إسلام ويب

يقول صلى الله عليه وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) وفي هذا الحديث دلالة على أهمية القلب والاعتناء به، والعمل بأسباب حياته، والحذر من أسباب موته.

وأسباب موت القلب كثيرة منها: عدم المبالاة بأوامر الله، وعدم المبادرة إلى طاعته، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسماع الأغاني.

موت القلوب

الحمد لله الذي قلوب العباد بيده يقلبها كيف يشاء، ويصرفها على ما يريد، أحمده وأشكره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ وراقبوه، اتقوا من يعلم السر وأخفى.

عباد الله: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) الله أكبر! الله أكبر! قدر المُضغة، قدر ما يمضغ الإنسان، فهي لحمة في جسم الإنسان، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله.

القلب هو المسيطر، هو الملك على الأعضاء كلها؛ لذلك يخبرنا صلى الله عليه وسلم بهذا التوجيه، ليحث أمة الإسلام على حفظ تلك الأوعية، وحمايتها، ووقايتها من الأخطار.

عباد الله: القلب هو مصدر سعادة الإنسان وشقاوته، ومن القلب تنبعث حياته الروحية أو موته المعنوي، أجل يا عباد الله.

يا أمة الإسلام: هل أعطينا قلوبنا ما تستحقه من حماية؟

هل أحطنا قلوبنا بسياج الإيمان الكامل؟

إن معظم الأمة بل الأكثرون منها فرطوا في هذه الناحية الحساسة، وتركوها حتى دخلها ذئب الإنسان وهو الشيطان، فجعل يخطط للأعضاء، ويأمرها وتفعل تلك الأوامر، حتى أصبح الأكثرون في أسر الشيطان وقيوده، ووقعوا في أعظم داهية، وأصيبوا بأعظم الأدواء، ألا وهو فقدان الإحساس الروحي، وموت الضمير المعنوي، الذي غطى القلوب وران عليها، فأصبحت كالحجارة، لا تتأثر بآية ولا بوعظ، ولا تستجيب لنداء الإسلام، ولا تستفزها نُذُر القرآن، ولم يؤثر بتلك القلوب ما يصل إلى أسماعها من الآيات الكونية والعبر، فإذا سَمِعَت بالرياح المدمرة، قال أهلها: هذه أعاصير بسيطة؛ لأنها لم تكن حولنا، وإذا سمعوا بالزلازل قالوا: هذه براكين، وإذا سمعوا بالفيضانات قالوا كلمات لم نستطع لها تعبيراً، كل هذا من موت القلوب، وعدم إحساسها، وعدم الواعظ الإيماني.

أجل -يا عباد الله- إن ما أصاب المجاورين فيه موعظة وعبرة لنا، إنها رياح، وزلازل، وفيضانات، وحروب طاحنة، وأمراض وأوبئة، لقد كفانا ما نسمع، وما نرى في تلك الآلات وما يُنقل لنا من تلك البلدان.

أمة الإسلام: لعله يكفينا ما نسمع، وما نرى في تلك البلدان خلال تلك الآلات من الحوادث المفزعة، والكوارث المدمرة التي جَعَلَت أهل تلك البلدان شَذَرَ مَذَرَ، وفَرَّقَتْهُم في كل ناحية، ومَزَّقَتْهُم كل ممزق.

إنها عبر ومواعظ، فهل من مُدَّكِر؟

أمة الإسلام: لقد ذقنا النعمة، وشبعنا وما اكتفينا حتى جعلنا فضلات اللحم والطعام الذي يحتاج إليه بعض المسلمين في براميل الزُّبالة، إنها حالة محزنة، تقشعر منها الجلود.

عباد الله: إن موت القلوب أغفل الكثير عن الاهتمام بدين الإسلام.

يا أمة الإسلام: إن موت القلوب وغفلتها فتحت المجال لأعداء الإسلام، حتى تداعت أمم الشر على الإسلام من كل حدب وصوب، وغزوا العقائد والأخلاق، وبذروا الفتن وأجّجوا نارها بين المسلمين، وأدخلوا البدع فاستحسنها أهل الإسلام، ويا للأسف الشديد! كل ذلك نتيجة موت القلوب، وصارت تلك أمام الكثير سراب لا حقيقة له، وكأنها أضغاث أحلام، لا يُتَوقع لها تأويل، ولا يُفَكر فيما تولده من الشرور عياذاً بالله، اللهم عياذاً بك من مضلات الفتن، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

أجَل -يا عباد الله- كل ذلك نشأ من موت القلوب، وعدم الشعور، وعدم التضلع بمسئوليتها وواجبها أمام الله، بل وواجبها، بل وخوفها من مكر الله: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

أسباب موت القلوب

إن موت القلوب الذي عمَّ الأكثرين له أسباب، فعلموها يا عباد الله:

السبب الأول: عدم المبالاة بأوامر الله، وعدم المبادرة إلى طاعة الله:

لقد خلت المساجد من كثير من شباب المسلمين إلا ما قلَّ.

السبب الثاني: عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

نساءٌ في الأسواق متبرجات، إِلْيَة الرَّجُل بإِلْيَة المرأة، وكأنه زوجها في الأسواق.

