إسلام ويب

القرآن الكريم حبل الله.. من تمسك به نجا ومن تركه غرق.

والشيخ في هذه المادة تطرق إلى كثير من المسائل والأحكام المتعلقة به، من أوصافه، وفضائله، والحث على تدبره، وحال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه، ووسائل حفظه.

أوصاف القرآن

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أيها المسلمون: عنوان هذه المحاضرة: كيف تعيش مع القرآن؟

عظمة المسلم تكمن في مصاحبته لهذا القرآن، وفي العيش معه، وفي تلاوته وتدبره، والعمل به وحفظه؛ لأنه مبارك، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29] فهو مبارك.

قال بعض العلماء: مبارك في تلاوته وحفظه وفي العمل به، وتعليمه، ومبارك في الرقية به، ومبارك في طلب مداواة الأجسام والقلوب منه، وقال سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] كلام الله، أنزل ليوجه هذه الأمة، أنزل وليحكم هذه الأمة، وأنزل لتسير هذه الأمة عقيدةً وأخلاقاً وعبادةً وسلوكاً ومعاملةً على هذا القرآن: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] من استكفى به كفاه، ومن طلب الشفاء منه شفاه، ومن طلب الحماية في ظل من أنزله حماه، ولكن من طلب الهدى من غيره أضله الله، وأعماه وأخزاه ونكَّل به؛ ولذلك كان مصدر حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام:

آياته كلَّما طال المدى جدد>>>>>يزينهن جلال العتق والقدم

أتى على سفر التوراة فانهدمت >>>>>فلم يفدها زمان السبق والقدم

ولم تقم منه للإنجيل قائمة>>>>>كأنه الطيف زار الجفن في الحلم

سبحان من أنزله! وسبحان من تكلم به!

وهذا الدرس بعنوان: كيف تعيش مع القرآن؟

هو على عناصر:

1- أوصاف القرآن.

2- مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم مع القرآن.

3- الحث على تدبر القرآن.

4- تحزيب القرآن وفي كم يُقرأ القرآن، وكم تختم القرآن، وما هو وردك اليوم من القرآن؟

5- كيف تحفظ القرآن، وما هي الوسائل التي تعين على حفظ القرآن -بإذن الله- لمن أراد أن يحفظ القرآن؟

أما أوصاف القرآن فسماه الله ذكراً، والذكر هو الشرف والرفعة والمجد، فقال سبحانه: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44] ومعنى الآية أنه شرف لك -يا محمد- ولقومك، وأنه مجد لك -يا محمد- ولقومك، وأنه علو وبهاء وثناء لك -يا رسول الله صلى الله عليك وسلم- وقومك العرب من هم إلا بالقرآن؟!

ما هو تاريخ العرب إلا بالقرآن.

ما هو مجد العرب إلا بالقرآن.

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44] قال تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1] ذي الشرف والرفعة.

وسماه الله روحاً: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ [الشورى:52] والروح هي التي تقوم بها الأجساد، فإذا ماتت الروح ماتت الأجساد ولم تهتدِ.

وسماه الله نوراً ووصفه الله بأنه يهدي للتي هي أقوم، وأنه شفاء لما في الصدور، وأنه مبارك وأن آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

وهو الصراط المستقيم، وهو حبل الله المتين، وهذا من كلام علي موقوفاً عليه عند الترمذي، فلذلك لا يمدح المادحون كتاب الله مثل ما مدحه الله، ولا يمدحه بعد الله إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام.

كان عليه الصلاة والسلام يستعرض السرية من الصحابة فيقول لأحدهم: (كم معك من القرآن؟ قال أحدهم: أحفظ سورة البقرة، قال: اذهب فأنت أميرهم) وهذا من حديث أنس وهو صحيح.

فقرب الناس من الرسول عليه الصلاة والسلام بالقرآن، حبه لهم لصلتهم بالقرآن، كثرة تلاوة الصحابة للقرآن؛ تقربهم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فقد صح من حديث جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالشهداء في أحد فيقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيقولون: هذا، فيقدمه إلى القبلة ثم من بعده، ثم يصلي عليهم).

مكانة قارئ القرآن

إن حفظة القرآن أئمة في الدنيا وفي الآخرة، فقد صح من حديث ابن عمر مرفوعاً إليه عليه الصلاة والسلام: {أنه يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها} والذي يظهر من النصوص أن معناه في حافظ القرآن، وليس في الذي يتلوه من المصحف، وذلك لأمور:

1- أنه ليس في الآخرة مصاحف، وهناك يقال لمن يقرأ القرآن: اقرأ وارتقِ ورتل.

2- أنه جعل فيه حداً نسبياً، فلو كان لمن يتلو من المصحف لكان الناس مشتركين في هذا الفضل جميعاً، ولكن يقال لأهل القرآن من الأمة المحمدية: {اقرأ وارتقِ ورتل} فكلما قرأ آية ارتقى في الجنة درجة، وفي الجنة درجات بين الدرجة والأخرى كما بين السماوات والأرض نسأل الله من فضله، فيقول: {اقرأ وارتق} فإذا وصل إلى محفوظه وقف، فإن منزلته عند آخر آية يقرؤها.

فبعضهم يحفظ جزءاً وبعضهم يحفظ جزأين، وبعضهم يحفظ نصف القرآن، ولكن الذي يحفظ القرآن كما جاء عن ابن عمر موقوفاً عليه: [[من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه]] وقال أبو الدرداء: [[احفظوا القرآن فإن الله لا يعذب قلباً وعى القرآن]].

خيرية حافظ القرآن ومكانة أبي بن كعب

فكلام الله لا يحفظه إلا موفق، ولذلك كان هو السبب العظيم الذي كان صلى الله عليه وسلم يشرف أصحابه به، فقد كان يحب أبي بن كعب سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه، حتى يقول عمر: [[أقرؤنا أبي، وإنا نأخذ ونترك من بعض قراءة أُبي]] وقد صح ذلك عن عمر.

وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس فنسي آية فلما سلَّم قال الصحابة: {يا رسول الله! أنسخت الآية أم نسيتها؟ -فمن يسأل، ومن صاحب هذا التخصص؟ معاذ تخصصه الحلال والحرام، وعلي قاضي، وزيد بن ثابت فرضي، وحسان بن ثابت أديب مسلم، لكنه أعطى القوس باريها- فقال: يا أبا المنذر! أكما يقول الناس؟ قال: نعم يا رسول الله!}

وفي الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله -والمسألة تناسب تخصص أبي - فقال له: { أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2] فضرب على صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر} ليهنك هذا الفتح العظيم، ليهنك هذا التقدم، إذا افتخر الناس بالشهادات، وافتخروا بالشاة والنعم أو بالمناصب والوظائف فليهنك هذا الفضل العظيم:

لعمرك ما الرزية فقد مال>>>>>ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد شهم>>>>>يموت بموته بشر كثير

وذلك كـأبي.

وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، أن الله لما أنزل عليه سورة البينة ذهب إلى أبي وطرق عليه الباب وقال: {إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة، فقال أبي: وسماني في الملأ الأعلى؟ -أنا معروف في السماء من أنا، أنا لولا الرسالة الخالدة لست بشيء- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم سماك الله في الملأ الأعلى، وقرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سورة البينة} ولذلك يتفكه المحدثون ويقولون: هل عرض الرسول صلى الله عليه وسلم على شيخ من الشيوخ؟ قالوا: عرض على أبي.

وعند أحمد في المسند بسند صحيح، قال أبي بن كعب: { قال المشركون لرسول الله: انسب لنا ربك -أي: من أبوه ومن جده؟ سبحان الخالق! لم يتخذ ولداً ولا والدة ولا زوجة: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:93-95] فسكت عليه الصلاة والسلام فأنزل الله قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]}.

الحث على تدبر القرآن

فلا قراءة إلا بتدبر، فالتدبر يثمر الإيمان، ويزرع في قلبك الإخلاص، ويربيك على التوحيد، والقرآن ما نزل إلا للتدبر، أن تسمع إذا قرأ الإمام ثم تتفكر: من أنزل هذا الكتاب؟! من أنزل هذا الكلام؟! ماذا يراد من هذا القرآن؟! ما هو المطلوب منا إذا قرأنا واستمعنا هذا القرآن العظيم؟

قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29].

