اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , نداءات الرحمن لأهل الإيمان 79 للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.
تقدم معنا أربعة وسبعون نداء من نداءات الرحمن البالغة تسعون نداء، وهذه النداءات المنادي بها الله جل جلاله، والمنادى بها هم عباده المؤمنون به وبلقائه وبرسوله صلى الله عليه وسلم. وهو لا يناديهم لأي شيء، بل يناديهم ليأمرهم باعتقاد أو قول أو فعل ما من شأنه أن يزكي نفوسهم، ويطهر أرواحهم؛ ليكملوا ويسعدوا، أو يناديهم لينهاهم عما يدسي نفوسهم ويخبثها من الشرك والمعاصي، أو يناديهم ليبشرهم بما أعد لهم في دار النعيم المقيم، أو يناديهم لينذرهم مما يدسي نفوسهم ويلوثها؛ لتصبح أهلاً لدار الشقاء والخسران المبين، أو يناديهم ليعلمهم ما تزكو به أنفسهم وتسمو أرواحهم. فلهذه العلل يناديهم جل جلاله، وعظم سلطانه.
وهو يناديهم وهو في غنى كامل عنهم، ولكن بحكم الولاية التي بينهم وبينه فهو يناديهم لهذه الأغراض السامية. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.
هذا هو [ النداء الخامس والسبعون ] وهو [ في حرمة التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ] صلى الله عليه وسلم [ و] في [ الإذن في التناجي بالبر والتقوى ] فمضمون هذا النداء: أنه تعالى ناداهم ليعلمهم حرمة التناجي بالإثم والعدوان، وليعلمهم أنه أذن لهم في التناجي بالبر والتقوى. والتناجي هو: التحدث سراً وفي خفاء مع من تناجيه أو تحدثه، كما كان يناجي موسى ربه، وكما نناجي مولانا في السجود، فنحن نتكلم معه سرياً، فالتناجي: التحدث في الخفاء والسر. وفي هذا النداء الخامس والسبعين ناداهم سبحانه ليعلمهم حرمة التناجي بالإثم، أي: بما فيه إثم، والعدوان، أي: بما هو ظلم؛ لأنهم أولياؤه، وهو لا يأذن لهم أن يتناجوا بالإثم والمعصية والظلم والعدوان، وبمعصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يأذن لهم في التناجي بالبر والخير وتقوى الله عز وجل. فهو يعلمنا حرمة التناجي بيننا بالإثم والعدوان، وبمعصية الرسول عليه السلام، ويعلمنا أنه أذن لنا في التناجي بالبر والتقوى، هذا مضمون هذا النداء. فهيا بنا نتغنى بهذا النداء، ثم نأخذ في شرحه وتفسيره، وبيان المراد منه إن كنا أولياءه المؤمنين به المتقين له.
[ الآيتان (9 ، 10) من سورة المجادلة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:9-10] ] والله هو صاحب هذا النداء، وهو الذي نادى به عباده المؤمنين. اللهم اجعلنا منهم.
وهيا نتعرف إلى ما من أجله نادانا، فلابد أنه ينادينا لأمر عظيم؛ ليربينا ويكملنا ويسعدنا.
قال: [ وكيف لا، وهو مولاهم ووليهم، وهم عبيده وأولياؤه ] فالله مولاهم ووليهم.
وهذا الثالوث الأسود مكون من ثلاثة عناصر مبغضة ومعادية للإسلام وأهله، ولا هم لهم إلا محو الإسلام، وقتل أهله، وهم المجوس واليهود والنصارى الصليبيون. ونحن لا نبالي بمعرفة هذا؛ لأننا ما زلنا هابطين.
فلنعرف أن أولياء الله هم المؤمنون المتقون، فكل مؤمن تقي فهو لله ولي، وإذا عرفت أنه ولي الله فلا يجوز أن تسبه، ولا أن تشتمه، ولا أن تفجر بامرأته أو ابنته، ولا أن تسرق ماله، ولا أن ترفع صوتك عليه، ولا تقدر على ذلك؛ لأنه ولي الله، والله يقول: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ). وهم حصروا الولاية في الأموات؛ ليصبح الأحياء أعداء الله؛ ولذلك انكح نساءهم، أو افجر ببناتهم، أو اسرق أموالهم، أو سب أعراضهم، أو اشتمهم، أو قتلهم، كما هو الواقع. ولست واهماً في هذا. فإذا اعتقد أنهم أولياء الله لم يوجد مؤمن يزني بمؤمنة، ولا يسب مؤمناً، ولا يركله، ولا يصفعه على وجهه، ولا يقتله، ولا يمزق لحمه، ولا يقدر على أن يمسه بسوء، ولكن اليوم هناك الملايين يفعلون هذا.
