترد، والله المستعان، وإنها لوصية للأولين والآخرين، وإن هذه المحاضرة لا توجه لصنف من الناس، إنما هي للملوك والأمراء وللوزراء، وللموظفين والأطباء والمهندسين، وللتجار والفلاحين، وللرجال والنساء.
دعها سماوية تجري على قدر >>>>>لا تفسدنها برأي منك منكوس
يا حافظ الآمال أنتت حميتني ورعيتني
وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني
فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] قالها يعقوب لما ضاع منه يوسف، وتذكر يعقوب أن الذئاب سوف تأكل يوسف، فقال: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] وتذكر أن الفرقة حلت بينه وبين ابنه الحبيب، فقال: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] وتذكر أن فلذة كبده لا يدري هل يعود أم لا؟! فقال: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
قال بعض العلماء: ضاع يوسف من أبيه يعقوب أربعين سنة، فرده الذي هو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
فالعين يحفظها الله إذا حفظت الله، والسمع يحفظه الله يوم يحفظ الله، وكذلك اليد والرجل: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
فهؤلاء الوزراء أخذوا في غداة واحدة، سلط الله عليهم أحب الناس إليهم وهو هارون الرشيد، الذي كان صديقهم وأخاهم وهو الخليفة، فغضب عليهم ضحى (قبل الظهر) فأخذ شبابهم، فقتلهم بالسيف قبل الظهر، وأخذ أشياخهم فأودعهم في السجن، وأخذ أبناءهم فجعلهم في المستعمرات تحت الأرض، وأخذ النساء فأوصد عليهن في الغرف.
بكاء هنا وبكاء هناك، ودمع هنا ودمع هناك.
قيل لـيحيى بن خالد البرمكي: ماذا أنزلكم في هذا المنزل في الظلام بعد هذه النعم، بعد الذهب، والحرير، والديباج؟! قال وهو يبكي: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها!
جاءت تردى تمشي رافعاً ذراها>>>>>أولها ردت على أخراها
قيل لـعلي أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه: كم بين العرش والتراب؟ قال: دعوة مستجابة. لم يجب بالأميال ولا بالكيلومترات ولا بالمقايسات، وإنما قال: دعوة مستجابة يرفعها الله على الغمام حتى تصل إليه، ثم يقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
وكان عليه الصلاة والسلام يقول لـمعاذ فيما صح عنه:{واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب}.
أُخِذ البرامكة، فبقي الشيخ أبوهم في السجن سبع سنوات، طالت أظافره، وطال شاربه، ما وجد مقراضاً يقلم أظفاره ما وجد مقصاً يأخذ من شاربه، كان يتوضأ ويقضي حاجته في مكانه وفي زنزانته، وهو يبكي بعد النعيم، وبعد السرير والديباج.
باتوا على قمم الأجبال تحرسهم>>>>>غلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم >>>>>إلى مقابرهم يا بئسما نزلوا!
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
من الذي يصرف الأمور إلا الله؟! من الذي بيده المقاليد إلا الواحد الأحد؟! من الذي يأخذ رقاب الناس ويأخذ لهذا من هذا إلا الله؟! فاعتمد على الله، ولذلك ندد الله بالمشركين والمتخلفين والفجرة فقال:وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3].
حية يصلها رزقها إلى رأس النخلة بعصفور، وهي عمياء يوصوص لها العصفور فترفع فتفتح..!!
من الذي دل العصفور؟! إنه الواحد الأحد، رب العصفور، ومن الذي رزق الحية؟! إنه الحي القيوم رب الحية: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].
