إسلام ويب

تحدث الشيخ - حفظه الله تعالى- عن قواصم تقصم ظهر دين الإنسان في دنياه وآخرته، ومن هذه القواصم النفاق بنوعيه الاعتقادي والعملي ، ومنها المعاصي وخاصة الكبائر .

وذكر أنها سبب كل بلية يبتلى بها الإنسان، والنجاة منها يكمن في الرجوع إلى الله عَزَّ وَجَلّ وإلى دينه، وإلى إخلاص القول والعمل .

أنواع قواصم الظهر

إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]

أمَّا بَعْد:

إن السلام وإن أهـداه مرسله>>>>>وزاده رونقاً منه وتحسينا

لم يبلغ العشـر من قول يبلغه >>>>>أذن الأحبة أفواه المحبينا

آخيتمـونا على حب الإله وما>>>>>كان الحطام شريكاً في تآخينا

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سلام الله عليكم يا أهل القلوب الحية التي ملئت بحب لا إله إلا الله، محمد رسول الله! وسلام الله عليكم يا أصحاب الطلعات المجيدة، والوجوه المشرقة، الذين حضروا لإعلان تفوق الإسلام، وعظمته، وعمقه، وأصالته!

إنه نصر للإسلام أن يحضر شباب الإسلام، وأن يجلس الصف بالصف، وأن نقول للجاهلية وللوثنية وللصهيونية: ها نحن عدنا من جديد، لننقذ البشرية من براثن الوثنية.

فحيا الله كل من أحب الله، وأحب رسوله صلى الله عليه وسلم.

(قاصمة الظهر) هو عنوان لقائنا هذا، وقاصمة الظهر لا أعني بها القصم الحسي، ولكن القصم المعنوي؛ قصم التاريخ والخُلق، والدين والمستقبل التي هي مصيبة ليس بعدها مصيبة.

وهي تدور على نواح ثلاث: الكفر أعظم قاصمة، ومعه النفاق ابن عمه، ثم المعاصي الكبار، ثم المعاصي الصغار.

ولكنني لا أتكلم عن صغائر المعاصي والذنوب لأنه لا يسلم منها أحد، وباب التوبة لها وللكبائر مفتوح، ولكنني أتكلم عن النفاق فالكفر فالكبائر، أعاذنا الله وإياكم من القاصمة.

القاصمة هي: القاطعة للشيء،وقاصمة الظهر هي التي تقطعه وتبته نصفين، يقول أحد الأعراب يوم منع زكاته لـ أبي بكر الصديق، ورفض أن يؤديها للخليفة الراشد بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام:

رضينا رسول الله إذ كان بيننا>>>>>فما بالنا نرضى بحكم أبي بكر

أيملكها بكر إذا مات بعده >>>>>فتلك لعمر الله قاصمة الظهر

والعواصم من القواصم لـابن العربي المالكي والعواصم والقواصم لـابن الوزير اليمني كلهم يذكر قواصم وردت في التاريخ، لكن قاصمتي هذه الليلة التي أتحدث عنها لم يتحدثوا عنها، إنها أعظم مصيبة مُنيَ بها الإنسان يوم أنكر الله، وسوف أخصص قطاعاً كبيراً لـ(مرض قاصمة النفاق) يوم ينافق المصلي وهو لا يدري، يوم يحج المصلي وهو منافق ولا يدري، يوم ينافق المعتمر والداعية وهو لا يدري.

ولذلك كان أهل السنة والجماعة يخافون النفاق، قال الحسن البصري كما في صحيح البخاري تعليقاً: [[ما خافه إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق]] ما خاف النفاق إلا مؤمن يخاف على إيمانه، وما أمن النفاق إلا منافق.

تجد المؤمن فيه حاسة وقشعريرة وخوف وحرج، أما المنافق فيمشي مسرعاً متردياً على رأسه لا يخاف النفاق، كلكم يعرف عمر بن الخطاب، ومن يُعرّف عمر للمسلمين؟! رضي الله عن عمر، وسقى الله تلك العظام شآبيب الرحمة والبركة.

أتى إلى حذيفة رضي الله عنه وأرضاه والحديث للبخاري، في كتاب الصلاة، باب الصلاة كفارة، وانظر إلى إشراق البخاري يوم أتى، وانتزع هذا الحديث وهو في التكلم عن النفاق، ورسمه في كتاب الصلاة،ولا يكون اللموع والإبداع والإشراق إلا هكذا:

ألا لا أحب السير إلا مصعداً>>>>>ولا البرق إلا أن يكون يمانيا

قال عمر رضي الله عنه وأرضاه لـ حذيفة: يا حذيفة!

لماذا اختص حذيفة بالسؤال؟

لأنه رضي الله عنه وأرضاه أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسماء المنافقين، والصحابة أهل تخصص. فهذا مهمته: إقراء القرآن وتعليمه، وهذا مهمته: الفرائض كـ زيد بن ثابت، وهذا مهمته: القضاء كـ علي بن أبي طالب، وذاك مهمته: الإدارة والسياسة كـ أبي بكر وعمر، وخالد مهمته أن يفصل الرءوس عن الأجساد لمن حادَّ الله، وحسان مهمته: أن يطلق الأبيات المؤمنة يوم يدخل الإيمان في الأدب والشعر، فيناصر بها الدعوة، وحذيفة مهمته: أن يحفظ الأسرار التي يحملها صلى الله عليه وسلم في أسماء المنافقين، فإن أبا بكر لا يعلم أسماء المنافقين، ولا عمر إلا في النادر، فـ عمر يتواضع ويجلس منكسراً بعد جهاده وزهده وعبادته وعدله وعبقريته وبذله للإسلام، فقد أعطى الإسلام دمه وعرقه ووقته وجهده رضي الله عنه وأرضاه.

يقول لـ حذيفة: [[يا حذيفة! أسألك بالله أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ -لا إله إلا الله! إذا كان عمر من المنافقين فمن هو الذي من المؤمنين؟- قال حذيفة وعيناه تدمع: لا والله ما سماك الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين، ولا أزكي أحداً بعدك]].

وفي كتاب الصلاة: باب الصلاة كفارة يقول عمر للناس وحذيفة معهم:(أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا، قال: أتحفظ الحديث؟ قال: نعم، قال: إنك عليها لجريء) كيف تستطيع أن تتكلم في هذه الموضوعات الخطيرة؟! وهذا لأن حذيفة كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر والناس كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير:

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه

ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه

ولذلك لا يكفي إسلام الدروشة أو أن يعرف الإنسان طريق المسجد وهو لا يعرف أن في المجتمع ضلالات وجهالات، وطامات وفواحش وكبريات من الذنوب والخطيئات، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى للرسول عليه الصلاة والسلام: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55] نخبرك بالجاهلية وبـ الوثنية وبالضلال حتى تكون على بصيرة.

ولذلك يا دعاة الإسلام! يا أساتذة الإسلام! يا أبناء الإسلام! جدير أن نعرف المخططات التي تحاك لنا صباح مساء، حتى نرد عليها بقوة، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إنما تنقض عرى الإسلام عروةً عروة من أناس عاشوا في الإسلام لا يعرفون الجاهلية. ]

قال حذيفة: ( أنا أعرف، قال: ماذا قال في الفتنة؟ قال حذيفة رضي الله عنه وأرضاه: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي -وهذه سهلة- قال عمر: لست عن هذه أسألك) ففتنة الشجار مع الأهل ليست بقاصمة، واختلافك مع زميلك ليس بقاصمة، فهذا ذنب صغير تتوب منه وليس بقاصمة، شرود في عقلك وفي فهمك وقت الخشوع ليس بقاصمة، قال عمر: ما أسألك عن هذه ما دام لها علاج وكفارة: (قال عمر: وإنما أسألك عن التي تموج موج البحر -فتنة تموج موج البحر، تقصف قصفاً، تأخذ الأخضر واليابس- قال حذيفة: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين! -يقول: لا تخف وأبشر- إن دونك ودونها باباً) والباب هو: عمر، ولذلك لما قتل عمر انهد حصن الإسلام، وبكى علماء الإسلام موت عمر، وقالوا: كفنت سعادة الإسلام في أكفانه:

قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها>>>>>بفضل ربك حصناً من أعاديها

كلما وقعت قذيفة على الإسلام تلقاها عمر وردها على قاذفيها، ولما قتل بدأ السيف يمزق الأمة، وبدأت الفرقة، وبدأت القواصم تلو القواصم، يقول علي: [[لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفانك يا عمر!]] ويقول: [[والذي نفسي بيده! ما أريد أن ألقى الله بعمل رجل، إلا بعمل رجل كعملك]] وعمر مطعون مكفن قد فارق الحياة.

قال حذيفة: (إن دونك ودونها باباً، قال عمر: -وكان ذكياً لماعاً عبقرياً-أيكسر أم يفتح؟ -وأكثر الجالسين لا يعرفون من الباب، ولا معنى الكسر أو الفتح- فقال حذيفة: بل يكسر، فعرف عمر أنه الباب، وأنه سوف يقتل -فقال عمر ذلك أولى وأحرى ألا يغلق أبداً) وبدأت القواصم تلو القواصم بعد موت عمر رضي الله عنه وأرضاه.

ومن أعظمها، بل قد عاشها صلى الله عليه وسلم: قاصمة النفاق، قاصمة النفاق يوم تنتشر في الأمة يصلي المصلي ولكن إذا خلا نسي الله، يجلس مع الأخيار خيِّراً، فإذا خلا إلى شياطينه وإخوانه هتك عرض الأخيار، يجلس مع أهل العبادة عابداً، فإذا خلا مع قرنائه في الظلام أتت لسانه تشحذ وتشن وتذبح في أعراض الذين يرفعون لا إله إلا الله محمد رسول الله.

أقسام النفاق

والله عز وجل ذكر النفاق، والنفاق على قسمين: اعتقادي وعملي.

النفاق الاعتقادي

أما الاعتقادي فهو: الكفر الباطن، كثير من الناس يكفر بالرسالة الخالدة، ويجحد رسالته عليه الصلاة والسلام، يعتقد أن القيامة كذب، وأن الحشر والبعث والنشور كذب، وأن ما يُلقى في القرآن خداع ودجل، فهذا منافق (100%) نفاقاً أكبر، وقاصمته من القواصم الكبرى والمصائب العظمى، فهذا جزاؤه الدرك الأسفل من النار، يحجز مقعداً هناك، وله امتياز في الحجز من أول لحظة يصل فيها إلى النار، نعوذ بالله من النار والعار والضلال والعمى.

فهذا أعمى، وليس الأعمى أعمى العينين، ولكن الأعمى أعمى القلب: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [الرعد:19].

ابن أم مكتوم أعمى العينين، ولكن قلبه ليس بأعمى، أبو جهل عيناه تبصران وترى في الظلام كما ترى القطة في الظلام الإبرة، ولكن قلبه أعمى، وابن أم مكتوم قلبه يبصر ويرى، ولكن عينيه عمياوان.

