إسلام ويب

إن مما عمَّت به البلوى في هذه الأيام، وفي هذا العصر آفة عظيمة، وهي المخدرات والخمر، فيا ترى ما هي الأسباب التي جعلت الكثير من المسلمين يقعون في هذه الآفة العظيمة؟

وما هو سبب انتشارها بين المسلمين؟

وما هو السبب الذي جعل الصحابة رضوان الله عليهم يبتعدون عن مثل هذه الأشياء؟

وما هي الوسائل التي تجنبنا مثل هذه الأشياء؟

وما هو الحل لمن وقع في هذه الآفة؟

أهو الحبس والسوط؟ أم ماذا؟

أخطار المخدرات

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله وسلم على محمد حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل، المعلم الجليل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

سلام الله أرفعه إليكم>>>>>بأشواقي لكم في خير لقيا

وأرفع من رُبى أبها سلاماً>>>>>لأهل الفضل من سكان صبيا

إن هذا الاجتماع يعلن أن البقاء للإسلام، وأن المستقبل للإسلام، وأن البناء لهذا الدين الذي أنزله الله على البشرية، قال تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].

المخدرات، وما أدراك ما المخدرات؟ اسم مرعب، مخيف مزعج، وما أتت المخدرات وما وجدت إلا ومعها قرائن من المعاصي والسيئات والمخالفات ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُور ) [النور:40].

هذه المخدرات تدخل في مظلة الخمر، وهي بنات عم الخمر، ومن سلالته وفصيلته.

تلك العصا من هذه العصية >>>>>لا تلد الحية إلا حية

قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90-91].

لماذا انتشرت المخدرات؟ لماذا كثر المروجون؟ لماذا ضاع كثير من الشباب؟ لماذا أُودِع كثير من فتيان الإسلام السجون؟ لماذا يوضع أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في السجن على جريمة المخدرات؟ لماذا يؤخذ أبناء صلاح الدين وطارق بن زياد وعقبة بن نافع، ويوضعون في السجون بجريمة المخدرات؟ ما هي الأسباب؟ أأتت عفوية؟ أم ماذا؟ لا. والله، إذاً ما هو السر؟ وما هو السبب؟ كيف يؤخذ شبابنا في المخدرات والمخالفات والمعاصي والمغريات التي اطلع عليها رب الأرض والسماوات؟!

أسباب الوقوع في المخدرات وانتشارها

من أسباب الوقوع في المخدرات: ضعف الإيمان

انقطاع الحبل بين الإنسان والواحد الديان، ونسيان الرحمن إذا خلا الإنسان بين الحيطان وفي الظلام وهذه هي قلة المراقبة، أو عدم الوصول إلى درجة الإحسان.

إن درجة الإحسان التي صحت عنه صلى الله عليه وسلم، والتي أتى بها في الحديث الصحيح هي: {أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه، فإنه يراك}.

يقول الشيخ/ حافظ الحكمي رحمه الله في الإحسان:

وهو رسوخ القلب في العرفان>>>>>حتى يكون الغيب كالعيان

وهذه الدرجة نالها أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك انتهوا عن الخمر والزنا، والربا، وعن الغناء، والفواحش، أما نحن فوجدت فينا يوم ضعف الإيمان.

أين إيماننا من إيمان أبي بكر الصديق؟! الذي دخل مزرعة رجل من الأنصار، فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة، فبكى، وقال: [[يا ليتني كنت طائراً، طوبى لك أيها الطائر! ترد الشجر، وتشرب الماء، ثم تموت لا حساب ولا عذاب]] يا ليتني كنت طائراً! هذا وهو أبو بكر الصديق!

أيضاً أين درجة إيماننا من إيمان عمر رضي الله عنه؟! يوم يقول: [[والله الذي لا إله إلا هو، لو عثرت بغلة في ضفاف دجلة -في العراق - لخشيت أن يسألني الله عنها: لِمَ لم تسوِّ لها الطريق يا عمر؟]].

يقف على المنبر، وتقرقر بطنه من الجوع، فيقول لبطنه: [[قرقر، أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].

ومما نسب لـ أبي الحسن علي بن أبي طالب أنه قال -وهذا يدل على من زيادة، وعمق الإيمان، ومعرفة الرحمن-: [[والله لو كشف الله لي الغطاء فرأيت الجنة والنار، ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]].

يأتي أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: {يا رسول الله! أين ألقاك غداً يوم القيامة؟ أين ألقاك يوم الزحام؟} أعرابي علم علم اليقين أن القيامة سوف تقوم، وأنها لا محالة، ولذلك ينادينا الله، ويسمي يوم القيامة غداً، كأنه غداً القريب.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18].

ويقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

يقول الله لبني إسرائيل أهل المخدرات، وأهل الخمر والمسكرات، وأهل السيئات والمعاصي والمخالفات، الذين أغضبوا رب الأرض والسماوات، يقول: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13].

ويقول عن علمائهم: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5].

ويقول عن عالمهم: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:176].

يقول الأعرابي: {يا رسول الله! أين ألقاك غداً يوم الزحام؟ قال: تلقاني في أحد مواطن ثلاثة -كأن الأعرابي يتصور يوم القيامة-: إما عند الصراط، وإما عند الحوض، وإما عند الميزان}.

اللهم سلم سلم، يا شباب الإسلام! يا فتيان هذا الدين! يا حملة الرسالة الخالدة! هل جلس واحدٌ منا، فتفكر في ذلك اليوم؟ وهول ذلك اليوم؟ وشدته ورعبه؟ يقول عمر بن عبد العزيز الخليفة رضي الله عنه وأرضاه: [[والله الذي لا إله إلا هو، إنه لتمر بي الليلة، فأفكر في قيام الساعة منذ أن يبدأ الله في الحساب إلى أن يدخل الجنة قومٌ ويدخل النار قومٌ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] وإذا بأذان الفجر]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.

