اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , نداءات الرحمن لأهل الإيمان 82 للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.
سبق أن درسنا سبعة وسبعين نداء، وهذه النداءات المنادي فيها الله جل جلاله، فهو خالقنا رازقنا، ومحيينا ومميتنا، وخالق كل شيء من هذه العوالم، وهو الله الذي له مائة اسم إلا اسماً واحداً، وهو الذي أنعم علينا بنعمة العقل والسمع والبصر بعد نعمة الحياة، ونحن لا نسمع نداءه عندما ينادينا والعياذ بالله، وهو لا ينادينا لحاجة له عندنا والعياذ بالله، فهو خالق كل شيء ومليكه، وهو إنما ينادينا لأننا أولياؤه المؤمنون به، المتقون له، وهو ينادينا لواحد من أربعة أمور: إما ليأمرنا بما فيه كمالنا وسعادتنا إن نحن أطعناه وفعلنا ما يأمرنا به، أو ينادينا لينهانا عما يشقينا ويخسرنا إن نحن امتثلنا فاجتنبنا ما نهانا عنه، أو ينادينا ليبشرنا حتى يزداد إقبالنا على الصالحات وإبعادنا عن المفسدات، أو ينادينا ليحذرنا ولينذرنا؛ لنبقى بعيدين عما يدنس نفوسنا ويخبث أرواحنا، وليبعدنا عن الشقاء والخسران، أو ينادينا ليعلمنا ما نحن في حاجة إلى معرفته للعمل به. ولا ينادينا لشيء آخر. هذه هي خلاصة مناداته لنا.
وهو ينادينا نحن دون غيرنا؛ لأننا بإيماننا أحياء، والحي يسمع ويبصر ويعقل، ويأخذ ويعطي، ولا ينادي الميت؛ لأنه لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل، ولهذا نادانا بعنوان الإيمان فقال: يا أيها الذين آمنوا ! فأجيبوا: لبيك اللهم لبيك! فمر نفعل، وانه ننتهي، وبشر نفرح، وحذر نخاف، وهذا شأننا نحن أولياء الله. ولا تشكوا في أنكم أولياء الله.
وقد بينا وجه المكر: وهو أنهم حصروا ولاية الله في الأموات.
ولو دخلت القاهرة المعزية قبل خمسين سنة، أو بغداد أو دمشق، أو مكة قبل دولة القرآن وقلت لأول من تلقاه في الطريق: يا سيد! أنا غريب الدار، جئت إلى هذه البلاد، فمن فضلك دلني على ولي من أولياء هذه المدينة أزوره، فإنه والله لا يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، ولا يفهم أن القاهرة ذات المليون فيها ولي حي بين الناس، وجرب أن تدخل عاصمة كبيرة ذات المئات الآلاف واسأل أهلها أن يدلوك على ولي، فإنهم لا يدلونك إلا على ضريح، وقد فعلوا هذا لأن المؤمن يعرف أن من آذى ولياً مزقه الله؛ إذ قال تعالى: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ). ومن هنا، قالوا: الأولياء هم أصحاب الأضرحة والتوابيت والأزر الحريرية، والذين تذبح لهم الذبائح ويحلف بهم، وتقدم لهم النذور، وأما بقية أهل البلاد فكلهم أعداء الله، والسر في هذا حتى يسرق المؤمن أخاه، ويفجر بامرأته، ويفسد عليه ولده، ويأخذ ماله، ويسفك دمه، ويسبه ويشتمه، ولو علم أنه ولي الله لما استطاع أن يؤذيه، والذي فعل بنا هذا هو الثالوث الأسود، والعدو الأكبر، المكون من المجوسية واليهودية والصليبية. فانظروا ما فعلوا بنا. ولو كنا نعتقد أن أهل هذه البلاد أو أهل القرية كلهم أولياء لما وجد من يسب ولي الله، أو يسرق ماله، أو يؤذيه في أهله أبداً.
وأزيدكم برهاناً واقعياً: كنا في جماعة جالسين ونحن أطفال، وكنا نجلس مع الكبار في القرية، فقالوا: فلان إذا زنى لم يمر بسيدي فلان، بل يمشي من شارع آخر بعيد. فإذا زنى بمؤمنة وهتك عرض أخيه وفسق عن أمر ربه وارتكب أكبر فاحشة فكل هذا لا بأس به، ولكنه لا يستطيع أن يمر بسيدي فلان الميت المقبور صاحب الضريح. وكان هذا هو مستوانا العلمي والفقهي.