يقول النابغة الذبياني لـالنعمان بن المنذر:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة >>>>>وليس وراء الله للمرء مذهب
يقول: حلفت لك، وهل تريد بعد الله من قسم؟
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة >>>>>وليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني وشاية >>>>>لمبلغك الواشي أغش وأكذب
{قال: من يكفلك؟ قال: الله الواحد الأحد. قال: رضيت بالله، تعال بالصك؛ فكتب الصك، فلما بقيت خانة الشهادة قال: من يشهد لك؟ قال: يشهد لي الله. قال: رضيت بالله شاهداً، فكتبوا وشهد على ذلك الحي القيوم، وأخذ الصك وأعطاه ألف دينار، وذهب الإسرائيلي من أخيه لا يدري أين يذهب، ولا يدري أين منزله لكنه توكل على الله. وبعد حين جاء وقت أداء القرض فذهب هذا الإسرائيلي ليركب البحر ويوصل الدين إلى صاحبه، فإذا أمواج البحر تضطرب وإذا بالهول أمامه، فعاد إلى بيته، ثم رجع إلى الشاطئ فما وجد سفينة ولا قارباً، فدمعت عيناه، وقال: يا رب! أراد كفيلاً فقلت: أنت الكفيل فرضي بك، وطلب شاهداً فقلت: أنت الشاهد فرضي بك، اللهم ادفع له هذا المال. وأخذ خشبة ونقرها ووضع فيها ألف دينار، ثم كتب رسالة إلى صاحبه، ثم قال: باسم الله، ووضعها في الماء. فأخذها الكفيل الذي ليس بعده كفيل والشاهد الذي ليس بعده شاهد، وأخذت تتدحرج على ظهر الماء ولا تغرق، والرجل الآخر في نفس الميعاد خرج ليستقبل صاحبه في السفينة على الموعد، فانتظر فما قدمت سفينة، وما أتى قارب، ولم يأت صاحبه، وإذا بالبحر يرمي إليه بخشبة، فقال: لا أفوت سفري، آخذ هذه الخشبة حطباً لأهلي، فذهب فكسر الخشبة فوجد الألف الدينار ووجد الرسالة
قلت لليل هل بجوفك سر >>>>>عامر بالحديث والأسرار
قال لم ألق في حياتي حديثاً >>>>>كحديث الأحباب في الأسمار
وكان قتيبة بن مسلم يقول: الحمد لله الذي جعل في جيشي مثلك يا صلة وكان إذا قام يصلي الليل يأخذ بردة بألف دينار ويطيبها ويقول: اللهم إنك جميل تحب الجمال ما لبستها إلا لك. فيلبسها في الليل وإذا أتى النهار خلعها، لا يتجمل للناس، ولو أن التجمل للناس مطلوب، لكن الله هو الجميل الذي يحب الجمال، كما في صحيح مسلم.
فخرج من الجيش بعد أن ناموا، ودخل الغابة وقام يصلي ويتنفل ويبكي، وهو في الجبهة في سبيل الله، قريباً من كابل التي ضيعناها يوم ضيعنا لا إله إلا الله.
بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربى >>>>>وما أحسن المصطاف والمتربعا
قام يصلي فأتى الأسد عليه، وأنتم تعرفون الأسد، حيدرة، الهزبر، الليث، الذي سمته العرب ملك الحيوانات، كان إذا زأر في واد يرتحل العرب من الوادي، لا يصارعه أحد.
فأتى الأسد وهو في الصلاة، فدار عليه قالوا: فما تحول وما تحرك وما اضطرب، فلما سلم من الركعتين قال: يا حيدرة، ياليث، إن كنت أمرت بأكلي فكلني فإنه ليس معي سلاح إلا حماية الله، وإن كنت ما أمرت بقتلي فلن تسلط علي فاذهب واتركني أصلي، فقام الأسد فلوى ذنبه، وخفض صوته، وذهب كأنه جرو الكلب حتى دخل جحره: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
قال أحد العلماء: لما أطعنا الله سخر لنا الوحوش، ولما عصينا الله سلط علينا الفئران. ولذلك يقول أحد الأدباء لما رأى إسرائيل هاجمت بلاد العرب وأخذت القدس:
أيا عمر الفاروق هل لك عودة >>>>>فإن جيوش الروم تنهى وتأمر
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم>>>>>وجيشك في حطين صلوا وكبروا
تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ
نساء فلسطين تكحلن بالأسى >>>>>وفي بيت لحم قاصرات وقُصّرُ
وليمون يافا يابس في أصوله >>>>>وهل شجر في قبضة الظلم يثمر
يوم جاء عمر لفتح بيت المقدس كيف جاء؟ جاء ومعه مولاه، وهو يقول له: اركب أنت ساعة وأنا أركب ساعة.
فقال: يا أمير المؤمنين! يلقانا القواد ووجوه الناس وأنت تقود الجمل! قال: لا أم لك! من أنا؟ كنت أسمى في الجاهلية عميراً، اركب ساعة وأنا أركب ساعة. فكان عمر يقود الجمل وخادمه يركب، ثم ينزل الخادم ويركب عمر، فلما أشرف عمر على قادة الجيوش: عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة وأبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان ومعاوية، فتقدم عمرو بن العاص وقال: أخجلتنا يا أمير المؤمنين! أتقود الجمل؟!! قال: [[يا عمرو! نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]].