نور الدين محمود -السلطان العظيم الصالح الزاهد التركي- جمع مهرجاناً يقارب ألف ألف (مليون) من الجيش، فخرج عليه أحد الزهاد، فقال:

مثل لنفسك أيها المغرور >>>>>يوم القيامة والسماء تمور

إن قيل: نور الدين جاء مسلماً >>>>>فاحذر بأن تأتي ومالك نور

حرمت كاسات المدام تعففاً >>>>>وعليك كاسات الحرام تدور

من يصدق أن بعض كبار السن في مجتمعاتنا يعاقرون الخمر، يوم يقوم المتهجدون لربهم في ظلام الليل، يوم ينزل الحي القيوم إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، يوم ينادي بصوت: هل من سائل فأعطيه؟! هل من مستغفرٍ فأغفر له؟! هل من داع فأجيبه؟! هؤلاء الذين أتاهم النذير من الشيب، ألم يعلموا بقوله تعالى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] فيعاقرون الخمر والقات والدخان ولعب الورقة والبلوت وكل ما يشغلهم عن الله!

يا إنسان! هل خلقت لهذه الأمور؟! إنما أوجدك الله لترفع لا إله إلا الله، وإذا بك تأتي هذه الأمور، فما هو السبب؟ وما هو السبب في وجود العطالة والبطالة في مجتمعاتنا؟ شيوخ كبار لا يذكرون الله، ولا يتنفلون، ولا يسبحون، ولا يقرءون القرآن، جلسات من الغيبة والزور، وجلسات من الفحش على المخدرات والقات؛ والمخدرات والقات سيئات تغضب الواحد الأحد، وهي مما يدمي قلوب الموحدين، لكن السبب ضعف وقلة الإيمان.

عبد الله بن أنيس - أحد الصحابة - يأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام -والحديث صحيح- فيرسله صلى الله عليه وسلم، ليقتل خالد بن سفيان الهذلي، فيقول: {يا رسول الله! فإذا قتلته، فما لي! قال: لك الجنة -وهو صادق، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق، فوافق صدقه صدق المصطفى عليه الصلاة والسلام- فذهب فقتل المجرم، وأتى برأسه، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الله بن أنيس -الشاب-: أفلح الوجه، قال: ووجهك يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن أنيس:! خذ هذه العصا، فتوكأْ بها في الجنة، فإن المتوكئين بالجنة بالعصي قليل، فأخذها، وأصبح بها وأمسى، فلما مات، أمر أن تدفن معه} لأنه علم أن من أخبره صادق، وأن من علمه صادق، وأن رسالته صادقة، قال تعالى: نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35].

يقول ابن القيم: "أنزل الله كتاباً عقداً من السماء - صكاً - أملاه بنفسه تبارك وتعالى، وأتى به جبريل، والطرف الأول محمد، والطرف الثاني المؤمنون، والسلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين, فأُنزل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] فلما أتى به صلى الله عليه وسلم -يقول ابن القيم في أثناء كلامه- فبايعه الصحابة على دفع الأرواح والأنفس، وقاموا من المجلس والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا، فقد وجب البيع".

فلماذا وجدت المخدرات في أبناء الصحابة، أبناء الذين حملوا الرسالة؟ إنه ضعف الإيمان، وسبب ضعف الإيمان: قلة التربية، كيف قلة التربية؟

ثلاثة يسألون يوم القيامة عن تربية أبناء المسلمين، من هم؟

المسئول الأول: الأب في البيت، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] {كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته} أبٌ ما أدْخَل الإيمان في قلب ابنه، أبٌ ما غرس لا إله إلا الله في نفس ولده، أبٌ ما راقب ابنه في الصلوات، ولا في الأوقات والجلسات، ولا فيما يقدم له ولا فيما يؤخذ منه، ومن يصاحب، ومن لا يصاحب أبٌ عاطل في البيت، أحضر الخبز والماء، وأحضر الخضروات والفاكهة، وألبس ابنه أحسن الثياب؛ ولكنه ما منحه الإيمان والعمل الصالح.

والمسئول الثاني: أستاذ يدرس أبناء المسلمين لا يحمل إيماناً ولا رسالة، فخرَّج طلبة، إذا سألت الطالب منهم: ما هوايتك في الحياة؟ قال: هوايتي جمع الطوابع والمراسلة، وصيد الحمام والدجاج والأرانب.

أبناء خالد بن الوليد الذي خاض مائة معركة، وتكسرت الرماح في يده، ليرفع لا إله إلا الله، أبناء عقبة بن نافع الذي وقف على المحيط الأطلنطي وقال للبحر: [[والله لو أعلم أن وراءك أرضاً، لخضتك بفرسي؛ لأرفع لا إله إلا الله في تلك الأرض]].

يرجعون إلى أن تكون أمنياتهم جمع الطوابع والمراسلة، وضرب العود والغناء، والنجوم اللامعة في الفن، وهي نجوم مظلمة، قال تعالى: ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].

أستاذ يأتي إلى الفصل يلقي المادة، لكنه بلا إيمان، إما أنه يريد راتباً أو شهرةً أو يقضي وقتاً، فيقدم مادته باردة لقلوب باردة، فتموت القلوب، فتخرج ميتة، وتقع في المعاصي.

والله أمر بإحياء القلوب، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122].

يقول شوقي للرسول عليه الصلاة والسلام:

أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له>>>>>وأنت أحييت أجيالاً من الرمم بإذن الله.

يقول: إن كان عيسى يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، فأنت أحييت قلوباً كانت ميتة.

هذا كله بسبب ضعف الإيمان، نحن نتحدث في الدنيا، ولكن الآخرة ليس لها وقت عندنا؛ ولذلك وقع كثير من الشباب في المعاصي والمخدارت.

من اسباب الوقوع في المخدرات: قلة الطاعات

الأمر الثاني: قلة الطاعات، وقد تدخل تبعياً في مسألة ضعف الإيمان، لكن لها انفصال من جانب آخر، والحق أن نقول: اللاطاعات، فنحن ليس عندنا نصيب للقبر، ولا أعمال صالحة، إلا من رحم ربك، تصور كيف نعيش مع القرآن؟ وكم يأخذ القرآن من أوقاتنا؟، وكيف نتدبر ونعمل بالقرآن؟ والله عز وجل جعل السعادة في القرآن، ويوم أعرضنا عن القرآن وقعنا فيما وقعنا فيه من غضب الواحد الديان، قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِـيراً [الإسراء:88].