ولذلك حضر الرسول صلى الله عليه وسلم واستجاب له، فأنزل الله يوم جفاه قليلاً على الرسول عليه الصلاة والسلام قوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [ عبس:1-3] يا محمد! ما يدريك أن هذا الأعمى سوف يتزكى ويصبح منارة من منارات الأرض تستقبل نور السماء، وبالفعل أصبح مؤذناً وداعية ومجاهداً، أين مات؟ قتل في القادسية -كما قال أهل التاريخ- قتلاً، عذره الله عن الجهاد، لكنه قال: [[لا. كيف أسمع النداء للجهاد وأبقى والله يقول: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً [التوبة:41] والله لأنفرن]] فأخذ الراية وهو أعمى، وبقي يقاتل وهو أعمى حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه، أما أبو جهل فمات وقتل كما تقتل البهيمة لا مصير ولا مستقبل ولا أصالة ولا عمق.

النفاق العملي

والنفاق العملي: نفاق الكلام والحديث والمعاصي، ذكره صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {علامة المنافق ثلاث -أو كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمرو، وحديث أبي هريرة - ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان -وهناك- وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر}.

علامات المنافقين

النفاق الاعتقادي والعملي لأصحابه علامات، ما هي علامات هؤلاء الدجاجلة؟

قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم

أكبر علاماتهم: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:11] يتكلمون بحرارة عن الإسلام وهم يحبون للإسلام الهدم والفشل والانهزامية، يشكون أمامك واقع المرأة المسلمة في المجتمع المسلم، وكيف تسفر! وكيف تتبرج! وهم -والله العظيم- يريدون أن تسفر وتتبرج وتنتشر الفاحشة: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19].. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * 6000014> يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8-9] يضحكون على التاريخ، وعلى الإسلام، وعلى المبادئ الأصيلة التي أعلنت عمقها وأصالتها خمسة عشر قرناً! وسوف تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ومن الناس من يقول: آمنا بالله أمام الناس، فتجدهم يصلون ويصومون، ويحجون ويعتمرون، لكنهم يخربون بألسنتهم وأقلامهم ومخططاتهم ومكرهم وخداعهم، وهذا أعدى العدو، فالعدو الظاهر تحذر منه، فإسرائيل تعرف أنها إسرائيل، وروسيا تعرف أنها عدوة للإسلام، لكن هذا الذي دب في الصف لا ندري من هو، يكتب فإذا هو ليس الإنسان الذي معنا في المسجد، يقول أبو سريح العدوي، وقيل السحيم بن أُثيل الرياحي:

فإما أن تكون أخي بصدق>>>>>فأعرف منك غثي من سميني

وإلا فاطرحني واتخذني>>>>>عدواً أتقيك وتتقيني

فإني لو تخالفني شمالي>>>>>ببغض ما وصلت بها يميني

إذاً لقطعتها ولقلت بِيْنِي>>>>>كذلك أجتوي من يجتويني

من علامات المنافق الذي لبس قاصمة الظهر: أنه جسد بلا روح، يهتم بالمظهر، لا يريد أن يمرض ولا يريد أن يتعكر صفوه في الشخصية، لباسه من أرقى اللباس، طعامه من أحسن الطعام، سكنه من أحسن السكنى، ولا يعني ذلك أن يتدروش المؤمن ليرفع الله درجته، لا. قد تجد الفاجر فقيراً لا يجد كسرة خبز، ينام على الرصيف، وتجد المؤمن يسكن في أحسن القصور، لكن المنافق بالعكس ليس له اهتمام بالدين ولا بالإسلام، ولا بالفرائض ولا بالنوافل، تفوته صلاة الفجر فلا يحزن ولا يتأثر، ولكنه لو ثلم شيء من عرضه أو ماله لأقام الدنيا وأقعدها.

اهتمامهم بأجسادهم دون قلوبهم

يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4] يقول حسان:

لا بأس بالقوم من طول ومن قصر>>>>>جسم البغال وأحلام العصافير

يهتمون بالجسم أكثر من القلب، ولذلك كيف لا ينافق من لا يصلي في الجماعة في الفجر دائماً وأبداً؟! كيف يمكن أن يخدم الإسلام؟! كيف يرفع لا إله إلا الله؟!

إذا كتب في الصحافة عادى الإسلام، إذا أتى إلى المسرح جعل المسرح عداءً للإسلام، إذا شارك في كلمة ظهر أثره وبغضه للإسلام، لأنه من تهاون بحي على الفلاح تهاون بحي على الكفاح: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4] فهذا من علاماتهم، حتى ذكر عن ابن مسعود أنه قال: [[ترى المنافق بديناً سميناً وترى المؤمن نحيفاً هزيلاً]] ولذلك يقول أبو الفتح البستي وهو ينكر على هذا الإنسان الدابة الذي يعيش عيشة البهيمة:

يا متعب الجسم كم تسعى لراحته>>>>>أتعبت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها>>>>>فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

فيا من بهَّى جسمه ودلـله أما علمت أنك تطرح في حفرة بلا عمل؟! أما علمت أن الدود يعتور على وجهك بلا مانع؟! أما علمت أن الظلمة سوف تصاحبك؟! فما هو عملك؟

الخوف من الأحداث

ومن علامات المنافقين: أنهم يخافون الأحداث، يخافُون الوقائع في الدنيا ويظنون أنها على رءوسهم، أما المؤمن فهو لا يخاف، فهي إحدى الحسنين: إما الحياة، فحياة السعداء الأبرار، الأتقياء الشرفاء، وإما الموت؛ فموت الشهداء الخيرة الأتقياء.

أرواحنا يا رب فوق أكفنا>>>>>نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

قال أحد السلاطين لـ بن تيمية! يزعم الناس يا ابن تيمية! أنك تريد ملكنا وملك آبائنا وأجدادنا، فضحك ابن تيمية وقال: ملكك، وملك آبائك وأجدادك؟ قال: يقولون ذلك! فأخذ شقصاً من الأرض ونفلها في وجهه وقال: والله ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي هذه؛ لأن الذي يطلب رضا الله لا يطلب رضا الناس.

والعجيب أنك تجد بعض الناس يسعى للشهرة أو للمكانة على حساب الدين، لا بأس أن يفجر، وأن يطعن في الإسلام! لكن على حساب الدين.

فمن علامات المنافق وهي قاصمة الظهر: أنه يخاف: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون:4] إذا سمع بالحدث قال: أنا المتهم؛ لأنه (كاد المريب أن يقول خذوني):

سُرقت دجاجة، فذهبت صاحبة الدجاجة إلى السلطان، فقالت: سرقت دجاجتي، قال: ابحثوا عن دجاجتها، والعجوز هذه تظن أن الحدث والكون كله في هذه الدجاجة، وبعض الناس إذا عاش في شيء أو في مستوى قاس الأحداث والوقائع على هذا الشيء.

يقول ابن كثير: أحد الناس الحمقى ذهب إلى خليفة من بني العباس، فذبح له دجاجة وطبخها وقدمها له ليأكلها، فأخذها هدية وأكلها، فكان هذا الأحمق يظن أنه فعل فعلاً في التاريخ لم يفعله أحد، كان كلما أتى الخليفة يسأل عن حدث أو معركة قال: هذه المعركة وقعت قبل أن أهدي لك الدجاجة بشهر، وسفركم بعد أن أهديت لك الدجاجة بأسبوع، فأصبحت هذه الدجاجة من المسارات الكبرى في التاريخ.

ذهبت هذه العجوز إلى السلطان فقالت له: دجاجتي، فعجز السلطان عن إمساك السارق فقام على المنبر فقال: يا صاحب الدجاجة! يا من سرق الدجاجة! عرفناك، فلا تمسح رأسك، فمسح سارقها رأسه: (كاد المريب أن يقول خذوني) ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون:4] إذا ذَكَرْتَ -في خطبة جمعة عامة- الناس الذين يشوهون الإسلام خرج هو يسب الخطيب، لأنه (لا تحتك إلا الجرباء) أما الصحيحة فلا تحتك.

تضجرهم من انتشار الخير

إذا رأى انتشار الخير، والدعوة والوعي، والدروس والمحاضرات، والنشاط الإسلامي تضجر، وقال: هذا تطرف، سبحان الله! أما الخمارون والسكارى، والمغنون والمغنيات، والماجنون والماجنات، فليس عندهم تطرف، ونحن عندنا تطرف.

هل التطرف أن يحافظ على الصلوات الخمس؟! أو أن يقرأ في المصحف، وأن يشرح صحيح البخاري وصحيح مسلم، وأن يأتي جيل صادق من أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ يعلنون أن التفوق والنصر للإسلام؟

-وسوف أعرض لكم نموذجاً من الفن الراقي الذي يورد في الساحة، فن لكن ما عرف الفن، وصاحبه فنان على مصطلح العرب لا على مصطلحهم هم، فالعرب تقول للحمار الوحشي المخطط: فنان، فهو فنان على هذا المصطلح.

لكنه كما قال أحد علماء الإسلام: والله ما عرفوا الحب والفن والجمال، لأنهم يعتقدون بأن الحب أن تحب معشوقة فتكون عاشقاً ولهاناً.

رجل خلقه الله ليعبده: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فأتى هذا الرجل يقول لمحبوبته:

يا من هواه أعزه وأذلني>>>>>كيف الوصول إلى سبيلك دلني

الوصول من طريق النار، خذ يسارك على النار وتصل، قال غلاة الصوفية: قد وصلنا إلى مرتبة أنا لا نصلي ولا نصوم، قلنا لهم: لماذا؟ قالوا: لأن الله يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] فنحن أتانا اليقين فانتهينا، يعني: إذا أتاك اليقين فلا تصلِّ ولا تعبد ربك، وهذا خلاف تفسير أهل السنة، فإنهم قالوا: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] يعني: الموت، قلنا: لماذا لا تصلون؟ قالوا: وصلنا إلى درجة اليقين.

قيل لـ أبي علي الروذباري: يقول غلاة الصوفية: إنهم وصلوا، قال: صدقوا، وصلوا ولكن إلى سقر.

أما الطريق فوصلوا ولكن أخطئوا المكان، أخذوا على اليسرى.

فهذا يتكلم في حياته ومستقبله ولا يُعدم آلافَ الجماهير أن يصفقوا له، وأن يشيدوا باسمه، ويقول:

يا من هواه أعزه وأذلني

والله لقد أذلك في الدنيا والآخرة، لأنك لو عرفت الله، ومن يستحق الحب وهو الله، وعرفت الطريق إلى الله، وحملت لا إله إلا الله ما استذلك هذا المعشوق الذي سفه عقلك وأخذ قلبك وحكم روحك.

وسوف أورد نماذجاً ثم آتي إلى الحب ومعناه الفن والجمال؛ لأن قاصمة الظهر أتت من هنا، تقول إحداهن، وهي كوكب الشرق، هذه التي خدعت الجماهير في الشرق الأوسط وطائرات الميراج الإسرائيلية تحجب الشمس عن الأرض، يقول البردوني وهو أعمى القلب والبصر لكنه أخذته الحمية القومية فقال:

فأطفأت شهب الميراج أنجمنا>>>>>وشمسنا وتحدت نارها الخطبُ

يقول: الخطب تسقط الطائرات:

شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها >>>>>الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا

فتقول هذه:

هل رأى الحب سكارى مثلنا

لا. لم ير العالم سكارى مثلكم، ولا ضالين ولا فاسقين مثلكم؛ لأن الذي لا يهتدي يفعل هذا الفعل، ويقصم إيمانه ودينه وعرضه.