فعادوا إلى قتيبة فأخبروه فبكى وقال: والله الذي لا إله إلا هو! إن إصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير ومن مائة ألف شاب طرير. فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] وأتى القادة حول خالد، وصدق خالد مع الله في ذلك اليوم، فقد باع نفسه، حتى يقول عليه الصلاة والسلام:{إنكم تظلمون خالداً، لقد ابتاع أعتده وأدرعه في سبيل الله} فبعث خالد إلى شيخ بـوادي السماوة، وهو عربي مسلم اسمه عياض بن غنم.
ولذلك تقول العرب: أقصر كتاب في التاريخ كتاب خالد إلى عياض بن غنم. فالأمر أعجل من ذلك؛ لأن خالداً ليس لديه وقت يملي ولا يكتب؛ فأخذ الرسالة وكتب إلى شيخ قبائل العرب: بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى عياض بن غنم، إياك أريد والسلام.
وتمهل خالد لئلا يشتبك في الحرب مع الروم، ووصلت الرسالة إلى عياض بن غنم فبكى يوم قرأها، وقام في قبائل العرب وحشد الحشود، وما أتى في الليلة الثانية إلا وقد اجتمعوا مع خالد بن الوليد، لكن هيهات، قبائل الروم مائتان وثمانون ألفاً كالجبال، جيش عرمرم متدربون وقادة، فلما خرجوا، قال أحد المسلمين لـخالد: يا خالد ما أكثر الروم وما أقلنا! اليوم نفر إلى جبل سلمى وآجا. فدمعت عينا خالد، وقال: بل إلى الله الملتجأ.
ثم جرد السيوف، ولم تأت ثلاثة أيام إلا وقد أوقعهم في كربة وفي سحق ومحق لا يعلمه إلا الله: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45].
قال محمد إقبال:
بمعابد الإفرنج كان أذاننا >>>>>قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها >>>>>سجداتنا والأرض تقذف نارا
كنا نقدم للسيوف رءوسنا>>>>>لم نخش يوماً غاشماً جبارا
هؤلاء الذين حفظوا الله فحفظهم الله.
فمن الذي يطفئ النار؟ إنه الله.
ومن الذي ينجي من اليم؟ إنه الله.
ومن الذي يكسر الحديد لأوليائه؟ إنه الله.
ومن الذي يصل الحبل بعبده؟ إنه الله
كم نطلب الله في ضر يحل بنا >>>>>فإن تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا>>>>>فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة >>>>>فما سقطنا لأن الحافظ الله
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
وضعوا إبراهيم عليه السلام في المنجنيق، وأشعلوا له ناراً، وألقوه فيها، وأتى جبريل في تلك اللحظة إلى إبراهيم عليه السلام فقال: يا إبراهيم ألك إلي حاجة؟! قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم.
وقد جاء عن ابن عباس موقوفاً عليه عند البخاري أنه قال: {حسبنا الله ونعم الوكيل كلمة قالها إبراهيم لما ألقي في النار، وقالها محمد عليه الصلاة والسلام لما قيل له: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174]}.
ألقوه في النار وهو في الهواء يقول:حسبنا الله ونعم الوكيل. وفي أثناء وقوعه قال الله للنار: كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، فخرج ونجا.
نزل إلى الميدان وقال: ألقوا، فلما ألقوا أوجس في نفسه خيفة، فأتاه كلام الذي هو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، قال:قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى [طه:68] أنت مع الله، ولذلك يقول سيد قطب: عند قوله تعالى:وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] قال: نحن الأعلون سنداً، والأعلون متناً، ميراثنا من الله، وعزنا من الله، وصلتنا بالله. أو كلام قريب منه.
قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى [طه:68] فأنت الأقوى والله معك، وإذا كان الله معك، فمن تخشى؟!
فالزم يديك بحبل الله معتصماً >>>>>فإنه الركن إن خانتك أركان
ألقى العصا ونجا، ولما أراد أن يدخل البحر قال الله له:اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ [الشعراء:63] فأنجاه الله من فرعون، وفرعون لما ضيع الله ضيعه الله.
فلما أصبح في بطن الحوت انقطعت صلته بالمخلوقين جميعاً، لا ولد، ولا زوجة، ولا أهل، ولا قوم، ولا مال، ولا رئاسة، ولا منصب، وقال وهو في الظلمات في آخر الليل: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] وانطلقت لا إله إلا الله إلى رب لا إله إلا الله مباشرة: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].
قال بعض أهل التفسير: سمعت الملائكة قول يونس بن متى وهو في ظلمات ثلاث: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] فبكوا وقالوا: يا رب! عرفنا الصوت، ولكن لا ندري أين يونس.
