إسلام ويب

إن الأمة الإسلامية اليوم تعيش هذه المرحلة الحرجة الموسومة بالضعف والهوان بعيدة عن النصر وذلك لأسباب عديدة، وكما أن النصر لابد له من عوامل فكذلك الهزيمة لابد لها من أسباب، فمن عوامل النصر والهزيمة ما تجدونه في طيات هذا المادة.

موجز في عوامل النصر والهزيمة في الأمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

هذه المحاضرة بعنوان: من عوامل النصر والهزيمة، وعناصرها كما يأتي:

عوامل النصر:

طلب الشهادة.

رفع راية الجهاد.

القتال لتكون كلمة الله هي العليا.

الشجاعة الإيمانية.

الدعاء واللجوء إلى الواحد الأحد.

التوكل على الله تبارك وتعالى.

الإعداد: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].

التوبة النصوح، وترك الخطايا والذنوب.

تسخير وسائل العلم والإعلام لخدمة الدين.

إصلاح المناهج الدراسية.

إقامة القسط وتوخي العدل.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وعوامل الهزيمة:

عدم الثقة بالله تبارك وتعالى.

الاغترار بالكثرة والقوة.

الإرجاف وتصديق الشائعات.

التخذيل في صفوف الذين آمنوا.

الترف والترهل.

اشتغال الأمة بالتوافه.

ضعف الهوية الإيمانية.

الإسراف في المباحات الملهية.

اهتمام الأمة بصغار المسائل على حساب كبارها.

عدم ربط الأمة بعلمائها.

التنازع والاختلاف.

النفاق في الأمة؛ النفاق الاعتقادي والنفاق العملي.

عوامل النصر في الأمة

إذا عاش الناس لحظات الصفر، وهم يلقون مناياهم فما علينا؟ وما نحشد لهذه الأحداث، إلا كما يحشد لها الذين آمنوا ولبسوا أكفانهم في بدر وأحد، وعين جالوت، وحطين وأنتم أبناؤهم "ومن يشابه أبه فما ظلم".

نبني كما كانت أوائلنا>>>>>تبني ونفعل مثلما فعلوا

والله يقول: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140] ويقول سبحانه وتعالى: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104].

فالمسلم يموت والكافر يموت، ولكن المسلم ترفع روحه إلى الحي القيوم: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30]. ونريد أن نخبر الناس في هذه الفترة الحرجة أنا أبناء الذين فتحوا ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، بلا إله إلا الله، وأنا أبناء الذين أتوا إلى معركة أحد، وقد لبسوا الأكفان واغتسلوا، ويقول أحدهم: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]].

وأنَّا أبناء عقبة بن نافع الذي وقف في صحراء أفريقيا في الغابة، وقال: أيتها الوحوش والحشرات، ادخلي جحوركِ فإنّا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جئنا نفتح الدنيا.

فلماذا نخاف الموت والله يقول: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة:52] هكذا ربانا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

رسول الهدى بستانك اليوم أخضر>>>>>وذكراك عصفور من القلب ينقر

أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا>>>>>وأنت لنا التاريخ أنت المحذر

تذوب شخوص الناس في كل لحظة>>>>>وفي كل يوم أنت في القلب تكبر

قال الله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] يقول أحد العلماء: متناً وسنداً، فنحن أمة الوحي، أمة تتلقى تعاليمها من الله، وترتفع أرواحها إلى الله، وتعيش لله، وهي أمة الخلافة في الأرض، متى ما تمسكت بالدين كانت شجاعة، فَلِمَ الخور والجبن؟

يقول أحد الشجعان في إحدى المعارك:

لترم بي المنايا حيث شاءت>>>>>إذا لم ترم بي في الحفرتين

يقول: ترمي بي المنية حيث شاءت إلا في حفرة النار، نار جهنم، ويقول: أقدم جمجمتي؛ لترتفع لا إله إلا الله.

الطرماح بن حكيم، وهو أحد الصحابة، كان يبتهل إلى الله -يوم أن كانت الأمة تصدر من الإيمان، يوم أن كانت تشرب ماء زمزم، يوم كانت عند الركن والحطيم -يقول:

أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت>>>>>على شرجع يعلى بخضر المطارف

ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة>>>>>يصابون في فج من الأرض خائف

إذا فارقوا أوطانهم فارقوا الردى>>>>>وساروا إلى موعود ما في المصاحف

يقول: يا رب لا تقتلني على فراشي، لا تجعلني أموت حبطاً في المستشفى، في غرفة الباطنية، كما ماتت الأمة حبطاً من كثرة ما أكلت وشربت، وأصبح عندنا شهداء البطون، هم أهل غرف الباطنية، وأصبح المستشفى الواحد يرحب بالمرضى، ولكن من بطونهم لا من جماجمهم، فيقول:

ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة>>>>>يصابون في فج من الأرض خائف

(مد ابن رواحة يده إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قال يا رسول الله! على ماذا تبايعنا؟ -في العقبة - قال: أن تنصروني وتحموني مما تحموا منه نساءكم وأهليكم وأطفالكم، قال: فإذا فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة -ولم يقل لكم الدنيا- قال: ربح البيع، والله لا نقيل ولا نستقيل).

يقول أحد الصحابة يوم أن رباه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، على بذل النفس في وقت الخطر:

إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا>>>>>صدود الخدود والكرام المناكب

صدود الخدود والقنا متشاجر>>>>>ولا تبرح الأقدام عند التضارب

الأول: طلب الشهادة

أول عامل من عوامل النصر: طلب الشهادة، وتسليم النفس لمن خلقها، وهي وديعة عندك تتحرى لحظة الصفر لتقدمها لمن أودعها، والله سبحانه وتعالى يقول للنفس: ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:28]. ولا يرجع الشيء إلا بلبيك، فبدأت من الله ولا تعود إلا إلى الله، والله يقول في صك المعاهدة الذي وقع عليه أهل بدر وأحد، وأهل الأحزاب، والقادسية واليرموك: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111].

وفي صحيح البخاري أن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يقول وقد شرفه الله بالرسالة أعظم من الشهادة، يقول: {والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} ولذلك قادهم وفتح المستعمرات والقلاع، وخطب أصحابه على منابر الأندلس، وصلوا إلى السند، وذهبوا إلى بخارى، محمد عليه الصلاة والسلام هو واجهة الأمة.

هذا الرجل العظيم بأبي هو وأمي، يأتي في معركة بدر فيقود المعركة بنفسه، ويحضر أحداً فيتدرع بدرعيه، ويقاتل، ويقول الله سبحانه وتعالى له ليكون قدوة للأمة في الشجاعة والمحاربة: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84] يفر بعض أصحابه وجيشه في غزوة حنين وهو في خط النار -في الخط الأول- فلا يفر، بل يستل السيف وينزل من على البغلة، ويقول:

أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب.

فحياه أحد شعراء العروبة ولو أنه قومي، لكن هزته شجاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال:

أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة>>>>>أدبت في هول الردى أبطالها

وإذا وعدت وفيت فيما قلته>>>>>لا من يكذب قولها أفعالها

كان يضرب ألف مقاتل مع مالك بن عوف النصري من هوازن، أخذ التراب وقال: {شاهت الوجوه} فما بقيت عين إلا دخلها التراب، وصمد للمعركة حتى انتصر انتصاراً باهراً.

يقول علي بن أبي طالب وهو من أشجع الناس، لكن شجاعته تلاشت في شجاعة الشيخ الكبير والأستاذ الجليل، يقول: [[كنا إذا اشتد بنا الخطر وحمي الوطيس، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أقربنا من القوم والحرب]] ولذلك تربت الأمة على الشجاعة، ودلفت كتائبه إلى نهر دجلة والفرات والنيل تبايع الله وتفتح الدنيا بلا إله إلا الله، وأصبح الصحابي الواحد منهم يكبر فينصدع الإيوان، وينهدم القصر، وتنفتح القلعة.

تعال يا من حاله في وبال >>>>>وروحه مغروسة في عقال

يا راقداً لم يستفق عندما >>>>>أذن في صبح الليالي بلال

روض النـبي المصطفى وارفٌ>>>>>أزهاره فاحت بريا الجمال

معاذ بن عفراء في الخامسة عشرة من عمره، وأهل الخامسة عشرة اليوم يشترون اللاصق ويضعونه على النوافذ، ويغمى عليهم قبل أن يأتي الكيماوي؛ لأن الجبان يموت باليوم ألف مرة، والشجاع لا يموت إلا مرة واحدة.

معاذ بن عفراء يدخل المعركة وهو في الخامسة عشرة يقول: أين أبو جهل؟ قالوا: ذاك، فلما بدأ الهجوم، وأعلنت حالة الطوارئ، وبدأ السيف يقطر من الدماء، انطلق هو وأخوه على أبي جهل فجعلوه شذر مذر، ويعود بسيفه لا طائشاً ولا رعديداً ولا جباناً، ويقول: يا رسول الله! أنا قتلته، ويقول أخوه: أنا قتلته، فيتبسم القائد العظيم، ويحيى الجيل الخالد، جيل القرآن، ويقول: {كلاكما قتله}.