بشارة الخوري اللبناني دخل دمشق، فحمل من المطار على الأكتاف، لماذا؟ هل هو صلاح الدين؟!! لا. والله ما يساوي الغبار الذي على حذاء صلاح الدين! هل أتى بمفتاح بيت المقدس؟! أهو عمر؟! والله ما يساوي البصاق الذي أرسله عمر على الصحراء، فلما أتى ونزل حمل على الأكتاف، فكان أول قصيدة يقولها وشباب الإسلام أمامه:

بلادك قدمها على كل ملة>>>>>ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم

هبوا لي دينا يجعل العرب أمة >>>>>وسيروا بجثماني على دين برهم

سبحان الله! برهم المجرم الهندوكي، السفاك الخبيث، ويقول هذا: تعالوا بأي دين في الدنيا نتألف جميعاً عليه، واتركوا الإسلام:

هبوا لي دينا يجعل العرب أمة >>>>>وسيروا بجثماني على دين برهم

وكان يقاطع بالتصفيق، لأن الأمة ما عرفت قاصمة الظهر، مثل هذا يوم تُرك له الميكرفون والقلم والصحيفة تكلم بما أراد، لأنه هدم الإسلام من أساسه.

إيليا أبو ماضي، يتكلم في الشبيبة ويرسل دواوينه في الشرق الأوسط، فيقول في أول قصيدته طلاسم:

جئت لا أعلم من أين.. ولكني أتيت !!

يقول: لا أدري من أين أتيت.. أتيتَ من حظيرة البقر.

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!!

وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!!

كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!!

ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!!

أنت لا تدري، خلقت لا تدري، وعشت لا تدري، ومت لا تدري، لكنك سوف تدري يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور؛ لأن الذي لا يدخل الإيمان في قلبه لن يفلح، ولا ينجح في الدنيا ولا في الآخرة، فهذه قاصمة الظهر.

أحد الناس الذي قصم إيمانه ويقينه دخل على سلطان من سلاطين الدنيا، فنسي الله ونسي موعوده ولقاءه، نسي الله عز وجل الذي كل شيء بحكمته وقدرته: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3] نسي هذا المجرم أن الله الذي يملك الضر والنفع، والموت والحياة والنشور، فقدم على السلطان وقال له:

ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار>>>>>فاحكم فأنت الواحد القهار

من هو الواحد القهار؟ هو الله: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:93-95] فنسي هذا وقال:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار>>>>>فاحكم فأنت الواحد القهار

فعلمه الله أنه الواحد القهار، أخذه فأجلسه بمرض مزمن مقعد، فأخذ ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، مرض عضال، اجتمع عليه الأطباء فما نفعوه، قدمت له العلاجات فما أفادت، فأخذ يبكي على فراشه، ويقول وهو يعاتب نفسه ويندم في ساعة لات مندم:

أبعين مفتقر إليك نظرت لي>>>>>فأهنتني وقذفتني من حالقِ

لست الملوم أنا الملوم لأنني >>>>>علقت آمالي بغير الخالق

الذي لا يَعرفُ الله، ولا يعرف الواحد الأحد يعرفه في وقت الأزمات، من لا يعرف الله في الرخاء عرفه الله بنفسه وقت الشدة، وهذه معان قد ذُكرت في مناسبات لكن لا بأس بإيرادها وترسيخها في الأذهان، فإن فرعون في الظاهر أنكر الصانع، ولكنه في الباطن يعلم، يقول له موسى: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء:102] ففرعون يعلم، لكن وقف على المنبر وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] ويقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] فأجرى الله الأنهار من فوق رأسه، فلما غرق، وأصبح في الطين كضفدعة مسيلمة: نقنقي ما تنقنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] ما أحسن هذا الموحد الخبيث! هذا موحد من نوع التوحيد المعكوس، وهو يسمى شيخ الضلالة والإلحاد في العالم.

وفرعون هو الذي أخذ المرتبة الثانية بعد إبليس، والثالث: أبو جهل، ثم يأتي بعدهم أسراب وأسراب، كل من أراد النار وجد الطريق: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3].. أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10].. يَا أَيُّهَا الْإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار:6] مالك!! يوم خلقك الله وصورك، وأنبتك وهداك تتنكر لله عَزَّ وَجَلّ! أتخجل أن تكون مسلماً؟!! وجد في المجتمعات من يخجل أن يتقلد السنة، من يخجل أن يربي لحيته ويقصر ثوبه، لكنه لم يخجل يوم يقلد لينين واستالين وماركس، مالك لا تخجل من هؤلاء وتخجل من اتباع محمد؟!!

هو الله الذي لا إله إلا هو، والله! الذي رفع السماء بلا عمد، وبسط الأرض بأحسن مدد، وخلق الإنسان في كبد!

ما طرق العالم كمحمد صلى الله عليه وسلم، من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه صلى الله عليه وسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.

بعض الناس تجده في مكان، فإذا أتيته واعظاً قال: إذا أردت أن تعظ وتحاضر فيكون هذا في المسجد، أما هنا فلدينا عمل غير الوعظ سبحان الله!! أأنت مسلم؟! أأنت في رَكْبِ محمد عليه الصلاة والسلام؟!!

مراءاة الناس

من علامات النفاق: مراءاة الناس، فعملهم رياء، امدح الرجل وأَبْشِرْ بخير، إذا مدحته وجدت رجلاً كريماً أمامك يقدم ويسعى ويبذل، لكن إذا لم يرك وإذا لم تمدحه أخفق كلما إخفاق.

أما نحن أهل الإيمان فنسأل الله أن يكون عملنا خالصاً لوجهه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16].. وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].

القصائد بلا إيمان تأتي يوم القيامة وهي لعنات على أصحابها، الكتب بلا إيمان تأتي يوم القيامة وهي غضب ماحق على رءوس أصحابها، الصحف بلا إيمان تأتي يوم القيامة قذائف ملتهبة في وجوه أصحابها، أمة بلا إيمان ما هي إلا قطيع غنم وضأن وإبل وبقر، عين بلا إيمان مقلة عمياء، قلب بلا إيمان قطعة لحم، كتاب بلا إيمان ورق مصفف، قصيدة بلا إيمان كلام ملفف، دنيا لم تشرق عليها شمس الإيمان دنيا ملعونة، وقلب لم يع أمر الله قلب مغضوب عليه.

يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في المنافقين: يُرَاؤُونَ النَّاسَ [النساء:142] إن صلوا أمام الناس أحسنوا الصلاة، وإن خلوا تركوا الصلاة أو لعبوا بها، إذا جلسوا مع أولياء الله تكلموا في القضايا الإسلامية بحرارة، وإذا خلوا إلى شياطينهم هتكوا عرض الإسلام ومجده وعظمته: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ [البقرة:13] مالكم لا تستقيمون كما استقام شباب الصحوة؟ قالوا: هؤلاء حمقى متزمتون متطرفون!! قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13] فهم ما علموا، والذي لا يعلم أحمق.

وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ *اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:14-15]

الرياء مرض من أخطر الأمراض، وهو قاصمة الظهر، وهو يدخل نسبياً في قاصمة الظهر الكبرى (النفاق) الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرنا بأول من تسعر بهم النار يوم القيامة وهم ثلاثة: عالم، وجواد كريم، وشجاع، يؤتى بهم فيقول الله عز وجل للعالم: {أما علمتك العلم؟ قال:بلى يا رب! قال: فما عملت} والله يعلم، وهو لا يسأل عن جهل، فهو العليم البصير سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فانظر إلى الوقاحة، أخطأ في الدنيا ويجيب بخطأ في الآخرة.

قال: {علمت الجاهل، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما تعلمت ليقال عالم خذوه إلى النار، فيسحب على وجهه حتى يدهده في النار} ثم يؤتى بالجواد فيفعل به كذا، وبالشجاع فيفعل به هكذا، هؤلاء أول من تسعر بهم النار، نعوذ بالله من النار.

هذا هو الرياء.

وأسباب الرياء:

1/ نسيان ثواب الله وأجره.

2/ تعظيم الناس أكثر من الله.

3/ طول الأمل ونسيان الموت.

4/ الخوف والقلق والاضطراب النفسي، فأشجع الناس الصادق، وأجبن الناس المرائي الكاذب.

لمز المطوعين

من علامات النفاق: أنهم يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ [التوبة:79] المطوعين الباذلين أنفسهم في سبيل الله، المتصدقين بأموالهم لرفع لا إله إلا الله، فالمنافق ليس همه إلا أن يلمز، وهذا مرض اجتماعي سرى وهو خطير، وقد بثته هيئة الإذاعة البريطانية في أخبارها دائماً وأبداً، يوم تقول: "التطرف.. المتطرفون" والتي نكتته وأوحته الصهيونية العالمية، فلذلك يلمزون المطوعين.

الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً في المسجد فقال للناس: تصدقوا في سبيل الله، وهذا كان لغزوة تبوك، لتجهيز غزوة العسرة، فأتى عبد الرحمن بن عوف بمال كثير، فوضعه ذهباً وفضة في المسجد، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: {آجرك الله فيما أعطيت، وبارك الله لك فيما أبقيت} فتغامز المنافقون في المسجد عندما صلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما أراد بهذا إلا رياء وسمعة.

ثم أتى فقير من الصحابة ما وجد شيئاً، فأخذ حفنة تمر في كفه ودخل بها، وقال: يا رسول الله! والله ما في بيتي من مال، ولا عرض، ولا درهم، ولا دينار، وإنما هذه الحفنة من التمر فخذها، قال عليه الصلاة والسلام: {آجرك الله فيما أعطيت، وبارك الله لك فيما أبقيت} فتضاحك المنافقون، قالوا: جيش كامل ماذا تغني عنهم حفنة فلان؟! سبحان الله!! ذاك ما سلم منكم، وهذا لم يسلم، فمن هو المصيب إذن؟!

لكن تولى الله عز وجل الجواب عليهم فقال: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة:79] إي والله! والله إذا سخر أكبت العبد وأذله وأخزاه: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79].. سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون:6] فلن يغفر الله لهم: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].

الاستهزاء بالقيم والمبادئ الإسلامية

من علامات المنافقين: الاستهزاء بالقيم، وأولها مبادئ الإسلام وهي قاصمة الظهر، فهم لا يستهزئون بأهل المعاصي، هل رأيتم منافقاً يستهزئ بامرأة خرجت كاشفة الوجه؟ لا. أو يستهزئ بامرأة لبست ثياباً شفافة؟ أو يستهزئ بمغن أذهب العقول والقلوب، وضحك على الناس والعباد والشعب؟ لا. إنما يستهزئ بالأخيار الأبرار، ولكن الله يتولى الدفاع: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].

الكسل في أداء الطاعة

المنافق كسلان؛ إذا قام إلى الصلاة فهو من أكسل الناس، لكن تعال به في حفلة أو عرض موسيقي، أو ترف أو في شيء فيه تبذل وتبجح فإنك تجده من أقوى الناس، قوة جسم لكن خوار قلب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142].