السبب الثالث: أكل الحرام: إن موت القلوب الذي يعاني منه البعض من الناس من أسبابه: أكل المحرمات، ومن هذه المحرمات: الربا، الرشوة، الغش، الخداع.

بيع المحرمات، كالدخان والمخدرات وآلات اللهو بأنواعها، وسماع آلات اللهو حرام، وثمنها حرام، وهناك قاعدة فقهية تقول: (ما حَرُم استعماله حَرُم ثمنُه).

أمة الإسلام: أين الورع؟ أين القناعة؟ أين العفة؟ الحلال: ما حَلَّ بأيدينا، والحرام: ما تعذر علينا أخذه.

إن الحياة الدنيا ليست بدار بقاء، إنها دار عمل، والحساب بدار الجزاء الثاني، يوم القيامة، يومٌ عظيمٌ، تبرز فيه الكامنات، وتظهر فيه الحقائق، وتنكشف النيّات، يوم تنشر فيه الدواوين، يوم تَبِيْن فيه النتيجة، أيُّنَا الناجح من الراسب؟ إنه يوم عظيم، وأعظم دليل على عظمة ذلك اليوم كثرة أسمائه بالقرآن العظيم، إنه يوم القيامة، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] أين القلب السليم؟ ما هو القلب السليم؟

القلب السليم هو: الصحيح الممتلئ بمحبة الله وإجلاله وتعظيمه.

القلب السليم هو: المتحلي بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

القلب السليم هو: الخالي من كل شبهة تعارض خير الله.

نعم. القلب السليم هو: الخالي من كل شهوة تميل إلى ما حرم الله.

فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتجنبوا كل ما يمرض القلوب أو يميتها.

السبب الرابع: الصدود عن ذكر الله وعن كتاب الله:

إن أكثر ممرض وأعظم مميت للقلوب هو: الصدود عن ذكر الله وعن كتاب الله تلاوةً وعملاً وتدبراً.

السبب الخامس: الإسراع والمبادرة إلى التضلع وقراءة المجلات:

إن من عوامل موت القلوب: الإسراع والمبادرة إلى التضلع وقراءة المجلات -والعياذ بالله- فالاهتمام انصرف عن كتاب الله، وعن سنة رسول الله إلى سنة اليهود والنصارى، وإلى دسائس اليهود والنصارى، ودسائس الصهيونية من مجلات وجرائد وغيرها.

اسمعوا وصف المؤمنين الكامل في كتاب الله رب العالمين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].

اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واجعلنا هداة مهتدين.

اللهم أيقظ قلوبنا من رقدات الغفلة يا أرحم الراحمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

التزود ليوم الرحيل

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ ، وأحيوا قلوبكم، ونوّروها، وتعاهدوها في كل آونة، وفي كل لحظة بالإقبال على رب العالمين، بالتوبة النصوحة، وبكثرة ذكر الله، وبكثرة الاستغفار والتسبيح والتهليل والتحميد، وبتلاوة كتاب الله، واستماعه، وتزودوا من الأعمال الصالحات، أنتم الآن في دار العمل، أنتم الآن مُمهلون، أنتم الآن في وقت الإمكان، تزودوا من الأعمال الصالحات، فهو أقوى العوامل في إنارة القلوب وهدايتها واستقامتها، جالسوا الأخيار، احذروا من استماع المحرمات بأنواعها، احذروا من أكل الحرام؛ فإنه من أسباب موت القلوب، وعدم قبول الدعاء، يقول صلى الله عليه وسلم: (أيُّما لحمٍ نَبَتَ على السُّحْت فالنار أولى به).

عباد الله: ليِّنوا قلوبكم بالمواعظ، ذكروها النهاية، وأن المصير إلى القبور، ثم بعد ذلك حشر ونشور، ووقوف بين يدي الله ليسأل العبد، ليس بينه وبينهم ترجمان، أعدوا لذلك السؤال جواباً، وللجواب صواباً.

واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وصلوا على خير خلق الله، صلوا على البشير النذير، صلوا على السراج المنير محمد صلى الله عليه وسلم اقتداءً واستجابة لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، يقول سيد البشرية: (من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم وبارك وزد وأتم صلاة وتسليماً على نبينا وسيدنا وإمامنا محمد.

وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم أغث قلوبنا بالإيمان.

اللهم يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعالاً لما تريد، نسألك بعزتك التي لا تُرام، وبمُلْكِك الذي لا يضام، وبوجهك العظيم، أن تغيث قلوبنا بالإيمان.

اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وارزقنا إيماناً دائماً كاملاً، ويقيناً صادقاً مع العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

اللهم انصر عبادك المجاهدين في سبيلك في برك وبحرك، اللهم أمدهم بعونك، اللهم أمدهم بعونك، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم.

اللهم اخذل من خذل الإسلام وأهله، وانصر من نصر الإسلام وأهله، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، اللهم أيده بتأييدك يا رب العالمين.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً، وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً، وارزقنا وإياهم اجتنابه.

اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91].

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أسباب حياة القلب وموته للشيخ : عبد الله حماد الرسي

https://audio.islamweb.net