متى كانت هذه الأمة أمة ساقطة تخاف الموت، أمة ترى في المنام الموت وهي تود أنها بـالأعراب، أو تجد مغارة أو مدخلاً تولي عن نفوس المستعمر، أو عن اليهودي، أو عن الماركسي؟ متى كانت كذلك إلا يوم أبطلت طلب الشهادة.

خرج ابن رواحة من مسجده عليه الصلاة والسلام يقاتل في مؤتة، فقال الصحابة: يعود إلينا ابن رواحة بالسلامة، قال: لا. لا يريد السلامة، ما خلق إلا ليقتل، وما رفع الرأس فوق الرقبة إلا لينسف، لكن في سبيل الله، أبناء شامير وأبناء ديكسمان، يقتلون في سيناء تحت الدبابات المصرية من أجل راية النمرود.

البلاشفة الحمر يقتلون في أفغانستان من أجل راية لينين واستالين.

وأنتم أحفاد صلاح الدين! وطارق بن زياد، ومحمود بن سبكتين! فيقول ابن رواحة:

لكنني أسأل الرحمن مغفرة>>>>>وطعنة ذات فرع تقذف الزبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا

فيقتل في المعركة ويمر الصحابة ويسلمون على قبره ويبكون ويقولون: يا أرشد الله من غاز وقد رشدا، هذه هي الحياة.

علي بن أبي طالب يأتي في صفين، فيتبسم لما رأى قرينه يبارزه، فوضع الدرع من على جنبه، يعني من الشجاعة، يقول: أبارزك وأنت عندك درع وأنا بلا درع، ثم يقول:

أي يومي من الموت أفر>>>>>يوم لا يقدر أم يوم قدر

يوم لا قدر لا أرهبه>>>>>ومن المقدور لا ينجو الحذر

أما يقتل في اليوم الواحد العشرات بحوادث السيارات؟ أما سمعنا أن بعض الناس أكل عصيداً حاراً فتفجر في بطنه، أو نشب عظم في حلقه، فمات شهيداً على الفراش، أو جلس في المسرح وهو ينشد أغنية ليحيي بها الأمة الهامدة! أو يقدم مسلسلاً فزلق من على المسرح فوقع على أم رأسه فمات؟!

لقد ذهب الحمار بأم عمرو>>>>>فلا رجعت ولا رجع الحمار

سعد بن الربيع يدبج دمه في المعركة ويقول له سعد بن معاذ: ماذا تريد يا سعد بن الربيع؟ وهو من أهل الآخرة، قال: [[أبلغ رسول الهدى عليه الصلاة والسلام مني السلام، وقل جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، والذي نفسي بيده لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً]] وهذا قبل أن يلقى الجنة، لكن رأى العلامات: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].

فطلب الشهادة إذا رسخ في الأمة، وأصبح يعيش معها في أدمغتها، وتفكيرها، ومشاعرها، أصبحت أمة شجاعة، لا تخاف، ولا تجزع ولا تخرج إلى البوادي، لا تتدثر بالألحفة والأغطية، لأنها أمة سلاح.

الثاني: رفع راية الجهاد

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:4] مثل صفوف الصلاة، يقول محمد إقبال:

نحن الذين إذا دعوا للصلاتهم>>>>>والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا

يقول: إذا حان أذان الظهر أو العصر ونحن في المعركة، أوقفنا القتال، وهذه هي صلاة الخوف، التي في الصحيحين.

جعلوا الوجوه إلى الحجاز وكبروا>>>>>في مسمع الروح الأمين فكبرا

يقول: نحن إذا لقينا المعركة، وأذن المؤذن كبرنا واستقبلنا الحجاز إلى الكعبة، فإذا كبرنا كبر جبريل في السماء، فارتفع تكبيرنا إلى الواحد الأحد: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].

ولكن الأمة يوم خانت حيّ على الصلاة، خانت حيّ على الكفاح، ولما خانت صلاة الفجر، ولم تصل صلاة الفجر في الجماعة، خانت الجبهة، ولم تستطع أن تصمد صموداً هائلاً يسمع به الناس وتسمع به إسرائيل وروسيا ومن وراءهما.

ولكن الأمل في الله، ثم فيكم أنتم يا أهل صلاة الفجر، لا نوم بعد الفجر.

أتنام يا خدن العقيدة>>>>>كيف تغفو يا أخاه

أتنام والفجر الجميل >>>>>إذا تبدى في حياه

الليل ولى هارباً>>>>>يخشى الأذاة الطغاه

رفع راية الجهاد في سبيل الله، بأن تُدَرَّس أبواب الجهاد، وتُعلن صريحة على الناس.

كان المسلمون في القرن الثالث والرابع -لما تلقوا هجمات عاتية- يدرِّسون كتب الجهاد، ويوزعون أحاديث الجهاد، وتكون الخطب في الجهاد، فعلى خطباء الجُمع، وعلى الأئمة والعلماء أن يحركوا وازع الجهاد في سبيل الله، والجهاد أميت في العالم الإسلامي، فتولت الأمة خطيئة ما سمع الدهر بمثلها.

أصبحنا ندافع، وأصبحنا نقول: ليس لنا أطماع في بلاد الله، كيف وإسرائيل تقطن بيت المقدس؟ كيف وجرباتشوف موسكو ليست له؟ كيف وأعداء الله عز وجل يرثون في الدنيا، لا. الدنيا للمسلمين كما قال تعالى: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105] الدنيا ليست لهؤلاء الزنادقة العملاء، هم دخلاء في الدنيا، الواجب تطهيرها منهم، نعم لنا أطماع، لنا أن نزيحهم تماماً، وأن نملأ أفواههم تراباً، وأن نرفع راية الجهاد راية لا إله إلا الله.

إن العلمنة أوحت للأمة أنه لا يجوز للمسلم أن يعتدي حتى على الكافر، وليبقى الكافر يعايش المسلم، ويسمون المعايشة إنسانية، هذا الأمر لا يمكن بالمنطق، أتعايش شامير وجرباتشوف وأذنابهم وعملاءهم وتبقى ويبقى البعث؟! لا. فلا بقاء للكفر في الأرض مادام هناك لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله، من مبادئها تكون أو لا تكون البشرية، تبقى أو لا يبقى أحد.

لأنها كونية التعاليم، ربانية المغفرة، ولا إله إلا الله كلمة خطيرة، ما دمر قوم نوح بالغرق إلا من أجل لا إله إلا الله، ولا أتت الصيحة إلا من أجل لا إله إلا الله، ولا جيئ بالجنة والنار إلا من أجل لا إله إلا الله، وراية الجهاد.

الثالث: القتال لتكون راية الله هي العليا

نحن حقيقة لا نقاتل من أجل وطنية، والوطنية نزعة شركية تعبد من دون الله، وإلا فوطني كل أرض ذكر فيها اسم الله، كابول وطني صنعاء وطني، بغداد وطني، الكويت وطني الجزيرة وطني:

في الشام أهلي وبغداد الهوى>>>>>وأنا بـالرقمتين وبـالفسطاط جيراني

وأينما ذكر اسم الله في وطن >>>>>عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني

لم يكن لنا حدود يوم ملكنا الدنيا، كان عمر في المدينة يحكم اثنتين وعشرين دولة، وكان هارون الرشيد يحكم ثلاثة أرباع آسيا، وكان المعتصم يهدد حدود بلغاريا الآن.

كان من طموحات عمر بن عبد العزيز، أن يفتح ما وراء سيحون وجيحون، لماذا؟ حتى تطبق لا إله إلا الله في الكرة الأرضية.

لأن هؤلاء الحشرات إما يحرقون أو إلى النفايات، لأن الأرض من خلقها؟ الله، ومن خلق الذي عليها؟ الله. وماذا يريد الله من الخليقة؟ وَأَنِ اعْبُدُونِي [يس:61] لا إله إلا الله، نريد أن ترسخ في قلوب الناس.

جاء رجل كما في الصحيحين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:{يا رسول الله! الرجل يقاتل رياء، ويقاتل سمعة، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} أتقاتل من أجل أمتار من الأرض، أو سيارة، أو منصب.

ألا بلغ الله الحمى من يريده>>>>>وبلغ أكناف الحمى من يريدها

قتل أحد الناس في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فقال الصحابة: هنيئاً له الجنة يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم:{كلا والذي نفسي بيده إن البردة التي غلها تتلظى عليه في نار جهنم} لأنه سرق بردة، غلها من الغنيمة، فأخذها فكانت حظه من الجهاد.

وخرج أحد الأبطال من المدينة، يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد فحمل السيف، وما ترك شاذة ولا فاذة إلا أتبعها بسيفه يضربها ثم أصابه جراح في رأسه حتى وصل عضده، فجزع فاتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره، فلم يعرف الصحابة لماذا قتل، ومتى قتل، فقالوا: هنيئاً له الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: {كلا والذي نفسي بيده إنه من أهل النار} فذهبوا فوجدوه قد قتل نفسه.

إن القتال من أجل أن تكون لا إله إلا الله أعلى وأجل، من أجل أن تسيطر لا إله إلا الله في الأرض، وأن تكون إياك نعبد وإياك نستعين هي التي توجه الناس، وتوجه الشعوب والأمم والدول.