إذاً: سلب العدو الولاية عن الأحياء ووضعها على الأموات أباح دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم.
وهذه الكلمة والله لو ترحل إلى الصين من أجل أن تفهمها هذا الفهم وتعرفها لكان سفرك ذا قيمة، ولكن لا يوجد من يعي ويفهم ويفقه.
وأزيدكم: لم نشاهد رجلاً في المسجد إذا مر به أحد يقرأ القرآن يقول: تعال يا سيد! اقرأ علي شيئاً من القرآن، ولا يوجد من يقول لابنه أو أخيه أو جاره: من فضلك! أسمعني شيئا من كلام ربي. فاعرفوا كيف متنا. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـعبد الله بن مسعود : ( يا ابن أم عبد ! ). ويكنيه تبجيلاً وتعظيماً له ( أسمعني شيئاً من القرآن! ) أو: ( اقرأ علي شيئاً من القرآن! ). فيعجب عبد الله ويقول: ( أعليك أنزل، وعليك أقرأ يا رسول الله؟! فيقول: إني أحب أن أسمعه من غيري ). فيقرأ عليه بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1]. حتى بلغ ثلاثين آية. حتى انتهى إلى قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]. وإذا بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان الدموع وهو يبكي، ويقول: ( حسبك حسبك حسبك ). ونحن الهابطون لا يوجد فينا من يقول لأخيه: اقرأ علي شيئاً من القرآن.
والقرآن هو الروح، ولا حياة بدون روح في أي كائن، فلا توجد حياة في مخلوق بدون روح، لا في دجاجة، ولا في عصفور ولا في ذبابة، والقرآن هو الروح، فإذا فقده العبد مات، والدليل على أنه روح، وأنه به الحياة: قول الله تعالى في سورة الشورى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]. فاحفظ يا عبد الله! واحفظي يا أمة الله! أنه لا حياة للعبد إلا بالإيمان وبالقرآن، وفهمه وتطبيقه والعمل به، وأنه لا هداية في مجالات الحياة حتى في التجارة إلا بنور القرآن، والذين أعرضوا عن كتاب الله وانصرفوا عنه يتخبطون في ظلمات الحياة، وهم لا يشعرون. ولا هداية بدون نور، والقرآن نور: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]. ومن يوم أن صرف المسلمون عن القرآن وهم في الظلام وفي الفتن، وفي البلايا وفي الرزايا يتخبطون قروناً عديدة. وإلى الآن لم نفق. ونحن نقول: لقد صحونا، ولا توجد صحوة، بل ما زلنا كما كنا نقرأ القرآن على الموتى، ويزني بعضنا بنساء بعض، ويأكل بعضنا أموال بعض، ويسب بعضنا بعضاً، بل ونشتم ونعير ونقبح حتى العلماء والحكام، والصلحاء والتجار، وكل أحد، ولا هم لنا إلا الطعام. وسبب هذا عندنا: أننا ما رُبينا في حجور الصالحين، بل كلنا أولاد الشوارع والمقاهي والمدارس الهابطة، وهكذا. فلا ترجُ منا كمالاً في آدابنا وأخلاقنا وأوضاعنا؛ لأننا ما ربينا في حجور الصالحين.
وإن شئتم حلفت لكم، وإني لعلى بينة من أمري - وانزعوا من أذهانكم: هذا العميل .. هذا الذنب .. هذا الوهابي، وكل هذه الأمراض التي تغلي غليان المراجل في صدور هذه الأمة الهابطة، واعلموا أن العود بنا إلى سبل السلام وطرق النجاة سهلة والله جداً، وهي لا تكلف ديناراً ولا درهماً، ولا توقف عملاً في مصنع ولا في مزرعة، ولا تغلق باب متجر، ولا تطالب بدينار ولا درهم، وإنما فقط أن نؤمن إيماناً حقاً، ثم نستعيد سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ أرشده الله. وعلى أهل القرى في الوديان أو الجبال وفي الأحياء في المدن في العالم الإسلامي إذا دقت الساعة السادسة مساءً ومالت الشمس إلى الغروب أن يقفوا دولاب العمل مثل الإفرنج، فيغلق التاجر دكانه، ويرمي الفلاح مسحاته، ويرمي الكاتب قلمه، ويتجهون كلهم إلى بيوت الإله الرب تعالى، ونأتي بأطفالنا ونسائنا، فتجلس النساء من وراء الستارة، ومكبر الصوت بينهن، والأطفال دونهن، والفحول أمامهن، والمعلم المربي أمام الجميع كمجلسي هذا، ويبعث أحدهم يتجول في القرية؛ حتى لا يبقى دكاناً مفتوحاً، ولا مقهى ولا مصنعاً، ويجلس أهل القرية كلهم في بيت ربهم يتعلمون الكتاب والحكمة، ويزكون أنفسهم. وقد من الله على المؤمنين بهذا في قوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2].