وقال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].

وقال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

وقال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

أنا أعرف قطاعاً هائلاً من شباب الإسلام حتى من الملتزمين من لا يقرأ في اليوم إلا صفحات من القرآن ببرودة ووسوسة وذهول وشرود، ولكنه يقرأ من المجلات والجرائد، والنشرات والصحف والكتب ما الله به عليم.

يا أمة القرآن: يا أمة أرسلها الله بالقرآن لتزرع الإيمان في النفوس! يا أمة جعلها الله رائدة بهذا الكتاب العظيم! ما لنا نعرض عن القرآن؟! مالنا نريد كتاباً آخر؟! أين القرآن.

أتهجرون كتاباً بين أظهركم >>>>>لو كلم الذكر جلموداً لأحياه

وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كما قال صاحب هذه المنظومة:

عباد ليل إذا جن الظلام بهم >>>>>كم عابد دمعه في الخد أجراه

وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم >>>>>هبوا إلى الموت يستجدون لقياه

يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً >>>>>يشيدون لنا مجداً أضعناه

أما قلة الطاعات، فتتصور في قلة النوافل، يقول الذهبي في سيرة الإمام أحمد: كان ورده في اليوم في غير الفرائض ثلاثمائة ركعة، ولذلك قال الله: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24].

وكان عبد الغني المقدسي -صاحب الكمال في معرفة الرجال - يصلي ثلاثمائة ركعة لماذا؟، لأنه صلى الله عليه وسلم يقول فيما صح عنه: {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة}.

يقول الصحابي للرسول صلى الله عليه وسلم: أريد الجنة، قال: {أعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة}.

ومن قلة الطاعات: قلة الاستغفار، وقلة الذكر.

ماذا تنتظر من أشرطة ماجت في السوق في الغناء الماجن؟ ومجالس هراء، وجلسات تغضب المولى، وخرجات ورحلات ونزهات ليس فيها من الطاعة لا قليل ولا كثير، فماذا ينتظر منها؟ ينتظر قسوة القلوب، وعمى النفوس، وغياب مراقبة الواحد الأحد.

يقول الأندلسي لابنه:

وإذا خلوت بريبة في ظلمة >>>>>والنفس داعية إلى العصيان

فاستحي من نظر الإله وقل لها >>>>>إن الذي خلق الظلام يراني

من أسباب الوقوع في المخدرات: الفراغ

فراغ يعيشه قطاع هائل منا، بطالة وعطالة ومادة ومال وثراء وقلة إيمان، وتصور إنساناً يجتمع له الشباب والصحة والفراغ والمال، ماذا يكون حاله؟!

إن الشباب والفراغ والجِدَة >>>>>مفسدة للمرء أي مفسدة

فإذا اجتمعت هذه الأمور فهي عمىً على عمى، وقضية الفراغ محسوبة على الأمة، وما أتى الفراغ إلا يوم أتى نقص الإيمان، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الحياة والوقت: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116] تعالى الله أن يخلقنا عبثاً، وتعالى الله أن يضيع ليلنا ونهارنا سدى، وتعالى الله أن يجعلنا هملاً، ولكن فعلها كثير من الشباب.

شاب يقول لزميله - وهو يحاوره-: والله ما فتحت المصحف ستة أشهر! كيف تعيش؟ وكيف تحيا؟ وكيف تستنير؟ وكيف ترى طريقك؟ وبم تدخل القبر؟ وكيف يُنَوَّر لك قبرُك وأنت لا تقرأ القرآن؟ من أين تأتيك الهداية؟ من التمس الهداية في غير القرآن، أضله الله، ومن التمس النور من غير القرآن؛ أعماه الله، ومن التمس السداد من غير القرآن؛ أغلق الله أمامه الأبواب، ومن طلب الغنى من غير القرآن؛ أفقره الله.

يقول صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره: {اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا سورة البقرة وآل عمران، اقرءوا الزهراوين سورة البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان كغمامتين، أو غيابتين، أو كفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما يوم القيامة}.

ويقول صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}.

ويقول عليه الصلاة والسلام: {سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها، فأدخلته الجنة: سورة الملك (تبارك)} فمن ذا يحفظها؟ ومن يتدبرها؟ ومن يعيش معها؟ إذاً الفراغ هو السبب في أننا وقعنا في المعاصي.

صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ}

نروح ونغدو لحاجاتنا >>>>>وحاجات من عاش لا تنقضي

تموت مع المرء حاجاته >>>>>وتبقى له حاجة ما بقي

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: -وذكر عمره فيما أفناه-} فيم صرفت عمرك؟ دقائقك، وثوانيك، ليلك، ونهارك؟ أين ذهبت؟

دقات قلب المرء قائلة له >>>>>إن الحياة دقائق وثوان

فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها >>>>>فالذكر للإنسان عمر ثان

ومن هو المسئول الثالث عن الشاب؟ إنه الداعية المسلم، الأب والأستاذ والداعية، وهذا أمر نطرحه بين يدي أصحاب الفضيلة العلماء، والقضاة، وكتبة العدل، والأساتذة، والمشايخ، أن ينقذوا شباب المسلمين، أن ينزلوا إلى الساحة، ويتركوا الصوامع العاجية، والحواشي المظلمة، ويقودوا الشباب، ويعلموهم، ويدخلوا الإيمان في قلوبهم، ويجلسوا في المساجد والحلقات والدور والبيوت، وهذا لا يخفىعليهم، ولكنه لا بأس بالتذكير، فإنه مما علم أن هذه المنطقة وغيرها، وهذه بالذات من أكثر المناطق وجوداً للعلماء وأصحاب الفضيلة منهم نستفيد لابد أن منهم الشباب، ويوم ينزلون لتوجيه المسيرة، ويوم يرتقون المنابر، ويخرجون إلى المساجد، ويتصدرون الحلقات يكتب الله على يديهم الفتح المبين لهذه الأمة، أمة والله لا تصلح بـ(أرأيتَ) و(أرأيتَ) هذه اجعلوها في اليمن.