الرابع: الشجاعة الإيمانية

الرسول صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه على حالة الاستنفار، فالترهل والكسل، والجبن والخور لا يعرفه أحد منهم، يصعد المنبر ويخطب، ويمسك السيف في أول أيامه، يعلن حالة الاستنفار والحرب على أبي سفيان من على المنبر، أعلنه يوم الجمعة، فيستشير الصحابة صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر وهم جلوس -كانوا أحياناً يصلون بالسيوف- فيقول: ما رأيكم نقاتل أبا سفيان في المدينة أو نخرج له؟

وكان يريد صلى الله عليه وسلم أن تكون المعركة داخل المدينة؛ لأن حرب المدن دائماً المدافع ينتصر بإذن الله على المهاجم، وهذا هو الرأي الصحيح، قال: تكون الحرب داخل المدينة، حتى يقتل أبو سفيان وجيشه في الأزقة وفي المنحنيات، وفي مجامع الطرق، فصوت كبار الصحابة على هذا الرأي، ودخل مالك بن سالم من الأنصار، شاب في العشرين من عمره، وعليه ريشة نسر وقد سل سيفه وقال: {يا رسول الله! اخرج بنا إلى أحد أيسبي أبو سفيان سبايانا ويأخذ غنمنا ونقاتل داخل المدينة، يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، فو الذي نفسي بيده لأدخلن الجنة} ذكرها ابن إسحاق.

فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم على المنبر من هذه الحرارات والتوقدات، قال: {وبم تدخل الجنة؟ قال: بخصلتين قال: ما هما؟ قال: أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف} فيخرج صلى الله عليه وسلم إلى أحد ويدير المعركة على رأس أبي سفيان، وهكذا سلّم صلى الله عليه وسلم راية الجهاد على المنبر لـعمرو بن العاص، وسلّمها لكثير من المقاتلين، وقال على المنبر: {وأخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه}.

فالقرارات العسكرية كان يعلنها صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، ولم تكن خطب الجمعة تقتصر على الغسل من الجنابة فقط، ولا على التيمم ولا تحريك الأصبع، لا. خطب الجمعة للا إله إلا الله، وإماطة الأذى عن الطريق، في الاقتصاد، والأدب، والحياة، هي لعالم الغيب والشهادة، هكذا أرادها عليه الصلاة والسلام.

الشجاعة الإيمانية، مثل خالد، كان يصلي بالمسلمين في اليرموك، وكان جيشه أقل من ثلاثين ألفاً، وجيش الروم ما يقارب ثلاثمائة ألف، انظر الفارق، عشرة أضعاف، قال: [[إني مصلٍ بكم الفجر، ثم إني مكبر فإذا كبرت الأولى فاركبوا الخيول، يعني الخيالة -الكمندوز- وإذا كبرت الثانية: فيمموا العدو، وإذا كبرت الثالثة: فابدأوا باسم الله]] فكبر أبو سليمان، وبدأ في التكبيرة الثالثة: وقد بدأ الهجوم الصاعد وكان خالد قد خاض مائة معركة في الجاهلية والإسلام، لم يهزم في معركة.

تسعون معركة مرت محجلة >>>>>من بعد عشر بنان الفتح يحصيها

وخالد في سبيل الله يشعلها>>>>>وخالد في سبيل الله يذكيها

ولا أتى بقعة إلا سمعت بها>>>>>الله أكبر تدوي في نواحيها

ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم >>>>>و لا رمى الروم إلا طاش راميها

يوم مات كان يقول:[[فلا نامت أعين الجبناء]] يقول: الليلة فرحة الجبناء من السعود؛ لأنهم سوف يسمعون أن خالد بن الوليد مات، ومعنى ذلك أنهم سوف يعلقون العقود الكهربائية، ويرقصون ليلهم إلى الفجر، لأن هذا عيد وفرح وسرور، ولكن خلف لهم خالد ألف خالد، وخلف لهم صلاح ألف صلاح، وخلف لهم طارق ألف طارق.

ويعيشها الإنسان مثل المعتصم. المتوكل على الله عز وجل، أتاه المنجمون عندما أراد أن يفتح عمورية فقالوا: احذر، برج الذنب الآن قد استكمل، فإذا أتى برج العقرب فاغز الروم، وهل يتعامل المعتصم مع النجوم؟ أمة تعرف لا إله إلا الله، تعرف: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160] قال: آمنت بالله وكفرت بكم، والله لأغزون هذا اليوم، وتحرك بتسعين ألفا.

تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت>>>>>جلودهم قبل نضج التين والعنب

رمى بك الله جنبيها فحطمها >>>>>ولو رمى بك غير الله لم يصب

ولكن ما هو برنامج الجيش؟ جعل ابن مرزوق محمد بن الحسن الشيباني الإمام والمفتي والخطيب للجيش، إنها أمة تصلي الصلوات الخمس، وتقرأ القرآن ولها حزب من القرآن، أمة تتهجد وتتصل بالله. وصل المعتصم إلى المعركة، ودمر عمورية، وانتصر بإذن الله، وقال له أبو تمام يحييه:

أين الرواية أم أين الدراية كم>>>>>صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

بهارج وأحاديث منمقة>>>>>ليست بنفع إذا عدت ولا غرب

فالنصر في شهب الأرماح لامعة>>>>> بين الخميسين لا في السبعة الشهب

النصر بالقتال، النصر بالاعتزاز بقدرة الواحد الأحد.

ويعيش ابن المبارك، عالم محدث وراوية، لكن العالم الإمام في المنبر وفي المحراب ينقلب إلى أسد في الجبهة.

إن تصنيف الناس إلى تخصصات واجب، لكن إذا طغى تخصص على تخصصٍ آخر وأعدمه فليس بوارد، فـابن المبارك يخرج من الحرم وهو المفتي، فلامه الفضيل بن عياض على ذلك وقال: تخرج من الحرم وتقاتل، وتترك الصلاة فيه، والصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة، وكان ابن المبارك أفقه، فقال: نعم أخرج.

بغض الحياة وخوف الله أخرجني>>>>>وبيع نفسي بما ليست له ثمنا

إني وزنت الذي يبقى ليعدله>>>>>ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا

ويقاتل ابن المبارك في المعركة، ويقتل سبعة في يوم واحد، فيرسل له الفضيل يلومه، ويقول: تركتنا، وتركت الحرم والدروس، فيكتب له:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا>>>>>لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه >>>>>فنحورنا بدمائنا تتخضب

أو كان يتعب خيله في باطل >>>>>فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

هذه مصداقية الشجاعة الإيمانية التي ورثها المسلمون من معلمهم الكبير عليه الصلاة والسلام.

شيخ البخاري أبو إسحاق وإذا قال البخاري: أبو إسحاق، فهو الفزاري الذي يقول البخاري عنه: أشجع من عرفنا في الإسلام أبو إسحاق الفزاري، فقال الرجل: لا. ليس بصحيح هذا، فغضب البخاري فقال: أشجع الناس في الإسلام والجاهلية. وأبو إسحاق شيخ محدث، قتل ألف مقاتل مبارزة بدون سيف، كان عنده مثقال من الحديد لا أدري كم وزنه، ذكره الذهبي، وكان قوي الجسم، فإذا خرج الفارس يبارز أبا إسحاق فر أبو إسحاق أمامه، ثم يلتفت إليه فجأة فيضربه على رأسه، فيوقعه على الأرض بدمائه.

كان أبو إسحاق من أشجع الناس على الإطلاق، وقد حياه الخلفاء في عهده، لأنه كان محدثاً يعرف حدثنا ورواه فلان، ويعرف الجرح والتعديل، لكنه إذا حضر المعركة عرف الجرح والتعديل من نوع آخر.

الخامس: الدعاء والاتصال بالواحد الأحد

الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر يسهر الليل.

نامت الأعين إلا مقلة>>>>>تذرف الدمع وترعى مضجعك

حتى سقط رداؤه من على جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم، فيقول أبو بكر: يا رسول الله! بعض مناشدتك لربك، يعني يكفي، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرف بالله، ويعرف صلى الله عليه وسلم أن أقرب الناس من الله الملحين، والله يحب الإلحاح، ويحب سبحانه وتعالى الذي يسأله كثيراً.

الله يغضب إن تركت سؤاله>>>>>وبني آدم حين يسأل يغضب

فكان صلى الله عليه وسلم يقول طيلة الليل: {اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم} فنصره الله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9] فقبل الله الاستغاثة.

ولقد سمعت في شريط يتكلم عن غزوة بدر وهو حسن، لكن بعض العبارات لا بد أن تضبط بضابط الشريعة، لأن البياض إذا زاد أصبح برصاً، وهذه الكلمات مثل الوردة تشم ولا تعك، سمعته يقول: اتصل صلى الله عليه وسلم في ساعة الصفر في المعركة اتصالاً مباشراً بالله عز وجل فوق العرش، وقال: عاوز ألف من الكمندوز، قال: فنزل جبريل يقود ألف مقاتل، ونزل بهم في الحال، وجبريل هو قائد الفرقة الثامنة والثلاثين والمتخصصة في النسف والإبادة.