قال بعض أهل العلم: عجباً، إنهم يصلون! ولكن الله ذمهم بالكسل، لأن الذي يؤدي الإسلام وقلبه بارد، فيصلي مع الناس وقلبه بارد، ويسمع الأذان فيتحرى حتى تقرب الإقامة، فإذا دنت الإقامة قام فتوضأ كأن اللعنة معقودة على رأسه، ثم يخرج من الوضوء فيمسح يديه ورجليه وعينيه وأذنيه، ثم يذهب إلى المسجد كأنه يقاد بسوار من نار، ثم يدخل المسجد فيأتي في الصف الأخير، ويركع ويسجد، لا يدري من الإمام وماذا قرأ، وما هي الصلاة، ثم يسلم ويخرج أول الناس، فهو آخر الناس دخولاً وأولهم خروجاً، بارد القلب، جذوته لا جذوة، وتوقده لا توقد، فالله المستعان!

(وإذا قاموا إلى الصلاة) لم يقل لم يصلوا؛ لأنهم إذا لم يصلوا كانوا كفاراً، لكن: إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] والرسول صلى الله عليه وسلم أثبت أن من المنافقين من يصلي، ولذلك لامهم، قال: {بيننا وبينهم صلاة العشاء وصلاة الفجر لا يستطيعونها} فهم يصلون الظهر والعصر والمغرب، لكن صلاة الفجر والعشاء لا يستطيعون، فهذه دونها خرط القتاد، فهذه التي تبين المستويات؛ لأنها في وقت شدة: وإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] مفهوم المخالفة: أن المؤمن يقوم بقوة وحرارة: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12] لأن هذا الدين دين حياة وقوة وصمود.

فـعمر رضي الله عنه وأرضاه سيد النساك، وهو عابد من أكبر العباد، عيناه تذرفان الدموع صباح مساء، وهو الذي يعرف النسك، وعلى ذكر عمر نذكر عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقد رأت شبيبة من الناس، والشباب في وقت الحدة يأتون بأشياء قد تخرج عن السنة، ففي فترة الهداية يزيدون حتى يخرج بعضهم عن السنة، فأتوا يتكاوسون برءوسهم كأنهم ضأن أصيبت بمطر في ليل شات، يتساوقون جوعاً وضموراً، وأنزلوا رءوسهم على صدورهم، قالت عائشة: [[من هؤلاء؟ قالوا: نساك -يعني عباد- قالت: ما لهم يمشون هكذا؟ قالوا: من النسك -من كثرة العبادة كسروا رءوسهم- قالت: والله لقد كان عمر أخشى لله منهم، وكان إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع]] لأنه دين أصالة وعمق.

عن الأسود بن يزيد في صحيح مسلم {قال: قلت لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها: يا أم المؤمنين! كيف كان صلى الله عليه وسلم يقوم من صلاة الليل؟} متى يقوم لصلاة الليل، لم يسأل عن صلاة الفجر، ونحن الآن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه نتمادح بمن يحضر صلاة الفجر منا، حتى من الدعاة، وإذا حضر صلاة الفجر في جماعة فكأنه من العشرة المبشرين بالجنة، أو ممن بايع رسوله تحت الشجرة، وهذا لضعف مستوى الإيمان، أما أولئك فما كانوا يسألون عن صلاة الفجر، فهي من المسلمات، حتى المنافق في عهدهم يعاب عليه عدم حضور الفجر، لكنهم يسألون عن قيام الليل.

طاوس بن كيسان اليمني أحد العلماء الجهابذة المحدثين، طرق على صديقه الباب وقت السحر، فخرج صاحبه من البيت فقال: مالك؟ أحدث شيء؟ قال: أتيت أزورك!! قال: قبل الفجر، أنا كنت نائماً، قال: أتنام في هذه الساعة؟! والله! ما ظننت أن مسلماً ينام في ساعة السحر، لأنه صح في الحديث: { أن الله ينزل في الثلث الأخير إلى الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ }

فـ الأسود بن يزيد يقول لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {متى يقوم عليه الصلاة والسلام لقيام الليل؟ قالت: كان إذا سمع الصارخ وثب، قال الأسود:

وعلمت ما معنى وثب} لم تقل: ولا جلس، ولا عرك عينيه، وإنما وثب كالأسد، لأن هذا معناه إعلان التحدي على النفس، والقوة على الشهوات، والأخذ لأمر الله عز وجل.

تقول عائشة عنه صلى الله عليه وسلم، وأحلى ذكريات عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حياتها، قوامتها، أشرق الذكريات في عمرها مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم -على سبيل الاستطراد- رجل كمال، في البيت والمجتمع، والفتيا وعلى المنبر، وفي المعركة وفي الإدارة، والأدب والسياسة، فكل شيء أخذ له وقتاً، وأعطى لها وقتاً من حياته صلى الله عليه وسلم.

فتقول: {كان يقطع معنا اللحم، ويكون في مهنتنا، فإذا سمع الأذان قام كأننا لا نعرفه، ولا يعرفنا} وهذا هو علامة الإيمان والصدق، فليس عندنا أمور معنوية نتخيل بها الناس، يقول الإنسان: الله أعلم بقلبي أنني أحب الله ورسوله، لكن أعماله وأظفاره ومخالبه في الإسلام.

الضب والحية: دخل الضب للحية في جحرها، فلسعته بسمها فبقي مريضاً عند باب جحرها، فقامت تزوره، وتقول: يا أبا ثعالة! من جرحك؟ قال: أنت أعرف بمن جرحني.

فتجد بعض الناس يقول: الله يعلم أنني أحبه وأحب رسوله، وهو لا يشهد الصلاة مع الناس، ولا يتحمس لقضايا الإسلام، ولا ينكر المنكر، ولا يكثر من الدعاء، ولا يقدم خيراً لدين الله عز وجل، فأين الإسلام؟ أإسلام بالقلب؟! إن هذا لا ينفع: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] إذا رآك المؤمنون صالحاً فأنت صالح: {أنتم شهداء الله في أرضه}.. وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143].

{ مُرَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم بجنازتين، فأثنوا على الأولى خيراً -مدحوه بالقيام، والصيام، والصلاة، والصدق، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والوفاء -قال: وجبت، وجبت، وجبت- فهذا ختم منه عليه الصلاة والسلام يطبع به على أوراق الناس يقول: وجبت له الجنة -وأثنوا على الآخر شراً- فاجر، قاطع للصلوات، عربيد، لا يعرف الله، لاه، قرءانه الغناء، وكتابه وصحيحه المجلة الخليعة، وغيبته وعرضه وفاكهته أعراض المؤمنين -قال عليه الصلاة والسلام: وجبت، وجبت، وجبت- وهذا خاتم يطبع على أوراقه إلى النار، قالوا: يا رسول الله! ما وجبت؟ وما وجبت؟ قال: الأولى أثنيتم على صاحبها خيراً، فقلت: وجبت له الجنة، والثانية: أثنيتم على صاحبها شراً، فقلت: وجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه}.

وعند الترمذي بسند فيه نظر: {من رأيتموه يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} فنحن شهداء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على عباده، والله عز وجل إذا رأى العبد منيباً مخلصاً نشر له القبول، وإذا رآه غير ذلك نشر له السمعة والغضب واللعنة في الناس، فهذه قواصم الظهر.

المنافقون مرجفون

المنافق مرجف، أي: يخذل عباد الله، إذا ذكرت له انتصار الإسلام في قضايا انتشار العلم والدروس والمحاضرات والندوات هون من شأنها، يقول: لا طائل من ورائها، إلهاء للشباب، وأظنها تفرق بينهم، وتأخذ من أوقاتهم، وأما الأغاني والذهاب والإياب فلا تأخذ أوقات الشباب!!

إذا ذكرت له الجهاد هون من شأنه، إذا ذكرت له قضية الحجاب، قال: لا، الحجاب ليس هو القضية، القضية ليست قضية حجاب، فإذا أتيت في قيام الليل قال: والقضية ليست قيام ليل، وإذا أتيت في المكاييل والموازين، قال: القضية ليست مكاييل وموازين حتى يذهب الإسلام كله، فإذاً القضية ليست قضية إسلام.

فهو مرجف: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة:47] هذه أيها الإخوة! من علامات المنافقين، وهي قاصمة الظهر الكبري، وهي تجتمع في قاصمة.

قلة ذكرهم لله

ومن علاماتهم: أنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، لم يقل الله: لا يذكرون الله، لكن يذكرون الله قليلاً، والإنسان علامة حبه للشيء حبه ذكره له:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم>>>>>ونترك الذكر أحياناً فننتكس

إذا أردت أن تعرف إيمان المؤمن، فانظر إلى ذكره لله، وإذا أردت أن تعرف إخلاصه وصدقه؛ فانظر إلى تبتله ودعائه للواحد الأحد: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191].. الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152].

فمن علامة المنافق أنه لا يذكر الله، تجده سبهللاً في الليل والنهار، يتكلم في معاشه وبيته، وفي وظيفته وأصدقائه، لكن إذا مر ذكر الله انقبض في المجلس، فهو لا يريد شيئاً من الذكر لا من القرآن ولا من الحديث، يصف هذه المجالس بالتأخر، والرجعية، والتخلف، وهو المتخلف الرجعي الوثني المتقهقر، فهذا من علامتهم حتى تنجلي.

وهذه أيها الإخوة! معلومات موجودة وجاهزة، لكنها تحتاج إلى تذكير وتأصيل حتى تعرف عند الجميع؛ لأن من الناس من يقع في النفاق ولا يدري أنه منافق.

المنافقون ذوو ألسنة فصيحة وقلوب جاهلة

من علامات المنافق أنه عليم اللسان، إذا تكلم أصبح خطيباً فصيحاً، لكن قلبه جاهل: وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4] قد تجد المؤمن لا يحسن أن يركب كلمتين، ولذلك في حديث كعب بن مالك عند الترمذي: {البذاء والبيان شعبتان من النفاق، والعي والحياء شعبتان من الإيمان} فالمؤمن تجده خجولاً منكسراً في الغالب، والمنافق تجده بذيئاً غسل وجهه من الحياء، فهو صاحب بيان داهية في الكلام، يتكلم بمحاضرات في ميزان السيئات، إذا تكلم عن قضايا الفجور، عن سفره إلى أوروبا، عن رؤية البنات والكأس وعما رأى من التطور والعمران؛ لأن في منظوره أن التطور والعمران هي ناطحات السحاب، لكنه لا يتكلم عن نهضة المسلمين، وعودة الشباب إلى الله، وتدارس القرآن، ومجالس الذكر والحديث؛ لأن قلبه مشغول بـ واشنطن وباريس، فهو لا يتكلم إلا عنها: وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4] لكنه أعمى القلب والبصر.

كبائر المعاصي قاصمة للظهر

ومن قواصم الظهر التي تضم مع قاصمة الظهر الكبرى: كبائر المعاصي، والله عز وجل ندد بالعصاة، والذي يأتيك بأحاديث الرجاء دون أن يذكرك بالخوف، معناه أنه يريد أن يتسامح، وأن يعفيك من عهدته، وأن يقول لك: لا بأس أن تخطئ وتعصي الله، يقول الله عن بني إسرائيل لما عصوا: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ [المائدة:13] هذه أربع مصائب بسبب المعصية، ومن يفعل ذلك، ويداوم ويصر على المعصية، يبتليه الله بهذه الأربع: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ [المائدة:13] عهدك مع الله، وصلتك به.. صلاتك.. صيامك.. حجك.. ولاؤك وبراؤك لله؛ لأن كثيراً من الناس يصلون، ولكن ولاءهم وبراءهم لغير الله.