الملائكة لم تعرف في أي قارة، هل هو في أفريقيا، أم في آسيا، أم في البحر أم في النيل أم في دجلة؟ لكن الواحد الأحد يدري أين هو، يدري بالزمان والمكان: عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى [طه:52] وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].
يقول لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16] يا بنى! لو كانت حبة كالخردل، وكانت في صخرة مقفلة صماء يأتي بها الواحد الأحد.
قالت الملائكة: يا رب! صوت معروف من عبد معروف لا ندري أين مكانه؛ لأن صوته معروف كان يسبح دائماً، كان في نهاره وفي ليله يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؛ فعرف صوته في الملأ، ولذلك بعض الناس يعرف صوته بالتسبيح، وبعض الناس يعرف صوته بالفجور والغناء.
لشتان ما بين اليزيدين في الندى >>>>>يزيد بن عمروٍ والأغر بن حاتم
فريق في الجنة وفريق في السعير
وناد إذا سجدت له اعترافاً >>>>>بما ناداه ذو النون بن متى
وأكثر ذكره في الأرض دأباً >>>>>لتذكر في السماء إذا ذكرتا
بكت الملائكة وقالت: يا رب! صوت معروف من عبد معروف لا ندري أين مكانه. قال: أنا أدري، فنجاه الله بكلمة "كن" وقذفه الحوت في الصحراء، وكان عرياناً ليس عليه من الملابس شيء، فأنبت الله عليه في الحال شجرة من يقطين، فأكل من ثمرها، وتظلل بظلها واكتسى، وأرسله الله إلى قومه: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144] لأنه حفظ الله في الرخاء فحفظه في الشدة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك}.
والأوزاعي هو أمير المؤمنين في الحديث، أبو عمرو زاهد وعابد، راوية البخاري ومسلم.
قال: ائتوني به، فذهب الجنود إلى الأوزاعي فما تحرك من مكانه، قالوا: يريدك عبد الله بن علي. فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، انتظروني قليلاً، فذهب فاغتسل ولبس أكفانه تحت الثياب؛ لأنه يعرف أن الأمر ليس فيه إلا الموت، ثم قال لنفسه: الآن آن لك يا أوزاعي أن تقول في الله ولا تخشى في الله لومة لائم.
دخل على هذا السلطان الجبار فغضب السلطان لما رآه، قال الأوزاعي وهو يصف القصة: دخلت فإذا سماطين من الجنود -صفان- قد سلوا السيوف ولاقوا بين رءوسها، فدخلت من تحت السيوف حتى بلغت إليه، وقد جلس على سرير وبيده خيزران، وقد انعقد في جبينه من الغضب، قال: فلما رأيته والله الذي لا إله إلا هو كأنه أمامي ذباب، ووالله ما تذكرت أهلاً ولا مالاً ولا زوجة، وإنما تذكرت عرش الله إذا برز للناس في يوم الحساب. قال: فرفع طرفه وبه من الغضب ما الله به عليم، لا يتكلم إلا بالدم، والسياف واقف عنده مسلول السيف، والوزراء جلوس عن يمينه وعن يساره، فهم يريدون ملكاً في الدينا.
يقول شاعرهم:
نحن بنو العباس >>>>>نجلس على الكراسي
أخذوا ملك الدنيا ستمائة سنة حتى كانوا يطاردون مغرب الشمس، ويطاردون نقفور كلب الروم، ويطاردون كل ملحد في الأرض.
فلما جلس قال: ما رأيك يا أوزاعي في الدماء التي أرقناها وأهرقناها؟
قال -آتياً بالسند في موقف ينسى الإنسان فيه اسمه-: حدثنا فلان -بالرواية كأنها من صحيح البخاري - حدثنا ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة} فإن كان من هؤلاء فقد أصبت، وإن لم يكن فدماؤهم في عنقك.
قال: فنكت بالخيزران، ورفعت عمامتي أنتظر السيف، ورأيت الوزراء يستحضرون ثيابهم ويرفعونها عن الدم. قال: وما رأيك في الأموال؟
قلت: إن كانت حلالاً فحساب، وإن كانت حراماً فعقاب!!
قال: خذ هذه البدرة (كيس مملوء بالذهب).
قال: لا أريد المال. قال: فغمزني أحد الوزراء، أي: خذ الكيس؛ لأنه يريد أدنى علة لكي يقتله، قال: فأخذ الكيس فوزعه على الجنود حتى بقي الكيس فارغاً فرمى به وخرج، ولما خرج قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قلناها يوم دخلنا وقلناها يوم خرجنا: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174].