ونقول لهذا: لا. لا بد أن تضبط عبارتك بضابط الشريعة، نزل جبريل تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم.

قالوا للأصمعي: ما هو أشرف بيت قالته العرب؟

قال: أشرف بيت قول حسان يوم بدر:

وبيوم بدر إذ يصد وجوههم >>>>>جبريل تحت لوائنا ومحمد

هذا أشرف بيت، إي والله، من هو تحت اللواء؟ جبريل نزل تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأهل العلم من أهل السنة يقولون: كانت الملائكة والصحابة تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم بالإجماع، والمعلوم عند أهل السنة: أن الملائكة كانت تتلقى أخبارها وأوامرها ونواهيها في المعركة والإقدام من العريش من قيادة الرسول عليه الصلاة والسلام.

فأشرف بيت قالته العرب هو هذا:

وبيوم بدر إذ يصد وجوههم>>>>>جبريل تحت لوائنا ومحمد

يقول: هل عندكم مثلنا؟ عندكم مثل جبريل ومحمد تحت الألوية، أما لواؤنا في بدر فكان أسود يعلن حالة الخطر، وكان تحته الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل، والرسول صلى الله عليه وسلم أشرف عندنا من جبريل عليه السلام.

علي بن موسى بن الرضا كان وزيراً في عهد المأمون، من آل البيت من بني هاشم، فمدح الحسن بن هانئ جميع الخلفاء وترك هذا الأمير، فغضب الأمير، فاعتذر إليه، وقال فيه قصيدة يحييه ويذكر جبريل مع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول جده عليه الصلاة والسلام لأمه، رضي الله عنهم جميعاً، فقال في مدحه:

قيل لي أنت واحد الناس في >>>>>كل معنى من الكلام بديهي

لك من جيد القريض مديح>>>>>ليس يعرى عن مفخر مكتسيه

فعلام تركت مدح ابن موسى >>>>>وهو أحرى بأعظم التنويه

قلت لا أستطيع مدح إمام>>>>>طهر الوحي بيته وذويه

ما عسى أن أقول في مدح من قد>>>>>كان جبريل صاحباً لأبيه

أي: الرسول صلى الله عليه وسلم.

فلا بد من الشجاعة والدعاء والاستغاثة بالله عز وجل حتى في أوقات الخطر، وكان صلى الله عليه وسلم يقول قبل المعركة: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم، وذكر الله عز وجل في المعركة فقال: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147] فماذا قال: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:251].

فيا أيها الإخوة: نحن بحاجة إلى الدعاء وخاصة في المدلهمات يقولون: قتيبة بن مسلم كان في معركة، فالتمس محمد بن واسع فأخبروه أن محمد بن واسع يرفع أصبعه ويدعو ويقول: يا حي يا قيوم اللهم انصرنا قال: والله لأصبع محمد بن واسع خير عندي من ألف سيف شهير، ومن ألف شاب طرير. وانتصر بإذن الله.

فالله الله في الدعاء واللجوء إليه، خاصة في هذه الليالي في السجود، أن يحمي الله عقيدتنا، وإسلامنا، وأن ينصرنا، وأن يجعل الدائرة على أعدائنا.

السادس: التوكل على الله

لن تهزم أمة تنطلق وتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58] وكان الأنبياء يقول أحدهم: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى:10] فالتوكل على الله عز وجل: أن تفوض الأمر إليه، وأن تعتمد عليه، وأن ترضى بنصره، وأن تعرف أن من سننه القدرية والأمرية الشرعية، أنه ينصر أولياءه، وأن الظالم لا ينصر، ولا يقف معه، وأن الباغي يهزمه سبحانه وتعالى، ونحوها من السنن التي استفاضت في الكتاب والسنة، فالتوكل عليه، أن تعلم أنك التجأت إليه: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56] فمن يغلب حزب الله؟!

توكلنا على الرحمن إنا>>>>>رأينا النصر للمتوكلينا

الله معنا، والشيطان مع المجرمين: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11] اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257].

السابع: الإعداد

يقول سبحانه وتعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] ويقول سبحانه: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ [التوبة:46].

أمة تؤمن بالأسباب، وتعلم أن المسبب سبحانه وتعالى هو الذي يقدر وبيده الأمر والحكم، وعنده مقدار كل شيء: إذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون، أمة لا تتخلى ولا تتغافل ولكنها تتوكل.

اعقلها وتوكل، وقد بارز صلى الله عليه وسلم وعليه درعان، وجند جيوشه وكان يسابق بين الخيل لتستعد للمعركة، وكان يباري بين أصحابه ويناظر معهم، ويشجع صلى الله عليه وسلم ويركب الأوسمة، ويدعو صلى الله عليه وسلم للشجعان، وينفل الغنيمة، حتى يقول: صوت أبي طلحة خير من مائة فارس في المعركة، وكان يدعو لـخالد لأنه أبلى بلاءً حسناً.

ويقول علي بن أبي طالب: {ما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يفّدي أحداً بأبيه وأمه إلا لـسعد، يقول له يوم أحد، وهو يعطيه الأسهم، ارم سعد فداك أبي وأمي} ويكفي سعد بن أبي وقاص أنه دمر امبراطورية كسرى ولعب بها وسحقها على التراب.

سعد بن أبي وقاص، هو الذي أعلن لا إله إلا الله في المدائن.

فالمطلوب أن نعد إعداداً عقدياً وعسكرياً، وهو الواجب والمفروض؛ لنكون أمة مرهوبة الجانب.

والأمم والشعوب لا تهادن إلا القوي، ولا تحترم إلا القوي؛ لأننا في عصر التكتل والقوة، لا يؤمن إلا بالسوط والسيف والحديد والنار.

كان في القرن الثاني رجل في الحرم المكي يطوف، وكانت عنده امرأة جميلة، فكان يقول لأحدهم: لا تنظر إلى المرأة، قال: بل سأنظر وماذا في النظر! قال: انتظر قليلاً فذهب إلى جرابه، وأخرج السيف مصلتاً، وقال: إن كنت شجاعاً فانظر، فغض طرفه، فقال هذا الرجل:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له>>>>>وتتقي مربض المستأسد الضاري

وهذه قاعدة معروفة.

الأمم والشعوب، لماذا تحترم بعضها؟ للقوة، وإلا فالدول الصغار ضيعت في دقائق وثوان؛ بسبب أنه ليس عندها قوة ومناعة، لأن العالم الآن ولو عنده هيئة الأمم، وعنده مجلس الأمن، لكنه عالم ظالم، فتجد في البند الثالث من بنود مجلس الأمن يقول: إذا اعتدت دولة من الدول الخمس التي تملك حق النقض "الفيتو" على دولة، فلا يحق للدول أن تتدخل. الآن روسيا - الاتحاد السوفيتي سابقاً- لما اعتدى على أفغانستان أسمعتم أن دولة تدخلت؟ لا؛ لأن ميثاق الأمم الظالم هكذا.

ثم يقول في البند الرابع: وإذا اعتدت دولة تساندها دولة من الدول الخمس دائمة العضوية التي تملك حق النقض، فلا يحق لدولة أن تتدخل ضد هذه الدولة ولو كانت فقيرة، فإسرائيل الآن لما أخذت فلسطين، هل وقف لها أحد؟ لا. فهذا ظلم، فعلى المسلمين أن يعرفوا أن العالم هذا لا يريد إلا القوة، ولا يحترم إلا القوي.

يقول زهير بن أبي سلمى، ولو أننا نخالفه في البعض ونوافقه في البعض، يقول:

ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه>>>>>يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم

فأما الشطر الثاني فنكفر به، وأما الشطر الأول فنؤمن به.

الثامن: التوبة النصوح والعودة إلى الله

إن أكبر أسباب الهزيمة في المعركة هي الذنوب والخطايا.

كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول لـسعد: [[يا سعد بن وهيب -أي: ابن أبي وقاص - يا سعد بن وهيب! لا يغرنك قول الناس إنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، وأقربهم إلى الله أتقاهم، الله الله يا سعد في المعاصي]].

يقول: اتق الله وإياك والمعاصي في المعركة، وأخبره أنهم لن ينهزموا إلا بالمعاصي، فالأمة إذا أخفقت في عالم الجهاد، والقتال، وفي المعركة، فسبب ذلك معاصيها وجرائمها وفواحشها، وتقصيرها مع ربها.

{يا عبادي! إنكم تذنبون في الليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم}: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا>>>>>وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

كم نطلب الله في ضر يحل بنا>>>>>فإن تولت بلايانا نسيناه

ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا>>>>>فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

ونركب الجو في أمن وفي دعة>>>>>فما سقطنا لأن الحافظ الله

التاسع: تسخير وسائل الإعلام لخدمة الدين

إننا نريد من الصحيفة أن تحدثنا عن عمر، وخالد، في الافتتاحية الصباحية، وأن تشرح صدورنا في الصباح وهي تكلمنا عن أبي حفص، وعن سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وعن أبي بكر وعلي.