وكذلك الأحياء في المدن إذا دقت الساعة السادسة لا يبق دكان مفتوح الباب ولا مقهى ولا مصنع، ولا من يتجول في الشارع، بل يحضر أهل الحي كلهم إلى بيت ربهم، وإذا ضاق المسجد وسعوه، ولو بالخشب والحطب، ولو بالقطن، حتى يتسع لأهل الحي بنسائهم وأطفالهم ورجالهم، ويجلس لهم المربي يعلمهم الكتاب والحكمة- أي: السنة- ويزكيهم آداباً وأخلاقاً. وهكذا كل ليلة وطول العام، بل وطول الحياة، والنتائج والله لا تقدر ولا تقوم.
وسأخبركم بالنتائج، ففي أربعين يوماً لا يبق من يفكر بالفجور بامرأة مؤمن، ولا من يسرق شيئاً من بيت مؤمن ولا مؤمنة، ولا من يسمع كلمة سوء أو بذاءة بين الناس، وينتهي الظلم والشر، والخبث والفساد. هذا من الجانب الروحي.
وأما المادي فلا تسأل، فوالله ليفيضن المال، ولا يجدون من يأخذ؛ لأنهم إذا زكت نفوسهم انتهى الشره والطمع والتكالب على المال، وانتهت الأهواء والشهوات، وأصبح المؤمنون يكتفون بقليل الطعام وقليل الشراب، وما يكفي من اللباس، فيفيض عليهم المال.
وبعد أن يتغير الوضع هكذا، ويصبح الرجال يشهدون بيوت ربهم، ويسمعون الكتاب والحكمة يصبحون كلهم أولياء الله ربانيين، وحينئذ لو رفعوا أيديهم إلى الله لما ردها خائبة، ولو حملوا الحجارة فقط لحطموا عدوهم الذي يريد أن يؤذيهم أو يضرهم. وهم لن يحملوا حجارة فقط، بل سيحملون الهيدروجين والذرة؛ لأنهم يعملون النهار بكامله، وليسوا كسالى ولا مبطلون، ويتركون العمل فقط هذه الساعة والنصف؛ ليذهبوا إلى بيت ربهم لتلقي المعرفة والهدى، وينطلقون إلى العمل من صلاة الصبح إلى قبل صلاة المغرب.
وبلغوا المسئولين أن يجربوا هذا في قرية واحدة فقط، فتلتزم بهدي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وستجدون أنه لن يتخلف وعد الله، وبعد أربعة أشهر حاولوا أن تحللوا ما أصابهم، فستجدون الطهر والصفاء والقناعة والرحمة والهداية، واختفاء مظاهر الكذب والخيانة والفجور والشرك والباطل. ولما بدأت الشيوعية تنفخ في الاشتراكية استجببناها وسمعناها، ونقلناها وآويناها ونشرناها، ولنحاول الآن أن ننشر هذا.
ولا تقولوا: هذا الشيخ خيالي، يتكلم في الخياليات، فهناك من يعتبر الاجتماع في بيت ربكم الذي من أجله خلقتم خيالاً. واليهود والنصارى والبوذيون والكفار والفجار في العالم كله من كندا إلى الصين إذا دقت الساعة السادسة انطلقوا إلى المقاهي والملاهي والمراقص والسينما، وأنتم تخافون إذا انطلقتم إلى بيت الرب!