ذكر ابن القيم أن امرأة صالحة مكثت في قراءة القرآن سبع عشرة سنة في ختمة واحدة، وذكر الغزالي في الإحياء أن بعضهم يمكث عمره ليختم ختمة واحدة، لكن أخذ القرآن تكاليف أمور ربانية؛ حلال وحرام، أخلاق وسلوك وعقيدة.

كيف تحفظ القرآن

وعن أبي عبد الرحمن السلمي وغيره من القراء قالوا: [[كان الصحابة عثمان وأبي وزيد يخبروننا: أنهم كانوا يأخذون القرآن من الرسول عليه الصلاة والسلام عشراً عشراً، فلا يتجاوزونها حتى يعلمون ما فيها من العلم والعمل، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً]] وقد صح هذا من كلام ابن مسعود.

وكان أبو العالية يقول: [[كنا نقرأ القرآن خمساً خمساً]] وهو تابعي جليل، والمقصود هنا تدبر القرآن، وورد في ترجمة أبي بكر الصديق أنه كان له مصحف معلق في بيته، فكان إذا دخل بيته أخذ المصحف وتدبر آيات ليعمل بها، فكان أبو بكر قرآناً يمشي على الأرض، وكان عمر قرآناً يمشي على الأرض، فكل آية يعملون بها.

القرآن لم ينزل فقط لنقرأه على الأموات، ولا لافتتاح الحفلات، ولا تعاويذ وتمائم تعلق في رقاب المرضى، ولم ينزل للتباهي بأخذ الجوائز.

فإن بعض الناس -نسأل الله العافية- لا يحفظ إلا للجوائز وطلب المال وللتأكل به عند الناس والسلاطين، فشر الناس وأضلهم وأبعدهم أولئك الذين اتخذوا دينهم لعباً، قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ [الأعراف:175].

فالقرآن أعظم من ذلك، فقد نزل القرآن إيماناً، وعقيدةً، ونزل سياسةً ومعاملةً، ونزل أخلاقاً وسلوكاً.

فوصيتي لنفسي ولإخواني أن يقرءوا القرآن ويقفوا عند كل آية وينظروا ماذا تريد الآية منهم إن كانت أمراً فائتمر، وإن كانت نهياً فانته، وإن كانت خبراً فصدِّق، وإن كانت قصةً فاتعظ، فالقرآن ليس بأحاديث سمر.

القرآن كتاب هداية

أيها المسلمون! إن القرآن ما نزل إلا لهدف الهداية، والسر في القرآن كما يقول أبو الأعلى المودودي شكر الله له ورحمه الله في كتابه العجيب أسس في قراءة القرآن الكريم يقول: القرآن ما نزل كتاب هندسة؛ لأن بعض المفسرين مثل صاحب الجواهر يأتي بأمور القرآن بعيد عنها وما قصدها، فهو يقول في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] يقول: هذا دليل على أن الخط المستقيم أقرب موصل بين نقطتين، وهل نزل القرآن لهذا؟! وقال في قوله تعالى: انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات:30] قال: فيه دليل على أن إحدى زوايا المثلث منفرجة، لا إله إلا الله! ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] ولذلك رسم حيات في التفسير، ورسم عقارب عند ذكر الحشرات ورسم بحاراً ورسم غزلاناً، والقرآن لم يأتِ بهذا.

وثانياً: القرآن لم يأتِ تاريخاً، يخبرنا متى ولد فرعون، ومتى مات، وكم عنده من أطفال، وماذا كان يفطر ويتغدى، بل أتى يبين ضلال فرعون وكفره وطغيانه، وأتى يبين الضلال والهداية للناس، فهذا سر إذا عرفه الإنسان مضى في القرآن.

الأمر الثاني: أن القرآن ليس كتأليف الناس، فالقرآن يختلف عن التآليف البشرية، فالتآليف فهارس، والباب الأول فيه أربعة فصول والفصل فيه ثلاث عشرة فقرة، لكن القرآن أمره عجيب، فهو يحدثك عن التوحيد، ثم ينطلق بك إلى الطلاق؛ فإذا انتهى عاد بك إلى اليوم الآخر، فإذا انتهى أتى بك إلى الجهاد، أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً، والمقصود التدبر.

مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة مع القرآن

في فصل: جيل قرآني فريد؛ كلام عجيب، من ضمن ما فهمت من هذا الفصل أنه ليس عند الصحابة ثقافة إلا القرآن، لم يكن عندهم مجلدات ولا مصنفات ولا صحف ولا جرائد، أما نحن فابتلينا بثقافات ملأت قلوبنا وعقولنا وأبصارنا وأسماعنا، ثم أظلمت قلوبنا إلا ما رحم ربك، تجد الواحد يظل ست ساعات يقرأ الصحيفة، ولا يقرأ آيات من القرآن، أحدهم يقول لصاحبه وهو على مكتبه يحاوره: والله! ما فتحت المصحف ستة أشهر، لكنه نشيط في قراءة الصحف، إعلانات شركات الإسمنت، درجات الحرارة، الصيدليات المناوبة، وأخبار من ضيع تابعية ومن هذا القبيل، أما النور والهداية والحبل الوثيق والصراط المستقيم فلا يقرأ، وبعضهم يقف أمام الشاشة سبع ساعات، أما القرآن فلا يقرأ ولا يسمع، مستعد أن يرى الأفلام، ويسمع الغناء، ويقرأ المجلات ويقرأ الصحف، ويشارك ويمزح؛ لكن القرآن ما وصل إلى قلبه، فكيف يهتدي؟!

فسر الإنسان وهدايته في هذا القرآن.

حب سماع الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن من غيره

وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب من أصحابه أن يقرءوا عليه القرآن وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال لي الرسول صلى الله عليه وسلم: { اقرأ عليَّ القرآن، قال: قلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟! -يعني من أنا حتى أقرأ عليك القرآن وأنت الذي أنزل عليك- قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فابتدأت بسورة النساء حتى بلغت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41] فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم: حسبك الآن، فنظرت فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام} تأثر، وكان صوت ابن مسعود جميلاً، ولذلك يجد الإنسان من الإمام الجميل الصوت من التأثير ما لا يجده من الآخر.

وقال ميمون بن مهران: لا بأس أن يتتبع المسلم الإمام حسن القراءة أو جميل الصوت أو كما قال، وهذا طيب؛ لأن الإنسان يخشع وراءه، ويجد من التلذذ ما لا يجده خلف رجل ليس بحسن الصوت أو حسن التجويد.

قراءة أبي موسى على الصحابة

وأبو موسى كان يقرأ على الصحابة كما كان يقول عمر: [[اقرأ علينا يا أبا موسى! ذكِّرنا بربنا]] فيقرأ أبو موسى والصحابة يتباكون.

وقد صح أن أبا موسى قرأ ليلة من الليالي فمر عليه الصلاة والسلام فاستمع لقراءته، وفي الصباح لقيه وقال: {يا أبا موسى! لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود} هذه فرصة عظيمة أن يبشره، تصور أنك تصلي في مثل هذا المسجد ولا تدري من يستمع لك، ثم يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا استمعت لك، قال: {لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، فيقول أبو موسى: والذي نفسي بيده! لو كنت أعلم أنك تستمع لي لحبرته لك تحبيراً} يعني لجمَّلته وحسنَّته.

ولذلك قال الإمام مالك لأجل هذا الحديث: لا بأس أن يتكلف الإمام في تحسين صوته، بدون تكلف يخرج إلى المشقة كما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله.

وعند أبي حاتم بسند صحيح: {أنه عليه الصلاة والسلام مر في ليلة من الليالي في سكة من سكك المدينة فسمع عجوزاً وراء الباب تقرأ سورة الغاشية وتردد من وراء الباب وتقول: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] فجعل صلى الله عليه وسلم رأسه على صائر الباب، وأخذ يبكي ويردد معها: نعم أتاني، نعم أتاني، كلما قالت ورددت هذه الآية قال عليه الصلاة والسلام: نعم أتاني، نعم أتاني}.

والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحيي ليله بالقرآن، وكان لا يجلس مجلساً إلا ذكر الله عز وجل، وكانت خطبه ومواعظه وفتاويه من القرآن، فلذلك لما سئلت عائشة كما في صحيح مسلم عن خُلُقه صلى الله عليه وسلم، قالت: {كان خُلُقه القرآن} فإذا قرأت القرآن فهو ترجمة حية لحياته عليه الصلاة والسلام.

تحزيب القرآن وحفظه

كيف نحزِّب القرآن؟ وما هو تحزيب القرآن؟ وفي كم نختم القرآن؟

أيها المسلمون! اعلموا أن الدين يسر ليس بالعسر، وما جعل عليكم في الدين من حرج، قال تعالى: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:1-3] لكن تسعد فلا تشقى في تلاوة القرآن، ولا في القيام بالقرآن، ولا في حفظ القرآن، ولا في العمل بالقرآن، واعلموا أن ظروف الناس تختلف، فيهم العامل المنهك بعمله، والأستاذ المشغول بتعليمه وتلاميذه، والطالب المشغول بامتحاناته، والمزارع والتاجر والسلطان، فالله عز وجل جعل تحزيب القرآن لظروف الناس، وهذه أمور لم تتقيد بأمر واجب تكليفي من الله ورسوله بل تركت للناس.

دروس من قصة عبد الله بن عمرو

هناك أمور نسبية تقريبية أذكرها لكم، والأصل في ذلك ما في الصحيحين من حديث ابن عمرو أنه كان يختم القرآن كل ليلة، ويصوم كل يوم واعتزل أهله، فذهبت امرأته إلى أبي عبد الله عمرو بن العاص داهية العرب، الصحابي الجليل، فشكت زوجها، فهي تريد حياة زوجية -فهو رضي الله عنه وأرضاه ظن أن الإسلام عبادة فقط، وإلا فالسعي على الأهل عبادة، وإعطاء الزوجة حقها عبادة، وطلب التجارة لمرضات الله عبادة، والكسب عبادة، والجهاد عبادة، والنوم إذا قصد به وجه الله عبادة، لكن ابن عمرو رضي الله عنه وأرضاه ظن أنه للعبادة فقط، قراءة وصيام، يصوم النهار ويفطر مع الغروب، يصلي المغرب والعشاء ويأتي وقد نامت زوجته، ويصلي إلى الفجر ويبكي وأصبح برنامجه هكذا- فذهبت إلى أبيه وقالت: تزوجت رجلاً ليست له حاجة بالنساء، إذا كان كذلك فليطلق سراحها، فذهب عمرو بن العاص إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ورفعه إلى القائد الأعلى؛ فهذه قضية لا يفصل فيها إلا محمد صلى الله عليه وسلم لأمرين:

الأمر الأول: إما لأن عمرو بن العاص يريدها أن تكون قاعدة للناس جميعاً؛ لأنه يريد أن يأتي من المشرِّع صلى الله عليه وسلم.

الأمر الثاني: أو أن عمرو بن العاص أراد ألا يواجه ابنه، وأراد أن يكون الخطاب لابنه من محمد عليه الصلاة والسلام ليكون أنفع وأقبل.

فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله! ابني زوجته فتاة جميلة من آل فلان، ثم تركها، فكان يصوم النهار ويقوم الليل، قال: ائتني بابنك، فلقيه صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا عبد الله! أأنت الذي يقال عنك أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: نعم يا رسول الله! وما أردت إلا الخير، قال: لا إن لربك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه} ما أجمل الإسلام! ما أجمل التشريع! هكذا الروعة، وهكذا الإبداع، وهكذا الجمال! دين يتربى عليه البدوي في الصحراء، والملك في القصر، والجندي في الساحة، والفلاح في المزرعة، والتاجر في الدكان، دين عام حق يصل إلى القلوب، ليس كدين الكنيسة أو الرهبوت أو الكهنوت، التي قال الله عنها: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَامَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27].

أما ديننا فدين كامل يصلح للجميع، فلما أعطاه هذه القاعدة، قال: { اقرأ القرآن في شهر، يعني اختم القرآن في شهر ولو أن في بعض الروايات يذكرها بعض المحدثين في أربعين يوماً، لكن لا أظن أنها صحيحة، ففي الصحيحين في شهر يعني: في كل يوم جزءاً- قال: إني أستطيع أكثر من ذلك، قال: اقرأه في عشرين -وفي بعض الألفاظ في خمسة وعشرين- قال: أستطيع أكثر من ذلك، قال: اقرأه في خمسة عشر، قال: أستطيع أكثر من ذلك، قال: اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك} لأن أمامك متطلبات؛ قد يمرض الإنسان أو يسافر، أو قد يأتيه ضيف قريب أو جار أو رحم.

ونازله صلى الله عليه وسلم في الصيام وقال له: { صم من كل شهر ثلاثة أيام، قال: أستطيع أكثر من ذلك، فزاده صلى الله عليه وسلم حتى قال له: صم يوماً وأفطر يوماً} وهذا صيام داود عليه السلام.

ثم أخبره بقيام الليل، فقام ابن عمرو، ولما كبر ابن عمرو وشابت لحيته ورأسه ودقَّ عظمه، قال: [[يا ليتني قبلت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم]] يقول: يا ليتني ختمته في شهر، وياليتني صمت من كل شهر ثلاثة أيام. والسبب أنه ما يريد أن يترك شيئاً شبَّ عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم بعيد النظر ويربي أجيالاً؛ لأن هذا الدين للملايين ليس لي ولك فقط، صحيح أنك تستطيع شيئاً، أما أن تفرضه علي فلا، أنت أعطاك الله عضلات وقوة تستطيع أن تفعل شيئاً، لكن أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك، ولذلك ترك التطوع للناس.

كيف نقسم القرآن على الأيام

أيها الإخوة! تعالوا اليوم لنختم القرآن في شهر كلنا، أو فإن لم نستطع ففي كل يوم حزب، ولا بأس أن تختمه في شهرين، ومن يفعل ذلك ففيه تقصير، لكن ما لا يدرك جله لا يترك كله، والإنسان بظروفه، حتى إن بعض العلماء قالوا: لا يفوته أن يقرأ في المصحف يوماً ولو شيئاً يسيراً، والقرآن لم يأت بفريضة في جزء ولا حزب لكن أقرب ما أقول: حزب، أما طلبة العلم والأئمة والعلماء فلهم أحزاب أخرى، لكن جمهور الناس لا يفوتهم في اليوم حزب، وكان الصحابة عموماً يختمون القرآن في سبعة أيام، ذكر هذا ابن تيمية وغيره، يقول ابن تيمية: كان الصحابة يختمون القرآن في سبعة أيام، كلهم أو جلهم وهو الأشبه.

وكان الإمام أحمد يختمه في سبعة أيام، وابن تيمية يختمه في سبعة، وكثير من الأئمة، وكانوا يحزِّبونه كما يلي: ثلاث، وخمس، وسبع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، والمفصل، أي: ثلاث سور في يوم، البقرة وآل عمران والنساء ثلاث، وتأتي خمس بعده، ثم سبع سور في اليوم الثالث، ثم تسع في اليوم الرابع، ثم إحدى عشرة في اليوم الخامس، ثم ثلاث عشرة سورة في اليوم السادس، ثم من ق إلى الناس في اليوم السابع. فجل الصحابة كانوا يفعلون هكذا، أبي وزيد وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم، وذكره أيضاً صاحب الإحياء الغزالي.

وذكر ابن تيمية توزيعاً آخر لمن يختمه في شهر، قال: إما جزء وإلا فليجعل البقرة جزءين، وآل عمران جزءين، ثم أتى يقسم السور مرة سورتين ومرة ثلاثاً حتى قسمها على ثلاثين يوماً.

والآن -الحمد لله- القرآن مجزأ عندنا ثلاثين جزءاً لمن أراد أن يقرأه في شهر، ومحزب لمن قَصُر به الحال، فأراد أن يأخذ حزباً في اليوم.

وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث} وهل هو منهي أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث؟ أما الفقه فلن يفقه، أي لا يستفيد في التدبر، لكن الأجر أرى أنه يؤجر إن شاء الله، وقد ذكر الأئمة أن بعضهم كان يقرأ القرآن في يوم واحد.

فـالشافعي ذكر عنه المترجمون كـالذهبي وغيره أنه قرأ القرآن في رمضان ثلاثين مرة، وقرأه البخاري كذلك، وهذا ليس ببعيد، بل أعرف من العصريين من قرأ القرآن في يوم واحد، وهذا يحدره حدراً ويتمتم به تمتمة وهو لا يتدبر ولكنه يريد الأجر؛ لأن من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشرة أمثالها: {لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف}.

وسائل حفظ القرآن

القرآن هو الشرف العظيم، والذكر الحكيم، والنور المبين، فكيف نحفظ القرآن، وما هي الوسائل؟

أنا أسردها سرداً ثم أعود بشيء من البسط والشرح لبعض المسائل.

الوسائل التي تعين على حفظ القرآن إحدى عشرة وسيلة وهي كالتالي:

1- الإخلاص وطلب ما عند الله، وطلب ثواب الله من هذا القرآن، لا ليتأكل به، ولا ليقال قارئ؛ لأن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة منهم: قارئ حفظ القرآن ليقال: إنه قارئ أو ليقال أنه حافظ.

2- تفريغ البال من هموم الدنيا ومشاكلها.

3- كثرة الاستغفار.

4- التكرار: أن تأخذ مقطعاً وتكرره أكثر من خمسين مرة، بعض علماء الهنود من الأحناف، يقولون: يكرر المقطع خمساً وسبعين مرة إلى ثمانين مرة.

5- اختيار الوقت المناسب.

6- تقليل المحفوظ.

7- أن يكون حفظك على مصحف واحد.

8- سماع القرآن من الشريط الإسلامي ومن الأئمة المقرئين.

9- معرفة معاني القرآن، بقراءة تفسير مبسط في ذلك.

10- تلاوة القرآن في الصلاة، وفي النوافل والفرائض، وقيام الليل.

11- المراجعة مع صديق لك وصاحب، وما أكثر الأصحاب والأصدقاء! لكن ما أكثر الضياع مع الأصحاب والأصدقاء!

الإخلاص

الإخلاص: كل عمل لا يكون فيه إخلاص فهو ضياع، وصاحبه ليس موفقاً ونهاية العمل إلى الفشل.

قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] وقال أيضاً: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:7].

إنما الأعمال بالنيات}.. {من أشرك معي غيري في عمل تركته وشركه}.

والأمور التي تدخل في حفظ القرآن غير الإخلاص أو التي تضاد الإخلاص، كأن يحفظه الإنسان ليشتهر بين جماعته وقريته أنه حافظ، أو ليعين في المسجد أو ليتأكل بالراتب، ليس قصده الإمامة، ولا نفع المسلمين لكن قصده فقط الحفظ، لأنهم يشترطون أحياناً في الإمام أن يحفظ جزءين أو ثلاثة أو أربعة فيكر ويفر على الجزءين فإذا سبق ونجح وأصبح إماماً ترك الجزءين فنسيهما.

ومنهم من يحفظ للامتحانات فقط، ولذلك بعض الجامعات والكليات والمعاهد يحفظ فقط قبل الامتحان بأيام، فإذا قدم ورقة الامتحان نسي القرآن فنسيه الله، ومنهم من يعلن عن جوائز باهظة من أحد المحسنين أو أحد الهيئات فيتقدم فيكر الليل والنهار ويسهر، فهو يسهر من أجل ثلاجة أو غسالة أو مجموعة أحذية، وهل هذه تعادل كتاب الله عز وجل؟!

أهكذا يفعل مع كتاب الله عز وجل؟!

أهكذا يشترى به ثمن قليل؟ هل أصبح القرآن رخيصاً لهذه الدرجة؟

فإذا فاز في المقابلة وفي المسابقة أخذ الجائزة ثم نسي القرآن وأعرض عنه.

وبعضهم لا يقرأ القرآن في رمضان إلا ليجيب عن الأسئلة -الثلاثين سؤالاً- فتجده يفتح القرآن كأنه يفتح معجماً، أو كأنه في كتاب تاريخ يبحث عن تراجم؛ لأنه لا يعيش مع القرآن، ولا يدري أين القرآن؟

ولذلك بعضهم لو سألته عن سورة مشهورة وهو يقرأ ما أعطاك خبرها، تقول له: افتح (تبارك) فيبحث لك عند سورة الناس؛ لأنه لا يعيش مع القرآن.

وبعض الناس من كثرة قراءته في المصحف لو تسأله في آية لفتح عليها في سورة كذا ورقم كذا، عاش مع القرآن، تذوق القرآن، أحيا قلبه بالقرآن.

وبعضهم يحفظ من أجل التقدم على زملائه، وبعضهم يحفظ من أجل أن يقرأ في الحفلات العامة، وبعضهم يحفظ ليهول الناس بصوته وبكائه في صلاة التراويح.

وبعضهم يحفظ لتسجل أشرطته بواسطة هذا القرآن ويقال: المقرئ المفضل، وكلها نسأل الله العافية والسلامة من هذه المقاصد.

فيجب أن يحفظ القرآن لله عز وجل: {أول من تسعر بهم النار ثلاثة منهم: قارئ سأله الله أما علمتك القرآن؟ قال: بلى يا رب! قال: ماذا عملت به؟ قال: قمت به وأحللت حلاله وحرمت حرامه، فيقال له: كذبت، إنما تعلمته ليقال قارئ وقد قيل، خذوه إلى النار فيأخذونه حتى يلقى على وجهه في النار}.

تفريغ البال

المسألة الثانية تفريغ البال: فالقرآن لا يستقر مع هموم الدنيا، وبعض الناس يشتغل بالتوافه حتى تستولي على عقله وفكره، يفكر في الغداء وهو في صلاة الظهر، وفي العشاء وهو في صلاة العشاء، يفكر في مسائل جزئية حتى يصبح حاله شذر مذر، أمره عجيب، يذكر الذهبي أن بعض المحدثين غلب عليهم حب الحديث وأفرطوا فيه حتى ضيع عليهم الخشوع في الصلاة.

وذكر أن أحدهم قام فقال: الله أكبر -في صلاة الظهر- فرفع صوته بالقراءة وقال: حدثنا الربيع بن سليمان، وبعضهم يقرأ التحيات وهو في الفاتحة من الشواغل التي مرت عليه، ويقرأ الفاتحة في التحيات.

فهذا لا يحفظ القرآن، بل هذا له محفوظات أخرى، لذلك تجد بعض العوام يحفظ القصائد التي قيلت حتى يكاد يجمع مجلدات، يجلس في المجلس يقول: قالت قبيلة كذا ترد على كذا، وقال فلان من آل كذا يرد على فلان من قبيلة كذا، وملحمات في ذهنه، لكن إذا سألته اقرأ سورة تبت يقول: ما حفظتها، الدين يسر ويكفي الفاتحة تقوم بها الصلاة، لكن القصائد مسجلة.

وبعضهم يحفظ أرقام الهاتف غيباً وأسماء المجلات، وأسماء العواصم، والصادرات والواردات، ورؤساء الدول، ووزراء الخارجية، لكن لا يحفظ من القرآن شيئاً.

و البخاري ذكر عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته أنه قال: أردت أن أكتب لأقاربي في بخارى فنسيت اسم بعض خالاتي وعماتي، كذا ذكرها الذهبي؛ لأن البخاري توجه إلى القرآن والحديث، كتابه التاريخ الكبير فيه ألوف مؤلفة من الرجال فخدم به سنة الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ما من رجل كتبته إلا وأعرف أين ولد، ومتى توفي، وأين توفي، وكم يروي، ولذلك لما رآه أبو عبيد القاسم بن سلام وعبد الله بن الطاهر راوي الكتاب قالا: هذا سحر، لا أحد يؤلفه، وليس بسحر بل حق مبين، ولكنه من حفظه وذكائه حفظهم بينما لم يهتم بتلك الأمور فنسيها.