بلغوا أن أولياء الله هم المؤمنون المتقون، وهم ليسوا الأموات، بل الأحياء، وعلى ذلك نحترم كل مؤمن، ونبجل كل مؤمن، ولا نؤذي أي مؤمن، ولو بكلمة نابية أو نظرة شزرة، فضلاً عن أن نزني بابنته، أو نمزق عرضه، أو نأكل ماله، أو نهينه ونتكبر عليه؛ لأنه ولي الله. فأولياء الله ليس سيدي عبد القادر فقط، واسمع بيان الهدى من كلام الله من سورة يونس عليه السلام، يقول تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. و(ألا) بمعنى: ألو، أي: اسمع وأنت حاضر بأحاسيسك إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [يونس:62]. لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا يوم القيامة. وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. فلا يخافون ولا يحزنون وهم أولياء الله، والله بيده كل شيء، وهو وليهم، وهؤلاء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:63-64]. وهذه الآية تساوي الدنيا بما فيها، ولا يحفظها من المؤمنين إلا واحد في الألف، فلنحفظ هذه الآية، وليس شرطاً أن نحفظ سورة يونس، فإذا سئلت عن أولياء الله فلا تقل: سيدي ابن عباس ، أو سيدي فلان، وكل العوام لا يعرفون إلا الذين ماتوا، ومنهم من يقول: سيدي أبو حمارة، ويقولون: إنه ولي، وهذه القصة معروفة، وهو أن مسافراً مع أخيه مات حمارهما ودفنوه، ثم وقفا عنده، فجاء الجهال يزورونه، ويقدمون الريالات، فبنيا عليها قبة وعاشا هناك، وكان إذا أراد أحد أن يحلف قالوا له: احلف بسيدي أبو حمارة، أو: بحق سيدي أبو حمارة. وهذا هو ما فعله بنا الثالوث الأسود المجوس واليهود والصليبيين.
وهكذا نكرر هذه التنبيهات؛ رجاء أن تنقل من ديار النبي إلى بلاد المسلمين، ولكن قل من يروي وينقل؛ لأنها ليس فيها ريالاً ولا درهماً.
وهذا النداء خطير وعظيم. وهيا نتغنى به؛ علنا نحفظه أولاً.
قال: [ الآيات (18 - 20) من سورة الحشر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:18-20] ] اللهم اجعلنا منهم.
فلنتغنى بهذا النداء في البيت وفي المسجد؛ لأنه يشرح الصدر، ويضيء البصيرة، ويزيد في طاقة الإيمان والنور. فلنحفظ هذا، ولنفهم مراد الله منه، ولنجب نداء الله، ونعرف ما نادى الله من أجله.
وهذا النداء في سورة الحشر، وأولها قوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:1].
[ الشرح: اذكر أيها القارئ الكريم! والمستمع ] المستفيد! ونقول: المستمع المستفيد؛ لأنه ليس المسلمون كلهم يقرءون، فمن لا يقرأ يقول لمن يقرأ: اسمعني نداء من نداءات ربي، فقد ناداني ربي والله العظيم، فيقرأ عليه النداء ويتغنى به ويسمع، فإن فهم المطلوب شرع في العمل والتطبيق، وإن لم يفهم يقول: من فضلك بين لي ما يريد الله مولاي وسيدي مني. هذا هو المستمع المستفيد.
قال: [ ثم كرر أمره السامي الحكيم بالتقوى، فقال: اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18] ] فكرره مرتين في الآية، وكرره لأهميته، إذ لا سعادة ولا كمال في الدنيا ولا في الآخرة والله إلا بتقوى الله، فمن باب حبه لنا، ونصحه لأوليائه أنه أمر بالتقوى، وكرر الأمر إذ كمالهم وسعادتهم متوقفة على تقوى الله.