ونحن لا ننقل هذا الكلام؛ لأننا أمة ميتة، فلا صحفي يكتب، ولا متحدث يتكلم، بل إننا الآن نعود إلى البيت ولا نذكر كلمة من هذا أبداً؛ لأننا ما زلنا هابطين، وقد كنا في علياء السماء نقود البشرية، ونهديها إلى كمالها وسعادتها، ثم احتالوا علينا حتى هبطنا، ولما هبطنا استعمرونا من أندونيسيا إلى موريتانيا، وأذلونا وأهانونا، ولا تقولوا: هذه خيالات. فيوم أن صرفونا عن الكتاب والسنة عرفوا أنهم قادرون على أن يفعلوا الأعاجيب، فمزقوا دولتنا، ومزقوا ديننا، وفرقونا، وفعلوا بنا الأعاجيب، وها نحن أذلاء فقراء مهانين، ولم نستيقظ بعد، بل مازلنا يقتل بعضنا بعضاً. اللهم اشهد، فقد بلغنا.
ولا نعيد هذا الكلام؛ لأنه لا ينفع معنا، بل علمنا العدو أن نقول: هذا الكلام خيالات، وأقول: ليجرب أهل القرية هذا، والقرى بالملايين في العالم الإسلامي، وليجمع شيخ القرية وإمامها وواعظها قريته ويعلمها الكتاب والحكمة، ولننظر بعد أربعة أشهر كيف تتحول الأخلاق، وتتبدل الطباع. ونعود إلى الشرح؛ فالبكاء لا يجدي.
وكان اليهود والمنافقون هنا في المدينة إذا اجتمعوا في مجلس كهذا يكب بعضهم على بعض، ويتكلمون سراً؛ بألا يطيعوا هذا، ولا يسمعوا له، وأنه محنتهم فيصبروا، وغير ذلك، بل إذا استطعت أن تضرب مؤمناً فاضربه، ويتكلمون هذا فيما بينهم، والله هو السميع العليم، فقد كان ينقل مناجاتهم ويبينها لرسوله صلى الله عليه وسلم.
قال: [ وَالْعُدْوَانِ [المجادلة:9] وهو الظلم، وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:9]، أي: بعدم طاعته في بعض ما يأمر به أو ينهى عنه ] فقد كان يوصي بعضهم بعضاً ألا يطيعوا هذا الرسول، وألا يسمعوا له [ فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ [المجادلة:9] ] أي: فيما بينكم [ أي: إذا استدعى الأمر مناجاة بعضكم لبعض فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:9]. كما هي حال أعدائكم من اليهود والمنافقين؛ إذ نزل فيهم قرآن، وهو قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى [المجادلة:8]. وهي المسارة الكلامية ] والذي نهاهم الله ورسوله [ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:8] ... الآيات ] فقد كان الله ولي رسوله والمؤمنين يربيهم ويهذبهم، ويعلمهم ويرشدهم، وهم يستجيبون ويعملون.
قال: [ ( وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] ) ] فلا يدنيهم ولا يكلمهم، ولا يستنطقهم ولا يناجيهم؛ لأهم ليسوا بأهل لذلك، وإنما الأشهاد يقولون: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]. ثم إلى جهنم وبئس المصير.
قال: [ وليس هذا خاصاً بحالة حرب أو خوف، بل هو عام في سائر الأحوال والظروف، وفي القرآن الكريم يقول تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]. حينئذ تجوز المناجاة لأنها في الصالح العام ] فإذا أردنا أن نجمع مالاً أو لباساً لمؤمن بيننا فإذا قلنا: فلان بيننا فقير فاجمعوا له فإنه يتأذى، ولكن نجمع له في السر. وهذه المناجاة مشروعة وطيبة.
قال: [ وقوله تعالى في نهاية النداء: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ [المجادلة:10]، أي: هو الحامل عليها لإيجاد أذى بين المؤمنين. وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10]، أي: فلا ينبغي للمؤمن أن يغتم أو يحزن من المناجاة إذا حصلت من يهوي أو منافق، فضلاً عن أن تكون من مؤمن ] فإذا تناجى اثنان دونه أو ثلاثة فلا يبالي، وليفزع إلى ربه [ وليتوكل على الله ] حتى لا يصيبه هم ولا غم ولا حزن [ ويفوض أمره إليه؛ فإنه وليه وحافظه من كل ما يؤذيه أو يسيء إليه.
والعاقبة للمتقين. وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].
وبلغوا إن شاء الله هذا المسئولين والعلماء والحكام. وهيا نعود إلى الله عز وجل بأن نجتمع بنسائنا وأطفالنا في بيت الرب، والله يعلمنا، وهذا ليس صعباً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , نداءات الرحمن لأهل الإيمان 79 للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net