قد تجد إنساناً مستقيماً يصلي الصلوات الخمس، يقرأ صحيح البخاري، يبكي إذا قرأ مدارج السالكين، ولكن ولاءه لنادٍ رياضي من النوادي، يبكي إذا هزم، ويفرح ويسهر الليل إذا انتصر، يعادي كل من يعادي هذا النادي، ولو كان من الصحابة والتابعين، لماذا؟ لأنه جعل ولاءه وحبه لغير الله: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:55].

ووجد كذلك -ليس في هذا المكان العامر الطاهر الذي ما أتاه إلا دعاة وأساتذة وأبطال الإسلام- من يشجع بعض المغنيين، فيؤيده وينشر محاسنه في الناس، ومناقبه وتاريخه في المجالس، وفي الحقيقة لا مناقب ولا محاسن ولا تاريخ، وينوه بأغانيه وهو ينشر الفاحشة والمعصية في المجالس والمنتديات، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ [المائدة:13] نعوذ بالله من اللعنة، هذه من علامة الاستمرار والجمود على المعاصي وعدم التوبة لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [المائدة:13] القلوب القاسية أكثر ما يقسيها قواصم الظهر وهي المعاصي، يوم يقترف الإنسان من المعاصي العشرات في اليوم، ثم لا يستغفر ولا يتوضأ ولا يتوب، ولا يبكي ولا يندم، تجتمع عليه المعاصي فيطبع الله على قلبه فيصير ميتاً، فإذا صار ميتاً يرتكب كبائر الذنوب ولا يحس بها، يقول المتنبي:

من يهن يسهل الهوان عليه>>>>>ما لجرح بميت إيلام

الإنسان إذا مات وأتيت بخنجر تطعنه هل يحس؟! لا. لأنه ميت.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[المؤمن يرى كأن ذنوبه جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق يرى كأن ذنوبه ذباب وقع على أنفه فقال به هكذا]] تجده يشرب الخمر ويزني ويفجر ويكذب، فإذا قلت له: اتق الله، قال: إن الله عفور رحيم، ما حفظ من القرآن إلا هذا المقطع، فإذا قلت له: اتق الله، قال: رحمة الله وسعت كل شيء، ونسي: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] فهذا وأمثاله يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم: لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [المائدة:13] والله لام بني إسرائيل، وقال للمؤمنين: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] ولكن أملنا الله في فضله، ورجانا في خيره وبره، فقال: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الحديد:17] بالأمطار، فيا من يحيى الأرض بالأمطار، فتنبت أنواع الأزهار والأشجار! نسألك يا واحد يا قهار يا غفار! أن تحيي قلوبنا بالإيمان، وأن تجعلنا من سكان تلك الدار.

هؤلاء هم المؤمنون، ولكنهم يخافون المعاصي.

لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13] وقد وقع في هذه الأمة هذه الجزاءات، وقعت في أمة الرسول صلى الله عليه وسلم ووجد من لعنه الله، عالم لم يعمل بعلمه فاجر كبني إسرائيل، ووجد جاهل أعمى يعبد الله بالجهل فهذا قاسي القلب، ووجد من أهل البدع من يحرف الكلم عن مواضعه، يحرف الألفاظ والمعاني كما ذكر ابن تيمية.

وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13] نسيان العلم، ونسيان الفهم دليل على كثرة المعاصي، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282].

شكوت إلى وكيع سوء حفظي >>>>>فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نور>>>>>ونور الله لا يهدى لعاصي

أكبر ما يحبطك بعد النفاق، ويحبط مسعاك، ويعطل مستقبلك قاصمة الظهر المعاصي، وخاصة الكبائر.

لنعش مع الأنبياء ونسمع موقفهم من الذنوب، لنقول لذلك المترسل في الخطيئة، الذي انهمل في الذنب تلو الذنب، وذكرنا بالرجاء لكنه ما فتح لنا باب الخوف، لنقل: اسمع إلى إبراهيم عليه السلام، الذي أسس التوحيد، وبنى جداره، ونشر الحنيفية في الأرض، يقول عليه الصلاة والسلام في آخر دعائه وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82] طمعاً، لم يقل: والذي يغفر لي خطيئتي يوم الدين، قال: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82] وإنه والله رجاء، وإنها والله لوعة، وإنه أسى يوم يقول عليه السلام وقد جاهد وبنى البيت، ورفع علم لا إله إلا الله، ومد هذه الشريعة، وعمق هذا المبدأ، ثم يقول في الأخير، ويرفع كفيه وهو على شفير القبر، وفي سكرات الموت: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82].

يونس بن متى عليه السلام، خرج مغاضباً، وألقي في البحر، فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة اليم، وظلمة الحوت، وظلمة الليل، فمن يذكر؟ لا زوجة ولا ولد ولا أهل، لا مال ولا منصب:

فاشدد يديك بحبل الله معتصماً>>>>>فإنه الركن إن خانتك أركان

قال: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] كلمة والله ما كأنه يوجد أروع منها في الإسلام! يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من مهموم أو مغموم أو مكروب يقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، إلا فرج الله همه، وأزال غمه وكربه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فاستجاب الله له؛ لأنه اعترف بذنبه، ففي هذه السكرات أعلن التوحيد، والله يقرن بين التوحيد والاستغفار، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] فقال: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] أنا مذنب، فنجاه الله، قال سبحانه: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144].

لماذا لم ينج الله فرعون وقد قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90] وهي: نفس الكلمة أو قريبة منها؟! لأنه أنكر الله في الرخاء.

وأما يونس عليه السَّلام فقد عرف الله في الرخاء، لأن له سجل حسنات وذكريات وأياماً محفوظة، وفرعون له أيام وصحائف سود، داس التاريخ تحت قدميه فلم ينفعه ذلك.

كثير من الناس وبالخصوص أهل الشباب والقوة والغنى لا يعرفون الله إلا إذا أصبحوا على الأسرة البيضاء في المستشفيات، كثير من الناس لا يعرفون الله إلا إذا أصبحوا شيوخاً كباراً، فيأتي الواحد منهم يراجع حسابه وهذا جيد، لكن أين قوتك وصحتك؟ وأين شبابك وفتوتك؟ هل استثمرتها في طاعة الله؟!

سليمان عليه السلام شكا المعاصي والخطايا فقال: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35].

نوح عليه السلام ذكر قومه فقال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].

الذنوب والخطايا المنتشرة اليوم

الخطايا التي تواردت في الساحة على الناس لا تعد ولا تحصى، ولكن أذكر ثلاثاً من الخطايا، أو ثلاثة مشارب تنضم تحت مظلة قاصمة الظهر:

الأغنية الماجنة

وللمتسائل أن يتساءل: كيف جعلت هذا الحدث البسيط حدثاً كبيراً وهو ليس بالكبير! لكنه وجد أن هذه الأغنية الماجنة ركب عليها من المعاصي ما لا يعلمه إلا الله، سفور المرأة، التهاون بالحجاب، الخلطة، الاتصالات الهاتفية الغير مسئولة، جريمة الزنا، اختلاط الأنساب، موت الأعراض والضمائر، كله من أسباب الغناء.

قال ابن تيمية وابن القيم: "الغناء بريد الزنا" وهذان المُنَظِّران الكبيران العبقريان قد حذرا من هذه المغبة، وأمة جعلت قرآنها غناءها ووترها وموسيقاها، سوف تصل إلى الهاوية، لأنه يسبب العشق والوله، ويسبب التمرد على شرع الله، فالغناء يبغضك الطاعة والقرآن، ولذلك كان لبعض الناس كغلاة الصوفية غناء آخر، يأكلون قصع العصيد فإذا شبعوا قاموا يتراقصون على غنائهم، ثم يتكاوسون ويتساقطون، قالوا: مالكم؟ قالوا: سكرنا بحب الإله!!

وقالوا سكرنا بحب الإلـه >>>>>وما أسكر القوم إلا القصع

فهذا هو غناؤهم، ولذلك من استعاض بالقرآن الغناء وقع في هذه وفي غيرها، ويصاب بمرض التهاون بالعبادات، فلا يأتي الصلاة إلا دباراً، يقول ابن القيم:

قال ابن عباس ويرسل ربنا>>>>>ريحاً تهز ذوائب الأغصان

فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ>>>>>إنسان كالنغمات بالأوزان

يا خيبة الآذان لا تتعوضي>>>>>بلذاذة الأوتار والعيدان

والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر وقال: { سيأتي أناس من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها لا يكون إلا بعد التحريم، وأمة لا تعرف إلا الغناء أمة ساقطة من المجد، متدهورة في عالم الحضارة، سبحان الله! كم خدر الشرق بل الشرق الإسلامي بالغناء الماجن، من المغنيين والمغنيات، وأما أعداؤنا من إسرائيل وأمثال إسرائيل فما عرف جيشها الغناء، في بحوث منشورة أن الغناء والموسيقى لا يدخلان الجيش الإسرائيلي، فما للمسلمين يدخلون الغناء ويسمعونه إلا من رحم ربك، وهذه المسألة خطيرة جد خطيرة.

الصورة الخليعة

من قواصم الظهر التي انتشرت وأفسدت كثيراً من القلوب والأعراض والبيوت: انتشار الصور الخليعة الماجنة، والصور السخيفة المتبذلة، وهي تتمثل إما في منشورات أو في مجلات، وهذه ليست بالأمر السهل، فهي تحتاج إلى كلام طويل، لكنني أردت أن تكون تحت مظلة القاصمة الكبرى من القواصم وهي قاصمة المعاصي لانتشارها، وأخذها وعدم التهيب من الله عز وجل في تداول هذه المجلة بين الناس والنظر إليها، وهي من الفواحش الكبار، ومرض هواية القلب للصور مرض عجيب فتاك.

ذكر ابن القيم في مدارج السالكين هذا المرض، وهو الوله بالصور والعشق لها، وذكر من الخطورات ما لا يعلمه إلا الله حتى تصل بصاحبها إلى درجة النفاق.

من المسائل التي أريد التنبيه عليها أيضاً في آخر هذه المحاضرة شيئاً أشرت إليه في مقدمة الكلام، وهي مسألة الولاء والبراء.

ولاؤك أيها المصلي وبراؤك لمن يكون؟! الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:55] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] فمن تتولى؟ وممن تتبرأ؟

يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان} لا يكمل الإيمان حتى يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليك مما سواهما، وهو حديث أنس كما في الصحيحين: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول: {يا رسول الله! والله إني لأحبك أكثر من أهلي ومن ولدي ومن مالي إلا من نفسي، قال صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر! -أي ما استكملت الإيمان، ليس هذا هو المطلوب، ليس هذا هو الإيمان - حتى أكون أحب إليك حتى من نفسك، قال: فوالله -لا يعرف المجاملة- الذي لا إله إلا هو إنك أحب إلي حتى من نفسي} رضي الله عنه وأرضاه، وصدق والله.

وفي الترمذي عنه يقول: {ودعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعتمر، فقال وهو يودعني: لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك، قال كلمة لا أريد أن لي الدنيا وما فيها} وهذا غاية الحب.