جاء رجل إلى ابن عمر، فقال: [[أرأيتَ إن فعلتُ وفعلتُ، قال: اجعل أرأيتَ في اليمن]] أمة -والله- لا تصلح إلا بالعلماء، ولا يستقيم شبابها إلا بالعلماء، هناك صحوة لكن تحتاج إلى علماء، تحتاج إلى قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

مفاسـد الخمـر

ومن مفاسد الخمر: أفقر الله مقتنيها إن لم يتب، وأعدم صحته، وأذهب عقله ذلك العقل العزيز الكريم.

قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

وقال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) [آل عمران:190] أي: لأولي العقول.

يقول المتنبي:

لولا العقول لكان أدنى ضيغم >>>>>أدنى إلى شرف من الإنسان

قال ابن الوردي:

اهجر الخمرة إن كنت فتى>>>>>كيف يسعى في جنونٍ مَن عَقَل؟!

وهي قصيدة وعظية ينادي بها الشباب- وقد خمسها أحد العلماء، وهي تعرف باسم: (اعتزل ذكر الأغاني والغزل) فهل صحا شبابنا؟! وهل عاد شبابنا؟! وهل وعى شبابنا أن مسألة العود والكمنجة قد انتهى وقتها؟! وقد أظلم عليها، وقد قامت عليها اللعنة، أما تكفي الأمة خيبة وخسارة وفشلاً أننا بقينا على العود والوتر والناي وطائرات إسرائيل يحجز شعاع الشمس.

قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا >>>>>شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا

إذا تبدت لنا الميراج تقصفنا >>>>>سعت لتسقطها الصيحات والخطب

ظنوا القنابل أبواقاً مزخرفةً >>>>>والقاذفات هي الأترنج والعنب

أمة مخدرة، أم كلثوم -كوكب الغرب أو الشرق أو الظلام- تغني الشباب، وكأس الخمر يقدم للأمة والحبوب المخدرة والدخان والقات والكمنجة، ثم التصفيق، ونقصف من مليون صهيوني أحفاد القردة والخنازير.

أين أبناء خالد؟ أين أبناء علي؟ أين أبناء طارق وصلاح الدين؟ ولذلك وصلنا إلى هذا المستوى الذي لا نحسد عليه، فيقول ابن الوردي للشباب:

اعتزل ذكر الأغاني والغزلْ >>>>>وقل الفصل وجانب من هزلْ

عارضه الطوسي وخمَّس قصيدته، فقال:

أيها اللاهي بلا أدنى وجلْ

اتق الله الذي عز وجل

واستمع قولاً به ضرب المثل

اعتزل ذكر الأغاني والغزل

وقل الفصل وجانب من هزل

قال ابن الوردي:

إن أهنا عيشة قضيتها >>>>>ذهبت لذاتها والإثم حل

فقال الطوسي:

كم أطعت النفس إذ أغويتها

وعلى فعل الخنا ربيتها

كم ليال لاهياً أنهيتها

إن أهنا عيشة قضيتها

ذهبت لذاتها والإثم حل

ثم يقول:

اهجر الخمرة إن كنت فتىً>>>>>كيف يسعى في جنونٍ منْ عقل؟!

ويسافر بعض الناس في العطل الصيفية للفساد، وللزنى، ولشرب الخمر، وللدعارات وغضب المولى، فلماذا؟ إنه بسبب عدم الإيمان، ووجود ظلام دامس في القلب نخره النفاق، فدخلت فيه الزندقة، حتى ابتعد عن الله؛ والقلب إذا ابتعد عن الله، تقطعت به الحبال.

استمع لما قاله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عن الخمر وبنات عمها من المخدرات، والمخدرات رضعت مع الخمر، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وكذلك قريبتها القات، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مفتر حرام) فإذا قال أهل القات: إنه لا يسكر. قلنا: يفتر وهم متفقون معنا في أنه يفتر، فهو حرام، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مفتر حرام) وفيها ذهاب للمال وللأوقات، وذهاب للعقول، وذهاب للمصالح العامة والخاصة.

قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه وعند أحمد والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر: (من شرب الخمر في الدنيا، لم يشربها في الآخرة إن لم يتب) فمن شرب الخمر -ويلحقها المخدرات- لم يشربها في الآخرة، إن لم يتب، كيف؟ أفي الجنة خمر؟ نعم. فيها نهر من خمر لذة للشاربين- أسقانا الله من ذاك الخمر الذي لا غول فيه ولا هيام ولا مرض ولا علة- وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها، وعاصرها ومعتصرها، وبائعها ومبتاعها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها) رواه أبو داود والحاكم بسند صحيح.

ملعون من يفعل ذلك، من يروج المخدرات، ومن يريد أن تشيع في الساحة، ومن يسعى في انتشارها بين شباب المسلمين فإنه ملعون، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أسكر كثيره؛ فقليله حرام).

وصح عنه أنه قال: (كل مفتر حرام).

وصح عنه أنه قال: (كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام).

وعند الطبراني بسند فيه نظر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من شرب خمراً خرج نور الإيمان من قلبه) من شرب خمراً خرج نور الإيمان من قلبه ونور القرآن ونور الإسلام.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أنه قال: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا، فمات وهو يدمنها ولم يتب منها، فلن يشربها في الآخرة).

وعنه صلى الله عليه وسلم عند الطبراني بسند حسن: (من شرب مسكراً لم يقبل الله له صلاة أربعين يوماً) صلاة أربعين يوماً لا يقبلها الله لمن شرب مسكراً، أو تناول مخدراً، أو ما في حكم ذلك.

وقال عليه الصلاة والسلام: (من شرب الخمر، أتى عطشاناً في يوم القيامة) رواه أحمد بسند حسن عن قيس بن سعد.