ولذلك بعض العلماء يحفظ كثيراً من الأحاديث بالسند، سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يذكر له الحديث يقول: رواه الترمذي وفي سنده فلان بن فلان، قال فلان فيه: كذا وكذا، وهو أعمى البصر لكنه منور البصيرة: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الرعد:19] بصيرته حية:

إن يأخذ الله من عينيَّ نورهما>>>>>ففي فؤادي وقلبي منهما نور

عقلي ذكي وقلبي غير ذي عوج>>>>>وفي فمي صارم كالسيف مأثور

دروس الشيخ الآن إذا درس يقرأ عليه السند فيتحدث عن الرجل، ثم يتحدث عن من زاد في الحديث، ولذلك من يقرأ فتاويه مثل الجزء الأول مثلاً يقول: قال صلى الله عليه وسلم في حديث أوس بن أوس عند أبي داود: {أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: كيف تعرض عليك صلاتنا يا رسول الله وقد أرمت؟ -أي: بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} قال الشيخ: ولا يصح الشهداء لأنها زيادة ضعيفة.

والذي علمه هو الله؛ لأنه انتهج إلى العلم:

بين الصحيحين تغدو في خمائلها>>>>>كما غدا الطل في إشراقه الضافي

تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى>>>>>من دقة الفهم درا غير أصداف

يكفي محياك أن القلب يعمره>>>>>من حبكم والدي أضعاف أضعاف

حياة ليست كهذه الحياة ضياع، الإنسان عمره ستون سنة وهو يحفظ أغاني، ويحفظ أرقاماً، ويحفظ أسماء لا تنفع، وقصائد وخزعبلات! فهذا خطأ، فعمرك محسوب عليك.

كثرة الاستغفار

ومنها كثرة الاستغفار: ورد عن ابن تيمية أنه قال: إنها لتعجم علي المسألة فأستغفر الله أكثر من ألف مرة فيفتحها الله علي، يقول: تصعب عليه المسألة فيبحث عن الترجيح والتحقيق فتتعارض عليه أقوال العلماء -بعض الأوقات كما يقول الشوكاني: تتعارض الأدلة حتى تقع عمائم الأبطال، وتتكسر النصال على النصال، يقطر عرق الإنسان، ويفض رأسه وتتشنج أعصابه كيف يجمع بين هذه الأقوال- فيأتي ابن تيمية بالاستغفار؛ لأنه لا يفتحها إلا الواحد الأحد، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام:59] دائماً يبتهل ويدعو الله بالفتح، بل ورد في ترجمته: أنه كان يذهب إلى الخربة القديمة قبل الفجر ويمرغ وجهه في التراب ويبكي ويقول: يا معلم إبراهيم! علمني. ويا مفهم سليمان فهمني، فعلمه معلم إبراهيم وفهمه مفهم سليمان.

فتأتي إلى النحو فإذا هو أقوى من سيبويه، وفي المنطق أقوى من ابن سينا، وفي الحديث كـيحيى بن معين، وفي الفقه أقوى من السبكي الشافعي الذي معه، كان يجلس أمام علماء المذاهب فيسمع من عالم المذهب فيقول: مذهبك ليس كذا، الصحيح في مذهبك كذا.

جاء أبو حيان الأندلسي النحوي الكبير صاحب البحر في التفسير فذكر سيبويه، فقال ابن تيمية: في الكتاب لـسيبويه ثمانون خطأً لا تعرفها أنت ولا سيبويه، قرأ كتاب سيبويه الذي ما يقرأه الإنسان إلا كأنه حديد، وسجل ثمانين خطأً، قرأ المنطق ففتح الله عليه.

كان يغلق عينيه بعد صلاة العصر ويتكلم بشتى العلوم، ويفتحها مع الغروب، ثم يعتذر عن زملائه، وهذا يذكره ابن عبد الهادي يعتزلهم يسلم على الجالسين ويقول لهم: اعذرونا سافرنا عنكم، يغلق عينيه ثم ينطلق مثل البحر ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].

وصح أن ابن دقيق العيد عالم الشافعية الذي يجعلونه مجدد القرن السابع، دخل على ابن تيمية فلما رآه يتكلم، قال: رأيت رجلاً كأن القرآن والسنة أمام عينيه، يأخذ ما شاء ويترك ما شاء، ثم يقول لـابن تيمية: والله ما أظن أن الله يخلق مثلك -أستغفر الله العظيم- فغضب ابن تيمية، حتى قال ابن تيمية:

أنا المكدي وابن المكدي>>>>>وهكذا كان أبي وجدي

فقير يأخذ هذا العلم بالأسباب، بالاستغفار، وبالفتح من الله، دائماً يرفع يديه، يعلم أنه لا يفتح عليه إلا الواحد الأحد، ولذلك منحه الله من العلوم ما الله به عليم، وأنا لا أعرف أحداً بعد الصحابة أعلم من ابن تيمية، وابن تيمية، لم يتكرر كما يقول المستشرق المجرم، جولد زيهر الذي قال: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن.

التكرار

يظن بعض الناس أن حفظ القرآن مثل حفظ أي متن؛ كحفظ قصيدة أو حديث أو قصة، لا، فالقرآن يختلف، فإنه ينسى، قال صلى الله عليه وسلم: {تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها} إن لم تتعاهده يخرج منك، والحكمة في ذلك والله أعلم ليبقى الإنسان متصلاً بالقرآن، لا تظن أنك إذا حفظت مقطعاً وكررته مرتين أنك انتهيت، صحيح أنك تحفظه في الحال؛ لكن تنساه، وهذا يسميه الموريتانيون الكتابة (بالرصاص) الذي يكرر مرتين أو ثلاثاً مثل الذي يكتب (بالرصاص) ثم يمحى، أما إذا أردت أن تكتبه كتابة كالنحت على الحجر فكرره أكثر من خمسين مرة، خذ ثلاث آيات كل يوم وكررها أكثر من خمسين مرة، ثم تعاهدها وسوف تحفظ.

تقليل المحفوظ

أيها الإخوة! من أراد أن يحفظ القرآن فلا يحفظه بالكثرة، القرآن إذا حفظته جملة فاتك جملة، قال بعض الشباب: حفظت سورة يوسف في يوم، وبعضهم يقول: حفظت سورة الكهف في يوم، وهذا صحيح، لكن لو اختبر بعد أيام فإنه يكون قد نسيها فالحفظ بالتقليل، قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: تقليل المحفوظ والثبات أصل عظيم. ولذلك وصيتي لإخواني ألا يتجاوزوا في اليوم خمس آيات، قال أبو العالية: [[كنا نأخذ القرآن من الصحابة خمساً خمساً]] وقال أبو سعيد: [[كنا نتعلم القرآن ونحفظه خمساً خمساً]] أربع آيات، خمس آيات في اليوم ثم تكررها ثم تبني عليها في اليوم التالي، وتجعل لك يوماً في الأسبوع كيوم الجمعة تراجع فيه ما قرأت في الأسبوع.

الوقت المناسب

أنسب أوقات حفظ القرآن قبل الفجر وبعده، وبعد صلاة المغرب، فهذه أنسب الأوقات للحفظ، والله ذكرها في القرآن: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39] وكذلك الفجر قال تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78] فالفجر تشهده الملائكة، ثم إنك قمت وأنت مرتاح البال ليس في فكرك إلا القرآن، وأرشح إذا أراد الإنسان أن يحفظ مقطعاً أو ثلاثة مقاطع أو أربعة أو خمسة أن يقرأها قبل النوم كثيراً، فإذا استيقظ يقرؤها ويكررها.

القراءة في مصحف واحد

مما يعكر على الحفاظ أنهم إذا تنقلوا من مصحف إلى آخر اختلفت واجهات المصحف، وأنا أرشح المصحف الواحد، وليكن هذا المطبوع الموجود بين أيدينا من المجمع فهو من أحسن ما يكون، وهو الذي ينتهي بآية وهو مشهور ومتوفر فليحفظ عليه، شكر الله لمن قام عليه، ولمن أسداه، ولمن قدمه للأمة الإسلامية.