فالولاء والبراء لا يكونان إلا لله، ولا بد أن يفهم هذا حتى عند طلبة العلم والدعاة، وانظر إلى من ضل عن الصراط في الولاء والبراء، وقد سبق أن أشرت إلى أن بعض الناس يجعل ولاءه لبعض الذوات أو الأشخاص أو الهيئات أكثر من ولائه لله، كالأندية وبعض المغنيين وبعض المجلات، فهو يجعل ولاءه لهذه الأمور أكثر من ولائه للواحد الأحد، أحد المجرمين الفسقة الفجار وهو نصيري يقول:

آمنت بـ البعث رباً لا شريك له>>>>>وبالعروبة ديناً ما له ثاني

والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يتولاه ويحاسبه بالعدل، ويخزيه وأمثاله ممن لم يعرفوا الولاء لمن يكون، والبراء لمن يكون، كل من أحب الله واقترب من الله وجب عليك أن تواليه، فإذا كان تحت مظلة الإسلام مصلياً للخمس، فلا تنظر إلى أي أسلوب ينتهجه في الدعوة، ولا لأي مشرب؛ لأن بعض الناس يجعل اعتباراته اتجاهات وأساليب الدعوة فيوالي قوماً، ويتبرأ من آخرين على حسابها، فهذا أواليه لأنه وافقني في أسلوب الدعوة، وهذا أعاديه لأنه خالفني ولو كان هذا المخالف أتقى وأزهد وأعبد من ذاك، اتق الله في نفسك، أهذا دين يضيع؟ أهذه أوراق تحرق؟ أهذه ألعوبات؟ هذا دين الله عز وجل.

فيا أيها المسلمون! هذه اثنتان من قواصم الظهر.

والكفر أمره بيِّن لكثرته وانتشاره في القرآن، ولم أشر إليه في العناصر إلا إشارة، أما النفاق والمعاصي فهي أكبر قاصمة من قواصم الظهر، بل هي قاصمة الظهر والدين، والأخلاق والشرف، يصاب الإنسان بمصيبة في ماله فيعدها القاصمة، يموت ولده فيعدها الرزية، لكن بعضهم يصاب بقواصم في اليوم الواحد في دينه وهو كالبهيمة لا يدري أنه أصيب.

أيها الفضلاء..! أيها النبلاء..!

أشكركم شكراً جزيلاً، ثم أشكر مركز الدعوة هنا بـ الدمام على أن تفضل ودعا وأحسن وأجاد وبذل وأعطى، نسأل الله تعالى أن يجزل المثوبة لكل من قدم شيئاً للإسلام، أو من رفع راية الإسلام، أو من أعطى في سبيل الله لرفع دين الإسلام.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الطريق الموصلة إلى العلم

السؤال: إني أحبك في الله يا شيخ وأريد أن أكون شيخاً، وأنا عمري أربعة عشر عاماً فما العمل لأكون شيخاً؟

الجواب: الحمد لله، أحبك الله الذي أحببتنا فيه، أما قولك كيف تكون شيخاً فللشيخ معنيان اثنان: المعنى الأول: الشيخ الكبير في السن:

زعمتني شيخاً ولست بشيخ>>>>>إنما الشيخ من يدب دبيبا

فإن كنت تريد أن تكون شيخاً كبير السن فتعرض للشمس كثيراً، وحاول أن تتعب، وحاول أن تقلل من الأكل حتى تشيب وتقترب من القبر فتسمى شيخاً، ونسأل الله لنا ولك حسن الخاتمة، والشيب مذمة عند النساء، لكنه مفخرة عند الرجال:

عيرتني بالشيب وهو وقار>>>>>ليتها عيرت بما هو عار

وهو وقار في الإسلام، وأنت إذا شبت في الإسلام شيبة جعلها الله لك نوراً كما جاء في الأثر، وهذا النور والوقار والعقل سمة المؤمن.

أما مقصودك وهو أنك تريد أن تكون شيخاً في العلم فعليك أن تأتي العلم من بابه، وذلك بأمور:

الأول: أن تتقي الله عز وجل في نفسك: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] فإذا اتقيت الله فتح لك السبل.

الثاني: أن تكثر من الاستغفار والتوبة، فإن الاستغفار يفتح الله به مغاليق القلوب، ويفتح به عليك ما لا يدور بالخيال، ولا يخطر بالبال.

الثالث: أن تنتهج التحصيل العلمي بوسائله الحديثة والقديمة، إن في مسجد في مسجد، أوفي كلية في كلية، أو ثانوية أو معهد، فتجمع بين هذا وذاك.

الرابع: أن تحفظ وقتك في التحصيل، فإنه لا يكفيك أن تأخذ من رءوس الشجر، كالشاردة من الإبل لا تأكل إلا من رأس الشجرة، بل ينبغي عليك أن يكون وقتك جميعاً للعلم، للتحصيل وللمذاكرة، جلاسك طلبة العلم، زيارتك مع طلبة العلم، تثير المسائل ذاهباً وآيباً، مسافراً وحاضراً.

الخامس: عليك بمنهجين، إما الحفظ أو الفهم، فإن كنت من أهل الحفظ وعندك دربة فابدأ ولا تُقدِّم على القرآن شيئاً، فابدأ بحفظه أو حفظ ما تيسر منه، ثم احفظ ما تيسر من الكتب كـ بلوغ المرام ورياض الصالحين وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأمثالها من المختصرات، وأما الفهم فاقرأ، وأكثر من الاستغفار فسوف يفتح الله عليك، خاصة في كتب الحديث الستة، ومسند أحمد وتفسير ابن كثير، وكتب ابن تيمية، وابن القيم:

إذا أعجبتك خصال امرئ>>>>>فكن مثله يك ما يعجبك

فليس عن المجد والمكرمات>>>>>إذا جئتها حاجب يحجبك

سوف تلقى العون والتسديد.

الكتب التي أخذ منها الدرس

السؤال: هذا أخ يسأل عن الكتب التي تتحدث عن موضوع المحاضرة؟

الجواب: المحاضرة هذه جمعت من كتب، ومن قضايا موجودة، ومن استقراءات وتجارب، فهي ليست حفظاً من كتاب، ولكنها تدور في فلك الرقائق والتخويف من الذنوب، وأكثر من يتحدث عن هذا الجانب هو كتاب مدارج السالكين لـ ابن القيم، والفتاوى المجلد العاشر والحادي عشر لـ ابن تيمية، وكتاب جامع العلوم والحكم لـ ابن رجب، وتفسير ابن كثير فيه لمحات عن هذه القضايا خاصة في قضايا النفاق، هذه وأمثالها.

أما القضايا العصرية فهي موجودة لكتَّاب الإسلام كـ سيد وأبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي، وما يشابه هذه الكتب.

حد الرياء وضابطه

السؤال: هل من الرياء إذا كان الأخ المسلم مع إخوانه زادت جذوة إيمانه، وإذا خلا مع إيمانه وجد في نفسه شيئاً من الضعف؟

الجواب: هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل: إن كان هذا الشاب وحده ليس له أصل يعود إليه ولا يفعل شيئاً ولو حداً أدنى، ثم إذا وجد مع الشباب فعل شيئاً فهو بنيته، والظاهر أن من يفعل هذا بدون أن يكون له رصيد من العمل أن فيه رياء، فليحذر وليتق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فإن الأعمال بالنيات، والله أعلم بنيتك، فبعض الناس من عادته أنه لا يصلي الضحى، لكن إذا رافق الشباب في مركز أو مخيم أو رحلة قام يصلي الضحى لأنهم يصلون أو ليروه يصلي فهذا رياء وهو يدخل في باب الشرك كما تعرفون.

لكن القسم الآخر الذي يحتاج إلى تفصيل؛ مما عرف أن الناس يتعاونون على الخير وهذا ليس من الرياء، اجتماعك مع الناس في مجالس الذكر فتذكر الله أكثر، ذهابك مع بعض الشباب فتقوم الليل معهم لأنهم ساعدوك وعاونوك وعاملوك؛ خالصاً لوجه الله، هذا من علامات القوة والنشاط والإيمان، لا من علامات الرياء والسمعة.

ولكن هنا ضابط لا بد أن أذكره للإخلاص وهو أن تفعل مع الناس ما تفعله وحدك، إن كان من عادتك ومن هديك أنك تصلي الضحى فلا تتركها لأحد من الناس كائناً من كان، فإن العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجلهم رياء، والسلامة أن يعافيك الله منهما، إن كان من عادتك أن تصلي الليل فذهبت مع قوم فلا تخف أن يقولوا: إنك مراءٍ، فلا تصلي الليل، لا. بل صل الليل، لكن إن كان من عادتك ألا تصلي الضحى وذهبت معهم وأردت مدحهم فتصلي الضحى لأجلهم فهذا هو الرياء والعياذ بالله.

هل هو منافق من لم يثب وثباً للصلاة؟

السؤال: بعض الناس نومه ثقيل، وإذا جاء أحد يوقظه لصلاة الفجر لم يثب وثباً كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل هذا منافق؟

الجواب: الوثب مضى معه صلى الله عليه وسلم ومع القرن الأول، ونحن لا نقوم إلا سحباً، فالمقصود أنه جيد إذا قام الفجر ولو سحباً بأرجله إلى آخر الدرج ولا بأس، فإذا حضر الجماعة فلا يسأله الله عز وجل أقمت وثباً أو سحباً، فإنما ذكرت هذا لأنه في صحيح مسلم: {قال: إذا سمع الصارخ وثب} والرسول صلى الله عليه وسلم أدرى بمدلولات الكلمات وهذه الحركات، لكن في الأخير لا نقول هل قمت وثباً، أو قمت سحباً، أو قمت على جنب، أو على الأيدي أو الأرجل، إنما المقصود أن يصلي صلاة الفجر، وإذا صلى صلاة الفجر وداوم عليها فهو من أهل الخير والاستقامة والصلاح.

كيف يعرف الإنسان إيمانه؟

السؤال: كيف يكتشف الإنسان أنه منافق أو مؤمن؟

الجواب: المؤمن يخاف من النفاق ويحذر منه، كلما عمل شيئاً راقب نيته وشك، وأتى فيه تذمر وتلوّم وعتاب لنفسه، وتمرير وشعور بالخطأ، فهذا هو الذي يشعر بالذنب، أما المنافق فلا يشعر بهذا أبداً، يأخذ الكبائر من الذنوب ويسحقها تحته، ويقول: أنا مخلص، تقول: أنت منافق؟ ويقول: لا. أنا مخلص، تقول: أنت -يا أيها البعيد!- كاذب، ويقول: بل من الصادقين إن شاء الله، تقول: أنت تريد السوء للإسلام!! ويقول: بل أريد الخير: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11-12].

هذا ومن علاماته أيضاً: أن المؤمن يعرض نفسه على الكتاب والسنة، فيحذر من النفاق العملي؛ لأن النفاق الاعتقادي صاحبه والعياذ بالله، في الدرك الأسفل من النار، فلا يكذب إذا تكلم، ولا يخلف إذا وعد، ولا يغدر إذا عاهد، ولا يفجر إذا خاصم، ومثل هذا ونحوه.