ولكن الآن ما هو الحل لهذه المعاصي؟

وكم من المرات خرجنا نستسقي فلم ينزل إلا بعض الفطرات اليسيرة، والعلة معروفة: الذنوب وخطايا، خرجنا لصلاة الاستسقاء ونسينا أن الربا منتشر، خرجنا لصلاة الاستسقاء والزنا عام، والغناء يُرَوَّجُ له، والفنانون يملئون الساحة، والراقصون والراقصات، والمغنون والمغنيات، والمطبلون والمطبلات، خرجنا لصلاة الاستسقاء والمجلة الخليعة تحمل الصورة الداعرة للمرأة الفاسدة وهي تملأ الحوانيت والبقالات والأسواق، خرجنا والقرآن يُهْجَر إلا في بيوت من رحم ربك، خرجنا والقطيعة والعقوق وكل ما سألت عنه من المعاصي موجود.

تكاثرت الظباء على خراش >>>>>فما يدري خراش ما يصيد

صلينا وفينا بقية باقية خرجت خائفة وجلة، فأتانا قليل من الغيث، قحطت البلدان، وغضب الرحمن، وجفت المياه من الأنهار، وغاضت الآبار، وماتت الأشجار، وذبلت الأزهار، وغضب رب الأرض والسماء الواحد القهار، فأين التوبة؟، وأين العودة؟، وأين مراجعة النفس؟ هذه كلها بسبب ذنوبنا التي سددنا بها طريق القبول والرزق من الواحد الأحد.

فما الحلول لنا من معاصينا؟

أسباب النجاة من المعاصي

هناك أسباب كثيرة، منها:

من أسباب النجاة من المعاصي: التوبة ا لنصوح

يا شباب الإسلام والله لا مخرج لنا إلا أن نتوب صباحاً ومساءً وكلنا مذنبون.

إن الملوك إذا شابت عبيدهم >>>>>في رقهم عتقوهم عتق أبرار

وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً>>>>>قد شبت من الرق فاعتقنا من النار

قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

شربوا الخمر أو زنوا أو قتلوا أو عقوا فتابوا، فلا طريق ولا مخرج إلا بالتوبة، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

التوبة النصوح، قال تعالى في الحديث القدسي: {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} حديث صحيح.

من أسباب النجاة من المعاصي: مصاحبة الصالحين

ومفهوم المخالفة من الكلام: اعتزال جلساء السوء، فإنه ما أفسد كثيراً من شبابنا إلا جلساء السوء، وعصابات الإجرام والانحلال، وشلل البغي والعدوان، يأخذون ابنك من بين يديك وأنت تنظر بحجة الرحلة، وبحجة النزهة، والأخوة والصحبة، فيفسدون عقله وقلبه، ويخرجون منه الإيمان ويدخلون النفاق، ويخرجون مراقبة الواحد الديان، ويدخلون عمالة الشيطان، فيصبح الابن ممسوخاً، لا دين، ولا حياء، ولا صلاة، ولا حب، ولا استقبال، ولا دعاء، ولا خشوع، والعياذ بالله.

جلساء السوء هم جلساء العذاب والفرقة والغضب، ولذلك يقول علي فيما صح عنه: [[تزودوا بالإخوان، فإنهم ذخر في الدنيا والآخرة]].

قالوا: في الدنيا صحيح، لكن في الآخرة قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] فوصف الله المتقين بأنهم ينفعون إخوانهم بالخلة يوم القيامة، وقال عن الفجرة: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101] فعلم أن الصديق لو كان ينفعهم، وكانوا مسلمين نفعهم ذاك اليوم.

والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {المرء يحشر مع من أحب} فكيف رضينا لأبنائنا وإخواننا بجلساء السوء؟! كيف لم يشعر الوالد أن ابنه سرق من بين يديه؟! سرقة المال سهلة، قد يعاد، لكن أن يُسْرَق ابنك من بين يديك، كيف يُسْرَق؟! يُسْرَق من جلسائه في الفصل وفي الشارع، وجلسائه في المقهى يأخذونه مصلياً ويعود متنكراً، يأخذونه عابداً فيعيدونه فاجراً، يأخذونه مستحياً ويعيدونه ممسوخاً، فهذه هي بسبب ذنوب جلساء السوء التي من آثارها المخدرات وانتشارها في مجتمعنا المسلم.

من أسباب النجاة من المعاصي: القضاء على الفراغ

بماذا يقضى على الفراغ؟ يقضى عليه بالطاعات، وبعمل الصالحات، وبالمحاضرات والندوات والدروس، وبمطالعة الكتب المفيدة، وبالشريط الإسلامي ومن العجيب أن تسمع أن أحد الشباب يكتب في الأسئلة: أنا أعيش فراغاً، وأزمةً روحية - سبحان الله!- أما عرفت طريقك؟! كيف لا تعرف هو يقضي هذه الدقائق والثواني؟

أحد علماء المسلمين كان ينام أربع ساعات، قيل له: لو زدت في ساعات النوم، قال: الحاجات أكثر من الأوقات. ولهذا بعض الصالحين مر برجل نائم، فقال: أتنام الليل كله؟ قال: نعم. قال: اُصْحُ، والله لتنام في القبر نومةً ما أطول منها.

فما أطال النوم عمراً وما>>>>>قصر في الأعمار طول السهر

فمن البلايا الفراغ الحادث في شبابنا، تجد شاباً لا يقرأ كتاباً، ولا يسبح، ولا يتدبر القرآن، ولا يحضر درساً، فيأتي الشيطان إليه من باب الفراغ، فيخيم على عقله، ويسلب إيمانه، ثم يضيع هذا الشاب.

من أسباب النجاة من المعاصي: كثرة الدعاء والذكر

ومن الحلول كذلك التي تقترح في هذا الجانب: كثرة الدعاء والذكر والابتهال إلى الواحد الأحد.

يوم أن ضيعنا الذكر وقعنا فيما وقعنا فيه.

