اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , وداعاً شهر رمضان للشيخ : عبد الله حماد الرسي
ولقد شرع لنا ربنا الكريم في ختام شهر رمضان عبادات جليلة منها: زكاة الفطر والتكبير وصلاة العيد.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، وتهجد وقام، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن على نهجهم استقام، وسلِّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وفكروا ماذا عملتم في شهر رمضان الذي قارب وأوشك على الارتحال، وسيكون شاهداً لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، لقد كانت أيام هذا الشهر الكريم، معمورة بالصيام والقيام والذكر وقراءة القرآن، فيا أسفاً على تلك الليالي والأيام! لقد مضت سراعاً كساعة من نهار، وأخذ المجتهدون منها بوافر الحظ والنصيب.
فتمادوا في المعاصي في مختلف ألوانها وأشكالها، فلو رأيتهم وهم يأخذون الأُهبة والاستعداد للسفر لبلاد الكفر والفساد، ليجدوا جواً مهيأ لهم في فعل المنكرات، من شرب المسكرات، وفعل الزنا واللواط، والجلوس في أماكن تدفعهم إلى ارتكاب أقبح الجرائم والذنوب، من أفلام سينمائية قذرة، تصور الإثم وتدعو إلى الفساد والتحلل عن الأخلاق الفاضلات، ومع الأغاني الخليعة وغيرها من التمثيليات الأثيمة التي تفسد الأخلاق، وتصور الميوعة والانحلال التي يدعو إليها الشيطان وأعوانه من المفسدين في الأرض، ليصدوا بها العباد عن طاعة الله.
عباد الله! يا من صمتم شهر رمضان! وترجون من الله القبول، احذروا المعاصي فإنها برهان واضح على الغفلة، احذروا المعاصي فإنها نكران للجميل، احذروها فإنها كفران لنعمة المنعم العظيم، فمن حق المنعم جل وعلا أن يُشكر ولا يُكفر، وأن يطاع ولا يعصى، ويُحمد ويُعبد، ولا يعصى طرفة عين.
فبادروا عباد الله! بادروا إلى اغتنام الأعمال الصالحة قبل الارتحال إلى القبور، وانهضوا إلى فعل الأسباب الموصلة إلى رحمة الله عز وجل قبل طي الكتاب، وبادروا بالتوبة والاستغفار ما دمتم في زمن الإمكان، قبل إغلاق الباب وإسبال الحجاب، وقبل أن يختم على كل عمل بما فيه من حسن أو قبح.
فهذه أيام الخيرات والبركات، أيام إعتاق الرقاب الموبقات، أيام رمضان ولياليه قد تصرمت وأوشكت على الانتهاء، لقد كانت مواسم لمضاعفة الأجور والغفران.
أمة الإسلام! ما أجمل حال المسلمين! وهم يكبرون الله تعظيماً وإجلالاً في كل مكان، عند انتهاء شهر الصوم، ما أجملهم وهم يملئون الآفاق تكبيراً وتحميداً وتهليلاً! يرجون رحمة الله ويخافون عذابه.
كما شرع لكم صلاة العيد، ويسن الخروج إليها ماشياً إذا لم يشق عليه المشي، ويلبس أحسن الثياب، مع الحذر من المحرم مثل الحرير والذهب، فإنهما حرام على الذكور من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤدي الصلاة بخشوع وحضور قلب، ويكثر من ذكر الله ومن دعائه، ويتذكر بذلك الاجتماع اجتماع الناس على صعيد واحد يوم القيامة، في ذلك الموقف العظيم بين يدي الله عز وجل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28].
اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا الصيام والقيام والدعاء، وأن يرزقنا التوبة النصوح إنه على كل شيء قدير فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
قال أبو سعيد رضي الله عنه: {فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام} وكلما كان من هذه الأصناف أطيب وأنفع للفقراء؛ فهو أفضل وأعظم أجراً، تطيب بها نفساً، وأخرجوها من أفضل ما تجدون، لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].
وهي ولله الحمد قدر بسيط لا يجب في السنة إلا مرة واحدة، فكيف لا يحرص الإنسان على اختيار الأطيب، مع أنه أفضل عند الله وأكثر أجراً، ويجوز أن يوزع الإنسان فطرته على عدة فقراء، وأن يعطي الفقير الواحد فطرتين فأكثر، وزكاة الفطر فرض على جميع المسلمين الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الملك والمملوك، فأخرجوها عن أنفسكم، وعمن تنفقون عليه من الزوجات والأقارب، ولا يجب إخراجها عن الحمل الذي في بطن أمه، وإن أخرج عنه فهو خير وأفضل.
وصلوا يا عباد الله! على خير خلق الله محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربكم فقال قولاً كريما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد البشير النذير، والسراج المنير، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن بقية أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم واحم حوزة الدين، اللهم ودمر اليهود وأعوانهم، والمبشرين والشيوعيين، اللهم ألف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا، اللهم اجعلنا وإياهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين، وآتنا اللهم ربنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , وداعاً شهر رمضان للشيخ : عبد الله حماد الرسي
https://audio.islamweb.net