سماع القرآن من أشرطة

ووسيلة الشريط أمرها عجيب، كثير من الشباب يحفظ الآن بواسطة الشريط، يجعل الشريط في سيارته على مقطع واحد، وكلما ركب كرره فإذا انتهى عاد، فإذا انتهى عاد حتى يرسخ السماع في ذهنه، أنا أعرف شاباً حفظ سورة الأنعام من الشريط كما يحفظ الفاتحة، وهذا مجرد تعود على الشيء فإذا به يرسخ في ذهنك، بل قدم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى آلة السمع في القرآن على آلة البصر قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36] وقال أيضاً: وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:9] فالسمع أولاً؛ لأنه أحفظ ما يكون، فوصيتي للإنسان أن يحفظ من طريق الشريط، إما في البيت وإما في السيارة، ويكرر ذلك ليحفظ المقطع الذي يريد حفظه.

معرفة معاني القرآن

وهي مما يعين على حفظ القرآن، وقد ذكر ذلك ابن تيمية؛ فإنك إذا حفظت المعنى وحفظت الكلمة أعانك الله بإذنه، مثل قوله تعالى: وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً [النحل:52] لا تدري ما معنى كلمة (واصباً) أو لا تدري ما آخر السور، أحياناً تجده يقول: وكان الله عزيزاً عليماً، والصحيح هو: وكان الله عليماً حكيماً [النساء:17] فلو فهم المعنى عُرف أن القرآن لا يختم إلا بهذا.

أحد الأعراب سمع مقرئاً يقرأ قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] فقرأ المقرئ: إنه هو العزيز الحكيم -ذكر ذلك مثل ابن إسماعيل وابن قتيبة - قال: لا. لا يكون هذا، أعرابي لا يعرف القرآن لكنه يعرف لغة العرب، قال الأعرابي: لا يكون بعد المغفرة إلا غفور رحيم، فعاد المقرئ إلى المصحف فقال: صدقت.

فلو كان يعلم معنى الآية ما كان ختمها بشيء لا يناسبها، ومما يرشح في هذا الجانب كلمات القرآن لـحسنين مخلوف مفتي مصر وقد طبعته الإفتاء وهو مجلد واحد صغير، وهو يعينك على فهم القرآن فهماً مبسطاً، وتفسير الجلالين لا بأس به، ومثل تفسير ابن كثير، أو مختصر ابن كثير لـنسيب الرفاعي، فهذه أيضاً تعين على فهم القرآن بإذن الله عز وجل.

تلاوة القرآن في الصلاة وقيام الليل والنوافل

إذا حفظت مقطعاً فكرره في الأربع والعشرين ساعة التي بعده في الفريضة، والنافلة، والوتر، والضحى، وتحية المسجد، وفي قيام الليل، وكلما كررته ونسيت فعد إلى المصحف فإنك سوف تحفظه بإذن الله، فقيام الليل من أحسن ما يكون للقرآن، قال تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل:6].

المراجعة مع صديق أو صاحب

وأنا أرشح من الإخوة الذين يجتمعون دائماً للسمرات والحفلات والمناسبات أن يكون بينهم جدول عمل، والكفار بينهم جدول إلا المسلمين، فيجتمعون في قصص، وأطروحات وفكاهات، أرى أنهم يقولون: إذا اجتمعنا عندك هذه الليلة فلنحفظ خمساً من الآيات أو نقرأ في تفسير ابن كثير، أو نقرأ في رياض الصالحين، أو يكون معنا قصة نقرؤها، أو حديث، أو سيرة نبوية، فهذا مطلوب.

وأرشح أن تكون هذه المراجعة مع الصاحب، فيكون لك صديق وصاحب تقرأ عليه وتردد، وليكن ولو كان في الأسبوع يومان أو يوم واحد كالأساتذة مثلاً في المدرسة، كثير من الأساتذة يفوت عليهم وقت الطلبة بين الحصص وكذلك وقت انتظار ركوب الطائرة ساعة أو ساعتين، وتجد الإنسان يعدد الناس وينظر إلى أشكال الناس وحقائبهم حتى تتعب رقبته من كثرة الالتفات، وبعضهم إذا وقف على الرصيف، أخذ ينظر في السيارات يوصلها من مكان إلى مكان بنظره، فعليه أن يأخذ المصحف أو يكرر سورة.

فضياع الوقت أمره عجيب، بعض الناس يفتح البقالة بعد صلاة الفجر فلا يأتيه أحد، بعضهم عنده بصل أو ثوم وشيء من سكر فيفتح من بعد الفجر خوفاً أن يبتعد عنه الزبائن، فيبقى إلى الساعة العاشرة ولا يأتيه أحد، وتجده جالساً لا يقرأ، إنما ينظر في هذه المعلبات حتى لا تفر من بين يديه، يا أخي! افتح المصحف، كثير من التجار معهم مصاحف في حوانيتهم، وهذا ينبغي أن يكون كذلك في مكاتب الموظفين والأساتذة والمدراء ليقرءوا وقت الفراغ، فبعضهم ليس لديه إلا معاملة واحدة أتعب المسلمين بها، كلما أتاه المراجع يقول له: بعد شهرين إن شاء الله، لماذا؟ يقول: الأدراج مليئة بالملفات والمراجعات، وهو بهذه المعاملة أتعب الناسَّ وليس عنده شيء إلا اتصالات، فينبغي أن يكون المصحف على طاولة المكتب.

وإذا وجد هناك من الملابسات والظروف ما يعيق فليكن عندك مسجل تستمع، وهذا من أحسن ما يكون، وأنا رأيت بعض الناس معه مصحف يقرأ فيه قراءة عجيبة، مع كثرة أشغاله وأعماله لكن يزيده الله عوناً وصحة.

كذلك بعض الناس ينتظر السيارة وتجده جالساً ولكنه لا يقرأ، فيضيع الوقت وهو حياته، وهو يصرف من وقته والله محاسبه على هذا العمر، قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116].

وبعض الناس لا يبيع ولا يشتري ولكن ينـزل في السوق يجلس عند بائع الخيار نصف ساعة، وعند بائع الجرجير ساعة، ثم يقوم في الظهر لم يشتر ولم يبع، لماذا هكذا يا فلان؟ يقول: أتمشى وأنظر في هذه النعم، وأنظر في خلق الناس. لكن هل ترضى أن يذهب وقتك سدى؟!

وبعضهم -نسأل الله العافية- يذهب إلى المحاكم يشهد شهادة زور، ليس موظفاً ولا مدرساً ولا عنده عمل، لكن أخذ مسبحته وذهب، يا فلان! عندك شيء والفلوس جاهزة -نسأل الله العافية- وهذه يفعلها من ضاع حظه من الله، فيبيع دينه بألف ريال، أو ألف وخمسمائة، أو ألفين، وبعضهم باع دينه بعشرة آلاف، ووالله! لو دفعت له الدنيا بما فيها ذهباً وفضة لهو الخسران.

فضائل بعض سور القرآن

أيها الإخوة! هنا سور ورد فيها فضل، ولنا فيها كلام.

فضل سورة الكهف

من هذه السور: سورة الكهف، صح في قراءتها يوم الجمعة حديث صحيح عند الحاكم والبيهقي والدارمي موقوفاً عند الدارمي وابن مردويه وهو قوله عليه الصلاة والسلام: {من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة، أضاء له نوراً من تحت قدميه إلى عنان السماء} وهو حديث صحيح، وأورده ابن القيم وهو صحيح عند الأئمة، وفي بعض الروايات لكن فيها نظر أوردها الضياء صاحب المختارة من حديث علي؛ لكن كأنه موقوف، وهذا لا يكون من قبيل الرأي فيكون في حكم المرفوع لكن في سنده رجل تكلم فيه يحيى بن معين: {من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة كفرت له ذنوبه ثمانية أيام}.

فوصيتي أن تقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، يقولون: كان الإمام أحمد لا يترك سورة الكهف يوم الجمعة لا في حضر ولا سفر، حتى في مرضه كان يقرؤها.