يقول أحد الصالحين لابنه: هل أدلك على القوة التي لا تغلب؟ قال: نعم، قال: توكل على الله.
قال: والله الذي لا إله إلا هو لقد أردت أن أقوم لك، فلما تهيأت للقيام تذكرت قوله تعالى:يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] فتركت هذا القيام لذاك اليوم.
قال: اجلس والله ما بقيت في رأسي شعرة إلا قامت. فقد قال له كلمة من القرآن: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] ثم قال: أردت أن أقوم لك، فتركت القيام لذاك اليوم؛ لأنه لا يقام إلا لله الواحد الأحد.
حجاج أنت الذي ما فوقه أحد >>>>>إلا الخليفة والمستغفر الصمد
تقول: أنت يا حجاج ليس فوقك إلا الله ثم الخليفة ثم أنت الثالث. ولقد قتل مائة ألف نفس، وقتل سعيد بن جبير، قال أحدهم: رأيت الحجاج في المنام فقال: إن الله قتلني بكل نفس قتلتها مرة إلا سعيد بن جبير قتلني به على الصراط سبعين مرة.
دخل الحجاج فسمعت الجلبة، وعنده خدم وحرس وجنود، قال: فرأيت الحراب فجلست مكاني، وبينما أنا جالس إذا برجل من أهل اليمن فقير زاهد عابد، أقبل فطاف بالبيت، ثم أتى ليصلي ركعتين، فتعلقت حربة من حراب الحجاج بثوب هذا اليمني الأعرابي فوقعت على الحجاج؛ فأمسكه وقال: من أنت؟
قال: مسلم.
قال: من أين أنت؟
قال: من اليمن.
قال: كيف تركت أخي؟
أخوه ظالم مثله اسمه محمد بن يوسف وهذا الحجاج بن يوسف أي: كيف صحة أخي؟
قال: تركته سميناً بطيناً لكنه ناحل في الدين.
قال: ما سألتك عن صحته بل عن عدله؟
قال: تركته غشوماً ظلوماً!
فقال: أما تدري أنه أخي؟
قال: من أنت؟
قال: أنا الحجاج!
قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله؟
قال طاوس: ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت، ثم أفلته الحجاج. لماذا؟
لأنه توكل على الله: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
فالزم يديك بحبل الله معتصماً >>>>>فإنه الركن إن خانتك أركان
ثم قال: هذا الغشوم الظلوم، يقرأ القرآن على لخم وجذام، ويعظ وعظ الأبرار، ويبطش بطش الجبارين، ويلبس لباس الفسقة!
وكان الحجاج في قصره ولكن لديه استخبارات، ثم وصل الكلام إلى الحجاج.
فقال: علي به، والله لأقتلنه هذا اليوم. وقتل الناس عند الحجاج كذبح الدجاج.
فأرسل إلى الحسن فلما سمع الحسن الجنود قال: أنظروني قليلاً، فدخل في غرفة مع الواحد الأحد مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] فاختلى بالله وبكى وقال: يا رب! يا ذا القدرة التي لا تضام، والركن الذي لا يرام، أسألك أن تسخره لي وأن تنصرني عليه. ثم خرج.
وفي أثناء الطريق قلب الله قلب الحجاج؛ لأن قلب الحجاج بيد رب الحجاج فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
فدخل عليه الحسن، فقام الحجاج فاستقبله عند ركن الباب، وقبله على رأسه، وأخذ غالية من طيب، وطيب لحية الحسن، وقال: هيجناك يا أبا سعيد، اعذرنا ولا نعود إلى ذلك.
فلما خرج قال الوزراء: أين وعودك وأيمانك؟
قال: ما دخل علي حتى كان عندي من أرهب الناس: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
الذي تولى كبره في سورة النور هو عبد الله بن أبي بن سلول، في حادثة رمي عائشة بالفاحشة طهرها الله وزكاها، فخاف العلماء؛ لأن هشاماً كان ناصبياً يبغض علي ويدعي ويزعم أن الذي تولى كبره هو علياً رضي الله عنه وأرضاه.
قال لـمسلم بن يسار: من الذي تولى كبره يا مسلم؟ قال: الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي. قال: كذبت، الذي تولى كبره هو علي بن أبي طالب. قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول. ثم قال للآخر: من الذي تولى كبره؟ فأخبره فكذبه.