ولن تستطيع والله أن تحقق ولاية الله وحبه لك وأنت لا تعرف ما يحب ولا ما يكره، وإنما حتى تعرف محابه فتحبها، وتعرف مساخطه فتسخطها وتكرهها، فلهذا لا يوجد بين أولياء الله ولي ولا ولية جاهل أبداً. وهذا هو الواقع. فلا يمكنك أن تحقق ولاية الله وأنت لا تعرف ما يحب ولا ما يكره؛ لأنك قد تحب ما يكره، وحينئذ تكون قد عكست الأمر فيبغضك، وقد تكره ما يحب، فتعكس الأمر أيضاً فيبغضك، فلن تكون ولياً حتى تحب ما يحب، ولا تكره إلا ما يكره، والطريق إلى ذلك هو سؤال أهل العلم، كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]. فإذا كان العالم في قرية بني فلان فامش إليه على دابتك أو على بغلتك أو على رجليك، واقرع بابه في أدب، وقل له: يا شيخ! دلني على شيء يحبه ربي، فيدلك، ثم ارجع بعد أسبوع، وقل له: دلني على شيء يكرهه مولاي؛ حتى أكرهه، فيدلك، فتكرهه، ولا تزال تتعلم وتعمل حتى تتحقق ولاية الله لك. ولا تقل: ليس هناك حاجة إلى أن أركب على الدابة وأذهب لأسأل العالم، فهذا جابر بن عبد الله أحد رجالات الأنصار وشبيبتهم، وكان أبوه أحد شبيبة أحد، واسمه عبد الله بن حرام ، فـجابر بن عبد الله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن فلاناً يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث، وكان فلان هذا في مدينة حمص بالشام، فأبى جابر إلا أن يركب راحلته من هذا المكان، ويسافر إلى حمص أربعين يوماً؛ ليسمع حديثاً واحداً. وهذه القصة صحيحة. ووالله لو كان جابر مثلنا لما اجتمعنا هذه الليلة، ولا بلغ الإسلام ديارنا، ولا عرفنا الله. فقد انتشر الإسلام في العالم في ظرف ربع قرن، في خمسٍ وعشرين سنة، ووصل إلى ما وراء نهر السند ووصل إلى الأندلس، ولو كان أولئك الرجال مثلنا والله ما وصل، فنحن نجلس نسمع ونضحك، (50%) أو (70%) إذا اجتمعوا لا يبالون، ولا يفهمون، وسواء عندهم عملوا أم لم يعملوا، فهذا غير مهم عندهم.
هذا هو طريق العودة، وليس هناك طريق إلا هذا. وهكذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا لم نستطع أن نفعل هذا، فلنرض بالخبث والشر، والظلم والفساد، والكبر والحسد، والعناد والشهوات التي خمت الدنيا وخبثت الكون.
ولا يمكن لنظام أو قانون غير هذا أن يهذب الأرواح ويزكي النفوس، ويعد الأمة لتنظر إلى السماء، وتغفل عن الدنيا وما فيها؛ حتى تكمل وتسعد، وهذا والله ما كان ولن يكون، وقد جربنا الشيوعية والاشتراكية، والديمقراطية والباطنية، والخرافات اليهودية، ولم تنتج لنا شيئاً، وهيا نجرب هذا ليلة. ولكن العلماء أموات.
ووالله لو كنت أنا في قرية وسمعت هذا الكلام لجربته في هذه القرية، ولدعوت أهل القرية وقبلت أيديهم حتى يجتمعوا معنا، ولكننا كأنما أخذت الحياة منا. وهذا يا أيها الفطناء! ويا أيها الأذكياء! لا يكلف أهل القرية شيئاً، فهم إذا اجتمعوا في بيت ربهم بنسائهم وأطفالهم لا يحرمون من المطر، ولا يصابون بالمرض، ولا تقل دنانيرهم ولا دراهمهم، ولا يكثر فيهم الفساد والشر، ووالله لا يحصل لهن إلا الخير والصفا، والطهر والولاء، والأخوة والمحبة والتعاون، ولا يمكن والله أن يحصل إخاء وتعاون ومودة وحب من دون هذا الطريق، ومستحيل أن يحصل.
وإبراهيم عندما كان يبني الكعبة مع إسماعيل كانا يقولان كلمات طيبة سجلها الله لنا في كتابه: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة:129] مهمته يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]. ونحن لسنا أعلم من إبراهيم بالنافع والصالح، وقد استجاب الله له، واقرءوا قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]. وقد نجح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا. وقد بدأ الإسلام بمحمد صلى الله عليه وسلم وخديجة وعلي بن أبي طالب ومولاه زيد ، أي: بأربعة أنفار، وفي خمسة وعشرين سنة ازدهرت الدنيا بنور الله، وهو لم يبدأ بحزب ولا منظمة ولا جيش، وإنما بدأ برسول الله، وخديجة وهي امرأة حرة، وغلام صغير وهو علي بن أبي طالب ، وشيخ عظيم وهو أبو بكر الصديق ، وفي خمسة وعشرين سنة انتشر الإسلام في العالم. ونحن اليوم أقل مدينة فيها خمسين ألف مؤمن، والقرية فيها خمسة آلاف مؤمن، وليس مؤمناً واحداً، ولن تزدهر القرية إلا بالحب والولاء، والصدق والوفاء، والطهر والكمال، والأخوة والمحبة والتعاون، وإذا دخلت القرية فإنك لا تسمع فيها إلا السب والشتم، والكبر والحسد، وهذا هو واقعنا؛ لأننا ما ربينا في حجور الصالحين، ولا جلسنا هذا المجلس خمس سنوات أو عشر سنوات نتلقى الكتاب والحكمة، ولا عرفنا هذا لا سمعنا به. وبلغوا هذا معاشر المستمعين والمستمعات! وانقلوا هذه الأحاديث إلى ديارنا في الشرق والغرب.