كان السلف الصالح إذا جلسوا بعد صلاة الفجر جلسوا يسبحون إلى طلوع الشمس، هذا زادهم الروحي.

يقول ابن تيمية: هذا غدائي، ولو لم أتغدَّ لسقطت قواي.

فيا إخوتي في الله: هل من ذكر؟! هل من دعاء؟! هل من تبتل إلى الله؟! يقول تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وهل من عودة صادقة إلى الحي القيوم؟! عل الله أن يشرح صدورنا وصدوركم للإيمان.

هذا بعض ما يقال في كيفية النجاة من هذه المخدرات.

الحل لمن وقع في المخدرات

ولكن بقيت مسألة هامة وسوف أطرحها بين أيديكم، وقد طرحتها بين يدي كثير من الناس من الوجهاء وأهل الحل والعقل، وهذه المسألة تقول: ما هو حل الشباب الذين وقعوا في المخدرات؟ أهو الحبس؟ أم السجن؟ أم السوط؟ أم السيف؟ أم ماذا؟ والحل هو: أن يوصل الإيمان إلى قلوبهم، السوط والسجن والسيف ليس حلاً.

قد يدخل السجن، ولكنه يعود، وقد عاد بعضهم أربع مرات، وقد رأينا بعضهم في السجون قد عاد مرات كثيرة في المخدرات، تولع لها؛ لأنه يضرب ويسجن ويحبس، ثم يخرج وقلبه قلبه، وما زاد إيمانه، فالحل: أن يدخل الإيمان في قلوب هؤلاء، وأن يعلموا طريق الجنة، وأن يحذروا من طريق النار، وأن يكون الله أهيب إليهم من كل أحد، وأن تكبر منزلة الإيمان في قلوبهم، وهذا حل مقترح يعرض عليهم.

وقضية الأوامر لا تكفي وحدها للناس، قضية السوط، وقضية افعل واترك؛ لا تكفي، ولم يستخدمها عليه الصلاة والسلام، متى حرمت الخمر؟ حرمت في المدينة، ولم تحرم في مكة لأن القرآن نزل والناس على أول استقامة والرسول صلى الله عليه وسلم يربيهم بالإيمان، ويغرس شجرة الإيمان، ويزرع في قلوبهم لا إله إلا الله، لو قال: "اتركوا الخمر" لقالوا: لا. ولو قال: "لا تزنوا" لقالوا: لا. ولو قال: "لا تسرقوا" لقالوا: لا. لأنه ليس هناك إيمان، لكن لما هاجر إلى المدينة، وامتلأت قلوبهم بالإيمان، وامتلأت عقولهم بالقرآن أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90-91].

قال أنس: [[لما نزلت هذه الآية كنت أطوف على بعض الصحابة وهم يشربون الخمر، قال: فلما نزلت هذه الآية قام الصحابة فسكبوا الخمر في السكك حتى سالت بها سكك المدينة، وهم يقولون: انتهينا، انتهينا، انتهينا]].

هذا هو الإيمان، لما أتى الأمر ائتمروا، ولما أتى النهي انتهوا؛ لأن قلوبهم أصبحت مضيئة بالإيمان، أما أن يربى الناس على فراغ، وعلى الأغاني، وعلى كلام لا ينفع، وعلى جلساء سوء، وعلى معاصي، ويقال لهم: لا تتناولوا المخدرات، لا تأخذوا القات! فهذا بعيد.

فقد يختفون وراء الجدران ويأكلونها، ويتسترون بالحيطان ويزاولونها، لأن رقابة الله لم تكن في نفوسهم.

فيا إخوتي في الله!

أولاً: لله الحمد والشكر على أن جعل من بين هؤلاء الشباب الذين نتحدث عنهم شباباً كهذه الوجوه، شباباً حافظوا على الصلوات الخمس، شباباً توضئوا بالماء البارد، وحملوا القرآن، وعرفوا السنة، وتلألأت على وجوههم بسمات الخير.

شباب ذللوا سبل المعالي>>>>>وما عرفوا سوى الإسلام دينا

وما عرفوا الأغاني مائعات>>>>>ولكن العلا صيغت لحونا

اللهم لك الحمد، ولك الشكر، ولك الرضا على أن أخرجت هؤلاء الشباب ليقولوا للعالمين: ها قد عدنا من جديد، نحن أبناء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ها قد أتينا إلى الساحة، وقد أعلنا بطاقتنا وهويتنا وجنسيتنا أننا مسلمون، وأننا نحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولماذا وجد مثل هؤلاء الشباب؟، لأن الناس جربوا الباطل، وجربوا كل لذة، فما وجدوا ألذ من التقوى، وجربوا كل شراب، فما وجدوا أحسن من التقوى، وجربوا كل لباس، فما وجدوا أحسن من التقوى، وسكنوا ناطحات السحاب، فإذا هي لعنة بلا إيمان، وركبوا السيارات الفاخرة، فإذا هي لعنة بلا إيمان، وأكلوا الموائد الشهية، فإذا هي لعنة بلا إيمان، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126] لم يجدوا الإيمان، فكانت عليهم لعنات، فأتى الناس الآن يدخلون الإيمان، لأنهم وجدوا الإيمان حلاً لمشكلاتهم.

اللهم كما زينت الإيمان في قلوب أصحاب رسولك صلى الله عليه وسلم فزينه في قلوبنا، وثمره وبارك فيه، اهدنا وسددنا وخذ بأيدينا، وتولنا في الدارين.

إخوتي في الله: أسأل الله لي ولكم استقامةً وهدايةً ورشداً، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين.

وأنا أقترح أن يكون عنوان هذا الدرس " الخطر الأحمر"؛ لأن المخدرات دخلت جزءاً في هذا الكلام، وسوف نستمع إلى بعض الأسئلة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

.