شروط جواز لعب كرة القدم

السؤال: أنا شاب ملتزم والحمد لله، ولكنني أحب نادياً معيناً، وأتمنى دائماً أن يفوز، وبعض الأحيان أشاهد مبارياته عن طريق التلفزيون، فما رأيكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟

الجواب: الأخ الذي ذكر هذا لا لوم عليه في هذا، لكن لا بد أن أفصل له الكلام، النوادي كنواد هي لا تحرم لأمكنتها، فأمكنتها مثل أمكنة مجالس الناس وبيوتهم، تراب وشجر وماء وحجارة، لكنها تأخذ الصفات لما يحدث فيها، وغالب النوادي إلا ما رحم ربك يخاف عليها من ثلاث قضايا كبرى:

أولها: مسألة الولاء والبراء، فهم في المعتقد يوالون ويعادون لغير الله، ويرضون ويغضبون لغير الله، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها لغير الله عز وجل، وهذا ليس بصحيح، فهو خرم في المعتقد والتوحيد الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام.

ثانيها: ويخشى عليهم من قضية كبرى ثانية وهي قاصمة من قواصم الظهر وهي: ترك الصلاة، أو تأخيرها عن وقتها، فإذا أخرت عن وقتها حتى خرج لا يقبلها الله أبداً من أهل الملعب جميعاً، وهذا معروف، من ترك الصلاة بغير عذر حتى يخرج وقتها فقد انتهى، فصلاته انتهت فلا صلاة له، وهناك خلاف بين أهل العلم هل يقضي أو لا يقضي؟ ورجح كثير منهم ألا يقضي لأنه في تلك الفترة تركها متعمداً فهو كافر، لكن عليه أن يتوب ويعود إلى الإسلام.

ثالثها: قضية كشف العورة والتبذل في اللعب، والإسلام يأمر بالستر.

وهذه القضايا أكثر ما يدار في النوادي، فإذا خلت من هذه الأمور فهي كغيرها، بشرط أن تكون في وقت محدد، لا تطغى على وقت الجد، ولا تعارض الصلاة، ولا تدخل في المعتقد فيكون الولاء والبراء من أجلها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتكون بلباس ساتر فلا بأس، ولا بأس أنك تحضر وتلقي كلمة، وتؤثر في الشباب؛ لأن بعض الناس يتوخى، أو إذا نظر إلى النادي من بعيد وقال: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) وهذا ليس بصحيح، الذي في المسجد لم يأت إلا ليصلي، ونحن لا نتكلم إلا في أهل المسجد، يصلون المغرب فنقوم بعد صلاة المغرب، فنقول: صلوا يا عباد الله! اتقوا الله لا يعذبكم الله بالنار، وهم أتوا يصلون قبل أن يسمعوا الكلام.

لكن أهل المقاهي.. أهل الملاهي.. أهل النوادي من يدعوهم؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى سوق عكاظ وخطب، وسوق مجنة وذي المجاز، وعرض نفسه على العرب، فكان يأتي إلى السكارين المكارين الذين يعاقرون الخمر والكأس بأيديهم ويتكلم معهم صلى الله عليه وسلم، يدخل على المنافقين واليهود والنصارى ليعرض دينه وإسلامه، فالناس لا يأتونك وأنت في المسجد، ولا في زاوية المسجد ويسألونك: هل روى قتادة عن الأعمش أو الأعمش عن قتادة؟!! فهم ينتظرون من يأتي ليوصل لهم هذا الدين، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأب يوماً من الأيام وسيلة مباحة في خدمة الإسلام والدين.

أتاه ركانة وهو مصارع جهبذ كبير، فقال: لا أسلم حتى أصارعك!! وهو أقوى رجل في العرب، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم -ما دام أن فيها خدمة لرفع لا إله إلا الله وانتصار الإسلام فلا بأس- فصارعه، فصرعه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحمله ثانية صلى الله عليه وسلم وطرحه أرضاً، وثالثة: فأنزله أرضاً، فشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وأن محمداً رسول الله.

فبعض الناس لا يدخل الإسلام حتى تكون أرجله فوق رأسه.

فالمقصود أن هذه من الوسائل المباحة، بشرط الوسائل.

وأنبه أهل النوادي إلى ألا يجعلوا النوادي غايات، فليست غايتنا أن نعلم الناس الكرة، فالأوروبيون علمونا الكرة، وبنوا لنا القصور ومدوا الجسور، فلن نغلبهم في هذه المستويات أبداً، والله لم يرسلنا للناس لنبني قصوراً، ونصنع لهم ثلاجات وطائرات وبرادات، لكنه أرسلنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَ لنهدي الناس، ولندلهم على طريق الجنة، ولنوجههم إلى الصراط المستقيم.

فقضية أن رسالتنا لعب كرة ليس بصحيح، بل رسالتنا دعوة، ومن وسائلنا الرياضة، فحبذا أن المنتخب إذا ذهب إلى أوروبا أن يحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله، أحد علمائهم يقول: أهدينا لكم الثلاجة والبرادة والسخانة وما أهديتم لنا الإسلام.

أحد دعاة الإسلام سكن في ميونيخ في ألمانيا، فيوم سكن هناك رأى لوحة مكتوب عليها: أنت لا تعرف إطارات يوكوهاما، فكتب تحتها بالألمانية: وأنت لا تعرف الإسلام، إن كنت تريد أن تعرف الإسلام اتصل بتلفون كذا وكذا وأعطاه التلفون، فكانوا يتصلون عليه، فهدى الله على يديه مائتي ألف ألماني؛ لأن الناس ليسوا بحاجة إلى أن يعرفوا إطارات يوكوهاما، لكنهم بحاجة إلى أن يعرفوا طريق الجنة، وكيف ينجون بأنفسهم، كيف يخرجون بأنفسهم من النار والعار والدمار، هذا أمر، فأما أن نعلم الناس الكرة فهم الذين علمونا.

ماهية الرياء

السؤال: إذا وجد الإنسان بعض الصفات التي قلتها في نفسه، ولكنه لم يقصد الرياء أو النفاق أبداً؟

الجواب: لا أعرف ما تريد، تقول: وجدها في نفسه ولم يقصد، هو لم يجدها إلا لأنه فعلها: قال الجدار للوتد: لم تشقني؟ قال: اسأل من يدقني.

فكيف يكذب ويقول: أنا لا أقصد الكذب؟! إنسان أتى فصفعه أخاه في الله، يحبه في الله كثيراً لكنه صفعه على وجهه فغضب أخوه وقال: مالك؟ قال: أحبك في الله، وإنما ضربتك على وجهك وأنا لا أقصد هذا.

وبلورة هذه الأمور إلى نيات ومقاصد هو من فعل أهل الابتداع والمعاصي، لماذا لا تصلي في المسجد؟ قال: يعلم الله أني أحبه، والله أدرى بالمحبة، لكن ما استطعت، ولو كان محباً لأتى.

تعصي الإله وأنت تزعم حبه>>>>>هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته>>>>>إن المحب لمن يحب مطيع

فأنا لم أفهم هذا السؤال، إلا أنك لو فعلت ذلك فهذه العلامات فيك، ولو أنك أنكرت بلسانك.

المؤمن قد يصاب أحياناً بالرياء والنفاق

السؤال: هل يصاب المؤمن ببعض النفاق أو الرياء أحياناً؟

الجواب: نعم. يصاب المؤمن ببعض النفاق والرياء أحياناً، وهي نسب متفاوتة، فبعضهم يأخذ المركز الأول في مسألة النفاق، فلا ينافسه ولا يسابقه أحد عليه، ومنهم من يأخذ المركز الثاني والثالث والمائة وبعد المائة، فالناس نسب، ويخلص منهم قوم قليلون صادقون متقون، ولكن كفارة الرياء أن تستغفر وأن تقول: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم} وأن تعرف أن النافع الضار، الخالق البارئ، المحيي المييت هو الله عز وجل، الذي يثيبك ويجازيك.

صور الشعور بالنقص وحكمها

السؤال: أحدهم لديه مشكلة وهي أنه يحس أحياناً بالتقصير بين زملائه، فدائماً يشعر أنه ناقص بينهم، فما هو الحل؟

الجواب: إن كان شعورك بالنقص في الدين فهذا من الخير لك، وهذا من عظمتك ومستقبلك؛ لأن المؤمن يشعر بالنقص في دينه دائماً، وهذا أمر طيب، وأبشر بخير، وعليك أن تستشعر هذا، لكنها لا تقعدك ولا تحبطك عن مسيرتك، واصل واتق الله، وزد من الأعمال الصالحة واشعر بالنقص دائماً.

وإن كان نقصك وشعورك بالنقص لأمور دنيوية فليس بصحيح، تشعر أن هذا لونه أبيض وأنت لونك أحمر، أو هذا أطول وأنت أقصر، أو هذا من أسرة كذا وأنت من أسرة كذا، نحن في الإسلام ليس عندنا معامل ولا ألوان ولا دماء ولا أجناس، بل نحن نتعامل مع آية: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

بلال عبد وقصره في الجنة كالسحابة البيضاء، أبو لهب قرشي هاشمي يتردى ويعذب في النار أبد الآبدين.

فإن شعرت بالثاني فأنت مقصر ومخطئ وعليك أن تتوب، وإن شعرت بالأول فأنت فائز مفلح عليك أن تواصل.

من أشكال التحريف اللغوي المعاصر

السؤال: إن بعض الناس يقولون: إن كلمة (مطوع) معناها حمار، فهل هذا صحيح؟

الجواب: افترى من قال هذا الكلام، وهذا أحد رجلين: إما رجل جاهل لا يعرف اللغة العربية، أو رجل يريد أن يرد على كلمة الفنان أنه الحمار المخطط، فيريد أن يرد الكُرة في مرمانا مرة ثانية.

لكن نقول: من حيث اللغة العربية والإسلام هذا ليس بصحيح، فمطوع كلمة عامية مأخوذة من الطائع لله عز وجل، وقد سماه العوام وبذلوها لكل من استقام، وأخذها أهل الاستهزاء لكل أحد من العلماء والدعاة والملتزمين والأخيار.

ومفهوم المخالفة أن الناس قسمان: مطوع وعاصٍ، فأما هذا فطائع فنسميه طائعاً، وأما ذاك فنسميه عاصياً، لكنه لا يقول لأحدكم (مطوع) ثم يسكت، لا. بل قل: وأنت عاصٍ.

حكم مشاهدة المصارعة على التلفاز

السؤال: ذكرت في محاضرتك مصارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يفهم من ذلك جواز مشاهدة المصارعة في التلفزيون؟

الجواب: سبحان الله!

فوضع الندى في موضع السيف بالعلا>>>>>مضر كوضع السيف في موضع الندى

تأتي برسول البشرية ومعلم الإنسانية وهادي الناس جميعاً ومزعزع كيان الوثنية صلى الله عليه وسلم إلى أناس ليس لهم مبادئ ولا أخلاق، ولا إيمان ولا حب، ولا طموح ولا رسائل في الحياة، يأكل أحدهم كما يأكل الحمار، ويركض كما يركض الحمار، ويتعرى كما يتعرى الحمار ويصارع!! وتجوِّز هذا بهذا لشتان!! وهذا لا يحتاج إلى كثير من التعليق، فالحقائق موجودة والواقع يشهد ولن نطيل الكلام.