ثم قال لـمحمد بن مسلم بن شهاب الزهري: من الذي تولى كبره؟ قال: الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي بن سلول. قال: كذبت. قال: بل كذبت أنت وأبوك وجدك، والله لو نادى مناد من السماء أن الكذب حلال ما كذبت، ووالله الذي لا إله إلا هو لقد حدثني علقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وحدثني عروة بن الزبير عن عائشة أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي بن سلول. فارتعد الخليفة وقال: هيجناك، سامحنا! فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
لأن الله يقول: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ [ق:32] والأواب: الرجاع إلى الله، كثير التوبة والندم والاستغفار، كثير العبادة والإنابة، والحفيظ: الذي يحفظ حدود الله. وحفظ الله يأتي بتقوى الله.
وتقوى الله: أداء ما أمر، واجتناب ما نهى، وتصديق ما أخبر.
وتقوى الله أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية.
وتقوى الله: أن يكون أخوف من تخاف منه هو الله، لأن أي شيء إذا اقتربت منه أمنته إلا الله، فإنك إذا اقتربت منه خفته: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
وتقوى الله قال فيها أبو الحسن علي رضي الله عنه وأرضاه: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
وأنا سوف أفصل التقوى في جمل عل الله أن ينفع بها.
كان عمر وهو مطعون في سكرات الموت يقول وعيناه تهراق بالدموع: [[الله الله في الصلاة، لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، من حفظ الصلاة حفظه الله، ومن ضيع الصلاة ضيعه الله]] فمن حفظ الصلاة حفظه الواحد الأحد.
وكان رضي الله عنه يكتب لرؤساء الأقاليم والأمراء: عليكم بالصلاة؛ فإنها أول الإسلام وآخر ما تفقدون من دينكم. والله يقول: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
واعلم أنك لا تحافظ على الصلاة إلا بثلاثة أسباب:
الأول: أن تؤديها في وقتها، فلو أخرتها إلى أن يخرج الوقت ما قبلها الله إلا بعذر، ويرمى بها وجه صاحبها، وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني. وأول ما يحاسب عليه العبد في القبر الصلاة، فمن حفظها حفظه الله يوم تضيع الأفهام وتضل العقول، وتندهش الأفكار.
الثاني: أن تكون في جماعة، فلا صلاة إلا في جماعة إلا من عذر، يوم ينادى بها في المساجد، يوم يقول لك المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ فتقوم من فراشك، وتزحف إلى المسجد ليحفظك علام الغيوب.
ويقول عليه الصلاة والسلام في الفقرة الأولى في الوقت، لما قال له ابن مسعود: ما أفضل العمل؟
قال: {الصلاة في وقتها} وعند الترمذي والحاكم {الصلاة في أول وقتها} وهذا هو الحفظ.
الثالث: أن تؤديها بخشوع وخضوع، وأن تعيش مع الإمام وهو يقرأ عليك، وتستمع هذا القرآن العجيب والنبأ العظيم الذي طرق الدنيا، واعلم -كما قال ابن القيم - أن مواقف الناس في الآخرة وفي العرصات كمواقفهم في الصلاة.
من الذي يعلم أن من الناس من يدخل المسجد ليصلي وهو جنب؟! ويظن الناس أنه طاهر، لكن علام الغيوب يعلم، ولذلك قال بعض العلماء: الوضوء سر بين العبد وبين الله. قال عقبة بن عامر الجهني -والحديث عند أحمد في المسند -: روحت إبلي وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يحدث الصحابة في مسجده وقد فات عقبة شيء من الحديث، قال: فجلست بجانب عمر بن الخطاب، فسمعت الرسول عليه الصلاة والسلام في أثناء حديثه يقول: {من قال: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيا كان على الله حق أن يرضيه} فقلت: ما أحسن هذا! فالتفت إلي عمر، وقال: التي قبلها أحسن منها، قال: فسكت، فلما انتهى المجلس سلمت على عمر، وقلت: ما هي التي قبلها وهي أحسن منها؟ قال: أما كنت معنا هذه الليلة؟ قلت: لا، روحت إبلي وتأخرت، فما حضرت إلا الآن.
قال: يقول عليه الصلاة والسلام:{من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء} وهذا الحديث في البخاري، وزاد الترمذي: {اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين}.
فقل لـبلال العزم إن كنت صادقاً >>>>>أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً >>>>>به ترق أبواب الجنان الثمانيا
وقال سبحانه:وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] من يؤمن بالله يهد قلبه، من يسجد لله يهد قلبه، من يأت إلى المسجد يهد قلبه، ومن يرفع يديه إليه يهد قلبه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
فالهادي هو الله: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] فو الله لا يجعلك الله وأنت تأتي لمثل هذه المجالس والدروس والمحاضرات والخير والذكر كمن أعرض وجلس في مقاهي اللغو والزور والفاحشة، ومع الغناء الماجن ومع كل قول رخيص، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36].