حكم بيع الدخان

السؤال: هذا سائل يتساءل عن الدخان ويقول: إن أبي يبيع الدخان، وقد قلت له: يا أبي! إن الدخان حرام بيعه وماله، ونحن لا نريد مالاً حراماً، فما رأيك؟

الجواب: الحمد لله، الأخ سأل وأفتى نفسه، فأراحنا أثابه الله، هو سأل أن أباه يبيع دخاناً، فقال له: الدخان بيعه وتداوله حرام، فصدق، فإن من آخر ما استقرت عليه الفتوى من أهل العلم أن الدخان حرام، وأنه يدخل في الخبائث، ويدخل في عموم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] ولمضرته وما أنتج عنه من دمار في الصحة وضياع للأموال والأوقات وسوء رائحة، وما ينتجه من أمراض تناسلية وعضوية، تؤثر على النتاج وعلى غير ذلك حَرُم هذا الأمر، فأصبت يوم ذكرت تحريمه، وعلى والدك أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يترك التعامل به، وإلا فكسبه حرام خبيث، والتعامل به سعي خبيث حرام نسأل الله أن يهديه سواء السبيل.

حكم الجلوس مع المدخن وآكل القات

السؤال: هل يجوز الجلوس مع المدخن وآكل القات؟ وتعرفت على رجل، ولكني اكتشفت أنه يخزن القات، هل أهجره؟

الجواب: من هدي أهل السنة هجر أهل المعاصي، وقد دلت عليها نصوص كثيرة في السنة عنه صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة من بعده، وعلى ذلك فشارب الدخان في أثناء شربه ومزاولته، وآكل القات في أثناء أكله يهجرون، ولا يجلس معهم إلا بقصد أن تبلغهم الدعوة وتنكر عليهم، ثم تذهب، فهجرهم متعين عليك، وهذا الرجل الذي اكتشفت أنه يأكل القات عليك أن تنصحه، فإن انتصح فبها ونعمت، وإلا فاهجره، فهجر أهل المعاصي من سننه صلى الله عليه وسلم دل عليه حديث كعب بن مالك في الصحيحين على هجر أهل المعاصي، وبوب بعض أهل العلم من أهل الحديث، باب: هل يهجر أهل المعاصي ليرتدعوا، أو كما قال.

حكم الجلوس في المقاهي

السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم الجلوس في المقاهي الرجاء التفصيل؟

الجواب هذا سؤال يأخذ حكم السؤال الأول، والمقاهي هذه تعود بين الناس أنهم يجلسونها، أقصد المقاهي التي فيها شيشة ودخان وأمثالها للسفلة من الناس، وللمتبذرين والأراذل الذين ما عندهم دين ولا حياء؛ لأن بعض الناس قد يكون عاصياً مركباً:

قال حمار الحكيم توما >>>>>لو أنصف الدهر كنت أركب

فإنني جاهل بسيط >>>>>وصاحبي جاهل مركبُ

ولذلك بعض الناس قد يكون فاجراً، لكن عنده حميةً لأسرته، أو لعشيرته، أو لمروءته، فيقول: كيف أكون أنا من الأسرة، أو العشيرة وأجلس في المقهى مع المتبذلين الأراذل، لكن بعض الناس ينسلخ من الحياء، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت، فهؤلاء الجلوس معهم لا يجوز إلا بقصد الدعوة، أن تدعوهم وتوجههم فلا بأس، أما أن تجلس معهم فإنك إذاً مثلهم، قال تعالى: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72] وقال بعض أهل العلم في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72] قالوا: هي مجالس الباطل، ومن مجالس الباطل: المقاهي.

نصيحة لمن يشربون الخمر

السؤال: وهذا سائل يقول: قرب بيتنا أناس يشربون الخمر، وأنا أخاف إن نصحتهم أن يضربونني، فماذا أفعل؟ هل أذهب فأخبر الشرطة أم أنكر عليهم؟ أرجو الإجابة على هذا السؤال؟

الجواب: قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وقال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ويقول عليه الصلاة والسلام: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} وهؤلاء الذين يشربون الخمر بجوار بيتك عليك أن تنصحهم بجهدك وطاقتك، إما برسالة أو بكلمة، فإن لم تستطع فأنكر بقلبك، أما الإخبار بهم فإن كانوا مجاهرين وأفسدوا في البلد، فلا بأس، وإن كانوا متسترين على معصيتهم فلا أرى أن تخبر عنهم، ولا أن تشهر بهم لحديث الحاكم: {إذا ابتليتم بهذه القاذورات، فاستتروا بستر الله} وحديث آخر، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم {أن رجلاً أخبر عن رجل زنى، قال: لو سترته بطرف ثوبك لكان خيراً لك} فإن كانوا متسترين بالمعصية، فلا تخبر عنهم، وإن كانوا مجاهرين أفسدوا في البلد، فأخبر عنهم، وأما أنك تخشى أن يضربوك فقد أصبت، لا تتقدم إليهم، لأن بعض الناس من العصاة يضرب الناهي والآمر ضرباً مبرحاً حتى لا يدري أين الشرق من الغرب.

كيفية دعوة متعاطي القات

السؤال: كيف توجه صاحب القات غير المتعلم للإقلاع عنه، وكيف أرشده إلى طريقةٍ يسلكها تحول بينه وبين تعاطي القات؟

الجواب: ليس هناك شيء مقترح ومرشح إلا الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن على مستواه، وهذا موكولة إلى القضاة وطلبة العلم والدعاة، وما يدخل من ضمنهم من الأساتذة، أن يجلسوا مع هؤلاء العوام ويخبرونهم بالحكم والدلائل التي فيها عموم في القرآن والسنة، ثم الممارسة معهم حتى يهتدوا، وهذه طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلم أن بعض العوام لم يهتد إلى التوبة بسبب أنهم يأتيهم دعاة على مستوىً عالٍ من الكلام والفهم، فيلقون عليهم كلمات لا يفهمونها، أو دعاة فيهم جفوة وغلظة، فلا يتقبلون منهم، هذا المقترح هو الذي يظهر لي.