حكم المغازلة

السؤال: لي أصدقاء يقولون: إن المغازلة حلال، فلم تحرمون -يا شيوخ- الحلال، فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟

الجواب: هذه الأسئلة بعضها يحتاج إلى تحقيق، لا أدري من أين تخرج هذه الأسئلة، أما أن المغازلة حلال، فقد افترى على الله عز وجل، وافترى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وافترى على الإسلام، وكذب وأخطأ، وأفك وأثم، فعليه أن يتوب ويستغفر الله عز وجل: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [النحل:116] وهذا الأمر من أنجس الأنجاس، ومن أشد الحرام، ومن أبعد الأمور عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا كما يفعله الذين يفعلون الفاحشة ويقولون: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28].

إذاً: فقد كذب هذا الذي قال إنها حلال، لا والله ما أحلها الله، ولا أحلها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أحلها دين الله ولا كتابه ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يحلها عالم المروءة والأدب وعالم النخوة والتحفظ حتى في غير أمة الإسلام.

فهذا الأخ عليه أن يتقي الله، وأن يعلم أن هذا الدين دين أصالة، ودين رسالة خالدة، ليس تفكهاً.

وأنا إذا أوردت بعض الدعابات فهي من قضية الدرس أن يعرض هكذا، والدعابة واردة، لكن في حدود الدعابة، أما أن يتطاول إلى هذا الجدار الذي لا يخترقه الصوت والذي دونه السيوف وخرط القتاد، فيأتي إلى أن ينقض قضاياه فهذا كفر ونفاق، والعياذ بالله.

دعوة الكفار إلى الإسلام

السؤال: يوجد معنا في العمل أجانب كفار أمريكان وإنجليز وفلبينيين وغيرهم، وندخل ونخرج ولا نقول لهم أي كلمة في الدعوة إلى الإسلام؟ فهل علينا ذنب إذا لم ندعهم إلى الإسلام؟

الجواب: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، من حيث الأصل أن تدعوهم وأن تكون داعية لهم إلى الإسلام، هذا من حيث الأصل، لكن هذا الأصل يختلف باختلاف الناس وطاقاتهم وأحوالهم، إن أعطاك الله عز وجل قوة في الدعوة، وأعطاك لغة وأسلوباً فعليك أن تدعو، وكل بحسب طاقته وجهده، وأنا أدعوك أن تكون داعية لهم، ولكن بالتي هي أحسن، تبصرهم بمحاسن الإسلام، تدعوهم تدريجياً إلى دين الله عز وجل، تحبب لهم هذا الدين الخالد بهذا الأمر.

أما إذا عجزت، فلم يكن عندك لغة تخاطب، ولا تستطيع هذا، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وعليك أن تتقي الله في دينك، وأن تحفظه منهم، والله معك.

حتمية تنظيم المحاضرات والدروس

السؤال: ديننا دين النظام والترتيب، ولكن في التجمعات الإسلامية مثل هذه المحاضرات والدروس يلاحظ عدم الترتيب والنظام، وذلك والله أعلم راجع لعدم فهمهم للإسلام فهماً كلياً، فهل من توجيه لهؤلاء؟

الجواب: أنا أؤيد ما قاله الأخ، وهذه حقائق موجودة في الإسلام أنه دين النظام، في البداية والنهاية لـ ابن كثير أن سعداً رضي الله عنه لما حضر بالمسلمين في معركة القادسية كانوا ثلاثين ألفاً، فقام يصلي بهم، فكلما كبر كبروا، وهذا هدي الإسلام في الصلاة مع الإمام، وكلما ركع ركعوا، وكلما رفع رفعوا، ورستم قائد الفرس ينظر إليهم من وراء جبل، فلما رآهم في هذا النظام العجيب عض على أنامله وقال: علم محمد الكلاب الأدب، وهو الكلب، بل علم صلى الله عليه وسلم الأمة الأبيض فيها والأسود الأدب والإيمان، والحب والطموح: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].

وحبذا أن نكون أهل نظام، وترفع، ورقة، ومسارات صحيحة، نأخذ أدبنا من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ لأننا نعرض الإسلام على الناس، والإسلام لا يعترف بالدروشة، بعض الناس يظن أنه إذا خرب هيئته، وعكس غترته، وقلب طاقيته أن الله يرفع درجاته في الجنة!! لا. لا يدخل الإنسان الجنة إلا بالإيمان والعمل الصالح، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث حسن: {تزينوا حتى تكونوا كأنكم شامة في عيون الناس} ويقول في صحيح مسلم: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: يا رسول الله! إني أحب أن تكون نعلي جميلة، وثوبي جميلاً، أفمن الكبر ذلك يا رسول الله؟ قال: لا. إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس} أي: رد الحق وازدراء الناس.

فأنت لا بد أن تكون مهذباً في جلوسك ومسيرتك، وخروجك ودخولك حتى تظهر أن هذا دين الإسلام والروعة والنظام.

تعريف بالشيخ عائض وبعض قصائده

السؤال: فضيلة الشيخ: هلاّ عرفت لنا نفسك؟ وكم قصيدة ألفت؟ وهل تكرمنا بسماع بعض الأبيات التي من إنشائك؟

الجواب: أما التعريف فأمر سهل، لكن القصائد هي على اختيار الإخوة؛ إن كان عندهم رغبة ويحددون بعض القصائد أورد ذلك إن كان في الوقت متسع:

أخوكم في الله عائض بن عبد الله القرني هذا التعريف.

أما مسألة المواليد فهذه تاريخ الأموات لا تاريخ الأحياء، ولم يقل متى ولد عمر بن الخطاب؟ وهم من عظماء الإسلام، ونحن من نحن معه! ولكن اهتم المسلمون كثيراً بالمواليد في التواريخ ماذا أكل وماذا شرب، وماذا تغدى، وكيف نام، وكيف ذهب، وهي تواريخ الأموات، إنما تاريخ الأحياء: ماذا عمل للإسلام؟ ماذا قدم في رفع لا إله إلا الله؟ هذا تاريخ الأبطال من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

أما القصائد فلدي قصائد، منها قصيدة للأمة الإسلامية وعنوانها: أمريكا التي رأيت، وقصيدة البازية للشيخ عبد العزيز بن باز، وقصيدة لأهل القصيم.

فأما قصيدة أمريكا التي رأيت فهي قصيدتان، جدية وهزلية، أما الهزلية فلا أذكرها، وأما الجدية فهي تخاطب الأمة الإسلامية:

يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل

وتوقف التاريخ في>>>>>خطواتها قبل الرحيل

سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل

وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل

يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال

وهي البريئة خدرهـا فيض عميم من جلال

شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال

موتاً أتاتورك الدعـي كموت تيتو أو جمال

يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد

كفرت بـمجلس أمن من نصب المنايا للعباد

القاتلي الإنسان خابوا >>>>>ما لهم إلا الرماد

جثث البرايا منهم >>>>>في كل رابية وواد

كانت هناك زيارة لـأمريكا، فقلت: أني ما زرتها لأجلها ولكن من أجل مقاصد أخرى:

ما زرت أمريكا فليـ>>>>>ست في الورى أهل المزار

بل جئت أنظر كيف ند >>>>>خل بالكتائب والشعار

لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار

وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار

ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام

قد زادني مرأى الضلال >>>>>هوىً إلى البيت الحرام

وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام

ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام

وأما قصيدتي في الشيخ الفاضل الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز، فأنا مسبوق وقد تكررت في مناسبات، ولكن لا بأس أن تتكرر، والشيخ ممدوح بقصائد كثيرة أذكر بعض مقتطفات، يقول المجذوب في مدحه:

روى عنك أهل الفضل كل فضيلة >>>>>فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم

فلما تلاقينا وجدناك فوق ما>>>>>سمعنا به في العلم والأدب الجم

فلم أر بازاً قط من قبل شيخنا>>>>>يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي

وقال عالم المغرب المحدث تقي الدين الهلالي:

خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا>>>>>على آل باز إنهم بالثناء أحرى

وزهدك في الدنيا لو أَنَ ابن أدهم >>>>>رآه رأى فيه المشقة والعسرا

وأما البازية فقلت فيها لسماحته:

قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي >>>>>فقمت أنشد أشواقي وألطافي

لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا >>>>>فهو الغفور لزلاتي وإسرافي

عفواً.. لك الله قد أحببت طلعتكم >>>>>لأنها ذكرتني سير أسلافي

يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن >>>>>أجرى الدموع كمثل الوابل السافي

يا شيخ يكفيك أن الناس قد>>>>>شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي

أغراهم المال والدنيا تجاذبهم >>>>>ما بين منتعل منهم ومن حافي

مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم>>>>>أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي

وأنت جالست أهل العلم فانتظمت>>>>>لك المعالي ولم تولع بإرجاف

وتعرفون كلكم الصحيحين.. والذي لا يعرف الصحيحين كأنه لا يعرف شيئاً

بين الصحيحين تغدو في خمائلها>>>>>كما غدا الطل في إشراقه الضافي

تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى>>>>>من دقة الفهم دُراً غير أصداف

أقبلت في ثوب زهد تاركاً حللاً>>>>>منسوجة لطفيلي وملحاف

تعيش عيشة أهل الزهد من سلف>>>>>لا تبتغي عيش أوغاد وأجلاف

أراك كالضوء تجري في محاجرنا>>>>>فلا تراك عيون الأغلف الجافي

كالشدو تملك أشواقي وتأسرها>>>>>بنغمة الوحي من طه ومن قاف

ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة>>>>>وعذرها أنها في عصر أنصاف

يكفي محياك أن القلب يعمره>>>>>من حبكم والدي أضعاف أضعاف

يفديك من جعل الدنيا رسالته >>>>>من كل أشكاله تفدى بآلاف

أما قصيدة أهل القصيم، فكانت زيارة لـ بريدة وعنيزة:

قل للرياح إذا هبت غواديها >>>>>حييالقصيم وعانق كل من فيها

كان عندي مقطوعة وقلت بالمناسبة أن يكون نادي الاتفاق

فما أتى الوفاق لنادي الاتفاق>>>>>فما كان هناك سلام ولا عناق

فجعلنا هذه القصائد حتى يتسنى لنا في اجتماع آخر لنحيي هذه الوجوه، أهل الدمام والظهران والأحساء والجبيل ومن جاورهم من الأعراب، فالمقصود:

قل للرياح إذا هبت غواديها>>>>>حيي القصيم وعانق كل من فيها

واكتب على أرضهم بالدمع ملحمة>>>>>من المحبة لا تُنسى لياليها

أرض بها علم أو حاذق فطن >>>>>يروي بكأس من العلياء أهليها

عقيدة رضعوها في فتوتهم صحت >>>>>أسانيدها والحق يرويها

ما شابها رأي سقراط وشيعته >>>>>وما استقر ابن سينا بواديها

سقراط المجرم الذي أفسد عقائد الناس، هذا تعليق على الشعر

ما شابها رأي سقراط وشيعته>>>>>وما استقر ابن سينا بواديها

ولـ ابن تيمية في أرضهم علم>>>>>من الهداية يجري في نواحيها

إذا بريدة بالأخيار قد فخرت>>>>>يكفي عنيزة فخراً شيخ ناديها

محمد الصالح المحمود طالعه>>>>>البارع الفهم والدنيا يجافيها

له التحية في شعري أرتلها >>>>>بمثل ما يعزف الأشواق مهديها

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , قاصمة الظهر للشيخ : عائض القرني

https://audio.islamweb.net