نريد أن تحدثنا عن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، نريد حياة لا نريد موتاً، ولا نريد أن تطمس النور في قلوبنا وأن تضيع أفكارنا، ولا نريد السقوط، بل نريد حياة تستمد مددها من لا إله إلا الله.

نريد صحيفة في الصباح إذا قرأها الجيل أشرقت أنوارهم وأساريرهم، وأنارت قلوبهم، وعادت الحياة إلى ضمائرهم، هذا هو القرآن باختصار.

ونريد شاشة تعرض لك التوحيد، تعرض لك على جنباتها وقسماتها: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174].

تعرض: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160] تعرض: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]. نريد تراجم لمحمد عليه الصلاة والسلام، مع سيرته في الجهاد، مع أيامه الخالدة، هذا هو المقصود؛ إذا أريد للأمة أن تحيا حياة جادة هادفة قوية، وأن تبقى منتصرة رأسها في السماء.

العاشر: إصلاح المناهج الدراسية

إصلاح المناهج الدراسية، ألا يربى الجيل فقط على الأمور العلمية، أو الثقافية المجردة بدون رابطة من العقيدة، نعم نعرف أن الطلاب يعرفون خَبَزَ، وصاغَ، وخاطَ وزرعَ وأكلَ وشربَ، لكن على الأمة أن تربى من أول يوم على قل هو الله أحد.

وهناك في الصف الثاني الابتدائي قصة طه والطبلة، كان لـ طة طبلة يضرب عليها نحن نريد: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:1-3].وإلا فالنصوص كثيرة، والمقطوعات كثيرة، نحن نريد أن يربى الشباب على سير السلف الصالح، وحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسير أئمتنا وعظمائنا، حتى يخرج الطالب من الابتدائية وهو يحمل روح الجهاد ويتمنى الجهاد في سبيل الله.

نود إصلاح المناهج الدراسية بحيث تستمد فطرتها من الكتاب والسنة، وقد أكثرت الأمة في جوانب ليست بحاجة إليها، مثل مناهج الجغرافيا فإنك تجد التفصيل في مدن وصادرات وواردات وتضاريس ومناخات، تجده مثلاً يتحدث عن أسبانيا، وتبقى في ست عشرة صفحة، وهو يكلمك عن هذا البلد، وهذا مفيد، لكنه على حساب ما هو أهم منه! يكلمك عن العاصمة والصادرات والواردات، والإعلانات، ودرجات الحرارة، والصيدليات المناوبة، فإذا أثقل الطالب بهذه المعلومات على حساب قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، والتفسير، والحديث، والفقه؛ أصبح الطالب غير مستطيع أن يجمع بين الأمرين، يقول ابن تيمية:

إن اللبيب إذا شكى من جسمه>>>>>مرضين مختلفين داوى الأخطرا

إنسان مصاب بسرطان وزكام، فأتوا به إلى المستشفى، فقال الأطباء قبل أن يعالج من السرطان لا بد أن نعالجه من الزكام، فأيهما أفضل يحيا مزكوماً أو يموت مشافى من الزكام! مرض السرطان هو الأخطر فيعالج منه، كذلك مرض انهيار المعتقد أو عدم الصلة بالله عز وجل يقدم أولاً.

الحادي عشر: إقامة القسط وتوخي العدل

قال تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا [النمل:52].

وقال ابن تيمية في الفتاوى المجلد الثاني: إن الله ينصر الأمة العادلة، ولو كانت كافرة، وإن الله عز وجل يهزم الأمة الظالمة، ولو كانت مسلمة.

وهذا أمر معلوم، فالظلم منذر بالانهزام، والتبخر، والتدهور، فمن أراد النصر فعليه بالعدل وإقامة القسط، والميزان الذي أنزله الله عز وجل على الناس.

الثاني عشر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وهو واجب الأمة جميعاً قال صلى الله عليه وسلم: {نضّر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} أمة يميزها بين الأمم أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر: أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] انظر التعبير، كان الناس موجودين فخرجت عليهم هذه الأمة من الصحراء، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.

قال عمر كما في الصحيح: [[والذي نفسي بيده لا يتم أول هذه الآية حتى يتم آخرها]] إي والله لا نكون خير أمة حتى نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله، وحتى تتصل الأمة بالله مباشرة، وتعتمد على ألا تقر المنكر والفاحشة والجريمة، لكن بشرط، أن تعرف صلاحية النهي عن المنكر والفاحشة والجريمة، كما يقول ابن تيمية، في كتاب الجهاد: "ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر بلا منكر"

هذه الحكمة التي ذكرها سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

فإن بعض الناس قد ينهى عن منكر فينتج منكراً أعظم منه، ويريد أن يأمر بالمعروف فيأتي بمنكر بدل المعروف، ويفوت من المصالح، بسبب أسلوبه وعرضه، والله يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

عوامل الهزيمة

الأول: عدم الثقة بوعد الله الواحد الأحد

إن النفاق هو الذي جعل بعض الناس لا يتصل بالله، كما سمعنا بعضهم يقول: القوة الفلانية لا يغلبها أحد! فنقول: نحن أمة مسلمة، تتصل بالله، قال: ولو!

فالمنافقون مع الرسول عليه الصلاة والسلام، عندما نزل الخندق وقد ربط على بطنه حجراً فضرب صلى الله عليه وسلم الكدية التي عرضت للصحابة -وأصل الحديث في البخاري - فلمع كالبرق فلما ضرب صلى الله عليه وسلم الصخرة، تبسم صلى الله عليه وسلم وهو جائع في وقت: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب:10] فقد اجتمعت فيه قوات هائلة من المشركين، واليهود والمنافقين في حلف كافر ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: أُريتُ قصور كسرى وسوف يفتحها الله عليّ، فضحك المنافقون وتغامزوا وقالوا: عجيب أري قصور كسرى والواحد منا لا يأمن أن يبول من الخوف، فيقول سبحانه وتعالى مخبراً عنهم: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12].

ولكن -إي والله- لقد دخلت كتائبه مكبرة مهللة وفتحت قصور كسرى وقيصر، وطبقت عدلها في العالم، ووصلت إلى قرطبة والحمراء، وسبحت بحمد الله على نهر اللوار، مصداقاً لرسالته، ولعهده، ولميثاقه مع الله تبارك وتعالى، أليس هذا هو الصحيح؟!

يجلس الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور، فيقول أبو بكر: {يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا} فيتبسم -تبسم الشجاع، همة تطوي الزمن- وقال: {ما ظنك باثنين الله ثالثهما} ويقول لـسراقة وهو يلاحقه: {سوف تسور بسواري كسرى} فيتبسم سراقة، هذا الطريد من أهل مكة يعدني بسوار أعظم امبراطور في العالم، وبعد سنوات يسور سراقة السوارين في عهد عمر ويبكي ويقول: [[صدق خليلي، صدق خليلي، صدق خليلي]].

هو الحق: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15] إنها الثقة بالله.

أبي بن خلف وهو كافر مجرم، كان يعلف فرسه ويقول له: سأقتل عليك محمداً، فسمع ذلك صلى الله عليه وسلم فتبسم وقال: أنا أقتله إن شاء الله، وفي أحد يأتي ويتسلل ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرسل عليه صلى الله عليه وسلم خنجراً فيقع في لبته فيموت، إن الأمة فقدت مصداقية الثقة، فلابد على الأمة أن تثق بالله، وتداوم على الاعتزاز به، والاتصال بجنابه.

الثاني: الاغترار بالكثرة والقوة

بعض الأمم تغتر بكثرة جيوشها، وأعدادها، وترهب العالم بها ومن هذه الأعداد أحياناً ما يكون خيالياً، ومجازفاً فيه، يرهبون بأعداد الجيوش، وينسون أن قوة الله لا تغلب، والصحابة قد مضت بهم التجربة، فقد كانوا في بدر ثلاثمائة والكفار ما يقارب ألفاً، وانتصروا عليهم، ولكنهم كانوا في حنين اثني عشر ألفاً، فنظر أبو بكر إلى كتائب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي اثنا عشر ألفاً ليس عدداً سهلاً بل في الحديث الحسن: {لن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة} أي لا يغلبون بسبب القلة، لكن قد يغلبون بسبب آخر، فيقول أبو بكر: [[لن نغلب اليوم من قلة]].

فأراه الله وأرى الصحابة أن السر ليس في الكثرة والقلة، بل السر في النصر ولا إله إلا الله، فلما بدأ الهجوم، ذهب الاثنا عشر ألفاً وفروا، ولم يبق منهم إلا ستة، فيقول سبحانه: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25].

يقول:أين كثرتكم؟ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123]. أنتم في بدر كنتم قليلي العدد، لكن كنتم صادقين بـ (لا إله إلا الله) والثقة بـ (لا إله إلا الله) وحمل لا إله إلا الله، وأنتم في حنين اثنا عشر ألفاً، لكنكم وليتم. إذاً لا تنفع الكثرة، ولا تنفع القوة العاجزة المنفصلة عن الاتصال بالله عز وجل، أبداً.