فضل سورة الملك

صح عنه عليه الصلاة والسلام عند أحمد أنه قال: {سورة ثلاثون آية شفعت لصحابها حتى غفر له} فتعالوا أنا وإياكم من هذه الليلة نأخذ على أنفسنا عهداً أن نقرأها كل يوم وليلة ليلاً أو نهاراً أي: ما يمر على الواحد أربع وعشرون ساعة إلا وقد قرأها مرة، وتعالوا من الآن نوصي أهلنا وإخواننا وجيراننا أن نقرأ سورة (الملك) كل يوم، وذلك لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث.

وقد ورد في السير أن الناس حفظوها حتى جواري المدينة، فكانت الجارية تلقي قربتها لأختها وتصب تلك بالدلو وتحفظها سورة (الملك) وفي بعض الألفاظ: هي المنجية أنجت مسلماً من عذاب القبر كان يقرؤها، ونسأل الله أن تنجينا من النار، فوصيتي لكم حفظ سورة (الملك) فإنها سهلة، وعملوها أهليكم وأبناءكم وجيرانكم.

وقراءتها كل يوم، إما في النهار أو الليل قبل أن تنام، فتقرؤها وتكون وردك وتعيش معها وتتأثر بها، لأنها عظيمة جد عظيمة.

فضل سورة الإخلاص

وهي ثلث القرآن، سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة: {أيكم يستطيع أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: يا رسول الله! لا نستطيع، قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن} أجرها بثلث القرآن تقرأ ثلاث مرات: (قل هو الله أحد) كأنك قرأت القرآن مرة بالأجر والمثوبة.

فضل المعوذتين

المعوذتان وأمرهما عجيب! خاصة في الصباح والمساء! قال عبد الله بن خبيب -والحديث صحيح-: {كنت أسري مع الرسول عليه الصلاة والسلام في ظلمة الليل فقال: يا عبد الله! قل، قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: قل، قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: قل، قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، قلها ثلاثاً إذا أصبحت وإذا أمسيت تكفيك من كل شيء} وهذا شيء عجيب.

أحد المشايخ يقول: قرأت على مصروع فأتت الجانة التي في المصروع تقول: أنا أقفز عليك، قال: اخرجي، قالت: لكنك قرأت المعوذات اليوم، ما استطاعت، فهي حجاب وحرز، وهي حصن حصين.

فضل سورة البقرة

وكذا سورة البقرة: صح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان} فوزع سورة البقرة -مثلاً- في الأسبوع سورة البقرة حتى تتمها في أسبوع في بيتك إن لم تستطع أن تتمها في يوم أو يومين أو ثلاثة.

فضل سورة الواقعة

ورد فيها حديث ابن مسعود، وبعض العلماء يصححه وبعض العلماء يضعفه لعلة فيه، وهو أن ابن مسعود كان يعلم بناته سورة الواقعة فيقرءونها كل يوم، فلما حضرته الوفاة جاءه عثمان بن عفان -رضي الله عنهم جميعاً- يسلم عليه قال: يا بن مسعود! ألك وصية؟ قال: لا. قال: أتوصي ببناتك إلي؟ قال: بناتي علمتهن سورة الواقعة، ولقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: { من قرأ سورة الواقعة كل يوم لم تصبه فاقة قط} أي: لا فقر ولا حاجة، وأنا أرى أن الحديث هذا حسن.

وسورة الواقعة عجيبة حتى يقول مسروق في سير أعلام النبلاء: كل علم في سورة الواقعة، قال الذهبي: في بابها؛ فإن في بابها أعاجيب لمن قرأها بتدبر.

فضل آية الكرسي

وهي أعظم آية في القرآن، وأنتم تعرفون الحوار الحار بين الشيطان وأبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه حين جعله صلى الله عليه وسلم يحرس تمر الصدقة -والحديث عند البخاري ومسلم - فقام يحرس، فأتى الشيطان في صورة شيخ كبير، فكان يأخذ من التمر والحب فأمسكه وقال له أبي هريرة: لأرفعنك لرسول صلى الله عليه وسلم، فشكا الحال والجوع والفقر والأبناء -وكان أبو هريرة رحيم القلب- فتركه، وفي اليوم التالي أتى فأراد أبو هريرة رفعه فقال: اتركني، وفي اليوم الثالث أتى، فقال له: لأرفعنك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: دعني أعلمك آية لا تقرؤها في ليلة إلا كانت لك حرزاً -أو حافظاً فلا يقربك فيها شيطان -وكان أبو هريرة أحرص الناس على الخير- قال له: ما هي؟ قال: آية الكرسي، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبره فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: { أتدري من تحدث منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قال: لا. قال: ذاك الشيطان، صدقك وهو كذوب}.

وقد يصدق الكذاب، مثل الكاهن يكذب مائة كذبة ويأتي بكلمة صدق واحدة. فالآن إذا ذهبت إلى بعض الكهنة في بعض القرى تجده يأتي لك بشيء يبين لك به أنه صادق، مثل يقول: سيارتك هيلوكس؛ لأن الشيطان علمه، لكن يأتيك بتسع وتسعين كذبة: {من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد}.

فآية الكرسي تقال عند النوم وفي الصباح، وفي دبر كل صلاة، وقد صح بها الحديث عند الطبراني.

الأسئلة

حكم وضع اليدين على الصدر بعد الركوع

السؤال: ما رأيك في وضع اليدين على الصدر بعد القيام من الركوع، خاصة أن بعض الشباب الملتزمين يقولون: إن وضعها على الصدر واجب؟

الجواب: ما قاله هؤلاء ليس بصحيح، وليس للمسلم أن يوجب شيئاً إلا ما أوجب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يحرم شيئاً إلا ما حرمه الله أو رسوله، ولا يستحب شيئاً إلا ما استحبه الله ورسوله، ولا يكره شيئاً -يعني في أمور الشرع- إلا ما كرهه الله ورسوله، قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [النحل:116] وأنتم سمعتم نقاشاً بين عالمين في هذه المسألة.

والأقرب أنه بعد (سمع الله لمن حمده) توضع اليمنى على اليسرى على الصدر، فهذا هو الأقرب إلى الأدلة، وإلا فلا أعلم نصاً صريحاً فيها، حتى من استدل من العلماء في هذه المسألة ما أتوا بنص إنما لعموم الأحاديث، ولأنها أوفق في الهيئة.

الصدقة والداوفع الإنسانية

السؤال: أحد المؤلفين المفكرين الموجودين من المسلمين يقول في كتاب له: الذي يدفعك إلى إعطاء الصدقة للمحتاج هو شعور إنساني، وقد يكون من الصعب أن تحدد معنى هذا اللفظ الدقيق، فهو في شموله معجز: كالإنسانية فلفظ الإنسانية استبدل به بعض الناس لفظ الشريعة والأخوة الإسلامية؟

الجواب: هذا ليس بصحيح، وهذا الكاتب أعرفه وأشكره، وله قدم صدق في الدعوة، ولكن هذه اللفظة (بدافع إنساني) غير صحيح، بل دافعك إلى الصدقة طلب مرضاة الله: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً [الإنسان:8-9] أما الدافع الإنساني فيشترك فيه أنك تتصدق على الأفريقي في أفريقيا وعلى الأحمر الروسي، وعلى الخواجة الأمريكي الرأسمالي بدافع إنساني.

فهذا خطأ، بل هي صدقة لوجه الله، وتريد بها ما عند الله، وهذا أحسن من هذا المصطلح.

حال حديث (من لم تنهه صلاته...)