حكم الشَّمَّة

السؤال: وهذا سؤال عن أكل الشمة وما حكمها؟

الجواب: هذه أتأملها وأحيلها على بعض المشايخ من أهل المنطقة، وكانت قبل فترة قد أثيرت من قبل بعض طلبة العلم، فتحتاج إلى شيء من التأمل، قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ [النحل:116] أنا سمعت وقرأت في بعض الرسائل لبعض العلماء أنها محرمة، لكن ما أعرف وجهة التحريم، هل هو لإسكارها؟ فما أعرف أنها تسكر، أو لضياع المال فلا يكفي ضياع المال للتحريم فقط، فالمقصود: أنها تحتاج إلى تأمل ومحاورة مع بعض المشايخ إن شاء الله.

حكم طلب فسخ العقد من الزوج الذي يشرب الخمر أو المخدرات

السؤال: امرأة زوجها يشرب الخمر أو المخدرات، فهل يحق لها طلب فسخ عقد النكاح علماً أنها قد نصحته كثيراً ولكنه لم يستجب، فما رأي فضيلتك؟

الجواب: الزوج الذي يشرب الخمر قد ارتكب كبيرة من الكبائر وأمراً محرماً، ولكن لا يوجب هذا فسخ العقد بينه وبين زوجته , ولا إنهاء الزوجية، وإنما أوجب أهل العلم إنهاء الزوجية وحرموا استمرار الزواج بترك الصلاة؛ لأنه كفر لقوله صلى الله عليه وسلم: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة}

و{العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} أما الكبائر فلا توجب الكفر، وعليها أن تناصحه إلا إذا استحل الخمر، فقال: الخمر حلال، فيصبح كافراً، وينتهي العقد، أما إذا شربها ويعلم أنها محرمة، فإنها تنصحه ولكن لا ينفسخ العقد، وإن حاولت أن تفادي نفسها، فلا بأس من باب المفاداة.

نبذة تعريفية عن شيخ الإسلام ابن تيمية

السؤال: وهذا يطلب من الشيخ أن يحدثه عن الإمام الفاضل ابن تيمية؟

الجواب: مرحباً بك وبـابن تيمية، وبيض الله وجه ابن تيمية يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربى >>>>>وما أحسن المصطاف والمتربعا

أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم >>>>>من اللوم>>>>>أو سدوا المكان الذي سدوا

هو أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، قال الذهبي فيما ينسب له: كان جده - عبد السلام صاحب المنتقى - قمراً وأبوه نجماً، وابن تيمية شمساً فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.

ولد عام 666هـ،- وهذا الكلام ليس ترجمة وإنما نبذة عنه، سقط رأسه في الأرض وملأ الله قلبه بالإيمان، وغرس الله في قلبه لا إله إلا الله، كان يسجد وعمره ثمان سنوات ويبكي وهو في السجود، ويقول: "يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني" نشأ تقياً ذكياً زكياً، فأما التقوى فلا تسل؛ ليله ونهاره مع الله تبارك وتعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] وزكياً زكَّى نفسه بالطاعة، وعبقرياً عبقرية فياضة، يقول - وهو يتحدث بنعمة الله-: إني لأقرأ الكتاب الواحد المجلد فينتقش في ذهني مرة واحدة، وكان فيما ذكر عنه أن اثنين من الأكراد، أو من التركمان وقعت بينهم مشكلة بلغتهم تسابوا وتضاربوا في السوق، وابن تيمية حاضر، فاستدعاهم القاضي، فقال لهم: هل لكم شهود؟ قال أحدهم: ابن تيمية حضرنا، فاستدعى ابن تيمية قال: هل سمعت؟ قال: أنا سمعت كلاماً ما أفهم معناه بلغتهم، قال: أعده علينا، فأعاد كلام الرجلين.

ثبت عن تقي الدين بن دقيق العيد أنه رأى ابن تيمية، فرأى عيناه كأنهما لسانان ناطقان تكاد تتحدثان، أي: بقي قليل وتقول عينه: باسم الله.

يقول البردوني:

من تلظي لموعه كاد يعمى >>>>>كاد من شهرة اسمه لا يسمى

فقال ابن دقيق العيد: ما أظن أن الله يخلق مثلك! -أستغفر الله- بل يخلق أكثر، ولكن هكذا اندهش الرجل، حتى يقول الذهبي: لو حلفت بين الركن والمقام أن عيني ما رأت مثله لصدقت وما حنثت. كان إذا خطب يغلق عينيه، فيستفيد الناس جميعاً: المفسر والأصولي والعرضي والنحوي والصرفي، وغير ذلك من أصناف الناس، أما ليله، فيقول: تركته لله، فكان يقوم من نصف الليل يتهجد إلى صلاة الفجر، أما نهاره فمن طلوع الفجر بعد الصلاة إلى ارتفاع الشمس ضحى يذكر الله، دخل المواعظ، وارتقى المنابر، ورد على الملاحدة والزنادقة، وقاتل التتار، حتى أخذ السيف، وقال: والله لننتصرن اليوم، قالوا: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، فانتصروا بإذن الله، حتى سالت الدماء على ثيابه رضي الله عنه ورحمه الله رحمةً واسعةً، ماذا أقول؟ حتى أعجز الكثر من الكتبة الكتابة عنه، وكتب عنه بعض الفرنسيين والإنجليز والأمريكان وهي موجودة في الساحة، شخصية نادرة فياضة، ترك من المؤلفات ما يربوا على ثلاثمائة مؤلف، وفتاويه يقولون: لو جمعت كلها كانت ثلاثمائة مجلد، يكتب في اليوم الكراريس، كتب في الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5 ] كررايس هائلة، كان دائماً لا يترك الذكر، قالوا: كيف؟ قال: أنا قلبي كالسمكة إذا خرجت من الماء ماتت، وأنا قلبي إذا ترك الذكر مات.

ممن ترجموا عنه: ابن عبد الهادي، والذهبي وكذلك ابن كثير، وغيره كثير وكثير، رحم الله ابن تيمية، نحن نعجز عن الترجمة عنه، ولكن أسكنه الله فسيح الجنات، قال جولد زيهر - المستشرق المجري من المجر، هاجم الحديث- يقول: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجَّر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الخطر الأحمر للشيخ : عائض القرني

https://audio.islamweb.net