وإذا نظرنا إلى الفرس فقد كان عددهم ما يقارب مائتين وثمانين ألفاً، ومع سعد بن أبي وقاص قيل ثمانية وعشرون ألفاً وقيل أربعة وعشرون ألفاً في القادسية، وسحقهم سحقاً، ودمرهم تدميراً.

وكان الروم ثلاثمائة ألف، وخالد بن الوليد معه ثلاثون ألفاً، فألقاهم في النهر مثل الجرذان، وصبهم على وجهوههم في النهر، ودخل بهم في هذا المضيق، وحاربهم في مضيق حتى سحبهم بالسلاسل وانتصر، لأن الله معه.

الثالث: الإرجاف وتصديق الشائعات

قال تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ [الأحزاب:60] المرجفون: أهل الشائعات.

هؤلاء الذين يبثون في قلوب الناس والمجتمع الرعب والخوف دائماً يأتون بشائعة، حدث كذا، وسمعنا كذا، وهؤلاء قوم ليس لهم عمل في الدنيا إلا نقل الأنباء، ويسمون وكالة الكذب، وكالة (يقولون) وكالة (حدثني الثقة) وليس عندهم ثقة، ووكالة سمعت وأخبرني فلان، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {بئس مطية الرجل زعموا}.

وإني أحذر من نقل الشائعة ومن ترديدها، ومن الإذعان لها، وهي مرض خطير انتشر في الأمة واستشرى، وكثّر حواجزنا النفسية، وعطل جهودها، وأفسد كثيراً من قلوب الناس، وجعلهم أمام شبح من الخيال، يحرسونه ليل نهار، فالشائعات المغرضة مرة تنشر عن العلماء، ومرة عن أهل الخير، ومرة عن ولاة الأمر، ومرة عن البلاد، ومرة عن مصادر البلاد، ومرة عن الافتقار، فأصبح الناس يصدقونها وأصبحت تنتشر فيهم انتشار النار بالهشيم، وموقفنا منها على ثلاثة أضرب:

الأول: أن يكون مصدرنا دائماً التثبت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6] وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].

الثاني: ألا نحدث بكل ما سمعنا، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: {كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع} إذا رأيت الرجل يحدث بكل شائعة وبكل خبر، فهو كذوب، ومفتن ودجال، سواء تأكد أو لم يتأكد فهو كذوب، وسوف يكذب مهما كان.

الأمر الثالث: أن نردها إلى أولي العلم: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83] فنرد هذه الأخبار إلى العلماء، ونطلب آراءهم وفتواهم، ونطلب مواقفهم؛ لأنهم أكثر تجربة، وأنور قلوباً، وأخلص معتقداً، وأكثر علماً: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] هذا موقفنا من المرجفين والإرجاف، وأكثر ما يدار في الساحة إرجاف، وبعض الناس يموت بالإرجافات، وأشياء من الخوف.

فقلت لقلبي إن نبت بك نبوة>>>>>من الهمِ أقصر أكثرُ الروعِ باطلُ

أكثر هذه هواجس وخيالات ما أنزل الله بها من سلطان.

الرابع: التخذيل في صفوف الذين آمنوا

في الناس مخذلون، يقول سبحانه وتعالى عن المخذلين: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة:47]

التخذيل: كأن يقول: ما أكثر جيش العدو! سمعنا أن دباباته كذا وكذا، وأن عنده مزدوجاً يطلقه من مدينته فيقع في الحرم مباشرة، وبعضهم وصف لنا بعض الصواريخ لم تحدث ولا صنعت في العالم، حتى سمعت أحد الشباب يحدث في مجموعة من الشباب قال:عندهم أجهزة صغار كالراديو يحملها بيده، يأتي الجندي فإذا رأى الدبابة أطلق عليها إشعاعاً، فيقسم الدبابة نصفين، وهذا لم يصنع إلى الآن، ولا توجد عند أي قوة، لا أمريكا ولا روسيا أبداً.

فإذا سمع الناس هذه يموتون، يقولون: مادام أنهم يقسمون الدبابات بالشعاع كيف نحن ونحن بشر.

وهؤلاء المخذلون دائماً في صفوف المسلمين، حتى إنهم كانوا في صفوف الرسول صلى الله عليه وسلم وفي صفوف أصحابه، يتحدثون بهذه الأخبار، والله أنذر منهم وحذر وقال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً [التوبة:47].

ولما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بألف مقاتل إلى أحد، كان عبد الله بن أبي يتبعه ثلاثمائة، فانخذل وسط الطريق، وليته اكتفى، ولكن قال: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران:168] يقول لأصحابه: عودوا، وأنتم تعرفون أني مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن لا نريد أن نفزع العدو، نريد أن نقاتل من المدينة، وأن نعرف ما سبب هذا القتال.

يا عدو الله! لا تعرف ما سبب هذا القتال، يا مجرم! لا تعرف أنها بين لا إله إلا الله وبين لا إله والحياة مادة، لا تعرف أنها بين النور والظلام، لا تعرف أنها بين التوحيد والإلحاد؟ فهو يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم مخطئ، يقاتل من أجل أرض أو وطن أو بحيرة أو مستعمرة.

لا. الرسول يريد أن تسلم الكرة الأرضية لله رب العالمين، فيقول: لا ندري ماذا يريد الرسول صلى الله عليه وسلم، فبعض الصحابة كادوا أن يصدقوه، بل إن طائفتين اثنتين هما بنو حارثة وبنو سلمة كادتا أن تفشلا، قال جابر وهو من بني سلمة: [[والله ما وددت أنا لم نفشل يوم أحد، لأن الله قال: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122]]] إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122] انظر التعبير المحكم، فردهم الله بعد المعركة وقد قتل بعض الصحابة، فقال عبد الله بن أبي عليه غضب الله وقد فعل: يا ليتهم أطاعوني! نصحتهم ألا يخرجوا إلى المعركة ولكنهم لم يطيعوني فقتلوا، قال سبحانه: قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:168] يقول: تموت أنت مثل الحمار، ومات بعد شهرين ولف بأكفانه ودس في التراب.

أيهما أشرف هذا أم أنس بن النضر الذي قتل في المعركة، والذي ارتفعت روحه إلى الله، ويقول: [[يا سعد إليك عني والذي نفسي بيده، إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] وعبد الله بن عمرو الأنصاري الذي يقول عنه صلى الله عليه وسلم لابنه جابر بعدما قتل عبد الله: {يا جابر ابكِ أو لا تبكِ، والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظلل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده يا جابر! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنّ، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً}.

والتخذيل في الصفوف موجود في كل مكان، حتى في أفغانستان، فقد وجد أن بعض الناس من الذين ذهبوا إلى هناك كان يخذل المجاهدين، وقد أخبرنا بعض القادة يقول: أتانا أناس هنا، وقال: نرى أنكم أخطأتم في قتال روسيا، هذه دولة عظمى، وكان أحدهم يهز بعض القادة ويقول: أنت تضرب روسيا بثيابك هذه! لكنهم لما ثبتوا غلبوهم بإذن الله.

الخامس: الترف والترهل

إن تنصل الأمة عن أمور الجهاد، وعن أمور التقشف والبذاذة الإيمانية والرجولة إلى أمور الترهل والاستخذال، والتكاسل والإحباط المعنوي، والترف خطير جداً، وقد عاشته الأمم، وولت.

لماذا اجتاح التتار العالم الإسلامي؟ لم يكن عند العالم الإسلامي دروس في الجهاد، ولم يكن هناك أمة مستعدة للجهاد، بل كانت الجواري تباع في بغداد وأنا أعرف مقطوعات لا أذكرها هنا، عن ولادة وحمدونة وفلانة وفلانة، جواري كن يكتبن أبيات غزل على صدورهن وينزلن إلى السوق في بغداد، فسلط عليهم جنكيز خان، مثل الحمار لا يعرف لا إله إلا الله، أتى من سيبيريا كالدب الأسود، فدخل بألف ألف مقاتل واجتاح العالم الإسلامي، وأتى بالموسيقى الحالمة، والبلوت والباصرة، فدمرها مع أصحابها في نهر دجلة، ولما انبرى وازع الجهاد عند ابن تيمية في الشام، وقف على المنبر يعلن حالة الجهاد، ويأخذ الكوب من الماء ويشربه في السابع عشر من رمضان، ويقول: أفطروا أيها الناس فإنكم في جهاد، فيقولون: كيف نغزو التتار؟ قال: والله لننتصرن عليهم، فيقوم السلطان أمامه، وهو يرتجف يقول: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. وينتصر الإسلام في شقحب، ويكسر رءوس التتار، وترتفع لا إله إلا الله.

وأمير أندلسي قالت له أمه وكانت عاقلة، بها من الصرامة على منهج زوجها، ولكن ابنها كان طائشاً في حياته، مترهلاً، كان يصبح الصباح، وهو نائم إلى الضحى لا يدبر أموره، حتى اجتاحه ابن تاشفين، فقالت له أمه وهو يبكي مأسوراً:

ابك مثل النساء ملكاً تولى>>>>>لم تحافظ عليه مثل الرجال

وللمحافظة على لا إله إلا الله يجب أن تربى الأمة تربية جهادية، عصامية، وأن تكون دائماً متأهبة للخطر، وأن تكون دائماً قوية، فو الله لا يقترب منها أحد.