السؤال: حديث ابن مسعود ما مدى صحته: {من لم تنهه صلاته عن المنكر ولم تأمره بالمعروف، لم يزدد بها من الله إلا بعداً

الجواب: هذا موضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس من كلامه واللفظ المشهور وهو لا يصح: {من لم تنهه صلاته عن المنكر -أو الفحشاء والمنكر- لم يزدد من الله إلا بعداً} قال ابن تيمية: هذا حديث باطل ومعناه لا يصح، بل كلما تقرب الإنسان بالصلاة كلما نهته عن الفحشاء والمنكر، ورجل يرتكب المنكرات ويصلي خير من رجل يرتكب المنكرات ولا يصلي، وقد قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

حكم حديث الصلاة بعد المغرب من ليلة الجمعة

السؤال: من صلى بعد صلاة المغرب من ليلة الجمعة صلاة يقرأ فيها فاتحة الكتاب وسورة الزلزلة خمس عشرة مرة في كل ركعة؛ أكرم بعدة كرامات، هذا الكلام في كتاب شرح الصدور فما تعليقكم على هذا؟

الجواب: هذا حديث باطل لا يصح، وهو من كيس الصوفية، وليس من بضاعة محمد عليه الصلاة والسلام.

حكم صلاة التسابيح

السؤال: ما رأيك بصحة صلاة التسابيح؟

الجواب: صححها بعض العلماء وضعفها بعضهم، ولكن كما قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حديثها ضعيف، ومن عمل بها على أنها من فضائل الأعمال فإنه يؤجر إن شاء الله، وصححها كثير من العلماء كالشيخ الألباني وغيره وعملوا بها.

وعلى كل حال من اعتقد صحة كلام هؤلاء الأجلاء وأخذ به فهو مأجور إن شاء الله، ومن قال بضعفها وله علل في حديثها فهو مأجور إن شاء الله، وقد سمعتم كلام العلماء في ذلك، وأنا لا أستطيع أن أختار ولا أرجح في هذه المسألة.

التعليق على رسالة فيها رؤيا خرافية

السؤال: انتشرت رسالة فيها حمد الله والثناء عليه عليه ثم فيها: مرضت فتاة وعمرها ثلاثة عشر عاماً مرضاً شديداً، وعجز الأطباء عن علاجها، وفي ليلة اشتد المرض عليها وبكت المسكينة حتى غلبها النوم، فرأت في منامها السيدة زينب رضي الله عنها -إذا ذكرت السيدة زينب وأحمد البدوي فإننا نترضى عن عبد القادر الجيلاني والسيدة زينب ونترحم على عبد القادر الجيلاني أما هؤلاء المشعوذون الكهنة فلا وفقهم الله- قال: فوضعت في فمها قطرات، وبعد أن استيقظت من النوم وجدت نفسها قد شفيت من مرضها تماماً، وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها أن تكتب هذه الرواية ثلاث عشرة مرة وتقوم بتوزيعها على المسلمين والمسلمات لينظروا فيها. والنسخة الأولى وقعت في يد فقير فكتبها ووزعها على الناس، وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً أغنى الله هذا الفقير، وآخر توظف وثالث جاءه أولاد، فما تعليقكم على هذا؟

الجواب: هذا كذب وشعوذة وسحر وكهانة، ولا يفعلها إلا أحمق ضل سعيه، وانقطع حبله من الله، وليس عنده نور، وهذا كذاب مفتر، لو ظُفر به فحظه أن يضرب ويبطح على بطنه ووجهه حتى يرتدع.

حكم مكبرات الصوت في المسجد

السؤال: ما حكم مكبرات الصوت في المساجد؟

الجواب: هذه من أحسن ما يكون، وهذه وسائل أنعم الله علينا بها، فلك الحمد يا رب، فقد أصبح الآلاف المؤلفة يسمعون في المكرفون ويسمعون الخطيب والمقرئ، ولكن تعلق المايكرفونات في حالة واحدة، إذا كان فيها تسابق، كأن يكون هناك مسجدان متجاوران ينزعج هذا بقراءة هذا أو يرفع بعض المأمومين على ركوع ذاك؛ فهذه يخفف في أصواتها.

والمقصود أن يسمع أهل المسجد ومن حوله إلا لضرورة وملابسات، فالقول بتحريمها لا يصح، والقول بأنه لا ينبغي أن ترتب وأن توجه لا يصح، وقد جعل الله لكل شيء قدراً.

حكم قراءة القرآن في الليل

السؤال: قلت: إنه لا بد أن يختم كل شخص حزباً أو جزءاً من القرآن قبل أن تغرب الشمس، فما رأيك لو أخرتُ ذلك إلى الليل؟

الجواب: لا بأس يا أخي! وأنا قلت ذلك من باب الحث، وإلا في الليل أو في النهار: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:62].

كتاب الترغيب والترهيب

السؤال: ما رأيك في كتاب الترغيب والترهيب؟ فـالمنذري اشترط ولكن ما وفَّى بشرطه؟

الجواب: كتاب الترغيب والترهيب للمنذري كتاب جيد؛ وفيه الصحيح والضعيف، بل وفيه الموضوع، وهو يحتاج إلى تحقيق وتحرير وقد قام الألباني جزاه الله خيراً بتلخيصه واختصاره اختصاراً جيداً.

وأرى أنه لا بأس أن يقرأ هذا الكتاب، وطالب العلم ينبه على الأحاديث الموضوعة إذا وصل إليها. أما قوله: إن المنذري اشترط ولكن ما وفَّى بشرطه. فأقول: أنا ما رأيت له شرطاً لكن يقول نص عليه إمام وهذا لا يكفي فإن الطبراني نص على أحاديث صحيحة وهي ليست بأحاديث صحيحة، وابن حبان ينص على أحاديث صحيحة وهي ليست صحيحة، بل ابن خزيمة الذي يقولون أنه أقوى من البخاري أتى بحديث واهٍ في صحيحه.

وعلى كلٍّ أرى أن رياض الصالحين ينوب عن ذلك، وأيضاً جامع العلوم والحكم، ومختصر البخاري للزبيدي، التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، ومختصر مسلم للمنذري فأرى أن تقرأ في المساجد وفي البيوت.

كتاب صفة الصفوة

السؤال: ما رأيك في كتاب صفة الصفوة؟

الجواب: يسمى صِفة الصفوة، أو صَفوة الصفوة لـابن الجوزي وهذا الكتاب فيه غموض من وجوه ثلاثة:

أولها: لا يعتني بالحديث النبوي، فأتى بأحاديث موضوعة وروايات باطلة.

ثانيها: أتى بكلام للصوفية لا داعي له إذا قارنته بالكتاب والسنة.

فنقول: رحمك الله يا بن الجوزي! وأنت سني محدث كيف تفعل هذا؟ يأتي بصوفي يقول: ما أكلت الرطب أربعين سنة، ومن منعه أن يأكل الرطب؟! وإنسان آخر يقول: صلى صلاة الفجر بوضوء العشاء.

وهذه القصص أهم شيء أن تكون قصصاً صحيحةً تتوافق مع الكتاب والسنة.

ثالثها: أنه قلل من الآثار فيه، وقلل من تراجم الصحابة. والصحابة هم سادات الأولياء وصفوة الأصفياء وخيرة الأخيار، وهم البررة، فيأتي بـبهلول رحمه الله وبعابد آخر وبعابدة وحامدة، وأين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟

وهو قد ذكرهم في المقدمة لكن بإيجاز.

فالأولياء هم الصحابة، والأخيار هم الصحابة، ثم التابعون وقد جعل الله لكل شيء قدراً.

الكلام عن سنن النسائي وأبي داود

السؤال: ما رأيك في سنن النسائي وأبي داود بدون تحقيق؟

الجواب: تقرأ، ولا أعلم عن أبي داود والنسائي حديثاً موضوعاً؛ لكن فيهما أحاديث ضعيفة لا بد أن يتنبه لها، وبعض الأئمة يرى أنه يستدل بما في السنن، وهذا منهج لبعض الناس، وابن تيمية من استقرأ فتاويه يرى أنه يقول: رواه النسائي ويسكت، لكن هناك روايات شاذة أو منكرة نبه عليها أبو داود والنسائي وهناك كتاب جامع الأصول لـابن الأثير فإنه من أحسن ما يكون، وهو أحد عشر مجلداً، وفيه الأحاديث محذوفة السند والمكرر، وهو من أحسن الكتب المقدمة للمسلمين، وكذلك مجمع الزوائد، ومن جمع هذين الكتابين، فكأنما جمع ما يقارب عشرين كتاباً من كتب السنة أو أكثر.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كيف تعيش مع القرآن؟ للشيخ : عائض القرني

https://audio.islamweb.net