أولاً: وجوب تقوى الله تعالى بفعل محابه وترك مكارهه ] ولا بد أن تعلم المحبوب، وأن تعلم المكروه، وهذا قد دل عليه هذا النداء، فقال تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18]. فاذكر هذا.
[ ثانياً: وجوب مراقبة الله تعالى حتى لا تغفل فتقع في المعصية ] فالذي لا يراقب الله فإنه يغفل، وينغمس في بؤرة الفساد، ولا يستعصم ويستمسك إلا من يراقب الله دائماً وأبداً، فهذا لا تزل قدماه، ولا يقع في المعصية، ولا يقع فيها إلا الذين ينسون الله، وكأنهم يعيشون وحدهم والله بعيد عنهم، وليس معهم، فهم الذين يقعون، وأما الذي يعرف أنه بين يدي الله فوالله إنه لا يستطيع أن يجاهر بمعصية. ولهذا قال: اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18]، أي: راقبوه. وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18].
[ ثالثاً: التحذير من نسيان الله تعالى؛ فإنه يفضي بالعبد إلى الفسق، والعياذ بالله تعالى ] ونسيان الله يكون بالقلب واللسان، والذاكرون يذكرون الله بقلوبهم وألسنتهم، ولا يوجد شخص يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ويجهر بها ويمد يده ليسرق، أو يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ويسب فلاناً ويشتمه. فذكر الله أكبر حصن، من دخله أمن، ومن خرج منه وقع وتمزق وتلاشى، ووالله ما زنى زانٍ ولا سرق سارق ولا فجر فاجر ولا كذب كاذب إلا بعد النسيان، فعندما ينسى الله يقع.
والفسق هو الخروج عن طاعة الله ورسوله، فمن خرج عن الطاعة فسق، وهذا مأخوذ من فسقت الفأرة، أي: خرجت من جحرها، وتسمى الفويسقة؛ لأنها تخرج من جحرها وتطفئ علينا النار أو المصباح، فكل من خرج عن طاعة الله بترك واجب أو فعل حرام يقال فيه: قد فسق، وهو فاسق.
[ رابعاً: خطب أبو بكر الصديق خطبة طويلة ] في المؤمنين في هذا المسجد أيام خلافته [ إليك منها هذه الكلمات ] التالية: [ قال رضي الله عنه: لا خير في قول لا يراد به وجه الله ] فمن قال قولاً لا يريد به رضى الله ووجه الله فلا خير في هذا القول. ومعنى هذا: لا تقل آمراً ولا ناهياً ولا محدثاً ولا واعظاً ولا ناصحاً إلا وأنت تريد رضى الله، ولا تريد أن يشكرك زيد، ولا أن يثني عليك عمرو، ولا أن تحصل منه على شيء، فانتبه، وكن عبد الله المخلص له [ ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله ] وإنما ينفق في سبيل الشيطان، وفي الزنا والجرائم والموبقات والإسراف والتبذير [ ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه] أي: الذي يطغى فيه الجهل على الحلم، فيصبح الجهل أقوى من الحلم، فهذا لا فيه خير؛ لأن جهله يغلب حلمه، فيسب ويشتم ويعير، وإذا غلب الحلم الجهل غطى الحلم الجهل بحسنه [ ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم ] لأنه لا يستطيع أن يقول: يا فلان! اتق الله، أو لا تعصِ الله؛ لأنه يخاف من فلان وفلان، ولا يستطيع أن يقول: يا فلان! افعل الخير واتق الله؛ لأنه يخاف أن يلوموه. فلا تبالي بمن يلومك، بل مر بالمعروف، وانه عن المنكر بآداب وأخلاق، ولا تبالي إذا سبوك أو شتموك أو حرشوا عليك الحاكم، فلا تأخذك في الله لومة لائم، وكذلك قل بأدب وعلم ولطف وظرافة، ولا تبالي بمن ينتقدك ولا بمن يطعن فيك. هذه كلمات الصديق [ فاذكر هذا، وذكر به، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].
وهذا النداء الجليل هو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:18-20]. اللهم اجعلنا منهم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , نداءات الرحمن لأهل الإيمان 82 للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net