وانظر الآن على الخارطة إلى الشعوب التي تملك قوى، كيف تقدر وتحترم؛ فنحن في شريعة الغاب، وأمة الغاب لا تؤمن إلا بالقوة كما سلف.

السادس: اشتغال الأمة بالتوافه في حياتها

تجد المنشورات والدوريات أكثرها عن الهوايات، شباب وأبناء لا إله إلا الله، وأحفاد أبي بكر وعمر، شُغلُهم الصور، وهوايتهم المراسلة، يريد أن يكون مراسلاً في الحياة.

الطفل الذي يعيش في باريس أو في موسكو أو في واشنطن، هذا طفل يعيش في بلاد الله، في بلاد الإسلام له رسالة أخرى، مراسلته أن يرسل لا إله إلا الله في الأرض، مراسلته: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) مراسلته: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67] رسالتنا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

الهواية الثانية: جمع الطوابع، فشبابنا في الابتدائية والمتوسطة والثانوية أكثرهم يقولون: هوايتي جمع الطوابع.

كيف يجمع الطوابع؟ وهل عنده وقت يجمع الطوابع؟ وما الفائدة من جمع الطوابع؟

ويأتي آخر، فيقول: ما هي اللعبة التي تناسبك؟ فيأتون بصورة اللعبة، حتى إن بعض الأطفال يلعبون بالطائرات والدراجات والساعات حتى يبلغ العاشرة وهل هذه لعب للأطفال، وقد كان ابن عباس في العاشرة يفتي الأمة.

ابن عباس في الثامنة من عمره دخل على ميمونة بنت الحارث كما في الصحيحين وحفظ لنا حديث: {اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض، ولك الحمد رب السموات والأرض، ولك الحمد.. الحديث}.

كان ابن عباس يدخل مع عمر رضي الله عنه في مجلس الشورى -الندوة العالمية- ويحضر وهو شاب عمره فوق البلوغ بسنوات، وبعضهم الآن لا يجيد أن يأخذ غرضه من السوق، ولا يمكن أن ينهي بيعه وشراءه.

محمد بن القاسم خاض معركة بين الهند والسند وعمره سبع عشرة سنة وانتصر.

إن السماحة والريادة والندى>>>>>لـمحمد بن القاسم بن محمد

قاد الجيوش لسبع عشرة حجة>>>>>يا قرب ذلك سؤدداً من مورد

ومن الاشتغال بالتوافه مسابقة الضياع، انظر الآن لبعض المجلات، كل المسابقات ليس فيها شيء لا من الكتاب ولا من السنة، ولا من الأدب الإسلامي ولا من التاريخ الإسلامي، يقول: هذه الأرقام العمودية إذا جعلتها أرقاماً أفقية تخرج لك اسم دولة عربية عاصمتها كذا، وتظل تفكر ساعة ونصف حتى تعرفها، فهذه تسمى مسابقة الضياع، إلهاء الأمة حتى تسقط في الهاوية، لكن اسألوا عن آية، أو عن ترجمة صحابي، أو في معلومة نافعة.

السابع: ضياع الهوية الإيمانية

قال تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] هذه هوية المؤمن وجنسيته، والإسلام يحيي من يحمل لا إله إلا الله من أي جنس، ولكنه لا يعترف بمن يكفر بـ(لا إله إلا الله) ولو كان من بني مخزوم.

تعرفون أن أبا طالب لم يؤمن بلا إله إلا الله فأين مصيره؟ وأبو جهل من بني مخزوم عارض لا إله إلا الله، فهو في النار.

فالهوية الإيمانية؛ أن نكون أمة إسلامية واحدة، أخي هو المسلم في أي مكان دمي مع دمه، وهويتي مع هويته، ويدي بيده.

إن يختلف ماء الوصال فماؤنا>>>>>عذب تحدر من غمام واحد

أو يفترق نسب يؤلف بيننا>>>>>دين أقمناه مقام الوالد

الذي جمع صهيباً الرومي من الروم، وسلمان من فارس، وبلالاً من الحبشة، وأبا بكر من قريش، على كلمة لا إله إلا الله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [آل عمران:103] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63].

الثامن: الإسراف في المباحات الملهية

فنحن الآن أمة عمارات وفلل، وأمة شقق ومفروشات، الإعلانات التي في الشوارع كلها إما عن مطعوم أو مشروب أو ملبوس أو مشموم، إعلان العطورات يأخذ ثلاث صفحات من الصحف اليومية، غير إعلانات الأسمنت، وإعلانات من أضاع مالاً، ومن سقطت عليه قطة فماتت، وغيرها من هذه الإعلانات المبروزة، حتى أصبحت بالكمبيوتر تلمع تلميعاً تأخذ البصر، يكاد ضوؤها يذهب بالأبصار، كلها إما في مطعوم أو مشروب أو ملبوس.

ذهب أحد الدعاة إلى ألمانيا إلى مدينة سكومونيس، فوجد إعلاناً عن إطارات يوكوهاما، فاستأجر لوحة بجانبها وكان فقيراً أول مرة نزل بالمدينة، وكتب: أنت لا تعرف الإسلام، إن كنت تريد معرفة الإسلام فاتصل بتلفون كذا وكذا، ونزل بالمدينة وهو داعية مشهور، وبعد سنة كان عدد من أسلم على يديه مائتين وخمسين ألفاً.

فأين الدعايات عن الإسلام؟ أين الدعايات عن الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي؟ أمة تؤمن بالإعلانات، وأمة تعيش العمارات، وكأن المستقبل عند كثير من الشباب أنه إذا تخرّج من الجامعة أن يتزوج وأن يشتري سيارة وأن يبني فلة، ويحصل على وظيفة، فإذا حصل على ذلك كأنه خاض بدراً وأحداً وحطين وعين جالوت.

والرسول صلى الله عليه وسلم لم يربِ الصحابة على هذا، يقولون: نريد الدنيا، قال: لا. نريد الجنة، هل قال لأحد من الصحابة: نوليك منصباً وتسلم، قال له الأنصار: ماذا لنا إذا نصرناك؟ قال: الجنة، لأنه ليس عنده شيء من حطام الدنيا، عنده خبز الشعير، وعنده بيوت من طين، لكن عنده صلى الله عليه وسلم جراحات في سبيل الله، ونسف للرءوس، فإن أردتم فالجنة، ولذلك أكثر الصحابة الذين قدموا التضحيات لم يظفروا بشيء من حدائق ومفروشات الدنيا، وذهبوا إلى الله، وأتى يزيد بن الوليد في القرن الأول، وأتى فلان وفلان وأخذوا المفروشات والمطعومات وسكنوا القصور، فجعلوا هوايات الناس واهتماماتهم إلى الدنيا، وصرفهم عن منهج الله، وهو أعظم ما يعطلهم عن السير إلى الله عز وجل، حتى إن بعض الشباب حريص أن يأخذ مع كل وارد وكل موديل سيارة، وتجد مجموعة من الشباب يتحدثون عن السيارات، ميزة الياباني على الأمريكي كذا، والفرنسي على الياباني كذا، أهذه أمة؟! أهذا جيل سوف يكوّن مستقبلاً؟!

متى تجد من يتحدث عن ابن رواحة وسعد بن معاذ وابن عباس وأبي بن كعب وفي الآيات، وفي نشر الدين، وفي رفع لا إله إلا الله؟!

التاسع: اهتمام الأمة بصغار المسائل على حساب كبارها

لقد صار شغل كثير من الشباب تحريك الأصبع، أمة استهلكت كل ليلة ثلاث ساعات في تحريك الأصبع، والله لقد وجدت شاباً منزعجاً لأنه رآني لم أجلس جلسة الاستراحة، قال: العالم لا بد أن يكون قدوة، كيف لا تجلس جلسة الاستراحة؟ قلت: الأمر فيه خلاف، والمخالف يعذر من خالفه، وأنا أرى الجلوس أحياناً والترك أحياناً.

لكن أقول: لا نترك هذه المسألة، ولا نترك السواك ولا نترك جلسة الاستراحة، ولا تحريك الأصبع، ولكن نعطيها الحجم الذي أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم.

لماذا لا نتحدث عن قضايا الولاء والبراء والتوكل، والتوحيد، وتصحيح مسار الناس، وإصلاح الفرد والمجتمع، وحقوق الجار، وحق المرأة ومكانتها في الإسلام، ونشر الدين في الأقطار والبقاع، والاهتمام بثقافة عصرية موجهة من الكتاب والسنة؟! ثم نعطي هذه المسائل دورها، أما أن تعيش حياتك كلها منزوياً في جلسة الاستراحة، وفي تحريك الأصبع فماذا ستنتج للأمة؟! ونعرف أن الكثير لا يركز إلا على كتاب العبادات، حتى إن باب السلم والحدود والجنايات كأنه محذوف من الشريعة، وتجد -الآن- الذي يسأل في مسألة تحريك الأصبع، إذا سألته في باب السلم، أو العينة، أو باب الربا، فإنه لا يعرف، مع أن الشريعة متكاملة، حتى إني سمعت كثيراً من الناس يقول: الدعاة لا يعرفون إلا اللحى وتقصير الثياب.