فإذا أتيت الله وأنت تمشي أتاك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يهرول.
فمن حفظ العبد لربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحفظ قلبه من الشبهات والشهوات، فيسلم قلبه لله، ويملأ قلبه بحب الله وذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ليهديه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سواء السبيل، قال سبحانه:إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] وكل الناس لهم قلوب، لكن هنا (قلب) نكَّره، أي: قلب فاهم فقيه مبصر.. فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46] أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد:19] ولذلك لام الله قوماً ما استفادوا من جوارحهم فقال فيهم:وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
ولذلك قال ابن مسعود: [[والله ما شيء أحق بطول حبس من لسان]].
احذر لسانك أيها الإنسان >>>>>لا يلدغنك إنه ثعبان
ومن حفظ الله لعبده أن يحفظه في لسانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه وأضمن له الجنة} ضمان من محمد عليه الصلاة والسلام؛ أن من حفظ فرجه ولسانه عن الحرام ضمن له الجنة عند الواحد الأحد: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] من المتقون؟ هم الذين يحفظون ألسنتهم، كان أبو بكر يبكي ويخرج لسانه ويقول: [[هذا الذي أوردني الموارد]].
فالمسلم كما قال سبحانه:وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72] قال بعض المفسرين: لا يسمعون الكلام الباطل الزور. وقيل: لا يؤدون شهادة الزور المعروفة.
وأنت متى أرسلت طرفك رائداً >>>>>إلى كل عين أتعبتك المناظر
أصبت الذي لا كله أنت قادر >>>>>عليه ولا عن بعضه أنت صابر
فالعين إذا انطلقت إلى الحرام فهي سهم من سهام إبليس، و{من غض طرفه عن الحرام أبدله الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه} قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] والعين إذا شردت فإنما هي سهم يقع في القلب.
وأنا الذي جلب المنية طرفه >>>>>فمن المطالب والقتيل القاتل
قال أحد الصالحين: كم من نظرة أودت في حفرة! وكم من عين أدخلت في نار! وكم من التفاتة أعقبت ندماً في الدنيا والآخرة! نعوذ بالله من ذلك، فالعين عليك أن تغضها عن المحارم، وعن الصور الخليعة، وعن معاصي الله عَزَّ وَجَلّ؛ ليحفظ الله عليك إيمانك.
فمما يحفظ العبد به ربه أن يتخلى عن الربا والحرام والغش، وأن يعرف ملبسه ومسكنه ومأكله ومدخله ومخرجه، ليكون حافظاً لله في ماله وفي دخله.
هذا اجتهاده وهذا رأيه الخاص به رضي الله عنه وأرضاه، ثم مات، لكن: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] حفظ الله أبناءه بعده، حتى قال العلماء: كان أبناؤه من أغنى الأغنياء في الناس.
وأتى القاهر -خليفة عباسي- فقال: أكتنز للدهر، أحتفظ بالمال لليالي وللأيام السود، فحفر بركاً في الأرض وملأها من الذهب والفضة، لكن ما اعتمد على الله، وقال لأبنائه: يا أبنائي لا تخشوا الفقر، فقد ملأت لكم في هذه الخزانات والبرك ما لو وزع على أهل بغداد لكان كل بغدادي تاجراً. فماذا فُعِل به لما خالف أمر الله؟ خلع من خلافته خلعاً، وسلب سلباً، ثم وسلمت عيناه بالحديد الحار حتى أصبح أعمى، ثم أُخذت أملاكه وصودرت إلى الخليفة من بعده وأُخذت قصوره؛ وأصبح يقف في المسجد في بغداد ويقول: من مال الله يا عباد الله!
قالوا: فانظر إليه يوم ضيع الله كيف ضيعه الله، وانظر لذاك يوم حفظ الله كيف حفظه الله: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
عبدالملك بن مروان حضرته الوفاة فأخذ يقول: يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني ما عرفت الملك لأنه فرط في الدماء، ثم قال: يا ليت أمي لم تلدني! قال ابن المسيب لما سمع هذه الكلمة: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم.
ومن الشعراء من حفظ الله فحفظه الله.