العاشر: عدم ربط الأمة بعلمائها

من خصائص الإسلام أنه يربط الجيل بعلمائه قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].

ومن خصائص الإسلام أنه لا يصلح حال الأمة، حتى يتولى الريادة والصدارة فيها ورثة محمد صلى الله عليه وسلم في شريعته ومنهجه.

والأمة قصرت من جانبين: التقصير الأول: من جانب الجيل، أنه تخلى في بعض الفترات أو أحياناً عن الثقة بأهل العلم، وأهل العلم ليسوا بمعصومين، فقد يخطئون ويؤجرون على أخطائهم، هذا إذا كان عن اجتهاد وقصدوا الحق، والرسول عليه الصلاة والسلام، قال في الصحيح: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد} فيظن بعض الناس، أن العالم لا بد أن يكون معصوماً، ولا يخطئ أبداً ولا يهم ولا ينسى، وهذا خطأ، فإنه قد يتأول , وأدلكم على كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لتعرفوا بعض أسباب أخطاء بعض العلماء.

الثاني: قد يكون هناك تقصير من بعض أهل العلم والدعاة كألا ينزل إلى الشباب، وميزة علماء الإسلام أنهم علماء عامة، كما يقول محمد أحمد الراشد في المنطلق، وصدق رفع الله منزلته يقول: من ميزة علماء الإسلام أنهم علماء عامة، تبحث عن الإمام أحمد فتجده في السكة والشارع، وتجده في المسجد، وفي السوق يخالط الناس، أما علماء الشرق والغرب من الأمم الأخرى، فهم علماء مكيفات، يتصلون بالأمة من تحت المكيفات ولا يتصل بهم إلا بواسطة مذكرات ومؤلفات، أما علماء الأمة، فمع الجيل والشباب، يذهب معهم ويأتي، وما عهد في علماء الإسلام إلا أن أحدهم أحياناً قد يأكل مع تلاميذه ويتغدى مع تلاميذه، وينام مع تلاميذه، وبيته مفتوح للخارج والداخل، ليعيش هموم الأمة وهموم الجيل، وهذه مسائل يجب التنبيه عليها كثيراً.

إن هذه الميزة هي التي أكسبت الإمام أحمد مكانة في أهل السنة، بينما علماء المبتدعة علماء خاصة، أحمد بن أبي دؤاد، أحمد المعتزلة، وأحمدنا أحمد بن حنبل.

لشتان ما بين اليزيدين في الندى>>>>>يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم

ولا يحسب التمتام أني هجوته>>>>>ولكنني فضلت أهل المكارم

أحمد بن أبي دؤاد يجلس مع السلطان ولا يخرج إلى الناس، ولا يأذن لأحد ولا يتصل بأحد، أما الإمام أحمد بن حنبل فتأخذ الجارية بيده إلى السوق، والطفل يكلمه. حمل مرة حطباً في السوق، فأتاه الوزير الفتح بن خاقان، فقال: أنا أحمل عنك يا أبا عبد الله، فقال: لا. نحن قوم مساكين لولا الستر لافتضحنا. فهذا الذي يحمل الحطب، حمل الأمة في فتنة القول بخلق القرآن، لقد شيعه أكثر من مائة ألف، حتى أعلنت حالة الطوارئ في بغداد وخرج جيش الخلافة، يحبس الطرق والمنافذ ومعهم العصي، ومعهم الأسلاك بأيديهم يضبطون حركة الناس، دخل الناس يتوضئون في الضحى ولم ينتهوا من الوضوء إلا في صلاة العصر.

وابن تيمية عالم عابد، أتدري ما هو برنامجه اليومي؟ يصلي الفجر في المسجد ويبقى إلى طلوع الشمس، فيدرس إلى الضحى وينزل إلى السوق، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويدخل على البقالين أهل الحوانيت، ويوم الخميس يزور ابن تيمية المارستان، وهم المجانين، ويسلم عليهم ويدعو الله لهم، ويقرأ عليهم القرآن، ثم يزور المستشفى، ثم يزور المقبرة، فلما مات هذا العالم، شيع جنازته أكثر من مائة ألف، وشيع جنازته من النساء ستون ألفاً، وخرج نائب السلطنة، ومن أراد منكم أن يقرأ فليقرأ في البداية والنهاية لـابن كثير وليقرأ ما كتب عن حشد جنازته الرهيبة، ويقرأ عن حياته رضي الله عنه وأرضاه.

مقصودي بهذا أن الأمة بحاجة إلى العلماء الذين يعيشون معهم، يعيشون مع البائع، والتاجر، والمهندس والفلاح، وفي كل مجال تجد الداعية والعالم يتنقل بينهم، ولا بد أن يكون هذا الجسر ممدوداً بين العلماء والجيل، ويوم ينقطع هذا الجسر سوف تنكص الأمة على أم رأسها في الهاوية.

الحادي عشر: التنازع والاختلاف

طالما عاشت الأمة فترة الردود، أن تتلاطم على وجهها فيما بينها، هذا يرد على هذا، وهذا يقبح هذا، والردود لها نفع وفائدة متى كانت مصلحتها أعظم، لكن ليس في مسألة خلافية تتعرض لطلبة العلم والعلماء وفيها سعة، والنصح محتمل، ورأيت كتباً وهي موجودة في الساحة، وقد يكون الدليل مشتركاً لي ولك، وقد يكون فيها راجح ومرجوح، وقد لا يعاقب الله من أخطأ في هذه المسألة لأنه متأول.

ولا أعني بذلك الردود التي تبين الحق، وترد الخطأ، لا. فهذا واجب على الأمة، كردود ابن تيمية وردود علماء الإسلام قديماً وحديثاً، فهذا وارد، لكن أعني أن هذه الغارات وهذه النزعات، وهذا الغضب والتشنج في الردود، وتجهيل بعض العلماء الفضلاء ونسيان الحسنات، ليس من منهج أهل السنة في الردود، والله يقول: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].

فالتـنازع فشل واختلاف، والله يقول: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105].

أيها الإخوة: يقول ابن تيمية في مختصر الفتاوى: الإجماع حجة قاطعة، والاختلاف رحمة واسعة، وقصده في الفرعيات التي اختلف فيها أهل العلم، والتي قننها ونظّرها في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

الثاني عشر: النفاق في الأمة

إن في الأمة نفاقاً اعتقادياً ونفاقاً عملياً، في الأمة الإسلامية؛ أمة المليار الذي هززنا به العالم وخوفنا به إسرائيل، وزلزلناها، وإسرائيل مليونان ونحن مليار، هذا المليار فيه منافقون نفاقاً اعتقادياً، يكفرون برسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويستهزئون بمبادئه، ويستهزئون بـ (لا إله إلا الله) ويستهزئون بالطواف والصلاة والحجر الأسود، هؤلاء يفعلون في الأمة فعل النار في الهشيم، وهم أقدر على الأمة من العدو الخارجي؛ لأنهم يكونون خطاً داخلياً ضارباً من الخلف والوراء، وهم يلدغون في وقت الغفوة والغفلة.

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي>>>>>بأخرى المنايا فهو يقظان نائم

الذي يقول: الدنيا لم ترَ النور منذ أن وضع الهاشمي عليها رداءه؛ فمن هو الهاشمي؟ ومن هو القائل؟ القائل: معروف لديكم، والهاشمي هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي أطلق النور وأوصل لا إله إلا الله إلى العقل، والذي حرر البلدان من رق العبودية إلى الإسلام، أيصفه بهذا؟!

هذا نفاق تعيشه الأمة، ولا يزال الإنسان يسمع بين الفينة والأخرى من يشكك في المعتقد والرسالة.

وأما النفاق العملي فحدث ولا حرج، الأمة فيها من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وترجو النصر لهذه الأمة والخلافة في الأرض! بل أصبحت هذه مناهج عند بعض الناس، يكيف عليها حياته، ويسمونها كذبة إبليس، يكذب قطاع هائل من الموظفين والمسئولين والأساتذة من أجل هذه الكذبة، وبعضهم يمزح كذباً ويقول: كذبة بيضاء وهي تسود وجوههم، فليس هناك كذب أبيض ولا أسود، الله أمر بالصدق، وبالنصح والوفاء بالعهد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها. إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف} وفي الحديث الآخر: {وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر} فهي خمس خصال نعوذ بالله منها، وهي من عوامل الهزيمة، ويوم تتكمن في أمة فإنها لا تستحق النصر، وتكون متخلفة، ومتوعدة بجيش عرمرم يسحقها ويفنيها، لأنها لم تؤد الأمانة ولا قامت بالاتصال به سبحانه وتعالى، ولا قامت بالخلافة التي أرادها الله لها في الأرض.

أسأل الله أن ينصرنا، وأن يعيدنا إليه، وأن يثبت أقدامنا، ومن أراد بنا سوءاً فأسأل الله أن يشغله بنفسه، وأن يجعل تدميره في تدبيره.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، ولا مفرطين، ولا مضيعين، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , من عوامل النصر والهزيمة للشيخ : عائض القرني

https://audio.islamweb.net