فهذا حسان بن ثابت كان يحفظ الله بشعره وأدبه وقلمه وقصائده فحفظه الله، كان يمدح الدعوة ويمدح الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى يقول في بيت يسب مشركي قريش:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها >>>>>وليغلبن مغلب الغلاب
قريش تسبها العرب بأنها سخينة، والسخينة: نوع من الطعام كالثريد أو كالرواكة الخاثرة، تحبها قريش وتموت فيها وتحيا، فالعرب إذا سبت قريشاً، قالت: سخينة، فقال حسان: زعمت سخينة أنها ستحارب الله بسيوفها، فليغلبن مغلب الغلاب؛ لأنه الغلاب سبحانه. فقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتبسم: {لقد شكر الله لك بيتك يا حسان
!} سمع الله بيتك يا حسان إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم:24-25] {لقد شكر الله لك بيتك يا حسان! يوم قلت:زعمت سخينة أن ستغلب ربها فليغلبن مغلب الأغلاب
}كان صلى الله عليه وسلم يقرب له المنبر ويجلسه عليه ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} أي: جبريل.
فكان يقول:
فإن أبي ووالده وعرضي >>>>>لعرض محمد منكم وقاء
هجوت محمداً فأجبت عنه >>>>>وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء>>>>>فشركما لخيركما الفداء
قال الزهري: أفخر بيت قالته العرب قول حسان في بدر:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم >>>>>جبريل تحت لوائنا ومحمد
فهذا أفخر بيت قالته العرب، يقول: تحت قيادتنا المسلحة جبريل ومحمد، فكيف تغالبوننا؟ فهو قائد الشعراء إلى الجنة؛ لأنه حفظ الله.
فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
في قصيدة أخرى رائية يقول:
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر
فضحك عليه الصلاة والسلام وقال: وإياك فثبت
} وثبت الله ابن رواحة، فقد باع نفسه من الله، كما يقول ابن القيم: في بيعة العقبة {والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإذا تفرقا فقد وجب البيع} وذهب إلى مؤتة، فلما أتت ساعة الصفر نزل إلى الأبطال، وخلع درعه، وأخذ سيفه وقال:أقسمت يا نفس لتنزلنه
لتنزلن أو لتكرهنه
إن أقبل الناس وشدوا الرنة
مالي أراك تكرهين الجنة
هل أنت إلا نطفة في شنة
يقول له الصحابة وهم يودعونه في المدينة ويبكون: تعود لنا يا ابن رواحة بالسلامة والعافية. قال: لا. لا يريد أن يعود إلى المدينة، ودع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكى، ولما التفت إلى المدينة وهو على فرسه قال:
خلف السلام على امرئ ودعته >>>>>في النخل خير مودع وخليل
ترك زوجته وأولاده وأصحابه الأنصار وأصدقاءه، وما التفت إلا إلى رجل، ومن أجل عين تكرم ألف عين، قال:
خلف السلام على امرئ ودعته >>>>>في النخل خير مودع وخليل
يقصد: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له الصحابة: تعودون بالسلامة. قال:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة >>>>>وطعنة ذات قرع تقذف الزبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي >>>>>يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
فقتل هناك، وروحه هناك في الجنة: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30] فحفظه الله وأصبح شهيداً.
ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {قائد الشعراء إلى النار امرؤ القيس} ومعه ابن هاني الأندلسي، أحد الفجرة، دخل على خليفة وقال:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار >>>>>فاحكم فأنت الواحد القهار
يقول للسلطان: احكم فأنت الواحد القهار، فعلمه الله من هو الواحد القهار، وأعطاه درساً لئلا ينسى من هو الواحد القهار؛ خرج من القصر فأصيب بمرض، قالوا: كان يعوي كالكلب على فراشه ويقول: أنت الواحد القهار، وأخذ يبكي ويقول:
أبعين مفتقر إليك نظرتني>>>>>فأهنتني وقذفتني من حالق
لست الملوم أنا الملوم لأنني>>>>>علقت آمالي بغير الخالق
هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة >>>>>وسيروا بجثماني على دين برهم
يقول: أعطوني الأمة العربية أمة واحدة ولو كنا على مذهب البرهمي الهندوكي المجرم، ثم يقول:
فيا حبذا كفر يؤلف بيننا >>>>>وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
انظر إلى المجرم الكافر!! فأخذه الله، يقولون: مات في الحمام، وما علم به إلا بعد أيام، وأصبح جيفة كالكلب؛ ليعلمه الواحد الأحد أنه الواحد الأحد.
جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!!
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!!
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!!
كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!!
ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!!
فما درى، لا دريت ولا تليت، بل توليت وعصيت، وأذنبت وأخطيت، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، فمات في سوء حال.
ألا فاحفظوا الله يحفظكم: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , احفظ الله يحفظك للشيخ : عائض القرني
https://audio.islamweb.net